الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد ، فقد ذكر الأزرقي في أخبار مكة في باب ما جاء في ذكر بناء قريش الكعبة في الجاهلية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بمحو الصور التي في الكعبة سوى صورة مريم وعيسى عليهما السلام . وروى الأزرقي ذلك بأربعة أسانيد كلها ضعيفة فلا يغتر بها ولا يعتمد على شيء منها .
الإسناد الأول
قال حدثني جدي قال حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال جلس رجال من قريش في المسجد الحرام - فذكر خبرا طويلا في بناء الكعبة وقال في آخره - وجعلوا في دعائمها صور الأنبياء وصور الشجر وصور الملائكة فكان فيها صورة إبراهيم خليل الرحمن شيخ يستقسم بالأزلام وصورة عيسى ابن مريم وأمه وصور الملائكة عليهم السلام أجمعين . فلما كان يوم فتح مكة دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت فأرسل الفضل بن العباس بن عبد المطلب فجاء بماء زمزم ثم أمر بثوب مبتل بالماء وأمر بطمس تلك الصور فطمست . قال ووضع كفيه على صورة عيسى ابن مريم وأمه عليهما السلام وقال: " امحوا جميع الصور إلا ما كانت تحت يدي " فرفع يديه عن عيسى ابن مريم وأمه .
(الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 272)
الإسناد الثاني: قال وحدثني جدي قال حدثنا داود بن عبد الرحمن قال أخبرني بعض الحجبة عن مسافع بن شيبة بن عثمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يا شيبة امح كل صورة فيه إلا ما تحت يدي ، قال فرفع يده عن عيسى ابن مريم وأمه .
الإسناد الثالث: قال حدثني جدي عن سعيد بن سالم قال حدثنا يزيد بن عياض بن جعدبة عن ابن شهاب صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3173),سنن أبو داود المناسك (2027). أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة يوم الفتح وفيها صور الملائكة وغيرها فرأى صورة إبراهيم فقال قاتلهم الله جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام ثم رأى صورة مريم فوضع يده عليها وقال امحوا ما فيها من الصور إلا صورة مريم .
الإسناد الرابع: قال أخبرني محمد بن يحيى عن الثقة عنده عن ابن اسحاق عن حكيم بن عباد بن حنيف وغيره من أهل العلم أن قريشا كانت قد جعلت في الكعبة صورا فيها عيسى ابن مريم ومريم عليهما السلام قال ابن شهاب قالت أسماء بنت شقران امرأة من غسان حجت في حاج العرب فلما رأت صورة مريم في الكعبة قالت بأبي وأمي إنك لعربية فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمحو تلك الصور إلا ما كان من صورة عيسى ومريم .
وهذه الأخبار مردودة من وجوه: الأول ضعف أسانيدها .
* أما الخبر الأول فإنه منقطع لأن أبا نجيح لم يدرك زمن الجاهلية ولا زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما أدرك آخر زمن الصحابة رضي الله عنهم ، والمنقطع لا يثبت به شيء ، وأيضا ففي إسناده مسلم بن خالد الزنجي وقد وثقه ابن معين وضعفه أبو داود وقال أبو حاتم : إمام في الفقه تعرف وتنكر ليس بذاك القوي يكتب حديثه ولا يحتج به ، وقال النسائي : ليس بالقوي . وهذا مما يزيد الخبر وهنا على وهنه .
* وأما الخبر الثاني فإنه أضعف مما قبله لأمرين أحدهما أنه مرسل والمرسل ليس بحجة ، الثاني أن في إسناده رجلا لم يسم ومثل هذا لا يثبت به شيء . وقد ذكره البخاري في التاريخ الكبير بدون ذكر الزيادة الباطلة فقال في ترجمة مسافع بن عبد الله عن شيبة بن عثمان قال قال رسول - صلى الله عليه وسلم - " يا شيبة امح كل صورة في البيت .
* وأما الخبر الثالث فإنه أضعف مما قبله لأمرين أحدهما أنه مرسل ، والثاني أن في إسناده يزيد بن عياض بن جعدبة بضم الجيم والدال بينهما مهملة ساكنة ، قال الذهبي في الميزان قال البخاري وغيره: منكر الحديث ، وقال يحيى ، ليس بثقة ، وقال علي : ضعيف ، ورماه مالك بالكذب ، وقال النسائي وغيره: متروك ، وقال الدارقطني : ضعيف ، وروى عباس عن يحيى : ليس بثقة ضعيف ، وروى يزيد بن الهيثم عن ابن معين : كان يكذب ، وروى أحمد بن أبي مريم عن ابن معين : ليس بشيء لا يكتب حديثه .
* وأما الخبر الرابع : فإنه ضعيف جدا لأمرين أحدهما أنه منقطع ، والثاني أن فيه رجلا لم يسم ، ومثل هذا لا يثبت به شيء .
(الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 273)
الوجه الثاني:
أنه يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يمحو الصور التي في الكعبة وأنه - صلى الله عليه وسلم - دخلها وما فيها شيء من الصور ، قال الإمام أحمد حدثنا روح - وهو ابن عبادة القيسي - حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول سنن الترمذي اللباس (1749),سنن أبو داود اللباس (4156),مسند أحمد بن حنبل (3/383). إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عمر بن الخطاب يوم الفتح وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها ولم يدخل البيت حتى محيت كل صورة فيه إسناده صحيح على شرط الشيخين .
* وقال الإمام أحمد أيضا حدثنا عبد الله بن الحارث - وهو ابن عبد الملك المخزومي - عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يزعم سنن الترمذي اللباس (1749),سنن أبو داود اللباس (4156),مسند أحمد بن حنبل (3/335). أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصور في البيت ونهى الرجل أن يصنع ذلك وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سنن الترمذي اللباس (1749),سنن أبو داود اللباس (4156),مسند أحمد بن حنبل (3/335). أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه زمن الفتح وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها ولم يدخل البيت حتى محيت كل صورة فيه إسناده صحيح على شرط مسلم ، وقد رواه الإمام أحمد أيضا بإسنادين أحدهما صحيح والآخر حسن ، ورواه أبو داود في سننه والبيهقي من طريقه وإسناده حسن ، وفي هذا الحديث رد لما جاء في الأخبار الأربعة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بمحو الصور التي في الكعبة ولم يستثن شيئا منها وفي هذا أبلغ رد على من زعم أنه - صلى الله عليه وسلم - وضع كفيه على صورة مريم وعيسى وأمر بإبقائها ومحو ما سواها .
* وأيضا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها وفي هذا رد على ما جاء في خبر أبي نجيح أنه - صلى الله عليه وسلم - أرسل الفضل بن العباس فجاء بماء زمزم ."
نشر بمجلة البحوث الاسلامية التابعة للرئاسة العامة للبحوث العلمية و الافتاء و الدعوة و الارشاد بالمملكة العربية السعودية
nike-dunk-low-coast-uncl | air force purple heart , Giftofvision