العقيدة الصحيحة
وما يضادها ونواقض الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه .
أما بعد : فلما كانت العقيدة الصحيحة هي أصل دين الإسلام وأساس الملة رأيت أن تكون هي موضوع المحاضرة . ومعلوم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أن الأعمال والأقوال إنما تصح وتقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة ، فإن كانت العقيدة غير صحيحة بطل ما يتفرع عنها من أعمال وأقوال كما قال تعالى :
فمن الإيمان بالله سبحانه الإيمان بأنه الإله الحق المستحق للعبادة دون كل ما سواه لكونه خالق العباد والمحسن إليهم والقائم بأرزاقهم والعالم بسرهم وعلانيتهم ، والقادر على إثابة مطيعهم وعقاب عاصيهم ، ولهذه العبادة خلق الله الثقلين وأمرهم بها كما قال تعالى :
ومن الإيمان بالله أيضا الإيمان بجميع ما أوجبه على عباده وفرضه عليهم من أركان الإسلام الخمسة الظاهرة وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا ، وغير ذلك من الفرائض التي جاء بها الشرع المطهر .
وأهم هذه الأركان وأعظمها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فشهادة أن لا إله إلا الله تقتضي إخلاص العبادة لله وحده ونفيها عما سواه ، وهذا هو معنى لا إله إلا الله ، فإن معناها لا معبود بحق إلا الله فكل ما عبد من دون الله من بشر أو ملك أو جني أو غير ذلك فكله معبود بالباطل ، والمعبود بالحق هو الله وحده كما قال سبحانه :
ومن الإيمان بالله سبحانه ، الإيمان بأنه خالق العالم ومدبر شؤونهم والمتصرف فيهم بعلمه وقدرته كما يشاء سبحانه ، وأنه مالك الدنيا والآخرة ورب العالمين جميعا لا خالق غيره ، ولا رب سواه ، وأنه أرسل الرسل وأنزل الكتب لإصلاح العباد ودعوتهم إلى ما فيه نجاتهم وصلاحهم في العاجل والآجل ، وأنه سبحانه لا شريك له في جميع ذلك ، كما قال تعالى :
ومن الإيمان بالله أيضًا الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العلا الواردة قي كتابه العزيز ، والثابتة عن رسوله الأمين من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ، بل يجب أن تمر كما جاءت بلا كيف مع الإيمان بما دلّت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف للّه عز وجلّ يجب وصفه بها على الوجه اللائق به من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته كما قال تعالى :
قال الأوزاعي رحمه الله : سئل الزهري ومكحول عن آيات الصفات فقالا : أمروها كما جاءت . وقال الوليد بن مسلم رحمه الله : سئل مالك ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وسفيان الثوري رحمه الله عن الأخبار الورادة في الصفات ، فقالوا جميعا : أمروها كما جاءت بلا كيف . وقال الأوزاعي رحمه الله : كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله سبحانه على عرشه ونؤمن بما ورد في السنة من الصفات . ولما سئل ربيعه بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك رحمة الله عليهما عن الاستواء قال : ( الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ المبين وعلينا التصديق ) ، ولما سئل الإمام مالك رحمه الله عن ذلك قال : ( الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ) ثم قال للسائل : ما أراك إلاّ رجل سوء! وأمر به فأخرج .
وروي هذا المعنى عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها ، وقال الإمام أبو عبد الرحمن بن المبارك رحمة الله عليه : ( نعرف ربنا سبحانه بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه ) . وكلام الأئمة في هذا الباب كثير جدا لا يمكن نقله في هذه المحاضرة ، ومن أراد الوقوف على كثير من ذلك فليراجع ما كتبه علماء السنّة في هذا الباب مثل كتاب "السنة" لعبد الله بن الإمام أحمد ، وكتاب "التوحيد" للإمام الجليل محمد بن خزيمة ، وكتاب "السنّة" لأبي القاسم اللالكائي الطبري ، وكتاب "السنّة" لأبي بكر بن أبي عاصم ، وجواب شيخ الإسلام ابن تيمية لأهل حماة ، وهو جواب عظيم كثير الفائدة قد أوضح فيه رحمه الله عقيدة أهل السنة ، ونقل فيه الكثير من كلامهم ، والأدلة الشرعية والعقلية على صحة ما قاله أهل السنّة ، وبطلان ما قاله خصومهم . وهكذا رسالته الموسومة بالتدمرية قد بسط فيها المقام وبيّن فيها عقيدة أهل السنة بأدلتها النقلية والعقلية والردّ على المخالفين بما يظهر الحق ويدمغ الباطل لكل من نظر في ذلك من أهل العلم بقصد صالح ورغبة في معرفة الحق ، وكل من خالف أهل السنّة فيما اعتقدوا في باب الأسماء والصفات إنه يقع ولا بد في مخالفة الأدلّة النقلية والعقلية مع التناقض الواضح في كل ما يثبته وينفيه .
أما أهل السنة والجماعة فأثبتوا لله سبحانه ما أثبته لنفسه في كتابه الكريم أو أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سنّته الصحيحة إثباتا بلا تمثيل ونزّهوه سبحانه عن مشابهة خلقه تنزيها بريئا من التعطيل ففازوا بالسلامة من التناقض وعملوا بالأدلة كلها وهذه سنة الله سبحانه فيمن تمسك بالحق الذي بعث به رسله وبذل وسعه في ذلك وأخلص لله في طلبه أن يوفقه للحق ويظهر حجته كما قال تعالى :
وأمّا الإيمان بالملائكة : فيتضمن الإيمان بهم إجمالا وتفصيلا فيؤمن المسلم بأن لله ملائكة خلقهم لطاعته ووصفهم بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون
وهكذا الإيمان بالكتب يجب الإيمان إجمالا بأن الله سبحانه أنزل كتبا على أنبيائه ورسله لبيان حقه والدعوة إليه ، كما قال تعالى :
ونؤمن على سبيل التفصيل بما سمى الله منها كالتوراة ، والإنجيل والزبور والقرآن هو أفضلها وخاتمها ، وهو المهيمن عليها والمصدق لها ، وهو الذي يجب على جميع الأمة اتباعه وتحكيمه مع ما صحت به السنّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله سبحانه بعث رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا إلى جميع الثقلين ، وأنزل عليه هذا القرآن ليحكم به وجعله شفاء لما في الصدور وتبيانا لكل شيء وهدى ورحمة للمؤمنين ، كما قال تعالى :
| ||
|
وأمّا الإيمان بالقدر فيتضمن الإيمان بأمور أربعة :
أولها : أن الله سبحانه قد علم ما كان وما يكون ، وعلم أحوال عباده ، وعلم أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم وغير ذلك من شؤونهم لا يخفى عليه من ذلك شيء سبحانه وتعالى ، كما قال سبحانه :
والأمر الثاني : كتابته سبحانه لكل ما قدره وقضاه كما قال سبحانه :
الأمر الثالث : الإيمان بمشيئته النافذة فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن كما قال سبحانه :
الأمر الرابع : خلقه سبحانه لجميع الموجودات لا خالق غيره ولا رب سواه ، كما قال سبحانه :
ويدخل في الإيمان بالله اعتقاد أن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وأنه لا يجوز تكفير أحد من المسلمين بشيء من المعاصي التي دون الشرك والكفر كالزنا ، والسرقة ، وأكل الربا ، وشرب المسكرات ، وعقوق الوالدين ، وغير ذلك من الكبائر ما لم يستحل ذلك ، لقول الله سبحانه :
ومن الإيمان بالله : الحب في الله والبغض في الله ، والموالاة في الله والمعاداة في الله ، فيحب المؤمن المؤمنين ويواليهم ، ويبغض الكفار ويعاديهم ، وعلى رأس المؤمنين من هذه الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأهل السنّة والجماعة يحبونهم ويوالونهم ويعتقدون أنهم خير الناس بعد الأنبياء ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
وجميع ما ذكرناه في هذه الكلمة الموجزة داخل في العقيدة الصحيحة التي بعث الله بها رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وهي عقيدة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم :
وأمّا المنحرفون عن هذه العقيدة والسائرون على ضدها فهم أصناف كثيرة ، فمنهم عباد الأصنام والأوثان والملائكة والأولياء والجن والأشجار والأحجار وغيرها ، فهؤلاء لم يستجيبوا لدعوة الرسل بل خالفوهم وعاندونهم كما فعلت قريش وأصناف العرب مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا يسألون معبوداتهم قضاء الحاجات وشفاء المرضى والنصر على الأعداء ، ويذبحون لهم وينذرون لهم ، فلمّا أنكر عليهم رسول صلى الله عليه وسلم ذلك وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده ، استغربوا ذلك وأنكروه وقالوا :
ولم يزل هذا الشرك يفشو في الناس إلى عصرنا هذا بسبب غلبة الجهل وبعد العهد بعصر النبوّة .
وشبهة هؤلاء المتأخرين هي شبهة الأولين وهي قولهم : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله ، وقد أبطل الله هذه الشبهة وبين أن من عبد غيره كائنا من كان فقد أشرك به وكفر كما قال تعالى : ومن العقائد الكفرية المضادة للعقيدة الصحيحة والمخالفة لما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام ما يعتقده الملاحدة في هذا العصر من أتباع ماركس ولينين وغيرهما من دعاة الإلحاد والكفر سواء سموا ذلك اشتراكية أو شيوعية أو بعثية أو غير ذلك من الأسماء فإن من أصول هؤلاء الملاحدة أنه لا إله والحياة مادة ، ومن أصولهم إنكار المعاد وإنكار الجنة والنار والكفر بالأديان كلها ، ومن نظر في كتبهم ودرس ما هم عليه علم ذلك يقينا ، ولا ريب أن هذه العقيدة مضادة لجميع الأديان السماوية ومفضية بأهلها إلى أسوأ العواقب في الدنيا والآخرة . ومن العقائد المضادة للحق ما يعتقده بعض الباطنية وبعض المتصوفة من أن بعض من يسمونهم بالأولياء يشاركون الله في التدبير ويتصرفون في شؤون العالم ويسمونهم بالأقطاب والأوتاد والأغواث وغير ذلك من الأسماء التي اخترعوها لآلهتهم ، وهذا من أقبح الشرك في الربوبية وهو شر من شرك جاهلية العرب ، لأن كفار العرب لم يشركوا في الربوبية وإنما أشركوا في العبادة ، وكان شركهم في حال الرخاء ، أما في حال الشدة فيخلصون لله العبادة كما قال الله سبحانه : |
|
أمّا المشركون المتأخرون فزادوا على الأولين من جهتين ، إحداهما : شرك بعضهم في الربوبية ، والثانية : شركهم في الرخاء والشدّة ، كما يعلم ذلك من خالطهم وسبر أحوالهم ، ورأى ما يفعلون عند قبر الحسين والبدوي وغيرهما في مصر ، وعند قبر العيدروس في عدن ، والهادي في اليمن وابن عربي في الشام ، والشيخ عبد القادر الجيلاني في العراق ، وغيرها من القبور المشهورة التي غلت فيها العامة وصرفوا لها الكثير من حق اللّه عز وجلّ ، وقل من ينكر عليهم ذلك ويبين لهم حقيقة التوحيد الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم ، ومن قبله من الرسل عليهم الصلاة والسلام فإنا لله وإنا إليه راجعون . ونسأله سبحانه أن يردهم إلى رشدهم وأن يكثر بينهم دعاة الهدى وأن يوفق قادة المسلمين وعلماءهم لمحاربة هذا الشرك والقضاء عليه ووسائله إنه سميع قريب .
ومن العقائد المضادة للعقيدة الصحيحة في باب الأسماء والصفات عقائد أهل البدع من الجهمية والمعتزلة ومن سلك سبيلهم في نفي صفات الله عز وجل وتعطيله سبحانه من صفات الكمال ووصفه عز وجل بصفة المعدومات والجمادات والمستحيلات تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا . ويدخل في ذلك من نفى بعض الصفات وأثبت بعضها كالأشاعرة فإنه يلزمهم فيما أثبتوه من الصفات نظير ما فروا منه في الصفات التي نفوها وتأولوا أدلتها فخالفوا بذلك الأدلة السمعية والعقلية ، وتناقضوا في ذلك تناقضا بينا ، أمّا أهل السنّة والجماعة فقد أثبتوا لله سبحانه ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على وجه الكمال ، ونزهوه عن مشابهة خالقه تنزيها بريئا من شائبة التعطيل فعملوا بالأدلة كلها ولم يحرّفوا ولم يعطلوا ، وسلموا من التناقض الذي وقع فيه غيرهم- كما سبق بيان ذلك- ، وهذا هو سبيل النجاة ، والسعادة في الدنيا والآخرة وهو الصراط المستقيم الذي سلكه سلف هذه الأمة وأئمتها ، ولن يصلح آخرهم إلا ما صلح به أولهم وهو اتباع الكتاب والسنة ، وترك ما خالفهما .
nike shox mens australia women soccer players - White - DA8301 - 101 - Nike Air Force 1 '07 LX Women's Shoe | Women's Nike shoes, clothing and accessories