زكاة راتب الموظف
السؤال الأول والثاني من الفتوى رقم (282)
س1: موظف يوفر من مرتبه شهريًا مبلغًا متفاوتًا من المال، شهر يقل التوفير، وشهر آخر يزيد، ويكون أولها قد مضى عليه الحول، والبعض الآخر لم يمض عليه الحول، ولا يعرف مقدار ما وفره في كل شهر، فكيف يزكيه؟
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فقد تكرر السؤال من كثير من الناس عن حكم زكاة الحلي من الذهب والفضة وما ورد في ذلك من الأدلة ، ولتعميم الفائدة أجبت بما يلي والله الموفق والهادي إلى الصواب :
بسم الله الرّحمن الرّحيم من حمد بن ناصر إلى الأخ سعيد أسعده الله بطاعته وجعله من أهل ولايته. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.وبعد؛ الخط وصل وصلك الله إلى رضوانه، وسرّ الخاطر حيث أفاد العلم بطيبكم وصحّة حالمك، أحال الله عنّا وعنك جميع ما نكره. وأمّا المسألة المسؤول عنها هل الدَّين يمنع الزّكاة في الأموال الباطنة أم لا؟ فالمسألة فيها ثلاث روايات عن أحمد ليس كما ذكر صاحب الشّرح؛
ص -587- حيث ذكر أنّ الدَّين يمنع وجوب الزّكاة رواية واحدة.والرّوايات الثّلاث حكاها في الفروع والإنصاف:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الدين والدنيا فلقد أرسل الله إليكم رسولاً رسولاً يتلو عليكم آيات ربكم ويزكيكم ويعلمكم الكتابة والحكمة فبقي فيكم دينه متلواً في كتاب الله غير مبدل ولا مغير ومأثوراً فيما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد أفاض الله عليكم المال لتستعينوا به على طاعته وتتمتعوا به في حدود ما أباحه الله لكم فالمال قيام دينكم ودنياكم فاعرفوا حقه وابذلوه في مستحقه واعلموا أنكم مسؤولون عن هذا المال من أين اكتسبتموه وكيف اكتسبتموه وفي أيٍ شيءٍ تنفقونه ولهذا قال الله عز وجل (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً)(النساء: من الآية5) ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال أيها المسلمون إن مالكم في الحقيقة هو ما قدمتوه لأنفسكم زخراً لكم عند الله ليس مالكم ما جمعتموه ليس مالكم ما جمعتموه فاقتسمه الوارث بعدكم فإنكم سوف تخلفونه وتدعونه كما قال الله عز وجل (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ)(الأنعام: من الآية94) سوف تنتقلون عن الدنيا أغنياء عما خلفتم فقراء إلى ما قدمتم وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أيّكم مال وارثيه أحب إليه من ماله قالوا يا رسول الله ما منا أحدٌ إلا ماله أحب إليه قال فإنما ماله ما قدم ومال وارثه ما أخّر) وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنهم ذبحوا شاةً فتصدقوا بها سوى كتفها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (بقي كلها غير كتفها) أيها المسلمون إنكم مسؤولون عن إنفاق مالكم لا تنفقوه فيما حرم الله ولا تنفقوه في أمر لا يعود عليكم بالمصلحة الدينية أو الدنيوية أنفقوه فيما يقربكم إلى الله وفيما ينفع عباد الله أنفقوه في طرق الخير وإن من ذلك أن يتصدق الإنسان بماله صدقةً منجّزة على الفقراء والأقارب فيملكونها ويتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه وذلك من أفضل الأعمال وأربح التجارة واستمعوا لما نزل قول الله عز وجل (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )(آل عمران: من الآية92) جاء أبو طلحة رضي الله عنه وكان له حديقةً قبلتها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تسمى بيرحى وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماءٍ فيها طيب فقال يا رسول الله إن الله أنزل هذه الآية (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )(آل عمران: من الآية92) وإن أحب مالي إلي بيرحى وإنها صدقةٌ لله أرجو برها وزخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم (بخٍ بخٍ ذاك مال الرابح ذاك مال الرابح وقد سمعت وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين) فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه
ومن إنفاق المال في طرق الخير أن يصرفه الإنسان في بناء المساجد والمشاركة فيها فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة) فالمساجد يصلي فيها المسلمون ويأوي إليها المحتاجون ويذكر فيها اسم الله بتلاوة كتابه وسنة رسوله والفقه في دينه وفي كل ذلك أجرٌ لبانيها والمشارك فيها ومن إنفاق المال في طرق الخير أن ينفقه الإنسان في طبع الكتب النافعة والنشرات الهادفة وأن يصرفه في تعليم القرآن وتعلمه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ومن إنفاق المال في طرق الخير أن ينفقه الإنسان في المصالح العامة كإصلاح الطرق المحتاجة إلى إصلاح وتأمين المياه فإن الصحابة رضي الله عنهم حين قدموا المدينة كان فيها بئرٌ تسمى بئر رومه لا يحصّلون الماء إلا منها ولا يحصّلونه إلا بثمن فاشتراها عثمان رضي الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم (من حفر رومه فله الجنة) فحفرها عثمان رضي الله عنه
ومن إنفاق المال في طرق الخير أن يحدسه الإنسان أي يسبله ويصرف غلته فيما يقرب إلى الله ففي الصحيحين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصاب أرضاً بخيبر لم يصب مالاً أنفس عنده منها فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستشيره فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يؤرث ولكن ينفق ثمره) أخرجه البخاري وللنسائي (احبس أصلها وسبّل ثمرتها) فتصدق به عمر رضي الله عنه تصدق بهذه الأرض في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل وذي القربى فإذا سبّل الإنسان ملكه صار وقفاً محبوساً لا يباع ولا يوهب ولا يؤرث وإنما يصرف فيما جعله الواقف فيه ما لم يكن إثما والمقصود بالوقف أمران عظيمان أولاهما التقرب إلى الله عز وجل وابتغاء الأجر والثواب منه ببذل غلة الوقف فيما يرضيه وثانيهما نفع الموقوف عليهم والإحسان إليهم وإذا كان المقصود به التقرب فإنه لا يجوز الوقف إذا كان فيه معصيةٌ لله ورسوله إذ لا يتقرب إلى الله إلا بطاعته فلا يجوز للإنسان أن يوقف على بعض أولاده دون بعض لأن الله أمر بالعدل (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَان)(النحل: من الآية90) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) والوقف على بعض الأولاد دون بعضٍ منافٍ للعدل اللهم إلا أن يكون التخصيص بصفة استحقاق فتوجد في أحدهم دون الآخر مثل أن يوقف على الفقير من أولاده أو على طالب العلم منهم فلا بأس فإذا وقّفه على الفقير منهم فلا حظ فيه للغني حال غناه وإذا وقّفه على طالب العلم فلا حظ لغير طالب العلم حال تخليه عن الطلب ولا يجوز للإنسان لا يجوز أن يوقف شيئاً من ماله وعليه دينٌ لا وفاء له ولا يجوز للإنسان أن يوقف شيئاً من ماله وعليه دينٌ لا وفاء له حتى يوفي دينه لأن وقفه هذا إضرارٌ بقرينه والوقف صدقةٌ وتطوع ووفاء الدين أهم لأنه واجب ولا يجوز للإنسان أيضاً أن يوصي بوقف شيء بعد موته على بعض ورثته دون بعض لأن الله قسم المال بين الورثة وقال فريضة من الله وقال في الآية الثانية وصيةً من الله وبيّن أن ذلك من حدوده وتوعّد من تعداها وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله أعطى كل ذي حقٍ حقه فلا وصية لوارث) فإذا قال الإنسان أوصيت بداري وقفاً على ذريتي وله ورثةٌ غير الذرية كان ذلك خروجاً عن فريضة الله وإخلالاً بوصية الله وتعدياً لحدود الله ومعصيةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيها المسلمون وإذا كان المقصود بالوقف هو التقرب إلى الله عز وجل و نفع الموقوف عليهم فالذي ينبغي أن ينظر الإنسان فيما هو أقرب إلى الله وأنفع لعباده ولينظر في النتائج المترتبة على وقفه وليتجنب ما يكون سبباً للعداوة والقطيعة وليعلم أنه إذا أنفق شيئاً في حياته و صحته كان خيراً وأفضل وأعظم أجرا لا سيما إذا كان في صالحٍ مستمر كبناء المساجد وإصلاح الطرق التي تحتاج إلى إصلاح وتأمين المياه وطبع الكتب النافعة أو شرائها وتوزيعها على من ينتفع بها وإعانةٌ على طلب العلم أو قراءة القرآن وتعليمه وإعانةٍ في زواج فقيرٍ يحصنه ويحصن زوجته وربما يولد بينهما صالحٌ ينفع المسلمين فهو مصلحةٌ وأجرٌ لمن أعانه زواجه ولو قدر أنه ولد بينهما فاسد لم يضر المعين شيئاً لأنه لم يعنه من أجل طلب مثل هذا الولد وفي صحيح مسلم أن رجلاً قال يا رسول الله أي الصدقة أفضل وفي لفظٍ أي الصدقة أعظم أجراً قال (أن تصدق وأنت صحيحٌ شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلانٍ كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان) وصدق رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الصدقة في حال الصحة أفضل لأنها صدقةٌ من شخصٍ يخاف الفقر ويأمل طول البقاء فهو شحيحٌ بالمال لذلك بخلاف من جعل تنفيذ المال بعد يأسه من الحياة وانتقال المال للوارث وقد تصدّق الله على عباده بثلث أموالهم يوصون بها بعد موتهم لأقاربهم غير الوارثين أو للفقراء أو لبناء المساجد أو غيرها من طرق الخير والبر أيها الأخوة إن هاهنا شيئين يجب أن يعرف الفرق بينهما حتى يكون الإنسان على بصيرة أحدهما الوقف والثاني الوصية أما الوقف فإنه يكون ناجزاً من حين أن يتلفظ به الإنسان وليس فيه خيار ولا تغيير فإذا قال الإنسان مثلاً هذا وقف أو هذا سبيل تم العقد ولا خيار له ولو كان في المجلس ويكون على حسب ما وقّفه ولو زاد على الثلث إذا كان قد وقّفه في حال صحته أما الوصية فإنها أوسع من الوقف من هذه الناحية لأن الإنسان يستطيع إبطالها وتغييرها وتجوز أيضاً ولو كان على الإنسان دينٌ لأنها لا تضر أهل الطلب لأن الموصي إذا مات وعليه دينٌ قدم قضاء الدين على الوصية أما الوقف فكما قلنا ينفذ في الحال وليس للواقف إبطاله ولا تغييره ولا الزيادة في تنافيذه أو النقص ولا يجوز لمن عليه دينٌ لا وفاء له إلا برضى القرناء أما الوصية فيجوز فيها التغير والتبديل والرجوع فهي من هذه الناحية أوسع أيها المسلمون إنه ينبغي للذين يكتبون الأوقاف أو الوصايا أن يتعلموا كيف يكتبون وأن يكونوا على بصيرةٍ من الأمر لئلا تتلخبط الوثائق وتشكل على المفتين وعلى القضاة فإننا نجد في بعض الوثائق ما يكون متناقضاً أوله مع آخره لأن الكاتب ليس عنده علمٌ شرعي فيما يكتبه فلا يجوز للإنسان أن يكتب بين الناس مثل هذه الوثائق إلا عن علمٍ وبصيرة حتى لا يضل ويضل أيها المسلمون قال الله عز وجل (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة:195)أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يكسبون المال عن طريقٍ حلال وينفقونه فيما يرضي الكبير المتعال وأسأل الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الموقع الرسمي لفضيلة العلامة محمد بن صالح العثيمين