الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة فى المهدى (2)

الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي(2)

لفضيلة الشيخ عبد المحسن العباد

عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية.

 

 

24- قال الشيخ ابن محمود في ص69: "ونحن في كلامنا عن السنة إنما نتكلم عن الأحاديث الصحيحة الصريحة التي قام جهابذة النقاد العلماء على تمحيصها وتصحيحها حـتى جعلوها عمدة في العقائد والأحكام وأمور الحلال والحرام، وإلا فإنه من المعلوم أن الوضاعين الكذابين قد أدخلوا كثيرا من الأحاديث المكذوبة في عقائد المسلمين وأحـكامهم حتى صار لها الأثر السيء في العقائد والأعمال لكن المحققين من علماء المسلمين قد قاموا بتحقيقها و بينوا بطلانها وأسقطوها عن درجة الاعتبار وحذروا الأمة منها من ذلك أحاديث المهدي المنتظر وأنه يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ونحو ذلك مما يقولون".

والجواب أن نقول: أفلح إن صدق في قوله: "ونحن في كلامنا عن السنة إنما نتكلم عن الأحـاديث الصحيحة التي قـام جهابذة النقاد العلماء على تمحيصها وتصحيحها حتى جـعلوها عمدة في العقائد والأحكـام وأمور الحلال والحرام" فإن الجهابذة النقاد من العلماء مثل العقيلي والبيهقي والخطابي والقرطبى والذهبي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير والسخاوي وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين قـالوا بصحة كثير من الأحـاديث الواردة في المهدي ومنهم من قـال بأنها متواترة وهم أهل الخبرة في الحديث والاختصاص فيه وإليهم المرجع في معرفة صحيحه وضعيفه، أما ما ذكره الشيخ ابن محمود من أن الوضاعين الكذابين قاموا بوضع الأحاديث وأن المحققين من العلماء قاموا بتحقيقها وبينوا بطلانها وأسقطوها عن درجة الاعتبار وحذروا الأمة منها فهو كلام حق لكن تمثيله لهذه الأحاديث الموضوعة بأحاديث المهدي منكر من القول لأن الجهابذة النقاد الذين يعتمد على حكمهم لم يقل أحـد منهم أنها ضعيفة كلها فضلا عن القول بأنها موضوعة والذي اشتهر عنه في القرون الماضية محاولة تضعيف أحـاديث المهدي وهو ليس من أهل الاختصاص ابن خلدون ومع ذلك اعترف بسلامة بعضها من النقد كما سبق إيضاح ذلك.

وبناء على هذا فما زعمه ابن محمود من أن أحاديث المهدي من قبيل الأحـاديث الموضوعة التي قام المحققون من العلماء بتحقيقها وبينوا بطلانها وأسقطوها عن درجة الاعتبار وحذروا الأمة منها هو زعم باطل وكلام ساقط عن درجة الاعتبار ولا يستطيع أن يسمي واحدا من العلماء المحققين المعتد بهم قال بأن أحاديث المهدي موضوعة مبينا المصدر الذي استند إليه في ذلك أما مجرد الزعم الخاطئ العاري عن الصحة الخالي من الصدق فقد نسب إلى الإمامين الجليلين الدارقطني والذهبي أنهما يعتبران أحاديث المهدي مما لا يجوز النظر فيه وهما بريئان من هذه الفرية براءة الشمس من اللمس وبراءة الذئب من دم يوسف عليه الصلاة والسلام وسبق أن أوضحت هذا في رقم (19).

 

25- وقال في ص70: "ولست أنا أول من قال ببطلان دعوى المهدي وكونه لا حقيقة لها فقد سبقني من قال بذلك من العلماء المحققين" ومثل بالشيخ محمد بن عبد العزيز المانع والشيخ محمد رشيد رضا.

وقال في ص 6: "إننا لسنا بأول من كذب بهذه الأحاديث - يعني الأحاديث الواردة في المهدي - فقد أنكرها بعض العلماء قبلنا فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المنهاج بعد ذكره لأحاديث المهدي، أن هذه الأحاديث في المهدي قد غلط فيها طوائف من العلماء فطائفة أنكروها، مما يدل على أنها موضع خلاف من قديم بين العلماء كما هو الواقع من اختلاف العلماء في هذا الزمان".

يجاب على ذلك بما يلي :

أولا: أن شيخ الإسلام ابن تيمية قال في منهاج السنة: "وهذه الأحاديث غلط فيها طوائف، طائفة أنكروها واحـتجوا بحديث ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا مهدي إلا عيسى بن مريم" وهذا الحديث ضعيف وقد اعتمد أبو محمد الوليد البغدادي وغيره عليه وليس مما يعتمد عليه"، هذا ما قاله شيخ الإسلام عن هذه الطائفة التي أنكرت هذه الأحاديث فإنها قد عولت على حديث ضعيف لا يعول عليه ولم يسم شيخ الإسلام سوى أبي محمد بن الوليد البغدادي وقد بحثت عن هذا الرجل فلم أقف له على ترجمة، أما الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع فلم يضعف الأحاديث الواردة في المهدي بل قال بتصحيح بعض هذه الأحاديث وقد بين ذلك في رسـالة سماها: ((تحديق النظر بأخبار الإمام المنتظر)) وقد نقلت جملا من كلامه في ذلك في رقم (13) وأما الشيخ محمد رشيد رضا فقد أوضحت في رقم (15) أنه سقط وتردى في إنكار رفع عيسى عليه الصلاة والسلام حيا ونزوله من السماء وأنه ليس بمستغرب عليه أن يسقط ويتردى في إنكار خروج المهدي في آخر الزمان ومن كانت هذه حاله يحصل من قلده في سقوطه وترديه الإضرار بنفسه.

ثانيا: أنه قد عرف من قديم الزمان عن الشيخ ابن محمود أنه عندما يشذ في مسألة يشعر بالوحشة فيسلي نفسه بمثل هذه العبارات فيقول لست أنا أول من قال بكذا بل سبقني إليه فلان وفلان فقد ألف رسالة قبل ربع قرن من الزمان تخبط فيها في بعض مسائل الحـج وقد رد عليه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل إبراهيم مفتي الديار السعودية في زمانه رحمه الله تعالى في رسالة سماها: ((تحذير الناسك مما أحدثه ابن محمود في المناسك)) طبعت في عام 1376هـ قال رحمه الله في ص50: "وقد أحس هذا الرجل - يعني الشيخ ابن محمود - أنه وقع في أسوء ورطة فقال: "وبالتأمل لما قلناه يعلم أن كلامنا ليس بأول مطر أصاب أرض الفلاة ولا هو أول آذان أقيمت له الصلاة" فوجد وحشة الوحدة وظلمة فقد الحجة فسلى نفسه بذكر من تصور أن قولهم بمثل مقاله ينفي الوحدة، ولعمري ما له في هذا الطريق من رفيق وهؤلاء الذين اعتمدهم في مسلكه لم يشاركوه في سوء صنيعه ومهلكه فهم إن صح النقل عنهم إنما هو القول بالجواز لا الرد على العلماء ولا السعي في أن يجمعوا على خلاف السنة والخروج عن طريق أهل الجنة جميع الورى ولم يرموا واحدا من الأمة بالجمود والتقيد بدين الآباء والجدود فضلا عن أن يرموا بذلك كافة العلماء وحينئذ تكون مقالته أول مطر سوء أصاب أرض الفلاة وأول بوق أذان برفض السنة أصغى إليه الجفاة فوالله ما دعا قبله إلى هذه المقالة من إنسان ولا جلب بخيله وبرجله في زلزلة مناسك الحج ذو إيمان"، هذا ما قاله سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل شيخ رحمه الله في الشيخ ابن محمود وفقه الله قبل خمسة وعشرين عاما..

وإذا تأمل القارئ قوله رحمه الله: "وحينئذ تكون مقالته أول مطر سوء أصاب أرض الفلاة وأول بوق أذان  برفض السنة أصغى إليه الجفاة" يتبين له بوضوح صدق فراسة هذا الرجل العظيم عليه من الله الرحمة والمغفرة فإن الشيخ ابن محمود قد ألف بعد ذلك رسائل حاد في بعضها عن الصواب من ذلك رسالته التي أسماها ((الإيمان بالقضاء والقدر على طريقة أهل السنة والأثر))، ورسالته التي أسماها ((إتحاف الأحفياء برسالة الأنبياء)) فقد تخبط في هاتين الرسالتين وقد رد عليه في أخطائه فيهما فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري وفقه الله في رسالة سماها: ((فتح المعبود في الرد على ابن محمود)) تقع في مائة وسبع وثمانين صفحة وقد قامت بطباعتها لتوزيعها رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ومن ذلك رسالة أسماها(( الدلائل العقلية والنقلية في تفضيل الصدقة عن الميت على الضحية وهل الضحية عن الميت شرعية أو غير شرعية)) وقد رد عليه في أخطائه في هذه الرسالة سماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء في رسالة سماها ((غاية المقصود في التنبيه على أوهام ابن محمود)) تقع في مائة واثنتي عشرة صفحة كما رد عليه في أخطائه في هذه الرسالة الشيخ علي بن عبد الله الحواس في كتاب سماه ((كتاب الحجج القوية والأدلة القطعية في الرد على من قال إن الأضحية عن الميت غير شرعية)) يقع قي مائتين وخمس وثمانين صفحة ومن ذلك رسالته التي أسماها: ((فصل الخطاب في إباحة ذبائح أهل الكتاب))، له فيها أخطاء منها إباحته ذبائح المشركين ورسالة له تقع في أربع ورقات سماها ((جواز الإحرام من جدة لركاب الطائرات والسفن البحرية)) وقد رد عليه في هاتين الرسالتين سماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد في رسالة سماها ((حكم اللحوم المستوردة وذبائح أهل الكتاب وغيرهم)) يليه تنبيهات على أن جدة ليست ميقاتا وهي تقع في مائة واثنتي عشرة صفحة، وهذه الأخطاء  التي وقع فيها في رسائله المتعددة متفاوتة فإن بعضها من الأمور الفرعية التي يكون للاجتهاد فيها مجال لكن في حق من يكون أهلا للاجتهاد وبعضها من الأمور التي لا مجال فيها للاجتهاد مثل مسائل القضاء والقدر ومسألة خروج المهدي في آخر الزمان فإنه لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك.

وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم : "الدين النصيحة" فإن نصيحتي لفضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود أن يعمل على أن تكون رسالته في المهدي هذه آخر رسالة من هذا النوع من الرسـائل التي شغل طلاب العلم في الرد عليها وأن يجتهد - وقد دخل في العقد الثامن من عمره - في عمارة ما بقى من حياته فيما يعود عليه وعلى المسلمين بالخير والعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة.

 

26- قال الشيخ ابن محمود في ص (70): "وأنه بمقتضى التأمل للأحـاديث الواردة في المهدي نجدها من الضعاف التي لا يعتمد عليها وأكثرها من رواية أبى نعيم في حلية الأولياء وكلها متعارضة ومتخالفة ليست بصحيحة ولا صريحة ولا متواترة لا باللفظ ولا بالمعنى".

والجواب: أن هذا الكلام واضح في أن الشيخ ابن محمود يعتبر كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم أوسع مصدر اشتمل على أحاديث المهدي وليس الأمر كذلك فقد جمع الشيخ عبد العزيز بن محمد بن الصديق الغماري أطراف أحـاديث الحلية كتاب مطبوع سماه ((البغية فى ترتيب أحاديث الحلية)) يشتمل على أكثر من أربعة آلاف حديث وليس فيها حديث طرفه المهدي إلا حديث "المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة" وهذا دليل واضح من كلام ابن محمود على قلة معرفته بأحاديث المهدي وأنه لا يعرف أين تقل وأين تكثر وبالتالي فحكمه عليها أنها من الضعاف التي لا يعتمد عليها وأنها كلها متعارضة متخالفة ليست بصحيحة ولا صريحة ولا متواترة باللفظ ولا بالمعنى حكم على غير بينة وهدى بل على ظن لا يغني من الحق شيئا ورحم الله من قال خيرا فغنم أو سكت فسلم.

 

27- وقال في ص (29): "والمهدي متى قلنا بتصديق الأحاديث الواردة فيه ليس بملك معصوم ولا نبي مرسل ما هو إلا رجل عادي كأحد أفراد الناس إلا أنه عادل يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وكل الأحاديث الواردة فيه ضعيفة ويترجح بأنها موضوعة على لسان رسول الله ولم يحدث بها".

والجواب: أن أهل السنة والجماعة يقولون بتصديق الأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي لثبوتها عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عندهم غير معصوم وما هو إلا رجـل كـأحد الناس إلا أنه عادل يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ولو قال بذلك الشيخ ابن محمود لكان على منهج أهل السنة والجماعة المتبعين لما صحت به الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه قلد بعض كتاب القرن الرابع عشر الذين حكَّموا العقول في النقول فحادوا عن جادة الصواب أمثال أحمد أمين ومحمد فريد وجدي ومن على شاكلتهما أما قوله: "وكل الأحـاديث الواردة فيه ضعيفة و يترجـح بأنها موضوعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحدث بها" فليس له فيه سلف في الماضين حتى ابن خلدون فإنه لم يقل بتضعيفها كلها كما سبق إيضاح ذلك في رقم (10) ولكن مثل هذا الكلام من مجازفات وتخرصات بعض كتاب القرن الرابع عشر نعوذ بالله من الخذلان.

 

28 – وقال الشيخ بن محمود في ص(9): لكن المتعصبين لخروجه - يعني المهدي - لما طال عليهم الأمد ومضى من الزمان أربعة عشر قرنا وما يشعرني أن يأتي من الزمان أكثر مما مضى بدون أن يروه حتى تقوم الساعة لهذا أخذوا يمدون في الأجل ليثبتوا بذلك استقامة قولهم عن السقوط، فأخذوا يبثون في الناس بأنه لن يخرج إلا زمن عيسى بن مريم مع العلم أن الأحاديث التي بأيديهم والتي يزعمونها صحيحة ومتواترة والتي رواها الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وردت مطلقة لم تقيد بزمن عيسى إلا حديث صلاة عيسى خلف المهدي قال الذهبي وعلي القارئ: "إنه موضوع أي مكذوب فسقط الاحتجاج به" انتهى.

أقول : أبرز الأخطاء التي اشتمل عليها كلام ابن محمود هذا خطآن أحدهما زعمه أن أهل السنة القائلين بصحة خروج المهدي لما مضى من الزمان أربعة عشر قرنا دون أن يخرج المهدي أخذوا يمدون في الأجل ليثبتوا بذلك سلامة قولهم من السقوط فأخذوا يبثون في الناس بأنه لن يخرج إلا زمن عيسى ابن مريم وكأن القول بخروجه زمن عيسى بن مريم نشأ في القرن الرابع عشر، والثاني زعمه أن حديث صلاة عيسى خلف المهدي موضوع وعزوه ذلك إلى الذهبي وعلي القارئ، والجواب عن الخطأ الأول أن القول بتحديد وقت خروج المهدي في الزمن الذي يكون فيها عيسى عليه الصلاة والسلام هو قول أهل السنة والجماعة في القديم والحديث  وقد بدأ ذلك من حين تكلم به الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم حيث تلقى الأحاديث في ذلك عنه صحابته الكرام وتلقاه عنهم التابعون وسار على نهجهم في ذلك التابعون لهم بإحسان ولم يكن القول به بدأ في القرن الرابع عشر كما يقتضيه كلام ابن محمود وقد قال الإمام أبو الحسين محمد بن الحسين الأبري المتوفى سنة     (363 هـ) في كتابه مناقب الشافعي: "وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر المهدي وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلا وأن عيسى يخرج فيساعده على قتله الدجال وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه" وكلام أبي الحسين الأبري هذا نقله عنه الإمام ابن القيم في كتابه المنار المنيف في الصحيح والضعيف ونقله قبله عنه القرطبي في التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة وأبو الحجاج المزي في كتابه تهذيب الكمال ونقله بعدهم الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابيه تهذيب التهذيب وفتح الباري ونقله السيوطي في العرف الوردي في أخبار المهدي ونقله غير هؤلاء من الأئمة.

وكلام أبي الحسين الأبري هذا يوجد في كتاب ابن القيم المنار المنيف قبل الكلام الذي نقله ابن محمود في ص53 من رسالته عن ابن القيم في المنار المنيف يوجد قبله بورقة واحدة ومع ذلك يزعم ابن محمود في كلامه هذا أن القائلين بخروج المهدي لما مضى أربعة عشر قرنا دون أن يخرج أخذوا يمدون في الأجل لثيبتوا بذلك سلامة قولهم من السقوط فأخذوا يبثون في الناس بأنه لن يخرج إلا زمن عيسى بن مريم وليس بمستغرب أن يعمى الشيخ ابن محمود أو يتعامى عن كلام أبي الحسين الأبري المتوفى سنة 363 هـ هذا فقد عمي أو تعامى عن كل ما أورده ابن القيم في المنار المنيف من تصحيح لأحاديث المهدي وعزا إلى ابن القيم أنه يضعف أحاديث المهدي وينتقدها وهو خلاف الواقع كما سبق أن أوضحته في رقم (11) وكما في قوله في ص55: "فهذا كلام ابن القيم قد انحى فيه بالملام وتوجيه المذام على سائر الفرق التي تدعي بالمهدي ولم يستثن فرقة عن فرقة لكونها دعوى باطلة من أصلها" انتهى، قال ابن محمود هذا الكلام وغيره عن ابن القيم مع أن كلام ابن القيم في المنار المنيف في إثبات خروج المهدي آخر الزمان وفي تصحيحه لكثير من الأحاديث الوادرة فيه واضح وضوح الشمس في رابعة النهار كما مر إيضاح كلامه رحمه الله في ذلك.

والجواب عن خطئه الثاني وهو زعمه أن حديث صلاة عيسى خلف المهدي موضوع وعزوه ذلك إلى الذهبي وعلي القارئ أن يقال لم يذكر ابن محمود لفظ الحديث الذي زعم أنه موضوع وقد ذكره في ص51 حيث قال: "وهنا حديث كثيرا ما يحتج به المتعصبون للمهدي وهو أن المهدي مع المؤمنين يتحصنون به من الدجال وأن عيسى عليه السلام ينزل من منارة مسجد الشام فيأتي فيقتل الدجال ويدخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فيقول المهدي تقدم يا روح الله فيقول إنما هذه الصلاة أقيمت لك فيتقدم المهدي ويقتدي به عيسى عليه السلام إشعارا بأنه من جملة الأمة ثم يصلي عيسى عليه السلام في سائر الأيام قال علي بن محمد القارئ في كتابه الموضوعات الكبير بأنه حديث موضوع" انتهى، هكذا عزا الشيخ ابن محمود إلى الشيخ علي القارئ في كتابه الموضوعات الكبير أنه يقول عن هذا الحديث إنه موضوع مع أن الذي قاله الشيخ علي القارئ عنه أنه ثابت وذلك في ص164 من كتاب الموضوعات الكبير وقد أوضحت هذا في رقم (22) وبينت أن نزول عيسى عليه الصلاة والسلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق وقتله الدجال بباب لد وصلاته خلف إمام المسلمين في ذلك الزمان ثابت في صحيح مسلم وغيره وكون ذلك الإمام الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه يقال له المهدي ثابت في مسند الحارث بن أبي أسامة وبهذا يتضح أن عزو ابن محمود إلى الشيخ علي القارئ القول بأن حديث صلاة عيسى خلف المهدي موضوع خلاف الواقع وقد أضاف هنا أن الذهبي قال إن حديث صلاة عيسى خلف المهدي موضوع وهذا أيضا بلا شك خلاف الواقع.

 

29 – وقال الشيخ ابن محمود في ص31: "لم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من شرعه أن يحيل أمته على التصديق برجل في عالم الغيب وهو من أهل الدنيا ومن بني آدم فيخبر عنه أنه يفعل كذا وكذا مما يوجب الاختلاف والاضطراب بين الأمة".

والجواب أن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعه أنه يخبر أمته عما شاء الله أن يخبرهم به من أمور الغيب سواء كان ذلك عن الماضي أو المستقبل أو عما هو موجود غير مشاهد ولا معاين ومن ذلك إخباره صلى الله عليه وسلم عن أمور مستقبلة منها ما هو قبل قيام الساعة ومنها ما هو بعدها ومنها ما في زمن قريب من زمن النبوة ومنها ما هو بعيد عن زمنها وسأمثل فيما يلي لأخباره صلى الله عليه وسلم عن أشخاص يأتون بعد زمنه وهم من أهل الدنيا ومن بني آدم منهم من أتى وفقا لما أخبر به صلى الله عليه وسلم ومنهم من لم يأت بعد زمانه وسيأتي في حينه طبقا لما أخبر به صلى الله عليه وسلم وأهل السنة والجماعة لا يترددون في تصديق ما صح عنه من أخبار ويعتقدون أن ما صح إخباره به لا بد أن يقع على النحو الذي أخبر به الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه.

فمن ذلك إخباره صلى الله عليه وسلم بمجيء أويس القرني من اليمن وذكره صلى الله عليه وسلم له باسمه وبيان بعض صفاته وقد حصل مصداق خبره صلى الله عليه وسلم بذلك على النحو الذي جاء عنه صلى الله عليه وسلم ففي صحيح مسلم بسنده عن أسير بن جابر قال: "كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه إمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى عليه أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد ثم من قرن، قال: نعم، قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم ، قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع إمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل" فاستغفر لي، فاستغفر له، قال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي، وفي صحيح مسلم أيضا عن ابن عمر رضي الله عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن خير التابعين رجل يقال له أويس وله والدة وكان به بياض، فمروه فليستغفر لكم".

ومن ذلك إخباره صلى الله عليه وسلم عن اثنين من ثقيف بوصفهما أحدهما كذاب والثاني مبير وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم فالكذاب هو المختار بن أبي عبيد الثقفي والمبير أي المهلك الحجاج بن يوسف الثقفي وقد قالت ذلك للحجاج أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها كما في صحيح مسلم: "أما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فرأيناه وأما المبير فلا إخالك إلا إياه". قال النووي في شرحه صحيح مسلم: "واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن أبي عبيد وبالمبير الحجاج بن يوسف والله أعلم" انتهى.

هذان مثالان لما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن أشخاص في زمن قريب من زمن النبوة أحدهما في جانب المدح والثاني في جانب الذم وقد صدق خبره صلى الله عليه وسلم فيهما على النحو الذي أخبر به صلى الله عليه وسلم ، أما في الزمن البعيد عن زمن النبوة فقد صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواترت عنه في خروج المهدي وخروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام من السماء وذلك في آخر الزمان ولا بد من وقوع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم طبقا لما جاء عنه عليه الصلاة والسلام وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يخبر به عن أمور مغيبة هو من الإيمان بالغيب الذي امتدح الله أهله، وأما الدعاوى الكاذبة التي تحصل من متمهدين دجالين في بعض الأزمان وما ينتج عنها من فتن فإن ذلك لا يقدح بالحقيقة الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أوضحت ذلك في رقم (4).

 

30 – وقال الشيخ ابن محمود في ص25: "ففكرة المهدي وسيرته وصفته لا تتفق مع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته بحال فقد أثبتت التاريخ الصحيحة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بداية مولده إلى حين وفاته كما أثبتها القرآن وليس فيها شيء من ذكر المهدي كما لا يوجد في القرآن شيء  من ذلك فكيف يسوغ لمسلم أن يصدق به والقرائن والشواهد تكذب به.

والجواب: أن هذا الكلام من النوع الذي لا ينتهي عجب الواقف عليه لاسيما قوله فيه: "فقد أثبتت التاريخ الصحيحة حـيـاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بداية مولده إلى حين وفاته كما أثبتها القرآن وليس فيها شيء  من ذكر المهدي كما لا يوجد في القرآن شيء  من ذلك". فإن كان الكاتب يقصد الحياة العملية فـلا وجه للبحث عن خروج المهدي في آخر الزمان ضمن السيرة النبوية العملية، وإن كان يقصد بحياته صلى الله عليه وسلم ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال وتقريرات فلا وجـه لقوله: "وليس فيها شيء من ذكر المهدي" ومعلوم أن حد الحديث النبوي الشريف عند أهل الحديث ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خلقي أو خلقي وكتب الحديث الشريف مليئة بالنصوص الواردة في المهدي وفيها كما قال أهل العلم بالحديث الصحيح والحسن والضعيف والموضوع.

وعلى هذا فقوله: "ففكرة المهدي وسيرته وصفته لا تتفق مع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته بحال" من قبيل الكلام البارد الذي لم يفكر في معناه عند تسطيره وإلا فإن خروج المهدي في آخـر الزمان لم يعرفه أهل السنة والجماعة المتبعين للنصوص الشرعية إلا بثبوته في السنة النبوية ولا يقل عن قوله ذلك قوله: "فكيف يسوغ لمسلم أن يصدق به والقرائن والشواهد تكذب به" فإن المسلم الناصح لنفسه لا يصدق ويكذب تبعا للهوى وإنما يكون تصديقه أو تكذيبه متمشـيا مع النصوص الشرعية فيجعل النقل حكما على العقل لا أن يجعل العقول محكمة في النقول فيقع في فضول القول وردئ الكلام.

 

31 - وقال الشيخ ابن محمود في ص17: "ولقد عاش الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون ثم عاش من بعدهم العلماء والسلف الصالحون ممن كانوا في القرون الثلاثة المفضلة ثم عاش من بعدهم جميع العلماء والحكام ومنهم عماد الدين زنكي ونور الدين محمود الشهيد وصلاح الدين الأيوبي وجميع الناس بعدهم وفي مقدمتهم شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم فلم ينقص إيمانهم وتقواهم عدم وجود المهدي من بينهم لعلمهم واعتقادهم أن الدين كامل بدونه فلا حاجة لهم به خرج أو لم يخرج".

والجواب أن يقال أولا: هذا الكلام من النوع الذي يصلح أن يوصف بأنه ليس له معنى مستقيم.

وثانيا: أن الزمن الذي يخرج فيه المهدي أوضحته النصوص الصحيحة وهو آخر الزمان حيث يخرج الدجال في زمنه، وينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء ويصلي خلفه.

وثالثا: إن عدم وجوده بين الناس في أزمنة قبل زمانه لا ينقص الإيمان والتقوى وإنما الذي ينقص الإيمان والتقوى عدم تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يخبر به والقدح بالنصوص الشرعية استنادا إلى الشبه العقلية كما هو مسلك بعض الكتاب في القرن الرابع عشر.

 

32- ذكر الشيخ ابن محمود في مواضع متعددة من رسالته أن القول بخروج المهدي على فرض صحته ليس من عقائد المسلمين فقال في ص56: "وأنه على فرض صحة هذه الأحاديث أو بعضها أو تواترها بالمعنى حسب ما يدعون فإنها لا تعلق لها بالعقيدة الدينية ولم يدخلها علماء السنة في عقائدهم". ثم مَثَّل بشيخ الإسلام ابن تيمية والطحاوي وشارح عقيدته وابن قدامة والأشعري في الإبانة ثم قـال: "فعدم إدخالها في عقائدهم مما يدل على أنهم لم يعتبروها من عقائد الإسلام والمسلمين".

والجواب عن ذلك من وجوه:

الأول: أن مذهب أهل السنة والجماعة التصديق بكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخبار سواء كانت عن أمور ماضية أو مستقبلة أو موجودة غائبة عنا ومن ذلك التصديق بخروج المهدي كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والتصديق بما صحت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تقتضيه شهادة المسلم بأن محمدا رسوله الله صلى الله عليه وسلم وقد قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في بيان معنى شهادة أن محمدا رسوله الله: "طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع"، وقال أبو محمد بن قدامة المقدسي في كتابه لمعة الاعتقاد: "ويجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا نعلم أنه حق وصدق وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه مثل حديث الإسراء والمعراج ومن ذلك أشراط الساعة مثل خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام فيقتله وخروج يأجوج ومأجوج وخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها وأشباه ذلك مما صح به النقل". فكلام ابن قدامة هذا يدخل فيه التصديق بخروج المهدي في أوله وآخره، فأوله قوله: "ويجـب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه"، وآخره قوله بعد أن ذكر أمثلة من أشراط الساعة: "وأشباه ذلك مما صح به النقل".

الثاني: أن من العلماء الذين كتبوا في عقائد أهل السنة والجماعة من نص على خروج المهدي في آخر الزمان ومنهم الحسن بن علي البربهاري والسفاريني وسبقت الإشارة إلى ذلك في رقم (14) ثم إن عدم ذكر بعض الأئمة لخروج المهدي في آخر الزمان في كتبهم لا يدل على عدم اعتبارهم ذلك من عقائد المسلمين لأنهم لم يلتزموا التنصيص على كل شيء  يعتقد ولأن منهم من يأتي بعموم يدخل فيه وجوب التصديق بكل ما أخبره به الرسول صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه كما فعل ابن قدامة المقدسي..

الثالث: قول ابن محمود : "وأنه على فرض صحة هذه الأحاديث أو بعضها أو تواترها بالمعنى حسبما يدعون فإنها لا علاقة لها بالعقيدة الدينية". يجاب عنه بأنه كلام غير مستقيم وإلا فكيف يقال بصحة النقل ثم لا يصدق به ولا يعتقد مقتضاه وسبق في رقم (16) ما نقله السيوطي عن الشافعي رحمه الله أنه روى يوما حديثا، وقال إنه صحيح فقال له قائل: "أتقول به يا أبا عبد الله؟" فاضطرب وقال: "يا هذا أرأيتني نصرانيا؟ أرأيتني خـارجا من كنيسة؟ أرأيت في وسطي زنارا؟ أروي حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول به". وسبق أيضا في رقم 6 ما رواه البيهقي بإسناده إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدتني أبي قال لنا الشافعي: "أنتم أعلم بالحديث والرجال مني إذا كان الحديث الصحيح فأعلموني إن شاء يكون كوفيا أو بصريا أو شاميا حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا". والحاصل أن صحة الحديث في خبر تقتضي التصديق به وأن كلام ابن محمود هذا متناقض وغير مستقيم المعنى.

 

33- وصف الشيخ ابن محمود القول بصحة خروج المهدي بأنه اعتقاد سيء  وأنه بدعة وأنه من محدثات الأمور فقال في ص12 : "وكنت في بداية نشأتي أعتقد اعتقاد شيخ الإسلام حيث تأثرت بقوله - يعني في صحة خروج المهدي - حتى بلغت سن الأربعين من العمر وبعد أن توسعت في العلوم والفنون ومعرفة أحـاديث المهدي وعللها وتعارضها واختلافها فبعد ذلك زال عني الاعتقاد السيء والحمد الله وعرفت تمام المعرفة بأنه لا مهدي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد كتاب الله". وقال في ص19: "ومنهم - يعني الذين ردوا الأحاديث الواردة في المهدي - الإمام الشاطبي صاحب الاعتصام فقد ألحق المهدية والإمامية بأهل البدع ويعني بالمهدية الذين يعتقدون صحة خروج المهدي"، وقال في ص30: "فبسبب مجاورتهم - يعني بعض أهل السنة والجماعة - للشيعة واختلاطهم بهم اقتبسوها منهم وإلا فإنها ليست من عقيدة أهل السنةط، وقال في ص31 : "فهما - يعني الشيعة وأهل السنة الذين يصدقون بخروج المهدي - في فساد الاعتقاد به - يعني المهدي – سيان"، وقال في ص58: "ودعوى المهدي في مبدئها ومنتهاها مبنية على الكذب الصريح والاعتقاد السيء  القبيح"، وقال في ص 58 أيضا : "وقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم ومحدثات الأمور"، والمهدي واعتقاده هو من محدثات الأمور".

ويجاب على ذلك بما يلي:

أولا: ما ذكره من أنه في بداية نشأته كان يعتقد اعتقاد شيخ الإسلام ابن تيمية في صحة خروج المهدي وأنه بعد أن تجاوز الأربعين من العمر وبعد أن توسع في العلوم والفنون ومعرفة أحاديث المهدي وعللها وتناقضها زال عنه الاعتقاد السيء جوابه أن اعتقاد خروج المهدي آخر الزمان هو مذهب أهل السنة والجماعة قبل شيخ الإسلام ابن تيمية وبعده وسلوك ابن محمود بعد تجاوزه سن الأربعين من العمر مسلكا غير سبيلهم انتقال من اعتقاد مبني على التصديق بالنصوص الشرعية الصحيحة إلى اعتقاد سيء  مبني على الشبه العقلية الواهية وليس للشيخ ابن محمود في معتقده الجديد سلف من أهل العلم المعتد بهم أما حمده الله على زوال الاعتقاد السيء  عنه - على حد تعبيره - فإنه لا يحمد على مكروه سوى الله تعالى، وقد أحسن من قال:

يقضى على المرء في أيام محنته

حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن

ثانيا: ما نقله عن الشاطبي في الاعتصام من أنه ألحق المهدية بأهل البدع وأن المهدية في رأي الشاطبي هم الذين يعتقدون في صحة خروج المهدي جوابه: أن ما نسب إلى الشاطبي غير صحيح ومقصود الشاطبي بالمهدية اتباع المتمهدي المغربي وقد فسر مراده بالمهدية بأنهم الذين يجعلون أفعال مهديهم حجة وافقت حكم الشريعة أو خالفت وسبق إيضاح ذلك في رقم 12.

ثالثا: ما ذكره من أن عقيدة أهل السنة في المهدي مقتبسة من عقيدة الشيعة وأن الشيعة وأهل السنة في فساد الاعتقاد بالمهدي سيان، جوابه أن عقيدة أهل السنة في المهدي مستقاة من الأحاديث الصحيحة في الأصول المعتمدة عندهم ولا علاقة لها بعقيدة الشيعة وسبق إيضاح ذلك في رقم 3 ورقم 15.

رابعا: قوله: "ودعوى المهدي في مبدئها ومنتهاها مبنية على الكذب الصريح والاعتقاد السيء القبيح". جوابه أن عقيدة أهل السنة والجماعة في المهدي مبنية على نصوص صحيحة قال بصحتها أهل العلم المعتقد بهم وسبق إيضاح ذلك في رقم 18.

خامسا: قوله: "والمهدي واعتقاده من محدثات الأمور".

جوابه: أن ذلك يقال لو كان القول بخروجه في آخر الزمان ليس فيه حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أما وقد صحت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن القول بأنه من محدثات الأمور يعتبر من الزعم الباطل والقول الخاطئ وإنما الذي يعتبر من محدثات الأمور أن يأتي بعض الكتاب في القرن الرابع عشر فيسلكوا مسلكا خطيرا حادثا هو رد النصوص الشرعية بناء على شبه عقلية فيرخون لعقولهم العنان ثم يتركونها بدون خطام أو زمام.

 

24- وقال ص 24: "والذي جعل أمر المهدي يستفحل بين أهل السنة من المسلمين وكان بعيدا عن عقيدتهم هو عجز العلماء المتقدمين وكذا العلماء الموجودين على قيد الحياة فلم نسمع بأحد منهم رفع قلمه ولا نطق ببنت شفة في التحذير من هذا الاعتقاد السيء وكونه لا صحة له اللهم قد بلغت بل إنهم ينكرون على من يقول بإنكاره فيزيدون الحديث علة والطين بلة".

والجواب على هذا أن نقول: هكذا ينحى ابن محمود باللائمة على علماء  الأمة متقدميهم والموجودين على قيد الحياة منهم لعدم قيام أحد منهم بإنكار خروج المهدي وذلك دليل واضح من كلام ابن محمود على شذوذه في هذا الأمر وأنه وحده في واد وعلماء الأمة الإسلامية سابقهم ولاحقهم في واد آخر.

هذا وليس له رفيق في الطريق الموحش الذي سلكه إلا أمثال محمد فريد وجدي وأحمد أمين ممن حكّموا العقل في النقل وردوا النصوص الصحيحة لشبه عقلية واهية، وقد صان الله العلماء المحققين المعتد بهم من الإصابة بأمراض الشبهات العقدية ووفقهم لتعظيم السنة النبوية والتصديق بأخبارها الثابتة عن الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.

ولذلك لم يحصل ابن محمود على واحد منهم يرفع قلمه أو ينطق ببنت شفة في إنكار خروج المهدي سواء في ذلك سابقهم ولاحقهم، وكيف يطمع ابن محمود أن يجد عالما ناصحا لنفسه يتجرأ على رد النصوص الصحيحة ودعوة الناس إلى التكذيب بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بماذا بلغ ابن محمود في قوله: "اللهم قد بلغت؟"

إن من الواضح للمتعلم فضلا عن العالم أنه بلغ عن عدم معرفته بالحديث النبوي الشريف وعدم تمييز صحيحه من سقيمه وبلغ عن تمكن شبه بعض كتاب القرن الرابع عشر العقلية من فكره بحيث قدمها على النقل وبلغ عن شذوذه وسلوكه مسلكا مخالفا لمسلك أهل السنة والجماعة، وسواء كان صدور ذلك منه عن جهل أو علم هو بلية ومصيبة.

إذا كنت لا تدري فتلك مصيبـة

وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

 

35- قال الشيخ ابن محمود في ص 34: "إن العلماء كأبي داود في سننه وابن كثير في نهايته والسفاريني في لوامع أنواره وغيرهم قد أدخلوا أحاديث المهدي في جملة أشراط الساعة مع أحاديث الدجال والدابة ويأجوج ومأجوج وأحاديث الفتن، فكل هذه لا يتعرض لها نقاد الحديث بتصحيح ولا تمحيص لعلمهم أنها أحـاديث مبنية على التساهل ويدخل فيها الكذب والزيادات والمدرجـات والتحريفات وليست بالشيء الواقع في زمانهم ولا من أحاديث أحكامهم وأمـور حلالهم وحرامهم".

ثم ذكر أنه: "في القرن التاسع لما كثر المدعون للمهدي وثارت الفتن بسببه اضطر بعض المحققين من العلماء أن ينقدوا أحاديث المهدي ليعرفوا قويها من ضعيفها وصحيحها من سقيمها فتصدى ابن خلدون في مقدمته لتدقيق التحقيق فيها فنخلها ثم نثرها حديثا حديثا وبين عللها كلها وأن من رواتها الكذوب ومنهم المتهم بالتشيع والغلو ومنهم من يرفع الحديث إلى الرسول بدون أن يتكلم به الرسول ومنهم من لا يحتج به وخلاصته أنه حكم على أحاديث المهدي بالضعف".

وتعليقي على كلام ابن محمود هـذا أقـول:

ما ذكره من أن أحاديث المهدي وغيرها من أحاديث أشراط الساعة لا يتعرض لهـا نقاد الحديث بتصحيح ولا تمحيص، وأنه في القرن التاسع لما كثر المدعون للمهدي اضطر بعض المحققين من العلماء أن ينقدوا أحاديث المهدي ليعرفوا قويها من ضعيفها وصحيحها من سقيمها فتصدى ابن خلدون في مقدمته لتدقيق التحقيق فيها وأنه حكم عليها بالضعف أقول هذا الذي ذكره الشيخ ابن محمود مردود بأن العلماء في مختلف العصور قبل القرن التاسع تكلموا في أحاديث المهدي وبينوا أن فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع واحتجوا بالثابت منها، واعتقدوا موجبه وهم أهل الاختصاص الذين يعول على قولهم في هذا الشأن يعرف كلامهم في ذلك تصحيحا وتضعيفا من يطالع الكتب التي صنفوها ويقف على الجهود العظيمة التي بذلوها في خدمة السنة وتمييز صحيحها من ضعيفها ومن النقاد الذين تعرضوا لأحاديث المهدي الحافظ أبو جعفر العقيلي المتوفى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة فقد قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة علي بن نفيل النهدي: "قلت ذكره العقيلي في كتابه وقال: لا يتابع على حديثه في المهدي ولا يعرف إلا به قال وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه"، ومنهم ابن حبان المتوفى سنة (354 هـ) فقد قـال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في شرح حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري في صحيحه: "لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم"، قال: "واسـتدل ابن حبان في صحيحه -بأن حديث أنس ليس على عمومه - بالأحاديث الواردة في المهدي وأنه يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا"، وقال البيهقي المتوفى سنة 438 هـ بعد كلامه على تضعيف حديث "لا مهدي إلا عيسى بن مريم" قال: "والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح ألبتة إسنادا"، ومنهم الحافظ أبو الحسين محمد بن الحسين الأبري صاحب كتاب مناقب الشافعي المتوفى سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، قال رحمه الله في محمد بن خالد الجندي راوي حديث "لا مهدي إلا عيسى بن مريم": "محمد ابن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر المهدي وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلا وأن عيسى عليه السلام يخرج فيساعده على قتل الدجال وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه" نقل ذلك عنه ابن القيم في كتابه المنار المنيف وسكت عليه ونقله أيضا الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة محمد بن خالد الجندي وسكت عليه ونقله عنه أيضا وسكت عليه في كتابه فتح الباري في باب نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ونقله أيضا غير ابن حجر وابن القيم من أهل العلم، وممن صحح بعض الأحاديث الواردة في المهدي الإمام الترمذي في جامعه، ومنهم الحاكم في المستدرك ووافقه الحافظ الذهبي في تلخيصه في تصحيح جملة منها، ومنهم الإمام محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي صاحب التفسير المشهور المتوفى سنة 671 هـ فقد قال في كتابه التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة بعد ذكر حديث "ولا مهدي إلا عيسى بن مريم" وبيان ضعفه قـال: "والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التنصيص على خروج المهدى من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم بها دونه"، ومنهم الإمام ابن تيمية المتوفى سنة 738 هـ فقد صحـح بعض الأحاديث الواردة في المهدي وذلك في كتابه منهاج السنة ومنهم الإمام ابن القيم المتوفى سنة 751 هـ فقد صحـح في كتابه المنار المنيف جملة من الأحاديث الواردة في المهدي وأشـار إلى ضعف بعض ما ورد في ذلك، ومنهم الإمام ابن كثير المتوفى سنة 774 هـ فقد تكلم في كتابه النهاية على كثير من الأحاديث الواردة في المهدي مبينا الصحيح والضعيف في ذلك، وهؤلاء العلماء النقاد كلهم قبل القرن التاسـع، وقد تكلموا في أحاديث المهدي مبينين صحة بعض الأحاديث الواردة في ذلك وهم قليل من كثيرين تكلموا في ذلك ويتضح بهذا بطلان ما ذكره الشيخ ابن محمود من أن أحاديث المهدي وغيرها من أشراط الساعة لا يتعرض لها نقاد الحديث بتصحيح ولا تمحيص، أما ما ذكره من أنه: "في القرن التاسع لما كثر المدعون للمهدي اضطر بعض المحققين من العلماء أن ينقدوا أحاديث المهدي ليعرفوا قويها من ضعيفها وصحيحها من سقيمها فتصدى ابن خلدون في مقدمته لتدقيق التحقيق فيها" فيجاب عنه بأن العلماء النقاد تكلموا في أحاديث المهدي لمعرفة صحيحها من ضعيفها قبل القرن التاسع ومنهم الذين أسلفت ذكرهم قريبا وبأن ابن خلدون ليس من المحققين في علم الحديث الذين يعول على كلامهم في التصحيح والتضعيف وسبق أن أوضحت وجه ذلك في رقم 10 وأيضا فإن ابن خلدون كانت وفاته سنة 808 هـ فلم يدرك من القرن التاسع إلا ثمان سنوات وكان كلامه على أحاديث المهدي في مقدمة تاريخه التي فرغ من وضعها وتأليفها، قبل التنقيح والتهذيب في منتصف عام 779 هـ كما ذكر ذلك في آخر المقدمة أي قبل عشرين سنة من انتهاء القرن الثامن وهذا يوضح عدم استقامة ما ذكره الشيخ ابن محمود من أنه في القرن التاسع لما كثر المدعون للمهدي وثارت الفتن بسببه اضطر بعض المحققين من العلماء بأن ينقدوا أحاديث المهدي ليعرفوا قويها من ضعيفها وصحيحها من سقيمها فتصدى ابن خلدون في مقدمته لتدقيق التحقيق فيها إلخ.

 

36- وقال الشيخ ابن محمود في ص 23 تحت عنوان المقارنة بين أقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين: "إننا متى قابلنا بين العلماء المتقدمين والمتأخرين نجـد الفرق واسعا فلا مداناة فضلا عن المساواة إذ العلماء المتقدمون قد جمعوا بين العلم والعمل فهم أحق وأتقى وأقرب للتقوى، ولكن العلماء المتقدمين يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم ويستبعدون تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مؤمن بالله ولهذا أكثروا من أحاديث المهدي المتنوعة والمتضاربة والمختلفة حتى بلغت خمسين حديثا في قول الشوكاني كما نقلها عنه السفاريني في لوائح الأنوار وأورد ابن كثير في نهايته الكثير منها وفي كتب الشيعة أنها بلغت ألفا ومائتي حديث، والسبب أن من عادة علماء السنة المتقدمين (عمل) ؟ التساهل فيما يرد من أحاديث أشراط الساعة، كأحاديث المهدي والدجال ويأجوج ومأجوج وما كان من قبيل ذلك فلا يتكلمون في نقدها ولا إخضاعها للتصحيح ولا للتمحيص لعلمهم أنها أخبار آخرة متأخرة بخلاف أحاديث الأحكام وأمور الحلال والحرام وما يحتاجه الناس في عبادتهم ربهم والتعامل فيما بينهم في أمور دنياهم فقد بالغوا في تحقيقها بمعرفة رواتها وما يجوز فيها فهم بعلم صحيح نطقوا وببصر ناقد كفوا".

وتعليقي على هذا الكلام ما يلي:

أولا: ما ذكره عن العلماء المتقدمين من أنهم جمعوا بين العلم والعمل وأنهم أحق وأتقى وأقرب للتقوى وأن المتأخرين لا يدانونهم فضلا عن أن يساووهم هو كلام حق لكن الشيخ ابن محمود عقبه بما يكدر صفوه وهو لمزه للعلماء المتقدمين بالتغفيل إذ وصفهم بأنه "يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم ويستبعدون تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مؤمن بالله وأنهم لذلك أكثروا من أحاديث المهدي المتنوعة والمتضاربة والمختلفة". والواجب إحسان الظن بسلف هذه الأمة والثناء عليهم بما هم أهله دون تعرض لهم بلمز أو حط من شـأنهم.

ثانيا: علل الشيخ ابن محمود لإكثار العلماء المتقدمين من أحـاديث المهدي المتنوعة والمتضاربة والمختلفة على حد قوله بتعليلين أحدهما ما وصفهم به من أنهم يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم وأنهم يستبعدون تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم  من مؤمن بالله. والثاني أن من عادتهم التساهل فيما يرد من أحـاديث أشراط الساعة كأحاديث المهدي والدجال ويأجوج ومأجوج وأن ما كان من هذا القبيل لا يتكلفون في نقدها ولا إخضاعها للتصحيح ولا للتمحيص لعلمهم أنها أخبار آخرة متأخرة، وقد أجبت عما تضمنه التعليل الأخير من أن العلماء لا يتكلفون في نقد الأخبار المتعلقة بأشراط الساعة ولا إخضاعها للتصحيح ولا للتمحيص وذلك في رقم 35 إذ نقلت على سبيل التمثيل كلام جماعة من العلماء النقاد في تصحيح بعض الأحاديث الواردة في المهدي.

أما وصف الشيخ ابن محمود العلماء المتقدمين بأنه يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم وأنهم يستبعدون تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مؤمن بالله وأنهم لذلك أكثروا من أحاديث المهدي المتنوعة والمتضاربة والمختلفة فهو وصف لامز لا يليق بسلف الأمة ونقلة السنة الذين حمى الله بهم دينه وأقام شريعته فإن الله قد منحهم من الذكاء والفطنة والتثبت واليقظة ما جعلهم به أهلا لحفظ هذا الدين وأوعية لسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فقد روى ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل عن أحمد بن سنان قال: "سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: "خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن الحكم والحديث" يعني لا يستعمل حسن الظن في قبول الرواية عمن ليس بمرضي" انتهى، وروى أيضا عن أبيه عن أبي بكر المعيطي عبيد الله بن أبي وهب قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: "لا يجوز حديث الرجل حتى تجوز شهادته".

وروى بسنده إلى عمرو بن قيس قال: "ينبغي لصاحب الحديث أن يكون مثل الصيرفي الذي ينتقد الدراهم فإن الدراهم فيها الزائف والبهرج وكذلك الحديث". وروى عن أبيه عن عبدة بن سليمان قال: "قيل لابن المبارك هذه الأحاديث الموضوعة؟ قال: يعيش لها الجهابذة". وروى عن أبيه عن نعيم ابن حماد قال: "قلت لعبد الرحمن بن مهدي: كيف يعرف الكذاب؟ قال: كما يعرف الطبيب المجنون". وروى بسنده إلى ابن سيرين قال: "كان يقال إنما هذه الأحاديث دين فـانظروا عمن تأخذونها". وروى بسنده إلى يعقوب بن محمد بن عيسى قال: "كان ابن شهاب إذا حدث أتى بالإسناد ويقول لا يصلح أن يرقى السطح إلا بدرجة". وروى عن محمد بن يحيى عن زنيج قال: "سمعت بهز بن أسد يقول إذا ذكر له الإسناد الصحيح: هذه شهادات العدول المرضيين بعضهم على بعض وإذا ذكر له الإسناد فيه شيء  قال: هذا فيه عهدة ويقول: لو أن لرجل على رجل عشرة دراهم ثم جحده لم يستطع أخذها منه ألا بشاهدين عدلين فدين الله عز وجل أحق أن يؤخذ فيه بالعدول". هذه بعض نقول عن نقلة الآثار تبين مدى تيقظهم وتثبتهم وبعدهم عن التغفيل وإنها لإحدى الكبر أن يأتي آت في السنة المتممة للقرن الرابع عشر فيقول: "لكن العلماء المتقدمين يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم ويستبعدون تعمد الكذب على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من مؤمن بالله، ولهذا أكثروا من أحاديث المهدي المتنوعة والمختلفة والمتضاربة حتى بلغت خمسين حديثا في قول الشوكاني كما نقلها عنه السفاريني في لوائح الأنوار وأورد ابن كثير في نهايته الكثير منها". ثم إن هذا الناقد للعلماء المتقدمين الذي جاء في نهاية القرن الرابع عشر قد جاء في كلامه هذا بالذات ما يوضح عدم تمييزه بين من هو متقدم ومن هو متأخر إذ نسب إلى السفاريني أنه نقل في كتابه لوائح الأنوار عن الشوكاني أحاديث المهدي وكانت ولادة السفاريني في عام 1114 هـ ووفاته في عام 1188هـ أما الشوكاني فكانت ولادته في عام 1173 هـ ووفاته في عام 1250 هـ وقد ذكر السفاريني في أول كتابه لوامع الأنوار البهية أنه في سنة ثلاث وسبعين بعد المائة والألف طلب منه بعض أصحابه نظم أمهات مسائل اعتقاد أهل الأثر فنظمها في مائتي بيت وبضعة عشر بيتا وسماها الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية ثم بعد ذلك طلب منه هؤلاء الأصحاب شرح هذا النظم فشرحه بكتابه لوامع الأنوار البهية وهو واضح أن السفاريني بدأ بنظم الدرة المضية في السنة التي ولد فيها الشوكاني ثم بعد فراغه من النظم شرحه بكتابه لوامع الأنوار البهية الذي يقول الشيخ ابن محمود أنه نقل فيه عن الشوكاني أحاديث المهدي أن الوقت الذي كان السفاريني يؤلف فيه كتابه لوامع الأنوار البهية كان الشوكاني قبل سن الخامسة عشرة، وأحدهما في أرض الشام والثاني في أرض اليمن، والحاصل أن من العجب أن يجعل الشيخ ابن محمود السفاريني في الزمن بعد الشوكاني وأعجب منه أن يزعم أن السفاريني نقل في كتاب الأنوار البهية عن الشوكاني أحاديث المهدي وأما ما أشار إليه من رواية العلماء المتقدمين الأحاديث الكثيرة في المهدي المتناقضة والمتضاربة فسبق أن أوضحت أن ما كان منها ضعيفا لا يلتفت إليه وما كان منها صحيحا فهو مؤتلف غير مختلف ومتفق غير مفترق وذلك في رقم 7.

 

37- أثنى الشيخ ابن محمود في ص 26 على من وصفهم بعلماء الأمصار فقال: "إن علماء الأمصار - والحق يقال - متى طرقوا بحثا من البحوث العلمية التي يقع فيها الجدال وكثرة القيل والقال فإنهم يتبعون البحث تحقيقا وتدقيقا وتمحيصا وتصحيحا حتى يجعلوه جليا للعيان وصحيحا بالدلائل والبرهان وليس من شأن الباحث أن يفهم من لا يريد أن يفهم وقد قرروا قائلين: إن أساس دعوى المهدي مبني على أحاديث محقق ضعفها وكونها لا صحة لها الخ"، وقـال في ص 28: "إن بعض علمائنا عندما يرى أحدهم شيئا من الرسائل والبحوث الصادرة من علماء الأمصار المتأخرين وهي تعالج شيئا من المشاكل الهامة التي يمتد الخلاف فيها ويهتم كل الناس بأمرها كمسألة المهدي ونحوها فلا يعطي هذه الرسالة شيئا من الاهتمام والنظر خصوصا عندما يعرف أنها تخالف رأيه واعتقاده الخ".

وأقول تعليقا على هذا القول: إن من يطلع على هذا الكلام وهو خال الذهن قد يظن أن علماء الأمصار هؤلاء الذين يشبعون البحث تحقيقا وتدقيقا وتمحيصا وتصحيحا حتى يجعلوه جليا للعيان وصحيحا بالدلائل والبرهان هم من الجهابذة المتضلعين في علمي الرواية والدراية ولم يدر أنه ليس لدى الشيخ ابن محمود من هؤلاء المدققين المحققين الممحصين المصححين إلا أمثال أحمد أمين ومحمد فريد وجدي، ثم إن رسالة الشيخ ابن محمود في المهدي هذه هي من بحوث علماء الأمصار المتأخرين ويتضح للقارئ من خلال وقوفه على أخطائه الكثيرة التي لا يعذر في مثل بعضها طلاب العلم المبتدئون وخاصة ما أشرت إليه في أرقام 8 و 11 و 12 و 19 و 22، يتضح للقارئ أن هذا البحث لم يتبع تدقيقا وتحقيقا وتمحيصا وتصحيحا بل لم يشم رائحة هذه الصفات.

 

38- وقال الشيخ ابن محمود في ص 7: "وقد أعرض أكثر العلماء المحدثين عن إثبات أحاديث كثيرة في كتبهم عن أهل البيت لتسلط الغلاة على إدخال الشيء الكثير من الكذب في فضائلهم كما تحاشى عنها البخاري ومسلم والنسائي والدارقطني والدارمي فلم يذكروها في كتبهم المعتمدة وما ذاك إلا لعلمهم بضعفها مع العلم أن الدارمي هو شيخ أبي داود والترمذي وقد نزه مسنده عن أحاديث المهدي فلا ذكر لها فيه".

ويجاب عن ذلك بأن العلماء المحدثين الذين قاموا بتدوين الحديث الشريف في مصنفاتهم منهم من لا يلتزم بإخراج الصحيح ومنهم من يلتزم بإخراج الحديث الصحيح دون غيره كالبخاري ومسلم في صحيحيهما لكن لم يقل أحد من أهل العلم أن الأحاديث التي لا يخرجها الشيخان في الصحيحين غير صحيحة فإن الصحيح كما أنه موجود في الصحيحين فهو موجود في غيرهما وقد أوضحت ذلك في رقم 5.

أما الذين لم يلتزموا بإخراج الحديث الصحيح في كتبهم فهم يخرجون فيها الصحيح وغيره ومنهم من يبين درجة الحديث صحة وضعفا أو يبين حال بعض رجال إسناده ومنهم من لا يبين شيئا من ذلك اكتفاء بإيراده الإسناد الذي يتمكن من له أهلية النظر فيه من معرفة درجة الحديث وذلك بدراسة إسناده وماله من متابعات أو شواهد وهذه المؤلفات المشار إليها للنسائي والدارقطني والدارمي ليس كل ما فيها صحيحا وليس كل ما لم تشمله يكون ضعيفا كما يعرف ذلك صغار طلاب العلم وبناء على ذلك كان خلاف الواقع حتما ما زعمه الشيخ ابن محمود من أن "البخاري ومسلما والنسائي والدارقطني، والدارمي لم يذكروا أحاديث المهدي في كتبهم المعتمدة وما ذاك إلا لعلمهم بضعفها وأن الدارمي وهو شيخ أبي داود والترمذي قد نزه مسنده عنها" فإن تعليله عدم إخراجهم تلك الأحـاديث في كتبهم بقوله: "وما ذاك إلا لعلمهم بضعفها" افتيات عليهم ولا يكون ذلك مطابقا للواقع إلا لو وجد عنهم نصوصا تدل على أن سبب عدم ذكرهم إياها علمهم بضعفها، وأنى له ذلك، وكذا ما زعمه من أن الدارمي قد نزه مسنده عنها فإنه لا يقال لما لم يخرجه فيه أنه نزهه عنه إلا لو وجد عنه نص في شيء من ذلك كما لا يقال أن كل ما أخرجه فيه نزيه لأنه لم يلتزم إخراج الصحيح وقد قال الحافظ العراقي - كما نقله عنه السيوطي في تدريب الراوي: "اشتهر تسميته - يعني مسند الدارمي - بالمسند كما سمى البخاري كتابه بالمسند لكون أحاديثه مسندة" قال: "إلا أن فيه المرسل والمعضل والمنقطع والمقطوع كثيرا" انتهى.

ومعلوم أن المرسل والمعضل والمنقطع من أنواع الضعيف أما كون الدارمي الذي لم يخرج أحاديث المهدي في مسنده شيخا لأبي داود والترمذي اللذين خرجا أحاديث المهدي في كتابيهما فإن ذلك لا يقدح في إخراجهما هذه الأحاديث لأنه لا يلزم أن يكون ما خرجه تلميذ في كتابه طبقا لما خرجه شيخ له في كتابه وهذا من البديهيات ولو أن الدارمي خرج أحاديث المهدي في مسنده لما سلم من الدخول تحت قول ابن محمود: "ثم إن من عادة العلماء المحدثين والفقهاء المتقدمين أن بعضهم ينقل عن بعض الحديث والقول على علاته تقليدا لمن سبقه" إلى آخر كلامه الذي سقته وأجبت عنه في رقم 6.

 

39- وقال الشيخ ابن محمود في ص 85: "فلا حاجة للمسلمين في أن يهربوا عن واقعهم ويتركوا واجبهم لانتظار مهدي يجدد لهم دينهم ويبسط العدل بينهم فيركنوا إلى الخيال والمحالات ويستسلموا للأوهام والخرافات ثم يفرض عليه علماؤهم التحجر الفكري والجمود الاجتماعي على اعتقاد ما تربوا عليه في صغرهم وما تلقوه عن آبائهم ومشايخهم أو على رأي عالم أو فقيه يوجب الوقوف على رأي مذهبه وعدم الخروج عنه وعلى أثره يوجب عليهم الإيمان بشخص غائب هو من سائر البشر يأتي في آخر الزمان فينقذ الناس من الظلم والطغيان".

أقول: إن الله قد تكفل ببقاء هذا الدين وأن الموفقين لسعادة الدنيا والآخرة في مختلف العصور من جعلهم الله من أنصار دينه وفي صحيح البخاري من حديث معاوية رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي ولا تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله"، فلا يخلو عصر من العصور من إقامة شرع الله. والمهدي الذي أَخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو إلا حلقة في أواخر سلسلة طويلة ينصر الله به في زمنه دينه ذلك الزمن الذي يستشري فيه الشر ويخرج الدجال الأعظم، وليس للمسلمين في أي زمن أن يتركوا ما أوجبه الله عليهم من نصرة الدين اتكالا على ما جاء في أحاديث المهدي أما وصف الشيخ ابن محمود، التصديق بخروج المهدي بأنه ركون إلى الخيال والمحالات واستسلام للأوهام والخرافات فسبق أن ذكرت أن هذه المسألة من الأمور الغيبية وقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة عن خروجه في آخر الزمان والواجب التصديق بكل خبر يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأما ما تضمنه بقية كلامه من العتب على العلماء في بيانهم ما تضمنته النصوص من التصديق بشخص يأتي في آخر الزمان فإن واجب العلماء أن يكون كلامهم وبيانهم مبنيا على الأدلة الشرعية الثابتة لا على شبه عقلية واهية وهذا هو ما قام به علماء هذه الأمة سواء في الأخبار أو الأحكام.

 

40- وقال الشيخ ابن محمود في ص 4: "فإن قيل: كيف عرفتم أن هذه الأحاديث الكثيرة المسندة والمسلسلة عن عدد من الصحابة بأنها مختلقة وهي في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة ومسند الإمام أحمد والحاكم وغيرها من الكتب؟. فالجواب: أن هذه الأحاديث الكثيرة التي تبلغ خمسين حديثا في المهدي عند أهل السنة بعضها يزعمونها صحاحـا وبعضها من الحسان وبعضها من الضعاف - إلى أن قـال- فهذه الأحاديث هي التي أخذت بمجامع قلوب الأكثرين من علماء أهل السنة على حد ما قيل: والقوة للكاثر، على أن الكمية لا تغني عن الكيفية شيئا وأكثر الناس مقلدة، يقلد بعضهم بعضا وقليل منهم المحققون، فإن المحققين من العلماء المتقدمين والمتأخرين قد أخضعوا هذه الأحاديث للتصحيح والتمحيص وللجرح والتعديل فأدركوا فيها من الملاحظات ما يوجب عليهم ردها وعدم قبولها - ثم ذكر بعض الشبه في ذلك ثم قال: - فهذه وما هو أكثر منها مما جعلت المحققين من العلماء يوقنون بأنها موضوعة على لسان رسول الله وأنها لم تخرج من مشكاة نبوته وليست من كلامه فلا يجوز النظر فيها فضلا عن تصديقها". وقال في ص 36: "وقد كاد أن ينعقد الإجماع من العلماء المتأخرين من أهل الأمصار على تضعيف أحاديث المهدي وكونها مصنوعة وموضوعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل التعارض والتناقض والمخالفات والإشكالات مما يجعل الأمر جليا للعيان ولا يخفى إلا على ضعفة الأفهام، والله يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم".

وقال في ص 37: "وأرجو بهذا البيان أن تستريح نفوس الحائرين ويعرفوا رأي أهل العلم والدين في هذه المشكلة التي تثار من آن لآخر، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل".

وتعليقي على هذا الكلام أقول:

أورد الشيخ ابن محمود على نفسه سؤالا خطيرا قائلا: "فإن قيل: كيف عرفتم أن هذه الأحاديث الكثيرة المسندة والمسلسلة عن عدد من الصحابة بأنها مختلقة وهي في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة ومسند الإمام أحمد والحاكم وغيرها من الكتب؟" وإن من يقرأ هذا السؤال ليشعر بالألم والأسى لهذه الجرأة والتطاول على السنة ودواوينها وحفاظها ثم بعد إيراد هذا السؤال ماذا كانت الإجابة عليه؟ لقد كانت الإجابة عليه مجموعة من الشبه العقلية مصحوبة بالزعم بدون خجل أن هذه هي التي جعلت المحققين من العلماء يوقنون أن هذه الأحاديث موضوعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك تمويه وتدليس فإن المحققين من العلماء قديما وحديثا بريئون من هذا الزعم الباطل كما سأوضح ذلك بعد ذكر شبهه والإشارة إلى الإجابة عنها فشبهتان تتعلقان بما يقع نتيجة للتصديق بخروج المهدي من إثارة الفتن وقد أجبت عن ذلك في رقم 4 وشبهة تتضمن أنه من المحـال أن يوجب النبي صلى الله عليه وسلم على أمته التصديق برجل من بني آدم مجهول في عالم الغيب وهو ليس بملك مقرب ولا نبي مرسل الخ... وقد أجبت عن ذلك في رقم 29 وشبهة تتعلق بكون البخاري ومسلم لم يخرجا أحاديث المهدي في صحيحيهما وقد أجبت عن ذلك في رقم 5 وشبهة تتعلق بكون الأحاديث الواردة في المهدي متناقضة متعارضة وقد أجبت عن ذلك في رقم 7، وشبهة تتعلق بكونه ليس أول من كذب بأحاديث المهدي وأنه سبقه إلى ذلك بعض العلماء وقد أجبت عن ذلك في رقم 8 و 25.

... هذه هي الشبه التي عرف بها الشيخ ابن محمود كون أحاديث المهدي مختلقة مع كونها كثيرة مسندة مسلسلة عن عدد من الصحابة في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة ومسند الإمام أحمد والحاكم وغيرها من الكتب ثم لا يقف الأمر عند هذا الحد بل يسبق هذه الشبه ويعقبها نسبة ذلك إلى المحققين من العلماء فيقول قبل إيراد شبهه: فإن المحققين من العلماء المتقدمين والمتأخرين قد أخضعوا هذه الأحاديث للتصحيح والتمحيص وللجرح والتعديل فأدركوا فيها من الملاحظات ما يوجب عليهم ردها وعدم قبولها وقال بعد إيراد شبهه فهذه وما هو أكثر منها مما جعلت المحققين من العلماء يوقنون بأنها موضوعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها لم تخرج من مشكاة نبوته وليست من كلامه فلا يجوز النظر فيها فضلا عن تصديقها انتهى، ولا شك أن نسبة هذا الرأي إلى المحققين من العلماء المتقدمين والمتأخرين نسبة غير صحيحة وهو من التمويه والتلبيس الذي لا يليق أن يصدر من مثل الشيخ ابن محمود وأوضح دليل على ذلك أن كل الذين سماهم الشيخ ابن محمود في رسالته من المتقدمين ثلاثة ومن المتأخرين خمسة وقد مر ذكرهم وما يتعلق بإضافة تضعيف الأحاديث المهدي إليهم وذلك في رقم 18 وأوضحت في رقم 11 أن ابن القيم قد صحـح كثيرا من أحاديث المهدي في كتابه المنار المنيف وأن ما عزاه إليه الشيخ ابن محمود من أنه يضعف أحاديث المهدي في الكتاب المذكور عزو غير صحيح وأوضحت في رقم 12 أن الشاطبي لم يضعف أحاديث المهدي في كتابه الاعتصام ولم يصف القائلين بخروج المهدي في آخر الزمان بأنهم من أهل البدع وأن ما عزاه الشيخ ابن محمود إليه غير صحيح وثالث الثلاثة من المتقدمين الذين سماهم الشيخ ابن محمود في رسالته ابن خلدون وقد أوضحت في رقم 10 أنه لم يقل أن أحاديث المهدي ضعيفة كلها فضلا عن القول بأنها موضوعة وأوضحت أَنه ليس ممن يعتمد عليه في التصحيح والتضعيف أما بالنسبة للخمسة من المتأخرين الذين سماهم الشيخ ابن محمود في رسالته فإن الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع قد صحح بعض الأحاديث الواردة في المهدي كما أوضحت ذلك في رقم 13 وأما الشيخ أبو الأعلى المودودي فإنه في كتابه البيانات ذكر أن سند أي رواية من روايات أحاديث المهدي ليس من القوة حيث يثبت أمام مقياس البخاري ومسلم لنقد الروايات وبعد إشارته إلى بعض ضعف فيها في نظره قال: "غير أن من الصعب على كل حال القول بأن الروايات لا حقيقة لها أصلا فإننا إذا صرفنا النظر عما أدخل فيها الناس من تلقاء أنفسهم فإنها تحمل حقيقة أساسية هي القدر المشترك فيها وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيظهر في آخر الزمان زعيم عامل بالسنة يملأ الأرض عدلا ويمحو عن وجهها أسباب الظلم والعدوان ويعلي فيها حكم الإسلام ويعمم الرفاه في خلق الله".

وهذا واضح أن الشيخ أبا الأعلى المودودي لا يقول بأنها موضوعة بل الذي قاله أنها لم تصل إلى حد مقياس البخاري ومسلم لنقد الروايات وأن مجموع الروايات يثبت القدر المشترك بينها وهو أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بظهور زعيم عامل بالسنة في آخر الزمان ثم وقفت على رسالة للشيخ أبي الأعلى المودودي بعنوان: ((موجز تجديد الدين وإحيائه)).

ذكر فيها المهدي الذي يجدد الدين في المستقبل وقدمه في الذكر على المجددين الماضين إلا أن تاريخ تأليف هذه الرسالة سابق لتأليف رسالة البيانات ومن المعلوم أن الشيخ أبا الأعلى المودودي رحمه الله ليس من المشتغلين بالحديث النبوي الشريف وإنما هو من الكتاب الإسلاميين لكنه بحمد الله ليس من فئة العلماء المحققين في رأي الشيخ ابن محمود الذين جعلتهم الشبه العقلية يوقنون أن أحاديث المهدي موضوعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها لم تخرج من مشكاة نبوته وأنها ليست من كلامه فلا يجوز النظر فيها فضلا عن تصديقها، وأما الثلاثة الباقون وهم الشيخ محمد رشيد رضا ومحمد فريد وجدي والبلاغي فقد ذكرت في رقم 15 أن الشيخ محمد رشيد رضا أنكر ما هو أوضح من خروج المهدي وهو نزول عيسى عليه الصلاة والسلام من السماء وذكرت في رقم 16 أن محمد فريد وجدي زعم أن أحاديث الدجال كلها موضوعة ملفقة وأكثرها في الصحيحين وذكرت في رقم 18 أنني لم أقف على كتاب البلاغي لأتمكن من إبداء شيء بشأنه.

.. والحاصل أن الثمانية الذين سماهم الشيخ ابن محمود في رسـالته من المتقدمين والمتأخرين خرج منهم ابن القيم والشاطبي حتما فلم يقولا بضعف أحاديث المهدي كما زعم الشيخ ابن محمود وخرج ابن خلدون أيضا فإنه لم يقل بضعفها كلها فضلا عن القول بأنها موضوعة وخرج الشيخ ابن مانع والشيخ أبو الأعلى المودودي وبقي مع الشيخ ابن محمود من المتأخرين الذين سماهم الشيخ محمد رشيد رضا ومحمد فريد وجدي ومن المحتمل أن يكون البلاغي ثالثا لهم ومع الشيخ ابن محمود أيضا اثنان من كتاب القرن الرابع عشر قلدهما الشيخ ابن محمود ولم يسمهم في رسالته أحدهما الأستاذ أحمد أمين وقد مر ذكره في رقم 17 والثاني محمد فهيم أبو عبية وقد مر ذكره في رقم 33.

وهؤلاء الذين بقوا مع الشيخ ابن محمود أو بقي معهم هم الذين كاد أن ينعقد إجماعهم على أن أحاديث المهدي مصنوعة موضوعة إذ قال الشيخ ابن محمود في ص 36: "وقد كاد أن ينعقد الإجماع من العلماء المتأخرين من أهل الأمصار في تضعيف أحاديث المهدي وكونها مصنوعة وموضوعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل التعارض والتناقض والمخالفات والإشكالات مما جعل الأمر جليا للعيان ولا يخفى إلا على ضعفة الأفهام، والله يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم".

فإن هذا الإجماع المزعوم اعمدته الشيخ محمد رشيد رضا ومحمد فريد وجدي والبلاغي وأحمد أمين وأبو عبية والشيخ ابن محمود ونتيجته في كلام الشيخ ابن محمود أن أحاديث المهدي مصنوعة موضوعة بدليل تعارضها وتناقضها مما يجعل الأمر جليا للعيان ولا يخفى إلا على ضعفة الأفهام والوصف بضعف الفهم لم يسلم منه إلا أولئك الذين كاد أن ينعقد إجماعهم ومن لف لفهم والله المستعان، ثم إن هؤلاء الذين كادوا أن يجمعوا هم أهل العلم والدين في قول الشيخ ابن محمود في ص 57: "وأرجو بهذا البيان أن تستريح نفوس الحـائرين ويعرفوا رأي أهل العلم والدين في هذه المشكلة التي تثار بين آن وآخر". وهم أهل الكيفية في قول الشيخ ابن محمود: "فهذه الأحاديث هي التي أخذت بمجامع قلوب الأكثرين من علماء أهل السنة على حد ما قيل: والقوة للكاثر على أن الكعبة (كذا) الكمية لا تغني عن الكيفية شيئا وأكثر الناس مقلدة يقلد بعضهم وقليل منهم المحققون".

وإيضاحا للحق ودفعا للباطل أقول: إن علماء أهل السنة المعتد بهم في القديم والحديث مصدقون بالأحاديث الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم الدالة على خروج المهدي في آخر الزمان ولا ينكرها إلا شاذ عنهم وسبق أن أشرت في مواضع من هذا البحث إلى تسمية بعض علماء أهل السنة الذين احتجوا بأحاديث المهدي وقالوا بثبوت خروجه آخر الزمان وقد يكون من المناسب هنا تسمية عدد من هؤلاء العلماء ليتضح أن علماء أهل السنة المتبعين للنصوص الذين لا يعارضونها بالشبه العقلية كما أنهم أهل الكمية فهم أهل الكيفية وأن الذين شذوا عنهم ليسوا ذوي كمية ولا كيفية وليس ذلك للمقارنة والموازنة معاذ الله.

ألم تر أن السيف ينقص قدره

إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

1- الإمام أبو داود صاحب السنن المتوفى سنة 275 هـ.

2- الإمام أبو عيسى الترمذي صاحب الجامع المتوفى سنة 279 هـ.

3- الحافظ أبو جعفر العقيلي صاحب كتاب الضعفاء المتوفى سنة 223 هـ.

4- الإمام ابن حبان البستي صاحب الصحيح المتوفى سنة 354 هـ.

5- الحافظ أبو الحسين محمد بن الحسين الآبري السجزي صاحب كتاب مناقب الشافعي المتوفى سنة 363 هـ.

6- الإمام أبو سليمان الخطابي صاحب معالم السنن وغيره المتوفى سنة 388هـ، وإثباته لخروج المهدي في آخر الزمان ذكره صاحب تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي في شرح حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان وتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة.." الحديث.

7 - الإمام البيهقي صاحب السنن الكبرى وغيره المتوفى سنة 458 هـ. وقد مر حكاية كلامه وكلام غيره في تصحيح بعض أحاديث المهدي في رقم 35.

8- القاضي عياض صاحب كتاب الشفاء المتوفى سنة 544 هـ.

9- الإمام القرطبي المفسر المشهور وصاحب كتاب التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة المتوفى سنة 671 هـ.

10 - الإمام ابن تيمية صاحب الكتب الكثيرة الشهيرة المتوفـى سنة 738هـ ، وكتابه الذي صحح فيه بعض الأحاديث في المهدي منهاج السنة النبوية.

11- الإمام أبو الحجاج المزي صاحب كتاب تهذيب الكمال المتوفى سنة 742 هـ.

12- الإمام ا الذهبي صاحب الكتب الكثيرة المتوفى سنة 748 والكـتاب الذي صحح فيه بعض الأحاديث في المهدي تلخيص المستدرك.

13- الإمام ابن القيم صاحب الكتب الكثيرة المتوفى سنة 751 هـ. والكتاب الذي صحح فيه بعض الأحاديث في المهدي المنار المنيف في الصحيح والضعيف.

14- الإمام عماد الدين ابن كثير صاحب الكتب الكثيرة المتوفى سنة 774 هـ وقد صحح بعض الأحاديث في المهدي في كتابه النهاية.

15- الحافظ ابن حجر العسقلاني صاحب فتح الباري وتهذيب التهذيب وغيرهما المتوفـى سنة 852هـ.

16- الحافظ السخاوي صاحب كتاب فتح المغيث في شرح ألفية الحديث المتوفى سنة  902هـ.

17- الحافظ السيوطي صاحب الكتب الكثيرة وكتابه في المهدي العرف الوردي في أخبار المهدي، وكانت وفاته سنة 911هـ.

18- الأمير محمد بن اسماعيل الصنعاني صاحب كتاب سبل السلام وغيره المتوفى سنة 1182 هـ، وكلامه في المهدي وخروجه في آخر الزمان ذكره صديق حسن في كتابه الإذاعة.

19- القاضي محمد بن علي الشوكاني صاحب التفسير وكتاب نيل الأوطار وغيرهما المتوفى سنة 1250هـ، وكلامه في المهدي في رسالة سماها: التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والدجال والمسيح، نقل الشيخ صديق في كتابه الإذاعة عن هذا الكتاب.

20- الشيخ محمد بشير السهسواني صاحب كتاب صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان المتوفى سنة 1326هـ.

21- الشيخ شمس الحق العظيم آبادي صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود المتوفى سنة 1329هـ.

22- الشيخ عبد الرحمن المباركفوري صاحب كتاب تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي المتوفى سنة 1353هـ.

وهؤلاء الذين ذكرتهم قطرة من بحر من علماء أهل السنة القائلين بخروج المهدي في آخر الزمان استنادا إلى الأحاديث الصحيحة في ذلك وهم أهل الرواية والدراية وهم أهل الخبرة والاختصاص وهم العلماء المحققون الذين يعول على حكمهم وهم أهل الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف وهم أهل العلم والدين وهم أهل الكمية والكيفية..

.. وبهذا القدر أكتفي في كشف أخطاء الشيخ ابن محمود التي اشتملت عليها رسالته وذلك كاف في بيان قيمة هذه الرسالة التي لم تبن على أساس.

ولعل فضيلة الشيخ عبد الله المحمود يعيد النظر فيما كتب كما فعل من قبل شيخه الشيخ محمد ابن مانع رحمه الله فإن الحق ضالة المؤمن والحق أحق أن يتبع وأسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا لما فيه رضاه والفقه في دينه وأن يثبتنا على صراطه المستقيم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيهم يإحسان...

عن ثوبان وغيره أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"من قـال حين يمسي وحين يصبح: رضيت بالله ربّا، وبالإسلام ديناً، وبمحمـد صلى الله عليه وسلم نبيّا، كان حقّا على الله أن يرضيه" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

 "نشر بمجلة الجامعة الاسلامية العدد السادس و الأربعين ربيع الأخر 1400 ه"

nike-air-force-1-shadow-lucky-charms-dj5197-100-date-sortie | Sneakers Nike Shoes

الأقسام الرئيسية: