نظرة سيد قطب إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

نظرة سيد قطب

 

  إلى أصحاب رسول الله

 

تلخيص : الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه باطنـًا وظاهرًا ووالى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم باطنـًا وظاهرًا وذبّ عنهم ابتغاء رضاه .

أما بعد :

فإن لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم منزلةً عظيمة ومكانة رفيعة قرّرها الله تبارك وتعالى في كتبه التي أنزلها الله لهداية البشر وعلى ألسنة رسله الذين كلّفوا بتبليغ تلك الرسالات المتضمنة لهذه الهداية .

قال الله : { محمدٌ رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينَهم تراهم ركّعـًا سجّدًا يبتغون فضلاً من الله ورضوانـًا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزرّاع لغيظ بهم الكفّار } [ الفتح : 29 ] .

وقال في حقهم : { لا يستوي منكم مَن أنفقَ من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظمُ درجةً من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاًّ وعد الله الحسنى ... } [ الحديد : 10 ] .

وقال تعالى : { كنتم خيرَ أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } [ آل عمران : 110 ] .

وقال تعالى : { وكذلك جعلناكم أمةً وسطـًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا ... } [ سورة البقرة : 143 ] .

وقال تعالى : { والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم
بإحسانٍ رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جناتٍ تجري تحتها الأنهار ... } [ التوبة : 100 ] .

 

وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم عاطر الثناء؛ فقال صلى الله عليه وسلم : ((خير الناس : قرني، ثم الذين يَلُونَهم، ثم الذين يَلُونهم ...)) الحديث .

وقال صلى الله عليه وسلم : ((لا تسبُّوا أصحابي؛ فو الذي نفسي بيدِه لو أنفقَ أحدُكم مثلَ أُحُدٌ ذهبـًا ما بَلَغَ مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفَه)) .

ولقد وعي أسلافنا الصالحون هذه الحقائق الكبيرة، وهذه المنزلة العظيمة لهؤلاء الأخيار؛ سادة هذه الأمة وقادتها وأئمتها في العلم، والجهاد، والعبادة، والأخلاق، والصدق في كل شأنٍ في الأخبار وتبليغ هذا الدين، والعمل به، والدعوة إليه، والجهاد في نشره وإعلائه على الأديان كلها .

وعى أسلافُنا الصالحون هذه الحقائق والمنازل الرفيعة لهؤلاء الأمجاد الأكرمين،
واستقرّ هذا الوعي في قلوبهم؛ فدانوا به، وربّوا الأمةَ عليه، وألّفوا في فضائل هؤلاء الصحب الكرام المؤلفات .

وتلقّى ذلك عنهم الأجيالُ جيلاً بعد جيل، لا يخالفهم في هذا المنهج إلاّ من خذله الله، فلم يرفع رأسـًا بما قرّره القرآن والكتب قبله، ولا بما قرّره الرسول صلى الله عليه وسلم  ثم خيار أمته .

ولإيماننا بهذه المنزلة الرفيعة لهؤلاء السادة الأخيار سادة الأمة رأينا أن حتمـًا علينا أن نشيد بفضلهم وبمكانتهم، وأن نذبّ عن حياضهم، ونحمي أعراضهم، وأن نفديهم بمهجنا وأعراضنا وأموالنا رخيصة لا نخشى في الله لومة لائم .

ونرى أنّ حبهم وولاءهم أصلٌ عظيم من أصول دين الله، وأنّ بغضهم والطعن في دينهم وعدالتهم كفر كما قرّر ذلك علماء الإسلام؛ لأن الطعنَ في دينهم وعدالتهم طعنٌ فيمن بلغنا ديننا قرآنـًا وسنة .

فعلى من يحامي عن من طعن فيهم أن يعيَ هذه الحقائق ويحسب لهذا الأمر العظيم ألفَ حساب، وأن يفكّر أين يضع قدمَه في الإسلام قبل أن يخوض في الدفاع عن من يطعن في هؤلاء المختارين لصحبة أفضل الرسل وتبليغ هذا الدين العظيم .

وعليه أن يدرك خطورة هذا الأمر وصعوبته وعليه أن يرفض التيريرات والتأويلات الباطلة وعلى الأمة جمعاء خاصة شبابها أن يدركوا ذلك .

وفي الصحائف التالية سردٌ أمينٌ لِمَا سجّله سيد قطب في كتابه ((العدالة الاجتماعية في الإسلام))، و ((كتب وشخصيات)) من طعون لا يطيقُها مَن شمّ رائحةَ الإسلام، ولا من في قلبِه شيءٌ من الاحترام لهؤلاء الصحْب الكرام .

في كتاب ((العدالة)) الذي استمرَّ مؤلفه في طبعه والاعتداد به إلى أن مات، واستمرّ أولياؤه وأنصاره في نشره بدون أيّ مبالاة إلى يومِنا هذا؛ فأين المسلمون ؟، وكيف ينامون تجاه هذا الهوان الذي نزل بأصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم منذ ألَّف هذا الكتاب من قبل خمسين عامـًا إلى يومنا هذا ؟، وأين شباب الإسلام بوجهٍ خاص وأخص .

كيف تحمى الأنوف لمن يهين كرامة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا تحمى تلك الأنوف لأصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم !!؟ .

أيا معشر المسلمين والعلماء وطلاّب العلم شيبـًا وشبابـًا كيف يستمرّ هذا المنكر الفظيع عقودًا من السنين، يروَّجُ له في أوساطكم بكل هدوء وطمأنينة، ويحاط مرتكبُه بالإجلال والتعظيم والتفخيم !!؟؟ .

اللهم إني أتقرّبُ إليك بحب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والغيرة الإسلامية لهم، وأتقربُ إليك بالبراءة ممن يطعنُ فيهم، واغفر لي التقصير في حقّك وحقّهم، ووفِّق المسلمين للقيام بحقوقك وحقوقهم . إنك سميعٌ بصير، وعلى كلِّ شيءٍ قدير .

إساءات عديدة وجّهها سيّد قطب ضد عثمان منها ما يتعلّق بشخصيّته ومنها ما يطعن في عدالته وحكمه

كإغداق الأموال والولايات على أقاربه وكلّها باطلة ظالمة

 

   قال سيّد قطب في كتابه "العدالة الاجتماعيّة"[ص159]: "هذا التّصوّر لحقيقة الحكم قد تغيّر شيئًا ما دون شكّ على عهد عثمان - وإن بقي في سياج الإسلام - لقد أدركت الخلافة عثمان وهو شيخ كبير. ومن ورائه مروان بن الحكم يصرّف الأمر بكثير من الانحراف عن الإسلام.كما أنّ طبيعة عثمان الرّخيّة، وحدبه الشّديد على أهله، قد ساهم كلاهما في صدور تصرّفات أنكرها الكثيرون من الصّحابة من حوله، وكانت لها معقبات كثيرة، وآثار في الفتنة التي عانى الإسلام منها كثيرًا.

   منح عثمان من بيت المال زوج ابنته الحارث بن الحكم يوم عرسه مئتي ألف درهم. فلمّا أصبح الصّباح جاءه زيد بن أرقم خازن مال المسلمين، وقد بدا في وجهه الحزن وترقرقت في عينه الدّموع، فسأله أن يعفيه من عمله؛ ولما علم منه السّبب وعرف أنّه عطيته لصهره من مال المسلمين، قال مستغربًا: "أتبكي يا ابن أرقم أن وصلت رحمي؟" فردّ الرجل الّذي يستشعر روح الإسلام المرهف: "لا يا أمير المؤمنين. ولكن أبكي لأنّي أظنّك أخذت هذا المال عوضًا عمّا كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله. والله لو أعطيته مئة درهم لكان كثيرًا!" فغضب عثمان على الرّجل الّذي لا يطيق ضميره هذه التّوسعة من مال المسلمين على أقارب خليفة المسلمين وقال له: "ألقِ المفاتيح يا ابن أرقم فإنّا سنجد غيرك"!

   والأمثلة كثيرة في سيرة عثمان على هذه التّوسعات؛ فقد منح الزّبير ذات يوم ستمائة ألف، ومنح طلحة مائتي ألف، ونفّل مروان بن الحكم خمس خراج إفريقية. ولقد عاتبه في ذلك ناس من الصّحابة عل رأسهم علي بن أبي طالب، فأجاب: "إنّ لي قرابة ورحمًا" فأنكروا عليه وسألوه: "فما كان لأبي بكر وعمر قرابة ورحم؟" فقال: "إنّ أبا بكر وعمر كان يحتسبان في منع قرابتهما، وأنا أحتسب في إعطاء قرابتي" فقاموا عنه غاضبين يقولون: "فهديهما والله أحب إلينا من هديك"

   وغير المال كانت الولايات تغدق على الولاة من قرابة عثمان. وفيهم معاوية الّذي وسع عليه في الملك فضمّ إليه فلسطين وحمص؛ وجمع له قيادة الأجناد الأربعة ومهد له بعد ذلك أن يطلب الملك في خلافة علي وقد جمع المال والأجناد. وفيهم الحكم بن العاص طريد رسول الله الّذي آواه عثمان وجعل ابنه مروان بن الحكم وزيره المتصرّف. وفيهم عبد الله بن سعد بن أبي السّرح أخوه من الرّضاعة…الخ" اهـ كلامه.

ونقول: إنّه لا يثبت شيء من هذه الدعاوى الظالمة.

 

الثّورة على عثمان فورة من روح الإسلام ويلعب به مروان وصار عثمان سيقة لمروان يسوقه حيث شاء

 

 

وقال أيضًا في[ص160- 161]: " وأخيرًا ثارت الثّائرة على عثمان، واختلط فيها الحق والباطل، والخير والشّر. ولكن لابد لمن ينظر إلى الأمور بعين الإسلام، ويستشعر الأمور بروح الإسلام، أن يقرر أنّ تلك الثّورة في عمومها كانت فورة من روح الإسلام؛ وذلك دون إغفال لما كان وراءها من كيد اليهودي ابن سبأ عليه لعنة الله!

   واعتذارنا لعثمان رضي الله عنه: أنّ الخلافة قد جاءت إليه متأخرة، فكانت العصبة الأمويّة حولـه وهو يدلف إلى الثّمانين، فكان موقفه كما وصفه صاحبه علي بن أبي طالب: "إنّي إن قعدت في بيتي قال: تركتني وقرابتي وحقي؛ وإن تكلّمت فجاء ما يريد، يلعب به مروان، فصار سيقة له يسوقه حيث شاء، بعد كبر سنّه وصحبته لرسول الله  r " اهـ

هؤلاء الثوار الذين يمدحهم سيد قطب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أنهم منافقون فبكلام من نأخذ؟

 

اتهام عثمان بأنّه باكر الدين الناشيء بالتمكين منه للعصبة الأمويّة

 

وقال أيضاً[ص:161]:[[ ولقد كان من جراء مباكرة الدين الناشئ بالتمكين منه للعصبة الأمويّة على يدي الخليفة الثالث في كبرته، أن تقاليده العملية لم تتأصل على أسس من تعاليمه النظريّة لفترة أطول.

وقد نشأ عن عهد عثمان الطويل في الخلافة أن تنمو السلطة الأمويّة ويستفحل أمرها في الشام وفي غير الشام؛ وأن تتضخم الثروات نتيجة لسياسة عثمان[ كما سيجيء] وأن تخلخل الثورة على عثمان بناء الأمّة الإسلاميّة في وقت مبكّر شديد التبكير.

ومع كل ما يحمله تاريخ هذه الفترة وأحداثها من أمجاد لهذا الدين، تكشف عن نقلة بعيدة جداً في تصوّر الناس للحياة والحكم، وحقوق الأمراء وحقوق الرعيّة، إلا أن الفتنة التي وقعت لا يمكن التقليل من خطرها وآثارها البعيدة المدى]].

 

خلّف عثمان الدولة الأمويّة قائمة بالفعل بفضل ما مكّن لها في الأرض بتمكينه

 

للمبادئ الأمويّة المجافية لروح الإسلام

 

قال سيد قطب[ص:161]:

[[ مضى عثمان إلى رحمة ربه، وقد خلف الدولة الأموية قائمة بالفعل بفضل ما مكن لها في الأرض، وبخاصة في الشام، وبفضل ما مكن للمبادئ الأموية المجافية لروح الإسلام، من إقامة الملك الوراثي والاستئثار بالمغانم والأموال والمنافع، مما أحدث خلخلة في الروح الإسلامي العام. وليس بالقليل ما يشيع في نفس  الرعية ـ إن حقاً وإن باطلا ـ أن الخليفة يؤثر أهله، ويمنحهم مئات الألوف ؛

ويعزل أصحاب رسول الله ليولي أعداء رسول الله ؛ ويبعد مثل أبي ذر لأنه أنكر كنـز الأموال، وأنكر الترف الذي يخب فيه الأثرياء، ودعا إلى مثل ما كان يدعو إليه الرسول ـ r ـ من الإنفاق والبر والتعفف.. فإن النتيجة الطبيعية لشيوع مثل هذه الأفكار، إن حقاً وإن باطلا، أن تثور النفوس، وأن تنحل نفوس.

تثور الذين أشربت نفوسهم روح الدين إنكاراً وتأثما، وتنحل نفوس الذين لبسوا الإسلام رداء، ولم تخالط بشاشته قلوبهم، والذين تجرفهم مطامع الدنيا، ويرون الانحدار مع التيار. وهذا كله قد كان في أواخر عهد عثمان]].

 

غلوه في علي وتصديقه لروايات سخيفة وزعمه أن عليا يرد للحكم صورته كما

 

 

صاغها النبي r والخليفتين بعده، أي أن عثمان هدم أو شوه صورة الحكم

 

قال سيد قطب[ص:161-162]:

[[جاء علي – كرّم الله وجهه – لم يكن من اليسر أن يرد الأمر إلى نصابه في هوادة وقد علم المستنفعون على عهد عثمان وبخاصة من أمية أن عليا لن يسكت عليهم فانحازوا بطبيعتهم إلى معاوية وبمصالحهم إلى معاوية جاء علي ليرد التصور الإسلامي للحكم إلى نفوس الحكام ونفوس الناس. جاء ليأكل الشعير تطحنه امرأته بيديها، ويختم هو على جراب الشعير ويقول :

[[ لا أحب أن يدخل بطني إلا ما أعلم]]. وربما باع سيفه ليشتري بثمنه الكساء والطعام، وكره أن ينـزل القصر الأبيض بالكوفة مؤثراً عليه الخصاص التي يسكنها الفقراء. جاء ليعيش كما روى عنه النضر ابن منصور عن عقبة بن علقمة قال:

دخلت على علي عليه السلام، فإذا بين يديه لبن حامض، آذتني حموضته، وكسر يابسة. فقلت :[[ يا أمير المؤمنين ! أتأكل مثل هذا ؟ فقال لي : يا أبا الجنوب ! كان رسول الله يأكل أيبس من هذا ويلبس أخشن من هذا ـ وأشار إلى ثيابه ـ فإن لم آخذ بما أخذ به خفت أن لا ألحق به]]. أو كما روى عنه هارون بن عنترة عن أبيه قال: دخلت على علي بالخور نق، وهو فصل شتاء وعليه خلق قطيفة، وهو يرعد فيه. فقلت يا أمير المؤمنين ! إن الله قد جعل لك ولأهلك في هذا المال نصيباً، وأنت تفعل هذا بنفسك ؟ فقال:[[ والله ما أرزؤكم شيئا، وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من المدينة]].

وما يصنع عليٌ هذا بنفسه وأهله، وهو يجهل أن الدين يبيح لـه فوق ما يصنع، وانه لا يحتم التزهد والحرمان والشظف، وأن حظه من بيت المال في ذلك الحين كفرد من المسلمين يبلغ أضعاف ما يأخذ، وأن راتبه كأمير المؤمنين يؤدي خدمة عامة، أكبر من هذا لوشاء أن يأخذ مثلما خصصه عمر لبعض ولاته على الأقاليم، إذ قدر لعمار بن ياسر حين ولاه الكوفة ستمائة درهم في الشهر له ولمساعديه، يزاد عليها عطاؤه الذي يوزع عليه كما توزع الأعطية على نظرائه، ونصف شاة ونصف جريب من الدقيق ؛ كما قدر لعبد الله بن مسعود مئة درهم وربع شاة لتعليمه الناس بالكوفة وقيامه على بيت المال فيها، ولعثمان ابن حنيف مائة وخمسين درهماً وربع شاة في اليوم مع عطائه السنوي وهو خمسة آلاف درهم…

ما يصنع عليّ بنفسه ما صنع وهو يجهل هذا كله. إنما كان يعلم أن الحاكم مظنّة وقدوة. مظنّة التبحبح بالمال العام إذ كان تحت سلطانه؛ وقدوة الولاة والرعيّة في التحرج والتعفف. فأخذ نفسه بعزائم أبي بكر وعمر في هذا الأمر. فالأفق الأعلى كان هو الأحرى بخلفاء رسول الله على دين الله.

وسـار علـيّ - كرم الله وجهه - في طريقه يرد للحكم صورته كما صاغها النبي r والخليفتان بعده…]]

انظر إلى هذة العقلية التي تقبل هذة الخرافات الرافضية وإلى تعليقه عليها مؤيداً لها وهي تصور علياً مع الأسف في صورة راهب غال إو صوفي محترق لقد كان لعلي الأموال والأراضي الكثيرة والزوجات والسراري والأولاد والخدم والحشم في كفره من اخوانه من أغنياء الصحابة لم يخرجوا عن حدود ما أباحه الله لهم

قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة . ( وراجع كتاب مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم ).

 

خطبة كُذبت على علي - رضي الله عنه- فيها مصادرات لكل أعطيات عثمان وفيها رمي للناس بأنهم نفعيون ودعوى لعلي أنه يرد للدين روحه التي ذهبت في عهد عثمان

 

قال سيد قطب[ ص:163-164]:

[[ ولقد كان منهاجه الذي شرعه هو ما قاله في خطبته عقب البيعة له:

" أيها الناس. إنما أنا رجل منكم، لي ما لكم، وعلي ما عليكم، وإني حاملكم على منهج نبيكم ومنفذ فيكم ما أمرت به.. ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله، فهو مردود في بيت المال. فإن الحق لا يبطله شيء. ولو وجدته قد تزوج به النساء، وملك الإماء، وفرق في البلدان لرددته. فإن في العدل سعة ومن ضاق عليه الحق فالجور عليه أضيق.

أيها الناس.. ألا لا يقولن رجال منكم غداً - قد غمرتهم الدنيا فامتلكوا العقار وفجروا الأنهار، وركبوا الخيل، واتخذوا الوصائف المرققة - إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأصرتهم إلى الحقوق التي يعلمون:[[حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا]]. ألا وأيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله يرى أن الفضل له على سواه بصحبته، فإن الفضل غداً عند الله وثوابه وأجره على الله. ألا وأيما رجل استجاب لله ولرسوله، فصدق ملتنا ودخل ديننا واستقبل قبلتنا، فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده، فأنتم عباد الله والمال مال الله، يقسم بينكم بالسوية ولا فضل فيه لأحد على أحد، وللمتقين عند الله أحسن الجزاء".

ولقد كان من الطبيعي ألا يرضى المستنفعون عن علي، وألا يقنع بشرعة المساواة من اعتادوا التفضيل، ومن مردوا على الاستئثار. فانحاز هؤلاء في النهاية إلى المعسكر الآخر: معسكر أمية، حيث يجدون فيه تحقيقاً لأطماعهم، على حساب العدل والحق اللذين يصر عليهما علي - رضي الله عنه- هذا الإصرار!

والذين يرون في معاوية دهاء وبراعة لا يرونهما في علي، ويعزون إليهما غلبة معاوية في النهاية، إنما يخطئون تقدير الظروف، كما يخطئون فهم علي وواجبه. لقد كان واجب علي الأول والأخير، أن يرد للتقاليد الإسلامية قوتها، وأن يرد إلى الدين روحه، وأن يجلو الغاشية التي غشت هذا الروح على أيدي بني أمية في كبرة عثمان. ولو جارى وسائل بني أمية في المعركة لبطلت مهمته الحقيقية؛ ولما مان لظفره بالخلافة خالصة من قيمة في حياة هذا الدين. إن علياً إما أن يكون علياً أو فلتذهب الخلافة عنه، بل فلتذهب حياته معها. وهذا هو الفهم الصحيح الذي لم يغب عنه - كرم الله وجهه -وهو يقول - فيما روي عنه إن صحت الرواية -:[[والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر. ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس]].

 

حديث ظالم عن عهد بني أمية وبني العباس على طريقة الروافض والخوارج

 

        وقال ص164ـ 165 :

   (( ومضى علي إلى رحمة ربه وجاء بنو أمية.

  فلإن كان إيمان عثمان وورعه ورقته، كانت تقف حاجزاً أمام بني أمية.. لقد انهار هذا الحاجز.. وانفتح الطريق للانحراف.

   لقد اتسعت رقعة الإسلام فيما بعد، ولكن روحه انحسرت بلا جدال. ولولا قوة كامنة في طبيعة هذا الدين، وفيض عارم في طاقته الروحية، لكانت أيام أمية كفيلة بتغيير مجراه الأصيل.ولكن روحه ظلت تقاوم وتغالب وما تزال فيها الطاقة الكامنة للغلب والانتصار.

   غير أنه منذ أمية انساحت حدود بيت مال المسلمين، فصار نهباً مباحاً للملوك والحاشية والمتملقين، وتخلخلت قواعد العدل الإسلامي الصارم، فأصبح للطبقة الحاكمة امتيازات ولأذيالها منافع ولحاشيتها رسوم، وانقلبت الخلافة ملكاً وملكاً عضوضاً، كما قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في وثبة من وثبات الاستشفاف الروحي العميق .

    وعدنا نسمع عن الهبات للمتملقين والملهين والمطربين، فيهب أحد ملوك أمية اثني عشر ألف دينار لمعبد، ويهب هارون الرشيد ـ من ملوك العباسيين ـ إسماعيل بن جامع المغني في صوت واحد أربعة آلاف دينار، ومنزلاً نفيس الأثاث والرياش.. وتنطلق الموجة في طريقها لا تقف إلا فترة بين الحين والحين.

     ولا بد أن نذكر هنا عهد عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ فقد كان بقية من عهد الخلافة، وإشعاعة مضيئة تنير الطريق. لقد بدأ عهده برد الحكم المغصوب إلى صاحب الحق الأول فيه :إلى الأمة المسلمة، التي  يجب أن تختار إمامها حرة طائعة مختارة، لا بقوة الجند، ولا بسلطان الوراثة... صعد المنبر فقال :

   " أيها الناس. إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين. وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم " فصاح الناس قد اخترناك يا أمير المؤمنين، ورضينا بك، فل الأمر باليمن والبركة.

   وبذلك رد الأمر إلى نصابه في ولاية الأمر، فلا ولاية بغير شورى ورضى وقبول.

    عندئذٍ خطب الناس فقال  :" أيها الناس . إنه قد كان قبلي ولاة تجترون مودتهم بأن تدفعوا بذلك ظلمهم عنكم. ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له. أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.. ".

   وحينما باشر سلطته بدأ برد المظالم، مبتدئاً بنفسه)).

ثم ساق روايات لا تثبت ومنشئوها والله أعلم الروافض.

 

سرده لخطب منسوبة كذباً لمعاوية والمنصور لا يصدقها إلا الروافض وأمثالهم .

 

 قال سيد في ص 167 ـ 168 )) وإذا كنا لا نؤرخ هنا للدولة الإسلامية، ولكن الروح

 

الإسلامي في الحكم، فإننا نكتفي في إبراز مظاهر التحول والإنحسار بإثبات ثلاث خطب من

 

عهد الملوك. وبموازنتها بالخطب الثلاث التي سبقت في عهد الخلفاء يتبين الفارق العميق.

 

  خطب معاوية في أهل الكوفة بعد الصلح فقال : " يا أهل الكوفة ! أتراني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج، وقد علمت أنكم تصلون، وتزكون وتحجون ؟ ولكني قاتلتكم لأتأمرعليكم وعلى رقابكم، وقد آتاني الله  ذلك، وأنتم كارهون. ألا إن كل مال أو دم أصيب في هذه الفتنة فمطلول، وكل شرط شرطته، فتحت قدمي هاتين ".

   وخطب كذلك في أهل المدينة فقال :

 

" أما بعد، فإني والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم، ولا مسرة بولايتي. ولكني جالدتكم بسيفي هذا مجالدة. ولقد رضت لكم  نفسي  على عمل ابن أبي قحافة، وأردتها على عمل عمر، فنفرت نفاراً شديداً، وأردتها على سنيات عثمان، فأبت على، فسلكت بها طريقاً لي ولكم فيه منفعة، مؤاكلة حسنة، ومشاربة جميلة، فإن لم تجدوني خيركم، فإني خير لكم ولاية... "

   وخطب المنصور العباسي ـ وقد فعلت الموجة الأموية فعلها في تصور الحكم حتى انتهت به أيام العباسيين إلى نظرية الحق الإلهي المقدس التي لا يعرفها الإسلام فقال : " أيها الناس : إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتأييده، وحارسه على ماله، أعمل فيه بمشيئته وإرادته، وأعطيه بإذنه فقد جعلني الله عليه قفلاً، إن شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم وقسم أرزاقكم، وإن شاء أن يقفلني عليه أقفلني " !

    وبذلك خرجت سياسة الحكم نهائياً من دائرة الإسلام وتعاليم الإسلام.

 

 فأما سياسة المال فكانت تبعاً لسياسة الحكم، وفرعاً عن تصور الحكام لطبيعة الحكم وطريقته، ولحق الراعي والرعية. فأما في حياة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـوصاحبيه وفي خلافة علي بن أبي طالب،فكانت النظرة السائدة هي النظرة الإسلامية : وهي أن المال العام مال الجماعة، ولا حق للحاكم بنفسه أو بقرابته أن يأخذ منه شيئاً إلا بحقه، ولا أن يعطي أحداً منه إلا بقدر ما يستحق، شأنه شأن الآخرين. وأما حين انحرف هذا التصور قليلاً في عهد عثمان، فقد بقيت للناس حقوقهم، وفهم الخليفة أنه في حل ـ وقد اتسع المال عن المقررات للناس ـ أن يطلق فيه يده يبر أهله ومن يرى من غيرهم حسب تقديره.

   وأما حين صارالحكم إلى الملك العضوض فقد انهارت الحدود والقيود، وأصبح الحاكم مطلق اليد في المنع والمنح، بالحق في أحيان قليلة وبالباطل في سائر الأحيان. واتسع مال المسلمين لترف الحكام وأبنائهم وحاشيتهم ومملقيهم إلى غير حد , وخرج الحكام بذلك نهائياً من كل حدود الإسلام في المال)).

 

غلوه في علي وإسقاطه لخلافة عثمان وأنها كانت فجوة بين الخليفتين قبله وعلي بعده :

 

 

  قال سيد في (ص 172 ـ 173 ):

  ((هما رأيان إذن في تقسيم المال. رأي أبي بكر ورأي عمر. وقد كان لرأي عمر ـ رضي الله عنه ـ سنده : " لا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه "  و.... " فالرجل وبلاؤه في الإسلام.... " ولهذا الرأي أصل في الإسلام وهو التعادل بين الجهد والجزاء وكان لرأي أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ سنده كذلك : " إنما أسلموا لله وعليه أجرهم، يوفيهم ذلك يوم القيامة، وإنما هذه الدنيا بلاغ " ولكننا لا نتردد في اختيار رأي أبي بكر  إذ كان أقمن أن يحقق المساواة بين المسلمين ـ وهي أصل كبير من أصول هذا الدين ـ وأحرى أن لا ينتج النتائج الخطرة التي نتجت عن هذا التفاوت، من تضخم ثروات فريق من الناس، وتزايد هذا التضخم عاماً بعد عام بالاستثمار ـ والمعروف اقتصادياً أن زيادة الربح تتناسب إلىحد بعيد مع زيادة رأس المال ـ هذه النتائج التي رآها عمر في آخر أيام حياته، فآلى لئن جاء عليه العام ليسوين في الأعطيات، وقال قولته المشهورة : " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت من الأغنياء فضول أموالهم فرددتها على الفقراء " !

     ولكن واأسفاه ! لقد فات الأوان، وسبقت الأيام عمر، ووقعت النتائج المؤلمة التي أودت بالتوازن في المجتمع الإسلامي، كما أدت فيما بعد إلى الفتنة، بما أضيف إليها من تصرف مروان وإقرار عثمان  ! 

   رجع عمر عن رأيه في التفرقة بين المسلمين في العطاء، حينما رأى نتائجه الخطرة، إلى رأي أبي بكر. وكذلك جاء رأي علي مطابقاً لرأي الخليفة الأول ـ ونحن نميل إلى اعتبار خلافة علي ـ رضي الله عنه ـ امتداداً طبيعياً لخلافة الشيخين قبله، وأن عهد عثمان الذي تحكم فيه مروان كان فجوة بينهما ـ لذلك نتابع الحديث عن عهد علي ثم نعود للحديث عن الحالة في أيام عثمان.

    اختار علي مبدأ المساواة في العطاء، وقد نص عليه في خطبته الأولى حيث قال : " ألا وأيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله يرى أن الفضل له على سواه بصحبته، فإن الفضل غداًعند الله، وثوابه وأجره على الله. ألا وأيما رجل استجاب لله ولرسوله، فصدّق ملتنا، ودخل ديننا، واستقبل قبلتنا، فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده. فأنتم عباد الله، والمال مال الله، يقسم بينكم بالسوية، ولا فضل فيه لأحد على أحد، وللمتقين عند الله أحسن الجزاء ".

هذا هو المبدأ الإسلامي السليم الذي يتفق مع روح المساواة الإسلامية، ويكفل للمجتمع الإسلامي التوازن، فلا يدع الثروات تتضخم إلا بقدر الجهد والعمل وحدهما، لا بفضل إتاحة فرصة لا تتاح للآخرين، بوجود وفر من المال للعمل فيه أكبر مما لدى الآخرين.

   وقد كان عمر آخر أيامه على أن يفيء إلى هذا المبدأ، ولكنه عوجل فاستشهد ولم ينفذ عزيمته التي اعتزم، بل عزيمتيه : عزيمته في أن يأخذ فضول أموال الأغنياء فيردها على الفقراء، إذ كانت هذه الفضول قد نشأت ـ في الأغلب ـ من تفريقه في العطاء، وعزيمته في أن يسوي بينهم في العطاء فلا تعود هذه الفوارق إلى الظهور كما ظهرت، ولا يختل المجتمع الإسلامي كما بدأ يختل)).

 

طعنه في عثمان وافتراؤه عليه من منطلق اشتراكي وطعنه في سادة قريش :

     

 قال في ( ص: 173 )

   ((وجاء عثمان ـ رضي الله عنه ـ فلم ير أن يأخذ بالعزيمتين أو إحداهما... ترك الفضول لأصحابها فلم يردها، وترك الأعطيات كذلك على تفاوتها. ولكن هذا لم يكن كل ما كان. بل وسع أولاً على الناس في العطاء فازداد الغني غنى، وربما تبجح الفقير قليلاً، ثم جعل يمنح المنح الضخمة لمن لا تنقصهم الثروة، ثم أباح لقريش أن تضرب في الأرض تتاجر بأموالها المكدسة، فتزيدها أضعافاً مضاعفة، ثم أباح للأثرياء أن يقتنوا الضياع والدور في السواد  وغير السواد، فإذا نوع من الفوارق المالية الضخمة يسود المجتمع الإسلامي في نهاية عهده يرحمه الله.

    كان أبو بكر وكان عمر من بعده يتشددان في إمساك الجماعة من رؤوس قريش بالمدينة، لا يدعونهم يضربون في الأرض المفتوحة، احتياطاً لأن تمتد أبصار هؤلاء الرؤوس إلى المال والسلطان، حين تجتمع إليهم الأنصار بحكم قرابتهم من رسول الله، أو بحكم بلائهم في الإسلام وسابقتهم في الجهاد. وما كان في هذا افتيات على الحرية الشخصية كما يفهمها الإسلام، فهذه الحرية محدودة بمصلحة الجماعة والنصح لها. فلما جاء عثمان أباح لهم أن يضربوا في الأرض.ولم يبح لهم هذا وحده بل يسر لهم وحضهم على توظيف أموالهم في الدور والضياع في الأقاليم، بعد ما آتى بعضهم من الهبات مئات الآلاف.

   لقد كان ذلك كله براً ورحمة بالمسلمين وبكبارهم خاصة. ولكنه أنشأ خطراً عظيماً لم يكن خافياً على فطنة أبي بكر، وفطنة عمر بعده. أنشأ الفوارق المالية والاجتماعية الضخمة في الجماعة الاسلامية، كما أنشأ طبقة تأتيها أرزاقها من كل مكان دون كد ولا تعب، فكان الترف الذي حاربه الإسلام بنصوصه وتوجيهاته، كما حاربه الخليفتان قبل عثمان، وحرصا على ألا يتيحاه)).

 

مدحه للثوار على عثمان وافتراؤه على أبي ذر أنه منهم وسرد خطبة ثوريةله وطعن في عثمان وبني أمية ومن يسميهم بالمترفين من كبار الصحابة :

 

   قال سيد في (ص : 174 ـ175 )

  ((عندئذٍ ثار الروح الإسلامي في نفوس بعض المسلمين، يمثلهم أشدهم حرارة وثورة أبو ذر. ذلك الصحابي الجليل الذي لم تجد هيئة الفتوى المصرية في الزمن الأخير إلا أن تخطئه في اتجاهه، وإلا أن تزعم لنفسها بصراً بالدين أكثر من بصره بدينه ! ثم عادت ـ في مناسبة أخرى ـ فأصدرت فتوى بصواب اتجاهه، عندما تغيرت الظروف الأولى ! كأن دين الله سلعة تتجر بها الهيئة في سوق الرغبات.

    قام أبو ذر ينكر على المترفين ترفهم الذي لا يعرفه الإسلام، وينكر على معاوية وأمية خاصة سياستهم التي تقر هذا الترف، وتستزيد منه، وتتمرغ فيه، وينكر على عثمان نفسه أن يهب من بيت المال المئات والألوف، فيزيد في ثراء المثرين وترف المترفين.

   علم أن عثمان أعطى مروان بن الحكم خمس خراج إفريقية، والحارث بن الحكم مائتي ألف درهم، وزيد بن ثابت مائة ألف... وما كان ضمير أبي ذر ليطيق شيئاً من ذلك كله. فانطلق يخطب في الناس :

  " لقد حدثت أعمال ما أعرفها. والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه. والله إني لأرى حقاً يطفأ، وباطلاً يحيا، وصادقاً مكذباً، وأثرة بغير تقى... يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء. وبشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاوٍ من نار، تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم... يا كانز المال اعلم أن في المال ثلاثة شركاء : القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو شرها من هلاك أو موت، والوارث ينتظر أن تضع رأسك ثم يستاقها وأنت ذميم، وأنت الثالث، إن استطعت ألا تكون أعجز الثلاثة فلا تكونن.. إن الله عز وجل يقول : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ".

  " اتخذتم ستور الحرير، ونضائد الديباج، وتألمتم الاضطجاع على الصوف الأذربي، وكان رسول الله ينام على الحصير، واختلف عليكم بألوان الطعام، وكان رسول الله لا يشبع من خبز الشعير ".

   وروى مالك بن عبد الله الزيادي عن أبي ذر : " أنه جاء يستأذن على عثمان بن عفان، فأذن له وبيده عصاه. فقال عثمان، يا كعب، إن عبد الرحمن توفي وترك مالاً، فما ترى فيه ؟ فقال : إن كان يصل فيه حق الله فلا بأس عليه. فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعباً. وقال : سمعت رسول الله  ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : " ما أحب لو أن لي هذا الجبل ذهباً أنفقه ويتقبل مني، أذر خلفي منه ست أواق " أنشدك الله يا عثمان. أسمعته ـ ثلاث مرات ـ قال : نعم ".

   وما كانت مثل هذه الدعوة ليطيقها معاوية، ولا ليطيقها مروان بن الحكم , فما زالا به عند عثمان يحرضانه عليه حتى كان مصيره إلى "الربذة " منفياً من الأرض في غير حرب لله ولرسوله، وفي غير سعي في الأرض بالفساد. كما تقول شريعة الإسلام !

 

يرى سيد قطب أن سياسة عثمان أدت إلى تفريق الجماعة الإسلامية طبقات وإلى تحطيم الأسس التي جاء بها هذا الدين يرافق ذلك طعن في أعيان الصحابة :

 

   قال سيد في (ص : 175 ـ 176 )

((لقد كانت هذه الصيحة يقظة ضمير مسلم لم تخدره الأطماع، أمام تضخم فاحش في الثروات، يفرق الجماعة الإسلامية طبقات، ويحطم الأسس التي جاء هذا الدين ليقيمها بين الناس. وبحسبنا أن نعرض هنا نموذجاً للثروات الضخام أورده المسعودي، قال : " في أيام عثمان اقتنى الصحابة الضياع والمال : فكان لعثمان يوم قتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار وألف ألف درهم، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار، وخلف إبلاً وخيلاً كثيرة. وبلغ الثمن الواحد من متروك الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار، وخلف ألف فرس وألف أمة. وكانت غلة طلحة من العراق ألف دينار كل يوم. ومن ناحية السراة أكثر من ذلك. وكان على مربط عبد الرحمن بن عوف ألف فرس، وله ألف بعير، وعشرة آلاف من الغنم، وبلغ الربع من متروكه بعد وفاته أربعة وثمانين ألفاً. وخلف زيد بن ثابت من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الأموال والضياع، وبنى الزبير دارة  بالبصرة. وبنى أيضاً بمصر والكوفة والإسكندرية وكذلك بنى طلحة دارة بالكوفة، وشيد دارة بالمدينة، وبناها بالجص والآجر والساج.  وبنى سعد بن أبي وقاص دارة بالعقيق، ورفع سمكها وأوسع فضاءها، وجعل على أعلاها شرفات. وبنى المقداد دارة بالمدينة، وجعلها مجصصة الظاهر والباطن. وخلف يعلى بن منبه خمسين ألف دينار وعقاراً، وغير ذلك ما قيمته ثلاثمائة ألف درهم ".

   هذا هو الثراء الذي بدأ صغيراً بإيثار بعض المسلمين على بعض في العطاء في أيام عمر ـ ذلك الإيثار الذي كان معتزماً إبطاله وتلافي آثاره لولا أن عاجلته الطعنة التي لم تصب قلب عمر وحده، وإنما أصابت قلب الإسلام ـ ثم نما وازداد بإبقاء عثمان عليه، فضلاً عن العطايا والهبات والقطائع. ثم فشا فشواً ذريعاً بتجميع الأملاك والضياع  وموارد الاستغلال، بما أباحه عثمان من شراء الأرضين في الأقاليم وتضخيم الملكيات في رقعة واسعة، وبمقاومة الصيحة الخالصة العميقة التي انبعثت من قلب أبي ذر، وكانت جديرة لو بلغت غايتها، ولو وجدت من الإمام استماعاً لها، أن تعدل الأوضاع، وأن تحقق ما أراده عمر في أواخر أيامه من رد فضول الأغنياء على الفقراء، بما يبيحه له سلطان الإمامة لدفع الضرر عن الأمة، بل بما يحتمه عليه تحقيقاً لمصلحة الجماعة.

حديث ظالم عن عثمان رضي الله عنه وحديث مشوه للعهد الأموي والعباسي يقطر حقداًوجحوداً لسيادة الإسلام وعزيه وعزة أهله في عهد خير القرون :

 

  قال سيد في : (ص : 175-176)

 ((وبقدر ما تكدست الثروات وتضخمت في جانب، كان الفقر والبؤس في الجانب الآخر حتماً، وكانت النقمة والسخط كذلك، وما لبث هذا كله أن تجمع وتضخم، لينبعث فتنة هائجة، يستغلها أعداء الإسلام، فتودي في النهاية بعثمان. وتودي معه بأمن الأمة الإسلامية وسلامتها، وتسلمها إلى اضطراب وفوات لم يخب أواره حتى كان قد غشي بدخانه على روح الإسلام، وأسلم الأمة إلى ملك عضوض.

    لذلك لم يكن غريباً أن يغضب أصحاب الأموال، والمستنفعون من تفاوت الحظوظ في العطاء، على سياسة المساواة والعدالة التي اعتزمها علي بعد عثمان، وأن يتظاهروا بأنهم إنما ينصحون بالعدول عن هذه السياسة خوفاً عليه من الانتقاض، فما كان جوابه إلا أن يستلهم روح الإسلام في ضميره القوي فيقول : " أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه ؟ لو كان هذا المال لي لسويت بينهم، فكيف وإنما المال مال الله ؟ إلا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف وهو يرفع صاحبه في الدنيا، ويضعه في الآخرة ".

  فأما بنو أمية فقد ساروا في سياسة المال سيرة أخرى. حتى كان عمر بن عبد العزيز فصنع الذي أسلفنا في رد المظالم، وفي الكف عن بعثرة أموال المسلمين في غير حقها، فلم يكن لبني أمية إلا ما لسائر الناس، ولم يكن للمتملقين والملهين نصيب في هذا المال، فقد انقطع عن الشعراء المداح، ولم يجزهم بشيء من بيت المال)).

ثم تكلم عن عهد عمر بن عبد العزيز ثم قال :

(( إنما الفقر والحاجة ثمرة التضخم والزيادة. والفقراء في كل وقت هم ضحايا الأغنياء المفحشين والأغنياء المفحشون في الغالب هم نتاج الأعطيات والإقطاعيات والمحاباة والظلم والاستغلال !

   وفي أيام بني أمية ثم في أيام بني العباس من بعدهم، كان بيت المال مباحاً للملوك كأنه ملك لهم خاص، وذلك على الرغم من وجود بيتين للمال : بيت المال العام، وبيت المال الخاص . والأول مفروض أن موارده ومصارفه للجماعة، والثاني مفروض أن موارده ومصارفه من خاصة السلطان. لكنا نجد أحياناً أن أموالاً عامة تحمل إلى بيت المال الخاص. وأن مصارف خاصة تؤخذ من بيت المال العام !

 جاء في كتاب الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري تأليف آدم ميتز وترجمة محمد عبد الهادي أبو ريدة : " أما العطايا وكل ما يتعلق بنفقات دار الخلافة فكان يؤخذ من بيت المال العام. وعندنا بيان يرجع إلى أول القرن الرابع مشتمل على وجوه الأموال التي تحمل إلى بيت مال الخاصة :

1-الأموال المختلفة التي يتركها الآباء لأبنائهم في بيت المال. ويقال : إن الرشيد خلف أكبر مقدار من المال، وهو ثمانية وأربعون ألف ألف دينار، وكان المعتضد[ 297 – 289 هـ] يستفضل من كل سنة من سني خلافته بعد النفقات، مما كان يحصله بيت مال الخاصة ألف ألف دينار، حتى اجتمع في بيت المال تسعة آلاف ألف دينار، وكان يريد أن يتممها عشرة آلاف ألف دينار، ثم يسبكها ويجعلها نقرة واحدة، ونذر عند بلوغ ذلك أن يترك عن أهل البلاد ثلث الخراج في تلك السنة. وأراد أن يطرح السبيكة على باب العامة ليبلغ أصحاب الأطراف أن له عشرة آلاف ألف دينار وهو مستغن عنها، فاخترمته المنية قبل بلوغ الأمنية. ثم جاء المكتفي بعد المعتضد[ 289 – 295 هـ] فأبلغ المدخر إلى أربعة عشر ألف ألف دينار.

 

2-مال الخراج والضياع العامة الذي يرتفع من أعمال فارس وكرمان[ بعد إسقاط النفقات].))

 ثم واصل هذا التشويه مستفيدا ذلك من كلام آدم ميتز.

وهكذا يستقي سيد قطب الطعون في الصحابة والتابعين والعهد الأموي والعباسي ثم يبالغ فيها ويضخمها فلا ندري ماذا أبقى للإسلام والمسلمين من الاعتزاز بتلك العهود ولا سيما القرون المفضلة عهد عزّة الإسلام وعهد الفتوحات العظيمة.

 

طعونه في معاوية وعمرو ومن في عهدهما وغلوه في علي – رضي الله عنه –

 

 

قال سيد قطب في كتابه :[ كتب وشخصيات] ص/[242-243] :

[[إن معاوية وزميله عمْراً لم يغلبا علياً لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس، وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب. ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح، وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع. وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك على أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل. فلا عجب ينجحان ويفشل، وإنه لفشل أشرف من كل نجاح.

    على أن غلبة معاوية على علي، كانت لأسباب أكبر من الرجلين : كانت غلبة جيل على جيل، وعصر على عصر، واتجاه على اتجاه. كان مد الروح الإسلامي العالي قد أخذ ينحسر. وارتد الكثيرون من العرب إلى المنحدر الذي رفعهم منه الإسلام، بينما بقي علي في القمة لا يتبع هذا الانحسار، ولا يرضى بأن يجرفه التيار. من هنا كانت هزيمته , وهي هزيمة أشرف من كل انتصار.

وهنا نصل إلى الملاحظة الرابعة. إذ نرى المؤلف يهش لروح النفعية في السياسة، ويشيد بأصحابها، ولا يعترف بغير النجاح العملي، ولو على أشلاء المثل العليا والأخلاق)).

ثم واصل كلامه إلى أن قال:

((لقد كان انتصار معاوية هو أكبر كارثة دهمت روح الإسلام التي لم تتمكن بعد من النفوس. ولو قد قدر لعلي أن ينتصر لكان انتصاره فوزاً لروح الإسلام الحقيقية : الروح الخلقية العادلة المترفعة التي لا تستخدم الأسلحة القذرة في النضال. ولكن انهزام هذه الروح ولما يمض عليها نصف قرن كامل، وقد قضي عليها فلم تقم لها قائمة بعد ـ إلا سنوات على يد عمر بن عبد العزيز ـ ثم انطفأ ذلك السراج، وبقيت الشكليات الظاهرية من روح الإسلام الحقيقية.

    لقد تكون رقعة الإسلام قد امتدت على يدي معاوية ومن جاء بعده. ولكن روح الإسلام قد تقلصت، وهزمت، بل انطفأت.

    فأن يهش إنسان لهزيمة الروح الإسلامية الحقيقية في مهدها، وانطفاء شعلتها بقيام ذلك الملك العضود... فتلك غلطة نفسية وخلقية لا شك فيها

   على أننا لسنا في حاجة يوماً من الأيام أن ندعو الناس إلى خطة معاوية. فهي جزء من طبائع الناس عامة. إنما نحن في حاجة لأن ندعوهم إلى خطة علي، فهي التي تحتاج إلى ارتفاع نفسي يجهد الكثيرين أن ينالوه.

   وإذا احتاج جيل لأن يدعى إلى خطة معاوية، فلن يكون هو الجيل الحاضر على وجه العموم. فروح " مكيافيلي " التي سيطرت على معاوية قبل مكيافيلي بقرون، هي التي تسيطر  على أهل هذا الجيل، وهم أخبر بها من أن يدعوهم أحد إليها ! لأنها روح " النفعية " التي تظلل الأفراد والجماعات والأمم والحكومات !

  وبعد فلست شيعياً لأقرر هذا الذي أقول. إنما أنا أنظر إلى المسألة من جانبها الروحي والخلقي، ولن يحتاج الإنسان أن يكون شيعياً لينتصر للخلق الفاضل المترفع عن " الوصولية " الهابطة المتدنية، ولينتصر لعلي على معاوية وعمرو. إنما ذلك انتصار للترفع والنظافة والاستقامة)).

يريد الرجل بعد هذه الطعون التي يخجل منها بل ويحرمها كثير من الشيعة أن يتخلص من تهمة التشيع ولكن من يحترم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يحكم بالرفض الخبيث على من انتقص واحداً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فكيف وهو يحكم على الكثير من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والتابعين بأنهم قد ارتدوا إلى المنحدر الذي انتشلهم منه الإسلام.

. من كتاب العدالة الاجتماعية لسيد قطب الطبعة (11)

 

 مكتبة  سحاب السلفية

shock drop air force 1 full uv reactive | Clothes Online , Shoes Online , Giftofvision

الأقسام الرئيسية:

المشائخ والعلماء: