كتاب دعوة التوحيد
المعانى الإصطلاحية لكلمة (توحيد)
كلمة التوحيد قد تطلق و يراد بها المعنى المصدري كما قدمنا . وقد تطلق و يراد بها الفن المدون المسمى بهذا الاسم .
أما الثاني فقد اختلفت عبارات القوم في تعريفه ، فمنهم من يتوسع في مدلول الكلمة حتى تشمل جميع مباحث العقيدة ، سواء ما تعلق منها بالله عز وجل و صفاته أم بالرسل و الأنبياء عليهم الصلاة و السلام من حيث ما يجب لهم و ما يجوز و يمتنع عليهم . أم باليوم الآخر و تفصيل ما يقع فيه ، و بجميع أخبار الغيب التي وردت في الكتاب و السنة .
و منهم من يجعله قاصرا على البحث فى ذات الله و صفاته ، و منهم من يسميه (علم الصفات) و قد عرّفه الشيخ محمد عبده رحمه الله في رسالة التوحيد بأنه ( علم يبحث فيه عن وجود الله و ما يجب أن يثبت له من صفات و ما يجوز أن يوصف به ، وما يجب أن ينفى عنه و عن الرسل لإثبات رسالتهم و ما يجب أن يكونوا عليه ومل يجوز أن ينسب إليهم وما يمتنع أن يلحق بهم ) فلم يذكر فى تعريفه شئون الغيب و أحوال المعاد .
ثم قال بعد ذلك :
و أصل معنى التوحيد اعتقاد أن الله واحد لا شريك له ، و سمى هذا العلم به تسمية له بأهم أجزائه ، و هو إثبات الوحدة لله فى الذات و الفعل في خلق الأكوان ، و أنه وحده مرجع كل كون و منتهى كل قصد . و هذا المطلب كان الغاية العظمى من بعثة النبي (صلى الله عليه وسلم) كما تشهد به آيات الكتاب العزيز و سيأتي بيانه .
و قد غلط الشيخ عبده في اعتباره توحيد الربوبية و الانفراد بالخلق هو الغاية العظمى من بعثة الرسل عليهم الصلاة و السلام : فإن هذا النوع من التوحيد كانت تقربه الأمم التي بعثت إليها الرسل و لم يقع نزاع فيه بينهم و بين الرسل ، و إنما كان النزاع في توحيد الإلهية و العبادة ، و لهذا لم يجئ على لسان الرسل عليهم السلام الدعوة إلى اعتقاد أن الله هو وحده الخالق ، و إنما كان مدار دعوتهم هو عبادة الله وحده لا شرك له ، فكل منهم كان مفتتح دعوته لقومه ( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) .
و لهذا أيضا كانت كلمة التوحيد التي أمر الرسول صلى الله عليه و سلم أن يدعو إليها و أن يقاتل الناس حتى يقولها هي ( لا إله إلا الله ) ومعنى الإله المعبود ، ولو كان توحيد الربوبية هو المقصود لكانت كلمة التوحيد هي ( لا رب إلا الله ) ، و القرآن نفسه يحكى عن المشركين أنهم كانوا يقرون لله بالربوبية المطلقة ، قال تعالى ( ولئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن الله ) .
و قال ( قل من يرزقكم من السماء و الأرض أم من يملك السمع و الأبصار ، ومن يخرج الحى من الميت و يخرج الميت من الحى ومن يدبر الأمر ؟ فسيقولون الله )
و لعل فضيلة الشيخ عبده فى هذا كان متأثرا بالأشعرية الذين جعلوا الانفراد بالخلق هو أخص خصائص الإلهية. و اهتموا فى كتبهم بإقامة البراهين على هذا النوع من التوحيد دون أن يشيروا إلى توحيد الإلهية الذى هو أقصى الغايات و نهاية النهايات .
و قد أحسن العلامة السيد رشيد رضا حين قال مستدركا على أستاذه: فات الأستاذ أن يصرح بتوحيد العبادة . وهو أن يعبد الله وحده ولا يعبد غيره بدعاء ولا بغير ذلك مما يتقرب به المشركون إلى ما عبدوا معه من الصالحين و الأصنام المذكرة بهم و غير ذلك . كالنذور و القرابين تذبح بأسمائهم أو عند معابدهم .
هذا التوحيد هو الذى كان أول ما يدعوا إليه كل رسول قومه بقوله ( اعبدوا الله ما لكم من اله غيره ) انتهى .
والتعريف المشهور عند المتكلمين للتوحيد أنه ( علم يقتدر به على إثبات العقائد الدينية عن أدلتها اليقينية ) وهو يرجع إلى اعتبار هذا العلم ملكة يتمكن مهنا صاحبها من إيراد الحجج على العقائد و دفع الشبه عنها .
و أما التوحيد بالمعنى المصدرى فهو كما قال الشيخ عبده ( اعتقاد أن الله واحد لا شريك له ) لكن هذه الوحدة تتنوع بتنوع متعلقاتها ولهذا كان لابد من معرفة أقسام التوحيد حتى تتبين موارد تلك الوحدة و تتضح معانيها .
يقول العلامة على بن أبى العز الحنفى فى شرحه على العقيدة الطحاوية : ثم التوحيد الذى دعت إليه رسل الله و نزلت به كتبه نوعان (1) توحيد فى الإثبات و المعرفة (2) و توحيد فى القصد و الطلب . فالأول هو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى و صفته و أفعاله و أسمائه ليس كمثله شئ فى ذلك كله كما أخبر عن نفسه وكما أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم .
و قد أفصح القرآن عن هذا النوع كل الإفصاح كما فى أول (الحديد) ، (طه) و آخر (الحشر) وأول (الو تنزيل) السجدة و أول (آل عمران) و سورة (الإخلاص) بكاملها إلى غير ذلك .
و الثانى هو توحيد الطلب و القصد: مثل ما تضمنته سورة (قل يا أيها الكافرون) ، (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم) و أول سورة (تنزيل الكتاب) و آجرها و أول سورة (يونس) و أوسطها و آخرها و أول سورة (الأعراف) و آخرها و جملة سورة (الأنعام) ثم يقول بعد ذلك :
( وغالب سور القرآن متضمنة لنوعى التوحيد . بل كل سورة فى القرآن . فإن القرآن إما خبر عن الله و أسمائه و صفاته . وهو التوحيد العلمي الخبري. و إما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه . فهو التوحيد الإرادي الطلبي .
وإما أمر ونهى وإلزام بطاعته . فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته . وإما خبر عن إكرامه لأهل توحيده وما فعل بهم فى الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة : وهو جزاء توحيده .
وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من التكال وما فعل بهم في الآخرة وهو العقبى من العذاب .فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد .
فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه . وفى شأن الشرك وأهله وجزائهم .)
وواضح أن هذا التقسيم الذي ذكره شارح الطحاوية إنما هو باعتبار ما يجب على الموحد . فأحيانا يطلب منه مجرد العلم و المعرفة بعقيدة التوحيد. و أحيانا يطلب منه توجيه القصد و الإرادة وإخلاص العبادة لله . أما تقسيم التوحيد باعتبار متعلقة. فيذكره فى مكان آخر حيث يقول : (فإن التوحيد يتضمن ثلاثة أنواع:
(1) أحدها الكلام في الصفات.
(2) والثاني توحيد الربوبية وبيان أن الله وحده خالق كل شئ.
(3) والثالث توحيد الإلهية وهو استحقاقه أن يعبد وحده لا شريك له.
وأرى واجبا الآن أن أخص كل واحد من هذه الأنواع ببحث يجلى غامضه ويحدد مفهومه. ثم آخذ بعد ذلك فى بيان علاقة كل منها بالآخر.
shock drop air force 1 full uv reactive | nike air max 2007 junior pink and white background - 401 – Ietp - New Air Jordan 1 High OG OSB DIAN Blue Chill Sorrowful CD0463