لا يشك عاقل في أن عقيدة التوحيد هي الفطرة الإنسانية العامة التي فطر الله الناس عليها ، وأن هذه الفطرة إذا استقامت ولم تفسد بعوامل الهوى والتقليد والعصبية ، فإنها تكون موجهة للنفس إلى الترقي في مدارج الكمال ، حافزة لها على التحلي بخصال الخير كلها والتنزه من رذائل الأخلاق ومكروه الأعمال .
فعقيدة التوحيد إذا صحت كانت مركز إشعاع يضئ جوانب النفس فيطهرها من الأوهام والخرافات وينزهها عن الملكات السيئة التي تلازم تلك الأوهام ، فتتخلص بتلك الطهارة من الاختلاف في المعبودين وعيهم ، ويرتفع شأن الإنسان وتسمو قيمته بما يصير إليه من الكرامة ، بحيث لا يخضع لأحد إلا لخالق السماوات والأرض و قاهر الناس أجمعين .
يقول الإمام محمد عبده رحمه الله في إعلاء التوحيد لشأن الفرد (تجلت بذلك للإنسان نفسه حرة كريمة ، وأطلقت إرادته من القيود التي كانت تعقدها بإرادة غيره ، سواء كانت إرادة بشرية ظن أنها شعبة من الإرادة الإلهية وأنها هي كإرادة الرؤساء والمسيطرين ، أو إرادة موهومة اخترعها الخيال ، كما يظن في القبور والأحجار والأشجار والكواكب ونحوها .
وافتكت عزيمته من أسر الوسطاء والشفعاء والمتكهنة والعرفاء وزعماء السيطرة على الأسرار ومنتحلي حق الولاية على أعمال العبد فيما بينه وبين الله ، الزاعمين أنهم واسطة النجاة وبأيديهم الإشفاء والإسعاد ، وبالجملة فقد اعتق روحه من العبودية للمحتالين والدجالين وصار الإنسان بالتوحيد عبدا لله خاصة حرا من العبودية لكل ما سواه ، فكان له من الحق ما للحر على الحر ، لا في الحق ولا وضيع ولا سافل ولا رفيع ، ولا تفاوت بين الناس إلا بتفاوت أعمالهم ولا تفاضل إلا بتفاضلهم في عقلهم ومعارفهم ولا يقربهم من الله إلا طهارة العقل من دنس الوهم وخلوص العمل من العوج والرياء ، ثم بهذا خلصت أموال الكاسيين وتمحض الحق فيها للفقراء والمساكين والمصالح العامة ، وكفت عنها أيدي العالة وأهل البطالة ، ممن كان يزعم الحق فيها بصفته ورتبته لا بعمله وخدمته .
آثار الشرك ومفاسده
أعجبتني كلمة لبعض الباحثين في هذا الصدد أثبتها هنا بنصها ، يقول ( إن أكبر الكبائر الإشراك بالله تعالى ، ذلك لأن الشرك ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض ، وحجب متلاطمة لا يقر لها قرار ، فهو يجعل الإنسان عبد للمخلوق ، وهو لا يعبد المخلوق إلا جلبا لفائدة ودفعا لضرر ، فهو فى الواقع عبد لمصلحته ، وبالتالي هو عبد لنفسه ، وعبادة النفس معناها أن الشخص غير صالح ليكون عضوا كريما عاملا على الرقى بالجماعة الإنسانية محققا لسعادتها .
بل هو على الضد من ذلك يكون عدوا للإنسانية هادما لأركانها ساعيا فى شقائها دون أن يدرى .
إذ أن الشرك يقلب الأوضاع ، فيجعل الحق باطلا والباطل حقا والخالق مخلوقا والمخلوق خالقا ، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن تبنى قواعد الجماعات على أسس سليمة ، ذلك أن العلاقات الإنسانية تكون مبنية على مستلزمات الشرك وهى الجشع والتربص والحقد وسفك الدماء والعدوان والاستبعاد والإذلال .
كل ذلك يؤدى إلى انفراط نظام العقد الإنساني الذي يتحول إلى فوضى لا ضابط لها ، يسودها الخوف ويخيم عليها القلق ، وتتخللها الحروب التي لا تنتهي والتي تسببها الإطماع التي لا تنتهي ، وحينئذ تصبح الحياة شقاء لا سعادة فيه وجحيما لا يطاق يعذب فيه البشر بعضهم بعضا )
LTB - JuzsportsShops | Air Jordan Sneakers