مذكرة التوحيد

مذكرة التوحيد

العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي

رحمه الله

كتاب في أصول التوحيد والعقيدة

علم العقيدة والتوحيد من اهم العلوم التى يجب على طالب العلم ان يصرف فيها جل وقته ويبحث من اجل هذا العلم

التوحيد هو أساس الإسلام ، وقوام الدين ، وهو زبدة الرسالات الإلهية وغايتها ، وقطب رحاها وعمدتها ، ترتكز كلها عليه ، وتستند في وجودها إليه وتتبدىء منه وتنتهي إليه

.

مقدمة فى تعريف التوحيد

وبيان الحكم وأقسامه

تعريف علم التوحيد

:

التوحيد لغة

: جعل المتعدد واحدا،ويطلق على اعتقاد أن الشئ واحد متفرد ،ويطلق شرعا على تفرد الله بالربوبية والألهية ،وكمال الاسماء والصفات.

وعلم التوحيد يبحث عما يجب لله من صفات الجلال والكمال ،وعما يجب للرسل والأنبياء، وما يستحيل عليهم،وما يجوز فى حقهم،وما يتصل بذلك من الإيمان بالكتب المنزلة،والملائكة الأطهار ،ويوم البعث والجزاء، والقدر والقضاء،وفائدته تصحيح العقيدة، والسلامة فى العواقب،ونيل السعادة فى الدارين،واسمه

(علم التوحيد وعلم أصول الدين)

بيان الحكم وأقسامه

:

الحكم أثبات أمر لأمر ،أو نفيه عنه

.مثاله:محمد رسول الله،ومسيلمة ليس برسول.

وينقسم الى ثلاثة أقسام

:عقلى،وشرعى،وعادى .

فالعقلى إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه بناء على وحى من الله ،مثل

:الصلوات الخمس فريضة على المكلفين ،ولا يجوز شرب الخمر.

والعادى إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه بناء على تجربة أو تكرار مثل

: الأمطار تكثر بالشواطئ.

وينقسم الحكم الشرعى إلى تكليفى

:

كوجوب الزكاة،وتحريم القمار واستنان ركعتى الفجر،وكراهية الأكل باليسار،وإباحة الطيبات من الطعام،والشراب واللباس ونحوها

.

ووضعى

:كسببية دخول الوقت لوجوب الصلاة،وشرطية الطهارة لصحتها،ومن ذلك:الصحة،والفساد،والرخصة،والعزيمة.

وينقسم العادى الى أربعة أقسام

:

ربط وجود بوجود،كربط الشبع بالأكل،وربط عدم بعدم كربط عدم المطر بعدم السحاب وربط وجود بعدم

: كربط البرد بعد اللباس والغطاء،وربط عدم بوجود:كربط عدم الصحة بوجود ميكروب المرض.

وينقسم الحكم العقلى إلى ثلاثة أقسام

:الوجوب، والاستحالة والجواز.

فالواجب

:هو الثابت الذى لا يقبل الانتفاء لذاته:كثبوت العلم والقدرة والمحبة والرضا والوجه واليدين ونحوها من الكمالات لله،فإنها صفات ثابتة له تعالى لا تقبل الانتفاء.

والمستحيل

: هو المنفى الذى لا يقبل الثبوت كشريك الباري والجمع بين النقيضين ورفعهما والجمع بين الضدين.

والجائز

: يقال له (الممكن) هو ما يقبل الوجود والعدم كالمخلوقات التى نشاهدها ،فإنها كانت معدومة فقبلت الوجود ثم بعد وجودها فهى قابلة للعدم.(وقد يطلق الواجب على الأمر الثابت من حيث تعلق علم الله بثبوته،وإن كان ممكنا فى ذاته)ويسمى الواجب لغيره كوجود انسان على كيفية معينة فى عصر معين فإن وقوعه على تلك الصفة فى ذلك العصر واجب باعتبار تعلق علم الله به كذلك،وإن كان ممكنا فى ذاته.

وقد يطلق المستحيل على امر معدوم يجوز أن يوجد لكنه امتنع وجوده لتعلق علم الله ببقائه على العدم، ويقال له

: المستحيل لغيره.

والذى يحتاج اليه من أقسام الحكم فى مباحث التوحيد وعليه تدور مسائله

والحكم العقلى

.

إما الشرعى

:/ فيبحث عنه فى علم الفقه واصوله وفى الأخلاق وآداب السلوك.

وأما العادى

: فله اتصال وثيق بالكونيات وسنن الله فيها وما يجرى البشر عليها من التجارب وما يستفاد منها بالتكرار. ومعنى كون الوجوب والاستحالة والجواز حكما عقليا أنها لازمة لما حكم له بها، لاتقبل التخلف عنه ولا الانفكاك .

فقولنا

: الله عليم وحكيم،والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان،والضدان لا يجتمعان قضايا لا تختلف أحكامها كما تختلف الأحكام العادية إكراما من الله لأوليائه،أو إثباتاُ لرسالة رسله،وكما تختلف الاحاكم الشرعية الفرعية بنسخ أو استثناءوليس المراد أنها تثبت بالعقل دون نصوص الشرع،فإنها نصوص الشرع قد جاءت بأصول الدين وكشف للعقل عما خفى عليه وقصر عن إدراكه من تفاصيل عقائد التوحيد وسلكت به طريق الحق،وهدته الى سواء السبيل.

ولولا ما جاء فيها من البيان لارتكس العقل فى حمأة الضلالة،وقام للناس العذر وسقط عنهم التكليف ،قال الله تعالى

(وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)الاسراء.

وقال

(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) النساء

وقال

(وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)طه

بل جاءت الرسل بما تحار فى إدراك حقيقة العقول وتعجز عن فهم كنهه الأفكار

:كس}ال الميت فى قبره،ونعيمه،وعذابه،وحياة أهل النار فى النار ،ولكنها لاتحيله،ولا تقوى على رده ،ولا تجد لديها من الأدلة الصحيحة ما ينقضه بل وصلت العقول بتيسير الله لها وهدايته إياها الى ما يصدق هذا وأمثاله مما جاء به الرسل ووقفت بما أتاح الله لها من الوسائل،وسخر لها من الكون ، وهداها اليه من التجارب على حقائق سبق أن أنكرتها،وسخرت ممن تحدث بها ،وربما رمته بالسحر،والكهانه،أو الخيال والجنون

وليس لشئ أكثر من أنها لم تقع تحت حسها ولم تكن من إلفها ومعهودها فوجب أن تعترف بقصورها وأن تقر بأن لأدراكها غاية لا تعدوها،وحدا تقف عنده وتؤمن بما صح من وحى الله لرسله وأن تسلم وجهها الى الله فإن اتهمت فلتتهم نفسها بالقصور والتقصير دون أن تتهم الله ورسله فإنها بذلك أولى ،وهى به أقعد

.

قال تعالى

0(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)فصلت

فإن حجب الإنسان بعد ذلك ركوبه لرأسه ،لجهالة ،أو كبر أو هوى فى نفسه،وحاول بالباطل ليدجض به الحق غلب على أمره ودارت عليه الدوائر

.قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (57)غافر

وقال تعالى

-: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (23)الجاثية

 

 

 

المسالة الأولى

إثبات أن العالم ممكن

إن ما شاهدناه في ماضينا من الكائنات ، وما نشاهده منها في حاضرنا ممكن : أي جائز الوجود ، والعدم : وذلك لأنا نراه يتحول من عدم إلي وجود ، ومن وجود إلي عدم ، وهذا التغير والتحول دليل إمكانه ، إذ لو كان واجباً لما سبق وجوده العدم ، ولقما لحقه فناء ، ولو كان مستحيلاً لما قبل الوجود لأن المستحيل لذاته لا يوجد ، وحيث إننا شاهدناه موجوداً بعد عدم ثبت أنه ممكن.

المسألة الثانية

الممكن محتاج إلي موجد ومؤثر

وحيث ثبت أن العالم ممكن ، والممكن ما استوى طرفاه الوجود والعدم بالنسبة إلي ذاته ، فوجوده ليس من ذاته ، وعدمه بعد وجوده ليس من ذاته ، إذن لابد له من سبب يرجح وجوده على العدم ، إذ لو وجد بدون سبب خارج عن ذاته وحقيقته للزم ترجيح أحد المتساويين على الآخر بلا مرجح ، وهو باطل : ولو أوجد الممكن نفسه للزم من ذلك أن يكون متقدماً على نفسه باعتباره خالقاً لها ، ومتأخراً على نفسه باعتباره مخلوقاً لها ، وتقدم الشيء على نفسه وتأخره عنها محال بالضرورة لما فيه من التناقض الواضح ، فثبت أن الممكن لا بد له من موجد غير ذاته وحقيقته ، يوجده ويدبر شؤونه في كل أحواله ، هذا المغاير : إما المستحيل ، وإما الواجب ، لا جائز أن يكون موجده هو المستحيل ،لأن المستحيل غير موجود فلا يؤثر ولأن فاقد الشيء لا يعطيه. فثبت أن موجده هو الواجب ، وهو الله تعالى.

وقد أرشدنا الله تعالى إلي ذلك في كثير من آيات القرآن الكريم.

قال تعالى

: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) (الطور:35)

فقد أنكر سبحانه أن يكونوا قد خلقوا بلا خالق ، وأن يكونوا قد خلقوا أنفسهم ، فإذن لا بد من خالق موجود مغاير لهم وهو الله تعالى .

ومن ذلك يتضح اتفاق الفطرة ، والعقل السليم والسمع على أن العالم محتاج إلي صانع ، ومستند إلي موجد أوجده.

 

 

المسالة الثالثة

في إثبات وجوب الوجود لله

سبحانه وتعالى

 

إن لفظ الوجود ، ومعناه المطلق ، يشترك فيهما كل من الممكن الواجب ، والحادث والقديم الأزلى . فالله يوصف بأنه موجود والحادث يقال له أيضاً إنه موجود ولكن للممكن وجد يخصه ، فإنه حادث سبق وجوده عدم ، ويلحقه الفناء ، وهو في حاجة دائمة ابتداءً ، ودواماً ، إلي من يكسبه ، ويعطيه الوجود ، بل يحفظه عليه. ولله تعالى وجود يخصه ، فهو سبحانه واجب الوجود لم يسبق وجوده عدم ، ولا يلحقه فناء ، ووجوده من ذاته لم يكسبه من غيره.

وذلك لأنه تعالى الغنى عن كل ما سواه ، وبذلك جاء السمع ، وشهد العقل.أما السمع : فمنه قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحديد:3)

وأما العقل : فبيانه أنه تعالى لو كان مستحيل الوجود لم يصح أن يستند إليه الممكن في حدوثه بداهة ، لأن المستحيل ما لا يتصور في العقل وجوده وفاقد الشيء لا يعطيه.

ولو كان ممكناً لافتقر في حدوثه إل يمن يرجح وجوده على عدمه لما تقدم ، فإن استمرت الحاجة ، فاستند كل في وجوده إلي نظير له من الممكنات لزم إما الدور القبلى . ، وأما التسلسل في المؤثرات إلي ما لا نهاية ، وكلاهما محال . وإذا انتفي عنه الإمكان. والاستحالة ثبت له الوجوب ضرورة. لأن أقسام الحكم العقلى ثلاثة ، وقد انتفى اثنان ، فتعين الثالث ، وهو الوجوب فالله تعالى واجب الوجود.

منها قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164)

الدور السبقي ، ويقال له القبلي

: هو توقف الشيء على ما توقف عليه ، وهو قسمان : مصرح ، ومضمر. فالمصرح ما كانت الواسطة فيه واحدة ، مثاله كأن يقال مثلاً خالد أوجد بكراً ، وبكر أوجد خالداً ، فبكر متوقف في وجوده على خالد ثم خالد توقف في وجوده على بكر والواسطة واحدة وهى بكر. ويقال له : هذا دور بمرتبة. فإن تعددت المراتب كانت بحبسها ، وهذا الدور باطل لما يلزمه من التناقض ، إذ يلزمه أن يكون الشيء سابقاً مؤثراً لا مؤثراً إلخ. بل يلزم أن يكون الشيء نقيض نفسه ضرورة المغايرة بين المتقدم والمتأخر ، والأثر والمؤثر. أما الدور المعنى مثل توقف الأبوة على البنوة والبنوة على الأبوة ، فجائز. لأنه من باب الإضافات ، وهى اعتبارية لا وجود لها. والتسلسل هو ترتب أمور بعضها على بعض بحيث يكون كل متأخر منها يتوقف في وجوده على سابق عليه. يكون علة له في وجوده إلي غير نهاية. ويسمى هذا النوع التسلسل بعبارة جامعة لهما فقال : هما أن يتوالى عروض العلية والمعلولية لا إلي نهاية ، بأن يكون كل ما هو معروض للعلية معروضاً للمعلولية ، ولا ينتهى إلي حالة تعرض له العلية دون المعلولية ، فإن كانت المعروضات متناهية ، فهو الدور بمرتبة إن كان اثنين ، وبمراتب إن كانت المعروضات فوق اثنين وإلا فهو التسلسل.

-

وهذه الآية ، وإن سيقت للاستدلال على توحيد الألوهية الذي تقدم قبلها في قوله تعالى (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (البقرة:163)

إلا أنها تدل قاطعة على توحيد الربوبية ، فإن استحقاقه

تعالى للعبادة ،واختصاصه بها فرع عن وجوده ، وانفراده بالخلق ، والتدبير ، والتصريف ، والتقدير.

ومنها قوله تعالى

: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ* أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ)

فهذه الآيات ، وإن ذكرت لتنزيه الله

تعالى وتقديسه عما ظنه به منكرو البعث ، وسيقت لإثبات قدرته على المعاد . كما يرشد إليه ما قبلها من الآيات ، فهى دليل أيضاً على وجوده تعالى ولا يعقل ذلك إلا إذا كان واجب الوجود.

فمن نظر إلي ما ترشد إليه هذه الآيات ، ونحوها من سنن الله في العالم نظراً ثاقباً ، وفكر في عجائب خلقها ، وحسن تنسيقها ، وشدة أسرها تفكيراً عميقاً ، وبحث في أحكامها ، وبديع صنعها بحثاً بريئاً من الهوى ، والحمية الجاهلية ، وأنصف مناظره من نفسه ، فلم يمنعه من فهم ما عرض عليه من الق ، والإذعان له كبر يرديه ، ولا عناد يطغيه ، واتضح له طريق الهدى

. واضطره ذلك أن يستيقن النتيجة ، ويؤمن من أعماق قلبه ، بأن للعالم رباً خلاقاً فاعلاً مختاراً حكيماً في تقديره ، وتدبيره أحاط بكل شيء علماً ، وهو على كل شيء قدير.

ومع قيام الدليل ، ووضوح السبيل ، تعامى فرعون موسى عن الحق ، وتجاهل ما استيقنته نفسه ، وأنكر بلسانه ما شهدت به الفطرة ، دل عليه العقل من وجود واجب الوجود ، فأقام موسى عليه الحجة ، بدلالة الأثر على المؤثر ، والصنعة على الصانع ، ووجود العالم ، وعظم خلقه على وجود الخالق ، وعظيم قدرته ، وسعى علمه ، وكمال حكمته ، فغلبه بحجته

.

وذلك بين واضح فيما حكاه الله عنهما من الحوار ، والسؤال والجواب

: قال تعالى ( قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ* قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ* قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) .

فانظر كيف وقف موسي موقف من يصدع بالحق ، ويقيم عليه البرهان ؟

وكيف وقف فرعون من موسى موقف السفهاء ، لا يملك إلا الشتم والسباب ، والسخرية ، والاستهزاء ، والتهديد بأليم العذاب ؟

‍‍!!

وقال تعالى

: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرائيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً) (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) وقال تعالى : (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).

إن فرعون حينما أخذته الحجة ، وانتصر عليه موسى ، لم يبق بيده سلاح إلا التمويه على قومه ، وإنذار موسى ومن آمن به أن يذلهم ، ويذيقهم العذاب الأليم

.

وإني له ذلك

! والله من ورائهم محيط ؟ ! وقد كتب على نفسه ان يجعل العاقبة للمتقين.

وقال تعالى

: (فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً).

وقد ورث ذلك الزيغ ، والإلحاد أناس ظهروا في عصور متعاقبة بأسماء مختلفة ، واشتهروا بألقاب متنوعة

.

فتارة يسمون بالدهريين

: وأخرى برجال الحقيقة ووحدة الوجود وأحياناً بالشيوعيين ، وأخرى بالوجوديين. ( اللقب الجديد ) وآونة بالبهائيين.

إلي غير ذلك من العبارات التى اختلفت حروفها ومبانيها ، وائتلفت مقاصدها ، واتحدت معانيها ، فكلها ترمى إلي غرض واحد ، وتدور حول محور واحد ، هو أنه ليس للعالم رب يخلق ويدبر ، وليس له إله يعبد ويقصد

.

وبما تقدم من دليل حاجة الممكن إلي موجد ، ودليل وجوب وجوده

تعالى يظهر لك فساد مذهبهم ، وخروجه عن مقتضي النظر ، وموجب العقل ، وما يصدق ذلك ، أن وجود العالم وليد الصدفة والاتفاق.

أو أنه نشأت أطواره عن تفاعل بين عناصر المادة ، فتفرقت إلي وحدات بعد اجتماع ، أو اجتمعت ، وائتلفت بعد تفرق واختلاف

. وصار لتلك الوحدات ، أو المركبات من الخواص ما لم يكن لها قبل هذا التفاعل ، وبذلك تجددت الظواهر ، وحدث ما نشاهده من تغيير ، وآثار مع جريانها على سنة لا تتبدل ، وناموس لا يختلف ، ولا يتغير.

وقيل له

: من الذي أودع تلك المادة طبيعتها ، وأكسبها خواصها ، فإنها إن كانت لها من ذاتها ، ومقتضي حقيقتها لم تقبل التغير والزوال لأن ما بالذات لا يتخلف ولا يزال ، وقد رأيناها تتبدل ، فلا بد لها من واهب هبها ، وفاعل مختار حكيم عليم يدبرها ، ويضعها في محالها ، وليس ذلك من المادة وحدها ، ولا من خواصها ، أو طبيعتها القائمة بها ، فإنها ليس لها من سعة العلم ، وكمال الحكمة ، وشمول المشيئة ، وعظيم القدرة ما ينتظم معه الكون على ما نشاهده من إحكام تبهر العقول دقته وجماله ، ومن إبداع يأخذ بمجامع القلوب ما فيه من شدة الأسر ، وقوة الربط بين وحداته ، وكمال التناسب ، والتكافؤ بين أجزائه ، وقيام كل من الآخر مقام الخادم من سيدة ، والراعى من رعيته.

ألا أن الطبيعة صماء لا تسمع ، بكماء لا تنطق ، عمياء لا تبصر ، جاهلة لا تعلم ، مسخرة لمن أودعها المادة ، خاضعة لتصريفه وتقديره ، سائرة على ما رسم لها من سنن لا تعدوها ، ونواميس لا تخرج عنها ، فأنى يكون لها خلق وإبداع أو إليها تنظيم وتدبير أو منها وحى وتشريع ؟ إنما ذلك إلي الله وحده ، تعالى الله عما يقول الملحدون

: (نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً) (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ* وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ).

ولا يعيب الحق بعد ذلك ان يتنكب طريقة من مسخت فطرته ، واتخذ إلهه هواه ، وأضله الله على علم ، وختم على سمعه ، وقلبه ، وجعل على بصره غشاوة ، ولا يضير الدعاة إلي الحق أن عدل عن طريقه المستقيم من انحراف مزاجه ، أو غلبته شهوته ، فخشي أن تحد الشريعة من نزغاته الخبيثة، وتحول دون وصوله إلي نزواته الدنيئة

. أو أطغاه كبره وسلطانه ، وخاف أن تذهب الشريعة بزعامته الكاذبة ، وسلطانه الجائز ، فوقف في سبيلها ، ولج في خصامها بغياً وعدواناً . فإن الله ناصر دينه ، ومؤيد رسله وأولياءه.

قال تعالى

(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) وقال سبحانه (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)

 

 

المسألة الرابعة

فى أنواع التوحيد

أنواع التوحيد ثلاثة

:

توحيد الربوبية

.

توحيد الأسماء والصفات

. ويقال له أيضاً : توحيد الخبر ، وتوحيد المعرفة والإثبات.

توحيد العبادة ويسمى

أيضاً توحيد الإلهية ، وتوحيد الإرادة والقصد ، وتوحيد الطلب .

توحيد الربوبية

أما توحيد الربوبية

: فهو توحيد الله تعالى بأفعاله. والإقرار بأنه خالق كل شيء ومليكه ، وغليه يرجع الأمر كله في التصريف والتدبير.

فهو الذي يحيى ويميت ، وهو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، وهو الذي يرسل الرسل ، ويشرع الشرائع ، ليحق الحق بكلماته ، ويقيم العدل بين عباده شرعاً وقدراً إلي غير ذلك مما لا يحصيه العد ، ولا تحيط به العبارة

. وهذا النوع من التوحيد قد أقرت به الفطرة ، وقام عليه دليل السمع والعقل ، ولم يعرف عن طائفة بعينها القول بوجود خالقين متكافئين في الصفات والأفعال. ومن نقل عنهم من طوائف المشركين نسبة شيء من الآثار والحوادث لغير الله ، كقوم هود ، حيث قالوا فيما حكاه الله عنهم :

(

إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ).

فإن ما نسبوه إلي آلهتهم إنما كان لزعمهم أنها وثيقة الصلة بالله ، وأنها شفيعة لمن عبدها ، وتقرب إليها بالقربين عند الله ، في جلب النقع له ، ودفع الضر عنه.

ومن أجل هذه الشائبة من الشرك في الربوبية نبه الله سبحانه على بطلانه ، وأنكر على من زعمه فقال تعالى

(مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) .

فبين

سبحانه وتعالى أنه لو كان معه إله يشركه في استحقاقه العبادة لكان له : خلق ، وملك ، وقهر وتدبير. إذ لا يستحق العبادة إلا من كان كذلك ، ليرجى خيره ونفعه ، فيطاع أمره وينفذ قصده ، و يخشي بأسه وبطشه. فلا يعتدى على حدوده ، ولا ينتهك حماه ، ولو كان له خلق ، وتدبير ، وملك وتقدير لعلا على شريكه وقهره إن قوى على ذلك ليكون له الأمر وحده ، ولذهب بخلقه ، وتفرد بملكه دون شريكه. إن لم يكن لديه القوة والجبروت ما يفرض به سلطانه على الجميع. فإن من صفات الرب تعالى كمال العلو ، والكبرياء ، والقهر ، والجبروت. وفي معنى هذه الآية قوله تعالى (قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً).

-

إذا كان المعنى المرادس لا تخذوا سبيلاً إلي مغالبته . وقيل : المعنى لا تخذوا سبيلاً إلي عبادته ، وتأليهه ، والقيام بواجب حقه. وابتغوا إلي رضاه سبيلاً. كما قال تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً) .

وقد استخلص بعض العلماء من ذلك دليلاً سموه

: دليل التمانع ، استدلوا به على توحيد الربوبية. قالوا : لو أمكن أن يكون هناك ربان يخلقان ، ويدبران أمر العالم لأمكن أن يختلفا بأن يريد أحدهما وجود شيء ويريد الآخر عدمه ، أو يريد أحدهما حركة شيء ويريد الآخر سكونه. وعند ذلك إما أن يحصل مراد كل منهما ، وهو محال . لما يلزمه من اجتماع النقيضين ، وإما أن يحصل مراد واحد منهما دون الآخر فيكون الذي نفذ مراده هو الرب ون الآخر لعجزه ، والعاجز لا يصلح أن يكون رباً .

توحيد الأسماء والصفات

وأما توحيد الأسماء والصفات

: فهو أن يسمى الله ويوصف ، بما سمى ووصف به نفسه ، أو سماه ، ووصفه به رسوله (صلى الله عليه وسلم) ، من غير تحريف ، ولا تأويل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

ومن تبصر في العالم ، وعرف شؤونه وأحواله تبين له كمال تعلقه خلقاً وأمراً بأسماء الله الحسنى ، وصفاته العليا ،وارتباطه بها أتم ارتباط ، وظهر له أن الوجود كله آيات بينات ، وشواهد واضحات على أسماء الله وصفاته

.

وقد ذكر

( ابن القيم ) في ك " مدارج السالكين " طريقين لإثبات الصفات :

1-

الوحى الذي جاء من عند الله تعالى على لسان رسوله (صلى الله عليه وسلم).

2-

الحس الذي شاهد به البصير آثار الصنعة قال رحمة الله تعالى في بيان الطريق الأول :

فأما الرسالة فإنها جاءت بإثبات مفصلاً على وجه أزال الشبهة ، وكشف الغطاء ، وحصل العلم اليقين ورفع الشك المريب ،م فثلجت له الصدور ، واطمأنت به القلوب ،واستقر به الأيمان في نصابه

.

ففصلت الرسالة الصفات ، والنعوت ، والأفعال ، أعظم من تفصيل الأمر والنهى ، وقررت إثباتها أكمل تقرير

. فما ابلغ لفظة وأبعده من الإجمال ، والاحتمال ، وأمنعه من قبول التأويل ، ولذلك كان التأويل لآيات الصفات ، وأحاديثها بما يخرجها عن حقائقها من جنس تأويل آيات المعاد وأخباره. بل أبعد منه . لوجوده كثيرة ذكرتها في كتاب : " الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ". بل تأويل آيات الصفات بما يخرجها عن حقائقها ، كتأويل ىيات الأمر والنهى سواء ، فالباب كله باب واحد ، ومصدره واحد ، ومقصده واحد ، وهو إثبات حقيقتها والإيمان بها.

وكذلك سطا على تأويل المعاد قوم

. وقالوا : فعلنا فيها ، كفعل المتكلمين في آيات الصفات ، بل نحن أعذر فإن اشتمال الكتب الإلهية على الصفات ، والعلوم ، وقيام الأفعال اعظم من نصوص المعاد للأبدان بكثير ، فإذا ما ساغ لهم تأويلها ، فكيف يحرم علينا نحن تأويل آيات المعاد !

وكذلك سطا قوم آخرون على تأويل آيات الأمر ، والنهى وقالوا ك فعلنا فيها ، كفعل أولئك في آيات الصفات مع كثرتها ، وتنوعها

. وآيات الأحكام لا تبلغ زيادة على خمسمائة آية . قالوا : وما يظن أنه معارض من العقليات لنصوص الصفات ، فعندنا معارض عقلى لنصوص المعاد من جنسه ، وأقوى منه.

-

وقالوا متأولو آيات الأحكام على خلاف حقائقها ، وظواهرها ، والذي سوغ لنا هذا التأويل القواعد التى اصطلاحتموها لنا ، وجعلتموها أصلاً نرجع إليه ، فلما طردناها أن الله ما تكلم بشيء قط ، ولا يتكلم ، ولا يأمر ، ولا له صفة تقوم به ، ولا يفعل شيئاً.

-

وطرد هذا الأصل لزوم تأويل آيات الأمر والنهى ، والوعد ، والوعيد والثواب ، والعقاب ، وقد ذكرنا في كتاب الصواعق أن تأويل آيات الصفات ، وأخبارها بما يخرجها عن حقائقها هو أصل فساد الدنيا الدين ، وزوال الممالك ، وتسليط أعداء الإسلام عليه إنما كان بسبب التأويل. ويعرف هذا من له اطلاع ، وخبرة بما جرى في العالم .

ولهذا يحرم عقلاء الفلاسفة التأويل مع اعتقادهم بصحته ، لأنه سبب لفساد العالم ، وتعطيل للشرائع

. ومن تأمل كيفية ورود آيات الصفات في القرآن والسنة علم قطعاً بطلان تأويلها بما يخرجها عن حقائقها ، فإنها وردت على وجه لا يحتمل التأويل بوجه. فانظر غلي قوله تعالى :

(

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ). هل يحتمل هذا التقسيم والتنويع تأويل إتيان الرب جلل جلاله بإتيان ملائكته وآياته ؟ وهل يبقي مع هذا السياق شبهة أصلاً في أنه إتيانه بنفسه !

وكذلك قوله تعالى

(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) إلي أن قال : ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً).

ففرق بين الإيحاء العام ، التكلم الخاص ، وجعلهما نوعين ، ثم أكد فعل التكليم بالمصدر الرافع لتوهم ما يقوله المحرفون

. كذلك قوله : (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ).

فنوع تكليمه إلي تكليم بغير واسطة وكذلك قوله لموسى ، عليه السلام

: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي ) ففرق بين الرسالة والكلام . والرسالة إنما هى بكلامه. وكذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم : " إنكم ترون ربكم عياناً كما ترون القمر ليلة البدر في الصحو ليس بينه سحاب وكما ترون الشمس في الظهيرة صحوا ليس دونها سحاب "

ومعلوم أن هذا البيان والكشف ، والاحتراز ينافى إرادة التأويل قطعاً ولا يرتاب في هذا من له عقل ودين

.

الطريق الثانى

: من طرق إثبات الصفات دلالة الصفة عليها ، فإن المخلوق يدل على وجود خالقه ، وعلى حياته ، وعلى علمه ، ومشيئته. فإن الفعل الاختياري يستلزم ذلك استلزاماً ضرورياً. فما فيه من الإتقان ، والإحكام ووقوعه على أكمل الوجوه يدل على حكمة فاعله وعنايته ، وما فيه الإحسان ، والنفع ،ووصول المنافع العظيمة إلي المخلوق يدل على رحمة خالقه ، وإحسانه ، وجوده ، وما فيه من آثار الكمال يدل على أن خالقه أكمل منه ، فمعطى الكمال أحق بالكمال.

وخالق الأسماع ، والأبصار ، والنطق أحق أن يكون سميعاً بصيراً متكلماً

.

وخالق الحياة ، والعلوم ، والقدر ، والإرادات أحق بأن يكون هو كذلك في نفسه ، فما في المخلوقات من أنواع التخصيصات هو من أدل شيء على إرادة الرب

سبحانه ومشيئته ، وحكمته التى اقتضت التخصيص ، وحصول الإجابة عقب سؤال الطالب على الوجه المطلوب دليل على علم الرب تعالى بالجزيئات ، وعلى سمعه لسؤال عبيده ، وعلى قدرته على قضاء حوائجهم ، وعلى رأفته ورحمته بهم ، والإحسان غلي المطيعين ، والتقرب إليهم ، والإكرام لهم ، وإعلاء درجاتهم يدل على محبته ورضاه. وعقوبته للعصاة والظلمة ، وأعداء رسله بأنواع العقوبات المشهودة تدل على صفة الغضب. والسخط والإبعاد ، والطرد ، والإقصاء يدل على المقت والبغض.

-

فهذه الدلالات من جنس واحد عند التأمل ، ولهذا دع سبحانه عباده إلي الاستدلال بذلك على صفاته . فهو يثبت العلم بربوبيته ، ووحدانيته ، وصفات كماله بآثار صنعته المشهودة ، والقرآن مملوء بذلك ، فيظهر شاهد اسم الخالق من المخلوق نفسه ، وشاهد اسم الرزاق من وجود الرزق والمرزوق ، وشاهد اسم الرحيم من شهود الرحمة المبثوثة في العالم ، واسم المعطى من وجود العطاء الذي هو مدار لا ينقطع لحظة واحدة ، واسم الحليم من حلمه على الجناة ، والعصاة وعدم معاجلتهم بالجزاء واسم الغفور ، والتواب من مغفرة الذنوب ،وقبول التوبة . ويظهر اسم الحكيم من العلم بما فى خلقه ، وأمره من الحكم ، والمصالح ، ووجود المنافع .

-

وهكذا كل أسم من أسمائه الحسنى له شاهد في خلقه وأمره. يعرفه من عرفه ، ويجهله من جهله. فالخلق ، والأمر من أعظم شواهد أسمائه وصفاته . وكل سليم العقل ، والفطرة يعرف قدر الصانع ، وحذقه على غيره ، وتفرده بكمال لم يشاركه فيه غيره من مشاهدة صنعته فكيف لا تعرف صفات من هذا العالم العلوى والسفلي ، وهذه المخلوقات من بعض صنعه ، وإذا اعتبرت المخلوقات ، والمأمورات ، وجدتها بأسرها كلها دالة على النعوت ، والصفات ، وحقائق الأسماء الحسنى ، وعلمت أن المعطلة من أعظم الناس عمى ، ومكابرة ، ويكفى ظهور شاهد الصنع فيك خاصة ، كما قال تعال : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) .

فالموجودات بأسرها شواهد صفات الرب

جل جلاله ونعوته ، وأسماؤه ، هي كلها تشير إلي الأسماء ، هى كلها تشير إلي الأسماء الحسنى ، وحقائقها ، وتنادى بها وتدل عليها ، وتخبر بها بلسان النطق والحال ، كما قيل ك

تأمل طور الكائنات فإنها

من الملك الأعلى إليك رسائل

وقد خط فيها لو تأملت ما بها

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

تشير بإثبات الصفات لربها

فصامتها يهدى ومن هو قائل

-

فلست ترى شيئاً أدل على شيء من دلالة المخلوقات على صفات خالقها ، ونعوت كماله ، وحقائق أسمائه. وقد تنوعت أدلتها بحسب تنوعها فهى تدل عقلاً ، وحساً ، وفطرة ، واعتباراً. أ هـ .

توحيد الإلهية

-

وأما توحيد الإلهية : فهو إفراد الله بالعبادة : قولاً وقصداً ، وفعلاً فلا ينذر إلا له ، ولا تقرب القرابين إلا إليه ولا يدعى في السراء والضراء إلا إياه ،ولا يستغاث إلا به ، ولا يتوكل إلا عليه ، إلي غير ذلك من أنواع العبادة. وهذا النوع هو الذي بعثت به الرسل ، وأنزلت به الكتب ، وبدأ به كل رسول دعوته ، ووقعت فيه الخصومة بينه وبين أمته.

وهو الذي من أجله شرع الجهاد ، وقامت الحرب على ساقها بين الموحدين والمشركين

.

والطريق الفطرى فثبات توحيد الإلهية الاستدلال عليها بتوحيد الربوبية

. فإن قلب الإنسان يتعلق أولاً بمصدر خلقه ومنشأ نفعه وضره ، ثم ينتقل بعد ذلك إلي الوسائل التى تقربه إليه ، وترضيه عنه ، وتوثق الصلات بينه وبينه ، فتوحيد الربوبية باب لتوحيد الإلهية.

من أجل ذلك احتج الله على المشركين ،

, أرشد رسوله إلي هذه الطريقة وأمره أن يدعو بها قومه ، قال تعالى : (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ).

-

فقد استدل بتفرده بالربوبية ، وكمال التصرف ، وحمايته ما يريد أن يحميه ، على استحقاقه وحده للعبادة ، ووجوب إفراده بالإلهية قال تعالى : (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ). فأخبر بأن البعث آت لا محالة ونزه نفسه عما زعمه المشركون من الشركاء ، ثم استدل سبحانه على قدرته على البعث ، وتفرده باستحقاقه الإلهية بآياته الكونية ، فقال تعالى :( خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) .

إلي قوله تعالى

( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ*وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُون وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ* إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ) وقال تعالى :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ، إلي أن قال (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) . فجعل سبحانه تفده بالربوبية خلقاً للحاصرين والسابقين ،وتمهيده الأرض ، ورفعه السماء بغير عمد يرونها ، وإنزاله الأمطار ليحيى بها الأرض بعد موتها. ويخرج بها رزقاً لعباده باباً إلي توحيد الإلهية وآية بينه على استحقاقه وحده العبادة.

وقال تعالى

: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ). فقررهم سبحانه بما لا يسعهم إنكاره ، ولا مخلص لهم من الاعتراف به من تفرده بالرزق ، والملك والتدبير ، والإحياء والأمانة ، والبدء ، والإعادة والإرشاد ، والهداية ليقيم به عليهم الحجة في وجوب تقواه دون سواه. وينكر عليهم حكمهم الخاطئ وشركهم الفاضح ، وعكوفهم على من لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً ، ولا حياة ولا نشوراً.

قال تعالى

: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ) ، إلي قوله تعالى : (أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).

فأنكر

سبحانه أن يكون معه من خلق ، ودبر ، أو صرف وقدر ، أو يجيب المضطر إذا دعاه ، ويكشف السوء ، أو يولى ، أو يعزل ، وينصر ، ويخذل ، أو ينقذ من الحيرة ، ويهدى من الضلالة ، وأو يبدىء ويعيد ، ويبسط الرزق لمن يشاء ، ويقدر إلي غير ذلك مما أستأثر الله به.

وهذا مما استقر في فطرتهم ، ونطقت به ألسنتهم ، وبه قامت الحجة عليهم فيما دعتهم إليه الرسل من توحيد العبادة

. وما ذكر من الآيات قليل من كثير.

-

من سلك طريق القرآن في الاستدلال ، واهتدى بهدى الأنبياء في الحجاج اطمأنت نفسه ، وقوى يقينه ، وخصم مناظره ( أي انتصر عليه).

فإن في ذلك الحجة ، والبرهان من جهتين

:

الأول

: أنه خبر المعصوم.

الثاني

: أنه موجب الفطرة ، ومقتضى العقل الصحيح.

المسألة الخامسة

فى الفرق بين النبى والرسول

المسألة السادسة

فى إمكان الوحي والرسالة

:

الوحى لغة

:الاعلام فى خفاء باشارة ،أو كتابة،أو الهام،أو مناجاة، أو نحو ذلك.

شرعا

:هو إعلام الله نبيه بحكم شرعى ،ونحوه،بواسطة أو بغير واسطة,

لا يبعد في نظر العقل ، ولا يستحيل في تقدير الفكر ، أو يختص واهب النعم ومفيض الخير سبحانه ، بعض عباده بسعة في الفكر ورحابة في الصدر ، وحسن قيادة وكمال صبر وسلامة في الأخلاق ليعدهم بذلك لتحمل أعباء الرسالة ، ويكشف لهم عما أخفاه عن غيرهم ، ويوحى إليهم بما فيه سعادة الخلق وصلاح الكون ، رحمة للعالمين وأعذاراً إلي الكافرين ، وإقامة للحجة على الناس أجمعين فإنه سبحانه بيده ملكوت كل شيء وهو الفاعل المختار لا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع وهو على كل شيء قدير ، وآية ذلك أنا نشاهد الله سبحانه خلق عاده على طرائق شتى في أفكاره ، ومذاهب متباينة في مداركهم ، فمنهم من سما عقله واتسعت مداركه وأطلع من الكون على كثير من أسراره حتى وصل بما منحه الله من ثاقب الفكر ويسر له من التجارب إلي أن اخترع للناس ما رفع إليه من أجله أولو الألباب رؤوسهم إعجاباً به ، وشهادة له بالمهارة ، وأنكره عليه صغار العقول وعدوه شعوذة وكهانة أو ضرباً من ضروب السحر

. ولم يزالوا كذلك حتى استبان لهم بعد طول العهد ومر الأزمان ما كان قد خفى عليهم فأذعنوا له وأيقنوا بما كانوا به يكذبون.

ومنهم من ضعف عقله وضاقت مداركه ، فعميت عليه الحقائق واشتبه عليه الواضح منها ، فأنكر البديهات ورد الآيات البينات ، ومنهم من انتهى به انحراف مزاجه واضطراب تفكيره إلي أن أنكر ما تدركه الحواس كطوائف السوفسطائية

.

وكما ثبت التفاوت بين الناس في العقول والأفكار بضرورة النظر وبديهة العقل ، ثبت التفاوت بينهم أيضاً في قوة الأبدان وضعفها ، وسعة الأرزاق وضيقها ونيل المناصب العالية والاستيلاء على زمام الأمور ، وقيادة الشعوب والحرمان من ذلك إما للعجز وإما للقصور أو التقصير وإما لحكم أخرى يعلمها بارئ الكائنات ، ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ، ورما كشف الغطاء عن كثير منها لمن تدبر القرآن وعرف سيرة الأنبياء وتاريخ الأمم وما جرى عليها من أحداث

.

فمن شاهد ما مضت به سنة الله في عباده ، من التفاوت بينهم في مداركهم وقواهم وإرادتهم وغير ذلك من أحوالهم ، لم يسعه إلا أن يستسلم للأمر الواقع ويستيقن أن الله ينبىء من شاء من خلقه ، ويصطفى من أراد من عباده

(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً). (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) . (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).

بل هذا الحوار وأمثاله مما دار بين الرسل وأممهم يدل على أنهم لم يكونوا أصل الرسالة ، ولم يكونوا يستبعدون أن يصطفي الله روحاً طيبة لوحيه أو يختار نفساً طاهرة لتبلغ رسالته وهداية خلقه ، لكنهم استبعدوا أن كون ذلك الرسول من البشر ، وظنوا خطأ أنه إنما يكون من الملائكة ، زعماً منهم أن البشرية تنافى الرسالة ، فمهما صفت روح الإنسان وسمت نفسه ، واتسعت مداركه ، فهو في نظرهم أقل من أن يكون أهلاً لأن يوحى الله إليه وأحقر من أن يختاره سبحانه لتحمل أعباء رسالتهم

.

وقد ذكر الله عنهم هذه الشبهة وردها بما لا يسع العاقل إلا قبوله والإذعان له ، ومن نظر في الكتب المنزلة وتصفح ما رواه علماء الأخبار مما دار بين الأنبياء وأممهم من الجدال والحجاج اتضح له ذلك

.

قال تعالى

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ). الآيات إلي قوله )قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ).

فانظر كيف فروا من ميدان المناظرة إلي استعجال الهلاك ، وطلبوا ذلك من نوح فبين لهم أن ذلك إلي الله لا إليه إن عليه إلا النصح والبلاغ المبين ، وإقامة الحجة والبرهان

. وقال تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقَالُوا أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ* سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ) . فذكر شبهتهم ثم ردها بما آتاه من المعجزة الدالة على صدقه ، وبنصره وإهلاكهم فإن العاقبة للمتقين.

وقال تعالى

(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً )

وقال تعالى

: (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) . إلي غير ذلك من الآيات التى دلت على أن إنكار الأمم لم يكن لأصل الرسالة ، إنما كان لبعث رسول إليهم من جنسهم.

ولو قال قائل ، إن أئمة الكفر ، وزعماء الضلالة ، كانوا يوقنون بإمكان أن يرسل الله رسولاً من البشر ، غير أنهم جحدوا ذلك بألسنتهم حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ، وتمويهاً على الطغام من الناس ، وخداعاً لضعفاء العقول ، وتلبيساً عليهم خشية أن يستجيبوا إلي مقتضى الفطرة ، ويسارعوا إلي داعى الدين ومتابعة المرسلين

لو قال ذلك قائل التى تؤيد ذلك وتصدقه وسبق إلي لسانهم ما يرشد البصير إلي ما انطوت عليه نفوسهم من الحسد والاستكبار أن يؤتى الرسل ما أوتوا دونهم وأن ينالوا من الفضيلة وقيادة الأمم لي الإصلاح ما لم ينل هؤلاء قال تعالى : (وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ )

وقال تعالى

(وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)

وقال تعالى

(فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) وقال تعالى : ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ).

وقال تعالى

(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

هذا وليس بدعاً أن يختار الله نبياً من البشر ، ويبعث إليهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، بل ذلك هو مقتضي الحكمة وموجب العقل

. فإن الله سبحانه قد مضت سنته في خلقه أن يكونوا أنواعاً مختلفة على طرائق شتى ، وطبائع متباينة ، لكل نوع غرائزه وميوله أو خواصه ومميزاته التي تقضي الأنس والتآلف بين أفراده ، وتساعد على التفاهم التعاون بين جماعاته ليستقيم الوجود ، وينتظم الكون ، فكان اختيار الرسول من الآمة أقرب إلي أخذها عنه ، وأدعى إلي فهمها منه ، وتعاونها معه لمزيد التناسب ومكان الألف بين أفراد أنوع الواحد. لو كان عمار الأرض من الملائكة لاقتضت الحكمة أن يبعث الله إليهم ملكاً رسولاً وقد أرشد الله إلي ذلك في رده على من استنكر أن يرسل إلي البشر رسولاً منهم . قال تعالى (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً * قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً)

ولكن شاء الله أن يجعل عمارة الأرض من البشر ، فاقتضت حكمته أن يرسل إليهم رسولاً من أنفسهم ، بل اقتضت حكمته ما هو أخص من ذلك ليكون أقرب إلي الوصول للغاية وتحصيل المقصود من الرسالة

. فكتب على نفسه أن يرسل كل رسول بلسان قومه قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )

ولو قدر أن الله أجاب الكفار إلي ما طلبوا من إرسال ملك إليهم لجعل ذلك الملك في صورة رجل ، ليتمكنوا من أخذ التشريع عنه والإقتداء به فيما يأتى ويذر ، و يخوض معهم مادين الحجاج والجهاد

. وإذ ذاك يعود الأمر سيرته الأولى ، كما لو أرسل الله رسوله من البشر ، ويقعون في لبس وحيرة جزاء وفاقاً قال تعالى (وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ)

ومن نظر في آيات القرآن وعرف تاريخ الأمم تبين له أن سنة الله في عباده أن يرسل إليهم رسولاً من أنفسهم

. قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)

وقال تعالى

(وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً).أفكاره

فى حاجة البشر إلى الرسالة

:

 

الأفعال الاختيارية

: منها ما تمد عقباه فيجمل فعله ، والحرص عليه ، ولو ناله في سبيل تحصيله حرج ومشقة ، وأصابه في عاجل أمره كثير من الآلام . ومنها ما تسوء مغبته ، فيجدر بالعاقل أن يتماسك دونه ، وأن يتنكب طريقه ، خشيه شره ، وطلباً للسلامة من ضره ، وإن كان فيه ما فيه من الملذات العاجلة التى تغرى الإنسان بفعله وتخدعه عما فيه سلامة نفسه.

غير أن عقله قد يقصر في كثير من شؤونه ، عن التميز بين حسن الأفعال وتقبيحها ، ونافعها وضارها ، فلا بد من معين يساعده على ما قصر عنه إدراكه ، وقدس يعجز كلياً عن العلم بما يجب عليه علمه ، لأنه ليس في محيط عقله ، ولا دائرة فكره ، مع ما في علمه من صلاحه وسعادته ، وذلك

: كمعرفته الله ، واليوم الآخر والملائكة تفصيلاً ، فكان في ضرورة إلي من يهديه إلي الطريق في أصول دينه ، وقد يتردد في أمر إما لعارض هوى وشهوة ، أو لتزاحم الدواعى واختلافها ، فيحتاج إلي من ينقذه من الحيرة ، ويكشف له حجاب الضلالة بنور الهداية ، فبان بذلك حاجة الناس إلي رسول يخرجهم من الظلمات إلي النور ، ويكلمهم بمعرفة ما قصرت عنه أفهامهم ، ويوقفهم على حقيقة ما عجزوا عنه ، ويدفع عنهم الألم والحيرة ، ومضرة الشكوك.

-

ضف إلي ذلك أن تفاوت العقول والمدارك ، وتباين الأفكار ، واختلاف الأغراض ، والمنازع ، ينشأ عنه تضارب الآراء وتناقض المذاهب ، وذلك يفضي إلي سفك الدماء ، ونهب الأموال ، والاعتداء على الأعراض وانتهاك الحرمات ، وبالجملة ينتهى إلي تخريب وتدمير ، لا إلي تنظيمٍ وحسن تدبير ، ولا يرتفع ذلك إلاس برسول يأتي بفصل الخطاب ، ويقيم الحجة ، ويوضح المحجة ، فاقتضت حكمة الله أن يرسل رسله رحمة بعباده ، وإقامة للعدل بنهم ، تبصيراً لما يجب عليهم من حقوق خالقهم ، وإعانة لهم على أنفسهم ، وأعذاراً إليهم ، فإنه لا أحد أحب إليه العذر من الله.

من أجل ذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب

. ، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن سعد بن عبادة قال : لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح ( أي بحده لا بصفحته )فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أتعجبون من غيرة سعد ، لأنا أغير منه ، والله أغير منى ، ومن أجل غيره\ة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله ، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين ، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله ، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة ).

بهذا يتبين أن إرسال الله لرسل إلي الناس مبشرين ومنذرين هو مقتضي حكمته ، وموجب فضله وإحسانه ورحمته بعباده والله عليم حكيم

.

ومما تقدم يعلم أن إرسال الله الرسل مما يدخل في عموم قدرته

تعالى وتقتضيه حكمته ، فضلاً منه ، ورحمة ، والله عليم حكيم ، هذا هو القول الوسط ، والمذاهب الحق.

وقد أفرط المعتزلة فقالوا

: إن بعثة الرسل واجبة على الله تعالى إبانة للحق ، وإقامة للعدل ، ورعاية للأصلح ، وهذا مبنى على ما ذهبوا إليه من القول التحسين والتقبيح العقليين ، وهو أصل فاسد.

-

تطرف البراهمة فأحالوا أن يصطفى الله نبياً ، ويبعث من عباده رسولاً ، وزعموا أن إرسالهم عبث ، إما لعدم الحاجة إليهم اعتماداً على العقل في التمييز بين المفاسد والمصالح ، واكتفاء بإدراكه ما يحتاج إليه العباد ف المعاش والمعاد ، وإما لاستغناء الله عن عباده ، وعدم حاجته إلي أعمالهم ، خيراً كانت أم شراً ، إذ هو سبحانه لا ينتفع بطاعتهم ، ولا يتضرر لمعصيتهم ، وقد سبق بيان عدم كفاية العقل في إدراك المصالح والمفاسد وحاجة العالم إلى الرسالة تحقيقاً لمصالحهم مع غنى الله عن الخلق وأعمالهم ، فليس إرسالهم عبثاً بل هو مقتضي الحكمة العدالة.

 

 

المسألة الثامنة

فى أنواع المعجزة

كل ما لم تبلغه البشر ولم يقع في دائرة قدرتهم ؛ فهو معجز ، وقد تطلق المعجزة على ما خرج من طاقة العامة من الخلق دون الخاصة ، كبعض المسائل العلمية المشكلة ، واختراع بعض الآلات والأجهزة الحديثة ونحوها مما لا يقوى عليه إلا الخواص من الناس ، كالغوص والسباحة وحمل الأثقال ، وهذا عجز نسبي يكون في مخلوق دون آخر

.

والمراد من المعجزة

: هذا الأمر الخارق للعادة و، الخارج عن سنن الله العامة في خلقه ، الذي يظهره الله على يد مدعى النبوة ، تصديقاً له في دعواه ، وتأييداً له في رسالته ، مقروناً بالتحدى لأمته ومطالبتهم أن يأتوا بمثله ، فإذا عجزوا ؛ كان ذلك آية من الله على اختياره إياه وإرساله إليهم بشريعته.

أما السحر فهو في اللغة

: كل وما دق ولطف وخفى سببه ، فيشمل قوة البيان ، وفصاحة اللسان ؛ لما في ذلك من لطف العبارة ودقة المسلك ، ويشمل النميمة ، لما فيها من خفاء أمر النمام وتلطفه في خداع من نم بينهما ليتم له ما يريد من الوقعية ، ويشمل العزائم والعقد التى يعقدها الساحر وينفخ فيها مستعيناً بالأرواح الخبيثة من الجن ليصل بذلك في زعمه إلي ما يريد من أحداث والمكاسب.

فيتخلص ليست من عمل النبىى وكسبه ، غنما هي خلق محض من الله على خلاف سننه في الكائنات ، وقد طلب من محمد صلى الله عليه وسلم آية ؛ فقال بإرشاده مولاه

: ()ْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ )(الأنعام: من الآية109).

وقال لمن استعجلوا ما توعدهم به بأمر ربه

: ) مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ)(الأنعام: من الآية57) )قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) (الأنعام:58) .

أما السحر ، فمن عمل الساحر وكسبه ، سواء أكان تعويذات أم بياناً أم نميمة أم غير ذلك ، وله أسبابه ووسائله التى قد تنتهي بمن عرفها ومهر فيها وعمل بها إلي مسبباتها ؛ فليس خارقاً للعادة ، ولا مخالفاً لنظام الكون في ربط الأسباب بمسبباتها والوسائل بمقاصدها

.

المعجزة تظهر على يد مدعى النبوة ؛ لتكون آية على صدقه في دعوى الرسالة التى بها هداية الناس من الضلالة وإخراجهم من الظلمات إلي النور ، والأخذ بأيديهم إلي ما ينفعهم في عقائدهم وأخلاقهم وأبدانهم وأموالهم

.

والسحر خلق ذميم أو حرفة أو صناعة يموه بها الساحر على الناس ويضللهم ويخدعهم بها عن أنفسهم وما ملكت أيديهم ، ويتخذها وسيلة لكسب العيش من غير حلة ، ويفرق بها بين المرء وزوجه والصديق وصديقه ، وبالجملة يفسد بها أحوال الأمة في خفاء والناس عنه غافلون

.

ج

) سيرة من ظهرت على يده المعجزة حميدة وعاقبته مأمونة ، فهو صريح في القول والفعل ، صادق اللهجة ، حسن العشرة ، سخى ، كريم ، عفيف عما في أيدي الناس ، يدعو إلي الحق وينافح عنه بقوة وشجاعة.

أما الساحر ، فسيرته ذميمة ، ومغبته وخيمة ، خائن ، خداع ، سيئ العشرة ، يأخذ ولا يعطى ، يدعو إلي الباطل ، ويسعى جهده في ستره خشية أن يفتضح أمره ويكشف سره ؛ فلا يتم له ما أراد من الشر والفساد.

د

) من ظهرت على يده المعجزة ويقود الأمم والشعوب إلي الوحدة والسعادة ويهديها طريق الخير ، وعلى يده يسود الأمن والسلام وتفتح البلاد ، ويكون العمران ، والساحر آفة الوحدة ونذير الفرقة والتخريب والفوضى والاضطراب.

 

 

 

المسألة التاسعة

فى أنواع المعجزات

إن آيات المعجزات التى أيد الله بها رسله قد اختلفت أنواعها،

وتباينت مظاهرها وأشكالها ، إلا أنها تجتمع في أن كلاً منها قد عجز

البشر عن أن يأتوا بمثله منفردين أو مجتمعين ؛ فكانت بذلك شاهد صدق على الرسالة ، وحجة قاطعة تخرس الألسنة ، وينقطع عندها الخصوم ، ويجب لها التسليم والقبول

.

ويغلب أن تكون معجزة كل رسول مناسبة لما انتشر في عصره وبرز فيه قومه ، وعرفوا بالمهارة فيه ؛ ليكون ذلك أدعى إلي فهمها ، وأعظم في دلالتها على المطلوب ، وأمكن في الإلزام بمقتضاها.

ففي عهد موسى ؛ انتشر السحر ، ومهر فيه قومه ؛ حتى أثروا به على النفوس ، وسحروا أعين الناظرين ، وأوجس في نفسه خيفة منه من شهده ، وإن كان عال الهمة قوى العزيمة ؛ فكان ما آتاه الله نبيه موسى الله ذلك في كثير من الآيات ، قال تعالى : ()وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) (طـه:17)

)

قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى)

، ولهذا بهت السحرة ، وبطل ما وجاءوا به من التمويه والتخيل ، وامتاز الحق من الباطل

.

قال تعالى في بيان ذلك في المباراة التى كانت بين موسى عليه مالسلام والسحرة : ()فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ)

وفي عهد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام برع بنو إسرائيل في الطب ، فكان مما آتاه الله أن يصور من الطين كهيئة الطير ، فينفخ فيه ، فيكون طيراً بإذن الله ، وإبراء الأكمة والأبرص ، وإحياء الموتى بإذن والله 0000 إلي غير ذلك من الآيات التى تثبت بها رسالته ، وقامت بها الحجة على قومه.

وفي عهد محمد صلى الله عليه وسلم كان العرب قد بلغوا الغاية في الفصاحة وقوة البيان ، وجرت الحكمة على ألسنتهم ؛ حتى اتخذوا ذلك ميداناً للسباق والمباراة فأنزل الله القرآن على رسوله عليه الصلاة والسلام ، فكانت بلاغته وبيانه وما تضمنه من الحكم والأمثال جانب ما كان من تأييد إعجازه.

قال صلى الله عليه وسلم : " وما من الأنبياء نبى وقد أعطى من الآيات نبى إلا وقد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي ؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة".

وليست معجزات موسى وعيسي ومحمد عليهم الصلاة والسلام قاصرة على ما ذكر ، وإنما ذلك بيان لما تحدى به كل منهم قومه ، وجعله قاعدة يبنى عليها دعوته ويثبت بها شريعته ، وإلا ؛ فلهؤلاء وغيرهم من الأنبياء كثير من الآيات البينات والدلائل الواضحات التى دلت على صدقهم سوى ما تحدى به كل نبي قومه :

منها ما يرجع إلي سيرتهم قبل الرسالة ؛ فإن الله قد أعدهم لتحمل أعباء رسالته.

ومنها ما يرجع إلي إثبات جأشهم وقوة بأسهم في مقام الدعوة والجهاد في سبيل الله ؛ نصرة للحق ، ونشراً له بنفسه وبمن آمن معه ، كوما أقلهم عدداً وأضعفهم جاهاً ، مع غنى خصومهم وكثرة عددهم وعددهم وقوة سلطانهم 000 إلي غير ذلك مما يدل على صدق الداعي فى دعوته وكمال يقينه بها.

ومنها ما يرجع إلي سلامة الشريعة التى يدعون إليها ، وحكمتهم في حمل الناس عليها ، وقوة حججهم في الدفاع عنها ، وما شوهد من آثارها في صلاح من اهتدى بها من الأمم وفي الدولة والسياسة والاجتماع والاقتصاد والحرب والسلم ، وغير ذلك ومن أحوال الشعوب ، حتى إذا حرفوها وعن مواضعها وتأولوها على غير وجهها ، أو أعرضوا عنها وتركوا العمل بها ؛ دالت دولهم وساءت حالهم ، فإن العاقبة للمتقين ، والخيبة والخسران على المفسدين.

ومن ذلك يتبين أن الرسالة ليست شعوذة ولا كهانة ؛ فإن الرسل عرفوا بالصدق والأمانة ، والشياطين إنما تترك على من يجانسهم فى الكذب والافتراء والإفك والبهتان.

قال تعالى : ()هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ) (الشعراء:221)

)

تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) (الشعراء:222)

)

يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ) (الشعراء:223)

، ولو لمست الشياطين السماء استراقاً للسمع أو طلباً للوحي ؛ ما وجدوا إلي ذلك سبيلاً

.

قال تعالى في شأن القرآن : ()وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ) (الشعراء:210)

)

وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ) (الشعراء:211)

)

إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) (الشعراء:212)

وليست الرسالة ما تجود به قريحة الشعراء وتمليه عليهم مشاعرهم مما تهواه نفوسهم ؛ فإن الشعراء إلا من عصم الله يغلب عليهم أن يسلكوا كل فج ، ويضربوا في كل وادٍ ، ومن سلك سبيلهم كان على شاكلتهم في الغي والفساد.

أما الرسل ؛ فقد جاءوا بالهدى ودين الحق ، ومن سلك سبيلهم كان على بصيرة فيعمله ، وبينه من أمره ، واستقامة في سيره.

قال تعالى : ()وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) (الشعراء:224)

)

أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ) (الشعراء:225)

)

وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ) (الشعراء:226)

)

إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )(الشعراء: من الآية227)

ومن المعجزات ما يرجع إلي آيات حسية أكرم الله بها رسله ومن آمن بهم ، من تفريج كربه ، وإزالة شدة ، أو خوارق عادات طلبتها الأمة بغياً وعناداً ؛ وكانشقاق القمر ، فأجيبت إليها دفعاً للحرج عن الرسل وزيادة في التثبيت لهم والأعذار إلي من كفر بهم ، ومنها ما يرجع إلي تعليم الصناعات وتيسير طريقتها ؛ كإسالة عين القطر ، إلانة الحديد لداود عليه السلام على خلاف السنة الكونية ، ليكون ذلك آية له وكرامة ، وليكون سعة للعباد ورحمة لهم ، وكتسخير الريح والطير والجبال والجن لسليمان عليه السلام 00000 إلي غير ذلك مما لا يحصيه إلا الله.

ومن اطلع لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم في كثير من قصص القرآن والطريقة المثلي التى يثبت بها رسالته ويحاج بها أمته ، وأرشده إلي كون ذلك القصص آية بينة توجب عليهم أن يستجيبوا لما دعاهم إليه من التصديق برسالته والإيمان بسائر ما جاءهم به من عند الله.

قصة يوسف عليه الصلاة والسلام

إن هذه القصة فيها كثير من العجائب والعبر والعظات والأحكام والأخلاق وألوان الابتلاء والامتحان والفضل والإحسان

. والذي أقصد إليه من مباحثها أمرين لمزيد اتصالهما بما أنا بصدد الكلام عنه ،

الأول : كيف كانت هذه القصة معجزة لرسول الله محمد r .

الثاني : كيف كانت هذه القصة دليلا على أن الله يعد رسله في حياتهم الأولى قبل الرسالة لتحمل أعبائها حين إرسالهم إلى أممهم .

أما الأول

: فإنه تعالى ذكر قصة يوسف عليه الصلاة والسلام في القرآن مفصلة لتكون آية بل آيات على نبوة رسوله محمد r وبيان ذلك أنه كان أميا لم يقرأ شيئا من كتب الأولين ولا درس شيئا من تاريخهم ولا خط من ذلك شيئا بيمينه حتى يرتاب في أمره ويتهم بأنه تكلم بما قرأ أو درس قال تعالى : (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) .

بل كان من الغافلين عن قصة يوسف وأمثالها لم تخطر له ببال ولم تقرع له سمعا قبل أن يوحي الله بها إليه ويذكرها له في محكم كتابه قال تعالى في مطلع سورة يوسف

: ( تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) .

وقال بعد ذكر يوسف لرؤياه وعرضها على أبيه ووصية أبيه له

: ( لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ) .

ولم تكن قصة يوسف بالأمر الذي اشتهر في العرب وتناولوه بالحديث فيما بينهم بل كانت غيبا بالنسبة إليهم ولا كان محمد مع يوسف وأخوته ولا شهد مكرهم به ولا كيدهم له فيتهم بأنه تكلم بأمر شهده أو انتشر بين قومه قال تعالى لنبيه محمد في ختام قصة يوسف عليهما الصلاة والسلام

: ( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ).

ولا يسع أحد أن يقول إنه عرف تفاصيل القصة من اليهود

. فإن السورة مكية واليهود كانوا يعيشون بالشام والمدينة وما حولها . ولم يعرف عنه أنه اتصل بهم قبل الهجرة ولا دارسهم شيئا من العلوم . ولو كان تم شيء من ذلك لانكشف أمره لطول العهد وكثرة الخصوم وحرج قومه من دعوته وسعيهم جهدهم في الكيد له والصد عنه وحرصهم على تشويه سمعته والقضاء عليه وعلى دعوته حتى رموه بالسحر والكهانة والجنون واتهموه زورا بالكذب وهو في قرارة أنفسهم الصادق الأمين . وتبادلوا الرأي فيما يوقعونه به من حبسه أو طرده من بيتهم وتشريده وانتهى أمرهم بالاتفاق على قتله فأنجاه الله من كيدهم وكتب له الهجرة إلى المدينة حيث عز الإسلام وقامت دولته . قال تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) .

فقوم هذا شأنهم معه لا يخفي عليهم أمره وهو يعيش بين أظهرهم وهم له بالمرصاد

. فلو وجدوا سبيلا إلى الطعن عليه باتصاله باليهود والأخذ عنهم لسارعوا إلى فضيحتة والتشنيع عليه بذلك ولم يضطروا إلى الإفتراء عليه ولا إلى التفكير في قتله أو تشريده ولا إلى نشوب الحرب بينه وبينهم سنين طويلة ولم يلجئوا إلى اتهامه تهمة تحمل ردها في طيها فقد اتهموه برجل أعجمي بمكة وادعوا أنه يعلمه فسفه الله أحلامهم وألقمهم الحجر قال تعالى :( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) .

وليست قصة يوسف خبرا مقتضبا عبر عنه بالجملة أو الجملتين فيقال

: إن صدقة في الحديث عنها وليد الصدفة والاتفاق . بل هي قصة كثيرة العجائب متشعبة الموضوعات . وقعت بين أطراف مختلفة في أزمان متباعدة . فمن رؤيا صادقة إلى مؤامرة ثم نجاة يتبعها بيع ثم إيواء . إلى مراودة يتبعها هم ثم عصمة من الفحشاء . إلى سجن فيه دعوة إلى التوحيد مع رفق وحسن سياسة وتأويل للرؤيا أصدق تأويل ، يتبع ذلك خروجه عليه السلام من السجن بريئا من التهمة وتوليه شؤون الدولة واجتماع إخوته به مع معرفته لهم وإنكارهم إياه وما أكثر ما دار بينه وبينهم من الأحاديث وما جرى من الأحداث . إلى أن انتهى ذلك بتعريفه لهم بنفسه وعفوه عنهم وحضور أبويه إليه على خير حال إلى غير ذلك من التفاصيل التي يعرفها البصير بكتاب الله . وقد سيقت القصة مفصلة في جميع نواحيها مستوفاة في جميع فصولها في أدق عبارة وأحكم أسلوب .

أفيعقل بعد ذلك أن يقال

: إن صدقهr فيما سرده من قضايا ووقائعها وعجائبها على هذا النهج الواضح والطريق السوي وليد الصدفة والاتفاق !!.

ختم سبحانه سورة يوسف بمثل ما بدأها به من الإرشاد إجمالا إلى القصد الذي من أجله سيقت القصة وهو أن تكون آية على نبوة محمد

r وصدقه فيما جاء به من التشريع وأ، قصة يوسف ونحوها مما نزل به الوحي مستقى من المشكاة التي أخذ منها الأنبياء فليس حديثا مفتري ولكنه تصديق لما بين يديه من كتب المرسلين وتفصيل لما يحتاج إليه المكلفون من التشريع في معاشهم ومعادهم . وجماع الهداية والرحمة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد . أفيمكن أن تكون هذه القيادة الرشيدة بهذا التشريع المستقيم من لإنسان أمي عاش في أمة أمية من عند نفسه دون وحي من الله . كلا إنها العناية الربانية والرسالة ليكون رحمة للعالمين ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) .

وأما الثاني

: فإن في تفاصيل القصة كثيرا من الأسرار والعجائب التي يعد الله بها رسله ويهيء بها رسله ويهيء بها أنبياؤه لقيادة الأمم وسياسة الشعوب من أخلاق سامية وآداب عالية وحكمة بالغة وقوة عزيمة وعقائد صحيحة وبيان ذلك من وجوه كثيرة .

الاول

منها صفاء روح يوسف ونقاء سريرته وهذا واضح من الرؤيا الصادقة التي رآها في صغر سنه وأول نشأته فتحقق تأويلها بسجود أبويه وإخوته له في كبر سنه وختام حياته (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) .

وقال

: ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً ) .

الثانى

- ومنها ما خصه الله به من الميزات التي زادت تعلق والده به وحبه له وحملت أخوته على التآمر عليه والكيد له فأشار بعضهم بقتله ليخلو لهم وجه أبيهم وتطيب لهم الحياة مع أبيهم من بعده . ورأى آخرون إن في إبعاده عن أبيه الكفاية فلما أجمعوا أأمرهم على ذلك ورموه في غيابة الجب ، أوحى الله إليه (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) .

إيناسا له وإزاحة للغمة عن نفسه وهيأ له من أخرجه من البئر لكنهم باعوه بثمن بخس دارهم معدودة

. فرعاه الله وجعله عند من يكرم مثواه ومكن له في الأرض وعلمه من تأويل الأحاديث ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) .

الثالث

ومنها عفة فرجه ونزاهة نفسه مع توافر دواعي الشهوة وتهيء أسباب الجريمة من دوام الخلوة ومزيد الخلطة ودعوة امرأة العزيز له ومراودتها له عن نفسه وأخذها الحيطة في إغلاق الأبواب . قال تعالى :

(

وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) .

لقد كان يوسف عليه السلام من المخلصين لله

. فاستعاذ به ولجأ إليه وفزع إلى من بيده مقاليد الأمور والقلوب يصرفها كيف يشاء وتبرأ من حوله وقوته إلى حول الله وقوته واستقبح أن يقابل جميل من أحسن مثواه بخيانته في عرضه وذكر ما يصيب الظالمين في العواقب من الخسارة والدمار ولم يأبه بالسجن والوعيد بالأذى إن لم يكن عند رغبتها ويحقق لها ما تريد .

(

قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)

ثم قص الله على رسوله

r خبر يوسف مع صاحبيه في السجن فقال تعالى :

(

وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَان ِ) .

فانظر إلى سلامة فطرته وصحة عقيدته وتناسيه البلاء وذكره لأسلافه وأجداده الطاهرين المصلحين ، إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، ليتخذ منهم قدوة له في التوحيد والدعوة إليه والحذر من الشرك وبيان فساده بالأدلة والبرهان

. وأنظر إلى كرم خلقه مع صاحبيه حتى شهدا له بالمعرفة والفضل والإحسان وإلى حسن سياسته معهم في الدعوة إلى الله حيث انتهز حاجتهم إلى تأويل ما رأياه فعرفهم بنفسه وبين لهم مكانته ليقبل منه قوله وينتفع بنصحه فدعاهما إلى التوحيد وزينه وحذرهما من الشرك وفبحه وإيثاره ذلك على ما سألاه عنه دون تضييع لما تعلقت به نفوسهما من تأويل الرؤيا ولا مجابهة بالمكروه لمن دلت رؤياه على سوء عاقبته ، بل أبهم الأمر فقال : أما أحدكما فيسقى ربه خمراً وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه . وقد حقق الله ما قال فصار كل منهما إلى ما ذكره له في تأويل رؤياه .

الرابع

ومنها أن يوسف مع ثقته بربه وتوكله عليه ، أراد أن يأخذ بأسباب الخلاص مما أصابه من البلاء وليس في ذلك ما يعيبه أو يغض من توكله على الله فإنه قد زج به في السجن ظلما وعدوانا بشهادة خصومه . ودفع الظلم مشروع بل قد يكون واجبا ( وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ) .

ولكن الله أراد أن يزيده تمحيصا وصدقا في التوكل عليه وحده وقوة في الصبر على البلاء فأنسى الشيطان ذلك الفتى أن يذكر يوسف لربه بالخير فلبث في السجن بضع سنين

. ثم اختار الله له طريقا إلى الخلاص خيرا من الطريق التي رسمها لنفسه كما سيأتي بيانه .

الخامس

ومنها إن الله سبحانه شاء أن تكون نجاته بما آتا من العلم والحكمة وبما علمه من تأويل الأحاديث ، لا بشفاعة أحد ولحاجة الأمة راعيها ورعيتها إليه دون حاجته إليهم ، ليكون ذلك أكرم لنفسه وأعز لها ولئلا يكون لأحد عليه سوى الله منة فهيأ له السبيل لذلك ورأى ملك مصر رؤيا هاله أمرها وعجز إشراف قومه عن تعبيرها ( وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعَالِمِينَ) .

ولما أنتهى أمر الرؤيا إلى يوسف أولها أصدق تأويل وبين أنها كشفت للأمة عن مستقبلها في رخائها وشدتها أربع عشرة سنة

( قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) .

فأخذ ذلك التعبير من قلب الملك مأخذه ولم يسمعه إلا أن يرسل بإحضار يوسف إليه فأبى حتى ينظر في قضيته مع النسوة

. فإنه قد زج به في السجن من أجلهن ( قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) .

ففعل الملك وظهرت براءة يوسف

( قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) .

ولما طلبه الملك بعد ذلك وحضر عنده

(قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) .

ثقة منه بنفسه وعلما منه بأنه ليس في الأمة من يصلح لتدبير شؤون الدولة الاقتصادية وتصريف أمورها علةى وجه يحفظ كيانها سواه فطلب ذلك لمصلحة الأمة لا لحظ نفسه فاستجاب له الملك لعلمه وصدقه وأمانته وأتم الله ليوسف ما شاء من نعمته

( وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) .

وبذلك يتبين أن الله محص يوسف ورعاه بتتابع البلاء والإنجاء

.

ابتلاه بكيد إخوته له ورميهم إياه في الجب ثم أنجاه

. وابتلاه ببيع السيارة له ثم هيأ له من أحسن مثواه . ابتلاه بتسليط امرأة العزيز عليه وبالنسوة اللاتي قطعن أيديهن ثم عصمه وحماه وابتلاه بالسجن ثم أخرجه منه بريئا من التهمة عليما بربه وبشؤون الأمة في وقت اشتدت فيه حاجة البلاد إلى حفيظ عليم يدبر أمرها ويقودها في حياتها خير قيادة فتولى أمرها واستسلم له أهلها . وفي قصة يوسف سوى ما ذكر شيء كثير يدل على أن الله سبحانه تعهد يوسف برعايته وتولاه في أطوار حياته ليتخذه رسولا يضطلع بأعباء الرسالة . وليجعل من سيرته الحميدة آيات بينات على صدقه فيما جاء به وأمانته فيما يدعيه من الرسالة.

.

قصة موسى عليه الصلاة والسلام

ذكر الله سبحانه وتعالى في أول سورة القصص بيانا عن نشأة موسى عليه الصلاة والسلام وحاله قبل الرسالة وأتبع ذلك بيانا عن رسالته إلى أن أنجاه ومن آمن معه وأهلك أعداءه ، ليكون ذلك القصص في جملته آية على نبوة محمد

r وصدقه فيما أنزل عليه من الوحي ودعا إليه أمته كما يرشدنا إلى ذلك بقوله تعالى في مطلع السورة : ( تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) .

وقوله تعالى

: عند إنتهاء ما أراد ذكره من القصة : ( وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )

أما ما ذكر في هذه السورة من تفاصيل القصة فآيات بينات تدل على كمال رعاية الله لموسى عليه الصلاة والسلام ، في جميع شؤونه

: في رضاعته وكفالته وعلمه وحكمته وإعداده بالقوة والأخلاق الفاضلة من نصرة المظلوم وإعانة الضعيف وعزة النفس وصدق التوكل على الله والأمانة وحسن المعاملة ، ليكون رسولا ينقذ به سبحانه الشعوب من الاستعباد ويخلصها من الطغيان والاستبداد ويهدي به القلوب وينير به البصائر وإليك شيئا من تفصيلها ترى منه ما ذكرت :

1-

قدم الله بين يدي هذه القصة جملة من الآيات بين فيها سنته العادلة وحكمته البالغة في القضاء على من علا في الأرض وأفسد فيها . ومنة على المستضعفين والتمكين لهم وإدالتهم من عدوهم ، فضلا منه ورحمة والله عليم حكيم . (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) .

ثم فصل ذلك فيما ذكره بعد من القصة

.

2 –

ولد موسى بن عمران عليه السلام في مصر وكان ملكها إذ ذلك جبارا جائرا يقتل ذكران بني إسرائيل ويستحي نساءهم فأوحى الله إلى أم موسى أن تلقيه في اليم إذا خافت عليه من فرعون وجنوده ووعدها وعدا صادقا أن يرده إليها ففعلت وأنجاه الله والتقطه آل فرعون وتداولوا الرأي فيه .

وعند ذلك مر موسى بطور آخر من أطوار الخطر ثم كتب الله أن ينتهي بهم التفكير في أمره إلى أن يتخذه الفرعون ولدا وأن ينشأ في بيت ملك يتربى فيه على العزة وشدة البأس وقوة العزم والأخذ بالحزم ولا يصاب بما أصيب به قومه من العذاب والذل والهوان

.

وبذلك يصلح لحمل أعباء الرسالة

. ومواجهة فرعون في جبروته وطغيانه

ثم أولاه الله نعمة أخرى فكتب عليه ألا يرضع إلا من أمه حتى اضطر فرعون ومن معه إلى أن يردوه إلى أمه وهم لا يشعرون وبهذا التدبير الحكيم واللطف الخفي أنجز الله لأم موسى وعده

. فرجع إليها ولدها لتكفله ويتمتع بعطفها وينعم بحنانها وتقر به عيناها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق .

3-

هذه الحلقة من حياة موسى كلها عبر وآيات : منها :

إن الله سبحانه وتعالى جعل نجاته مما أصاب غيره من أبناء قومه فيما يراه الناس دمارا وإلقاء بالنفس إلى التهلكة

.

(

وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) .

ومنها

: أنه سبحانه وتعالى كتب لموسى الحياة السعيدة في بيت من يخشى عليه منه ، فعاش بين أظهرهم عيشة الملوك .

(

وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) .

ومنها

: أن الله حرم عليه تحريما كونيا أن يرضع من امراة سوى امه فكان ذلك فيما يرى الناس ، بلاء اصابه وهو في الأمر نفسه كمال اللطف من الله والرحمة بموسى ليرجعه إلى أمه وهم لا يشعرون فاجتمع له إلى السلامة والنجاة عطف الأمهات وعز الملوك .

()

وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (القصص:13)

ومنها

: حفظ الله سبحانه وتعالى على موسى صفاء روحه وسلامة فطرته فمع أنه عاش في بيت ملك واوساط ظلم وطغيان فإنه لم يتأثر بما تأثر به من قضى ايامه الأولفى من حياته في بيئة إستشرى فيها الفساد وطبعت بطابع الجبروت والاستبداد ولم يصب بما يصاب به أبناء الملوك ومن يتقلب في النعمة ورغد العيش حين تهمل تربيته من جهل ومن استهتار أو رخاوة وخلاعة ومجون بل صانه الله من كل ما يشينه وآتاه العلم النافع والحكمة البالغة وسداد الرأي كما حفظ عليه نعمته من قبل في بدنه .

()

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:22)

4-

جبل الله نبيه موسى على الحزم والأخذ بقوة في نصرة المظلوم والضرب على يد الظالم وذلك يتجلى في الخصومة التي كانت بين إسرائيلي وفرعوني فإن موسى لم يلبث أن أغاث من اشتغاث به فوكز القبطي فقضى عليه اقامة للعدل وانصافا للمظلوم كما طبعه على الرفق بالضعيف والعطف عليه ومد يد العون إليه ويتجلى ذلك منه في قوله تعالى :

()

وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) .

فجمع له بين شدة البطش على الظالمين وكمال الرفق

.

5-

كان من آثار عناية الله بموسى ورعايته له أنه قوى فيه الوعي الديني واستحكمت الصلة بينه وبين ربه . فأحب ما يحبه الله من العدل والإنصاف وكره ما يبغضه الله من الظلم والعدوان لذلك فزع إلى ربه واعترف بظلمه لنفسه حينما قضى القبطي نحبه من وكزته واسرع إلى الاستغفار لله تعالى من ذنبه .

(

قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * لَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) .

وفاض قلبه ايمانا بالله فعظمت ثقته وتوكله عليه لذلك قصد إليه وحده في غربته وحيرته رجاء أن يهديه سواء السبيل

.

(

وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) (القصص:22)

ولما استبدت به الحاجة واخذ منه الرجوع مأخذه توجه إلى ربه فسأله من فضله فأبت عليه عزة نفسه إن يشكو حاجته لغيره او يعرض لمن سقى لهما بطلب الأجر

(

فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص:24)

وقد استجاب الله دعاءه

. وهيأ له بيئة صالحة يحيا فيها حياة طيبة فقد عرض عليه شعيب لما عرفه عنه من القوة والامانة إن يزوجه احدى ابنتيه على إن يرعى له الغنم ثماني حجج وان اتم عشر سنوات كان ذلك مكرمة منه فالتزم موسى بذلك ولم يمنعه ما كان فيه اولا من رغد العيش وحياة الملوك إن يكون اجيرا يأكل ويتزوج من كسب يده وأشهد ربه على ذلك :

(

قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (القصص:28)

وقد ثبت أنه أتم أبعد الأجلين

.

فهذه سلسلة من حياة موسى عليه السلام قبل الرسالة تضمنت شيئا من مما حباه الله به من العلم والحكمة والمروءة والنجدة ونصرة المظلوم والأخهذ على يد الظالم والعطف على الضعيف وقوة الإيمان بالله والصدق في الاتجاء إليه والتوكل عليه والتواضع مع عزة النفس وغير ذلك من مكارم الاخلاق التي يعد بها الله من اختاره للرسالة وقيادة الأمم

.

6-

سئل من ربه أن يشد أزره بأخيه هارون فأرسله معه ليكون عونا له في الحجاج وخاف إن يبطش بهما فرعون وجنوده وان يقتلوا موسى بالقبطي الذي سبق إن قتله فقال الله له :

(

قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طـه:46)

وجعلف لهما سلطانا من الآيات تقوم به الحجة وتنخلع به قلوب الجبارين وتمتليء بالوهن والضعف وبذلك يثبت موسى في ميدان الدعوة إلى الله فبات واثقا بربه مؤمنا بما يدعو إليه من الهدى والنور وتجلى في حجاجة صولة الحق واحس في نفسه بالعزة والقوة وبذلك ذل جبروت فرعون وتلاشى عند تألهه وتعاليه ولم يعد يملك لموسى من الكيد الا إن يرعد ويبرق ويموه ويخدع

.

(

وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر:26)

ولم يكن ليأخذ على يديه احد ولا هناك من الاسباب الداعية ما يمنعه من إن يبطش بموسى فإن الدولة دولته والجنود دجنوده لكنها عهناية الله برسوله وما آتاه وسلطان قد بهر فرعون وقطع نياط قلبه ولم يملك

ايضا ملأ فرعون سوى إن يسيروا حفيظته ويغروه بموسى ومن آمن به :

(

وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) (لأعراف:127)

افلا يرى العاقل إن موسى وهو وحيد غريب وقومه مستعبدون لم يقف هذا الموقف من فرعون وملئه

. والدولة دولتهم الا وهو مؤيد من ربه صادق في دعوته وإن هذا لهو الحق المبين .

7-

جرت سنة الله العادلة إن يفتح بالحق بين رسله ومن آمن بهم من الامم ومن سار سيرهم ويجعلهم خلفاء الارض ويهلك من كذب بهم وانحرف6 عن طريقهم ليكون ذلك من آيات الله التي يفصل بها بين الصادق والكاذب والحق والباطل والشريعة والقوانين الجائرة .

(

إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر:51)

(

وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (القصص:37)

(

قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * ُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (لأعراف:129)

وهذا هو ما انتهى به امر موسى وقومه مع فرعون ومثله

.

(

فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) .

(

فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * َزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * َنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * َّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) .

فانظر كيف اتحدت وسيلة النجاة للأولياء والهلاك للأعداء إنها آية الله الباهرة لقد اهلك فرعون وجنده بما جعله طريقا لنجاة موسى وقومه هذا إلى جانب انفلاق البحر وتماسك مائة وخروجه عن طريق السيلان بضربة عصا

.

وفي قصص موسى من الآيات سوى ذلك ما يبهر العقول ويأخذ بمجامع القلوب ولا يدع مجالا للريب وقولا لقائل الا من سفه نفسه وسعى في هلاكها والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل

.

خاتمة

الطريقة المثلى للدعوة إلي الله

:

أ

-

تختلف حال الداعية في استدلاله باختلاف حال من يسأله عن قضية أو يحاجه فيها ؛ فقد يكون مقراً بأصول تلط القضية ، معترفاً بما يوجب عليه التزامها والعمل بها ، فلا يشغل المستدل نفسه بإثبات تلك الأصول وإقامة الحجة عليها ، بل يوجه عنايته إلي بيانك اقتضاء هذه الأصول إثبات دعواه فيما خالفه فيه خصمه ليحمله على موافقته فيها واعتقاده إياها والعمل بها ، ومن ذلك استدلال الرسل عليهم الصلاة والسلام بما أقر به المشركون من توحيد الربوبية على إثبات ما أنكروه من توحيد الإلهية ، وقد أرشد الله جل شأنه إلي هذا في كثير من آيات القرآن ، وهى أدلة عقلية نقلية في وقت واحد ، ومن ذلك أيضاً احتجاج المسلم على المسلم وبقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)

؛ على حفظ القرآن ، وصيانة نصوصه وألفاظه من التحريف والتبديل ، وبقائه بلفظهم كما نزل ليكون حجة على عباده إلي أن تقوم الساعة ، وهذا دليل نقلى تقوم به الحجة على من آمن ببقاء ما بين دفتى المصحف إلي وقت الخصومة ، لكنه خالف في استمرار حفظه في المستقبل

.

وقد يكون السائل شاكياً في أصول ما سأل عنه ، طالباً على تلك الأصول أو منكراً لها ، حتى إذا ما ثبتت بالحجة ، ثبت تبعاً لها ما سأل عنه أو نكره ، فيضطر المستدل إلي إثبات هذه الأصول بالأدلة العقلية ، كالذي حاج إبراهيم عليه السلام في ربه ؛ فإن إبراهيم عليه السلام استدل على إثبات الربوبية لله بأنه هو الذي يحيى ويميت ، فسلك الكافر في جداله طريق التمويه وادعى لنفسه أنه يحيي ويميت ، وقصد معنى سوى الذي قصد إليه إبراهيم عليه السلام في استدلاله ، فأتاه إبراهيم عليه السلام بآية أخرى من آيات الربوبية على سبيل المثال ، لا يجد الكافر سبيلاً إلي التمويه والمغالطة فيها ، فقال :

(

فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(البقرة: من الآية258)

وكفرعون ، فإنه قال لقومه : ( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)(النازعـات: من الآية24)

وقال

: (ي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ)(القصص: من الآية38)

وذكر الله في آيات من سورة الشعراء محاجة فرعون لموسى عليه السلام في ربه ، وإنكاره عليه أن يتخذ رباً سواه ، وإقامة موسى الحجة عليه ؛ فقال تعالى : (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء:23)

)

قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) (الشعراء:24)

)

قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ) (الشعراء:25)

)

قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (الشعراء:26)

)

قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) (الشعراء:27)

)

قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (الشعراء:28)

)

قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) (الشعراء:29)

؛ فهذا استدلال عقلى استدل فيه بالأثر على المؤثر ، وبالآيات الكونية على بارئها ، ولا شك أن ذلك مما يدل على اختصاصه تعالى بالربوبية ، ويلزم من ذلك اختصاصه تعالى بالألوهية

.

وكذلك منكروا النبوة يستدل عليهم بالمعجزات وخوارق العادات لإثبات النبوة كما هي سنة الله في رسله عليهم الصلاة والسلام ، فإنه يؤيدهم بالمعجزات التى تدل على صدقهم في دعوى الرسالة وتقوم بها الحجة على أممهم.

وليس بمجدٍ في مثل ذلك الاستدلال بالنقول الخبرية المحضة ؛ كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الاخلاص:1) في إثبات التوحيد ، وقوله : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (سـبأ:28)

في إثبات الرسالة ، ولا يكفى في محاجة من ينكر بقاء القرآن محفوظاً منذ نزل إلي زمن المحاجة الاستدلال بقوله تعالى

: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) ؛ بل الإثبات بذلك مستحيل لما يترتب عليه من الدور السبقي أو التسلسل الممنوع.

والذي يتعين الاستدلال به في مثل ذلك الدليل العقلي المحض أو النقلي المتضمن للدليل العقلي ؛ كالآيات التى استدل بها إبراهيم عليه الصلاة والسلام على من حاجة في ربه ، والآيات التى استدل بها موسى على فرعون ، وكثير من الآيات القرآنية التى استدل بها على البعث موسى وعلي فرعون ، وكثير من الآيات القرآنية التى استدل بها على البعث والنشور يوم القيامة ؛ بل يستدل على إثبات بقاء القرآن محفوظاً إلي يومنا بنقله نقلاً متواتراً وبكونه معجزة خالدة وإلي يوم القيامة ، وإليك وبيان ذلك :

أما بيان كونه ضبط من حين نزوله وتتابعه نقلاً متواتراً يفيد القطع واليقين و، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له كتاب يكتبون له الوحى وغيره ، وكان إذا نزلت عليه سورة أو آيات أو آية أو بعض آية أملى ذلك على كاتب منهم ، فكتبه على ما تيسر له من العسب والحجارة الرقيقة والعظام ونحوها ، واستمر ذلك حتى أكمل الله دينه وأتم على الأمة الإسلامية نعمته ، ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ما نزل عليه من قراءة تثبت وتفهم ودراسة في الصلاة وغيرها ، وكان ينزل عليه جبريل عليهما الصلاة والسلام فيدارسه القرآن في شهر رمضان ، واستمر ذلك حتى توفاه الله ، هذا مع عصمته في البلاغ والتشريع

.

وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤون وما نزل من القرآن ويتدارسونه فيما بينهم ؛ فلا يكادون ينتهون مما تعهدوه بالتلاوة والدراسة من السور أو الآيات إلا وقد حفظوه وفهموه وعملوا به ، فجمعوا بذلك بين الحفظ والعلم والعمل ، يعرف ذلك من قرأ في دواوين السنة والسيرة وعلم ما فيهما من الأحاديث والآثار ، وكان مدى إلمام بحياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه رضي الله عنهم ، وعرف مدى وعنايتهم بحفظ الدين عامة وحفظ القرآن خاصة

.

وقد اشتهر بحفظ القرآن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، منهم : أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ،وعثمان بن عفان ، وعلى بن أبي طالب ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وأبو زيد الأنصاري ؛ رضي الله عنهم.

ولما كان يوم اليمامة وكثر القتل فيمن كان في جيش المسلمين من القراء لزيادة حرصهم على القتال وحث بعضهم بعضاً عليه بكلمة : " يا أهل القرآن !" إثارةً لشعورهم وغيرتهم على الإسلام حتى يتسابقوا إلي القتال نصرة لدين الله ، لما كان ذلك ، اتفق الصحابة رضي الله عنهم على جمع القرآن مما كتب فيه ومن صدور الحفاظ الثقاب ؛ فتم ذلك على أكمل وجه وأحكمه ، وكانت الصحف التى جمع فيها عند أبي بكر ( خليفة رسول الله ) إلي أن توفى ، ثم عند عمر أيام خلافته إلي أن توفى ؛ رضي الله عنهما ، ثم كانت عند بنته حفصة.

وقد علم أن القرآن نزل على سبعة أحرف ( أي : لغات ) ، وكان كل جماعة يقرؤون بحرف منها ، فلما تولى عثمان رضي الله عنه الخلافة أشير عليه أن يجمع القرآن على حرف واحد من الأحرف السبعة ، فأمر رضي الله عنه بذلك ، و تمت كتابة القرآن على حرف واحد بأيدي القراء الثقاب ، وقويل بالصحف التى كانت عند حفصة رضي الله عنها وثبت اتفاقهما ، نسخ منه مصاحف أرسلها إلي عواصم الإمارات الإسلامية بعد أن قرأه على الصحابة بين يديه ، فأقروها رضي الله عنهم ، واحتفظ بالأصل عنده بالمدينة المنورة ، وصار المعتبر عند الصحابة رضي الله عنهم هذه المصاحف ، وثبت ثبوتاً يوجب اليقين ويفيد القطع بأن ما جمع هو ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستمر العمل إلي يومنا هذا تنقلها كل طبقة من الأمة عمن قبلها كتابة وحفظاً.

وقد بلغ عدد من كتبه وحفظه في كل طبقة حداً فوق التواتر الذي لا يبقي معه موضع لريبة ، ولا يدع مجالاً لشك في أن ما وصلنا هو ما جمعه أبو بكر الصديق أولاً ، ثم عثمان ثانياً ؛ رضي الله عنهما.

وهذا في إفادة اليقين كالأخبار الكثيرة عن المدن المشهورة في إفادة اليقين بوجودها ، ولو لم يكن إجماع الصحابة رضي الله عنهم على أن ما جمع في المصحف في خلافة أبي بكر وفي المصحف في خلافة عثمان رضي الله عنهما هو القرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم مفيداً لليقين ؛ لما كان هناك ما يفيد اليقين سوى المحسات ، ولو لم تكن الأخبار عن حفظ القرآن في صدور قراء المسلمين ، وعن كتابتهم إياه مع الإحكام والدقة في الضبط فهماً في جميع الطبقات مفيدة لليقين ، لما كان هناك أخبار تفيد اليقين ، أراد أن يجمع القرآن من أفواه القراء وحفاظ القرآن دون الرجوع إلي ما كتب مخطوطاً أو مطبوعاً أو مسجلاً في أشرطة ؛ لوسعه ذلك بيسر وسهولة ؛ فكيف أصوله وفروعه شأواً بعيداً وغاية قصوى في النهوض به في شتى جوانبه وجميع نواحيه ؟

‍0.

إن الواقع لأعظم بينة وأقوى شهيد على بقاء القرآن محفوظةً نصوصه من يوم نزل إلي وقتنا

.

وإما إثبات بقائه محفوظاً بكونه

معجزة خالدة إلي يوم القيامة ؛ فإن ما كان به معجزة ودليلاً على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن تزوله عليه لا يزال قائماً ؛ فهو لا يزال يتحدى العالم أن يأتوا بمثله في فصاحته وبلاغته وقوة أسلوبه وفي أحكام تشريعه وصلاحيته للنهوض بالأمم مع تفاوت طبقاتها واختلاف أحوالها في كل زمان ومكان ، وفي قصصه الصادق عن الأمم السابقة وأخباره عن سائر الغيبيات السابقة واللاحقة ، ولم يأت أحد بمثله حتى وقتنا الحاضر مع بعد العهد بنزوله ، ومضي أكثر من ثلاثة عشر وكيدهم لهم ودأبهم فى العمل للقضاء على هذا الدين ، ومع تقدم الناس في العلوم الكونية والثقافات المتنوعة ، ويأبي الله إلا أن يحفظ دينه ويعلى كلمته ويكتب للقرآن والسنة الصحيحة البقاء ؛ لتقوم بذلك الحجة على الناس.

 

تختلف احوال الدعاة الى الله

عنى إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام بالدعوة إلي افسلام ، ووجه جل همه واعظم عنايته إلي إيضاح التوحيد وبيانه وإقامة الحجة عليه ، فبدأ به وكرر الدعوة مع اختلاف لهجته في ذلك ليناً وشدة ، وذكر أنواعاً من الأدلة على التوحيد ، وسلك طرقاً شتى في الاستدلال بها عليه ، إتماماً لإقامة الحجة ، وزيادة في الأعذار إلي الأمة ، وأملأ في أن يجد كل نوع منها ، أو وجه من وجوه الاستدلال بها منفذاً إلي القلوب ، فإن الناس مختلفون في مداركهم للحق وعناداً وصدوداً عنه ، فما يجدى من الأدلة وطرق الاستدلال بها مع طائفة قد لا تؤثر على طائفة أخرى

.

وفيما يلي بيان ذلك

:

أنكر إبراهيم عليه الصلاة والسلام علىأبيه آزر أن يتخذ أصناماً آلهة ، ولم يقرن ذلك فيما ذكر الله عنه في سورة الأنعام بما يخفف من وطأة الإنكار على نحو ما ذكر الله سبحانه عنه في سورة مريم ، حيث مهد فيها قبل الإنكار بندائه بقلب الأبوة ، ولما أشرك قومه مع أبيه في الحكم كان أشد لهجة وإنكاراً، قال تعالى

إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ *. فحكم عليهم بالجهل البين ، وعمى البصائر ذلك ليثير عواطفهم ، ويدفع بهم إلي التفكير فيمن يستحق أن يعبدوه مخلصين له الدين ولا يشركوا به شيئاً ، أهو من بيده ملكوت كل شيء وهو ولى نعمتهم ، أم الهياكل الأرضية والسماوية وهى لا تملك لنفسها ضراً ولا نفعاً ، ولا تغنى عنهم من الله شيئاً ثم عسى أن تجد هذه الإثارة من أبيه وقومه قلوباً واعية تحفظ عنه ما يقول ، وعقولاً رشيدة تفقه ما سمعت من البلاغ وإحساساً مرهفاً فتتأثر بذلك وتستجيب إلي دعوة الحق ( نَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) .

بصر الله عز وجل خليله إبراهيم عليه السلام بالدلائل الكونية الدالة على وحدانيته سبحانه في ربوبيته وألوهيته ، فأراه آياته في ملكوت السماوات والأرض ، ليتعلم حقيقة التوحيد ، أو ليزداد علماً به ويقيناً إلي يقينه ، وأرشده إلي وجد الاستدلال بها ، وكيف يسلك طريقها في البلاغ أو البيان ومناظرة الخصوم ، ليفصل بذلك بين الحق والباطل ، ويلزمهم الحجة والبرهان

.

قال الله تعالى

كَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ *فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ *فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

كان قوم إبراهيم الخليل صابئة يعبدون الكواكب السيارة ، ويقيمون لها الهياكل في الأرض من الأحجار ونحوها ، وكانوا يعظمونها ويتقربون إليها بالذبائح وغيرها ، وكانوا يستغيثون بها ويضرعون إليها ، فناظرهم عليه السلام في ذلك ، ولم يشأ أنى يسلك في هذه المناظرة طريق الاستدلال الإيجابي المباشر على أن الله لا رب غيره ولا إله سواه ، بل دعوى قومه وعقيدتهم الشركية موضوع وبحثه ونقاشه معهم ، وفرضها فرض المستدل لما لا يعتقده ثم يكر عليه بالنقض والإبطال ، ويكشف عن وجه الحق

.

فحينما أظلم الليل ورأي إبراهيم عليه الصلاة والسلام النجم قال

: هذا ربي ، فرضاً وتقديراً ، أو أهذا ربي ، فلما غاب عن أعين الناس علم أنه مسخر ليس أمره إليه ، بل إلي مدبر حكيم يصرفه كيف يشاء أما الرب فأمره إلي نفسه ، بل أمر غيره إليه ، وهو دائم لا يحول ولا يزول ، بيده مقاليد الأمور ، وهو على كل شيء قدير.

ثم انتقل بهم في البحث إلي كوكب آخر هو في نظرهم أشد ضوء ، وفي مرآي أعينهم أكبر حجماً ، وهو القمر

. فلما رآه طالعاً قال : هذا ربي فرضاً منه لذلك وتقديراً ، أو أهذا ربي ؟ فلما ذهب عن أعين الناظرين تبين أنه ليس بالرب الذي يجب أن تألهه القلوب ، ويضرع إليه العباد في السراء والضراء يرجون رحمته ويخافون عذابه. ويستهدونه فيهديهم إلي سواء السبيل ، ولذا قال : (فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ).

ثم انتقل بهم إلي معبود آخر لهم أكبر جرماً من النجم ومن القمر ، وأعظم ضياء منهما وهو الشمس ، فلما رأي الشمس بازغة قال

: (فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ). فاستدل بما يعرض لها من غيرها على أنها مأمورة بأمر ربها وأنها مدبرة مسخرة بتسخير خالقها.

فإذا كانت هذه الكواكب الثلاثة أرفع من الكواكب السيارة شأناً ، وأعلى قدراً ، وأعم نفعاً عندهم

. وقد قضت لوازمها بانتفاء سمات الربوبية والألوهية عنها ، وأحالت أن تستوجب لنفسها حقاً لها في العبادة والتقرب إليها فما عداها من سائر الكواكب أبعد من أن يكون له حظ ما في الربوبية أو الإلهية ، وأحرى بنفى ذلك عنه ، واستحالته عليه. ولذا أعلن إبراهيم عليه الصلاة والسلام في ختام المناظرة براءته مما يزعمون من الشركاء وأسلم وجهه لله وحده الذي فطر السماوات والأرض ، وأبدع خلقها دون شريك أو ظهير يعينه في ذلك ، وضمن إعلان النتيجة الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية ، وهذا هو معنى لا الله ، فإن ما فيه البراءة من الشركاء نظير نفى الإلهية الحقه عن الشركاء في كلمة التوحيد ، وما فيه من إسلام وجهه لله نظير الاستثناء في كلمة التوحيد ، لدلالته على إثبات الإلهية الحقة لله ، ومثله قوله تعالى : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ).

وهذا الضرب من الاستدلال قد سلك سبيله في المناظرة كثير في العلماء قديماً وحديثاً ، وقد جاء في الكتاب والسنة كثيراً لكن على منهج العرب في حديثهم وطريقتهم في المناظرة والحجاج ، فإن رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد بدأت في العرب ، وبلغتهم نزل القرآن لا على طريق الصناعة المنطقية ، حيث يقولون في مثل هذا الموضع إجمالاً

: لو كانت هذه الكواكب أرباباً أو آلهة ما حالت ولا زالت ، لكنها تحول وتزول ، فليست أرباباً ، فإن الله حى دائم لا يحول ولا يزول.

للداعية إلي الإسلام أن يسلك هذه الطريقة ،طريقة إبراهيم عليه السلام حسبما تقتضية الحال ، فيتنزل مع مناظره من دعاة الباطل ، ويفرض دعواه واقعة ويرتب عليها لوازمها الباطلة وآثرها الفاسدة ، ثم يكر عليها بالنقض والإبطال ، وقد توجب عليه الأحوال والظروف سلوكها والدعوة بها أحياناً ، فإن الدعوة إلي الحث كما تكون بتزيينه وذكر محاسنه للترغيب فيه ، واستمالة النفوس إليه تكون بتشويه الباطل وذكر مساويه ومخازيه ، تنفيراً منه ليهرب المبطلون عنه

. وتتفتح قلوبهم للحق ، فلتزموه.

هذا وقد ذهب جماعة من المفسرين وغيرهم إلي ما تقدم من أن حديث إبراهيم في شأن الكواكب مع قومه كان على سبيل المناظره والحوار مع المشركين ، ليقيم عليهم الحجة لا ليكسب هدى بعد حيرة ، ولا ليستفيد علماً بعد شك ، واختار ذلك ابن كثير في تفسيره ، قال

: والحق أن إبراهيم عليه السلام كان في هذا المقام مناظراً لقومه مبيناً لهم بطلان ما كانوا عليه من عباده الهياكل ، وهى الكواكب السبعة المتحيزة 00 ثم قال : وكيف يكون إبراهيم ناظراً في هذا المقام ، وهو الذي قال الله في حقه : (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ).

وقال تعالى

(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

وقال تعالى

: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

ثم استدل بنصوص خلق الناس على الفطرة السليمة

: كقوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ). وحديث " كل مولود يولد على الفطرة " .. والحديث القدسى " إنى خلقت عبادى حنفاء " ثم قال : فإذا كان هذا في حق سائر الخليقة ، فكيف يكون إبراهيم الخليل الذي جعله الله أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين ناظراً في هذا المقام ، بل هو أولى الناس بالفطرة السليمة ، والسجية المستقيمة بعد رسول الله ((صلى الله عليه وسلم)) بلا شك ولا ريب ، ومما يؤكد أنه كان في هذا المقام مناظراً لقومه فيما كانوا فيه من الشرك لا ناظراً لقوله تعالى ( وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ) .. مع تصرف .

ويؤيده أيضاً ما ذكر في مطلع هذه الآيات من دعوة إبراهيم لأبيه وقومه إلي التوحيد ، وإنكاره ما كانوا عليه من الشرك وعبادة الأصنام التى جعلت تماثيل وهياكل رمزية للكواكب ، قال تعالي

(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). فبدأ الآيات التوحيد والبراءة من الشرك وختمها بذلك ، فدل على أنه كان مؤمناً بذلك مؤقتاً به أولاً وآخراً على السواء ويؤيده أيضاً قوله تعالى في ختام المحاجة : (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ).

وروى ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ما يقتضي أن مقام إبراهيم في هذه الآيات مقام نظر لا مقام مناظرة واختاره واستدل عليه بقوله

: ( لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)(الأنعام: من الآية77)

وذكر محمد بن إسحاق ما يفيد أن ذلك حين خرج إبراهيم من السرب الذي ولدته فيه أمه لما خافت عليه من نمرود بن كنعان

. أ .هـ باختصار .

وبيان ذلك أن إبراهيم كان قبل الرسالة في حيرة في تعيين من يعبده وإن كان يعتقد بفطرته السليمة أن للعباد ربا له قدره وعظمته وجلاله وحكمته في تدبيره وتصريفه لشئون خلقه فنظر في السنن الكونية نظرة اعتبار واستدلال لنفسه نظر في النجم ثم الشمس ليخرج نفسه من القلق والحيرة إلى العلم والهدى والرشاد فلم يجد فيها سمات الربوبية ولا الصفات التي تستحق بها ان تؤله وتعبد وانتهى به نظره واستدلاله لنفسه إلى ما أعلنه أخيراً من البراءة من الشرك والشركاء والتوجه لله رب العالمين وحده ثم كان مقام دعوته لأبيه وقومه إلى التوحيد ومناظرته لهم فيما كانوا عليه من الشرك بعد الرسالة

.

وعلى هذا يستطيع الداعية إلى الإسلام أن يجد لنفسه أيضاً قدوة حسنة وأسوة رشيدة في سيرة إبراهيم عليه السلام وفي خبر الله عن منهجه في هذه الآيات فيبدأ بالنظر في الآيات الكونية والدلائل الشرعية ليعلم الحق في نفسه أولاً ثم يتبع ذلك الدعوة إليه ليكون في دعوته على بينة وبصيرة فعلى كلا المعنيين لهذه الآيات يجد الداعية إلى الحق في خليل الرحمن مثالاً حسناً يحتذيه وميزاناً عادلاً يزن به عقيدته وعمله ودعوته ويقتفي أثره فيه

.

إن دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أباه وقومه إلى التوحيد مع سلامتها وقوة استدلاله عليها ، وحسن سياسته وحكمته واستقامة منهجه فيها لم تجد لديهم قبولاً لأن قلوبهم في غلاف من العناد والصدود واللجاج فلم تتفتح لدعوة الحق ولم تشأ أن تتقبلها ولأن عواطفهم متبلدة بل ممسوخة قد انحرف بها الهوى وتقليد الآباء وتحكم العادات السيئة عن الجادة والاعتدال فلم تتأثر بالحق ولم تجد لنفسها فيه لذة ولا راحة بل ذهبوا يجادلونه في الحق بعدما تبين ويهددونه ويخوفونه أن تصيبه آلهتهم بسوء فلا يحمد العاقبة فما كان من إبراهيم عليه السلام إلا أن ثبت على الحق واطمأنت به نفسه وازداد إيماناً به فأنكر عليهم جدالهم إياه بالباطل وتخويفه من خطر آلهتهم مع أنها لا تملك لنفسها ضراً ولا نفعاً ولا تدفع عنها بأساً وهو يركن إلى الركن الركين ويتوكل على رب العالمين قد أخلص له قلبه وأسلم له وجهه وقام بما أمره به من الدعوة للحنيفية السمحة فهو أحق بالأمن والسلام ممن هددوه وخوفوه لكن على تقدير أن يصيبه مكروه فهو من الله سبحانه ابتلاء وامتحاناً اقتضته حكمته وعدله قال الله تعالى

: (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُون )وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون )الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)

فعليكم معشر الدعاة أن تثبتوا على الحق في ميدان الدعوة وأن تصبروا على الأذى وألا تنخلع قلوبكم لكيد الكائدين وتهديد المعتدين

: وتوكلوا على الله أسوة بخليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين.

لما فات إبراهيم عليه السلام أن يؤمن به قومه فتستقر حياته بين أظهرهم ويشتد عضده بهم وتولوه بالأذى وبلغ بهم الكيد له أن القوة في النار ففر إلى ربه وهاجر طالباً لدعوته قوماً آخرين لما أصيب بذلك لم يكله الله إلى نفسه ولم يحرمه جزاء عمله فوهب له من تقر بهم عينه وهب له إسحاق ويعقوب وجعلهما من أنبيائه وهادهما إلى الصراط المستقيم وتتابعت النبوة والرسالة من بعده في ذريته إلى أن ختمت بنبوة الرسول الكريم محمد

(صلى الله عليه وسلم) .

فيا معشر الدعاة إلى الحق

:كونوا واثقين بالله مطمئنين إلى صادق وعده مؤملين النصر والخير وحسن العواقب ولكن لابد لكم من الابتلاء بالسراء والضراء فاشكروا ربكم على ما أولاكم من الخير واصبروا على الشدة واللأواء وليكن لكم في خليل الرحمن وإخوانه الأنبياء خير أسوة فقد ابتلوا فصبروا وشكروا فجزاهم الله خير الجزاء قال الله تعالى : )وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)

وقال تعالى

: )وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين )فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)

والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وآله وأصحابه وسلم

.

الطريقة المثلى للدعوة إلي الله

:

 

 

ب

:-

لم يرسل الله

تعالى رسولاً إلا أمره بالتوحيد والدعوة إلي عبادة الله وحده لا شريك له ، قال الله تعالى لَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) ، وقال تعالى : (َمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) ، وقد عنى الرسل عليهم الصلاة والسلام بذلك ، فبدءوا البلاغ بدعوة أممهم إلي أن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به شيئاً ، وقطعوا فيه شوطاً بعيداً حتى شغلوا به الكثير من أوقات البلاغ ، ولا عجب في ذلك فإن التوحيد أصل الدين وذروة سنامه ، وملاك والإسلام ودعامته الأولى ، لا تصح من إنسان قربه ، ولا يتقبل الله منه عبادة إلا إذا كانت مقرونة بالتوحيد وإخلاص القلب لله وحده ، قال تعالى نَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) ، وقال : (َمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) ، وقد أرشد الله الناس إلي أيسر الطرق في الدعوة إلي التوحيد وأسهلها ، وأقربها إلي معرفة الحق وأعدلها ، وهو الاستدلال بآيات الله وسننه الكونيه وتفرده سبحانه بتصريفها وتدبيرها على تفرده بالإلهية واستحقاقه أن يعبد وحده لا شريك له ، فذلك أهدى سبيلاً وأقوم دليلاً، وأقوى في إقناع الخصم وإلزامه الحجة ، فإنه مقتضى العقل الصريح وموجب الفطرة السليمة ، قال الله تعالى : (َا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ، فرتب سبحانه نهيه إياهم عن اتخاذهم شركاء له فى العبادة على علمهم وإقرارهم بأنه تعالى وحده هو الذي خلقهم وخلق الذين من قبلهم ، وهو الذي جعل الأرض قراراً ، وذللها لهم ليمشوا في جوانبها ، وليبتغوا من فضله ، ورفع السماء بلا عمد وأنزل من والسماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لهم ، لينعموا بما آتاهم من النعم وليتمتعوا بما أفاض عليهم من الخيرات لعلهم يتقون ربهم وولى نعمتهم ، فيعبدوه وحده لا شريك له مخلصين له الدين ، شكراً له على ما أسبغ عليهم من نعمة وأفاض عليهم من بركاته ، وفي القرآن كثير من النظائر لهاتين الآيتين في بيان أسلوب الدعوة ورسم الطريق الناجحة في إقامة الحجة وإلزام الخصم ، لقد سلك الأنبياء والمرسلون هذه الطريقة في دعوتهم أممهم إلي الهدى ودين الحق ، اهتداءً بهدى الله واسترشاداً بإرشاده وهو العليم الحكيم ، ومن أبرزهم في ذلك أولو العزم من الرسل ، ومنهم إبراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام.

أرسل الله جل شأنه خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلي قوم من الفرص عتاة جبارين يعبدون التماثيل ، فأنكر عليهم عكوفهم لها وتقريهم إليها ، قال تعالى

(وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ* إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) ، ولما لم يكن لديهم حجة يعتمدون عليها في عبادتهم الأصنام تعللوا لباطلهم بما وجدوا عليه آباءهم من التقرب إلي التماثيل وعبادتهم إياها ، فألغوا عقولهم وقلدوا آباءهم على غير هدى وبصيرة (قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ)، فسفه إبراهيم عليه الصلاة والسلام أحلامهم ، وحكم عليهم وعلى آبائهم بالحيرة والضلال المبين (قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، وبين لهم أن التماثيل لا تسمع النداء ، ولا تستجيب الدعاء ، ولا تملك نفعاً ، ولا توقع ضراً ، فلا يليق بعاقل أن يتخذها آلهة مع من فطر السماوات والأرض ، وإليه مقاليد الأمور ، يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ، ويعز من يشاء ، ويذل من يشاء بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير قال : (قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) .

فلما ركبوا رؤوسهم ، وأبو إلا اللجاج والعناد ، والعصبية الممقوتة في تقليد الآباء والأجداد أعلن براءته منهم وشدة عداوته لهم ولما يعبدون من دون الله

(قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ *الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ *وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) وجد إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه لا بد له من سلوك طريق آخر عملى في إقامة الحجة : ليكون أقوى فى الإبانة عن الحق ، وأملك في إلزام الخصم ، يضطرهم به إلي الاعتراف بما هم فيه من ضلال وظلم وانحراف ، فأقسم بالله أن يكبد لأصنامهم وهم عنها غائبون ، وانتهز فرصة خروجهم من البلد لبعض شأنهم ، وذهب إلي آلهتهم خفية لئلا يراه أحد فيصده عن تنفيذ ما أراد ، فجعلهم قطعاً صغاراً إلا كبيراً لهم تركه سالماًُ ، ليكون له وهم معه شأن عند التحقيق فيما جرى على أصنامهم ، فلما عادوا إلي منازلهم ما أصيبت به آلهتهم الُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ *قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) ، فلما حضر مجلسهم أخذوا يقررونه بما صنع بآلهتهم ، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم ؟ فأجابهم بنسبة ما حدث إلي من لا يتأتى منه ، نسبة إلي كبير التماثيل وهو كما يعلم ويعلمون جماد لا حراك به ، ذلك ليرشدهم إلي مكان الخطأ في عكوفهم على التماثيل ، عبادة لها وتقرباً إليها ، ويصرفهم عنها إلي عباد الله وحده لا شريك له ، ويوحى إليهم بأنه هو الذي كاد لأصنامهم وأنزل بهم ما يكرهون ، وقد أكد ذلك بأمره إياهم أن يسألوا التماثيل عمن أصابهم بالتكسير والتحطيم إن كانوا يملكون جواباً الَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ) ، وقد نجحت هذه الطريقة إلي حد ما، وأوجدت فيهم وعياً ، فثابوا إلي رشدهم وما كان في أصل قرائحهم واعترفوا بأنهم هم الذين ظلموا أنفسهم بعبادتهم تماثيل لا تملك لنفسها نفعاً ولا تدفع عنها بأساً ، وظلموا إبراهيم عليه السلام بصدهم عن دعوته ، وإعراضهم عما جاءهم به من الآيات البينات على التوحيد وإخلاص العبادة لله رب العالمين ، لكنهم لم يلبثوا أن ركبوا رؤوسهم ونكصوا على أعقابهم وارتكسوا في حماة الضلال والحيرة عصبية لما ورثوه عن آبائهم من الشرك والبهتان المبين ، قال تعالى : (فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) ، وقد نجحت هذه الطريقة إلي حد ما ، وأوجدت فيهم وعياً ، فثابوا هم الذين ظلموا أنفسهم بعبادتهم تماثيل لا تملك لنفسها نفعاً ولا تدفع عنها باساً ، وظلموا إبراهيم عليه السلام بصدهم عن دعوته ، وإعراضهم عما جاءهم به من الآيات البينات على التوحيد وإخلاص العبادة لله رب العالمين ، لكنهم لم يلبثوا أن ركبوا رؤوسهم ونكصوا على أعقابهم وارتكسوا في حماة الضلال والحيرة عصبية لما ورثوه عن آبائهم من الشرك والبهتان المبين ، قال تعالى (فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) ، لقد ازداد طريق الحق وضوحاً وبياناً ، واستحكمت حلقات الحجة لإبراهيم على أبيه وقومه ، وحق له أن يضيق ذرعاً من صدودهم ، وأن يتأفف ضجراً من طغيانهم وشركهم ، وأن ينكر عليهم ذلك إنكاراً صارخاً ، ويرميهم بالخبال وإلغاء العقول (قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) لقد أخذت الحمية الجاهلية للباطل من نفوس قوم إبراهيم عليه السلام مأخذها ، وتمكنت منهم العصبية لطاغوت التقليد للآباء والأجداد فيمل أصيبوا عقوله وأفكارهم إلي شر وجهة ، وصرفتهم عن الحق حتى ملكت مشاعرهم ، ووجهت عقولهم وأفكارهم إلي شر وجهة ، وصرفتهم عن الحق المبين والصراط المستقيم ، وزينت لهم أن يتخلصوا من إبراهيم عليه السلام ، وينزلوا به أشد العقاب انتصاراً لآلهتهم الباطلة ، وانتقاماً منه جزاء له عما صنع لها من تحطيم وتكسير ، ويعلم الله انه ما أراد بذلك إلا الخير لهم ، وإخراجهم من ظلمات الشرك إلي نور التوحيد (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) ، لكن يأبي الله إلا أن ينصر رسوله وخليله إبراهيم عليه السلام ، وأن يخذل أعداءه وأعداء دينه ، ويبطل ما كادوا لأوليائه فيبوءا بالخسران المبين ، إمضاء لسنته العادلة الحكيمة في أوليائه وأعدائه ، قال تعالى (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ )

وقال تعالى

(إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ *يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) ، وقال تعالى : (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) .

والله الموفق ، وصلي الله على نبينا محمد وآله وسلم

.

 

 

الفرق الإسلامية

تمهيد

:

كان الناس امة واحدة على الحق بما اودع الله فيهم من فطرة الاسلام وبما عهد اليهم من الهدى والبيان فما طال عليهم الامد قسن قلوبهم فاجتالهم الشياطين عن الصراط المستقيم وسلكت بهم بنيات الطريق فتمزقت وحدتهم واختلفت كلمتهم فبعث الله النبيين مبشرين ومن ذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما قال

تعالى : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيه) [ سورة البقر الآية : 213 ]

وقال

: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) [ سورة الروم الآية : 30 ]

وقال صلى الله عليه وسلم

" كل مولود يولد على الفطرة فابواه يهودانه او ينصران او يمجسانه " الحديث وقد امر الله تعالى فى كتبه وعلى السنة رسله بوحدة الكلمة والاعتصام بشرعه وحذر من الفرقة والاختلاف وبين عاقبة ذلك بما ذكر من أحوال الأمم الماضية وما حاق بها من الدمار وأصابها من الهلاك وحثهم على البلاغ والبيان والامر بالمعروف والنهى ةعن المنكر نصرة للحق وازالة للشبهة واحباطا لكيد دعاة السوء واستهوائهم النفوس الضعيفة قال الله تعالى : ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) [ سورة آل عمران الايتان : 102 – 103 ] وقال : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [ سورة الانعام الآية : 159 ] وقال : ()وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [ سورة الانعام الآية : 153 ]

وعن العرباض بن سارية قال

: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قا~ل : يا رسول الله ! كأنها موعظة مودع فماذا تعهد الينا ؟ فقال : ( اوصيكم بالسمع والطاعة فانه من يعش منكم بعد فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدى تمسكوت بها وعضوا عليها بالنواجذ ، واياكم ومحدثات الامور ، فان كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " الى غير ذلك من الايات والاحاديث .

ومع ذلك دب الخلاف بين الناس منا من امة من الامم الا وقد اختلفت بهم الاهواء حتى وضع كل لنفسع اصولا عليها يبنى مذهبة واليها يرجع فى خصومتهفتناقضت مذاهبهم وصار كل واحد حربا على اخيه وشغل بذلك عن كتاب الله وهدى رسوله عليه الصلاة والسلام الا انه

سبحانه جرت سنته واقتضت حكمته ان يقيض للحق فى كل عصر جماعة تقوم عليه وتهدى الناس اليه وانجازا للوعد بحفظ دينه واقامة للحجة واسقاطا للمعاذير قال تعالى _ () وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) [ سورة فاطر الآية 24 ] وقال : ()إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [ سورة الحجر الآية 9 ] وقال صلى الله عليه وسلم " افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة كلها فى النار الا واحدة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلها فى النار الاواحدة وستفترق هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة كلها فى النار الا واحدة " وفى رواية قالوا : يا رسول الله ! من الفرقة الناجية ؟ قال " : من كان على مثل ما انا عليه اليوم واصاحبي " وفى رواية قال :" هى الجماعة يد الله على الجماعة رواه ابو داود والترمذى والنسائي وغيرهم وفى الحديث : " لا تزال طائفة من امتي ظاهرين على الحق .. " الحديث .

وقد تبين من ذلك ان الفرقة الناجية اهل السنة والجماعة ، وان شعارها كتاب الله وهدى رسوله عليه الصلاة والسلام ، وما كان عليه سلف الامة الذين يؤمنون بمحكم النصوص ويعلمون بها ويردون اليه ما تشابه منها واما الفرق الضالة ، فشعارها مفارقة الكتاب ، والسنة ، واجماع سلف الامة ، واتباع الاهواء ، وشرع ما يم يأذن به الله م البدع والاراء الزائفة بناء على اصول وضعوها يوالون عليها ويعادون فم وافقهم عليها اثنوا عليه وقربوه وكان فى زعمهم من اهل السنة والجماعة ومن خالفهم تبرأوا منه ونبذوه وناصبوه العداوة والبغضاء وربما رموه بالكفر والخروج من ملة الاسلام لمخالفته لاصولهم الفاسدة

.

هذا وليس فى نصوص الكتاب والسنة ما يعتمد عليه فى تعيين الفرق ولا بيان ما يرجع اليه فى تمييز بعضها من بعض وان كان فيها التحذير من فرق الضلال وذكر عددهم وبيان شعارها اجمالا ، ولسنا بمكلفين بتعيينها وتحديدها ، ولان حن فى ضرورة الى لذلك فى عقيدة ، او عبادة ، او معاملة ، او دعوة الى الحق بل يكفينا فى جميع شئوننا ان يتميز لدينا الحق من الباطل بالحجة والبرهان وبالحق يعرف رجاله والدعاة اليه فلا يعيب الشريعة ان خلت من ذلك ولا ينقص قدر العلماء ان يضربوا صفحا من العدد ومع ذلك فقد حمل بعض العلماء حب الاستطلاع والولع ، والبحث ان يصنفوا فى تعيين الفرق ، ويذكروا لكل فرقة ما به تتميز عن الأخرى إشباعا للرغبة واستجابة لداعي الفكر وحاولوا ان يبلغوا بما جمعوا وقسموا واصلوا وفصلوا ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث من غير أن يتجازوه او يقفوا دونه

.

ومن اجل ان المسألة اجتهادية ولا خبر فيها عن المعصوم تباينت مناهجهم فى التصنيف واختلفت م ذاهبهم فى التعيين فمنهم من اخذ فى عد الفرق من غير ان ينبى على اسا او يستند الى قانون يضبط ما ذكر من عدد الفرق ومذاهبها ومنهم من اصل اصولا يتفرع عنها ما سواها ووع واعد تضمنت المسائل التى وقع فيها النزاع وذكر كبار الفرق التى ينشعب عنها ما عداها ومن هؤلاء الشهرستانى فى كتابه

: " الملل والنحل " . واليك كلمته فى اصول المذاهب وكبار الفرق فقال :

المقدمة الثانية

:

فى تعيين يبنى عليه تعديد الفرق الإسلامية

: اعلم ان لاصحاب المقالات طرقا فى تعديد الفرق الإسلامية لا على قانون مستند الى نص ولا على قاعدة مخبرة عن الوجود فما وجدت مصنفين منهم متفقين على منهاج واحد فى تعديد الفرق .

ومن المعلوم الذي لامراء فيه ان ليس كل من تميز عن غيره بمقاله ما فى مسألة ما عد صاحب مقالة فتكاد تخرج المقالات عن حد الحصر ويكون من انفرد بمسألة فى احكام الجوهر مثلا معدودا فى عداد أصحاب المقالات فلابد اذن من ضابط فى مسائل هى

: اصول ، وقواعد يكون الاختلاف فيها اختلافا يعتبر مقالة ويعد صاحبها صاحب مقالة وما وجدت لاحد من اربا المقالات عناية يتقرير هذا الضابط الا انهم استرسلوا فى ايراد مذاهب الامة كيفما اتفق وعلى الوجه الذي وجد لا قانون مستقر لا اصل مستمر فاجتهد على ما تيسر من التقدير وتقدر من التيسير حتى حصرتها فى اربع قواعد .هى : الاصول الكبار .

القاعدة الاولى

: الصفات ـ واتلوحيد فيها وهى تشمل على المسائل : الصفات الازلية اثباتا عند جماعة ونفيا عند جماعة ، وبيان صفات الذات ، وصفات الفعل , وما يجب لله تعالى وما يجوز عليه وما يستحيل ، وفيها الخلاف بين الاشعرية , والكرامية , والمجسمة , والمعتزلة .

القاعدة الثانية

: القدر ، والعدل ، وهى تشتمل على مسائل : القضاء ، والقدر ، والجبر والكسب فى ارادة الخير والشر ، والمحذور والمعلوم اثباتا عند جماعة ونفيا عند جماعة وفيها الخلاف بين القدرية والنجارية والجبرية والاشعرية والكرامية .

القاعدة الثالثة

: الوعد , والوعيد , والاسماء والاحكام وهى تشمل على مسائل : الايمان , والتوبة , والوعيد والارجاء , والتكفير , والتضليل اثباتا على وجه عند جماعة ونفيا عند جماعة ، وفيها الخلاف بين المرجئة , والوعيدية , والمعتزلة , والاشعرية , والكرامية .

القاعدة الرابعو

: السمع , والعقل , والرسالة , والامانة وهى تشتمل على مسائل : التحسين , والتقبيح , الصلاح , والاصلح , واللطف ,. والعصمة فى النبوة وشرائط الامامة نصا عند جماعة ، واجماعا عند جماعة ، وكيفية انقالها على مذهب من قال بالنص ، وكيفية اثباتها على مذهب من قال بالاجماع والخلاف فيها بين الشيعة , والخوارج , والمعتزلة . والكراميو . والاشعرية . فاذا وجدنا انفراد واحد من أئمى الامة بمقالة من عهذه القواعد عددنا : مقالته مذهبا وجماعته فرقة وان وجدنا واحد انفرد بمسألة فلا نجعل مقالته مذهبا , وجماعته فرقة بل نجعله مندرجا تحت واحدة ممن وتافق سواها مقالته ورددنا ب قاي مقالته الى الفروع التى لا تعد مذهبا مفردا , فلا تذهب المقالات الى غير النهاية واذا تعينت المسائل التى هى قواعد الخلاف تبينت اقسام الفرق وانحجصرت كبارها فى اربع بعد ان تداخل بعضها فى بعض .

 

كبار الفرق الإسلامية اربع

ــــــ

القدرية

الصفاتية الخوارج الشيعة

ثم يتركب بعضها مع بعض ، ويتشعب عن كل فرقة اصناف فتصل الى ثلاث وسبعبن فرقة والاصحاب كتب المقالات طريقان فى الترتيب

.

احدهما

: انهم وضعوا المسائل اصولا ثم اوردوا فى كل مسألة مذهب طائفة طائفة ، وفرقة فرقة .

والثاني

: انهم وضعوا الرجال واصحاب المقالات اصولا ، ثم اوردوا مذاهبهم فى مسألة مسألة وترتيب هذا المختصر على الطريقة الاخيرة لانى وجدتها اضبط للاقسام واليق بابوزاب الحساب وشرطى على نفسي ان اورد مذهب كل فرقة على ما وجدته فى كتبهم من غير تعصب لهم ولا كسر عليهم دون ان ابين صحيحة من فاسدة واعين حقه من باطلة وان كان لا يخفى على الافهام الذكية فى مدارج الدلائل العقلية لمحات الحق ونفحات الباطل .

ومهما يكن المنهج الذي سلكه من الف فى الفرق الإسلامية وايا كان اجتهادهم فى تعيين الفرق وتمييز بعضها من بعض لتبلغ العدد الذي ورد فى الحديث فلن يبرئهم ما وضعوا من الاصول والضوابط من معرة التكلف ولن يعصمهم من مزالق التخمين وما يوجه اليهم من طعنات النقاد

.

فان النصوص وان دلت على حدوث الفرق فى هذه الامة ، وبينت عدد الفرق اجمالا لن تخص بحدوث الفرق عهدا دون عهد والامة لا تزال تتابع اجيالها وتختلف اراؤها ، والمستقبل غيب لا يعلمه الا الله فربما حدث من البدع ، ومذاهب الضلال ما ليس فى الحسبان مما لا يمكن رده الى مذاهب الفرق الاولى .

واذا كان ذلك على ما وصفت كان تعيين الفرق رجما بالغيب واقتحاما لمتاهات لا تزيد من رمى بنفسه فيها الا حيرة مع ما فى ذلك من التكلف فى ضم بعض الفرق الى بعض بالغاء ضرب من الخلاف خشية ان يتجاوز العدد ما ذكر فى الحديث او جعل الواحدة فرقتين باعتبار نوع من الخلاف حذر ان ينقص العدد عما ذكر فى الحديث الا ان التأجيل ووضع القواعد على النحو الذي صنفه

" الشهرستانى " وغيره اقرب الى الضبط واسرع للفهم والتحصيل وابعد عن نشر الكلام وادخل فى صناعة التأليف لذلك اكتفيت بذكر اصول الفرق الكبار مع مراعاة ترتيبها حسب حدوثها من غير استقصاء اومخاولة بلوغ العدد المذكور فى الحديث .

وذكر جملة من الفرق المشهورة التى تشعبت عنها من بيان شيء مما يتميز به كل منها

.

والخوارج

:

حخرج جناعة من المسلمين علىالخليفة الثالث عثمان بن عفان لامور نقموها منهه واحداث اكروها عليه وما زال بهم اللجاج فى الخصومة معه حتى قتلوه ولما انتهت الخلافة الى على بن ابى طالب كان ممن اختلفت عليه وقاتله

: طلحة بن عبيد الله القرشي ، والزبير بن العوام فاما الزبير فقتله ابن جرموز زواما طلحة فرماه مروان بن الحكم بسهم فقتله وكانت معهما عائشة رضى الله عنها على جمل لها ولكنها رجعت سالمة مكرمة لم يعترض عليها احد وتسمى هذه الموقعة بـ " موقعة الجمل " ( 36هـ ) واختفت على على ايضا معاوية ومن تبعه رضى الله عنهم ودارت الحرب بين الفريقين فى صفين حتى كان التحكيم الذي زاد الفتنة اشتعالا ودب الخلاف فى جيش على وخرج عليه ممن كان من انصاره فرقة تعرف بالحرورية والشراة واشتهرت باسم الخوارج .

وحديث العماء فى الفرق الإسلامية عنالخوارج انما هو عن هؤلاء الذين خرجوا على على

رضي الله عنه من اجل التحكيم اما طلحة والزبير ومعاوية ، ومن تبعهم فلم يعرفوا عند علماء المسلمين بهذا الاسم .

ثم صارت كلمة الخوارج تطلق على كل من خرج على امام من أئمة المسلمين التفقت الجماعة علىامامته فى اى عصر من العصور دون ان ياتى ذلك الامام بكفر ظاهر ليس له عليه حجة واذن فاول من احدث هذه البدعة فى هذه الامة الجماعة التى خرج على على بن ابى طالب سنة

39هـ واشدهم فى التمرد والخروج= عليه الاشعث بن قيس , ومسعود بن فدمي التميمي . وزيد بن حصين الطائي , الذي دعاهم الى ذلك مسألة التحكيم المشهورة فى التاريخ ورضا الملومة به مع انهم هم الذين امروه به واضطروه اليه ثم انطروه عليه فقاالوا : لم حكمت الرجال لا حكم الا الله .

ورؤوسهم ستة

: الازراقة ، والنجدات والصفرية , وةوالعجاردة والاباضية . والثعالبه . وعنها تتفرع فرقهم .

ومن اصولهم التى اشتركت فيها فرقهم البراءة من على وعثمان

, وطلحة . والزبير . وعائشة , وابن عباس رضى الله عنهم وتكفيرهم .

والقول بان الخلافة ليست فى بنى هاشم فقط كما تقول الشيعة ولا فى قريش فقط كما يقول اهل السنة بل فى الامة عربها وعجمها فم كان اهلا لها علما واستقامة فى نفسه وعدالة فى الامة جاز ان يختار اماما للمسلمين والخروج على أئمة الجور وكل من ارتكب منهم كبيرة ولذلك سموا بالخوارج

, والايمان عندهم : عقيدة وقول ، وعمل .

وقد اتفقوا فى هذا اهل السنة فى الجملة وخالفوا غيرهم من الطوائف ومن اصولهم

ايضا " التكفير بالكبائر فمن ارتكب كبيرة فهو كافر وتخليد من ارتكب فى كبيرة فى النار الا النجدات فى الاخيرين ولا سموا وعيدية ومن اصولهم ايضا القول بخلق القرآن .

وتانكار ان يكون الله قادرا على ان يظلم وتوقف التشريع والتكليف على ارسال الرسل وتقديم السمع على العقل على تقدير التعارض فمن وافقهم فى هذه الاصول فهو منهم وان خالفهم فى غيرها ومن وافقهم فى بعضها ففيه منهم بقدر ذلك وقد اجتمعوا بحروراءبرئاسةو عبد الله بن الكواء وعتاب بن الاعور ، وعبد الله بن وهب الراسبي ، وعروة بن حدير ، ويزيد بن عاصم المخاربة وحرقوص بن زهير المعروف بذي اللثدية وكانوا فى اثنى عشر الف رجل فقاتلهم على يوم النهروان فما نجا منهم الا اقل من عشرة فر منهم اثنان الى عمان واثنان الى كرمان واثنان الى سجستان وانان الى الجزيرو وواحد الى موزن فظهرت بدع الخوارج فى هذه المواضع

.

واول من بويع منهم بالخلافة عبد الله بن وهب الراسى فتبرأ من الحكمين وممن رضى بهما وكفر هو من بايعه عليا لتحكيمه الرجال ورضاه بذلك

. الفرق وتشعبها

ـــــ

الازارقة

: جماعة من الخوارج ينسبون الى ابى راشد نافع بن الازرق خرج اخر ايام يزيد بن معاوية ومات ومات 65 هـ وبايع الازارقة من بعد موته قطرى بن الفجاءة وسموه بامير المؤمنين ومن بدعهم تصويب قاتل على عبد الله بن ملجم وفى ذلك يقول عمران بن حطان مفتى الخوارج .

يا ضربة من منيب ما اراد بها

الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

اني لاذكره يوما فاحسبه

او فى البرية عند الله ميزانا

ومنها تكفير من قعد عنالجهاد معهم وتكفير من لم يهاجر اليهم واسقاط الرجم لعدم وجوده فى القرآن واسقاط الحد عمن قذف المحصنين دون المحصنات وعدم جواز التقية فى قول او عمل واباحة قتل اطفال المخالفين لهم ويسالهم وعدم اداء الامانة لمن خالفهم

.

النجدتن العاذرية

:

ينسبون الى نجدة نب عامر الحنفى وكان من شانه انه خرج من اليمامة مع عسكره يريد اللحاق بالازارفة فاستقبله ابو فلديك وعطية بن الاسود الحنفى فى الجماعةو الذين انكروا على نافع الازرق بدعة فاخبروه بما احدثه من تكفير القعدة عن القتال معه وغير ذلك من بدعة فكتب اليه ينصح له فلما ابى نافع ان يرجع بايعه على الامامة ابو فديك وعطية ومن معهما وسموه باكير المؤمنين

.

ومن بدعهم

: جواز التقية فى القول والعمل وتناصفهم فيما بينهم بلا امام فان عجزوا عن ذلك الا بامام جاز لهم ان يقيموه .

وسموا بالعاذرية لانهم يعذرون من اخطا فى احكام الفروع لجهالته دون من اخطأ فى الاصول

: كمعرفة الله ورسله والاقرار بما جاء بهم حمد صلى الله عليه وسلم من عند الله جملة ولم يلبث ابو فديك وعطية ان اختلفا عليه وقتله ابو فديك ثم اختلف ابو فديك وعطية وبرئ كل منهما من الاخر وصار لكل منهما اتباع وسمى اتبارع ابو فديك : فدكية , واتباع عطية العطوية , وقد ارسل عبد الملك بن مروان عثمان بن عبيد الله بن معمر الى ابى فديك فحاربه ايماما وقتله وفر عطية الى ارض سجستان .

 

العجاردو :

هم طائفة من الخوارج ينسبون الى عبد الكريم بن عجرد وهم من أصحاب عطية بن الاسود الحنفى ومن بدعهم

: البراءة من الاطفال حتى يدعوا الى الاسلام عند بلوغهم ومن بدعهم ايضا : " ان سورة يوسف ليست من القرن وانهم يتولون القعدة ويرون الهجرة فضله لا فرضا .

وقد اقترفت العجاردة فرقا كثيرة منها

: الميمونة اتباع ميمون بن خالد وهو على مذهب المعتزلة ف القدر ومن بدعة ايضا جواز نكاح بنات والنبن وبنات اولاد الاخوة والاخوات ومنها الحمزية اتباع حمزو لن ابن ادرك ثبتوا على قول ميمون فى القدر وقالوا يجواز امامين فى عصر واحد ما لم يتجتمع للكلمة او تقهر الاعداء .

ومنها الاطرافية

: فرقة من الحمزية رئيسهم غالب بن شاذان السجستانى سموا اطرافية لانهم يعذورن أصحاب الاطراف فى ترك ما لم يعرفوه من الشريعة اذا اتوا بما عرفوه بالعقل ومذهبهم : كالذرية فى تحكيم العقل ومنها الشعيبية أصحاب سعيب بن محمد الذي تبرأ من ممون لما اظهر القدر ومنها الجازمية أصحاب جازم بن على كان على قول شعيب فى القدر .

الثعالبة

:

هم اصحاب ثعلبه بن عامر كان مع عبد الكريم بن عجرد يدا واحدة الى ان اختلفا فى امر الطفل فقال صعلبه بولايته حتى نرى منه انكار الحق ورضا بالجور فتبرأت العجاردة من ثعلبه ونقل عنه

ايضا انه لا يحكم فى حتى يبلغ ويدعى الى الاسلام فان اجاب فيها والا كفر !! وقدافترقت الثعالبة فرقا كثيرة منها : الشيبانية وهم اتباع شيباتن بن سلمة خرج ايام ابى مسلم الخراسانى واعانه على نصر بن سيار والى خراسان من قبل هشام وقتل اناسا ممن يوافقون فى المذهب واخذ اموالهم فبرئت منه الثعالبة ولما قتل اخبروا بتوبته فلم يقبلوها لانه لم يرد المظالم ولم ينصف اولياء الدم ومن بدعهم : تشبيه الله بخلقة وموافقه جهم فى قوله بالحبر ، واعتقاد ان اللاية والعدواة من صفات الله الذاتية لا من صفات الفعل ومن لم يقبل توبة شيبات يسمون بالزيادية نسبة لرئيسهم زياد بن عبد الرحمن ومنها : الرشيدية اتباع رشيد الطوسى ومن بعدهم : اخلااج نمصف العشر زكاة اما سقي والانهار ومنها المكرمية اصحاب ابى مكركم بن عبد الله العجلى ومن مقالته : تكفير تارك الصلاة لجله بربه وغفلته عن معرفته وعدم مباللاته بالتكليف وقالوا بايمان الموافة بمعنى ان الله والى عباده وهع ويعاديهم على ما يوفاونه به عند الموت من خي او شر لا على اعمالهم قبل ذلك ومنها المعلومية والمجهولية وهما فى الاصل من الجازمية فالمعلومية قالت : لا يكون العبد مؤمنا حت يعرف الله بجميع اسمئاه وصفاته وقالوا فعل العب مخلوق له فبرئت منهم الجازمية والمجهولية قالت : من علم البعض وجله البعض مان مؤمنا .

الاباضية

:

هم اتباع عبد الله بن اباض التميمي الذى خرج ايام مروان لن محمد اخر هلفاء بنى امية قال

: ان مخالفينا من اصل القبلة كفار غير مشركن واباح مناكحتهم وموارثتهم واباح غنيمة اموالهم من السلاح والكرع عند الحرب لا غير وحرم قتلهم وسبيهم غيلة واباح ذلك بعد اقامة الحجة ونصب القتال وقال : مرتكب الكبيرة موحد لا مؤرمن وكافر نعمة لا كفرا يخرج من الملة وانه مخلد فى النار وافعلا العباد مخلوقه لله مكتسبه للعبد .

وهم فرق كثيرة

: منها الحفصية اصحاب حفص بن ابى المقدام تميز عن الاباضية بجعله الفرق بين الشرك والايمان معرفة الله وحده فمن عرفه فهو مؤمن وان كفر بالرسل وما جاءوا به ومن ارتكب كبيرة فهو كافر غير مشرك .

ومنها الحارثية

.

اصحاب الحارث بن مزيد الاباضي ، خالف الاباضية فى القدر فقال فيه بقول المعتزلة ولذاكرهوه وقال بالاستطاعة قبل الفعل لا معه وقال باثبات طاعة لا يراد بها وجه الله كما قال ابوالهديل من المعتزلة

.

الشيعة

ـــــ

الشياع

: الفوة والانشار يقال : شاع الخبر اذا انتشر وكثر التكل به وشبيعه الجل : خواصة وجماعته الذين ينتشرون ويتقوى بهم لنسي بجمعهم او لاتباعهم اياه فى مذهبه وسيرهم على مناهجه وسننه وتجمع الشيعة على شيع وتجمع شيع على اشيع .

والمارد بالشيعة هنا

: كل من شايع على بن ابى كال خاصة قال بالنص على امامته وقصر الامامة على ال البيت وقال ، بعصمة الائمة من : الكبائر والصغائر ، والخطأ وقال : لا ولاء لعلي الا البراء من غيره من الخلفالء الذين فى عصره قوللا وفعلا ، وعقيدة ، الا فى حال التقية وقد يثبت بعض الزيدية الولاء دون البراء .

دفهذه اصول اصول الشيعة التى يشترك فيها جميع فرقهم وان اختلفت كل فرقة عن الاخرى فى بعض المسائءل فمن قال ممن ينتسب اللا الاسلام بهذه الاصول فهى شيعي وان خالفهم فيما سواها ومنم قال بشيء منها ففيه من التشيع بحسبه ورؤوس فرق الشيعة خمسة

:

الزيدية ، والامامية

, والكيسانية , والغلاة والإسماعيلية ومن العلماء من لم يجعل الإسماعيلية فرقة رئيسية .

الزيدية

الزيدية

: هم اتباع زيد بن على بن على الحسين بن على بن ابى طالب ومن مقالته : ان الامامة تنعقد للمفضول مع وجود الفاضل للمصلحة فى ذلك .

ومن اجل هذا راى انعقاد الخلافة لابى بكر وزعمر مع ان عليها افضل منهما عقيدة وكان لا يتبرأ منهما ولما بغ شيعة الكوفة عنه انه لا يتبرأ منهما رفضوه فسموا رافضة ومن مذهبة

: سوق الامامة فى اولاد فاطة : الحسن والحسين واولادهما وجواز خروج امامين فى كقرين على ان يكون كمل منهما من لاود فاطمة ويتحلى بالعلم والزهد ، والكرم والشجاعة .

وقد عاب عليه اخوه محمد الباقر اخذه العلم عن واصل بن عطاء الغزال من اجل انه كان يجوز على جدهما على الخطأ فى قتال الخارجين عليه

.

كما عاب عليه

: رايه بان الخروج شرط فى كون الامام اماما وكان يذهب فى القدر الى مذهب القدرية وبذلك نعرف السر فى ان اتباع زيد كلهم معتزلة وقد خرج زيد على هشام بن عبد الملك ايام خلافته وبويع له بالخلافة فقتل وصلوب بكناسة الكوفة عام 121هـ وكان ابنه يحيى اماما بعده ايام الوليد بن يزيد بن عبد الملك وذهب الى خراسان فبعث اليه اميرها بن سيار سلم بن احوز فقتله عام 125هـ ثم انحرفت الزيدية بعد عن القول بصحة اماه المفضول وطعنوا فى الصحابة كالامامية .

ومما اجمعت عليه الزيدية

: تخليد من ارتكب كبيرة من المؤمنيني فى النار وتصويب على وتخطئة مخالفة وتصويبه فى التحكيم وانما اخطأ الحكمان ويرون السيف والخروج على أئمة الجور وانه لا يلصى خلف فاسق .

وقد اقترفت الزيدية ثلاث فرق

: جارودية ، وسليمانية ، وبترية .

الجارودية

: هم اتباع ابى الجارود زياد بن المنذر العبدى مات عام 150هـ وقد سناه ابةو جعفر الباقر سر حزب ( الشيطان ) ومن مقالته : ان النبيى صلى الله عليه وسلم نص على انامة على بالوصف دون الاسلام وان الصحابة كفروا بتركهم بيعة على وبذلك خالف امامه زيد بن على ومن اصحاب ابى الجارود فضيل الرسان وابو خالد الواسطى .

السليمانية

: هم اتباع سليمان بن جرير الزيديى الذي ظهر ايام ابى جعفر المنصور ومن مقالته : ان الامامة شورى وانها تنعقد ولو برجلين من خيار الامة وانها تنعقد للمفضول مع وجود الفاضل الا انهم كفروا عثمان للاحداث التى نسبت اليه وكفوا عائشة ، وطلحة . والزبي لاقدامهم على قتال على بن ابى طالب وطعنوا فى الرافضة من اجل قولهم بالبداء وبالتقية .

البترية والصالحية اما البترية فابتاع كثير الثواء الملقب بالابتر مات سنة

169 هـ تقريبا واما الصالحية فاصحاب الحسن بن صالح بن حى الكوفي الهمدانى مات عام 167هـ ومذهبهما فى الامانمة مثل مذهب السليمانية الا انهم يتوقفون فى كفر عثمان لتعارض نصوص فضائله والاحداث التى نسبت اليه ويتوقفون كذلك فى اكفار قتلته .

ذكر فى مقالات الاسلاميين ان الزيدية ست فرق الثلاث السابقة

. والنعيمية اتباع نعيم بن اليمان . واليمانية وزهم اتباع محمد بن اليمان واليعقوبية وهم اتباع يعقوب بتن علىة الكوفي .

الامامية

ـــ

الامامية قالوا

: بالنص الصريح على اماة على فى مواضع وبالاشارة اليهع بعينة فى مواضع اخرى وقالوا : ان الامامة ركن الدين ليس فى الاسلام شيء اهم منه فلا يجوز ان يتركه الرسول صلى الله عليه وسلم لاختيار الامة بل يجب ان يعين له شخصا وقد عين له على بن ابى طالب بالنص عليه الاشارة اليه وقالوا : بتكفير بعض الصحابة واتفقوا على امامة الحسين فعلى زيد العابدين فمحمد الباقر ثم افترقوا بعد ذلك فرقا كيرة فى الوقوف بالاماة عند الباقر وسوقها الى ابنه جعفر ثم فيمن كان اماما من اولاد جعفر الستة : محمد , واسحاق , وعبد الله ,. وموسى , واسماعيل ., وعلى واليك بعضها :

الباقرية

: هم اصحاب ابى جعفر محمند الباقر وهم يثبتون امامته بالنص من ابيه زيد العابدين عليه ويزعمون انه لم يمت وانه المهدى المنتظر .

الجعفرية او الناوسية

: نسبة الى رجل يقال له : ناوس او عجلان بن ناوس من اهل البصرة او قرية تسمى ناوسا ومن مذهبهم سوق الامامة الى جعفر الصادق بنص ابيه الباقر عليه ويزعمون انه لم يمت وانهه المهدى المنتظر .

الشيطية

: هم اصحاب يحيى بن ابى شميط يقول يموت جعفر الصادق ونصه على امامة ابنه محمد وانه المهدى المنتظر .

الافطحية او العمارية

: ينسبون الى رجل يقال له : عمار كان يقول : يمةوت جعفر الصادق ونصه على امامه ابنه عبد الله الافطح .

الموسوية

: ينسبون الى موسى الكاظم قالوا : ان الامامة انتقلت من جعفر الصادق الى ابنه موسى الكاظم بنصه عليه ثم ان هارون الرشيد حمل موسى الى بغداد وحبسه لاظهاره الامامة ويقال :انه دس له سما فمات ودفن ببغداد ثم من قال : بموته سمو : بالقطعية ومن قال : لا ندرى امات ام لا ! سموا : بالممطورة لقول على بن اسماعيل فيهم ما نتم الا كلاب ممطورة ومن قال بغيبته ولم يسبق الامامة فيمن بعد سموا بالوفقية .

الاثنا عشرية

: فرقة من الموسوية قالت : بموت موسى , وسموا القطعية ، كما تقدم وهؤلاء ساقوا الامامة فى اولاد موسى بنص كل منهم هلة من بعده فزعموا ان الامام بعد موسى : على الرضا ثم محمد التقى ثم على بن محمد ثم الحسن العسكرى ، ثم ابنه القائم المنتظر الذي اختفى فى سرداب فى سر من راى وهو الامام الثاني عشر .

الاسماعيلية الواقفية قالوا

: بموت جعفر الصادق ونصه على امامة ابنه اسماعيل ثم انتقلت منه الى ابنه محمد بن اسماعيل فى حياة جعفر وقالوا : بغيبة محمد ورجعته .

الاسماعيلية الباطنية

: فرقة من الاسماعيلية ساقت الامامة بعد محمد بن اسماعيل بن جعفر فى ائمة مستورين ثم ظاهرين وهم الباطنية وهى الفرقة المشهورة فى الفرق بهذا الاسم ومن مقالتهم ان الأرض لا تخلو من إمام حى آما ظاهر مكشوف واما باطن مستور وان من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميته جاهلية ! ومن مات وليس فى عنقه بيعة لإمام مات ميته جاهلية ! وسموا باطنية لحكمهم بان لكل ظاهر باطنا ولكل تنزيلا تأويلا ولهم ألقاب أخرى منها انهم يسمون بالعراق ايضا القرامطة او المزدكية وبخرا سان : التعليمية , والملاحدة وهم يسمون انفسهم : اللاسماعيلية لامتيازهم عن الموسوية الاثنا عسرية بالقول بامامة اسماعيل بن جعفر دون اخيه موسى الكاظم .

ومن مقالتهم

ايضا انهم لا يقولون باثبات الصفات لله , ولا نفيها فرارا من التشبيه بالموجودات والمعدومات ولهم سوى ذلك كثير من الشناعات الكفرية .

الكيسانية

ــــــ

الكيسانية

: هعم اصحاب كيسان مولى على بن ابة طالب ويقال : انه تتلمذ على محمد بن الحنفية وقد زعم اتباعه انه جمع العلوم كلها وجمع اسرار علوم على وابنه محمد ويجمعهم القول بان الدين طاعة رجل ومن اجل ذلك ضل منهم كثيرا وجاءوا بالكفر كانكار اركان الاسلام والشك فى البعث ، والقول بالتناسخ , والحلول والرجعة بعد الموت , ومن فرق الكيسانية :

المختارية : وهم اصحاب المختار ابى عبيد الثقفى كان خارجيا ثم زبيريا ثم شيعيا كيسانيا ومن مقالته القول : بامامة محمد بن الحنفية بعد على او بعد الحسن والحسين وقد تبين خيبته لمحمد بن الحنفية فاعلن براءته منه والذي ساعد على ظهور امره انتسابه الى محمد بن الحنفية وقيامه بثأر الحسين واشتغاله بقتل الظلمة ومن مذهبه جواز البداء على الله علنا وارادة وامر ليبرر بذلك رجوعه فيما ابرمه مع دعواه انه يوحى اليه ومن المختارية من قال : بأن محمد بن الخنفية لم يزل وانه المهدى ومن هؤلاء : كثير عزة , زاسماعيل بن محمد الحميري الشاعران ومنهم من قال : بموته وانتقال الامامة الى غيره .

الهاشمية

: قالوا بسوق الامامة من محمد بن الحنفية الى ابنه ابى هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية وان والده افضى اليه بالاسرار التى افضى بها على الى ولده محمد بن الحنفية .

البيانية

: هم اتباع بيان بن سمعان التميمي النهدي قالوا بسوق الامامة من ابى هاشم الى بيان ومن مقالتهم : ان عليا حل جزء من الله واتحد بجسده فكان به الها وعلم به الغيب وانتصر به فى الحروب .. الخ !! ثم ادعى النبوة

الرازمية

: هم اصحاب رزام من غلاة الشيعة قالوا : بامامة على بن عبد الله بن عباس بعد ابى هااشم بوصية منه ثم انتلت منه الى ابنه محمد ثم الى ابنه ابراهيم بن محمد صاحب ابى مسلم الخرسانى حتى انتهت الى ابى جعفر المنصور ومن مذهبهم : اسقاط التكاليف والحلول وتناسخ الارواح .

الغلاة : هم الذين غلوا فى ائمتهم حتى الهوهم ويجمعهم القول بتشيبه الائمة باللله كالنصارى فى عيسى وغيره او تشبيه الله بالائمة : كاليهود والقول بالبداء والرجعة والحلو , وتناسخ الارواح , والالهية ومن بحث وانصف تبين له ان اصول الغلاة دخلت عليهم من تعاليم اليهود والنصارى ومانى ومزدك التى انتشرت فى العراق ولهم فى كل بلد لقب فهم يلقبون فى اصفهان : بالخرمية والكردية وفى الري : بالمزدكية والسنبادية وفى اذربيجان : بالذقولية وفى موضع بالمحمرة وفيما وراء النهر بالمبيضة ومن فرقهم ما ياتى :

السبانية

: اتباع عبد الله بن سبأ الحميرى اليهودي اظهر الاسلام واثار الفتن الدينية والسياسية فوضع قاعدة حلول الله فى على ومنه انشعبت فرق الغلاة الذين قالوا : بتناسخ الجزء الالهى فى الائمة بعد على ومنهم من قال : بحياة على وغيسبته ورجعته وهو الذى اثار الفتن على عثمان والب عليه فريقا من الامة وقد نفاه على الى ساباط المدائن لما علمه فيه من الغلو واحداث اللفتن ويظهر ان فكرة حياة الامام والغيبة والرجعة انشأها عبد الله بن سبأ حينما يئس الشيعة من اقمة دولة لهم ليصرفهم بها عن البيعة لخليفة موجود الى امام مفقود .

الماملية

: اتباع ابى كامل ومذهبهم تكفير من لم يبايع عليا والطعن فى على لعدم قتالهم والخروج عليهم ومع ذلك غلا ابو كامل فى على وراى ان الامامة نور ينتقل من شخص لآخر ويتفاوت ففي شخص يقوى حتى يكون نبيا وفى اخر يكون اماما وقال كغيره من الغلاة بفكرة الحلول الكلي وزالجزئي وتتناسخ الارواح .

العليانية

: اتباع بن ذراع الدوسي الاسدى زعم ان عليا افضل من محمد ! ثم منهم من زعم ان عليا هو الذي سمى محمد الها ! وبعثه ليدعو اليه فدعا الى نفسه وذموه لذلك ! فسموا بالذمية ومنهم من آله عليها ومحمدا او فضل عليا ! وسموا بالعينية ومنهم من الهمها وقدم محمدما وسموا بالميمية ومنهم من الع اصحاب الكساء : محمدا وعليا , وفتاطمة , وحسنا , حسينا , وقالوا : هم شيء واحد حلت فيهم الروح بالسوية .

المغيرية : اتباع بن سعد البجلى مولى خالد بن عبد الله القسري زعم ان الامام بعد محمد الباقر هو محمد بن عبد الله بن الحسن الذي خرج فى المدينة وزعم انه حي لم يمت , ثم زعم الامامة لنفسه , ثم ادعى النبوة وفى زعمه ان الله صورة وجسم ذو اعضاء على حروف الهجاء وصورته صورة رجل من نور على راسه تاج من النور وله قلب تنبع منه الحكمة الى غير ذلك من الشناعات .

المنصورية

: اتباع ابى منصور العجلي , زعم انه امام حين تبرأ منه الباقر وطرده ثم زعم بعد وفاة الباقر ان روحه انتقلت اليه وله كثير من المزاعم منها انه عرج به الى السماء ومنها ان الكسف الساقط من السماء هو الله او على ومنها ان الرسالة لا تنقطع ومنها تسمية الجنة والنار وانواع التشريع باسماء رجال لاسقاط التكاليف واستحلال االدماء والاموال وقد اخذه يوسف بن عمر والى العراق ايام هشام بن عبد الملك , وصلبه لخبث دعوته وهم صنف من الحزمية .

الخطابية

: اتباع ابى الخطاب محمد بن ابى زينب الاسدي , انتسب ابو الخطاب الى جعفر الصادق اولا فلما تبرأ منه جعفر وطرده زعم الإمامة لنفسه ومن مزاعمه : ان الأئمة أنبياء . ثم آلهة وان جعفر اله ظهر فى صورة جسم او لبس جسما فرآه الناس . ولما وقف عيسى بن موسى صاحب المنصور على خبث قتله بسبخة الكوفة وقد اقترف أصحاب ابى الخطاب بعده الى فرق منها المعمريةك اتباع معمر بن خيثم زعموا ان الامام بعدابة الخطاب معمر وهؤلاء ينكرون فناء الدنيا ويرون ان ما يصيب العالم فيها من خير وشر وه الجزاء ومنها : البزيغية اتباع بزيغ بن موسى . زعموا انه الامام بعد ابي الخطاب . وهؤلاء ينكرون الموت لمن بلغ من الناس النهاية فى الكمال ويزعمون ان من مات فارق فقط ورفع ويزعمون ان المؤمن يوحى اليه ومنها العجلية : زعموا ان الامام بعد ان ابى الخطاب عمير او عمرو بن بيان العجلي ومنها : اتباع مفضل الصيرفي الذي قال بربوبية جعفر دون نبوته ورسالته وقد تبرأ جعفر الصادق بن محمدالباقر من هؤلاء كلهم ، فانهم كلهم حيارى ضالون جاهلون بحال الائمة .

الكيالية

: اتباع احمد بن كيال كان له مزاعم لا اساس لها من العقل ولا مسند لها من السمع فتركه من اتخذع به ادعى انه امام ثم ادعى انه القائم وله تاويلات لنصوص الدين منها : حملة الميزان على العالمين . والصراط على مفسه والجنة على الوصول الى علمه من البصائر , والنار على الوصول الى ما يضاده .

الهشامية : اتباع هشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقى وكلاهما من اهل التشبيه فاما هشام بن الحكم فقال فيما نقل عنه : ان الله تعالى جسم ذو ابعاض له قدر من الاقدار ولكن لا يشبه شيئا من المخلوقات ولا يشبهه شيء منها ونقل عنه انه قال : انه شبر بشبر نفسه الى اخر شناعاته وغلا فى على حتى جعله الها واجب الطاعة واما هشام الجواليقي فقال : ان الله تعالى على صورة انسان اعلاه مجوغ واسفله مصمت الى اخر شناعاته واجاز المعصية على الانبياء دون الائمة لعصمتهم .

النعمانية

: هم اتباع محمد بن على بن النعمان ابى جعفر الاحول الملقب بشيطان الطاق ومذهبه فى حدوث علم الله : كمذهب هشام بن الحكم وكذلك مذهبه فى ذات الله الا انه يقول : انها نور على صورة انسان .

اليونسية

: هم اتباع يونس بن عبد الرحمن القمى مولى آل يقطين وهو من الشبهة يزعم تان الملائكة تحمل العرش وان العرش يجمل الله وان اطيط الملائكة من وطأة عظمة الله على العرش .

النصيرية والاسحاقية

: النصيرية اتباع محمد بن نصير النميري والاسحاقية ينسبون الى اسحاق بن الحارث وكلاهما من غلاة الشيعة يرون ظهور الروحانيات فى صور جسمية خيرة او خبيثة ويزعمون ان الله يظهر فى صورة انسان وان جزء منه حل فى على به يعلم الغيب ويفعل ما لا طاقة لاحد به من البشر الا ان النصيرية اميل الى مشاركة على الله فى الالوهية والاسحاقية اميل الى المشاركة على لمحمد فى النبوة وكلاهما يرى ايضا اباحة المحارم واسقاط التكاليف .

ومن الرافضة

ايضا جماعة يقولون بامامة محمد بن عبد الله بن الحسن بن على بن ابى طالب وانه لم يزل حيا وينتظرون خروجه مع ان جيش ابى جعفر المنصور قد قتله بالمدينة واقر بذلك فرقة من اتباع امامهم محمد

 

Upcoming 2021 Nike Dunk Release Dates - nike tiempo ii jersey green black friday specials - CopperbridgemediaShops | nike lebron x gold sable for sale on amazon

الأقسام الرئيسية:

المشائخ والعلماء: