حكم الذبائج المستوردة

حكم الذبائح المستوردة
أولا: تمهيد يعتبر مدخلا إلى بحث الموضوع
إن الحكم على ما يقع في الكون من جزئيات يتوقف على تشخيصها وشرح حالاتها ثم تطبيق القواعد الكلية التي تناسبها عليها ثم إبداء الحكـم عليها وصدوره ممن نظر فيها، فالحكم على الذبائح المستوردة من دول كافرة بحل أو حرمة يتوقف:
أولا : على معرفة الذبائح .
* كيفية الذبح ونوع الآلة التي بها ذبحت.
* ذكر اسم الله أو غيره عليها أو عدم ذكر شيء من ذلك.
* الغرض الذي من أجله حصل الذبح إلى غير ذلك مما له صلة بحل الذبيحة أو حرمتها.
ثانيا : معرفة ضوابط الذبح الشرعي وما يشترط فيه من شروط بتطبيق ذلك على ما عرف من واقع الذبائح يمكن الحكـم عليها بحل أو حرمة؛ لذا كان الحديث على هذه الأمور لزاما ليصدر الحكم عليها عن بينة وبصيرة.
ثالثا : ذكر طريقة الذبح الشرعية وما صدر من فتاوى في تلك الذبائح من علماء العصر، صدر في ذلك بيان عن طريقة الذبح، وفتاوى من علماء العصر مستقاة من فقه الشريعة الإسلامية فيما يحل وما يحرم من الذبائح المستوردة من بلاد الكفار نثبتها فيما يلي:
ثانيا : ذكر طريقة الذبح الشرعية ، وما صدر من فتاوى في الذبائح المستوردة :
الصفة المشروعة في الذبح والنحر
بين سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله مفتي المملكة العربية السعودية - سابقا - صفة الذكاة الشرعية - فقال :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على النبي الناصح الأمين ، وعلى آله وأصحابه الغر المحجلين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإنه يرد إلى هذه الدار أسئلة عن الصفة المشروعة في الذبح والنحر ، ويذكر من سأل عن ذلك أنه شاهد وعلم ما لا يتفق مع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
ونظرا إلى أن هذا يشترك فيه الخاص والعام رأينا أن تكون الإجابة خارجة مخرج التبليغ للعموم ؛ أداء للأمانة ، ونصحا للأمة فنقول :
اعلم وفقنا الله وإياك : أن الذكاة المشروعة لها شروط وسنن ، ونقدم لذلك حديثا عاما ، ثم نذكر بعده الشروط ثم السنن .
أما الحديث : فروى مسلم وأصحاب السنن عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1955),سنن الترمذي الديات (1409),سنن النسائي الضحايا (4411),سنن أبو داود الضحايا (2815),سنن ابن ماجه الذبائح (3170),مسند أحمد بن حنبل (4/125),سنن الدارمي الأضاحي (1970). إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته  
وأما الشروط فأربعة :
الأول : أهلية المذكي : بأن يكون عاقلا ولو مميزا مسلما أو أبواه كتابيان ، والأصل في هذا ما ثبت في [ الصحيحين ] عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  صحيح البخاري بدء الوحي (1),صحيح مسلم الإمارة (1907),سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647),سنن النسائي الطهارة (75),سنن أبو داود الطلاق (2201),سنن ابن ماجه الزهد (4227),مسند أحمد بن حنبل (1/43). إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى  الحديث ، وما ثبت في [ مسند الإمام أحمد ] و [ سنن أبي داود ] عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  سنن أبو داود الصلاة (495),مسند أحمد بن حنبل (2/187). مروا أبناءكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع  فكل من البالغ والمميز يوصف بالعقل ؛ ولهذا يصح من المميز قصد العبادة ، وقوله تعالى : سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  وقد ثبت في [ صحيح البخاري ] عن ابن عباس رضي الله عنه : أنه ( فسر طعامهم بذبائحهم ) .
الثاني : الآلة : فتباح بكل ما أنهر الدم بحده ، إلا السن والظفر ، والأصل في هذا : ما أخرجه البخاري في [ صحيحه ] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  صحيح البخاري الذبائح والصيد (5190),صحيح مسلم الأضاحي (1968),سنن النسائي الضحايا (4410),سنن أبو داود الضحايا (2821). ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ، ليس السن والظفر  .
الثالث : قطع الحلقوم ، وهو : مجرى النفس ، والمريء ، وهو : مجرى الطعام ، والودجين ، والأصل في هذا : ما ثبت في [ سنن أبي داود ] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :  سنن أبو داود الضحايا (2826),مسند أحمد بن حنبل (1/289). نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان  ، وهي : التي تذبح فيقطع الجلد ولا تفري الأوداج ، ومعلوم أن النهي في الأصل يقتضي التحريم ، وفي [ سنن سعيد بن منصور ] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( إذا أهريق الدم وقطع الودج فكل ) إسناده حسن ، ومحل قطع ما ذكر الحلق واللبة وهي : الوهدة التي بين أصل العنق والصدر ، ولا يجوز في غير ذلك بالإجماع ، قال عمر : النحر في اللبة والحلق ، وثبت في [ سنن الدارقطني ] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :  بعث النبي صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء يصيح في فجاج منى ألا إن الذكاة في الحلق واللبة  .
الرابع : التسمية ، فيقول الذابح عند حركة يده بالذبح : بسم الله ، الأصل في هذا قوله تعالى : سورة الأنعام الآية 121  وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ  وقال تعالى : سورة الأنعام الآية 118  فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ  فالله جل وعلا غاير بين الحالتين ، وفرق بين الحكمين ، لكن إن ترك التسمية نسيانا حلت ذبيحته ؛ لما رواه سعيد بن منصور في [ سننه ] عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  ذبيحة المسلم حلال ، وإن لم يسم إذا لم يتعمد  فإن اختل شرط من هذه الشروط فإن الذبيحة لا تحل .
وأما السنن فهي ما يلي :
1 ، 2 - أن تكون الآلة حادة ، وأن يحمل عليها بقوة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :
 صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1955),سنن الترمذي الديات (1409),سنن النسائي الضحايا (4405),سنن أبو داود الضحايا (2815),سنن ابن ماجه الذبائح (3170),مسند أحمد بن حنبل (4/125),سنن الدارمي الأضاحي (1970). وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته  .
3 ، 4 - حد الآلة والحيوان الذي يراد ذبحه لا يراه ، ومواراة الذبيحة عن البهائم وقت الذبح ؛ لما ثبت في [ مسند الإمام أحمد ] عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه :  سنن ابن ماجه الذبائح (3172),مسند أحمد بن حنبل (2/108). أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحد الشفار ، وأن توارى عن
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 612)
البهائم  وما ثبت في [ معجمي الطبراني الكبير والأوسط ] ورجاله رجال الصحيح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال :  مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها ، قال : أفلا قبل هذا أوتريد أن تميتها موتتين  .
5 - توجيهها إلى القبلة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ذبح ذبيحة أو نحر هديا إلا وجهه إلى القبلة ، وتكون الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى ، والغنم والبقر على جنبها الأيسر .
6 - تأخير كسر عنقه وسلخه حتى يبرد - أي : بعد خروج روحه - لحديث أبي هريرة رضي الله عنه :  بعث النبي صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى بكلمات منها : لا تعجلوا الأنفس قبل أن تزهق  رواه الدارقطني .
هذا ونسأل الله أن يرزق المسلمين التمسك بدينهم على الوجه الذي يرضاه حتى يلقوه . وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه .
وقال الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره آية سورة المائدة الآية 5  الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  بعد ذكر مناسبتها لما قبلها : وفسر الجمهور الطعام هنا بالذبائح أو اللحوم ؛ لأن غيرها حلال بقاعدة أصل الحل ، ولم تحرم من المشركين ، وإلا فالظاهر أنه عام يشملها ، ومذهب الشيعة : أن المراد بالطعام الحبوب أو البر ؛ لأنه الغالب فيه ، وقد سئلت عن هذا في مجلس كان أكثره منهم وذكرت الآية ، فقلت : ليس هذا
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 613)
هو الغالب في لغة القرآن ، فقد قال الله تعالى في هذه السورة أي المائدة : سورة المائدة الآية 96  أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ  ولا يقول أحد : أن الطعام من صيد البحر هو البر أو الحبوب ، وقال : سورة آل عمران الآية 93  كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ  ولم يقل أحد : إن المراد بالطعام هنا البر أو الحب مطلقا ، إذ لم يحرم شيء منه على بني إسرائيل لا قبل التوراة ولا بعدها . فالطعام في الأصل : كل ما يطعم ، أي : يذاق أو يؤكل ، قال تعالى في ماء النهر حكاية عن طالوت : سورة البقرة الآية 249  فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي  وقال : سورة الأحزاب الآية 53  فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا  أي : أكلتم ، وليس الحب مظنة التحليل والتحريم ، وإنما اللحم هو الذي يعرض له ذلك لوصف حسي : كموت الحيوان حتف أنفه وما في معناه ، أو معنوي : كالتقريب إلى غير الله عليه؛ ولذلك قال تعالى : سورة الأنعام الآية 145  قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا  الآية ، وكله يتعلق بالحيوان ، وهو نص في حصر التحريم فيما ذكر فتحريم ما عداه يحتاج إلى نص .
وقد شدد الله فيما كان عليه مشركو العرب من أكل الميتة بأنواعها المتقدمة والذبح للأصنام ؛ لئلا يتساهل به المسلمون الأولون تبعا للعادة ،
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 614)
وكان أهل الكتاب أبعد منهم عن أكل الميتة والذبح لغير الله ، ولأنه كان من سياسة الدين التشديد في معاملة مشركي العرب حتى لا يبقى في الجزيرة منهم أحد إلا ويدخل في الإسلام ، وخفف في معاملة أهل الكتاب استمالة لهم ، حتى إن ابن جرير روى عن أبي الدرداء وابن زيد أنهما سئلا عما ذبحوه للكنائس ؟ فأفتيا بأكله ، قال ابن زيد : أحل الله طعامهم ، ولم يستثن منه شيئا ، وأما أبو الدرداء فقد سئل عن كبش ذبح لكنيسة يقال لها : جرجس أهدوه لها ، أنأكل منه ؟ فقال أبو الدرداء للسائل : اللهم عفوا ، إنما هم أهل كتاب طعامهم حل لنا وطعامنا حل لهم ، وأمره بأكله ، وروى ابن جرير أيضا وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في [ سننه ] عن ابن عباس في قوله : سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  قال : ذبائحهم .
وروى مثله عبد بن حميد عن مجاهد وعبد الرزاق عن إبراهيم النخعي ، وقد أجمع الصحابة والتابعون على هذا ، وأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الشاة التي أهدتها إليه اليهودية ووضعت له السم في ذراعها ، وكان الصحابة يأكلون من طعام النصارى في الشام بغير نكير ، ولم ينقل عن أحد منهم خلاف إلا في بني تغلب وهم بطن من العرب انتسبوا إلى النصارى ولم يعرفوا من دينهم شيئا ، فنقل عن علي كرم الله وجهه : أنه لم يجز أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم ، معللا ذلك بأنهم لم يأخذوا من النصارى إلا شرب الخمر ، يعني : أنهم على شركهم لم يصيروا أهل كتاب ، واكتفى جمهور الصحابة بانتمائهم إلى النصرانية ، روى ابن جرير عن عكرمة قال :
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 615)
سئل ابن عباس عن ذبائح نصارى بني تغلب ؟ فقرأ هذه الآية سورة المائدة الآية 51  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ  وفي رواية له عنه : أنه قال : كلوا من ذبائح بني تغلب وتزوجوا من نسائهم ، فإن الله تعالى قال : وقرأ الآية ، فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم ، أي : يكفي في كونهم منهم نصرهم لهم وتوليهم إياهم في الحرب ، ولما كان من شأن كثير من الناس التعمق في الأشياء وحب التشديد مع المخالفين ، استنبط بعض الفقهاء في هذا المقام مسألة جعلوها محل النظر والاجتهاد ، وهل هي العبرة في حل طعام أهل الكتاب والتزوج منهم بمن كانوا يدينون بالكتاب ( كالتوراة والإنجيل ) كيفما كان كتابهم وكانت أحوالهم وأنسابهم ، أم العبرة باتباع الكتاب قبل التحريف والتبديل وبأهله الأصليين كالإسرائيليين من اليهود ، المتبادر من نص القرآن ومن السنة وعمل الصحابة : أنه لا وجه لهذه المسألة ولا محل ، فالله تعالى قد أحل أكل طعام أهل الكتاب ، ونكاح نسائهم على الحال التي كانوا عليها في زمن التنزيل ، وكان هذا من آخر ما نزل من القرآن ، وكان أهل الكتاب من شعوب شتى ، وقد وصفهم بأنهم حرفوا كتبهم ، ونسوا حظا مما ذكروا به في هذه السورة نفسها ، كما وصفهم بمثل ذلك فيما نزل قبلها ، ولم يتغير يوم استنبط الفقهاء تلك المسألة شيء من ذلك . وقد تقدم في تفسير قوله تعالى : سورة البقرة الآية 256  لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ  أن سبب نزولها : محاولة بعض الأنصار
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 616)
إكراه أولاد لهم كانوا تهودوا على الرجوع إلى الإسلام ، فلما نزلت أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بتخييرهم ، ولا شك أنه كان في يهود المدينة وغيرهم كثير من العرب الخلص ، ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدون بينهم في حكم من الأحكام .
واستنبط بعضهم علة أخرى لتحريم طعام أهل الكتاب والتزوج منهم ، وهي : إسناد الشرك إليهم في سورة التوبة بقوله تعالى : سورة التوبة الآية 31  اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ  مع قوله في سورة البقرة : سورة البقرة الآية 221  وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ  وهذا هو عمدة الشيعة في هذه المسألة .
وأجيب عنه :
أولا : بأن الشرك المطلق في القرآن إذا كان وصفا أو عد أهله صنفا من أصناف الناس لا يدخل فيه أهل الكتاب ، بل يعدون صنفا آخر مغايرا لهذا الصنف ، كما قال تعالى : سورة البينة الآية 1  لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ  وقال : سورة الحج الآية 17  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا  الآية .
وثانيا : بأننا إذا فرضنا أن المشركين في آية البقرة عام . فلا مندوحة لنا
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 617)
عن القول بأن هذه الآية قد خصصته أو نسخته لتأخرها بالاتفاق ولجريان العمل عليها ، ومنه : أن حذيفة بن اليمان من أكبر علماء الصحابة قد تزوج بيهودية ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ، ثم قال : مجمل معنى الآية : سورة المائدة الآية 5  الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ  من الطعام ، فلا بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ، وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم بمقتضى الأصل لم يحرم الله عليكم قط ، وطعامكم حل لهم كذلك أيضا ، فلكم أن تأكلوا من اللحوم التي ذكوا حيوانها أو صادوه كيفما كانت تذكيته وصيده عندهم ، وأن تطعموهم مما تذكون وتصطادون ، ويدخل في ذلك لحم الأضحية خلافا لمن منعه ، ولا يخرج منه إلا ما كان خاصا بقوم لا يشملهم وصفهم كالمنذور على أناس معينين بالذوات أو بالوصف ، والمحصنات من المؤمنات ومن الذين أوتوا الكتاب من قبلكم حل لكم كذلك ، بمقتضى الأصل ، وما قرره في آية النساء : سورة النساء الآية 24  وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ  لم يحرمهن الله عليكم إذا أعطيتموهن مهورهن التي تفرضونها لهن عند العقد - وإلا وجب لهن مهر المثل - بشرط أن تكونوا قاصدين بالزواج إحصان أنفسكم وأنفسهن ، لا الفجور المراد به : سفح الماء جهرا ولا سرا ، وسيأتي بيان ما هو الاحتياط وبحث اختلاف الزمان في المسألة ، والتعبير بقوله : سورة المائدة الآية 5  الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ  إنشاء لحلها العام الدائم ، كما تقدم ، ولكنه لم يقل مثل ذلك فيما بعده ، بل قال : سورة المائدة الآية 5  حِلٌّ لَكُمْ  وهو خبر مقرر للأصل في المسألتين : مسألة مواكلة أهل الكتاب ، ومسألة نكاح نسائهم ، فلم يكن شيء منها
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 618)
محرما من قبل وأحل في ذلك اليوم لا بتحريم من الله ولا بتحريم من الناس على أنفسهم كما حرموا بعض الطيبات فهذا ما ظهر لنا من نكتة اختلاف التعبير ، وسكت عنه الباحثون في نكت البلاغة الذين اطلعنا على كلامهم .
وحكمة النص على هذا الحل : قطع الطريق على الغلاة أن يحرموه باجتهادهم أو أهوائهم ، على أن منهم من حرمه مع النص الصريح ، ونص على أن طعامنا حل لهم دون نسائنا ، فليس لنا أن نزوجهم منا ؛ لأن كمال الإسلام وسماحته لا يظهران من المرأة لسلطان الرجل عليها ، هذا هو المتبادر لمن يفهم العبارة مجردا من تقاليد المذاهب ، فمن فهم مثل فهمنا ففهمه حاكم عليه ولا نجيز أحدا أن يقلدنا فيه تقليدا .
فصل في طعام الوثنيين ونكاح نسائهم :
أخذ الجماهير من مفهوم أهل الكتاب : أن طعام الوثنيين لا يحل للمسلمين ، وكذا نكاح نسائهم ، سواء منهم من يحتج بمفهوم المخالفة في اللقب كالدقاق وبعض الشافعية ، ومن لا يحتج به وهم الجمهور ، والقرآن لم يحرم طعام الوثنيين ولا طعام مشركي العرب مطلقا ، كما حرم نكاح نسائهم ، بل حرم ما أهل به لغير الله من ذبائحهم ، كما حرم ما كان يأكله بعضهم من الميتة والدم المسفوح ، وحرم لحم الخنزير .
واختلف الفقهاء في المجوس والصابئين : فالصابئون عند أبي حنيفة كأهل الكتاب والمجوس ، كذلك عند أبي ثور ، خلافا للجمهور الذين يقولون : إنهم يعاملون معاملة أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط ، ويروون
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 619)
في ذلك حديثا :  موطأ مالك الزكاة (617). سنوا بهم سنة أهل الكتاب ، غير آكلي ذبائحهم ، ولا ناكحي نسائهم  ، ولا يصح هذا الاستثناء كما صرح به المحدثون ، ولكنه اشتهر عند الفقهاء ، ويقال : إن الفريقين كانا أهل كتاب فقدوه بطول الأمد ، وهذا ما كنت أعتقده قبل أن أرى فيه نقلا عن أحد من سلفنا وعلماء الملل والتاريخ منا ، وذكرته في المنار غير مرة ، ثم رأيت في كتاب [ الفرق بين الفرق ] لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي ( المتوفى سنة 429 ) في سياق الكلام على الباطنية ( أن المجوس يدعون نبوة ( زرادشت ) ونزول الوحي عليه من عند الله تعالى ، والصابئين يدعون نبوة ( هرمس ) و ( أليس ) و ( دوريتوس ) و ( أفلاطون ) وجماعة من الفلاسفة ، وسائر أصحاب الشرائع كل صنف منهم مقرون بنزول الوحي من السماء على الذين أقروا بنبوتهم ، ويقولون : ( إن ذلك الوحي شامل للأمر والنهي والخبر عن عاقبة الموت وعن ثواب وعقاب وجنة ونار يكون فيهما الجزاء عن الأعمال السالفة ، ثم ذكر أن الباطنية ينكرون ذلك ) . ثم قال : ومن المعلوم أن القرآن صرح بقبول الجزية من أهل الكتاب ، ولم يذكر أنها تؤخذ من غيرهم ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء رضي الله عنهم لا يقبلونها من مشركي العرب ، وقبلوها من المجوس في البحرين وهجر وبلاد فارس ، كما في [ الصحيحين ] وغيرهما من كتب الحديث ، وقد روى أخذ النبي الجزية من مجوس هجر : أحمد ، والبخاري ، وأبو داود ، والترمذي ، وغيرهم - من حديث عبد الرحمن بن عوف : أنه شهد لعمر بذلك عندما استشار الصحابة فيه ، وروى مالك والشافعي عنه أنه قال : أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 620)
يقول :  موطأ مالك الزكاة (617). سنوا بهم سنة أهل الكتاب  وفي سنده انقطاع ، واستدل به صاحب [ المنتقى ] وغيره على أنهم لا يعدون أهل كتاب ، وليس بقوي ، فإن إطلاق كلمة أهل الكتاب على الطائفتين من الناس لتحقق أصل كتبهما وزيادة خصائصهما - لا يقتضي أنه ليس في العالم أهل كتاب غيرهم ، مع العلم بأن الله بعث في كل أمة رسلا مبشرين ومنذرين ، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ، كما أن إطلاق لقب ( العلماء ) على طائفة معينة من الناس لها مزايا مخصوصة لا يقتضي انحصار العلم فيهم وسلبه عن غيرهم .
وقد ورد في روايات أخرى التصريح بأنهم كانوا أهل كتاب قال في [ نيل الأوطار ] عند قول صاحب [ المنتقى ] واستدل بقوله : سنة أهل الكتاب على أنهم ليسوا أهل كتاب ما نصه : لكن روى الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد حسن عن علي ( كان المجوس أهل كتاب يدرسونه وعلم يقرءونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم ، وقال : إن آدم كان ينكح أولاده بناته ، فأطاعوه وقتل من خالفه ، فأسري على كتابهم وعلى ما في قلوبهم منه ، فلم يبق عندهم من شيء ) وروى عبد بن حميد في تفسير سورة ( البروج ) بإسناد صحيح عن ابن أبزى لما هزم المسلمون أهل فارس قال عمر : اجتمعوا ( أي : قال للصحابة : اجتمعوا للمشاورة كما هي السنة المتبعة والفريضة اللازمة ) فقال : إن المجوس ليسوا أهل كتاب فنضع عليهم الجزية ، ولا من عبدة الأوثان فنجري عليهم أحكامهم ، فقال علي : بل هم أهل كتاب فذكر نحوه ، لكن قال : فوقع على ابنته ، وقال في آخره : فوضع الأخدود لمن خالفه فهذه حجة من قال : كان لهم كتاب ، وأما قول ابن بطال : لو كان لهم
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 621)
كتاب ورفع لرفع حكمه ، ولما استثنى حل ذبائحهم ونكاح نسائهم فالجواب : أن الاستثناء وقع تبعا للأمر الوارد ؛ لأن في ذلك شبهة تقتضي حقن الدم بخلاف النكاح فإنه يحتاط له .
وقال ابن المنذر : ليس تحريم نكاحهم وذبائحهم متفقا عليه ، ولكن الأكثر من أهل العلم عليه . اهـ .
إذا علمت هذا تبين لك : أن العلماء لم يجمعوا على أن لفظ المشركين و الذين أشركوا يتناول جميع الذين كفروا بنبينا ، ولم يدخلوا في ديننا ، ولا جميع من عدا اليهود والنصارى منهم ، فهذا نقل صحيح في المجوس ، ومنه تعلم أن للاجتهاد مجالا لجعل لفظ المشركات والمشركين في القرآن خاص بوثني العرب ، وأن يقاس عليهم من ليس لهم كتاب ولا شبهه كتاب يقربهم من الإسلام ، كما أن أهل الكتاب فيه خاصة باليهود والنصارى ، ويقاس عليهم من عندهم كتب لا يعرف أصلها ، ولكنها تقربهم من الإسلام بما فيها من الآداب والشرائع كالمجوس وغيرهم ممن على شاكلتهم ، وقد صرح قتادة من مفسري السلف بأن المراد بالمشركين والمشركات في الآية العرب ، كما سيأتي .
مذهب الحنفية في ذبائح أهل الكتاب :
ثم ذكر آراء الفقهاء في الموضوع ، فقال : جاء في ( ص 97 من الجزء الثاني من [ العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية ] لابن عابدين الشهير صاحب الحاشية الشهيرة على [ الدر المختار ] ما نصه :
وسئل في ذبيحة العربي الكتابي ، هل تحل مطلقا أو لا ؟
الجواب : تحل ذبيحة الكتابي ؛ لأن من شرطها كون الذابح صاحب ملة
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 622)
التوحيد حقيقة كالمسلم أو دعوة كالكتابي ؛ ولأنه مؤمن بكتاب من كتب الله تعالى ، وتحل مناكحته ، فصار كالمسلم في ذلك ، ولا فرق في الكتابي بين أن يكون ذميا يهوديا حربيا أو عربيا أو تغلبيا ؛ لإطلاق قوله تعالى :
سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ  والمراد بطعامهم : مذكاهم .
قال البخاري رحمه الله تعالى في [ صحيحه ] : قال : ابن عباس رضي الله عنهما : وطعام ذبائحهم ، ولأن مطلق الطعام غير المذكى يحل من أي كافر كان بالإجماع ، فوجب تخصيصه بالمذكى ، وهذا لم يسمع من الكتابي أنه سمى غير الله كالمسيح والعزيز ، وأما لو سمع فلا تحل ذبيحته ؛ لقوله تعالى : سورة المائدة الآية 3  وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ  وهو كالمسلم في ذلك .
وهل يشترط في اليهودي أن يكون إسرائيليا ، وفي النصراني أنه لا يعتقد أن المسيح إله له ؟
مقتضى إطلاق ( الهداية ) وغيرها ، وعدم الاشتراط به أفتى به الجد في الإسرائيلي ، وشرط في [ المستصفى ] لحل مناكحهم عدم اعتقاد النصراني ذلك ، وكذلك في [ المبسوط ] فإنه قال : ويجب أن لا يأكلوا ذبائح أهل الكتاب إن اعتقدوا أن المسيح إله ، وأن عزيزا إله ، ولا يتزوجوا نساءهم ، لكن في [ مبسوط شمس الأئمة ] : وتحل ذبيحة النصراني مطلقا ، سواء قال : ثالث ثلاثة أو لا ، ومقتضى إطلاق الآية الجواز كما ذكره التمرتاشي في [ فتاواه ] والأولى أن لا تؤكل ذبيحتهم ، ولا يتزوج منهم إلا لضرورة كما حققه الكمال بن الهمام .
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 623)
والله ولي الإنعام ، والحمد لله على دين الإسلام ، والصلاة والسلام ، على محمد سيد الأنام .
وقال العلامة قاسم في [ رسائله ] : قال الإمام : ومن دان دين اليهود والنصارى من الصابئة والسامرة أكل ذبيحته ، وحل نساؤه ، وحكي عن عمر رضي الله عنه : أنه كتب إليهم فيهم أو في أحدهم ، فكتب مثل ما قلنا ، فإذا كانوا يعترفون باليهودية والنصرانية فقد علمنا أن النصارى فرق ، فلا يجوز إذا اجتمعت النصرانية بينهم أن تزعم أن بعضهم تحل ذبيحته ونساؤه ، وبعضهم يحرم - إلا بخبر ملزم ، ولا نعلم في هذا خبرا ، فمن جمعته اليهودية والنصرانية فحكمه واحد ، اهـ بحروفه ، اهـ ما في [ تنقيح الفتاوى الحامدية ] بحروفه ، وبهذه الفتوى أيد بعض علماء الأزهر الفتوى الترنسفالية للأستاذ الإمام .
حكم ما خنقه أهل الكتاب عند الحنفية :
ذكر الشيخ محمد بيرم الخامس الفقيه الحنفي في كتابه [ صفوة الاعتبار ] مبحثا طويلا في ذبائح أهل أوربة ، ونقل عن علماء مذهبه : أن ذبائح أهل الكتاب حلال مطلقا ، وجاء بتفصيل أنواع المأكول في أوربة ، ثم قال ما نصه : ( وأما مسألة الخنق فإن كان لمجرد شك فلا تأثير له كما تقدم ، وإن كان لتحقق فلم أر حكم المسألة مصرحا به عندنا ، وقياسها على تحقيق تسمية غير الله أنها محرمة عند الحنفية ، وأما عند من يرى الحل في مسألة التسمية كما هو مذهب جمع عظيم من الصحابة والتابعين والأئمة والمجتهدين ، فالقياس عليها يفيد الحلية حيث خصصوا بآية : سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  وآية : سورة الأنعام الآية 121  وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ  الآية .
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 624)
سورة المائدة الآية 3  وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ  وكذلك تكون مخصصة لآية المنخنقة ، ويكون حكم الآيتين خاصا بفعل المسلمين والإباحة في طعام أهل الكتاب إذ لا فرق بين ما أهل لغير الله وما خنق ، فإذا أبيح الأول فيما يفعله أهل الكتاب كذلك الثاني ، وقد كنت رأيت رسالة لأحد أفاضل المالكية نص فيها على الحل وجلب النصوص من مذاهبه بما يثلج به الصدر السليم إذا كان عمل الخنق عندهم من قبيل الذكاة كما أخبر كثير من علمائهم ، وأن المقصود التوصيل إلى قتل الحيوان بأسهل قتلة للتوصل إلى أكله بدون فرق بين طاهر ونجس ، مستندين في ذلك لقول الإنجيل ، على زعمهم ، فلا مرية في الحلية على هاته المذاهب ، فإن قلت : كيف يسوغ تقليد الحنفي لغير مذهبه ؟
قلت : أما إن كان المقلد من أهل النظر وقلد الحنفي عن ترجيح برهان ، فهذا ربما يقال : إنه لا يسوغ له ذلك - أي : إلا أن يظهر له ترجيح دليل الحل ثانيا - وأما إن كان من أهل التقليد البحت - كما هو في أهل زماننا - فقد نصوا على أن جميع الأئمة بالنسبة إليه سواء ، والعامي لا مذهب له ، إنما مذهبه مذهب مفتيه ، وقوله : أنا حنفي أو مالكي ، كقول الجاهل : أنا نحوي ، لا يحصل منه سوى مجرد الاسم ، فبأي العلماء اقتدى فهو ناج على أن الكلام وراء ذلك ، فقد نصوا على الجواز والوقوع بالفعل في تقليد المجتهد لغيره ، والكلام مبسوط في ذلك في كثير من كتب الفقه ، وقد حرر البحث أبو السعود في [ شرح الأربعين حديثا النووية ] وألف في ذلك رسالة عبد الرحيم المكي ، فليراجعهما من أراد الوقوف على التفصيل .
فإن قيل : قد ذكرت أن الخنزير محرم وهو من طعامهم ، فلماذا لا يجعل مخصصا بالحلية بهذه الآية - أي : آية طعامهم - وإذا جعلت آية تحريمه
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 625)
محكمة غير منسوخة ، فكذلك تكون المخنقة ، ولماذا تقيسها على مسألة التسمية ولا تقيسها على مسألة الخنزير وأي مرجح لذلك ؟
فالجواب : أن المأكولات منها ما حرم لعينه ومنها ما حرم لغيره ، فالخنزير وما شاكله من الحيوانات محرمة لعينها ولهذا تبقى على تحريمها في جميع أطوارها وحالاتها ، وأما متروك التسمية أو ما أهل به لغير الله والمنخنقة فإن التحريم أتى فيه لعارض وهو ذلك الفعل ، ثم أتى نص آخر عام في طعام أهل الكتاب وأنه حلال فأخرج منه محرم العين ضرورة وبالإجماع أيضا وبقي المحرم لغيره .
وهو مسألتان :
إحداهما : مسألة التسمية .
والثانية : مسألة المنخنقة .
فبقينا في محل الشك لتجاذب كل من نص التحريم والإباحة لهما ، فوجدنا إحداهما وهي مسألة التسمية وقع الخلاف فيها بين المجتهدين من الصحابة وغيرهم ، وذهب جمع عظيم منهم إلى الإباحة ، وبقيت مسألة المنخنقة التي يتخذها أهل الكتاب طعاما لهم مسكوتا عنها فكان قياسها على مسألة التسمية هو المتعين لاتحاد العلة ، وأما قياسها على مسألة الخنزير فهو قياس مع الفارق فلا يصح إذا ؛ لأن شرط القياس المساواة ، وإنما أطلنا الكلام في هذا المجال ؛ لأنه مهم في هذا الزمان وكلام الناس فيه كثير ، والله يؤيد الحق وهو يهدي السبيل . اهـ .
مذهب المالكية في طعام أهل الكتاب :
جاء في كتاب الذبائح من [ المدونة ] ما نصه :
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 626)
قلت : أفتحل لنا ذبائح نساء أهل الكتاب وصبيانهم ؟
قال : ما سمعت من مالك فيه شيئا ، ولكن إذا حل ذبائح رجالهم فلا بأس بذبائح نسائهم وصبيانهم إذا أطاقوا الذبح .
قلت : أرأيت ما ذبحوا لأعيادهم وكنائسهم أيؤكل ؟
قال : قال مالك : أكرهه ولا أحرمه . وتأول مالك فيه سورة الأنعام الآية 145  رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ  وكان يكرهه من غير أن يحرمه .
قلت : أرأيت ما ذبحت اليهود من الغنم فأصابوه فاسدا عندهم لا يستحلونه لأجل الرئة وما أشبهها التي يحرمونها في دينهم أيحل أكله للمسلمين ؟ .
قال : كان مالك يجيزه فيما بلغني . اهـ .
[ والمدونة ] عند المالكية أصل المذهب فهي كالأم عند الشافعية .
وجاء في كتاب [ أحكام القرآن ] للإمام عبد المنعم بن الفرس الخرزجي الأندلسي ( المتوفى سنة 599 هـ ) ما نصه سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  فلا خلاف في أنها حلال لنا .
وأما سائر أطعمتهم مما يمكن استعمال النجاسات فيه كالخمر والخنزير فاختلف فيه :
فذهب الأكثرون إلى أن ذلك من أطعمتهم .
وذهب ابن عباس إلى أن الطعام الذي أحل لنا ذبائحهم ، فأما ما خيف منهم استعمال النجاسة فيه فيجب اجتنابه .
وإذا قلنا : إن الطعام يتناول ذبائحهم باتفاق فهل يحمل لفظه على
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 627)
عمومه أم لا ؟
فالأكثر إلى أن حمل لفظ الطعام على عمومه في كل ما ذبحوه مما أحل الله لهم أو حرم الله عليهم أو حرموه على أنفسهم ، وإلى نحو هذا ذهب ابن وهب وابن عبد الحكم ، وذهب قوم إلى أن المراد من ذبائحهم : ما أحل الله خاصة ، وأما ما حرم الله عليهم بأي وجه كان فلا يجوز لنا ، وهذا هو المشهور من مذهب ابن القاسم ، وذهب قوم إلى أن المراد بلفظ الطعام : ذبائحهم جميعا إلا ما حرم الله عليهم خاصة لا ما حرموه على أنفسهم ، وإلى نحو هذا ذهب أشهب .
والذين قالوا : إن الله يجوز لنا أكل ما لا يجوز لهم أكله ، اختلفوا هل ذلك على جهة المنع أو الكراهة ؟
وهذا الخلاف كله موجود في المذهب .
واختلف أيضا فيما ذبحوه لأعيادهم وكنائسهم وسموا عليه اسم المسيح هل هو داخل تحت الإباحة أم لا ؟
فذهب أشهب إلى أن الآية متضمنة تحليلا وأن أكله جائز ، وكره مالك رحمه الله ، وتأول قوله تعالى : سورة الأنعام الآية 145  أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ  على ذلك ، والذين أوتوا الكتاب اختلف العلماء في الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى من هم ؟ وقد اختلف في المجوس والصابئة والسامرة هل هم ممن أوتي كتابا أم لا ؟ وعلى هذا يختلف في ذبائحهم ومناكحتهم . اهـ ملخصا .
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 628)
وفي كتاب [ أحكام القرآن ] للقاضي أبي بكر بن العربي المالكي في تفسير هذه الآية أيضا ما نصه : هذا دليل قاطع على أن الصيد : سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ  من الطيبات التي أباحها الله وهو الحلال المطلق ، وإنما كرره الله تعالى ليرفع به الشكوك ويزيل الاعتراضات عن الخواطر الفاسدة التي توجب الاعتراضات وتخرج إلى تطويل القول ، ولقد سئلت عن النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها هل تؤكل معه أو تؤخذ منه طعاما - وهي المسألة الثامنة - فقلت : تؤكل ؛ لأنها طعامه وطعام أحباره ورهبانه ، وإن لم تكن هذه ذكاة عندنا ، ولكن الله أباح لنا طعامهم مطلقا ، وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا إلا ما كذبهم الله فيه ، لقد قال علماؤنا : إنهم يعطوننا نسائهم أزواجا فيحل لنا وطؤهن ، فكيف لا تؤكل ذبائحهم ، والأكل دون الوطء في الحل والحرمة . اهـ .
وفيما قاله القاضي نوع من التقييد والتشديد إذا اعتبر في طعامهم ما يأكله أحبارهم ورهبانهم ، وهذا ما اعتمده الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده ، مفتي مصر في فتواه الترنسيفالية .
وقد أفتى المهدي الوزاني من علماء فاس بما أفتى به مفتي مصر ، ولما علم بمشاغبة أهل الأهواء في فتوى مفتي مصر ، كتب رسالة تأييد الفتوى بنصوص كتب المالكية المعتبرة نشرناها في آخر جزء من مجلد [ المنار ] السادس ، ومنها قوله : ج : والدليل على صحة ما قاله الإمام ابن العربي ما ذكره العلماء فيما ذبحه أهل الكتاب للصنم فإنه حرام مع المنخنقة وما عطف عليها ، وقيدوه بما لم يأكلوه وإلا كان حلالا لنا ، قال الشيخ بناني على قول [ المختصر ] : ( وذبح لصنم ) ما نصه : الظاهر أن المراد
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 629)
بالصنم كل ما عبدوه من دون الله سبحانه وتعالى ، بحيث يشمل الصنم والصليب وغيرهما ، وأن هذا شرط في أكل ذبيحة الكتابي ، كما في التتائي والزرقاني ، وهو الذي ذكره أبو الحسن رحمه الله في [ شرح المدونة ] وصرح به ابن رشد في سماع ابن القاسم من كتاب الذبائح ، ونصه : كره مالك رحمه الله ما ذبحه أهل الكتاب لكنائسهم وأعيادهم ؛ لأنه رآه مضاهيا لقوله عز وجل : سورة الأنعام الآية 145  أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ  ولم يحرمه إذ لم ير الآية متناولة ، وإنما رآها مضاهية له ؛ لأن الآية عنده إنما معناها فيما ذبحوا لآلهتهم مما لا يأكلون . وقال : وقد مضى هذا المعنى في سماع عبد الملك . اهـ .
وقال في سماع عبد الملك عن أشهب : وسأله عما ذبح للكنائس قال : لا بأس بأكله . قال ابن رشد : كره مالك في [ المدونة ] أكل ما ذبحوا لأعيادهم وكنائسهم ، ووجه قول أشهب : ما ذبحوا لكنائسهم لما يأكلونه وجب أن تكون حلالا لنا ؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول : سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  وإنما تأول قول الله عز وجل : سورة الأنعام الآية 145  أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ  فيما ذبحوه لآلهتهم مما يتقربون به إليها ولا يأكلونه ، فهذا حرام علينا بدليل الآيتين جميعا . اهـ .
فتبين أن ذبح أهل الكتاب إذا قصدوا به التقرب لآلهتهم فلا يؤكل ؛ لأنهم لا يأكلونه فهو ليس طعامهم ولم يقصدوا بالذكاة إباحته ، وهذا هو المراد هنا ، وأما ما يأتي من الكراهة في ذبح الصليب فالمراد به : ما ذبحوه
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 630)
لأنفسهم لكن سموا عليه آلهتهم فهذا يؤكل بكره ؛ لأنه من طعامهم : هذا الغرض من كلام بناني وسلمة الرهوني بسكوته عنه فهذا شاهد لابن العربي قطعا ؛ لأنه علق جواز الأكل على كونه من طعامهم والمنع منه على ضد ذلك ، وأيضا ليس كل ما يحرم في ذكاتنا يحرم أكله في ذكاتهم ، كمتروك التذكية عمدا ، فإنها لا تؤكل بذبيحتنا ، وتؤكل بذبيحتهم حسبما تقدم ، فإذا المدار على كونها من طعامهم لا غير ، والله أعلم . اهـ . المراد ما كتبه المفتي الوازني .
وقد أطال علماء الأزهر في [ إرشاد الأمة الإسلامية إلى أقوال الأئمة في الفتوى الترنسفالية ] القول في مذهب المالكية في طعام أهل الكتاب ، وفصلوه في بضعة فصول ، الفصل السابع منها في بيان أن ما أفتى به ابن العربي ( أي : من حل ما خنقه أهل الكتاب بقصد التذكية لأكله ) هو مذهب المالكية قاطبة ، والفصل الثامن في رد الرهوني برأيه عليه ، والتاسع في تفنيد كلام الرهوني وبيان بطلانه ، قالوا في أول الفصل السابع ما نصه : ( اعلم أنه أقر ابن العربي على ما أفتى به الوزاني وصاحب المعيار وأحمد بابا وابن عبد السلام وابن عرفة وغيرهم من محققي المالكية كالزياتي ، وقال : وكفى بهم حجة وإن رده الرهوني بالأقيسة وما توهمه ابن عبد السلام من التناقض بين كلامي ابن العربي في [ أحكام القرآن ] من قوله : ما أكلوه على غيره وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس ميتة حرام ، وقوله : أفتيت بأن النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها تؤكل ؛ لأنها طعامه وطعام أحباره ورهبانه وإن لم تكن ذكاة عندنا ؛ لأن الله أباح طعامهم مطلقا ، وكل ما يرونه في دينهم فهو حلال لنا إلا ما كذبهم الله فيه ، دفعه ابن عرفة بما حاصله : أن
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 631)
ما يرونه مذكى عندهم حل لنا أكله ، وإن لم تكن ذكاته عندنا ذكاة ، وما لا يرونه مذكى لا يحل ، ويرجع إلى قصد تذكيته لتحليله وعدمه ، كما يعلم ذلك من التتائي على المختصر عند قول المصنف ، أو مجوسيا تنصر وذبح لنفسه إلخ ، ولم يفهم من عبارة أحد من هؤلاء المحققين أن ما أفتى به ابن العربي مذهب له وحده ، بل كل واحد وافقه على أنه مذهب المالكية .
وبيان ذلك : أن مذهب المالكية جميعا العمل بعموم قوله تعالى : سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  فكل ما كان من طعامهم فهو حل لنا ، سواء كان يحل لنا باعتبار شريعتنا أو لا ، فالمعتبر في حل طعامهم ما هو حلال لهم في شريعتهم ، ولا يعتبر ذلك بشريعتنا ، ويدل لذلك النصوص والتعاليل الآتية وهو : ما جرى عليه مالك وأصحابه فيما ذبحوه للصليب أو لعيسى أو لكنائسهم ، قال الزياتي في شرح القصيدة : الرابع : لما ذبح للصليب أو لعيسى أو كنائسهم يكره أكله ، بهرام عن ابن القاسم : وما ذبحوه وما سموا عليه باسم المسيح فهو بمنزلة ما ذبحوه لكنائسهم ، وكذلك ما ذبحوه للصليب ، وقال سحنون وابن لبابة : هو حرام ؛ لأنه مما أهل لغير الله به ، وذهب ابن وهب للجواز من غير كراهة . اهـ . وفي القلشاني : أن أشهب يرى أيضا الكراهة فيما ذبح للمسيح كابن القاسم ، وقال : يباح أكله ، وقد أباح الله ذبائحهم لنا وقد علم ما يفعلونه . وذكر القلشاني أيضا فيما ذبحوه لكنائسهم ثلاثة أقوال : التحريم ، والكراهة ، والإباحة ، وأن مذهب [ المدونة ] الكراهة ، ونقل المواق عن مالك كراهة ما ذبح لجبريل عليه السلام . اهـ .
وفي [ منح الجليل ] عن الرماصي : أجاز مالك رضي الله عنه [ المدونة ]
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 632)
أكل ما ذكر عليه اسم المسيح مع الكراهة ، والإباحة لابن حارث عن رواية ابن القاسم ، مع رواية أشهب ، وعنه : أباح الله لنا ذبائحهم وعلم ما يفعلون . اهـ .
وسيقول المصنف فيما يكره : وذبح لصليب أو عيسى وليس تحريم المذبوح للصنم ؛ قال التونسي : وقال ابن عطية في قوله : سورة الأنعام الآية 121  وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ  ذبائح أهل الكتاب عند جمهور العلماء في حكم ما ذكر اسم الله عليه من حيث لهم دين وشرع ، وقال قوم - نسخ من هذه الآية حل ذبائح أهل الكتاب ، قاله عكرمة والحسن بن أبي الحسن ، وقال في قوله تعالى : سورة المائدة الآية 3  وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ  قال ابن عباس وغيره رضي الله عنهم : المراد : ما ذبح للأصنام والأوثان أهل معناه : صيح ، وجرت عادة العرب بالصياح باسم المقصود بالذبيحة وغلب في استعمالهم حتى عبر به عن النية التي هي علة التحريم ، ثم قال : والحاصل : أن ذكر اسم غير الله لا يوجب عن مالك ، وفيه عن البناني ، وصرح ابن رشد في سماع ابن القاسم من كتاب الذبائح ، ونصه : كره مالك ما ذبحه أهل الكتاب لكنائسهم وأعيادهم ؛ لأنه رآه مضاهيا لقول الله عز وجل : سورة الأنعام الآية 145  أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ  ولم يحرمه إذ لم ير الآية متناولة له ، وإنما رآها مضاهية ؛ لأنها عنده إنما معناها فيما ذبحوه لآلهتهم مما لا يأكلونه ، قال : وقد مضى هذا المعنى في سماع عبد الملك من كتاب [ الضحايا ] ، وقال في سماع عبد الملك من أشهب وسألته عما ذبح للكنائس قال : لا بأس بأكله ، قال ابن رشد : كره مالك في [ المدونة ] أكل ما ذبحوه لأعيادهم وكنائسهم ، ووجه قول أشهب : أن ما ذبحوه لكنائسهم لما كانوا يأكلونه
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 633)
وجب أن يكون حلالا ؛ لأن الله قال : سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  فيما ذبحوه لآلهتهم مما يتقربون به إليها ولا يأكلونه - فهذا حرام علينا بدليل الآيتين جميعا . اهـ . فتبين أن ذبح أهل الكتاب إن قصدوا به التقرب لآلهتهم فلا يؤكل ؛ لأنهم لا يأكلونه فهو ليس من طعامهم ولم يقصدوا بذكاته إباحة ، وهذا هو المراد هنا ، وأما ما يأتي من المكروه في ذبح الصليب إلخ ، فالمراد به : ما ذبحوه لأنفسهم ، وسموا عليه باسم آلهتهم فهذا يؤكل بكره ؛ لأنه من طعامهم . اهـ .  ( شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل ) ( 1\569 ، 570
وذكر العلامة التتائي عن عبادة بن الصامت وأبي الدرداء وأبي أمامة : جواز أكل ما ذبح للصنم . اهـ . وأنت لا يذهب عليك أن ( ما ) ذبح للصنم مما أهل به لغير الله ، وإنما جوزه هؤلاء الصحابة الأجلاء لكونه من طعام أهل الكتاب ، تأمله ، وقال العلامة التتائي عند قول المصنف : ( وذبح لصليب أو لعيسى ) أي : يكره أكل مذبوح لأجله ، قال محمد وابن حبيب : هو مما أهل به لغير الله ، وما ترك مالك العزيمة بتحريمه فيما ظننا إلا للآية الأخرى سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  فأحل الله تعالى لنا طعامهم وهو يعلم ما يفعلونه وترك ذلك أفضل ، وقال محمد أيضا : كره مالك ما ذبحوه للكنائس أو لعيسى أو للصليب أو ما مضى من أحبارهم أو لجبريل أو لأعيادهم من غير تحريم . اهـ . ووجه الكراهة قصدهم به تعظيم شركهم مع قصد الذكاة . اهـ . منه بلفظ ، وفي بهرام : وذهب ابن وهب إلى جواز
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 634)
أكل ما ذبح للصليب أو غيره من غير كراهة نظرا إلى أنه من طعامهم . اهـ .
وقال في [ منح الجليل ] عند كراهة شحم اليهودي عن البناني ثلاثة أقوال : في شحم اليهود : الإجازة ، والكراهة ، والمنع ، وأنها ترجع إلى قولين : المنع ، والإجازة ؛ لأن الكراهة من قبيل الإجازة ، قال : والأصل في هذا : اختلافهم في تأويل قوله تعالى : سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  هل المراد بذلك : ذبائحهم أو ما يأكلون ؟ فمن ذهب إلى أن المراد به ذبائحهم أجاز أكل شحومهم ؛ لأنها من ذبائحهم ، ومحال أن تقع الذكاة على بعض الشاة مثلا دون بعض ، ومن قال : المراد : ما يأكلون ، لم يجز أكل شحومهم ؛ لأن الله تعالى حرمها عليهم في التوراة على ما أخبر به في القرآن ، فليست مما يأكلون .  [ شرح منح الجليل ] ( 1 \ 572 ) . .
وفي [ منح الجليل ] أيضا بعد الكلام على التسمية ما نصه :
وقال في [ البيان ] : ليست التسمية شرط في صحة الذكاة ؛ لأن قول الله تعالى : سورة الأنعام الآية 121  وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ  معناه : لا تأكلوا الميتة التي لم يقصد إلى ذكاتها ؛ لأنها فسق ، ومعنى قوله تعالى : سورة الأنعام الآية 118  فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ  كلوا مما قصدتم إلى ذكاته ، فكنى عز وجل عن التذكية بالتسمية ، كما كنى عن رمي الجمار بذكره تعالى حيث يقول : سورة البقرة الآية 203  وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ  اهـ . المقصود منه  [ شرح منح الجليل ] ( 1 \ 580 ) . .
وقال في [ كبير الخرشي ] : ودخل في قول المؤلف ( يناكح ) أي : يحل
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 635)
لنا وطء نسائه في الجملة : المسلم والكتابي ، معاهدا أو حربيا ، حرا أو عبدا ، ذكرا أو أنثى ، ولا فرق بين الكتابي الآن ومن تقدم ، خلافا للطرطوشي في اختصاصه بمن تقدم فإن هؤلاء قد بدلوا فلا نأمن أن تكون الذكاة مما بدلوا ، ورد بأن ذلك لا يعلم إلا منهم فهم مصدقون فيه . اهـ . ومثله في التتائي بلا فرق .
وقال في [ شرح اللمع ] عند قول المصنف : وأما من يذكي فمن اجتمعت فيه أربعة شروط : أن يكون مسلما أو كتابيا إلخ : واعلم أن المؤلف قد أطلق الكلام على صحة ذكاة الكتابي ، ولا بد من التفصيل في ذلك ليصير كلامه موافقا للمشهور من المذهب ، وتلخيص القول في ذلك أن الكافر إن كان غير كتابي لم تصح ذكاته ، وإن كان كتابيا كاليهودي والنصراني ، سواء كان بالغا أو مميزا ، ذكر أو أنثى ، ذميا كان أو حربيا ، فإن كان ما ذكاه مما يستحل أكله فذكاته له صحيحة ، ويجوز لنا الأكل منها ، وإن كان مالك قد كره الشراء من ذبائحهم ، والأصل في ذلك : أن الله تعالى قد أباح لنا أكل طعامهم ، ومن جملة طعامهم ما يذكونه ، وإن كان ما ذكاه مما لا يستحله ، بل مما يقول : إنه حرام عليه ، فإن ثبت تحريمه عليه بنص شريعتنا كذي الظفر في قوله تعالى : سورة الأنعام الآية 146  وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ  فالمشهور : عدم جواز أكله ، وقيل : يجوز ، وقيل : يكره ، وإن لم يثبت تحريمه عليهم بشرعنا ، بل لم يعرف ذلك إلا من قولهم كالتي يسمونها بالطريلة ( بالطاء المهملة ) ففي جواز أكلنا منه وكراهته
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 636)
قولان وهما لمالك في [ المدونة ] ، وقال اللخمي : ثبت على الكراهة ولم يحرمه ، واقتصر الشيخ خليل في [ مختصره ] على القول بالكراهة ، وجهه ابن بشير باحتمال صدق قولهم ، وهذا كله إذا كان الكتابي لا يستبيح أكل الميتة ، وأما إن كان ممن يستحل أكلها ، فقال ابن بشير : فإن غاب الكتابي على ذبيحته ، فإن علمنا أنهم يستحلون الميتة كبعض النصارى أو شككنا في ذلك - لن نأكل ما غابوا عليه ، وإن علمنا أنهم يذكون أكلناه . اهـ .
وأما ما يذبحه الكتابي لعيده أو للصليب أو لعيسى أو للكنيسة أو لجبريل أو نحو ذلك - فقد كرهه مالك ؛ مخافة أن يكون داخلا تحت قوله تعالى : سورة المائدة الآية 3  وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ  ولم يحرمه ؛ لعموم قوله تعالى : سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  وهذا من طعامهم ، قال ابن يونس واستخفه غير واحد من الصحابة والتابعين ، وقالوا : قد أحل لنا ذلك وهو عالم بما يفعلونه . اهـ .
وأما ما ذبحوه للأصنام فلا يجوز أكله ، قال ابن عبد السلام : باتفاق ؛ لأنه مما أهل لغير الله به . قال اللخمي في [ تبصرته ] فيما ذبحه أهل الكتاب لعيدهم وكنائسهم وصلبانهم والأصنام ، وما أشبه ذلك : الصحيح : أنه حلال ، والمراد بما أهل لغير الله به : ما ذبح على النصب والأصنام ، وهي ذبائح المشركين ، قال أصبغ في ثمانية أبي زيد : وما ذبح على النصب هي الأصنام التي كانوا يعبدون في الجاهلية ، قال : وأهل الكتاب ليسوا أصحاب أصنام ، وفي البخاري : قال زيد بن عمرو بن نفيل : إنا لا نأكل مما تذبحون لأنصابكم يعني : الأصنام . وأما ما ذبحه أهل الكتاب فلا يراعى ذلك فيهم ، وقد جعل الله سبحانه لهم حرمة ، فأجاز مناكحتهم وذبائحهم ؛ لتعلقهم بشيء من الحق وهو الكتاب الذي أنزل عليهم وإن كانوا كافرين ، ولو كان يحرم ما
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 637)
ذبح باسم المسيح لم يجز أن يؤكل شيء من ذبائحهم إلا أن يسأل : هل سمى عليه المسيح أو ذبح للكنيسة ، بل لا يجوز ، إن أخبر أنه لا يسمى المسيح ؛ لأنه غير صادق ، وإذا لم يجب ذلك حلت ذبائحهم كيف كانت . اهـ .
فانظر كيف تضافرت كل هذه النصوص كباقي نصوص جميع المالكية على إناطة الحل والحرمة بكونه حلالا عندهم ، أي : يأكلونه وعدمه ، وهذا بعينه ما قصد إليه ابن العربي والحفار ، وقال أهل المذهب : كلهم يقولون ويفتون بحل طعام أهل الكتاب ، ومن جهة أخرى تعلم أن الذبح للصليب لم يكن من الشريعة المسيحية الحقة ؛ لأنه حادث بعده ، إذ منشؤه حادثة الصلب المشهورة ، فكل هذا يفيد أن المعتبر عند المالكية هو حلال عند أهل الكتاب في شريعتهم التي هم عليها ، ومنه يعلم أيضا ما هو المراد من الميتة في قوله تعالى : سورة المائدة الآية 3  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ  وأنها التي لم يقصد ذكاتها ، كما يعلم أنه يجب تقييد المنخنقة وما معها بما لم تقصد ذكاته ويكون هذا في المنخنقة وما معها بدليل سورة المائدة الآية 3  إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ  كما سبق ، ومنه يتضح : أن المراد بالميتة في قولهم : ( إن كان الكتابي يأكل الميتة فلا تأكل ما غاب إلخ ) إنها ما لم تقصد ذكاتها ؛ لأن القصد إلى الذكاة لا بد منه من مسلم أو كتابي حتى لو قطع رقبة الحيوان بقصد تجريب السيف أو اللعب - لا يحل كما تقدم ، ومنه يعلم أن الميتة المذكورة بالنسبة للكتابي هي الميتة عنده ، وهي التي لم يقصد ذكاتها ، لا الميتة عندنا ، ويتبين منه أيضا : أن الشروط المذكورة للفقهاء في الذبائح والذكاة إنما هي بيان ما يلزم في الإسلام بالنسبة للمسلم لا لغيره . اهـ .
مذهب الشافعي في طعام أهل الكتاب :
قال الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب الصيد والذبائح من [ الأم ] ما نصه :
1 - أحل الله طعام أهل الكتاب ، وكان طعامهم عند بعض من حفظت عنه من أهل التفسير ذبائحهم وكانت الآثار تدل على إحلال ذبائحهم ، فإن كانت ذبائحهم يسمونها لله تعالى فهي حلال ، وإن كان لهم ذبح آخر يسمون عليه غير اسم الله ، مثل اسم المسيح ، أو يذبحونه باسم دون الله تعالى - لم يحل هذا من ذبائحهم ، ولا أثبت أن ذبائحهم هكذا ، فإن قال قائل : وكيف زعمت أن ذبائحهم صنفان وقد أبيحت مطلقة ؟ !
قيل : قد يباح الشيء مطلقا ، وإنما يراد بعضه دون بعض فإذا زعم زاعم أن المسلم إن نسي اسم الله تعالى أكلت ذبيحته ، وإن تركه استخفافا لم تؤكل ذبيحته ، وهو لا يدعه للشرك ، كان من يدعه على الشرك أولى أن تترك ذبيحته - وقد أحل الله عز وجل لحوم البدن ( الإبل ) مطلقة ، فقال : سورة الحج الآية 36  فَإِذَا وَجَبَتْ  أي : سقطت سورة الحج الآية 36  جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا  ووجدنا بعض المسلمين يذهب إلى أن لا يؤكل من البدنة التي هي نذر ولا جزاء صيد ولا فدية ، فلما احتملت هذه الآية ذهبنا إليه وتركنا الجملة ، لا أنها خلاف للقرآن ، ولكنها محتملة ، ومعقول أن من وجب عليه شيء في ماله لم يكن له أن يأخذ منه شيئا ؛ لأنا إذا جعلنا أن يأخذ منه شيئا فلم نجعل عليه الكل إنما جعلنا عليه البعض الذي أعطى ، فهكذا ذبائح أهل الكتاب بالدلالة على شبيه ، ما قلنا ، اهـ بحروفه  [ الأم ] ( 2 \ 196 ) . .
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 639)
أقول : إنه رحمه الله تعالى حرم ما ذكروا اسم غير الله عليه بأقيسة على مسائل خلافية جعلها نظيرا للمسألة ، وقيد بها إطلاق القرآن ، ومخالفوه في ذلك - كمالك وغيره - لا يجيزون تخصيص الآية بمثل هذه الأقيسة التي غاية ما تدل عليه أن تخصيص القرآن جائز بالدليل ، ولهم أن يقولوا لنا : لا نسلم أن المسلم الذي يترك التسمية تهاونا واستخفافا لا تحل ذبيحته ، وإذا سلمناه جدلا نمنع قياس الكتابي عليه فيما ذكره ، ولا محل هنا لبيان المنع بالتفصيل في هذا القياس وفيما بعده وهو أبعد منه ، والظاهر ما تقدم من نصوص المالكية من أن ما ذبحوه لغير الله إن كانوا لا يأكلونه فهو غير حل للمسلم ، وإن كانوا يأكلونه فهو من طعامهم الذي أطلق الله تعالى حله وهو يعلم ما يقولون وما يفعلون ، وهذا القول يظهر لنا نكتة التعبير بالطعام دون المذبوح أو المذكى ؛ لأن من المذكى ما هو عبادة محضة لا يذكونه لأجل أكله .
2 - ذهب الشافعي : إلى أن ذبائح نصارى العرب لا تؤكل ، واحتج بأثر رواه عن عمر رضي الله عنه قال : ( ما نصارى العرب بأهل كتاب ، وما تحل لنا ذبائحهم ، وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم ) وبقول علي المشهور في بني تغلب  [ الأم ] (2 \ 196 ) . .
فأما أثر علي كرم الله وجهه - وقد تقدم - فهو حجة على الشافعي لا له ؛ لأنه خاص ببعض العرب مصرح فيه بأنهم ليسوا نصارى ، وأما أثر عمر رضي الله عنه فرواه في [ الأم ] عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى ، وقد ضعفه الجمهور ، وصرح بعضهم بكذبه ، وممن طعن فيه مالك وأحمد ،
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 640)
ومما قيل فيه : أنه جمع أصول البدع ، فكان قدريا جهميا معتزليا رافضيا ،
وقد سئل الربيع حين نقل عن الشافعي أنه كان قدريا : ما حمل الشافعي على أنه روى عنه ؟
فأجاب : بأنه كان يبرئه من الكذب ، ويرى أنه ثقة في الحديث ، أي : والعبرة في الحديث بالصدق لا بالمذهب ، وقال ابن حبان بعد أن وصفه بالبدعة وبالكذب في الحديث : وأما الشافعي فإنه كان يجالس إبراهيم في حداثته ويحفظ عنه ، فلما دخل مصر في آخر عمره وأخذ يصنف الكتب احتاج إلى الأخبار ولم تكن كتبه معه فأكثر ما أودع الكتب من حفظه وربما كنى عن اسمه ، وقال إسحاق بن راهويه : ما رأيت أحد يحتج بإبراهيم بن أبي يحيى مثل الشافعي ، قلت للشافعي : وفي الدنيا أحد يحتج بإبراهيم بن أبي يحيى ؟ اهـ . ملخصا من [ تهذيب التهذيب ]  [ تقريب التهذيب ] لابن حجر العسقلاني ( 1 \ 158 - 161 ) . .
ومما يدل على عدم صحة الأثر عدم العمل به ، على أنه رأي صحابي خالفه فيه الجمهور فلا يحتج به وإن صح .
3 - قال الشافعي في ( باب الذبيحة وفيه من يجوز ذبحه ) من [ الأم ] : وذبح كل من أطاق الذبح من امرأة حائض وصبي من المسلمين أحب إلي من ذبح اليهودي والنصراني ، وكل حلال الذبيحة ، غير أني أحب للمرء أن يتولى ذبح نسكه - أي : كالأضحية والهدي - فإنه يروى : أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال لامرأة من أهله فاطمة أو غيرها : احضري ذبح نسيكتك ، فإنه يغفر لك عند أول قطرة منها  .
قال الشافعي : وإن ذبح النسيكة غير مالكها أجزأت ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بعض هديه ونحر بعضه غيره, وأهدى هديا , فإنما نحره من أهداه معه, غير أني أكره أن يذبح شيئا من النسائك مشرك؛ لأن يكون ما تقرب به إلى الله على أيدي المسلمين, فإن ذبحها مشرك تحل ذبيحته أجزأت مع كراهتي لما وصفت ونساء أهل الكتاب إذا أطقن الذبح كرجالهم, وما ذبح اليهود والنصارى لأنفسهم مما يحل للمسلمين أكله من الصيد أو بهيمة الأنعام , وكانوا يحرمون منه شحما أو حوايا ـ أي : ما يحوي الطعام كالأمعاء ـ أو ما اختلط بعظم أو غيره إن كانوا يحرمونه فلا بأس على المسلمين في أكله؛ لأن الله عز وجل إذا أحل طعامهم فكان ذلك عند أهل التفسير : ذبائحهم , فكل ما ذبحوا لنا ففيه شيء مما يحرمون , فلو كان يحرم علينا إذا ذبحوه لأنفسهم من أصل دينهم بتحريمهم لحرم علينا إذا ذبحوه لنا ,ولو كان يحرم علينا بأنه ليس من طعامهم , وإنما أحل لنا طعامهم, وكان ذلك على ما يستحلون كانوا قد يستحلون محرما علينا يعدونه لهم طعاما , فكان يلزمنا لو ذهبنا هذا المذهب أن نأكله؛ لأنه من طعامهم الحلال لهم عندهم , ولكن ليس هذا معنى الآية, معناها ما وصفنا , والله أعلم  [ الأم] (1 \205 , 206)
هذا نص الشافعي , فمذهبه: أن المراد بطعامهم في الآية: ذبائحهم خاصة لا عموم الطعام, فما ذبحوه مما هو حلال لنا, كذبائحنا لا فرق بين ما حرم عليهم منه وما حل لهم, وما حرم علينا لا يحل إذا كان من طعامهم, وهو مخالف في هذا للمذاهب الأخرى التي أخذت بعموم لفظ
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 642)
الآية وعدتها كالاستثناء مما حرم علينا, إلا الميتة ولحم الخنزير فإنهما محرمان لذاتهما لا لمعنى يتعلق بالتذكية أو بما يذكر عليها, وقد تقدم ذلك, وقد شرح كون ما أحل لنا مما حرم عليهم, لا يحرم من ذبائحهم في موضع آخر  [ الأم] (2\209, 210) وبين هنا أنه يجب على كل عاقل بلغته دعوة محمد صلى الله عليه وسلم أن يتبعه في أصول شرعه وفروعه وحلاله وحرامه, فما كان حراما عليهم صار حلا لهم بشرعه, وحلا لنا بالأولى .
مذهب أحمد وأصحابه في طعام أهل الكتاب والتسمية على الذبيحة :
قال الشيخ الموفق عبد الله بن قدامة في [ المقنع]  [ المقنع ](2 \531 ) ما نصه :
( ويشترط للذكاة شروط أربعة :
أحدها : أهلية الذبح, وهو أن يكون عاقلا مسلما أو كتابيا , فتباح ذبيحته ذكرا كان أو أنثى , وعنه لا تباح ذبيحة نصارى بني تغلب , ولا من أحد أبويه غير كتابي) وذكر في حاشيته: أن الصحيح من المذاهب ذبائح بني تغلب , قال : ( وأما من أحد أبويه غير كتابي فقدم المصنف أنها تباح, وبه قال مالك وأبو ثور , واختاره الشيخ تقي الدين وابن القيم ) . والثانية: لا تباح , وهو المذهب, وبه قال الشافعي؛ لأنه وجد ما يقتضي الإباحة والتحريم فغلب التحريم كما لو جرحه( أي : الصيد) مسلم ومجوسي. ا.هـ .
أقول : وللشافعي قول آخر: هو أن العبرة بالأب, وكان اللائق بقول الشافعية : أن الوليد يتبع أشرف الأبوين في الدين أن يجعلوا ذبح الصغير
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 643)
كذبح أشرف والديه, وأما البالغ فلا وجه للبحث عن أبويه فإذا كان كتابيا كان داخلا في عموم الآية .
ثم قال  [ المقنع ] (2 \537 ) : ثالثا : ( وإذا ذبح الكتابي ما يحرم عليه كذي الظفر ـ أي : عند اليهود ـ لم يحرم علينا ـ وإذا ذبح حيوانا غيره لم تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم , وهو شحوم الثرب ( أي : الكرش) والكليتين في ظاهر كلام أحمد رحمه الله , واختاره ابن حامد , وحكاه عن الخرقي في كلام مفرد, واختار أبو الحسن التميمي والقاضي تحريمه, وإن ذبح لعيده أو ليتقرب به إلى شيء مما يعظمونه لم يحرم, نص عليه ) ا. هـ. أي نص عليه الإمام أحمد , وهو المذهب , وإن روي عنه التحريم, وهو موافق فيه لمذهب مالك رحمهم الله تعالى .
وقال  المقنع (2 \535 ) : الرابع ( أي : من شروط التذكية : أن يذكر اسم الله عند الذبح , وهو أن يقول : باسم الله, لا يقوم غيرها مقامها إلا الأخرس, فإنه يومئ إلى السماء, فإن ترك التسمية عمدا لم تبح, وإن تركها ساهيا أبيحت , وعنه تباح في الحالين وعنه : لا تباح فيهما) قال في حاشيته: ( قوله: فإن ترك التسمية عمدا لم تبح وإن تركها ساهيا أبيحت, وعنه تباح في الحالين , وعنه لا تباح فيهما ) قال في [ حاشيته ] : ( قوله : فإن ترك التسمية عمدا إلخ , هذا هو المذهب فيهما, وذكره ابن جرير إجماعا في سقوطها سهوا, وروي ذلك عن ابن عباس , وبه قال مالك والثوري وأبو
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 644)
حنيفة وإسحاق , وممن أباح ما نسيت التسمية عليه: عطاء , وطاوس، وسعيد بن المسيب , وعبد الرحمن بن أبي ليلى , وجعفر بن محمد , وعن أحمد تباح في الحالين, وبه قال الشافعي . واختاره أبو بكر؛ لحديث البراء مرفوعا:  المسلم يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم  وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :  جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي الله؟ فقال: اسم الله في قلب كل مسلم  رواه ابن عدي والدارقطني والبيهقي وضعفه .
ولنا ما روى الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد مرفوعا:  ذبيحة المسلم حلال, وإن لم يسم ما لم يتعمد  رواه سعيد وعبد بن حميد , لكن الأحوص ضعيف, وعن أحمد : لا تباح, وإن لم يتعمد ؛ لقوله تعالى سورة الأنعام الآية 121  وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ  وجوابه : إنها محمولة على ما إذا ترك اسم التسمية عمدا, بدليل قوله : سورة الأنعام الآية 121  وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ  والأكل مما نسيت التسمية عليه ليس بفسق؛ لقوله عليه السلام:  سنن ابن ماجه الطلاق (2045). عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان  ا . هـ .
أقول : من عجائب انتصار الإنسان لما يختاره جعل الفسق هنا بمعنى ترك التسمية عمدا, والظاهر فيه ما قاله الشافعي من أنه ما أهل لغير الله به أخذا من قوله تعالى : سورة الأنعام الآية 145  أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ  وقد تقدم , وفي الباب من كتاب [ بلوغ المرام ] للحافظ ابن حجر ما نصه : وعن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  والمسلم يكفيه اسمه, فإن نسي أن يسمي الله حين يذبح فليسم ثم ليأكل  أخرجه الدارقطني , وفيه راو في حفظه ضعف, وفي إسناده محمد بن يزيد بن سنان , وهو صدوق ضعيف الحفظ, وأخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح إلى ابن عباس , موقوفا عليه , وله شاهد عند
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 645)
أبي داود في [ مراسيله] بلفظ  ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله عليها أم لم يذكر  ورجاله موثوقون . اهـ . وتقدم حديث عائشة عند البخاري قالت : إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ فقال : صلى الله عليه وسلم  صحيح البخاري الذبائح والصيد (5188),سنن النسائي الضحايا (4436),سنن أبو داود الضحايا (2829),سنن ابن ماجه الذبائح (3174),موطأ مالك الذبائح (1054),سنن الدارمي الأضاحي (1976). سموا الله عليه أنتم وكلوه  ا هـ.
وجعل علماء الأزهر الفصل الأول من كتاب [ إرشاد الأمة الإسلامية ] الذي تقدم ذكره في بيان مذهب الحنابلة في الذبيحة التي أفتى به مفتي مصر قالوا : ذهب الحنابلة إلى أن المعتبر في حل المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع: أن تذكى وفيه حياة, وإن قلت كالمريض, وهو قول علي وابن عباس والحسن وقتادة , والسيدين: الباقر و الصادق، و إبراهيم و طاوس والضحاك وابن زيد , والتسمية عندهم ليست بشرط فيحل متروك التسمية عمدا أو سهوا من مسلم أو من كتابي على رواية, وفي رواية عن أحمد تشترط من مسلم لا من كتابي وعنه عكسها, ثم أيدوا هذه الخلاصة بنقل من كتاب[ دقائق أولي النهى على متن المنتهى ] ومن غيره.
صفوة الخلاف بين الفقهاء والمختار منه في طعام أهل الكتاب .
من تأمل ما نقلناه من كتب المذاهب الأربعة المشهورة, وما تخلله وسبقه من كلام غيرهم من أئمة السلف ـ يظهر لك أن المتفق عليه أنه يحرم علينا من طعام أهل الكتاب ما حرم علينا في ديننا لذاته, وهو الميتة ولحم الخنزير, وكذا الدم المسفوح قطعا, وإن لم يذكر فيما تقدم من النقل, ولا نعلم أن أحدا منهم يأكله أو يشربه, وكذلك الميتة كلها يحرمونها, ولحم الخنزير محرم بنص التوراة إلى اليوم , وقد استباحه النصارى بإباحة مقدسهم بولس .
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 646)
وقد اختلف الفقهاء فيما عدا ذلك, كما علمت, فكل ما أكلناه مما عدا ذلك من طعامهم نكون موافقين فيه لقول بعض فقهائنا الذين شدد بعضهم فخفف بعض في هذه المسائل, وأشد الفقهاء تشديدا في ذلك وفي أكثر الأحكام : الشافعية , ومن تأمل أدلة الجميع رأى أن أظهرها قول الذين أخذوا بعموم قوله تعالى : سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  ولم يخصصوه بذبائحهم فضلا عن تخصيصه بحبوبهم كالشيعة , ولا يشترط في حل طعامهم أن يأكل منه أحبارهم ورهبانهم كما قال ابن العربي , واختاره شيخنا الأستاذ مفتي مصر في الفتوى الترنسفالية فهو تشديد لا مستند له ـ وفي غير ما أهل به لغير الله ـ إلا الثقة بأن ما يأكلونه غير محرم عليهم في كتبهم , وقد نسخت شريعتنا كتبهم, كما قال الشافعي وغيره فلا عبرة بما حرم عليهم فيها, وقد قال الله تعالى في صفات خاتم النبيين : سورة الأعراف الآية 157  وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ  ولا يشترط أيضا أن يكون طعامهم موافقا لشريعتنا سواء كانوا مخاطبين بفروعها قبل الإيمان كما يقول الشافعي أو غير مخاطبين بها إلا بعد الإيمان كما يقول الجمهور , إذ لو كان هذا شرطا لما كان لإباحة طعامهم فائدة.
وقال ابن رشد في [ بداية المجتهد ] ما نصه : ومن فرق بين ما حرم عليهم من ذلك في أصل شرعهم وبين ما حرموا على أنفسهم , قال : ما حرم عليهم هو أمر حق فلا تعمل فيه الذكاة, وما حرموا على أنفسهم أمر باطل
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 647)
فتعمل فيه التذكية , قال القاضي: والحق أن ما حرم أو حرموه على أنفسهم هو في وقت شريعة الإسلام أمر باطل إذ كانت ناسخة لجميع الشرائع, فيجب أن لا يراعى اعتقادهم في ذلك ولا يشترط أيضا أن يكون اعتقادهم في تحليل الذبائح اعتقاد المسلمين ولا اعتقاد شريعتهم ؛ لأنه لو اشترط ذلك لما جاز أكل ذبائحهم بوجه من الوجوه؛ لكون اعتقاد شريعتهم في ذلك منسوخا واعتقاد شريعتنا لا يصح منهم ـ وإنما هذا حكم خصهم الله تعالى به فذبائحهم ـ والله أعلم ـ جائزة على الإطلاق, وإلا ارتفع حكم آية التحليل جملة، فتأمل هذا فإنه بين والله أعلم . ا . هـ.
والأمر كما قال القاضي رحمه الله تعالى , ومراده بذبائحهم : مذكاهم كيفما كانت تذكيته عندهم.
وقد تقدم تحقيق معنى التذكية , وأنها عبارة عن قتل الحيوان بقصد أكله, وأقوال علماء السلف ومحققي المالكية في ذلك, فلله در مالك والمالكية ، إن كلامهم في هذه المسألة أظهر من كلام مخالفهم دليلا , وأليق بيسر الحنيفية السمحة.
ومن العجائب : أن كثيرا من الناس يحبون أن تكون الشريعة عسرا لا يسرا, وحرجا لا سعة, وإن هم لم يلتزموها إلا فيما يوافق أهواءهم , فمن شدد على نفسه فذاك ذنب عقابه فيه, ومن شدد على الأمة حثونا التراب في فيه, والله أعلم وأحكم.
بعض ما صدر في الموضوع من فتاوى :
ورد إلى فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي مصر سابقا أسئلة من شاب مسلم مقيم بالولايات المتحدة عن حكم أكل الدم وذبائح أهل الكتاب .
نصها: أنه يجد في لحوم البقر التي تقدم إليه للغذاء شيئا من الدم, فهل يحل أكلها مع ذلك؟ ثم هو لا يدري أذكر على الذبيحة اسم الله أم لا , والقوم في تلك البلاد أهل كتاب, فهل يحل أكل ذبائحهم مع ذلك؟
وقد يكون الذبح عندهم ببتر الرأس مرة واحدة بآلات حادة دون مراعاة الذبح المعروفة عندنا بمصر , فهل يحل أكل الذبيحة مع ذلك؟
( الجواب) نقصر الكلام في هذه الفتيا على ما أباح الله تعالى أكله من الحيوان البري المقدور عليه, فنقول :
1 - تحريم الدم : قد جعل الله تعالى الذكاة شرطا لحل الأكل من هذا الحيوان ـ كالإبل والبقر والغنم والأوز والبط ونحوها ـ والذكاة الاختيارية إنما تكون بالذبح فيما يذبح من الغنم والبقر ونحوهما , وبالنحر فيما ينحر وهو الإبل , وبها يطيب اللحم ويحل لخروج الدم بها من الحيوان, وهو مادة مستقذرة بالطبع حرمها الله تعالى في آيات كثيرة من القرآن الكريم , فقال الله تعالى : سورة البقرة الآية 173  إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ  وفي سورة المائدة : سورة المائدة الآية 3  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ  وفي سورة النحل :
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 649)
سورة النحل الآية 115  إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ  وقال في سورة الأنعام : سورة الأنعام الآية 145  قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ  
فنفى سبحانه في هذه الآية حرمة سائر الدماء إلا ما كان مسفوحا, والمسفوح هو المصبوب السائل الذي يخرج بالذبح أو النحر ونحوه وكان العرب في الجاهلية يضعونه في أمعاء الحيوان ويشوونه ثم يأكلونه , فحرم الله أكله والانتفاع به , روي عن قتادة أنه قال : حرم الله من الدم ما كان مسفوحا, وأما اللحم يخالطه الدم فلا بأس به, وعن عكرمة أنه قال: لولا آية الأنعام لاتبع المسلمون من العروق ما اتبع اليهود , وسئلت عائشة عن الدم يكون في اللحم المذبوح؟ فقالت: إنما نهى الله عن الدم المسفوح, وسئلت عن الدم في أعلى القدر فلم تر به بأسا, وقرأت آية الأنعام حتى بلغت ( مسفوحا) ولتخصيص التحريم بالمسفوح أحل الله دمين غير مسفوحين, وهما : الكبد والطحال, كما في الحديث المشهور, وأحل أكل اللحم مع بقاء أجزاء من الدم في العروق؛ لأنه غير مسفوح, وقال الإمام الجصاص : لا خلاف بين الفقهاء في جوازه . ا . هـ.
وإلى هذا ذهب جمهور الأئمة , فقالوا: إن الدم المحرم هو الدم المسفوح لا مطلق الدم, فيحمل الدم المطلق في الآيات السابقة على
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 650)
المقيد في آية الأنعام .
وذهب ابن حزم إلى أن جملة الدم محرم مسفوحا وغير مسفوح, وأن الله تعالى حرم المسفوح منه في مكة بآية الأنعام , ثم حرم بالمدينة الدم جملة بآية المائدة وهي آخر سور القرآن نزولا , ومع هذا وافق الجمهور في أن ما يبقى من الدم في الحيوان المذكى في عروقه وفي خلال لحمه ليس من الدم المحرم , وقال : إنه حلال . ا.هـ . ولولا ذلك لوجب تتبعه في العروق واللحم لاستئصاله , وفي ذلك عسر يأباه يسر الشريعة السمحة, فلا جناح في أكل اللحم المذكى مع وجود بقايا الدم فيه؛ لأن ذلك معفو عنه شرعا. والله أعلم .
2 - التسمية على الذبيحة : وحرم الله تعالى من الذبائح في الآيات السابقة سورة البقرة الآية 173  وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ  وهو ما ذكر عليه غير اسمه تعالى ـ وأصل الإهلال رفع الصوت , وكل رافع صوته فهو مهل , وكان العرب في الجاهلية يرفعون أصواتهم عند الذبح بأسماء أصنامهم وأوثانهم , فذلك هو الإهلال, والمراد من الغير في الآية : الصنم والوثن وغيرهما كالعزير والمسيح والصليب والكعبة, فلا يحل شيء من الذبائح التي أهل بها لغير الله تعالى , ومنه سورة المائدة الآية 3  وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ  وهي أحجار كانت لهم منصوبة حول الكعبة يذبحون عليها , ولعل ذبحهم عليها كان علامة ؛ لكونه للأصنام ونحوها, وقيل : هي الأصنام تنصب فتعبد من دون الله تعالى .
وقد روي عن عمر وابنه وعلي وعائشة كراهة ما أهل به لغير الله ( والمراد حرمته ) وعن النخعي والحسن والثوري مثله, وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يؤكل ما سمي المسيح عليه , وقال الشافعي وأحمد : لا يحل ما ذبح لغير
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 651)
الله ولا ما ذبح للأصنام . ا هـ ، وقد سمى الله ذلك فسقا أي : خروجا من الحلال إلى الحرام, قال الله تعالى : سورة الأنعام الآية 145  أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ  وكما حرم الله ما أهل به لغير الله حرم ما لم يذكر اسم الله عليه, وجعل ذكر اسمه تعالى وحده على الذبيحة شرطا في حل أكلها , سواء كان الذابح مسلما أو كتابيا , إليه ذهب الحنفية وأحمد والثوري والحسن بن صالح؛ لقوله تعالى : سورة الأنعام الآية 121  وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ  فنهى عن الأكل من متروك التسمية وعن تركها, وأخبر بأنه فسق, وهو ظاهر في حالة ترك التسمية عمدا لا سهوا ؛ لأن الناسي لا تلحقه سمة الفسق, كما ذكره الجصاص وغيره, وذهب داود والشعبي ، وهو مروي عن مالك وأبي ثور إلى أن التسمية شرط مطلق؛ لعدم فصل الأدلة بين حالتي العمد والسهو, وإليه ذهب ابن حزم في [المحلى] , وذهب ابن عباس وأبو هريرة وطاوس والشافعي وهو مروي أيضا عن مالك وأحمد إلى أن التسمية ليست شرطا لحل الأكل, بل هي سنة, فمن تركها عمدا أو سهوا لم يقدح ذلك في حل أكل ذبيحته؛ لحديث عائشة :  صحيح البخاري الذبائح والصيد (5188),سنن النسائي الضحايا (4436),سنن أبو داود الضحايا (2829),سنن ابن ماجه الذبائح (3174),موطأ مالك الذبائح (1054),سنن الدارمي الأضاحي (1976). أن قوما قالوا يا رسول الله : إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا عليه أنتم وكلوا وكانوا حديثي عهد بكفر  , رواه البخاري والنسائي وابن ماجه , كما في [ المنتقى ] ؛ وذلك لأن التسمية على الأكل سنة, فلو كانت التسمية على الذبيحة فرضا لم تنب السنة عن الفرض؛ لأن السنة لا تنوب عن الفرض كما في الشوكاني .
ولعل حكمة تحريم ما أهل به لغير الله, وما لم يذكر اسم الله عليه أن الحيوان مملوك لله تعالى كسائر المخلوقات, وليس للعبد أن يتصرف في ملك سيده بغير إذنه وإباحته, وإذ قد أذن الله تعالى للإنسان أن يقتات ببعض
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 652)
الحيوان, أوجب عليه إذا أراد الانتفاع به على الوجه الأكمل أن يذكيه ليكون له منه قوت طيب خالص من شوائب القذر والدنس, وتلك نعمة يجب عليه أن يشكر المنعم المتفضل بها, وهو إنما يكون بتمجيد الله تعالى وذكر اسمه وحده عند الذبح, والإعلام بأنه إنما أقدم عليه بإذن الله وإباحته.
وروي عن عبادة بن الصامت وأبي الدرداء وأبي أمامة الترخيص في ذبائح أهل الكتاب إذا ذكروا عليها اسم غير الله, وإليه ذهب عطاء والشعبي والليث وفقهاء الشام : الأوزاعي ومكحول وسعيد بن عبد العزيز، وقالوا: إن التحريم في قوله تعالى: سورة البقرة الآية 173  وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ  مقصور على ذبائح عبدة الأوثان الذين يهلون عند الذبح بأوثانهم, كما كان يفعله العرب, أما أهل الكتاب فإن الله سبحانه أحل ذبائحهم بقوله: سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  والمراد: ذبائحهم, كما ذهب إليه ابن عباس وجمهور المفسرين, مع علمه تعالى بأنهم يهلون على ذبائحهم باسم المسيح وأنهم لا يزالون يقولون ذلك.
فعلى هذا القول تحل ذبيحة الكتابي, سواء سمى المسيح أو الصليب, ذبحها لعيد أو كنيسة؛ لأنه كتابي قد ذبح لدينه, وكانت هذه ذبائحهم قبل نزول القرآن وأحلها في كتابه. اهـ. من [العمدة] للعيني , و [أحكام القرآن] للجصاص , و [المغني] لابن قدامة , و[المحلى] لابن حزم , و [روح المعاني] للألوسي المفسر ، وغيرهم.
وقد رجح مذهب الجمهور بأن حل ذبائح أهل الكتاب في آية المائدة مشروط بالإهلال عليها باسم الله وحده جمعا بين الآيتين, فإذا أهل باسمه تعالى حلت ذبيحته كالمسلم سواء, وإذا أهل بغيره تعالى حرمت كالمسلم
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 653)
سواء, وإذا لم يعلم هل سمى الله وحده أو سمى الله مع غيره أو سمى غير الله فقط حلت ذبيحته, ففي الألوسي : قال الحسن : إذا ذبح اليهودي أو النصراني فذكر غير الله تعالى وأنت تسمع فلا تأكل , فإذا غاب عنك فكل, فقد أحل الله ذلك لك. اهـ, أي: بقوله تعالى: سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  وفي [صحيح البخاري] عن الزهري قال:  لا بأس بذبيحة نصارى العرب, وإن سمعته يسمي غير الله فلا تأكل, وإن لم تسمعه فقد أحله الله وعلم كفرهم  اهـ. رواه مالك في [الموطأ] مرفوعا , وعن النخعي : إذا توارى عنك فكل، وعن حماد : كل ما لم تسمعه أهل به لغير الله, وفي [البدائع] للكاساني من أئمة الحنفية : وتؤكل ذبيحة الكتابي, لقوله تعالى: سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  والمراد: ذبائحهم, وإنما تؤكل ذبيحته إذا لم يشهد ذبحه ولم يسمع منه شيء, أو سمع وشهد تسمية الله تعالى وحده؛ لأنه إذا لم يسمع منه شيء, يحمل على أنه سمى الله تعالى وجرد التسمية تحسينا للظن به كما بالمسلم, فأما إذا سمع منه أنه سمى المسيح وحده أو مع الله فإنه لا تؤكل ذبيحته؛ لقوله تعالى: سورة البقرة الآية 173  وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ  اهـ. ملخصا.
وفي [المغني] لابن قدامة : فإن لم يعلم أسمى الذابح أم لا , أو ذكر اسم غير الله أم لا, فذبيحته حلال؛ لأن الله تعالى أباح لنا أكل ذبيحة المسلم والكتابي, وقد علم أننا لا نقف على كل ذابح . اهـ. وفي [المحلى] لابن حزم : وكل ما غاب عنا مما ذكاه مسلم فاسق أو جاهل أو كتابي فحلال أكله؛ لما أخرجه البخاري عن عائشة : أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم :  صحيح البخاري البيوع (1952),سنن النسائي الضحايا (4436),سنن أبو داود الضحايا (2829),سنن ابن ماجه الذبائح (3174),موطأ مالك الذبائح (1054),سنن الدارمي الأضاحي (1976). إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال عليه الصلاة
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 654)
والسلام: سموا الله أنتم وكلوا  قالت عائشة : وكانوا حديثي عهد بكفر اهـ. حيث أباح لهم أكله بدون اهتمام بالسؤال عنه, والتحقق من حصول التسمية وندبهم إلى التسمية عند الأكل إقامة للسنة, كما أشار إليه الطيبي .
وجملة القول في ذبيحة الكتابي : أنها تحل, ولو علم أنه سمى عليها غير الله فيما ذهب إليه بعض الأئمة, وتحل عند الجمهور إذا لم يسمع وهو يهل بها لغير الله, بخلاف ما إذا سمع فإنها تحرم, فما يذبحه إذا لم يعلم أنه ذكر اسم الله عليه أو لم يذكره حلال باتفاق, والله أعلم.
3 - كيفية الذبح: وقد اختلفت أقوال الأئمة والفقهاء في كيفية الذبح وآلته اختلافا كثيرا .
وللإمام ابن حزم في ذلك قول حقيق بالقبول مؤيد بالدليل القوي من السنة الصحيحة.
قال: إن كمال الذبح باتفاق هو: أن يقطع الودجان (عرقان في جانبي ثغرة النحر) والحلقوم والمريء (مجرى الطعام والشراب من الحلق) فإن قطع بعض من هذه الأراب, فأسرع الموت كما يسرع في قطع كلها فأكلها حلال, فإن لم يسرع الموت فليعد القطع ولا يضره ذلك شيئا, وأكله حلال سواء ذبح من الحلق أعلاه وأسفله سواء, وسواء رميت العقدة إلى فوق أو أسفل أو قطع كل ذلك من العنق, وسواء أبين الرأس أم لم يبن, كل ذلك حلال, وممن ذهب إلى حل الذبيحة إذا أبين رأسها: ابن عمر وعلي وعمران بن الحصين وأنس وابن عباس وعطاء ومجاهد وطاوس والحسن والنخعي والشعبي والزهري والضحاك , وبعضهم أكل ما لم يقطع أوداجه وما ذبح من قفاه.
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 655)
وأما آلة التذكية فهي كل شيء يقطع قطع السكين, أو ينفذ نفاذ الرمح, سواء في ذلك كله العود المحدود والحجر الحاد والقصب الحاد, وكل شيء سوى السن والظفر, وما عمل منها إلى آخر ما ذكره في [المحلى] ج 7 فالذبح بآلة حادة تقطع العنق وتفصل الرأس، ولو كان من القفا جائز شرعا عنده, والله أعلم.
وسئل سماحة رئيس المجلس الأعلى للقضاء في المملكة العربية السعودية : الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد عن حكم اللحوم المستوردة من الخارج معلبة وغير معلبة والتي كثر انتشارها في المدن والقرى وعمت البلوى بها فلا يكاد بيت يسلم منها, هل الأصل فيها الإباحة أم الحظر, نرجو بيان ذلك مفصلا ولكم الأجر؟
فأجاب حفظه الله: الأصل في الأبضاع والحيوانات التحريم, فلا يحل البضع إلا بعقد صحيح مستجمع لأركانه وشروطه, كما لا يباح أكل لحوم الحيوانات إلا بعد تحقق تذكيتها ممن أهل للتذكية, فإن الله سبحانه وتعالى حرم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به, وحرم المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع إلا ما ذكي, فهذا يدل على أن الأصل في الحيوان التحريم إلا ما ذكاه المسلمون أو أهل الكتاب بقطع الحلقوم, وهو: مجرى النفس, والمريء, وهو: مجرى الطعام والماء مع قطع الودجين في قول طائفة من أهل العلم, فما يرد من اللحوم المعلبة إن كان استيرادها من بلاد إسلامية أو من بلاد أهل الكتاب أو معظمهم وأكثرهم أهل الكتاب وعادتهم يذبحون بالطريقة الشرعية فلا شك في حله, وإن كانت تلك اللحوم المستوردة تستورد من بلاد جرت عادتهم
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 656)
أو أكثرهم أنهم يذبحون بالخنق أو بضرب الرأس أو بالصاعقة الكهربائية ونحو ذلك فلا شك في تحريمها, وكذلك ما يذبحه غير المسلمين وغير أهل الكتاب من وثني أو مجوسي أو قادياني أو شيوعي ونحوهم فلا يباح ما ذكوه؛ لأن التذكية المبيحة لأكل ما ذكي لا بد أن تكون من مسلم أو كتابي عاقل له قصد وإرادة وغير هؤلاء لا يباح تذكيتهم.
أما إذا جهل الأمر في تلك اللحوم ولم يعلم عن حالة أهل البلد التي وردت منها تلك اللحوم هل يذبحون بالطريقة الشرعية أو بغيرها, ولم يعلم حالة المذكين وجهل الأمر - فلا شك في تحريم ما يرد من تلك البلاد المجهول أمر عادتهم في الذبح؛ تغليبا لجانب الحظر, وهو أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر فيغلب جانب الحظر, سواء أكان في الذبائح أو الصيد, ومثله النكاح, كما قرره أهل العلم, منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والحافظ ابن رجب وغيرهم من الحنابلة , وكذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني والإمام النووي , وغيرهم كثير مستدلين بما في [الصحيحين] وغيرهما من حديث عدي بن حاتم : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:  صحيح البخاري الذبائح والصيد (5168),صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1929),سنن الترمذي الصيد (1470),سنن النسائي الصيد والذبائح (4274),سنن أبو داود الصيد (2848),سنن ابن ماجه الصيد (3208). إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل, فإن وجدت معه كلبا آخر فلا تأكل  ، فالحديث يدل على أنه إذا وجد مع كلبه المعلم كلبا آخر أنه لا يأكله تغليبا لجانب الحظر, فقد اجتمع في هذا الصيد: مبيح وهو: إرسال الكلب المعلم إليه, وغير مبيح وهو اشتراك الكلب الآخر؛ لهذا منع الرسول صلى الله عليه وسلم من أكله, وقال أيضا صلى الله عليه وسلم:  سنن الترمذي الصيد (1469). إذا أصبته بسهمك فوقع في الماء فلا تأكل  متفق عليه، وفي رواية عند الترمذي :  سنن الترمذي الصيد (1468). إذا علمت أن سهمك قتله ولم تر فيه أثر سبع فكل  وقال: حسن صحيح عن عدي بن حاتم .
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 657)
قال ابن حجر في الصيد : إن الأثر الذي يوجد فيه من غير سهم الرامي أعم من أن يكون أثر سهم رام وآخر, أو غير ذلك من الأسباب القاتلة فلا يحل أكله مع التردد, وقال أيضا عند قوله (وإن وقع في الماء فلا تأكل)؛ لأنه حينئذ يقع التردد هل قتله السهم أو الغرق في الماء, فلو تحقق أن السهم أصابه فمات فلم يقع في الماء إلا بعد أن قتله السهم فهذا يحل أكله.
قال النووي في [شرح مسلم]: إذا وجد الصيد في الماء غريقا حرم بالاتفاق. اهـ ، وقد صرح الرافعي بأن محله ما لم ينته الصيد بتلك الجراحة إلى حركة المذبوح فإن انتهى إليها بقطع الحلقوم مثلا فقد تمت ذكاته, ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم :  صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1929),سنن الترمذي الصيد (1469). فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك  فدل على أنه إذا علم أن سهمه هو الذي قتله أنه يحل، انتهى ملخصا من [فتح الباري], وقال الخطابي : إنما نهاه عن أكله إذا وجده في الماء لإمكان أن يكون الماء قد أغرقه, فيكون هلاكه من الماء لا من قبل الكلب الذي هو آلة الذكاة.
وكذلك إذا وجد فيه أثرا لغير سهمه, والأصل: أن الرخص تراعى شرائطها التي بها وقعت الإباحة فمهما أخل بشيء منها عاد الأمر إلى التحريم الأصلي: اهـ.
مما تقدم: يتضح تحريم اللحوم المستوردة من الخارج على الصفة التي سبق بيانها؛ وأن مقتضى قواعد الشرع يدل على تحريمها, كما في حديث عدي وغيره في اشتراك الكلب المعلم مع غيره, وفيما رماه الصائد بسهمه فوق في الماء لاحتمال أن الماء قتله, وفيما رواه الترمذي وصححه:  سنن الترمذي الصيد (1468). إذا علمت أن سهمك قتله ولم تر فيه أثر سبع  أنه لا يأكله, فإنك ترى من هذا أنه إذا تردد الأمر بين شيئين مبيح وحاظر فيغلب جانب الحظر, وليس في
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 658)
حديث عائشة في [الصحيحين] وغيرهما:  صحيح البخاري البيوع (1952),سنن النسائي الضحايا (4436),سنن أبو داود الضحايا (2829),سنن ابن ماجه الذبائح (3174),موطأ مالك الذبائح (1054),سنن الدارمي الأضاحي (1976). أن قوما حديثي عهد بإسلام يأتوننا باللحوم فلا ندري أذكروا اسم الله عليه أو لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سموا الله أنتم وكلوا  ؛ لأن الحديث في قوم مسلمين إلا أنهم حديثو عهد بكفر بخلاف تلك اللحوم المستوردة من الخارج فإن الذابح لها ليس بمسلم ولا كتابي, بل مجهول الحال.
كما بينا فيما تقدم من أهل البلد إذا كانت حالتهم أو معظمهم يذبحون بالطريقة الشرعية وهم مسلمون أو أهل كتاب فيباح لنا ما ذبحوه وإن كانوا يذبحون بغير الطريقة الشرعية, بل بخنق أو بضرب رأس أو بصاعقة كهربائية فهو محرم، وإن جهل أمرهم ولم تعلم حالتهم بما يذبحونه فلا يحل ما ذبحوه تغليبا لجانب الحظر, ولا عبرة بما عليه أكثر الناس اليوم من أكلهم لتلك اللحوم من غير مبالاة بتذكيتها من عدمها, والله المستعان.

ولفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز فتوى تحت عنوان:
حكم ذبائح أهل الكتاب وغيرهم من الكفار
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز
إلى حضرة الأخ المكرم . . سلمه الله وتولاه آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد.
فقد وصلني كتابكم المؤرخ 5 / 3 / 1386 هـ وصلكم الله بهداه, وما تضمنه السؤال عن حكم اللحوم التي تباع في أسواق الدول غير الإسلامية
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 659)
وما يعانيه موظفو السفارات الإسلامية والطلبة المسلمون من المشقة في هذا الباب (وما تضمنه من السؤال) كان معلوما.
والجواب: قد أجمع علماء الإسلام على تحريم ذبائح المشركين من عباد الأوثان ومنكري الأديان ونحوهم من جميع أصناف الكفار غير اليهود والنصارى والمجوس , وأجمعوا على إباحة ذبيحة أهل الكتاب من اليهود والنصارى .
واختلفوا في ذبيحة المجوس عباد النار:
فذهب الأئمة الأربعة والأكثرون إلى تحريمها, إلحاقا للمجوس بعباد الأوثان وسائر صنوف الكفار من غير أهل الكتاب, وذهب بعض أهل العلم إلى حل ذبيحتهم إلحاقا لهم بأهل الكتاب ، وهذا قول ضعيف جدا ، بل باطل .
والصواب : ما عليه جمهور أهل العلم من تحريم ذبيحة المجوس كذبيحة سائر المشركين, لأنهم من جنسهم فيما عدا الجزية وإنما شابه المجوس أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم فقط, والحجة في ذلك قول الله سبحانه في كتابه الكريم من سورة المائدة: سورة المائدة الآية 5  الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ  الآية فصرح سبحانه بأن طعام أهل الكتاب حل لنا وطعامهم ذبائحهم ، كما قال ابن عباس وغيره من أهل العلم ، ومفهوم الآية : أن طعام غير أهل الكتاب من الكفار حرام علينا, وبذلك قال أهل العلم قاطبة إلا ما عرفت من الخلاف الشاذ الضعيف في ذبيحة المجوس .
إذا علم هذا فاللحوم التي تباع في أسواق الدول غير الإسلامية إن علم
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 660)
أنها من ذبائح أهل الكتاب فهي حل للمسلمين, إذا لم يعلم أنها ذبحت على غير الوجه الشرعي؛ إذ الأصل حلها بالنص القرآني فلا يعدل عن ذلك إلا بأمر متحقق يقتضي تحريمها, أما إن كانت اللحوم من ذبائح بقية الكفار فهي حرام على المسلمين, ولا يجوز لهم أكلها, أما ما قد يتعلق به من قال ذلك فهو وارد في شأن أناس من المسلمين كانوا حديثي عهد بالكفر فسأل بعض الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالوا: يا رسول الله,  صحيح البخاري البيوع (1952),سنن النسائي الضحايا (4436),سنن أبو داود الضحايا (2829),سنن ابن ماجه الذبائح (3174),موطأ مالك الذبائح (1054),سنن الدارمي الأضاحي (1976). إن قوما حديثي عهد بالكفر يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سموا عليه أنتم وكلوا  رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها , وبذلك يعلم أنه لا شبهة لمن استباح اللحوم التي تجلب في الأسواق من ذبح الكفار غير أهل الكتاب بالتسمية عليها؛ لأن حديث عائشة المذكور وارد في المسلمين لا في الكفار فزالت الشبهة؛ لأن أمر المسلم يحمل على السداد والاستقامة ما لم يعلم منه خلاف ذلك, ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أمر هؤلاء الذين سألوه بالتسمية عند الأكل من باب الحيطة وقصد إبطال وساوس الشيطان, لا لأن ذلك يبيح ما كان محرما من ذبائحهم, والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما كون المسلم في تلك الدول غير الإسلامية يشق عليه تحصيل اللحم المذبوح على الوجه الشرعي ويمل أكل لحم الدجاج ونحوه - فهذا ونحوه لا يسوغ له أكل اللحوم المحرمة, ولا يجعله في حكم المضطر بإجماع المسلمين, فينبغي التنبه لهذا الأمر والحذر من التساهل الذي لا وجه له.
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 661)
هذا ما ظهر لي في هذه المسألة التي قد عمت بها البلوى.
وأسأل الله أن يوفق المسلمين لما فيه صلاح دينهم ودنياهم, وأن يعمر قلوبهم بخشيته وتعظيم حرماته, والحذر مما يخالف شرعه, إنه على كل شيء قدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولفضيلته فتوى أخرى في الموضوع نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز
إلى حضرة الأخ المكرم . . . زاده الله من العلم النافع والإيمان آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . . أما بعد:
فقد وصلني كتابكم في 5 / 11 / 1387 هـ وصلكم الله بهداه, وما تضمنه من السؤال كان معلوما.
وقد تضمن خطابكم المذكور السؤال عن مسألتين:
إحداهما: عما يتعلق بذبح الغنم والدجاج ونحوهما في المجازر المسيحية في معظم البلاد الأوروبية والأمريكية, وقد ذكرتم: أنها درجت في ذبح الخرفان بواسطة الصرع الكهربائي وعلى ذبح الدجاج بواسطة قصف الرقبة.
والثانية: عن حكم شحم الخنزير , وذكرتم أنه بلغكم عن بعض علماء العصر حل ذلك.
والجواب عن المسألة الأولى: أن يقال: قد دل كتاب الله العزيز وإجماع المسلمين على حل طعام أهل الكتاب بقول الله سبحانه:
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 662)
سورة المائدة الآية 5  الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ  الآية ، هذه الآية الكريمة قد دلت على حل طعام أهل الكتاب, والمراد من ذلك: ذبائحهم, وهم بذلك ليسوا أعلى من المسلمين, بل هم في هذا الباب كالمسلمين فإذا علم أنهم يذبحون ذبحا يجعل البهيمة في حكم الميتة حرمت, كما لو فعل ذلك المسلم لقول الله عز وجل: سورة المائدة الآية 3  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ  الآية.
فكل ذبح من مسلم أو كتابي يجعل الذبيحة في حكم المنخنقة أو الموقوذة أو المتردية أو النطيحة فهو ذبح يحرم البهيمة ويجعلها في عداد الميتات لهذه الآية الكريمة, وهذه الآية يخص بها عموم سبحانه: سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  كما يخص بها الأدلة الدالة على حل ذبيحة المسلم إذا وقع منه الذبح على وجه يجعل ذبيحته في حكم الميتة.
أما قولكم: إن المجازر المسيحية درجت على ذبح الخرفان بواسطة الصرع الكهربائي وفي ذبح الدجاج بواسطة قصف الرقبة فقد سألت بعض أهل الخبرة عن معنى الصرع والقصف؛ لأنكم لم توضحوا معناها, فأجابنا المسئول: بأن الصرع هو إزهاق الروح بواسطة الكهرباء من غير ذبح شرعي.
وأما القصف فهو قطع الرقبة مرة واحدة, فإن كان هذا هو المراد من الصرع والقصف فالذبيحة بالصرع ميتة؛ لكونها لم تذبح الذبح الشرعي
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 663)
الذي يتضمن قطع الحلقوم والمريء, وإسالة الدم, وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:  صحيح البخاري الذبائح والصيد (5190),صحيح مسلم الأضاحي (1968),سنن النسائي الضحايا (4410),سنن أبو داود الضحايا (2821). ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل , ليس السن والظفر  .
وأما القصف بالمعنى المتقدم فهو يحل الذبيحة؛ لأنه مشتمل على الذبح الشرعي, وهو قطع الحلقوم والمريء والودجين, وفي ذلك إنهار الدم مع قطع ما ينبغي قطعه, أما إن كان المراد بالصرع والقصف لديكم غير ما ذكرنا, فنرجو الإفادة عنه حتى يكون الجواب على ضوء ذلك, وفق الله الجميع لإصابة الحق.
المسألة الثانية: وهي الخنزير, فالجواب عن ذلك أن الذي عليه الأئمة الأربعة وعامة أهل العلم: هو تحريم شحمه تبعا للحمه, وحكاه الإمام القرطبي والعلامة الشوكاني إجماع الأمة الإسلامية؛ لأنه إذا نص على تحريم الأشرف فالأدنى أولى بالتحريم, ولأن الشحم تابع للحم عند الإطلاق ، فيعمه النهي والتحريم ، ولأنه متصل به اتصال خلقة فيحصل به الضرر ما يحصل بملاصقه وهو اللحم, ولأنه قد ورد في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على تحريم الخنزير بجميع أجزائه, والسنة تفسر القرآن وتوضح معناه, ولم يخالف في هذا أحد فيما نعلم ، ولو فرضنا وجود خلاف لبعض الناس ، فهو خلاف شاذ, مخالف للأدلة والإجماع الذي قبله, فلا يلتفت إليه, ومما ورد من السنة في ذلك ما رواه الشيخان البخاري ومسلم في [الصحيحين] عن جابر رضي الله عنه:  صحيح البخاري البيوع (2121),صحيح مسلم المساقاة (1581),سنن الترمذي البيوع (1297),سنن النسائي الفرع والعتيرة (4256),سنن أبو داود البيوع (3486),سنن ابن ماجه التجارات (2167),مسند أحمد بن حنبل (3/324). أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم الفتح فقال: إن الله ورسوله حرم عليكم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام  الحديث, فجعل الخنزير قرين الخمر والميتة لم يستثن شحمه, بل أطلق تحريم بيعه, كما أطلق تحريم الخمر
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 664)
والميتة, وذلك نص ظاهر في تحريمه كله, والأحاديث في ذلك كثيرة, وقد كتبنا جوابا في حكمة تحريم الخنزير نرسل لكم نسخة منه مع نسختين من كتابين آخرين في الموضوع للاطلاع عليها.
والله المسئول أن يوفقنا جميعا للفقه في دينه والنصح له ولعباده والدعوة إليه على بصيرة, إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء إلى الرئاسة العامة لإدارات البحوث والإفتاء والدعوة والإرشاد الاستفتاء الآتي:
س: ما حكم اللحم الذي يوجد في الأسواق وقد ذبح في الخارج , هل يجوز الأكل منه أو لا ؟
ج: فأجابت عنه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بما نصه في الفتوى رقم (1216) وتاريخ 20 / 1396 هـ:
إن كان مذكي الأنعام أو الطيور غير كتابي, ككفار روسيا وبلغاريا وما شابههم في الإلحاد ونبذ الديانات فلا تؤكل ذبيحته, سواء ذكر اسم الله عليها أم لا؛ لأن الأصل حل ذبائح المسلمين فقط واستثنى ذبائح أهل الكتاب بالنص, وإن كان من ذكاها من أهل الكتاب اليهود أو النصارى؛ فإن كانت تذكيته إياها بذبح في رقبتها أو نحر في لبتها وهي حية وذكر اسم الله عليها أكلت اتفاقا؛ لقوله تعالى: سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  وإن لم يذكر اسم الله عليها عمدا ولا اسم غيره, ففي جواز أكلها خلاف.
وإن ذكر اسم غير الله عليها لم تؤكل وهي ميتة؛ لقوله تعالى: سورة الأنعام الآية 121  وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ  وإن ضربها في رأسها بمسدس أو سلط عليها تيارا كهربائيا مثلا فماتت من ذلك فهي موقوذة ،
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 665)
ولو قطع رقبتها بعد ذلك, وقد حرمها الله في قوله: سورة المائدة الآية 3  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ  إلا إذا أدركت حية بعد ضرب رأسها مثلا وذكيت فتؤكل؛ لقوله تعالى في آخر هذه الآية: سورة المائدة الآية 3  وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ  فاستثنى سبحانه من المحرمات ما ذكي منها إذا أدرك حيا؛ لأن التذكية لا تأثير لها في الميتة أما ما خنق منها حتى مات أو سلط عليه تيار كهربائي حتى مات فلا يؤكل بالاتفاق ، وإن ذكر اسم الله عليه حين خنقه أو تسليط الكهرباء عليه أو عند أكله, أما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :  صحيح البخاري البيوع (1952),سنن النسائي الضحايا (4436),سنن أبو داود الضحايا (2829),سنن ابن ماجه الذبائح (3174),موطأ مالك الذبائح (1054),سنن الدارمي الأضاحي (1976). سموا الله وكلوا  فإنه كان في ذبائح ذبحها قوم أسلموا لكنهم حديثو عهد بجاهلية ولم يعلم أذكروا اسم الله عليها أم لا فأمر المسلمين الذين شكوا في تسمية هؤلاء الذابحين على ما عهد في المسلمين من التسمية عند الذبح، وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم.
س: وجاء أيضا في استفسار آخر مضمونه: أن جماعة من طلبة العلم يزعمون حل ذبائح من يستغيث بغير اسم الله ويدعو غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله إذا ذكروا عليها اسم الله, مستدلين بعموم قوله تعالى: سورة الأنعام الآية 118  فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ  الآية, وقوله تعالى: سورة الأنعام الآية 119  وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ  ويرون من يحرم ذلك من المعتدين الذين يضلون بأهوائهم بغير علم, ويقولون: إن الله
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 666)
فصل لنا ما حرم علينا في قوله: سورة المائدة الآية 3  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ  الآية ، وقوله: سورة النحل الآية 115  إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ  الآية ... إلى أمثال ذلك من الآيات التي فصلت ما حرم من الذبائح ولم يذكر فيها تحريم شيء مما ذكر اسم الله عليه, ولو كان الذابح وثنيا أو مجوسيا, ويزعمون أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان يأكل من ذبائح الذين يدعون زيد بن الخطاب إذا ذكروا اسم الله, فهل قولهم هذا صحيح؟ وما نجيب عما استدلوا به إن كانوا مخطئين؟ وما هو الحق في ذلك مع الدليل؟
ج: وقد أجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية بالفتوى رقم (1423) وتاريخ 28 / 12 1396 هـ بما يلي:
يختلف حكم الذبائح حلا وحرمة باختلاف حال الذابحين, فإن كان الذابح مسلما ولم يعلم عنه أنه أتى بما ينقض أصل إسلامه وذكر اسم الله على ذبيحته أو لم يعلم أذكر اسم الله عليها أم لا فذبيحته حلال بإجماع المسلمين, ولعموم قوله تعالى: سورة الأنعام الآية 118  فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ  سورة الأنعام الآية 119  وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ  الآية .
وإن كان الذابح كتابيا يهوديا أو نصرانيا وذكر اسم الله على ذبيحته فهي حلال بالإجماع, ولقوله تعالى: سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  وإن
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 667)
لم يذكر اسم الله ولا اسم غيره ففي حل ذبيحته خلاف, فمن أحلها استدل بعموم قوله تعالى: سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  ومن حرمها استدل بعموم أدلة وجوب التسمية على الذبيحة والصيد والنهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه في قوله تعالى: سورة الأنعام الآية 121  وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ  الآية, وهذا هو الظاهر, وإن ذكر الكتابي اسم غير الله عليها كأن يقول: باسم العزير أو باسم المسيح أو الصليب لم يحل الأكل منها؛ لدخولها في عموم قوله تعالى في آية ما حرم من الطعام سورة المائدة الآية 3  وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ  إذ هي مخصصة لعموم قوله تعالى: سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  
وإن كان الذابح مجوسيا لم تؤكل, سواء ذكر اسم الله عليها أم لا بلا خلاف فيما نعلم , إلا ما نقل عن أبي ثور من إباحته صيده وذبيحته؛ لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:  موطأ مالك الزكاة (617). سنوا بهم سنة أهل الكتاب  ولأنهم يقرون على دينهم بالجزية, كأهل الكتاب, فيباح صيدهم وذبائحهم, وقد أنكر عليه العلماء ذلك واعتبروه خلافا لإجماع من سبقه من السلف, قال ابن قدامة في [المغني]: قال إبراهيم الحربي : خرق أبو ثور الإجماع, قال أحمد : هاهنا قوم لا يرون بذبائح المجوس بأسا ما أعجب هذا يعرف بأبي ثور , وممن رويت عنه كراهية ذبائحهم: ابن مسعود وابن عباس وعلي وجابر وأبو برزة وسعيد بن المسيب وعكرمة والحسن بن محمد وعطاء ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير ومرة الهمذاني ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي, قال أحمد : ولا أعلم أحدا قال بخلافه, إلا أن يكون صاحب بدعة, ولأن الله تعالى قال: سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  فمفهومه تحريم طعام غيرهم من الكفار, ولأنهم لا
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 668)
كتاب لهم فلا تحل ذبائحهم كأهل الأوثان . . ثم قال: (وإنما أخذت منهم الجزية؛ لأن شبهة الكتاب تقتضي تحريم دمائهم فلما غلبت في تحريم دمائهم وجب أن يغلب عدم الكتاب في تحريم ذبائحهم ونسائهم؛ احتياطا للتحريم في الموضعين, وأنه إجماع فإنه قول من سمينا, ولا مخالف لهم في عصرهم ولا فيمن بعدهم, إلا رواية عن سعيد روي عنه خلافها) انتهى من [المغني].
وإن كان الذابح من المشركين عباد الأوثان ومن في حكمهم ممن سوى المجوس وأهل الكتاب فقد أجمع المسلمون على تحريم ذبائحهم, سواء ذكروا اسم الله عليها أم لا , ودل قوله تعالى: سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  بمفهومه على تحريم ذبائح غيرهم من الكفار, وإلا لما كان لتخصيصهم بالذكر في سياق الحكم بالحل فائدة, وكذا من انتسب إلى الإسلام وهو يدعو غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله, ويستغيث بغير الله فذبائحهم كذبائح الكفار والوثنيين والزنادقة فلا تحل ذبائحهم, ولأدلة مفهوم الآية على ذلك ، كلاهما مخصص لعموم قوله تعالى: سورة الأنعام الآية 118  فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ  وقوله: سورة الأنعام الآية 119  وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ  الآية.
فلا يصح الاستدلال بهاتين الآيتين وما في معناهما على حل ذبائح عباد الأوثان ومن في حكمهم ممن ارتد عن الإسلام بإصراره على استغاثته بغير الله ودعائه إياه من الأموات ونحوهم بعد البيان له وإقامة الدليل عليه بأن ذلك شرك كشرك الجاهلية الأولى, كما أنه لا يصح الاعتماد في حل ذبائح من استغاث بغير الله من الأموات ونحوهم واستنجد بغيره فيما هو من اختصاص الله إذا ذكر اسم الله عليها بعدم ذكر ذبائحهم صراحة في آية:
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 669)
سورة النحل الآية 115  إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ  وما في معناها من الآيات التي ذكر الله فيها ما حرم على عباده من الأطعمة, فإن ذبائح هؤلاء وإن لم تذكر صراحة في نصوص الأطعمة المحرمة فهي داخلة في عموم الميتة؛ لارتدادهم عن الإسلام من أجل ارتكابهم ما ينافي أصل إيمانهم وإصرارهم على ذلك بعد البيان ، ومن زعم أن إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كان يأكل من ذبائح أهل نجد وهم يدعون زيد بن الخطاب فزعمه خرص وتخمين, ومجرد دعوى لا يشهد لها نقل عنه رحمه الله, بل هي مخالفة لما تشهد به كتبه ومؤلفاته من الحكم على من يدعو غير الله, من ملك مقرب, أو نبي مرسل, أو عبد لله صالح فيما لا يقدر عليه إلا الله , بأنه مشرك مرتد عن الإسلام بل شركه أشد من شرك أهل الجاهلية, فالحكم فيه وفي ذبائحه كالحكم فيهم أو أشد, وقد أجمع المسلمون على تحريم ذبائح الكفار غير أهل الكتاب , وإن ذكروا عليها اسم الله؛ لأن التسمية على الذبيحة نوع من العبادة فلا تصح إلا مع إخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى؛ لقوله سبحانه سورة الأنعام الآية 88  وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.
ونشرت مجلة الدعوة في عددها (697) يوم الاثنين الموافق 26 من جمادى الأولى عام 1399 هـ مقالا حول (اللحوم المستوردة) بقلم فضيلة الشيخ عبد العزيز الناصر الرشيد رئيس هيئة التمييز. نصه:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, وآله وصحبه . . . أما بعد:
فقد وردت عدة أسئلة عن اللحوم التي ترد في علب ونحوها من
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 670)
الخارج , فأقدمت على الإجابة, وإن كنت لست أهلا لذلك لقصر باعي, وقلة اطلاعي, فأقول وبالله التوفيق:
قال الله تعالى: سورة المائدة الآية 3  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا  وهذه الآية العظيمة من آخر ما نزل . . تدل على إحاطة الشريعة وكمالها, فلم تحدث حادثة ولن تحدث إلا والشريعة المحمدية قد أوضحت حكمها وبينته, ولم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بين البيان المبين, وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:  سنن ابن ماجه المقدمة (44),مسند أحمد بن حنبل (4/126),سنن الدارمي المقدمة (95). تركتكم على المحجة البيضاء , ليلها كنهارها, لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك  . . . وقال أبو ذر : (ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائر يقلب جناحيه في الهواء إلا ذكر لنا منه علما . . . ) وقال العباس : (ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ترك السبيل نهجا) فهذه اللحوم المستوردة من الخارج , والمحفوظة في علب أو نحوها قد بينت الشريعة الإسلامية حكمها غاية البيان, فإن اللحوم تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يتحقق أنها من ذبائح أهل الكتاب , فهذه حلال بنص الكتاب والسنة والإجماع, ولم يقل بتحريمها أحد يعتد بخلافه, قال سبحانه: سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  
قال ابن عباس وغيره: طعامهم ذبائحهم, وهذا دون باقي الكفار فإن ذبائحهم لا تحل للمسلمين؛ لأن أهل الكتاب يتدينون بتحريم الذبح لغير الله, فلذلك أبيحت ذبائحهم دون غيرهم, وروى سعيد عن ابن مسعود
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 671)
رضي الله عنه قال: (لا تأكلوا من الذبائح إلا ما ذبح المسلمون وأهل الكتاب ) , وفي حديث أنس :  مسند أحمد بن حنبل (3/211). أن يهوديا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على خبز شعير , وإهالة سنخة  . رواه أحمد , والإهالة: الودك، والسنخة: المتغيرة, وحديث اليهودية التي أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم الشاة المصلية, وثبت في الصحيح عن عبد الله بن مغفل قال:  صحيح البخاري فرض الخمس (2984),صحيح مسلم الجهاد والسير (1772),سنن النسائي الضحايا (4435),سنن أبو داود الجهاد (2702),مسند أحمد بن حنبل (4/86),سنن الدارمي السير (2500). أدلي جراب يوم خيبر فاحتضنته, وقلت: لا أعطي اليوم من هذا أحدا, والتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم  , وقد صح  أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة مشركة  وتوضأ عمر من جرة نصرانية.
القسم الثاني: أن تكون هذه اللحوم من ذبائح غير أهل الكتاب؛ كالمجوس , والهندوس , وعبدة الأوثان, ونحوهم فهذه اللحوم حرام, ولم يقل بإباحتها أحد يعتد به، ولما اشتهر قول أبي ثور بإباحتها أنكره عليه العلماء, فقال الإمام أحمد : أبو ثور كاسمه , وقال إبراهيم الحربي : خرق أبو ثور الإجماع, وكل قول لا يؤيده الدليل لا يعتبر, وليس كل خلاف جاء معتبرا حتى يكون له حظ من النظر.
قال الله سبحانه وتعالى: سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  مفهومه: أن غير أهل الكتاب لا تباح ذبائحهم, وروى أحمد بإسناده عن قيس بن السكن الأسدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  إنكم نزلتم بفارس من النبط, فإذا اشتريتم لحما فإن كان من يهودي أو نصراني فكلوا, وإن كان من ذبيحة مجوسي فلا تأكلوا  ، ولأن أهل الكتاب يذكرون اسم الله على ذبائحهم وقرابينهم, كما ذكره ابن كثير وغيره بخلاف غيرهم, والمجوس وإن أخذت منهم الجزية تبعا لأهل الكتاب وإلحاقا بهم فإنهم لا تنكح نساؤهم, ولا تؤكل ذبائحهم, وأما ما يروى  موطأ مالك الزكاة (617). سنوا بهم سنة أهل الكتاب  فلم يثبت
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 672)
بهذا اللفظ, على أنه لا دليل فيه, إذ المراد: سنوا بهم سنة أهل الكتاب فيما ذكر من أخذ الجزية منهم, ولو سلم بصحة هذا الحديث فعمومه مخصوص بمفهوم هذه الآية: سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  
القسم الثالث: أن لا يعلم هل هي من ذبائح أهل الكتاب أو غيرهم: فالقواعد الشرعية تقضي بالتحريم, فإن القاعدة الشرعية: أنه إذا اشتبه مباح بمحرم حرم أحدهما بالأصالة والآخر بالاشتباه , والقاعدة الأخرى: إذا اجتمع مبيح وحاظر قدم الحاظر؛ لأنه أحوط وأبعد من الشبهة. والأدلة دلت على البعد عن مواضع الشبهة, كما في الحديث:  صحيح البخاري الإيمان (52),صحيح مسلم المساقاة (1599),سنن الترمذي البيوع (1205),سنن النسائي البيوع (4453),سنن أبو داود البيوع (3329),سنن ابن ماجه الفتن (3984),مسند أحمد بن حنبل (4/270),سنن الدارمي البيوع (2531). الحلال بين والحرام بين, وبينهما أمور متشابهات لا يعرفهن كثير من الناس, فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه , ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام, كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه  , وفي حديث الحسن بن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:  سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2518),سنن النسائي الأشربة (5711),مسند أحمد بن حنبل (1/200),سنن الدارمي البيوع (2532). دع ما يريبك إلى ما لا يريبك  رواه النسائي والترمذي وصححه، ومما استدلوا به على التحريم في موضع الاشتباه: حديث عدي رضي الله عنه:  صحيح البخاري الذبائح والصيد (5159),صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1929),سنن الترمذي الصيد (1470),سنن النسائي الصيد والذبائح (4269),سنن أبو داود الصيد (2854),مسند أحمد بن حنبل (4/256),سنن الدارمي الصيد (2002). وإذا أرسلت كلبك المعلم فوجدت معه كلبا آخر فلا تأكل, فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره  وفي رواية:  صحيح البخاري الذبائح والصيد (5168),صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1929),سنن الترمذي الصيد (1470),سنن النسائي الصيد والذبائح (4263),سنن أبو داود الصيد (2847),سنن ابن ماجه الصيد (3208),مسند أحمد بن حنبل (4/257),سنن الدارمي الصيد (2002). إذا أرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله فإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل, فإنك لا تدري أيهما قتله  متفق عليه .
أما هذه اللحوم فإنها وإن كانت تستورد من بلاد تدعي أنها كتابية فإنها حرام وميتة ونجسة, فلا يجوز بيعها ولا شراؤها, وتحرم قيمتها, كما في الحديث  إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه  وذلك لوجوه عديدة:
أولا: أن هذه الدول في الوقت الحاضر قد نبذت الأديان وخرجت
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 673)
عليها ، وكون الشخص يهوديا أو نصرانيا هو بتمسكه بأحكام ذلك الدين ، أما إذا تركه ونبذه وراء ظهره فلا يعد كتابيا ، والانتساب فقط دون العمل لا ينفع ، كما أن المسلم مسلم بتمسكه بدين الإسلام ، فإذا تركه فليس بمسلم ، ولو كان أبواه مسلمين ، فإن مجرد الانتساب لا يفيد . وقد روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال في نصارى بني تغلب : إنهم لم يأخذوا من دين النصرانية سوى شرب الخمر .
قال الشيخ تقي الدين بن تيمية - رحمه الله - بعد كلام : وكون الرجل كتابيا أو غير كتابي هو حكم يستفيد بنفسه لا بنسبه ، فكل من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم ، سواء كان أبوه أو جده دخل في دينهم أو لم يدخل ، وسواء كان دخوله بعد النسخ والتبديل أو قبل ذلك ، وهو المنصوص الصريح عن أحمد وكان بين أصحابه خلاف ، وهو الثابت عن الصحابة بلا نزاع بينهم ، وذكر الطحاوي أن هذا إجماع قديم .
الثاني : أن ذبائح المذكورين الآن إما موقوذة أو مختنقة ، والمختنقة التي تخنق فتموت والموقوذة التي تضرب فتموت ، وقد قال الله سبحانه وتعالى : سورة المائدة الآية 3  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ  وقد تحقق أن هذه الدول الآن تقتل البهيمة إما بواسطة تسليط الكهرباء فتموت خنقا ، وإما بضربها بمطرقة في مكان معروف لديهم فتموت حالا وهذا محقق عنهم لا يمتري فيه أحد فقد كتبت عنهم عدة كتابات في هذا الصدد .
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 674)
فتحقق أن ذبائحهم ما بين منخنقة وموقوذة ، وهذه لا يمتري أحد بتحريمها ، فقد حرمها الله في كتابه ، وقرن تحريمها بتحريم الميتة والخنزير وما أهل به لغير الله ، وهذا غاية في التنفير والتحريم فلا يبيحها كون خانقها أو واقذها منتسبا لدين أهل الكتاب .
وقد صرح العلماء : أن من شروط صحة الذبح الآلة ، وللآلة شرطان :
أحدهما : أن تكون محددة تقطع ، أو تخرق بحدها ، لا بثقلها ، وفي حديث عدي قال :  صحيح البخاري الذبائح والصيد (5158),صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1929),سنن الترمذي الصيد (1471),سنن النسائي الصيد والذبائح (4274),سنن ابن ماجه الصيد (3214),مسند أحمد بن حنبل (4/256). سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صيد المعراض فقال : ما أصاب بحده فكله ، وما أصاب بعرضه فهو وقيذ  .
والثاني : أن لا تكون سنا ولا ظفرا ، فإذا اجتمع هذان الشرطان في شيء حل الذبح به ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - :  صحيح البخاري الذبائح والصيد (5190),صحيح مسلم الأضاحي (1968),سنن النسائي الضحايا (4410),سنن أبو داود الضحايا (2821). وما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ، ليس السن والظفر  متفق عليه .
وقال في [المغني] : وأما ( المحل ) أي : محل الذبح فالحلق واللبة ، وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر ، ولا يجوز الذبح في غير هذا المحل بالإجماع .
الثالث : أن الله أباح ذبائح أهل الكتاب ؛ لأنهم يذكرون اسم الله عليها ، كما ذكره ابن كثير وغيره ، أما الآن فقد تغيرت الحال ، فهم ما بين مهمل لذكر الله ، فلا يذكرون اسم الله ولا اسم غيره ، أو ذاكر لاسم غيره ؛ كاسم المسيح ، أو العزير ، أو مريم ، ولا يخفى حكم ما أهل لغير الله به في سياق المحرمات سورة البقرة الآية 173  وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ  وفي حديث علي  صحيح مسلم الأضاحي (1978),سنن النسائي الضحايا (4422),مسند أحمد بن حنبل (1/118). لعن الله من ذبح لغير الله  الحديث . رواه مسلم والنسائي ، أو ذاكر عليه اسم الله واسم غيره ، أو ذابح لغير الله كالذي يذبح للمسيح أو عزير أو باسمهما ، فهذا
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 675)
لا يشك مسلم بتحريمه ، وأنه مما أهل به لغير الله ، وذكر إبراهيم المروذي : أن ما ذبح عند استقبال السلطان تقربا إليه أفتى أهل بخارى بتحريمه ؛ لأنه مما أهل لغير الله . اهـ . فمن ذبح للصنم أو لموسى أو لعيسى أو غيرهما فكل هذا حرام ، ولا تحل الذبيحة ، سواء كان الذابح مسلما أو كافرا ، وبعضهم أباح هذه الذبائح مستدلا بقوله : سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  وهذه ذبائحهم ، والصحيح : ما ذكرنا ؛ لما أشرنا إليه من الأدلة ، ولا مخالفة حتى يطلب الجمع ، إذ ذبيحة الكتابي مباحة ، فلا تباح المنخنقة والموقوذة وما أهل به لغير الله ؛ لأن خانقها وواقذها وذابحها من أهل الكتاب .
قال الشيخ تقي الدين بن تيمية بعد كلام في الجمع بين قوله : سورة البقرة الآية 173  وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ  وقوله : سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  قال : والأشبه بالكتاب والسنة ما دل عليه كلام أحمد من الحظر ، وإن كان من متأخري أصحابنا من لا يذكر هذه الرواية بحال ؛ وذلك لأن قوله : سورة البقرة الآية 173  وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ  عموم محفوظ لم تخص منه صورة بخلاف طعام الذين أوتوا الكتاب ، فإنه يشرط له الذكاة المبيحة ، فلو ذكى الكتابي في غير المحل المشروع لم تبح ذكاته ، ولأن غاية الكتابي أن تكون ذكاته كالمسلم ، والمسلم لو ذبح لغير الله وذبح باسم غير الله لم يبح وإن كان يكفر بذلك ، فكذلك الذمي ؛ لأن قوله : سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ  سواء ، وهم وإن كانوا يستحلون هذا ، ونحن لا نستحله ، فليس كل ما استحلوه يحل لنا ، ولأنه قد تعارض دليلان حاظر ومبيح ، فالحاظر أولى أن يقدم ، ولأن الذبح لغير الله أو باسم غيره قد علمنا يقينا أنه ليس من دين الأنبياء عليهم السلام - فهو من الشرك الذي قد
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 676)
أحدثوه ، فالمعنى الذي لأجله حلت ذبائحهم منتف في هذا ، والله أعلم . اهـ .
وأما حكم متروك التسمية فقط عمدا أو سهوا فهذه المسألة الخلاف فيها شهير والحكم ولله الحمد واضح .
الرابع : أن موضوع الذبح الاختياري معروف ، وهو في الحلق واللبة ، ولا يجوز في غير ذلك إجماعا ، وروى سعيد والأثرم عن أبي هريرة قال :  بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بديل بن ورقاء يصيح في فجاج مكة : ألا إن الذكاة في الحلق واللبة  رواه الدارقطني بإسناد جيد ، وروي عن أبي هريرة قال :  سنن أبو داود الضحايا (2826),مسند أحمد بن حنبل (1/289). نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شريطة الشيطان ، وهي التي تذبح فتقطع الجلد ولا تفري الأوداج  . رواه أبو داود . وروى سعيد في [سننه] عن ابن عباس رضي الله عنهما : إذا أهريق الدم وقطع الودج فكل . إسناده حسن ، والودجان : عرقان بالحلقوم ، وهذا معدوم في ذبائح المذكورين كما ذكرناه سابقا فلا تحل ، قال في [مغني ذوي الأفهام] : الثالث : أن يقطع الحلقوم والمريء بالآلة ، فإن خنقها أو عصر رأسها بيده أو ضربها بحجر أو عصا على محل الذبح - لم يحل أكلها .
الخامس : لو فرضنا أنه يوجد في تلك البلدان من يذبح ذبحا شرعيا ، ويوجد من يذبح ذبحا آخر كالخنق والوقذ ، فلا تحل للاشتباه ، كما هي قاعدة الشرع المعروفة ، ولحديث عدي المتقدم ، قال ابن رجب بعد كلام : وما أصله الحظر ؛ كالأبضاع ، ولحوم الحيوان فلا تحل إلا بيقين حله من التذكية والعقد ، فإن تردد في شيء من ذلك لسبب آخر رجع إلى الأصل فبنى عليه ، فما أصله الحرمة بني على التحريم ؛ ولهذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الصيد الذي يجد فيه الصائد أثر سهم أو كلب غير كلبه . اهـ .
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 677)
أما حديث عائشة : أن أناسا يأتوننا باللحم ولا ندري أذكروا اسم الله عليه ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :  صحيح البخاري البيوع (1952),سنن النسائي الضحايا (4436),سنن أبو داود الضحايا (2829),سنن ابن ماجه الذبائح (3174),موطأ مالك الذبائح (1054),سنن الدارمي الأضاحي (1976). سموا الله أنتم وكلوا  أخرجه البخاري .
فالجواب : أن هؤلاء مسلمون ولكنهم في الحديث حديث عهدهم بالإسلام ، وإنما أشكل هل يسمون أم لا والتسمية سهلة بالنسبة إلى غيرها فإن المذكورين في حديث عائشة مسلمون ، والأصل في ذبحهم الإباحة ، وكذلك فيما جلب من بلاد المسلمين كان هو معروفا ومصرحا به في كلام أهل العلم .
وهذا آخر ما أردنا إيراده في هذه العجالة .
وصلى الله على سيدنا محمد ، وآله وصحبه أجمعين .
وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن حكم أكل اللحوم الواردة من الخارج .
فقال : هذا سؤال كثر التساؤل فيه وعمت البلوى به وحكمه يتبين بتحرير ثلاث مقامات :
المقام الأول : حل ذبيحة أهل الكتاب ، وهم : اليهود والنصارى .
المقام الثاني : إجراء ما ذبحه من تحل ذبيحته على أصل الحل .
المقام الثالث : الحكم على هذا اللحم الوارد بأنه من ذبح من تحل ذبيحته .
فأما المقام الأول : فإن ذبيحة أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) حلال دل على حلها الكتاب والسنة والإجماع .
أما الكتاب فقوله تعالى : سورة المائدة الآية 5  الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ  قال ابن عباس - رضي الله عنهما - :
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 678)
طعامهم : ذبائحهم ، وكذلك قال مجاهد وسعيد بن جبير والحسن وإبراهيم النخعي ، ولا يمكن أن يكون المراد بطعامهم التمر والحب ونحوهما فقط ؛ لأن قوله : سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ  لفظ عام فتخصيصه بالتمر والحب ونحوهما خروج عن الظاهر بلا دليل ، ولأن التمر ونحوه من الطعام حلال لنا من أهل الكتاب وغيرهم ، فلو حملت الآية عليه لم يكن لتخصيصه بأهل الكتاب فائدة .
وأما السنة : فقد ثبت في [صحيح مسلم ]  [صحيح مسلم] ( 7\14 ) ط \ صبيح . عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - :  صحيح البخاري الهبة وفضلها والتحريض عليها (2474),صحيح مسلم السلام (2190),سنن أبو داود الديات (4508),مسند أحمد بن حنبل (3/218). أن امرأة يهودية أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاة مسمومة وأكل منها ، فجيء بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألها عن ذلك ، فقالت : أردت لأقتلك فقال : ما كان الله ليسلطك على ذاك  وفي [مسند الإمام أحمد ] عن أنس أيضا :  مسند أحمد بن حنبل (3/211). أن يهوديا دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خبز شعير وإهالة سنخة ، فأجابه  ، والإهالة السنخة : ما أذيب من الشحم والإلية وتغيرت رائحته ، وفي [صحيح البخاري ] عن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال :  صحيح البخاري فرض الخمس (2984),صحيح مسلم الجهاد والسير (1772),سنن النسائي الضحايا (4435),سنن أبو داود الجهاد (2702),مسند أحمد بن حنبل (5/56),سنن الدارمي السير (2500). كنا محاصرين قصر خيبر فرمى إنسان بجراب فيه شحم فنزوت لأخذه ، فالتفت فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستحييت منه  ، وفي رواية لمسلم عنه قال :  أصبت جرابا من شحم يوم خيبر فالتزمته ، فقلت : لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا فالتفت ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبتسما  . فهذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإقراره في حل ذبائح أهل الكتاب .
وأما الإجماع : فقد حكى إجماع المسلمين على حل ذبائح أهل الكتاب
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 679)
غير واحد من أهل العلم منهم : صاحب [المغني]  [المغني] ( 8\ 567 ) ط \ دار المنار . ، ومنهم : شيخ الإسلام ابن تيمية قال  [مجموع الفتاوى] ( 35\ 232 ) . : ومن المعلوم أن حل ذبائحهم ونسائهم ثبت بالكتاب والسنة والإجماع ، وقال : مازال المسلمون في كل عصر ومصر يأكلون ذبائحهم ، فمن خالف ذلك فقد أنكر إجماع المسلمين . اهـ .
ونقل الإجماع ابن كثير في [تفسيره]  [تفسير ابن كثير] ( 3\ 8 ) . المطبوع مع [تفسير البغوي ] ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا  [مجموع الفتاوى] ( 35\ 223 ، 224 ) . : بل الصواب المقطوع به أن كون الرجل كتابيا أو غير كتابي هو حكم مستقل بنفسه لا بنسبه ، وكل من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم ، سواء كان أبوه أو جده داخلا في دينهم أو لم يدخل ، وسواء كان دخوله قبل النسخ والتبديل أو بعد ذلك ، وهذا مذهب جمهور العلماء ؛ كأبي حنيفة ، ومالك ، والمنصوص الصريح عن أحمد - وإن كان بين أصحابه في ذلك نزاع معروف - وهذا القول هو الثابت عن الصحابة - رضي الله عنهم - ، ولا أعلم في ذلك بين الصحابة نزاعا ، وقد ذكر الطحاوي أن هذا إجماع قديم . اهـ . كلامه - رحمه الله - .
وبهذا تحدد المقام الأول : وهو حل ذبيحة أهل الكتاب : ( اليهود والنصارى ) بالكتاب والسنة والإجماع ، فأما غيرهم من المجوس والمشركين وسائر أصناف الكفار - فلا تحل ذبيحتهم ؛ لمفهوم قوله تعالى : سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  فإن مفهومها : أن غير أهل الكتاب لا يحل لنا
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 680)
طعامهم ، أي : ذبائحهم ؛ ولأن الصحابة - رضي الله عنهم - لما فتحوا الأمصار امتنعوا عن ذبائح المجوس ، وقال في [المغني]  [المغني] ( 8\ 570 ) . : أجمع أهل العلم على تحريم صيد المجوسي وذبيحته إلا ما لا ذكاة له ؛ كالسمك والجراد ، وقال : وأبو ثور أباح صيده وذبيحته ، وهذا قول يخالف الإجماع فلا عبرة به ، ثم نقل عن أحمد أنه قال : لا أعلم أحدا قال بخلافه أي بخلاف تحريم صيد المجوسي وذبيحته إلا أن يكون صاحب بدعة . اهـ . قال : وحكم سائر الكفار من عبدة الأوثان ، والزنادقة وغيرهم حكم المجوس في تحريم ذبائحهم وصيدهم ، لكن ما لا يشترط لحله الذكاة كالسمك والجراد فهو حلال من المسلمين وأهل الكتاب وغيرهم .
المقام الثاني : إجراء ما ذبحه من تحل ذبيحته على أصل الحل .
وهذا المقام له ثلاث حالات :
الحال الأولى : أن نعلم أن ذبحه كان على الطريقة الإسلامية : بأن يكون ذبحه في محل الذبح ، وهو الحلق ، وأن ينهر الدم بمحدد غير العظم والظفر ، وأن يذكر اسم الله عليه ، فيقول الذابح عند الذبح : بسم الله ، ففي هذه الحال المذبوح حلال بلا شك ؛ لأنه ذبح وقع من أهله على الطريقة التي أحل النبي - صلى الله عليه وسلم - المذبوح بها حيث قال - صلى الله عليه وسلم - :  صحيح البخاري الشركة (2372),صحيح مسلم الأضاحي (1968),سنن الترمذي الأحكام والفوائد (1491),سنن النسائي الضحايا (4410),سنن أبو داود الضحايا (2821),مسند أحمد بن حنبل (3/463). ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ، ليس السن والظفر ، وسأحدثكم عن ذلك ، أما السن فعظم ، وأما الظفر فمدي الحبشة  رواه الجماعة ، واللفظ للبخاري ، وفي رواية له :  صحيح البخاري الذبائح والصيد (5224),صحيح مسلم الأضاحي (1968),سنن أبو داود الضحايا (2821),مسند أحمد بن حنبل (3/463). غير السن والظفر ، فإن السن عظم ، والظفر مدي الحبشة  وطريق
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 681)
العلم بأن ذبحه كان على الطريقة الإسلامية : أن نشاهد ذبحه أو يخبرنا عنه من حصل العلم بخبره .
الحال الثانية : أن نعلم أن ذبحه على غير الطريقة الإسلامية ، مثل : أن يقتل بالخنق ، أو بالصعق ، أو بالصدم ، أو يضرب الرأس ونحوه ، أو يذبح من غير أن يذكر اسم الله عليه - ففي هذه الحال المذبوح حرام بلا شك ؛ لقوله تعالى : سورة المائدة الآية 3  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ  وقوله تعالى : سورة الأنعام الآية 121  وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ  ولمفهوم ما سبق من قوله - صلى الله عليه وسلم - :  صحيح البخاري الشركة (2372),صحيح مسلم الأضاحي (1968),سنن الترمذي الأحكام والفوائد (1491),سنن النسائي الضحايا (4410),سنن أبو داود الضحايا (2821),مسند أحمد بن حنبل (3/463). ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا  وطريق العلم بأنه ذبح على غير الطريقة الإسلامية أن نشاهد ذبحه أو يخبرنا عنه من يحصل العلم بخبره .
الحال الثالثة : أن نعلم أن الذبح وقع ولكن نجهل كيف وقع بأن يأتينا ممن تحل ذبيحتهم لحم أو ذبيحة مقطوعة الرأس ، ولا نعلم على أي صفة ذبحوها ، ولا هل سموا الله عليها أم لا ؟ .
ففي هذه الحال المذبوح محل شك وتردد ، ولكن النصوص الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تقتضي حله ، وأنه لا يجب السؤال تيسيرا على العباد ، وبناء على أصل الحل ، فقد سبق : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل من الشاة التي أتت بها إليه اليهودية ، وأنه أجاب دعوة يهودي على خبز شعير وإهالة سنخة ، وفي كلتا القضيتين لم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كيفية الذبح ، ولا هل ذكر اسم الله عليه أم
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 682)
لا ؟ وفي [صحيح البخاري ] عن عائشة - رضي الله عنها - :  صحيح البخاري الذبائح والصيد (5188),سنن النسائي الضحايا (4436),سنن أبو داود الضحايا (2829),سنن ابن ماجه الذبائح (3174),موطأ مالك الذبائح (1054),سنن الدارمي الأضاحي (1976). أن قوما قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن قوما أتونا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ فقال : سموا عليه أنتم وكلوه قالت : وكانوا حديثي عهد بالكفر  ، فقد أحل النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل هذا اللحم مع الشك في ذكر اسم الله عليه وهو شرط لحله ، وقرينة الشك موجودة وهي كونهم حديثي عهد بالكفر ، فقد يجهلون أن التسمية شرط للحل لقرب نشأتهم في الإسلام ، وإحلال النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك مع الشك في وجود شرط الحل ( وهي التسمية ) وقيام قرينة على هذا الشك ( وهي كونهم حديثي عهد بالكفر ) دليل على إجراء ما ذبحه من تحل ذبيحته على أصل الحل ؛ لأن الأصل في الأفعال والتصرفات الواقعة من أهلها الصحة ، قال في [المنتقى] بعد أن ذكر حديث عائشة السابق : وهو دليل على أن التصرفات والأفعال تحمل على حال الصحة والسلامة إلى أن يقوم دليل الفساد . اهـ .
وما يرد إلينا مما ذبحه اليهود أ والنصارى غالبه ما جهل كيف وقع ذبحه ، فيكون تحرير المقام فيه إجراؤه على أصل الحل وعدم وجوب السؤال عنه .
المقام الثالث : الحكم على هذا الوارد بأنه من ذبح من تحل ذبيحته .
وهذا المقام له ثلاث حالات أيضا .
الحال الأول : أن نعلم أن من ذبحه تحل ذبيحته وهم المسلمون وأهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) ففي هذه الحال المذبوح حلال بلا شك لوقوع الذبح الشرعي من أهله ، وطريق العلم بذلك أن نشاهد الذابح المعلومة حاله أو يخبرنا به من يحصل العلم بخبره ، أو يكون مذبوحا في محل ليس
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 683)
فيه إلا من تحل ذبيحته .
الحال الثانية : أن نعلم أن من ذبحه لا تحل ذبيحته كالمجوس وسائر الكفار غير أهل الكتاب ، ففي هذه الحال المذبوح حرام بلا شك لوقوع الذبح من غير أهله ، وطريق العلم بذلك : أن نشاهد الذابح المعلومة حاله أو يخبرنا به من يحصل العلم بخبره ، أو يكون مذبوحا في محل ليس فيه من تحل ذبيحته .
الحال الثالثة : أن لا نعلم هل ذابحه من تحل ذبيحته أو لا ؟ وهذا هو الغالب على اللحم الوارد من الخارج ، فالأصل هنا التحريم فلا يحل الأكل منه ؛ لأننا لا نعلم صدور هذا الذبح من أهله .
ولا يناقض هذا ما سبق في الحال الثالثة من المقام الثاني ، حيث حكمنا هناك بالحل مع الشك ؛ لأننا هناك عملنا بصدور الفعل من أهله ، وشككنا في شرط حله ، والظاهر صدوره على وجه الصحة والسلامة حتى يوجد ما ينافي ذلك ، بخلاف ما هنا : فإننا لم نعلم صدور الفعل من أهله ، والأصل التحريم ، لكن إن وجدت قرائن ترجح حله عمل بها .
فمن القرائن :
أولا : أن يكون مورده مسلما ظاهره العدالة ، ويقول : إنه مذبوح على الطريقة الإسلامية فيحكم بالحل هنا ؛ لأن حال المسلم الظاهر العدالة تمنع أن يورد إلى المسلمين ما يحرم عليهم ثم يدعي أنه مذبوح على الطريقة الإسلامية .
ثانيا : أن يرد من بلاد أكثر أهلها ممن تحل ذبيحتهم فيحكم ظاهرا بحل الذبيحة تبعا للأكثر ، إلا أن يعلم أن المتولي الذبح ممن لا تحل ذبيحته فلا
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 684)
يحكم حينئذ بالحل لوجود معارض يمنع الحكم بالظاهر .
قال في [المنتهى وشرحه] : ويحل حيوان مذبوح منبوذ بمحل يحل ذبح أكثر أهله بأن كان أكثرهم مسلمين أو كتابيين ولو جهلت تسمية ذابح . اهـ .
وإذا كان الحل في هذا الحال مبنيا على القرائن فالقرائن إما أن تكون قوية فيقوى القول بالحل ، وإما أن تكون ضعيفة فيضعف القول بالحل ، وإما أن تكون بين ذلك فيكون الحكم مترددا بين الحل والتحريم ، والذي ينبغي حينئذ سلوك سبيل الاحتياط واجتناب ما يشك في حله لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :  سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2518),سنن النسائي الأشربة (5711),مسند أحمد بن حنبل (1/200),سنن الدارمي البيوع (2532). دع ما يريبك إلى ما لا يريبك  ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - :  صحيح البخاري الإيمان (52),صحيح مسلم المساقاة (1599),سنن الترمذي البيوع (1205),سنن النسائي البيوع (4453),سنن أبو داود البيوع (3329),سنن ابن ماجه الفتن (3984),مسند أحمد بن حنبل (4/270),سنن الدارمي البيوع (2531). الحلال بين والحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات ، لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ؛ ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه  ، وفي رواية :  صحيح البخاري البيوع (1946). ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان  متفق عليه .
والله الموفق ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
مهره الفقير إلى الله : محمد بن صالح العثيمين .

ثالثا : ذكر ما ورد إلى هذه الرئاسة عن كيفية تذكية الحيوانات المستوردة من بلاد الكفار إلى المملكة العربية السعودية :
نثبت تحت هذا العنوان ما ورد إلى هذه الرئاسة من معالي وزير التجارة والصناعة ، وما ورد إليها من معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الموضوع ، ثم ما ورد من الدعاة المبعوثين للدعوة في
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 685)
تلك البلاد عن كيفية التذكية فيها ، ثم ما كتبه بعض أهل الغيرة في المجلات الإسلامية عن كيفية الذبح في تلك البلاد .
أ- كتب سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ سابقا كتابا برقم ( 2029\1 ) في 23\5\1393هـ إلى معالي وزير التجارة والصناعة يستفسر فيه عن كيفية ذبح اللحوم المستوردة هل هو بالصعق الكهربائي أو بالخنق ؟ .
فأجاب معالي الوزير بما نصه :
سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الموقر .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
نشير إلى خطابكم رقم ( 3745 ) وتاريخ 20\8\1393هـ المعطوف على سابقه رقم ( 2029\1 ) في 23\5\1393هـ الذي تستفسرون فيه عن كيفية الذبح : هل بالصعق الكهربائي أو بالخنق أو بالمقصلة ؟ وكذلك أنواع اللحوم المستوردة معلبة وغير معلبة .
نفيد سماحتكم : أنه بناء على تقصي هذه الوزارة من المصادر العديدة اتضح لها : أن اللحوم المستوردة إلى المملكة والتي ترد من بلدان مختلفة يتم الذبح فيها بالطرق الآتية :
( 1 ) هنغاريا : ذبح الطيور الداجنة والأبقار المصدرة للدول العربية يتم حسب التعاليم الإسلامية ، وأن كل إرسالية معدة للتصدير مرفقة بما يسمى ( شهادة حلال ) ، وأن هنغاريا تقوم بتصدير مسالخ كاملة معدة للعمل حسب التعاليم الإسلامية .
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 686)
( 2 ) الدانمرك : ذبح الكميات الكبيرة من الأبقار والطيور الداجنة يتم بواسطة الآلات ، وذلك في مسالخ عدة ، ويتم الذبح حسب التعاليم الإسلامية بالنسبة للمصدر للدول الإسلامية .
( 3 ) الولايات المتحدة الأمريكية : للذبح أربع طرق : الأولى : كيميائية بواسطة ثاني أكسيد الكربون ، الثانية : ميكانيكية بواسطة آلة حادة ، الثالثة : ميكانيكية بواسطة قذيفة نارية ، الرابعة : كهربائية بواسطة التيار الكهربائي ، وهذه الطرق لا تتبع إلا بعد نزف دم الحيوان .
( 4 ) هولندا : الطيور تصعق بتيار كهربائي ثم يتم ذبحها من العنق .
( 5 ) بلجيكا : تتعرض الحيوانات المعدة للاستهلاك لعملية فقد الوعي قبل إسالة دمائها ؛ إما عن طريق التيار الكهربائي ، أو عن طريق آلات حادة أو مسدسات خاصة .
( 6 ) ألمانيا الغربية : الطيور المعدة للذبح تبقى 24 ساعة قبل ذبحها في حالة استرخاء وراحة تعطى خلالها ماء للشرب ثم تتعرض قبل إسالة الدماء منها خلال أوردتها إلى عملية إفقاد الوعي عن طريق التيار الكهربائي أو الغازات الخاصة أو الأدوات الحادة .
( 7 ) السويد : المواشي المعدة للذبح تستريح لمدة 24 ساعة قبل الذبح ثم يتم إفقادها الوعي ( لأسباب إنسانية لا علاقة لها بجودة اللحم ) بواسطة آلة حادة ( مسدس ) فتصعق تمهيدا لعملية إخراج الدم منها بواسطة ضربها بآلة حادة ( سكين ) .
( 8 ) بلغاريا : ذبح الطيور والمواشي يتم حسب الطريقة الإسلامية بموجب شهادة خاصة من السلطات الإسلامية يتم إصدارها لكل شحنة .
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 687)
ونقترح : إيفاد ثقات من أصحاب الفضيلة العلماء لزيارة الدول التي يوجد بها مصانع لإعداد اللحوم المستوردة بأنواعها للوقوف على حقيقة الذبح ولتقرير أيها يمكن التعامل معه ، وربما يرى سماحتكم أن تكون هذه الزيارة للتأكد من استمرار تلك المصانع باتباع الطريقة الإسلامية في الذبح .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وزير التجارة والصناعة
محمد العوضي
وكتب سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز كتابا برقم ( 737\2 ) في 28\3\1398هـ إلى معالي وزير التجارة والصناعة بشأن اللحوم المستوردة من بلاد الكفار ، فأجابه معالي الوزير بما نصه :
صاحب المعالي فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . . وبعد .
إشارة لخطاب معاليكم رقم 737\2\ في 28\3\1398هـ بشأن اتصالات بعض الناس بكم حول وجود كميات من اللحوم ترد البلاد من بعض الدول الاشتراكية ، وما ذكرتموه من أن ذبيحة الشيوعيين وغيرهم من الكفار غير أهل الكتاب - وهم : اليهود والنصارى - حرام على المسلمين ، أرجو إحاطة معاليكم : أن الأجهزة المختصة في هذه الوزارة وفي مصلحة الجمارك تحرص دائما على التثبت من صحة شهادات الذبح على الطريقة
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 688)
الإسلامية وكونها مصدقة من سفارات المملكة إن وجدت أو سفارات الدول الإسلامية الأخرى ، كما أن هذه السفارات على معرفة بالجهات التي تصدر هذه الشهادات ، سواء كانت جمعيات إسلامية أو مؤسسات فردية معترف بها ، كما لا يخفاكم أن البلدان التي ذكرتموها فيها الكثيرون من أهل الكتاب ومن المسلمين على الرغم من أن نظامها السياسي نظام ماركسي ، بل إن المعلومات التي لدى الوزارة تدل على أن الكثير من الأتراك المسلمين يقومون بالذبح في هذه البلدان ، ولا يخفى معاليكم أن هذه البلدان عندما توفر الذبح على الطريقة الإسلامية فإنما تفعل ذلك حرصا على تصريف منتجاتها في العالم الإسلامي الواسع ، ولحاجتها الماسة إلى العملة الصعبة ، ولأنهم يدركون أن لهم منافسين من بلدان أخرى يعملون عادة على الكتابة للجهات الرسمية في البلدان الإسلامية لاستشارتهم ضد منتجاتهم عن طريق التشكيك بطريقة الذبح .
وأود بهذه المناسبة أن أؤكد لمعاليكم بأن هذه الوزارة حريصة على أن يهنأ المواطنون والمقيمون بطعامهم لا عن طريق التأكد من توافر الشروط الصحية والذي تهتم به مختبرات الجودة النوعية بالتعاون مع وزارة الزراعة فقط ، وإنما كذلك بالحرص على توافر الشروط الشرعية في الذبح ، وفي نفس الوقت يقع على عاتق هذه الوزارة تأمين أكثر ما يمكن من مصادر السوق العالمية لرجال الأعمال السعوديين لتوفير جو المنافسة ومنع حدوث نقص في المعروض من المواد الغذائية وخاصة اللحوم ، وهو الأمر الذي حدث قبل سنوات قليلة ، عندما كان اعتماد المملكة كليا تقريبا على الصومال فكانت النتيجة حدوث نقص في المعروض من الأغنام
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 689)
والأبقار والإبل عندما أصيب ذلك البلد بالجفاف .
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه ، إنه سميع مجيب .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وزير التجارة
سليمان السليم
ب- وكتب معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ محمد الحركان كتابا إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء في موضوع اللحوم المستوردة نصه :
سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد - بالرياض . . . الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد :
فيطيب لي أن أبعث لسعادتكم بخالص التحية وأطيب الأمنيات ، كما أود أن أحيطكم علما بأنه قد وردت إلينا عدة تقارير رسمية وغير رسمية تفيد بأن بعض الشركات الاسترالية التي تصدر اللحوم للأقطار الإسلامية وخاصة شركة ( حلال الصادق ) التي يملكها القادياني ( حلال صادق ) لا تتبع الطريقة الإسلامية في ذبح المواشي ( الأبقار والأغنام والطيور ) وحرصا من الأمانة العامة للرابطة على تطبيق الشريعة الإسلامية في هذا الموضوع فقد قررنا التعاون مباشرة مع الاتحاد الاسترالي للجمعيات الإسلامية ليقوم بالإشراف الكامل على جميع المذابح وإعطاء شهادات معتمدة للشركات المصدرة للحوم وختمها بخاتمه الرسمي .
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 690)
لهذا نأمل التكرم بالإيعاز إلى الجهات المختصة والفرق التجارية في بلادكم الشقيقة للتعاون معنا وأخذ الحيطة لعدم دخول أية لحوم مستوردة من هذا البلد إلا عن طريق وبشهادة الاتحاد المذكور ؛ ضمانا لشرعية الذبح ، وتفاديا لعدم الوقوع في الأخطاء التي تتنافى مع الإسلام .
أسأل المولى عز وجل أن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى .
والله يحفظكم
الأمين العام
محمد علي الحركان
ج- ورد إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد تقارير من المبعوثين من قبل الرئاسة - الدعوة في الخارج - عن اللحوم المستوردة من بلاد الكفار ، نورد فيما يلي نصوصها ثم تلخيصها ثم ننتقل بعد ذلك إلى الحكم عليها على ضوء ما عرف من القواعد الشرعية في تذكية الحيوانات .
أ- تقرير من الداعية الأستاذ أحمد بن صالح محايري ، عن اللحوم المستوردة من البرازيل إلى المملكة العربية السعودية - نصه :
تقرير في كيفية ذبح الطيور والمواشي الواردة إلى المملكة من البرازيل .
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
معالي الرئيس العام العلامة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز المحترم . . حفظه الله تعالى .
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 691)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد .
فتنفيذا لما جاء في رسالة سماحتكم السرية رقم ( 3442\4 ) وتاريخ 21\6\1398هـ بشأن التحري عن كيفية ذبح الطيور والمواشي الموردة إلى المملكة فيشرفني أن أرفع لمعاليكم ما يلي :
قمت في الفترة الواقعة ما بين 14 رجب ( 20 حزيران ) 1398 إلى ( 30 من رجب 1398هـ ) في جولة بطريق البر إلى سبع مدن برازيلية فيها شركات مصدرة للحوم والدواجن ، وهذه المدن هي :
كورتيبا - وتبعد عن لوندرينا 450 كيلو مترا .
بومطا كروسا - وتبعد 210 كيلو مترا .
وكامبوكراندي - وتبعد 750 كيلو مترا .
وكويابا - وتبعد 1250 كيلو مترا .
وغويانا - وتبعد 110 كيلو مترا .
وبروذينتي برودينتي - وتبعد 250 كيلو مترا .
وسان جوزيف - وتبعد 375 كيلو مترا .
ومع أنني اتصلت بكافة الشركات المصدرة للحوم في هذه المدن واطلعت على كيفية الذبح فيها إلا أنني أقتصر في تقريري هذا - إن شاء الله - على الكلام عن الشركات الموردة للمملكة العربية السعودية ، وعن ملاحظاتي واقتراحاتي على ضوء ما وصلت إليه من معلومات خلال جولتي هذه .
شركة برنسيسا للدجاج والدواجن :
ومكانها في مدينة بونتا كروسا بولاية بارانا في البرازيل ، تقوم هذه
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 692)
الشركة بتربية الدواجن في مزارعها الخاصة وتذبح ما ينوف عن ( 150 ) طن في الشهر وتقوم بتغليفها وتصديرها إلى عدة بلدان عربية ؛ كمسقط ، وعمان ، والكويت ، والمملكة العربية السعودية ، وذلك عن طريق شركة بتروبراز البرازيلية ، وذلك ضمن أكياس نايلون وكراتين كتب عليها باللغة العربية ذبح على الطريقة الإسلامية . ( وقد أدرجت طيه أحد الأكياس للإحاطة ) .
ولما طلبت وزارة التجارة في بعض الدول الإسلامية من المستوردين أن يكون مع أوراق الاستيراد ما يثبت أن اللحم المورد ذبح على الطريقة الإسلامية قامت الشركة المذكورة بالاتصال برئيس الجمعية الإسلامية في مدينة كورتيبا القريبة منها والمدعو حسين العميري واتفقت معه أن يشهد خطيا عند كل شحنة : أن الذبح جرى وتم على الطريقة الإسلامية ، وذلك لقاء نسبة 1% من قيمة الشحن تدفعها الشركة للمذكور لقاء شهادته هذه ، ( وتجدون طيه صورة لإحدى الشهادات التي يوقعها المذكور باللغتين العربية والبرتغالية ) .
وفي 14 رجب 1398هـ توجهت من لوندرينا لهذه الشركة مارا بمدينة كورتيبا لأصطحب معي في الزيارة حسين العميري رئيس الجمعية ، وفعلا وصلت إلى مقر الشركة بصحبته في مدينة بونتاكروسا فبعد أن رحب بنا المسئولون طلبت مشاهدة عملية الذبح ، وفعلا فقد رأيت بنفسي ما يلي :
تعلق الطيور ( في هذه الشركة ) من أرجلها حية منكوسة الرأس على آلة متحركة تسوقها إلى مكان فيه رجل قائم بسكينة يقطع بها وريد كل دجاجة قادمة ، ويبالغ في السرعة ليتمكن من قطع وريد الطير الذي يليه وهكذا . .
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 693)
ونفس الآلة تسوق الطير المعلق بعد عملية الذبح إلى مكان فيه ماء ساخن لتغمسه فيه كي يتم نتفه وتنظيفه وتعبئته بالأكياس النايلون الآنفة الذكر .
والمحظور في عملية الذبح المذكورة : أنه لا يتحقق في الغالب قطع الوريدين لعامل السرعة المفروضة على الذابح ، كما أن الدجاج المذبوح يغمس في الماء المغلي بعد مدة وجيزة من الذبح قد لا يكون الطير خلالها قد فارق الحياة فيحصل أنه يموت خنقا ، كما يجب التأكد من عقيدة الذابح هل هو كتابي أو وثني ؟ .
بعد خروجنا من المسلخ عقدت اجتماعا مع مدير وأعضاء الشركة المذكورة وبينت لهم المحاذير الشرعية ، والتي لاحظتها في طريقة الذبح ، وشرحت لهم كيفية الذبح الإسلامي ، وطلبت منهم تطبيقه وخاصة بالنسبة للكميات التي تصدر إلى البلاد الإسلامية .
فقال لي مدير الشركة ما يلي :
إن شركتنا على استعداد تام لتعديل عملية الذبح كي تصبح على الشريعة الإسلامية تماما ، كما يمكننا إجراء تعديل آلات الذبح نفسها وتوظيف رجل مسلم يقوم بعملية الذبح بنفسه ، ولكن لا يتحقق هذا الأمر إلا بناء على طلب مسبق بين الكمية اللازمة للتصدير ، وعلى ضوئه يمكننا تعديل الأمر حسب الشريعة الإسلامية .
وبعد أن غادرنا مكتب الشركة بينت بحكمة ووضوح لرئيس الجمعية خطأه في التوقيع على أن عملية الذبح تمت على الشريعة الإسلامية ، وطلبت منه الإقلاع عن ذلك الأمر بالكلية ريثما يشرف بنفسه ، أو يوظف من يشرف على عملية الذبح لتكون على الطريقة الإسلامية ، فوعدني خيرا
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 694)
والله أعلم .
شركة ساديا أويسته للبقر والدواجن :
من أكبر الشركات العالمية للحوم البقر والدواجن ، ولها ما ينوف عن عشرين فرعا في الولايات البرازيلية ، وتصدر إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج ، ولها مذابح حديثة في كل من سان باولو ، وكويابا ، وبورت اليكري ، وكامبو كراندي ، والريو دي جانيرو ، ويبلغ تصدير هذه الشركات من الطيور فقط نحو 300 طن في الشهر ، وتحصل على شهادات خطية : أن الذبح على الشريعة الإسلامية ، من بعض الجمعيات الإسلامية في سان باولو ، وأشهرها : جمعية السانتوا مارو الإسلامية ، والجمعية الخيرية الإسلامية ، لقاء مساعدة مالية تدفعها الشركة للجمعيتين الموقعتين .
وتختلف طريقة ذبح الدواجن في هذه الشركة عن الشركة الآنفة الذكر أعني : شركة برنسيسا أن الأولى تذبح الطير المعلق من قدمه في الآلة المتحركة بطريقة أكثر تؤدة مما يجعل قطع الوريدين قد يتحقق في الغالب ، ولكن المحظور يبقى قائما ، وهو أن الآلة تغمس الذبيحة في الماء الساخن المغلي قبل أن تفارق الروح ، كما ليس من المؤكد في هذه الشركة أن يكون الذابح كتابيا ، هذا فيما يتعلق بذبح الدواجن في هذه الشركة ، أما فيما يتعلق بذبح الأبقار وتصديره إلى المملكة بواسطة هذه الشركة ( ساديا ) فأرفع لمعاليكم ما يلي :
في يوم الأحد 20 رجب - الموافق 25 حزيران - 1398هـ سافرت إلى مدينة كويابا مارا بمدينتي ( بريزيدنتي ) و ( كامبوا كراندي ) ، وفي يوم الخميس 24 رجب - 29 حزيران - 1398هـ ذهبت بصحبة رئيس الجمعية
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 695)
الإسلامية في مدينة كويابا الأستاذ خالد القرعاوي مع سكرتير الجمعية الأخ فيصل فارس لزيارة هذه الشركة ، وبعد أن عقدنا اجتماعا مع مدير الشركة المدعو أديسون جواو فرانيسكون ولفيف من المسئولين وبينت لهم في الاجتماع محاسن الذبح على الطريقة الإسلامية ، فأخبرني مدير الشركة بأن الشركة كانت تصعق بالكهرباء الذبائح ، وتقوم بسلخها بعد ذلك دون أن يخرج الدم ، إلا أن الشركة اكتشفت بأن اللحوم التي تذبح بطريقة الصعق الكهربائي سريعا ما تفسد ، ولو كانت في الثلاجات ، وسريعا ما يتغير لونها إلى رمادي قاتم ، حتى أوصى الأطباء البيطريون العاملون في الشركة بوجوب قتل الذبيحة بطريقة يخرج فيها كل الدم ، فقاطعته قائلا : والدم لا يخرج من الذبيحة كلية إلا إذا مر من الوريدين بقطعهما ، وليس من مكان آخر ، فقال : وهكذا نفعل هنا ، إذ نذبح يوميا ( 1500 ) ألف وخمسمائة رأس بقر للتصدير ، فطلبت منه أن أرى بنفسي طريقة الذبح ، فألبسونا ألبسة خاصة ، وأدخلونا إلى المسلخ ، وهو مكان فسيح جدا مقسم إلى أقسام وعند المدخل يساق الثور إلى مكان ضيق ثم يغلق عليه بطريقة لا يستطيع الخلاص ، ثم يقوم أحدهم بمطرقة في يده بضرب رأس الثور ضربة غير مميتة بقصد أن يغيب الثور عن وعيه ليمكن السيطرة عليه أثناء الذبح ، وفعلا يسقط الثور على الأرض ، وفي نفس الثانية واللحظة تتناول قدمه رافعة ترفعها أوتوماتيكيا إلى الأعلى ورأسه منكس في الأسفل فيأتي رجل بسكين ، فيشق حلق الرقبة ليصل إلى الوريد ، ثم يبدل السكين بمدية أكبر ، ويقطع الوريد فينزل الدم بغزارة ، وكأنه ينزل من صنبور إلى أن يفارق الحياة ، والمهم في هذه الطريقة أن تثار مسألة هذه الضربة الغير مميتة قبل
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 696)
الذبح ، أتقاس في الجواز على صيد الحيوان الشارد الآبق الذي لا يمكن السيطرة عليه ؟ وهل يجوز شق جلد الرقبة قبل الذبح أعني قبل قطع الوريدين ، ثم إن الذي يباشر عملية الذبح كتابي أو وثني ؟ .
ولما طلبنا من مدير الشركة أن يطلعنا على كيفية حصولهم على الشهادة الخطية التي تشهد بأن الذبح تم على الطريقة الإسلامية قال : نحصل عليها من بعض الجمعيات الإسلامية في سان باولو ، فقلت له : وكيف ذلك وبينكم وبين سان باولو ( 1800 ) كيلو مترا .
الشركة الأرجنتينية للأغنام :
أثناء وجودي في مدينة بوينس أيرس عاصمة الأرجنتين مع فضيلة الشيخ صالح المزروع والدكتور أحمد باحفظ أثناء جولتنا على دول أمريكا اللاتينية - قمنا بزيارة الشركة الأرجنتينية للأغنام التي تصدر لحم الغنم معلبا ، ومهروسا ، ومقطعا إلى المملكة العربية السعودية .
وفي صباح الخميس 10 ذي القعدة 1398هـ توجهنا بصحبة وفد من المركز الإسلامي الأرجنتيني إلى مقر الشركة ، وأطلعنا على كيفية ذبح الأغنام ، فوجدنا أن آلة تعلق الأغنام إلى أعلى ، ويقوم رجل بسكين حادة ليذبح رأس الذبيحة تماما على الشريعة الإسلامية ؛ لأنه يقطع الوريدين والمريء معا ، إلا أن الأمر لنعته ذبحا شرعيا متوقف على الذابح أكتابي هو أم لا ؟ ويقوم المركز الإسلامي الأرجنتيني بتقديم شهادة خطية على أن الذبح جرى على الطريقة الإسلامية عند كل شحنة مصدرة ( وطيه تجدون نموذجا من الشهادات التي يصدرها المركز المذكور أدرجها طيه للتكرم بالإحاطة ) .
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 697)
الشركة الدانماركية للحوم :
وهذه الشركة الدانماركية بأوربا وليست في البرازيل ، ولكن إتماما للفائدة أدرج طيه قصاصة من ( مجلة الوطن العربي ) التي تصدر عن الجالية العربية في فرنسا - باريس باللغة العربية ، وتجدون في القصاصة مقابلة أجرتها الصحيفة مع أحد العمال العرب في الدانمرك المدعو محمد الأبيض المغربي الذي يعمل في مصنع لتعليب اللحوم ، فيقول عن اللحوم والدواجن المصدرة إلى البلاد العربية : إنهم يكتبون عليها ذبحت على الطريقة الإسلامية ، وهذا غير صحيح ؛ لأن القتل يتم كهربائيا في كل الحالات .
سماحة الرئيس العام : بعد أن عرضت على معاليكم صورة من عملية الذبح في البرازيل يشرفني أن أرفع أن المركز الإسلامي في برازيليا الذي تم تأسيسه بعضوية السفراء العرب والمسلمين ، والذي ليس له حتى الآن منفذ معتمد أو مدير دائم ، هذا المركز الإسلامي الذي بنى مدرسة للمسلمين في برازيليا وسرعان ما أغلقها ثم سلمها دون قيد أو شرط لبعض البرازيليين ليفتحا مدرسة برازيلية - نعم ، برازيلية المنهج والإدارة - وذلك لفشله في اتخاذ ولو قرار واحد فيما يتعلق بالمسلمين بالمنطقة ، هذا المركز الإسلامي قد اتخذ قرارا ليشرف بنفسه على عملية الذبح ، وهذه خطوة لو تحققت فإنها جيدة ، ولكن كيف يشرف وبينه وبين أماكن الذبح مئات الأميال وليس عنده موظفون ليستخدمهم في هذا ؟ .
لذا فأقترح أن يصلكم عن طريق وزارة التجارة السعودية أسماء
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 698)
الشركات الموردة للحوم وعناوينها وأسماء المستوردين ؛ وذلك لتعميد مبعوثكم للدعوة في تلك البلاد بزيارة الشركات الموردة ؛ لدراسة إمكانية ترشيح مسلم مقيم في تلك المدينة مستعد ليذبح بنفسه أو تحت إشرافه لقاء جعل يكفيه للتفرغ لهذا ، على أن تدفع هذا الجعل الشركة نفسها أو المورد ، وفي هذه الحالة يشهد مبعوثكم وتحت مسئوليته أن الذبح قد تم بمعرفته وإشراف ( فلان ) الذي اعتمد للتفرغ والإقامة في مكان الذبح ، وبذلك تتوحد الجهود المبذولة ، وتصبح الرئاسة هي المعتمدة إن شاء الله للإشراف على جميع أعمال الذبح ، علما بأن العدو الإسرائيلي يرسل دوريا مبعوثين من قبله - يهودا - إلى البلاد الموردة للحوم ليذبحوا بأنفسهم ويقيموا بصورة دائمة في أماكن الذبح بأجر يتقاضونه من الشركة الموردة ، وقد وصلت مجموعات منهم إلى سان باولو والريو دي جانيرو وكورتيبا وبعض المدن البرازيلية الأخرى لهذا الغرض ، كما يوجد في الأرجنتين عناصر يهودية مقيمة لهذا الغرض تتقاضى رواتبها من الشركات الموردة .
والله أعلم . وصلى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . . والله ولي التوفيق .
تلميذكم \ الداعية
أحمد صالح محايري
يتلخص التقرير فيما يلي :
طريقة شركة برنسيسا في ذبح الدجاج
1 - يعلق الدجاج من أرجله بآلة تسير به إلى رجل بيده سكين يقطع به
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 699)
رقابها بسرعة بالغة ، وتمشي بها الآلة إلى ماء ساخن تغمس فيه لينتف ريشها وتنظف ، ثم تعد للتصدير .
2 - قد يقطع أحد الوريدين دون الآخر ، وقد يغمس الدجاج في الماء الساخن قبل انتهاء موته لزيادة سرعة الذابح وسرعة سير الآلة .
3 - أشك في الذابح هل هو مسلم أو كتابي أو وثني أو ملحد .
4 - يكتب على الغلاف ذبح على الطريقة الإسلامية ، ويصدق على ذلك من لم يشاهد الذبح بنفسه ، ولا بنائب عنه ، ويأخذ ذلك أجرة ، وذلك بناء على طلب وزارة التجارة من المستوردين كتابة ما يثبت أن الذبح إسلامي .
5 - طلبت من مدير الشركة تعديل طريقة الذبح حتى يكون إسلاميا فوافق على شرط أن نبين له الكمية اللازمة أولا .
طريقة الذبح في شركة ساديا أويسته :
1 - طريقتها في ذبح الدجاج كطريقة الشركة السابقة في تعليقها من أرجلها وغمسها بماء ساخن يغلي قبل انتهاء حياتها وكتابة ذبح على الطريقة الإسلامية ، والتصديق عليها من جمعيتين إسلاميتين بأجرة ، إلا أن الذبح بتؤدة بشق الجلد أولا ثم قطع الوريدين غالبا ، وهل الذابح كتابي أو وثني ؟ .
2 - أما الأبقار فكانت أولا تصعق بكهرباء ثم تسلخ دون أن يخرج منها دم ، ولما بين لهم الأطباء ما في بقاء الدم من الخطر صاروا يضربونها ضربة غير مميتة بمطرقة في رأسها ، فإذا سقطت علقت من أرجلها بآلة رافعة ، ثم يشق جلد الرقبة ثم يقطع الوريد بسكين آخر ، وينزل الدم بغزارة إلى أن
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 700)
يفارق الحياة ، أما حال الذابح والشاهد فكما مضى في ذبح الدجاج .
طريقة الشركة الأرجنتينية في ذبح الأغنام :
1 - هناك آلة ترفع الأغنام إلى أعلى ويقطع رجل الوريدين والمريء بسكين على الطريقة الإسلامية .
2 - يكتب الشهادة المركز الإسلامي الأرجنتيني .
3 - لم يعرف حال الذابح .
طريقة الشركة الدانماركية للحوم :
يقول محمد الأبيض الذي يعيش في الدانمارك ويعمل في مصنع لتعليب اللحوم : إنهم يصعقون الأغنام بالكهرباء على كل حال ، يكتبون على صناديقها : مذبوحة على الطريقة الشرعية .
أقترح إرسال من يذبح ذبحا شرعيا ، أو يشرف على الذبح ، فإن اليهود يفعلون ذلك محافظة على موافقة الذبح لما يرونه ، ونحن أولى بذلك .
تقرير من الشيخ عبد الله بن علي الغضيه مرشد الرئاسة بالقصيم عن اللحوم المستوردة من لندن وفرنسا نصه :
أما عن موضوع الدجاج المستورد وذبحه ، فقد حاولت في لندن التعرف على طريقة الذبح فاتصلت بمدير شركة مكائن الذبح متظاهرا أني أريد إقامة مصنع ذبح في المملكة ، فأعطاني كتلوجا مصورا عن المصنع الذي تنتجه شركته ، فلما قام يشرح لي كيفية العملية ، قلت له : إن الدجاجة ظهرت لجهاز التغليف دون قطع رأسها ، فسألني مستفهما : ولماذا قطع الرأس ؟ فقلت : إننا في الشرق الأوسط لا نأكل رءوس الطيور ، وأرفق لسماحتكم صورة فوتوغرافية للمصنع ، وفيه أولا : تقف السيارة عند باب
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 701)
المصنع ، كما يتضح لكم في الرسم المترجم ، ثم ينزل الدجاج منها فيعلق بأرجله ، ثم يمر بآلة مستديرة تنفتح من النصف ، فيدخل به رأس الدجاجة ، ومكتوب عليه : الذبح بطريقة التدويخ ؛ لأنه يضرب رأس الدجاجة هواء شديد الانفجار ، فتصبح الدجاجة بعد لا تسمع ولا ترى ، وتنتظر الموت بعد لحظات ، ثم تمر بجهاز آخر يقطر فيه ، إن ظهر منها سائل دم أو غيره ، بعده تمر على جهاز يعمل بالبخار أو الماء الحار جدا ، وفيه تموت إن كان بها حياة وتخرج منه لأجهزة النتف والتنظيف ، إلى أن تخرج لأكياس النايلون ، ثم للكرتون الذي كتب عليه باللغة العربية : ذبح على الطريقة الإسلامية ، وهذا المصنع صغير ، وينتج في الساعة ( 2000 ) ألفين دجاجة ، ويقول من سألت : إن في فرنسا نفس الطريقة ، إلا أنهم يزيدون أن الدجاج إذا اكتمل نموه فإنهم يضعونه في مستودعات شديدة البرودة ، ويسحب منها حسب طلب الأسواق ، وبالطبع تخرج الدجاجة من هذه المستودعات ميتة ، ثم توضع في برك حارة استعدادا للنتف والتصدير ، وهذا لم أره ، إنما ذكره كل من سافر لفرنسا وأمريكا ، وأتمنى لو انتدب أحد لغرض الاطلاع ونقل الحقيقة ، وباطلاع سماحتكم على صور المصنع يتضح لكم منه ما ذكرت أسأل الله أن يكفينا بحلاله عن حرامه ، وأن يصلح أحوال المسلمين ، وأن يصلحهم حكاما ومحكومين ، والله يحفظكم .
وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم .
ثم نشرت له ( مجلة الدعوة ) السعودية مقالا في عددها ( 676 ) بتاريخ 27 من ذي الحجة 1398هـ تحت عنوان : ( معلومات عن الدجاج المستورد ) جاء فيه ما نصه :
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 702)
الحمد لله الذي أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث ، والصلاة والسلام على هادي الخلق إلى الحق نبينا محمد ، وآله وصحبه الطيبين .
اطلعت على مقال الشيخ الأخ عبد الرحمن بن محمد الإسماعيل المنشور في ( مجلة الدعوة ) عدد ( 668 ) بتاريخ 16 شوال 1398هـ بعنوان ( لئلا نأكل حراما ) وإنني إذ أشكره لا يفوتني أن أشكر القائمين على شأن ( مجلة الدعوة ) التي تصدر بالرياض عاصمة المملكة العربية السعودية أعزها الله بطاعته ، أضم صوتي مع الشيخ عبد الرحمن ، ومع كل المسلمين الذين أصبحوا في حيرة من هذه اللحوم المستوردة التي ملأت أسواقنا ، فإذا ما ذهب أحدنا إلى علمائنا الأجلاء مستفتيا عن هذه الذبائح من الدجاج وغيرها - كان جوابهم محيرا ، فتارة يقولون : طعام أهل الكتاب حل لنا ، وهذا صحيح كما هو نص القرآن ، لكن يبرز سؤال آخر : وهل بقي الآن أحد على كتابه من اليهود والنصارى ؟ فإن وجد يهودي أو نصراني  فهل يحل للمسلم أن يأكل ذبيحته كيفما ذبحها ؟ إذ أنه من المعروف أن طرق الذبح قد تنوعت ، وأصبح بعضها لا يوافق الطريقة الشرعية للذبح ؛ من إراقة الدم ، وقطع الودجين ، وتوجيه الذبيحة إلى القبلة . . إلخ القواعد الشرعية المنصوص عليها .
وهناك بعض العلماء إذا سئل عن الدجاج مثلا قال : سم الله وكل ، مستدلا بحديث عائشة - رضي الله - عنها جاء فيه :  صحيح البخاري البيوع (1952),سنن النسائي الضحايا (4436),سنن أبو داود الضحايا (2829),سنن ابن ماجه الذبائح (3174),موطأ مالك الذبائح (1054),سنن الدارمي الأضاحي (1976). إن أناسا قالوا : يا رسول الله ،
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 703)
إن قوما حديثي العهد بجاهلية يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ فقال - عليه الصلاة والسلام - : سموا الله وكلوه  رواه البخاري  من كتاب [الإسلام في مواجهة التحديات] للمودودي صـ 141 . ، ففي هذا الحديث الشريف لم يكن هناك شك إلا هل ذكر اسم الله أم لا ؟ وإلا فالذبح شرعي لا شك في ذلك ، مع أن معظم العلماء من السلف والخلف لا يجيز أكل ما لم يذكر اسم الله عليه ، مستدلين بقول الله تعالى : سورة الأنعام الآية 121  وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ  وهذا مع الذكر ، أما إن ذبح ونسي أن يذكر الله غير عامد لذلك - فقد ورد تفصيل ذلك عن بعض الأئمة - رضي الله عنهم - فيما يلي  [الإسلام في مواجهة التحديات] صـ 140 ، [مجموع الفتاوى] شيخ الإسلام ابن تيمية ( 35\240 ) . :
يقول الإمام أبو حنيفة وأصحابه ، ومالك وأحمد بن حنبل في أشهر وأصح الروايات عنهم : أن التسمية إذا تركت على الذبيحة عمدا لم يحل أكلها ، وإذا تركت نسيانا حل أكلها ، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - قد سئل عن الذبيحة التي يتيقن أنه لم يسم عليها هل يجوز أكلها ؟ فأجاب بقوله : ( الحمد لله ، التسمية واجبة عليها بالكتاب والسنة ، وهو قول جمهور العلماء ، لكن إذا لم يعلم الإنسان هل سمى الذابح أم لم يسم أكل منها ، وإن تيقن أنه لم يسم لم يأكل ، وكذلك الأضحية ) . ويقصد بذلك شيخ الإسلام - رحمه الله - : إذا كان الذابح أهلا للذبح ، وهو المسلم الذي
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 704)
يذبح على الطريقة الشرعية ، ويذكر اسم الله عليها ، فإن نسي ذكر اسم الله جاز الأكل ، كما في الحديث المشهور  صحيح البخاري الأطعمة (5061),صحيح مسلم الأشربة (2022),سنن أبو داود الأطعمة (3777),سنن ابن ماجه الأطعمة (3267),مسند أحمد بن حنبل (4/26),موطأ مالك الجامع (1738),سنن الدارمي الأطعمة (2019). سم الله وكل  لكن إذا تركت التسمية عمدا لا تؤكل ، أو أن يكون الذابح كتابيا لم ينحرف عن اعتقاده باليهودية إن كان يهوديا أو نصرانيا محافظا على معتقده ، إذ كثرت في العالم الغربي الانحرافات ، وانتشرت عندهم المذاهب المعارضة لكل الديانات ، مثل : الشيوعية الخبيثة التي تنكر وجود الله ، وجميع الديانات السماوية ، ولا يوجد في اليهود والنصارى الذين أبيح لنا طعامهم - أي : ذبائحهم - لا يوجد فيهم من هو معتقده إلا شرذمة قليلة يدعون برجال الدين ، وهم بعيدون كل البعد عن الذبح والذبائح ، إذ أن لهم مناصب رفيعة ومكانة عالية ، فلا يتولى الذبح هناك إلا بعض صغار العمال من الشباب المنحرف الذي لا يلتزم بدين ، ومعظمهم دهري وثني .
هذا ولا يخفى على مسلم أن أي ذبيحة ذبحت على غير الطريقة الإسلامية ؛ كالغطس بالماء الحار ، أو الضرب حتى تدوخ وتموت ، أو أي نوع من أنواع القتل المخالف للشرع ، فلا يخفى أنها حرام وإن ذكر اسم الله عليها ، إذ أن الله تعالى يقول : سورة المائدة الآية 3  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ  الآية .
فبعد ما ذكر الله هذه الأنواع القاتلة للحيوان ، وأنها محرمة ، والحالة هذه ، قال جل وعلا : سورة المائدة الآية 3  إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ  أي : إذا حصلت هذه الأنواع على
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 705)
حيوان مما أحل الشرع أكله ثم لم يمت ووجدت به حياة مستقرة ثم ذبح وذكر اسم الله عليه - فحلال وإلا فلا.
هذا الدجاج المستورد مذبوحا هل نأكله؟
إن من يلقي نظرة على أسواقنا وبقالاتنا يجد بها أعدادا كبيرة جدا من الدجاج المستورد والمذبوح خارج بلادنا، والذي لا يصل إلينا إلا بعد مدة طويلة من ذبحه، ويكتب على ظروفه (ذبح على الطريقة الإسلامية) فهل يا ترى إذا كتبت هذه العبارة يحل أن نأكل بموجبها دون تحر وتقص؟ أو أن المسلم مأمور بالابتعاد عن المتشابهات؛ لقول الرسول - عليه الصلاة والسلام -:  سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2518),سنن النسائي الأشربة (5711),مسند أحمد بن حنبل (1/200),سنن الدارمي البيوع (2532). دع ما يريبك إلى ما لا يريبك  وقوله  صحيح البخاري الإيمان (52),صحيح مسلم المساقاة (1599),سنن الترمذي البيوع (1205),سنن ابن ماجه الفتن (3984),مسند أحمد بن حنبل (4/269),سنن الدارمي البيوع (2531). الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات، فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه  (الحديث)
وأنا أكتب هذا المقال اطلعت على ما نشر في (مجلة المجتمع) بعددها(414) في 1\11\1398 هـ صفحة (20) بعنوان: (حول شرعية ذبح الدجاج في الدانمارك ) والذي وجهته جمعية الشباب المسلم، وخلاصته: أن الدجاج هناك لا يذبح على الطريقة الإسلامية المشروعة، ولا يحل لمسلم أن يأكله، ولو كتب على الكرتون (ذبح على الطريقة الإسلامية) ومن المعلوم أن الدجاج يذبح هناك بالآلاف، فأنا أقدم صورة مصنع لذبح الدجاج، وهو من أصغر المصانع الأوربية وينتج في الساعة الواحدة (2000) ألفي دجاجة.
(قصة وصول صورة المصنع إلي):
كنت في لندن في أول هذا العام، وحرصت أن أرى مصنعا من مصانع ذبح الدجاج، فاتفقت مع شركة إنجليزية لتطلعني على ما أردت،
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 706)
ودفعت رسم زيارة المصنع مبلغ مائة وخمسون جنيها، واصطحبت المترجم، وتركنا لندن إلى إحدى ضواحيها التي تبعد مسافة قطعتها السيارة بساعة، فلما وصلنا هناك فوجئت بأنني خدعت إذ لم أر ما أريد؛ لأنني متظاهر أنني تاجر سعودي لدي مؤسسة في السعودية، وأرغب إقامة مشروع دواجن، وأريد مصنعا أوتوماتيكيا لذبح وتغليف الدجاج، ومما يظهر أنهم لا يرغبون أن يطلع على ذبحهم أحد، كما حصل للشبيبة المسلمة في الدانمارك، فقد حاولوا عدة مرات الاطلاع على طريقة الذبح فلم يسمح لهم بذلك، ولو كان موافقا للطريقة الإسلامية كما يقولون لاطلعوا عليها، المهم أننا دخلنا محلا صغيرا به حوالي عشرة عمال من المسلمين الباكستانيين يذبحون بأيديهم بالطريقة المعروفة لدينا هنا، ثم بعد الذبح على الطريقة المعتادة المعروفة لدينا هنا يضعون الدجاج في ماء حار، وبعد ذلك ينتف بواسطة النتافة المعروفة، والتي هي عبارة عن دائرة تدار بالكهرباء، ولها أصابع من الكاوتشوك لينة تضرب الدجاج بقوة فتنزع الريش منه، وهي معروفة وموجودة عندنا في المملكة، فبعد ذلك عرفت أن هؤلاء يتبعون لتاجر باكستاني مسلم غيور على إسلامه التقيت به في محله، وفي المركز الإسلامي بلندن، وهو يذبح الدجاج والأغنام للمسلمين في لندن ويبيعها عليهم، وكنا نشتري منه.
فقلت للمترجم: هذا موجود عندنا الذبح باليد والنتف بالآلة، فرد الإنجليزي الخبيث: أنا عرفت أنه مسلم من السعودية، ولا يصلح أن يقيم في بلده مصنعا يذبح الدجاج فيه كالذي عندنا في أوربا، فقوانين بلاده لا تسمح بمثل هذا، فقلت: أنا رغبتي بمشاهدة المصنع الأوتوماتيكي،
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 707)
ولا دخل له فيما أريد، فقال: حسنا، إذا ترتب له زيارة ثانية لأحد مصانع الدجاج الأوتوماتيكية، وكان هذا الكلام قبل سفري راجعا إلى المملكة بيومين، فقلت: إني مسافر، وقد انتهى وقتي، حيث مضيت شهرا، ولكني أرغب ( بكتالوج) المصنع الأوتوماتيكي لأطلع عليه، وأدرسه، فسلمني كتالوجا من حقيبة كانت معه، وقال: هذا المصنع صغير يكفيه من الكهرباء كذا، ومن الأرض كذا، والعمال والماء كذا، وهو ينتج بالساعة(2000) ألفي دجاجة مذبوحة معلقة، فأخذته (وأرفق صورة منه للاطلاع، وقد طبعت منه خمسة عشر ألف نسخة).
(نبذة عن المصنع):
1 - تحضر السيارة الدجاج من الحظائر الذي ربما مات بعضه فيها قبل أن ينزل، أو نتيجة البرد أو التحميل أو التنزيل ومعروف سرعة موت الدجاج.
2 - كما يتضح من الصورة تعلق الدجاج بأرجلها ثم يحيط بها حزام متحرك فوق الرأس، فتذهب بطريقة آلية حيث تمر بجهاز كتب تحته (الذبح بطريقة التدويخ).
3 - هناك حوض يستقبل السوائل من الدجاج إن خرج منها شيء.
4 - وهو بيت القصيد، مغطس ضخم كتب عليه (جهاز محرق جدا) يعمل بالبخار أو الماء الحار، فتغطس فيه الدجاجة المسكينة لتفقد فيه آخر رمق من الحياة، ثم بعد ذلك تخرج منه جثة هامدة بعد أن تعرضت للخنق والوقذ والتردي، والله تعالى قد قال: سورة المائدة الآية 3  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ  
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 708)
وهذا الدجاج قد تعرض لشيء مما ذكر الله، ثم بعد نتفه وتنظيفه من الرأس يغلف بكراتين كتب عليها: (ذبح على الطريقة الإسلامية) وتلاحظ قارئي العزيز: أن الدجاجة دخلت المذبح وخرجت منه ميتة، منتوفة الريش، منظفة الأحشاء، مقطعة الأرجل، إلا أن رأسها قد صحبها منذ أن خلقها الله، ولا يقطع منها إلا إذا كانت سوف تصدر للشرق الأوسط، وقد سألت الإنجليزي لما خرجت من المذبح ورأسها موجودة فيها، قال لي: أما رأيت أن الطيور عندنا والذبائح رؤوسها موجودة لا تقطع، وفعلا رأيت الطيور والذبائح بأسواقهم رؤوسها معلقة فيها، وهي معروضة للبيع دون أن ترى رقابها أثرا للذبح، وهذا يشاهده كل من زار لندن أو غيرها من البلاد الأوربية، إذ أنهم يعتبرون أن الذكاة الشرعية الإسلامية طريقة وحشية لا يقرها القانون، كما أنهم لا يتركون الحيوان ينزف دمه مدعين أنه يفقد وزنه، وهذا يلاحظ في الدجاج المستورد منتفخة، أما ما تذبحه أنت فتراه ينقص ويقل وزنه، وهم لا يريدون ذلك، بل يريدون الوزن الكثير للحصول على الربح الوفير.
وبعد فماذا يرى علماؤنا الأجلاء؟ أصحاب الفضيلة العلماء، قد كتبت لمعنيين منكم تقريرا مفصلا إثر عودتي من لندن عن كل ما رأيت، وأهم ذلك الدجاج، وقلت: إنه لا ينبغي للعالم أن يسكت عن مثل هذه المواضيع الهامة كالمطعم والمشرب الذي يرد معظمه من بلاد كافرة، وطلبت أن ينتدب أناس للوقوف على الحقيقة، وأن لا يكتفي بقول التجار ولا الشركات الموردة بأنه ذبح على الطريقة الإسلامية، ثم بعد ذلك يبين للناس هل يأكلون أم لا ؟
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 709)
وأن لا يكتفي بقول الله: سورة المائدة الآية 5  وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ  فالشريعة بينت معنى ذلك, فالميتة والدم والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة إذا لم تدرك فيها الحياة وتذكى ويذكر اسم الله عليها- فهي حرام , ولو كانت عند المسلم وفي بلد إسلامي, فكيف بالذبائح والدجاج يتعرض لبعض هذه الأمور في بلاد كافرة, وعند أناس كفار قد فارقوا دينهم, وارتدوا عن البقية الباقية منه , فبعضهم دهري, والآخر علماني, ومعظم شبابهم قد اعتنق الشيوعية, فمع هذه المصائب كلها لا يذبحون على الطريقة الإسلامية, ولا يذكرون اسم الله, ومعلوم أن المسلم لو ذبح على غير الطريقة الإسلامية بأن خنق أو وقذ ذبيحته فهي لا تحل، وإن ذكر اسم الله, فذكر الله لابد أن يقترن مع التذكية الشرعية, وقد نشرت مجلة (المجتمع) عن ذلك أكثر من مرة, آخر ذلك ما جاء في عددها (414) في 1 ذي القعدة سنة 1398هـ حيث نشرت نداء جمعية الشباب المسلم بالدانمرك , خلاصته: أن الدجاج الدانمركي يذبح على غير الشريعة الإسلامية, وأنه لا يحل أكله والحالة هذه.
ما يقال عن اللحوم يقال عن الدهون أيضا:
كذلك هذه الدهون التي غزت أسواقنا, ألا يحق لنا نسأل عنها؟! فقد كثر الكلام عن الدهون, وأن معظمها يحتوي على شحوم الخنزير, وغيره من الحيوانات المحرمة؛ كالكلاب, والحمير, وقد ذكر لي أحد تجارنا المعروفين: أنه ذهب إلى هولندا لغرض التعاقد مع شركة هناك لتوريد دهون منها للمملكة العربية السعودية يقول: وقبل إبرام العقد اطلعت على المصنع فإذا بجواره محل كبير جدا فيه أكوام هائلة من الشحوم والعظام
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 710)
تصهر بمصاهر خاصة, ثم تتحول إلى سمن صاف يوضع عليه علامة شوكة وملعقة أو غير ذلك من العلامات التجارية, وهذه الدهون قد استخرجت من شحوم الخنازير والكلاب والحمير والبقر والغنم الميتة وغيرها, التي هي حرام وإن ذكيت مثل: الخنزير والكلب, وحرام لعدم التذكية من البقر والغنم. وقد أثارت هذا الموضوع (مجلة المجتمع) بالنسبة للجبن الكرافت وكذلك عن الدهون وذلك بعددها (412) في 17\10\ 1398 هـ بالنسبة للدهون المستوردة.
وبعد: فإني أرجو من العلماء والتجار إرشاد الناس, وجلب ما هو حلال نافع لهم ولأمتهم وبلادهم, فإن لم نفعل فقد ضيعنا الأمانة, وأهملنا قول الله تعالى سورة المائدة الآية 2  وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ  وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:  سنن الترمذي البر والصلة (1926),سنن النسائي البيعة (4199). الدين النصيحة قالها ثلاثا, قلنا: لمن يا رسول الله, قال: لله, ولرسوله, وكتابه, ولأئمة المسلمين وعامتهم  .
اللهم وفقنا لفعل الخيرات , وجنبنا المنكرات, وأصلحنا اللهم حكاما ومحكومين, وأمراء ومأمورين, اكفنا اللهم بحلالك عن حرامك , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين, نبينا محمد, وآله وصحبه أجمعين.
ملخص مقال الشيخ عبد الله الغضية
1 - هل بقي أحد على كتابه من اليهود والنصارى محافظا على معتقده ولم يلحد أو يعتنق الشيوعية ؟
2 - معظم من يتولى الذبح هناك من الشباب المنحرف الدهري والوثني.
3 - هل نأكل من الذبائح المستوردة بمجرد أن نرى على غلافها: (ذبح على الطريقة الإسلامية) أو نتحرى لحديث:  سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2518),سنن النسائي الأشربة (5711),مسند أحمد بن حنبل (1/200),سنن الدارمي البيوع (2532). دع ما يريبك إلى ما لا يريبك  وحديث التحذير من المشتبهات.
4 - خدعوه عن المذبح الأوتوماتيكي, وأروه مذبحا يذبح فيه قلة من المسلمين يذبحون لمسلمين بالداخل, ولم يمكنوه من الاطلاع على المذبح الأوتوماتيكي, ولو كانت طريقة الذبح شرعية لمكنوه من مشاهدته.
5 - تخرج الدجاجة من المذبح ميتة منتوفة, ورأسها لم يقطع, وليس في رقبتها أثر ذبح, وأقر بذلك إنجليزي من جماعة المذابح, ويرون أن الذكاة الإسلامية وحشية, وأن بقايا الدم فيها أثقل لوزنها وأربح.
6 - كذلك الأدهان تخلط بشحم الخنزير وشحم الميتة.
7 - اقتراح إرسال من يطلع ويقف على الواقع في الذبائح والأدهان.
أما تقريره فخلاصته:
1 - يعلق الدجاج بأرجله, ثم يمر بآلة تنفتح من النصف فيدخل في الفتحة رؤوس الدجاج, ومكتوب على هذا الجهاز: (الذبح بطريقة التدويخ) ؛ لأنه يضرب رأس الدجاجة هواء شديد الانفجار, فتصبح الدجاجة بعده لا تسمع ولا ترى, وتنتظر الموت بعد لحظات, ثم تمر بجهاز آخر يقطر منه إن ظهر منها سائل أو غيره, بعدها تمر على جهاز بخاري أو ماء حار جدا,
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 712)
وفيه تموت إن كان بها حياة, ثم تخرج منه إلى أجهزة النتف والتنظيف والتغليف, ويكتب على الغلاف: (ذبح بالطريقة الإسلامية).
2 - ذكر أنه سمع أن نفس الطريقة تتبع في فرنسا, إلا أنهم يزيدون وضع الدجاج المراد ذبحه في مستودعات شديدة البرودة, ويسحب منه حسب طلب الأسواق, وبالطبع يخرج الدجاج من هذه المستودعات ميتا, ثم توضع في برك حارة تمهيدا للنتف والتصدير.
3 - اقتراح إرسال من يشاهد وينقل الحقيقة.
تقرير من مبعوث الرئاسة في اليونان للدعوة الأستاذ جمال إدريس اليوناني هذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من جمال بن حافظ إدريس المبعوث في اليونان .
إلى سماحة صاحب الفضيلة
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز وفقه الله في الدارين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وصلتني رسالتكم الكريمة, تطلبون بيان الطريقة التي تذبح بها الحيوانات- قد زرت بعض الأماكن المشهورة في اليونان فرأيت كما يلي:
الأول: فيها مكان تذبح الحيوانات فيه كما نذبح نحن المسلمون, تذبح بعد خروج دمائها ثم تسلخ وتقطع.
والثاني: الحيوان إذا كان كبيرا يضرب من رأسه بآلة كمسدس فيسقط
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 713)
ويذبح قبل مماته, وهذا القبيل أو الأصول مشكوك أن روح المذبوح بهذه الطريقة تخرج قبل خروج دمه, أما الطيور: فيتم نتف ريشها قبل ذبحها, فتذبح بالآلات الأوتوماتيكية.
أخبرني أحد الأطباء: أننا أردنا أن نعرف ما كان الذبح على الطريقة الشرعية, فننظر إلى عظام ذلك الحيوان في أثناء التناول, فإذا كان يميل لون العظام إلى البياض فهذا أكبر دليل على أن دم هذا الحيوان قد خرج بالكامل, أي: ذبح بالطريقة الشرعية, وإذا كان يميل اللون إلى السواد فهذا دليل على أن الحيوان لم يذبح بالطريقة الشرعية.
والأماكن التي زرتها هي في اليونان فقط, بناء على عدم توضيح في رسالتكم المباركة الأماكن خارج اليونان , ولم أفهم هل أردتم أماكن اليونان فقط أم خارج اليونان أيضا, فنرجو التوضيح من سيادتكم, إنني مستعد أزور أماكن كثيرة إذا أردتم ذلك, أطال الله عمركم ويوفقنا لما فيه الخير للإسلام والمسلمين, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ابنكم المخلص
جمال بن إدريس اليوناني
خلاصته
إن للذبح حالتين:
الأولى: إنه على الطريقة الإسلامية.
الثانية: أن يضرب الحيوان الكبير في رأسه بمسدس فيسقط ويذبح, وفي هذه الطريقة شك في كون التذكية حصلت والحيوان حي أو بعد موته.
ورد تقرير من الشيخ صهيب حسن عبد الغفار مبعوث الرئاسة في لندن نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
استفتاء
أرجو من مجلس أعضاء لجنة الفتوى التابعة لرئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد إصدار الفتوى الشرعية في اللحوم المستوردة من الخارج, وذلك بعد النظر في طريقة ذبح الحيوانات في المجازر الغربية حسبما جاء في مشاهداتي الشخصية, وما ذكر في التقرير المرفق الذي نشرته (مجلة المجتمع) الكويتية في عددها رقم (414) بتاريخ أول ذي القعدة 1398هـ وما يترتب على هذه الطريقة من آثار سيئة حسب تحقيق بعض الأطباء المسلمين في بريطانيا.
(أ) طريقة الذبح في مذابح بريطانيا خاصة:
أولا: الخرفان والأبقار : يؤتى بالخروف والبقر إلى مكان مخصوص, حيث يقوم رجل بإيصاله صدمة كهربائية بواسطة آلة خاصة أشبه بالمقص توضع على مقدم رأسه مما يجعل الحيوان يفقد حواسه ويسقط على الأرض, وهناك طريقة أخرى لا تزال تتبع في كثير من الأمكنة, وهي ضرب الحيوان بمطرقة حديدية على الرأس, ويتم ذلك بطريق مسدس يتعلق بفوهته قطعة حديدية مثل الرصاص, فإذا أصاب الرأس سقط الحيوان مغشيا عليه, ثم يعلق رأسا على عقب برافعة, ويدفع إلى الجزار, فإذا كان الجزار مسلما- وذلك في مجازر معينة تستأجر للجزارين المسلمين لذبح كمية محدودة للاستهلاك المحلي للسكان المسلمين فقط- قام بذبح
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 715)
الحيوان المعلق بسكين حاد على الطريقة المألوفة لدى المسلمين فيخرج منه الدم بعد ذلك إلى المرحلة التالية من السلخ والقطع, وأما إذا كان الجزار غير مسلم قام بغرز السكين داخل الحلق من الطرف ثم أخرجه بقوة إلى الخارج, مما يقطع بعض أوداجه ليسيل منه الدم.
ثانيا: الدجاج: أما الدجاج فإنما يتم تخديره بصدمة كهربائية أيضا, ولكن على قاعدة الغسيل بالماء الذي يمر به التيار الكهربائي, ثم يجرح رقبته بسكين حاد أتوماتيكيا ليخرج منه الدم, إلى أن تتم المراحل الباقية من النتف والتصفية؛ ليكون جاهزا للتصدير.
(ب) الآثار التي تترتب على هذه الطريقة:
أن المجازر الغربية اتخذت الطرق المذكورة للذبح رحمة بالحيوانات حسب ادعاء جمعيات الرفق بالحيوانات, ولكن من البديهي أن الغربيين اختاروا هذه الطرق للحصول على أكبر كمية من اللحم في مدة قصيرة, أو بعبارة أخرى لأجل تحقيق مكاسب تجارية على مستوى واسع, وقد قام عدد من الأطباء المسلمين بإجراء تحقيق كامل في مثل هذه اللحوم, ووصلوا إلى النتائج التالية؛ كما ورد في كتاب الدكتور غلام مصطفى خان رئيس جمعية أطباء المسلمين في بريطانيا , وتقرير الدكتور محمد نسيم رئيس وقف المسجد الجامع في مدينة برمنجهام .
أولا: تحذير الحيوان قبل الذبح يسبب فتورا لدى الحيوان, وانكماشا في قلبه, فلا يخرج منه الدم عند الذبح بالكمية التي تخرج عادة, ومن المشاهد أن طعم اللحم الذي خرج منه الدم كاملا غير طعام الحيوان الذي بقيت فيه كمية من الدم, وأخبرني أحد المشرفين على مجزرة إسلامية
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 716)
كبرى في برمنجهام أن من الإنجليز من يفضل الحيوان المذبوح بالطريقة الإسلامية للأكل؛ وذلك لأجل طعمه المتميز عن بقية اللحوم.
ثانيا: أن الصدمة الكهربائية لا تؤدي مقصودها في جميع الأحوال, فإذا كانت الصدمة مثلا خفيفة بالنسبة لضخامة الحيوان بقي مفلوجا بدون أن يفقد الحواس ويشعر بالألم مرتين: الأولى: بالصدمة الكهربائية أو بضربة المسدس, والثانية: عند الذبح , أما إذا كانت الصدمة الكهربائية شديدة لا يتحملها الحيوان أدت إلى موته بتوقف القلب, فيصير ميتة لا يجوز أكله بحال من الأحوال.
ثالثا: أن الطريقة المتبعة لدى المسلمين أرحم بالحيوانات؛ وذلك لأن الذبح يتم بسكين حاد بسرعة فائقة, ومن الثابت أن الشعور بالألم ناتج عن تأثير الأعصاب الخاصة بالألم تحت الجلد, وكلما كان الذبح بالطريقة المذكورة خف الشعور بالألم أيضا, ومن المعروف أن قلب الحيوان الذي لم يفقد حسه أكثر مساعدة على إخراج الدم كما مر آنفا.
خلاصته
1 - صعق الأبقار بكهرباء أو بضرب رأسها بمطرقة.
2 - استئجار مسلم لذبح كمية منها ذبحا شرعيا لاستهلاك المسلمين المحلي.
3 - أما الجزار غير المسلم فيغرز طرف السكين في الحلق لإخراج الدم بقطع الأوداج.
4 - أما الدجاج فيخدر بتيار كهربائي, ثم تجرح رقبته بسكين حاد أوتوماتيكي؛ ليخرج الدم.
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 717)
الآثار السيئة المترتبة على ذلك
1 - تخدير الحيوان قبل الذبح يحدث ضعفا وانكماشا في قلبه؛ لذا لا تخرج كمية كثيرة من دمه وينشأ عن ذلك ضعف تغذيته والتلذذ بطعمه.
2 - الصدمة الكهربائية إن كانت خفيفة تألم منها الحيوان وتألم من الذبح، وإن كانت قوية مات منها الحيوان قبل ذبحه لوقوف قلبه.
3 - دعوى أن التخدير أو الصعق فيه راحة للحيوان ليست صحيحة, وإنما القصد ذبح الكثير في زمن قليل رغبة في زيادة الكسب.
تقرير من الشيخ عبد القادر الأرناؤوط المبعوث من الرئاسة إلى يوغوسلافيا للدعوة نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد القادر الأرناؤوط إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله من كل سوء, ووقاه من كل مكروه, ووفقه لما فيه خير الدنيا والآخرة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية من عند الله مباركة طيبة. وبعد:
فإني أرجو الله عز وجل أن تكونوا بخير وعافية يا سماحة الشيخ, وإني أرسل لكم هذه الرسالة من يوغوسلافيا جوابا على رسالتكم الكريمة التي أرسلت إلي من قبلكم بتاريخ 21\6\1398 هـ.
وإني قد درست موضوع اللحوم في يوغوسلافيا وإني أكتب لكم خلاصة ما توصلت إليه في هذا.
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 718)
أما في القرى فإنهم يذبحون الحيوانات من الغنم والبقر والماعز ذبحا شرعيا بأيديهم, وفي أمكنة خاصة, والذين يذبحون من المسلمين, وأما في المدن ففي مدينة ( سيراجيفو ) sarajevo التي هي عاصمة البوسنة والهرسك , وتسمى عندهم: جمهورية إسلامية, فكذلك يذبح بها المسلمون, لكن بطرق حديثة: يأتون بالبقر ويضربون البقرة بين عينيها بآلة كهربائية ضربا خفيفا كي تقع على الأرض؛ ثم يدخلونها وهي على قيد الحياة تحت المقصلة وهي آلة حادة فيقطعون رأسها ويسهل منها الدم ثم يدخلونها ضمن آلات تخرج معبأة ضمن علب (الكونسردة) فهذا أيضا لا شبهة فيها, ويكتب عليها صنع ( سيراجيفو ), وفي غيرها من المدن ربما يكون الذابح غير مسلم, ولكن يكون كتابيا, وقد يكون شيوعيا, ولكن حسبما ظهر لي أن أكثر الذين يدعون أنهم شيوعيون, إنما هم بالاسم لمصلحة خاصة, أو منفعة مادية, والشيوعي الحزبي لا يقوم بمثل هذه الأعمال، وهم كأنهم توافقوا بأن الحيوان إذا ضرب على رأسه مثلا وقتل بهذه الضربة وبقي دمه في جسمه ولم يسفح: أن اللحم يفسد, ويكون ضررا على آكله, إلا أنهم قد يذبحون بنفس الآلات الخنازير, ثم يذبحون بعدها مثلا البقر, وهذا هو المحظور في هذه المسألة, وهذه لم أستطع أن أتحقق منها, وقد قال لي بعضهم: يذبحون الخنازير بمحلات خاصة, والبقر في محلات خاصة, وعند ذلك يزول الإشكال.
وعلى كل فالأحسن أن يأخذ من علب (الكونسردة) التي تصنع في ( سيراجيفو ) المسلمة, أما الحيوانات التي ترسل إلى البلاد الخارجية من الغنم مثلا والبقر فإنها تذبح كما ذكرت لكم في القرى ذبحا شرعيا,
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 719)
وبأيدي المسلمين, وكذلك في مدينة ( سيراجيفو ) المسلمة بأيدي المسلمين ذبحا شرعيا, وفي غيرها من المدن الذين يذبحون؛ إما من المسلمين, وإما من النصارى الكاثوليك , وقليل ما هم من الشيوعين أرباب المصالح الخاصة والأشياء المادية, فشيوعيتهم ليست دينا, وإنما هي مصلحة ووظيفة, وكما ذكرت لكم الشيوعي المادي الملحد الحزبي على الغالب لا يقوم بمثل هذه الأعمال الخسيسة في نظرهم, وعلى كل تذبح وتقطع رؤوسها ويخرج منها الدم المسفوح وترسل إلى البلاد العربية, وكثيرا ما يراعون الذبح إذا كان للسفر إلى خارج بلادهم.
وأرجو دعواتكم الصالحة, وإني أسأل الله تعالى أن يتولانا وإياكم, وأن ينصر الحق وأهله, وأن يعيننا على أداء مهمتنا على أحسن وجه, إنه على ما يشاء قدير, وبالإجابة جدير, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,
أخوكم
عبد القادر الأرناؤوط - يوغوسلافيا - استوغ
خلاصته
1 - يذبح أهل القرى الأغنام ذبحا شرعيا بأيديهم في أماكن خاصة - والذابح مسلم.
2 - في مدينة ( سيراجيفو ) عاصمة البوسنة والهرسك يذبح فيها المسلمون الأنعام كذلك بالطريقة الشرعية, غير أنهم يضربونها بآلة كهربائية ضربا خفيفا لتقع على الأرض, ثم يدخلونها وهي حية تحت المقصلة, ويقطع رأسها ويسيل منها الدم, ثم تعلب, ويكتب على الشحنة ( سيراجيفو ).
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 720)
3 - في غير هذه المدينة من المدن قد يكون الذابح غير مسلم كتابيا أو شيوعيا بالاسم لا بالحقيقة من أجل الوظيفة أو المصلحة.
4 - أما الحيوانات التي ترسل إلى البلاد الخارجية فإنها تذبح كما ذكرت لكم في القرى ذبحا شرعيا بأيدي المسلمين.
5 - قد يكون ذبح الأنعام بالآلة التي تذبح بها الخنازير.
6 - النصح بالاقتصار على شراء علب اللحوم التي ذبحت في سيراجيفو لما تقدم
ونشرت (مجلة الدعوة) بالرياض مقالا للدكتور محمود الطباع بأبها في عددها (673) بتاريخ 21 من ذي القعدة 1398هـ تحت عنوان (لئلا نأكل حراما) جاء فيه ما نصه:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: قرأت في (مجلة الدعوة) العدد (667) تاريخ 9 شوال 1398هـ المقال الذي كتبه عبد الرحمن المحمد الإسماعيل جزاه الله خيرا بعنوان (لئلا نأكل حراما) وأرغب أن أوضح ما يلي:
أن الدكتور محمود الطباع طبيب بيطري, درست في ألمانيا الغربية , وفي بدء دراستي تعرضت مع إخوتي المسلمين لمشكلة اللحوم المذبوحة, وهل يجوز الأكل منها, ولنتأكد من طريقة الذبح ذهبت مع عدد من الإخوان لزيارة المسلخ في مدينة ( هانوفر ) فشاهدنا الجزارين يحضرون قطيعا من الأبقار يطلقون على رأسها من مسدس خاص , وبعد أن وقعت جميعها على الأرض بدون حراك أخذ العمال استراحة يأكلون فيها ما يقارب الثلث ساعة, ثم قاموا وعلقوا الأرجل الخلفية في الرافعات
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 721)
المتحركة, وقطعوا الرأس, ثم نزعوا الجلد وشقوا البقرة إلى نصفين وغسلوها بالماء بعد إخراج المعدة, فكانت مياه الغسيل بلون الدم, وقبل أن ينتهي العمال من فترة الاستراحة يبدأون بقطع رأس الأبقار, تأكدنا أن جميع الأبقار كانت ميتة, ولا يحل أكلها في ديننا الحنيف, وقد نبهنا على الطلبة المسلمين وشرحنا لهم ما شاهدنا, ولكن مع الأسف الشديد فقد كان أغلبهم لا يتوانون عن أكل لحم الخنزير فكيف بلحم الميتة.
الدكتور محمود الطباع
أبها - المديرية العامة للشئون البلدية والقروية بالجنوب - صحة البيئة
خلاصته:
أنه شاهد الجزارين في ألمانيا الغربية يطلقون المسدس على رأس الأبقار ثم يستريحون ثم يقطعون رؤوسها بعد ألا يكون بها حراك, وتأكد أنها ما ذبحت إلا بعد أن صارت ميتة.
ونشرت (مجلة المجتمع) الكويتية  الصادرة يوم الثلاثاء الموافق 1 من ذي القعدة سنة 1398 هـ عدد (414) من السنة التاسعة. مقالا عن جمعية الشباب المسلم بالدانمارك؛ لذلك فقد انتهينا بعد بحث هذا الأمر والتحقق منه دائرة الدانمرك تحت عنوان (حول شرعية ذبح الدجاج في الدانمارك ) جاء فيه ما نصه:
نظرا للاستفسارات العديدة التي وردت إلى جمعيتنا من المسلمين المقيمين في الدول العربية للتأكد من كيفية ذبح اللحوم والدجاج المصدر من الدانمارك؛ لذلك فقد انتهينا بعد بحث هذا الأمر والتحقق منه في دائرة
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 722)
الدانمرك إلى عدة نتائج نوردها فيما يلي:
لقد علمنا من مصادر رسمية أن الفئة القاديانية بالدانمارك قامت منذ تأسيسها عام 1967م بتمثيل المسلمين والإسلام في هذه البلاد, فكانت تصادق على شهادات تصدير اللحوم والدجاج إلى الدول الإسلامية, وهي تتقاضى مقابل ذلك من الشركات المصدرة رسوما مقابل هذا التصديق, وعلمنا كذلك أن السفارات الإسلامية هنا كغيرها من السفارات في العالم لا تمثل الإسلام من قريب أو بعيد, بل تمثل الحكام الذين يرفعون ويخفضون, فضلا عن حرص هذه السفارات, البالغ على اتباع السنن الدبلوماسية في حفلاتها وسهراتها, هذا إذا استثنينا- خشية التعميم - بعض الأفراد القلائل العاملين في هذه السفارات والذين هداهم الله إلى التمسك بالدين بعيدا عن المؤتمرات المهنية . . وهم قلة.
وعلمنا كذلك من خلال الأعوام الماضية: أن بعض هذه الشركات يتحايل لكي يبيع الدجاج الدانمركي للدول الإسلامية, ومن صور هذا التحايل, تشغيل عليه أشرطة القرآن الكريم داخل المجازر ظنا منهم أن هذه الطقوس تحل لنا أكل هذه اللحوم, كما يقوم بعضهم - ذرا للرماد في العيون- بتعيين عامل مسلم أو أكثر في المصنع يقوم بمهام عادية ليس لها علاقة بالذبح, وحتى لو قام بالذبح فلا يعقل أن يتمكن من ذبح الآلاف من الدجاج المنتج كل يوم, بل قل: كل ساعة, وقد كانت ليبيا من أول الدول التي اكتشفت هذه المهزلة في الدانمارك وخارج الدانمارك - فقررت منع استيراد اللحوم والدجاج من أوربا بالمرة . . والله أعلم إن كان هذا المنع ما زال ساري المفعول أم لا.
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 723)
أما من جانب المستهلك المسلم, فخلال الأعوام العشرة الماضية كانت مشكلة الدجاج المستوردة من أوروبا لا تكاد تشغل بال السواد الأعظم من المسلمين ؛ لصغر حجمها بالقياس إلى المصائب والمؤامرات التي كانت وما زالت تحاك ضد الإسلام والمسلمين , ولكن كان من بينهم من يحاول ترويج هذه الذبائح, بحجة أنها من طعام أهل الكتاب , ونحن لا نقر هذا الرأي؛ لأنه يكفي أن ننظر من حولنا لنجد الزنا والعري والخمر والميسر والشذوذ الجنسي وقطع الأرحام وعقوق الوالدين والربا. . وغيرها من الموبقات والكبائر- مباحة بنص القانون في التشريعات المحلية الوضعية، فلا مجال هنا لتسميتهم بأهل الكتاب بحال من الأحوال, بل هم أقرب إلى الشيوعيين والوثنيين منهم إلى النصارى .
واليوم كنتيجة طبيعية للغموض المكثف لهذه الأمور, ولشعورنا بمسئولية التحقق من هذا الأمر - قامت جمعيتنا بتوجيه خطاب إلى جميع المجازر الدانمركية التي تقوم بتصدير الدجاج إلى الخارج, وعددها (35) مجزرة للدجاج والطيور.
وفيما يلي ترجمة للخطاب:
(وصلتنا في الشهور الماضية بصفتنا منظمة إسلامية ثقافية بالدانمارك عدة استفسارات من مسلمين مقيمين في داخل الدانمارك وخارجها عن الطرق المتبعة لذبح الدجاج والطيور المعدة للتصدير للدول العربية, إن الإجابة على هذه الاستفسارات تعتبر ذات أهمية كبيرة لنا نحن المسلمين, إذ أن طريقة الذبح يجب أن تكون تبعا لما ورد في القرآن الكريم من أحكام لها؛ لهذا نرجو منكم السماح لمجموعة من جمعيتنا (حوالي 3-4
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 724)
أشخاص ) بزيارة مجزرتكم للاطلاع على طريقة الذبح . . إلخ).
كما نود مستقبلا نشر هذا التحقيق في مجلتنا الشهرية (الصراط) حتى يطلع المسلمون عليها, مع مراعاة عدم التعرض لاسم شركتكم بسوء, راجين أن يصلنا ردكم في أقرب فرصة.
وعند استلامنا الردود اتضح أن بعض هذه المجازر لا يصدر إلى الدول الإسلامية بالمرة, وهذا النوع من المجازر لم يمانع من زيارتنا لأماكن الذبح, لكن الشركات التي تصدر إلى الدول الإسلامية لم توافق على الزيارة بالمرة, وبعضها أبدى صراحة عدم ترحيبه بقدومنا, وأحال البعض الآخر نظر هذه القضية إلى لجنة مهنية خاصة بتصدير الدجاج والطيور, بحجة أنها الجهة الممثلة لهم, والمتكفلة ببحث مشكلة الذبح الإسلامي وباتصالنا بهذه اللجنة رفضت- بعد محاولات استمرت فترة طويلة- السماح بأي نوع من المعاينة, بحجة أنها لا تجد أن منظمتنا تمثل الإسلام والمسلمين في الدانمارك , وأن هذه اللجنة على اتصال مع جهة إسلامية بالدانمارك , تمثل الإسلام في نظرهم، لاتصالها بعدد من السفارات العربية، وأن هذه الجهة الإسلامية توافق على طريقة الذبح, وتصادق على شهادات التصدير, مع علمها التام بأن الدجاج المصدر لا يفترق عن غيره من الدجاج المنتج, باستثناء المغلف المطبوع عليه عبارة: (ذبح على الطريقة الإسلامية).
وبقيامنا بمزيد من التحريات وجدنا أن الجهة الإسلامية القائمة على التصديق ليست هي الفئة القاديانية, كما جرت العادة خلال العشر سنوات الماضية , لكنها جهة إسلامية انتزعت من القاديانية مهمة التصديق على
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 725)
شهادات التصدير وما يتبعها من مهام أخرى, كالدفاع عن مصالح شركات الدجاج , ومصالح المستوردين العرب, ومصالح السفارات العربية الواقفة وراءها.
وبحديث هاتفي مع مدير لجنة التصدير الدانماركية المذكورة اتضح لنا الآتي:
أولا: ليس لدى المذابح الدانمركية أي فكرة عن متطلبات الذبح الإسلامي والمعلومات التي لديها لا تعدو أن تكون شائعات وردت إليها بطريق الحديث العفوي مع فئات من المسلمين, بعض هذه المعلومات متضاربة, مما جعل الأمر في النهاية - في نظر المجازر الدانماركية - ليس له ضابط ديني محكم.
ثانيا: أن المستورد العربي هو الذي يطلب وضع عبارة: (ذبح إسلامي) ويجهزها له, والمصدر الدانمركي يوافق , طالما أن البيع في ازدياد والجهات الرسمية تصادق على شهادات التصدير.
ثالثا: أن الذبح يجري بطريقة قص الرأس بعد التخدير الذي يشترط قانون الطب البيطري, وأن الذبح بغير هذه الطريقة يتطلب الحصول على تصريح خاص.
رابعا: أن الذي يهم الشركات الدانماركية في الوقت الحضر هو موقف السفارات التي تتبع الدول المستوردة ؛ لأنها هي التي تصدق على توقيع الجهة الإسلامية التي تعاين الذبح, وطالما أن هذه الجهات متفقة فليس لأحد - في نظرهم - مصلحة في التدخل, وطلبنا من مدير اللجنة الرد كتابة على هذه النقاط, فوعد بذلك, ثم تأخر في الرد مدة طويلة, وفي النهاية
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 726)
وصلنا منه رد دبلوماسي بعيد عن النقاط التي تحدثنا عنها هاتفيا.
مما سبق يتبين أن المسئول الأول عن هذه المهزلة ليس هو المصدر الدانمركي بل هو بالدرجة الأولى المستورد العربي, ومن ورائه السفارات التي تصدق على جريمته.
وعليه فنحن جمعية الشباب المسلم بالدانمرك نعلن من هنا إلى كافة المسلمين أينما وجدوا: أن الذبائح التي تصدر إليهم من الدانمرك ليست مذبوحة بطريقة خاصة, ولا تختلف عن الذبائح التي تصدر إلى الدول الأخرى, وأن الذبح يتم بطريقة قص الرأس بعد التخدير, والفارق الوحيد: هو في الأغلفة التي تحمل عبارات عربية لخداع المستهلك والمسلم.
الحل: لم يكن الهدف الأساسي من التحريات التي قمنا بها إيجاد حل إسلامي لقضية الذبائح المستوردة , بل كانت الغاية المرجوة هو التأكد من طريقة الذبح, وإعلانها إلى المسلمين حتى يجتهدوا بأنفسهم للتوصل إلى الحل المرضي إسلاميا, إلا أن هناك بعض الفوائد التي يمكن الاستفادة منها قبل البحث عن حلول القضية , فمن خلال مباحثات تمت منذ سنوات مع أحد المجازر الدانمركية رغب بعض الإخوة في الاتفاق مع الشركة على ذبائح خاصة للتصدير إلى الدول الإسلامية, فوافقت هذه الشركة على ذلك بشرط أن يقوم الإخوة أنفسهم باستجلاب العمال المسلمين بمعرفتهم مع ضمان استمرارهم في العمل وحين البحث عمن يقوم بهذا العمل تبين أن هذه المجزرة تقع في قرية صغيرة بعيدة عن المدن الكبرى, وهذا الأمر لا يشجع أحدا على قبول هذا العمل لتعارضه مع ميول العمال الأجانب
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 727)
عادة في السكنى في العاصمة أو على الأقل في المدن الكبيرة لأسباب تتعلق بأوضاعهم الاجتماعية في الغربة ، وحرصهم على المجتمع ؛ لسهولة التفاهم وتبادل الأخبار والزيارات ، وهذا الأمر لا يتحقق بالسكنى في القرى النائية ، فالأمر إذن يتطلب إخلاصا وتفانيا من بعض المسلمين لإنجازه على الوجه المطلوب ، كما يتطلب إيفاد من له دراية شرعية بالقضية وتخصيص ميزانية مناسبة لإنشاء مجزرة إسلامية للتصدير للدول الإسلامية تتوفر فيها الشروط الشرعية والعصرية في آن واحد ، والجمعية من جانبها على استعداد للمساعدة في الاتصالات التمهيدية مع الشركات التي تصنع آلات الذبح والاتفاق مع إحدى شركات الاستشارة والتخطيط لعمل دراسة مستوفية لتكاليف المشروع واحتياجاته .
بقيت كلمة أخيرة لا تتعلق بالدجاج ذاته ، ولكن تتعلق بمن يأكل منه من المسلمين :
فالمعروف أن القلة من الناس هي التي تتحرى الحلال ، والأغلبية لا تفكر في ذلك ، بل تظن التحري في بعض الأحيان عسرا ومشقة ، وهي للأسف سمة العصر الذي نعيش فيه : الاهتمام بإشباع الغرائز والميول أولا ، ثم بعد ذلك يساء استخدام عبارة (إن الله غفور رحيم) .. كما يريد أغلبنا دخول الجنة ولقاء الله تعالى دون علم أو عمل أو تضحية ولو بسيطة ، فقد يلجأ الكثير من المسلمين إلى قطع مسافات طويلة - قد تصل إلى السفر - في سبيل الحصول على سلعة أو طعام معين بمواصفات معينة ، والتكبد في سبيل ذلك المشاق الكثيرة ، ليس إرضاء لله وللرسول ، ولكن إرضاء للهوى فحسب ، فإذا تعلق الأمر بحكم شرعي تحايلوا وتهربوا ، بحجة أن
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 728)
(الدين يسر) ولم يقولوا مرة : (إن مع العسر يسرا) وإن دخول الجنة لن يتم إلا بتكبد الصعاب ، وأضرب على ذلك مثالا يتعلق بفئة (النباتيين) الذين يمنعون أنفسهم من أكل اللحوم ومشتقاتها ، فهؤلاء معروفون في العالم كله ، وحرصهم شديد على تحريم ما يأكلون ، حتى إن منهم من يبلغ به حد الورع مبلغا فلا يأكل الكعك والمربى المطروحة في الأسواق ؛ خشية أن تكون مصنوعة من دهون الحيوانات ، ويسألون قبل الشراء عن مكونات الطعام ، ولهم حوانيت خاصة بهم في كل مكان .
فهؤلاء وضعوا قوانينهم بأنفسهم ويحترمونها ، ويعتبرون التحري والدقة ضربا من التعصب أو تضييع الوقت والجهد، فما بال المسلمين ينزل عليهم كتاب من الله وتصلهم سنة نبيه فلا يهتمون ولا يتحرون ؟!
عسى أن ينفعنا الله بما قلنا ، وأن يكون ما بلغنا إبراء لذمتنا يوم القيامة ، وأن يتقبل عملنا خالصا لوجهه تعالى .
جمعية الشباب المسلم بالدانمرك
.
خلاصته :
1 - الذين يصدقون على شهادات تصدير اللحوم والدجاج إلى الدول الإسلامية بأنها ذبحت على الطريقة الشرعية - قاديانيون ، ويتقاضون على الشهادات أجرا ، ثم إن جهة أخرى إسلامية انتزعت التصديق على الشهادات من القاديانيين ، وقامت بذلك مع مهام أخرى ، كالدفاع عن مصالح وشركات الدجاج ومصالح المستوردين العرب ومصالح السفارات العربية الواقفة وراءها.
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 729)
2 - الذين يعملون في السفارات الإسلامية إلا القليل لا يمثلون الإسلام ، وإنما يحرصون على السنن الدبلوماسية .
3 - نصارى الدانمرك ومن في حكمهم خرجوا على مبادئ أهل الكتاب ، فلا مجال لتسميتهم أهل كتاب ، بل هم أقرب إلى الشيوعيين والوثنيين منهم إلى النصارى .
4 - امتناع من يقوم على المجازر المصدرة للحوم والدجاج من الدانمارك إلى الدول الإسلامية من تمكين جماعة من الشباب المسلم من مشاهدة طريقة الذبح في تلك المجازر ، بزعم أنهم لا يمثلون المسلمين ، وإنما تمثلهم السفارات الإسلامية التي تصدق على الشهادة عند التصدير ، أما الذين لا يصدرون اللحوم إلى الدول الإسلامية فقد مكنوهم من مشاهدة طريقة الذبح في مجازرهم .
5 - ليس عند المذابح الدانمركية معلومات عن الذبح الإسلامي مستقاة من مصدر إسلامي معتبر, وإنما لديها إشاعات عما يجب أن يكون عليه الذبح الإسلامي متضاربة؛ لذا لم تهتم بها المجازر لعدم وجود ضابط ديني محكم.
6 - المستورد العربي هو الذي يطلب وضع عبارة - ذبح إسلامي - ويجهزها, وما على المصدر الدانمركي إلا الموافقة ما دام ذلك في مصلحته.
7 - الذبح يجري بقص الرقبة بعد التخدير دون فرق بين ما يصدر إلى الدول الإسلامية وغيرها, ولا يختلف إلا في كتابة العبارة على الغلاف.
8 - الذي يهم الشركات الدانمركية المصدرة للحوم إلى الدول
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 730)
الإسلامية موافقة سفارات الدول الإسلامية المستوردة وتصديقها.
9 - الحل هو إيجاد مجازر إسلامية لتصدير اللحوم إلى الدول الإسلامية والتعاون في إتمام ذلك بالعلم والعمل والمادة.
قال الأستاذ عبد الله على حسين  من علماء الأزهر , ولديه ليسانس في الحقوق. في كتابه [اللحوم - أبحاث مختلفة في الذبائح والصيد واللحوم المحفوظة]:
وأما اللحوم المحفوظة في العلب مثل (بولي بيف) ومرقة الثور وهي المسماة (كيف أكسو) وشوربة الفراخ بالشعرية, وهكذا من اللحوم المحفوظة في علب صفيح وما يشتق منها أيا كان نوعها الذي يصدر إلى مصر من أوروبا واستراليا وأمريكا وحكمها: أن يحرم استعمالها قطعا؛ لأنها لحم حيوان موقوذ مضروب حتى مات, فإن طريقة الذبح في جميع هذه البلاد تكاد تكون واحدة, وهي ضرب الحيوان في مخه فيخر صريعا بلا حركة؛ لأنها تصيب المخ, ومتى وقع حمل إلى التقطيع بعد السلخ فيعمل من هذا الحيوان كافة أنواع اللحوم المحفوظة وما يخرج عنها, وقد أردت أن أعرف طريقة ذبحهم بطريقة رسمية لا تقبل الجدل أو الشك في تطبيق الأحكام الشرعية, فكتبت كتابا دوريا أرسلته لقناصل (14) دولة وهي 1- إنجلترا , 2- فرنسا , 3- أسبانيا , 4- هولندا , 5- إيطاليا , 6- تركيا , 7- جنوب أفريقيا , 8- الولايات المتحدة , 9- البرازيل , 10- استراليا , 11- روسيا , 12- الدانمرك , 13- سويسرا , 14-
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 731)
رومانيا .
ويتضمن هذا الكتاب ثلاثة أسئلة:
أولا: ما هي طرق الذبح في بلادكم (أو قتل الحيوان عندكم)؟
ثانيا: ما هو المكان الأول الذي يضرب فيه الحيوان من جسمه لقتله في بلادكم؟
ثالثا: ما هي الصناعات المختلفة من اللحوم المحفوظة التي تصنع وتصدر من بلادكم؟
ثم ذكر أن التي أجابت من تلك الدول هي: تركيا واليونان وهولندا وأسبانيا والدانمرك .
والذي يبدو واضحا في المخالفة للطريقة الشرعية ما جاء في إجابة هولندا والدانمرك فلذلك نسوقها فيما يلي:
1 - طريقة هولندا كما في إجابتها:
تقتل البهائم بعد تدويخها بأسرع ما يمكن, بإسالة دمها, وتحصل عملية التدويخ بواسطة آلات تغيب المخ فتفقد البهيمة وعيها في الحال ( وقطع الرأس أو الرقبة ممنوع وكذلك الذبح بسكين بموجب مرسوم ملكي) إذن تقتل البهائم بواسطة خوذة بها مثقاب وهذه الآلة معمرة بالبارود الذي يشعل فيدفع مثقابا مجوفا إلى المخ , وهذا المثقاب يعود إلى مكانه قبل أن تسقط الرأس.
2 - طريقة الدانمرك كما جاء في نص إجابتها :
(الخيول والثيران والعجول الكبيرة تذبح بطريقة صعقها بإطلاق الرصاصة على رأسها في موضع المخ برصاص خاص لهذه
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 732)
العملية, أو بمسدس يقذف مسمارا نافذا والعجول الصغيرة والأغنام تذبح بطريقة الصعق إما بالرصاص أو بالضرب الشديد على جبهتها الأمامية بمطرقة, أما الدواجن فيشترط لذبحها أن يكون ذلك بطريقة الصعق السريع بالضرب الشديد بالمطرقة على رأسها, أو بقتلها قتلا سريعا بفصل رأسها, وعند ذبح الخيول والثيران والعجول الكبيرة بالطريقة المذكورة , تصفى دماؤها بإدخال سكين في أسفل رقبتها في الشريان الكبير الواقع في مدخل الصدر من أعلى, وتستعمل لهذا الغرض السكين العادية, أما العجول الصغيرة والأغنام فتصفى دماؤها بتشريطها من الجانب من الجانب الأسفل من رقبتها في الشريان الكبير الواقع خلف الرأس حول الرقبة, فتفصل شرايينها.ا هـ.
ثم علق المؤلف بقوله:( وكل هذه أدلة رسمية قاطعة في صدق ما ندعيه من أن ذبائحهم موقوذة مقتولة - فطيس - نجسة محرمة, لا يصح لمسلم أن يتعاطاها أو يحملها أو يبيعها, وقد كنت أكتفي بما أعلمه شخصيا وأنا طالب بأوربا خمس سنوات من أن طريقة ذبح الحيوانات عندهم في المجازر هي القتل بضربها على رأسها على المخ من مقدم الرأس بين القرنين في الجبهة , وهي ضربة واحدة بآلة خصصت لذلك, فيخر الحيوان صريعا لوقته, ولكن خشية ادعاء مالا أعرف أقمت الدليل الكتابي من حكوماتهم أنفسهم وها هو ننشره ليعلمه الناس وكفى . . )
ثم قال: (وقد أرسلت لحضرة الدكتور العلامة الأستاذ عبد الحميد مصطفى فرغلي المتخصص في وظائف أعضاء الحيوان بأمريكا - الولايات المتحدة - جامعة جونس هوبكنز بمدينة بلتمور , أسأله عن كيفية قتل حيوانات الأكل عندهم في أمريكا , فورد منه جواب في 15\ 7سنة
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 733)
1947 م يقول: سألت عن طريقة الذبح الطريقة, الطريقة: أن يضربوا الحيوان بمطرقة مدببة في مخه فيموت, وبعد ذلك يقطعون رقبته, ولكنهم لا يذبحون كما يفعل المسلمون أو اليهود وهذا الإجراء يشمل جميع الحيوانات).
رابعا: تطبيق القواعد الشرعية على الذبائح المستوردة على ضوء ما عرف عنها من المشاهدات ونحوها:
إن مجرد البيان لطريقة الذبح الشرعية دون الحكم بها على واقع اللحوم المستوردة إلى المملكة السعودية من دول أوربا وأمريكا وغيرها - لا تفيد من يتحرى الحلال فيما يأكل, ويجتهد في اجتناب ما حرم الله عليه من ذلك , إلا إذا عرف أحوال التذكية وأحوال المذكين في تلك الشركات الغربية وغيرها التي تستورد منها اللحوم إلى المملكة , وأنى له ذلك, فإن السفر إلى تلك البلاد فيه كلفة؛ لبعد الشقة, فلا يتيسر إلا للنزر اليسير, وأكثر من يسافر إليها يكون سفره لضرورة من علاج ونحوه, أو لإشباع رغبة وحب استطلاع, ولا يعني بهذا الأمر , ولا يكلف نفسه البحث عنه والوقوف على حقيقته.
ولذا كتبت الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد إلى المسئولين عن استيراد اللحوم وغيرها من المأكولات تستفسر منها عن الواقع, وتوصيها بالعناية بما تستورده من ذلك من الجهة الشرعية, محافظة على الدين, وعلى سلامة الرعية من تناول ما حرم الله عليهم من الأطعمة, وتوفير ما تحتاج إليه الأمة مما أحل الله.
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 734)
وجاء منهم إجابة مجملة لا تكفي لإزالة الشك وطمأنينة النفس, فكتبت إلى دعاتها في أوروبا وأمريكا ليطلعوا على كيفية الذبح وديانة الذابحين هناك - فأجاب منهم جماعة إجابة في بعضها إجمال, وكتب جماعة من أهل الغيرة في المجلات عن صفة الذبح والذابحين جزى الله الجميع خيرا, ولكن كل ذلك لم يستوعب الشركات التي يستورد منها المسئولون عن ذلك في المملكة , مع ما في بعضها من الإجمال, ومع ذلك فاللجنة تعرض خلاصة ما جاءها من التقارير وما اطلعت عليه في المجلات على ما تقدم من طريقة الذبح الشرعية وما صدر في الموضوع من فتاوى كلية؛ ليتبين الحكم على اللحوم المستوردة عن تلك البلاد, وعلى هذا يمكن أن يقال:
أولا : بناء على ما جاء في كتاب معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء من أنه قد وردت إلى معاليه تقارير تفيد أن بعض الشركات الاسترالية التي تصدر اللحوم للأقطار الإسلامية, وخاصة شركة (الحلال الصادق) والتي يملكها القادياني ( حلال الصادق ) لا تتبع الطريقة الإسلامية في ذبح الأبقار والأغنام والطيور, ويحرم الأكل من ذبائح هذه الشركات, وتجب مراعاة ما قررته الرابطة وأوصت به في كتابها.  انظر ص(689) .
ثانيا: بناء على ما جاء في تقرير الأستاذ أحمد بن صالح محايري في طريقة الذبح في شركة برنسيسا من أن الذابح لا يدرى عنه هل هو مسلم أو كتابي أو وثني أو ملحد , ومن الشك سفي قطع الوريدين أو أحدهما, ومن أن
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 735)
شهادة المصدق على الشحنة لم تبن على معاينته بنفسه أو بنائبه للذبح, ولا على معرفته بالذابح, لا يجوز الأكل من هذه الذبائح , ويؤكد كون التذكية غير شرعية موافقة مدير الشركة على تعديل طريقة الذبح لتكون شرعية بشرط بيان الكمية اللازمة للجهة المستوردة أولا.  انظر ص(691).
ثالثا: وبناء على ما جاء عنه أيضا في طريقة ذبح الدجاج والبقر في شركة ساديا أو يسته من أن الذابح مشكوك في ديانته هل هو كتابي أو وثني, ومن أن الأبقار تصعق بكهرباء, فإذا سقطت رفعت من أرجلها بآلة ثم شق جلد رقبتها بسكين, ثم قطع الوريد بسكين آخر, فينزل الدم بغزارة, لا يجوز الأكل من هذه الذبائح  انظر ص (694).
رابعا: بناء على ما جاء في تقرير الشيخ عبد الله الغضبة عن الذبح في لندن من أن الذابحين من الشباب المنحرف الوثني أو الدهري, ومن أن الدجاجة تخرج من الجهاز ميتة منتوفة ورأسها لم يقطع, بل لم يظهر في رقبتها أثر الذبح, وإقرار إنجليزي من أهل المذبح بذلك, ومن خداع القائمين على المذبح, من أراد الاطلاع على طريقة الذبح عن المذبح الأوتوماتيكي الذي يذبح فيه للتصدير واطلاعهم على مذبح يذبح فيه قلة من المسلمين للمسلمين بالداخل, وذلك مما يبعث في النفس ريبة في كيفية الذبح وديانة الذابح؛ لذلك لا يجوز الأكل من هذه الذبائح  انظر ص (701) .
خامسا: بناء على ما جاء في تقرير الأستاذ جمال حافظ إدريس عن
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 736)
طريقة الذبح في بعض الأمكنة المشهورة في اليونان من أن ذبح الحيوان الكبير يكون بعد سقوطه من ضرب رأسه بمسدس, ومن الشك في كون الذبح حصل بعد موته من المسدس أو قبل موته - لا يجوز الأكل منه, وهناك طريقة أخرى قال فيها صاحب التقرير: إن الذبح فيها على الطريقة الإسلامية, ولم يبين كيفية الذبح ولا ديانة الذابح. كما أنه لم يبين أماكن الذبح ولا شركاته في اليونان  انظر ص(712).
سادسا: بناء على ما جاء في تقرير الشيخ عبد القادر الأرناؤوط عن طريقة الذبح في يوغوسلافيا من أن الذبح في القرى, وفي ( سراجيفو ) على الطريقة الشرعية والذابح مسلم- يجوز الأكل مما ذبح فيها, وبناء على ما جاء فيه عن الذبح في غيرها من مدن يوغوسلافيا من أن الذابح قد يكون غير مسلم, كتابيا أو شيوعيا ظاهرا, لا في حقيقة الأمر, لا يجوز الأكل من ذبائح هذه المدن للشك في أهلية الذابح.
سابعا: بناء على ما جاء في تقرير الدكتور الطباع عن طريقة الذبح في ألمانيا الغربية من أن الأبقار تضرب بمسدس في رؤوسها أولا , ثم لا تذبح إلا بعد أن تصير ميتة ؛ لا تؤكل هذه الذبائح.  انظر ص (718).
ثامنا : بناء على ما جاء في المقال الذي نشرته (مجلة المجتمع) عدد (414) عن طريقة الذبح بالدانمرك من أن الذابح إلى الشيوعيين والوثنيين أقرب منه إلى النصارى , ومن أن الشركة هناك ليست عندها معلومات عن
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 737)
طريقة الذبح الإسلامية إلا من جهة الإشاعات, حتى يتأتى لها أن تراعي في ذبحها الطريقة الإسلامية, وأن تكتب على الطرود ذبح على الطريقة الإسلامية, وإنما تكتب هذه الصيغة الجهة المستوردة ليصدق عليها هناك من لا يؤمن, مع امتناعهم من تمكين من يريد معرفة كيفية الذبح في الشركة المصدرة من الاطلاع على ذلك.  انظر ص (715)
وبناء على ما جاء أيضا عن الأستاذ أحمد صالح محايري عن محمد الأبيض المغربي الذي يعمل في تعليب اللحوم بالدانمرك من أنهم يكتبون عليها: ذبحت على الطريقة الإسلامية , وهذا غير صحيح؛ لأن قتل الحيوان يتم كهربائيا على كل حال ؛ وبناء على هذا وذاك لا يجوز الأكل من تلك الذبائح.
تاسعا: ما ذكر عن ابن العربي من إباحة الأكل مما ذكاه أهل الكتاب من الأنعام والطيور ونحوها مطلقا, وإن لم توافق تذكيتهم التذكية عندنا, وأن كل ما يرونه حلالا في دينهم فإنه حلال لنا, إلا ما كذبهم الله فيه - مردود بما تقدم في بيان طريقة الذبح وفي الفتاوى.
عاشرا: مما تقدم في بيان كيفية الذبح وديانة الذابحين يتبين أن ما ذكر في كتاب  انظر ص(685). وزارة التجارة والصناعة إلى الرئاسة لا يقوى على بعث الاطمئنان في النفس إلى أن الذبائح المستوردة يحل الأكل منها, بل يبقى الشك على الأقل يساور النفوس في موافقة ذبحها للطريقة الإسلامية
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 738)
والأصل المنع.
وعلى هذا لابد من البحث عن طريقة لحل المشكلة.
خامسا: حل مشكلة اللحوم المستوردة :
يتلخص ذلك فيما يأتي:
1 - الإكثار من تربية الحيوانات, والعناية بتنميتها, واستيراد ما يحتاج إليه منها إلى المملكة حيا, وتيسير أنواع العلف لها, وتهيئة المكان المناسب لتربيتها وتذكيتها بالمملكة , وبذل المعونة لمن يعنى بذلك من الأهالي شركات أو أفراد؛ تشجيعا له وتسهيل طريق توزيعها في المملكة .
وكذا الحال بالنسبة لإنشاء مصانع الجبن وتعليب اللحوم والزيوت والسمن وسائر الأدهان.
2 - إنشاء مجازر خاصة بالمسلمين في البلاد التي يراد استيراد اللحوم منها إلى البلاد الإسلامية أو المملكة العربية السعودية , ويراعى في تذكية الحيوانات بها الطريقة الشرعية.
3 - اختيار عمال مسلمين أمناء عارفين طريقة التذكية الشرعية ليقوموا بتذكية الحيوانات تذكية شرعية في ذلك الشركات بقدر ما تحتاج المملكة إلى استيراده منها.
4 - اختيار من يحصل به الكفاية من المسلمين الأمناء الخبيرين بأحكام التذكية الشرعية وأنواع الأطعمة ليشرف على تذكية الحيوانات, وعلى مصانع الجبن وتعليب اللحوم, ونحوها في الشركات التي تصدر ذلك إلى المملكة العربية السعودية .
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 739)
وإذا كان اليهود حريصين على أن يكون الذبح متفقا مع عقيدتهم ومبادئهم - فخصصوا لذلك مجازر لهم وعمالا يذبحون لهم كما يريدون، فالمسلمون أحق بذلك منهم وأولى أن يستجاب لهم؛ لكثرة ما يستهلكون من اللحوم ومنتجات المصانع الغربية، وشدة حاجة أولئك إلى تصريف ما لديهم من لحوم ومنتجات أخرى.
والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو     عضو     نائب الرئيس     الرئيس
عبد الله بن قعود
عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان
عبد الرزاق عفيفي
عبد العزيز بن عبد الله بن باز

-المصدر أبحاث هيئة كبار العلماء الجزء الثاني


 

new nike football boots 2012 2017 - 002 - Nike Air Max 270 ESS Ανδρικά Παπούτσια Γκρι / Λευκό DM2462 | Nike React Element 87

الأقسام الرئيسية: