تنبيه اللاهى على تحريم الملاهى

    سلسلة الردود

(1)

الرد على الإمام ابن حزم

 

 

 

 

                                         

 

تنبيه اللاهي على

تحريم الملاهي

 

 

 

تأليف

 

فضيلة الشيخ / إسماعيل بن محمد الأنصاري

 

يرحمه الله تعالى

 

 

 

 

 

 

 

الناشر

دار معاذ للنشر والتوزيع

الرياض

 

الطبعة الأولى

 

1410ه-1990م

 

 

 

 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،أما بعد :

فقد أباح أبن حزم الظاهري في كتاب ( المحلى ) وفي رسالته في ( الغناء الملهي ) الغناء ، وكان العلماء المحققون يعتبرون ذلك من هفوات ابن حزم التي لا تذكر إلا للرد عليها والتحذير منها وفي هذه الأيام قام الأستاذ أبو تراب بنشر ذلك البحث في جريدة الرائد عدد (        ) كمقاله له رغم أنه في الحقيقة بحث لابن حزم .

لذلك اضطررنا إلى تتبع كلام ابن حزم نفسه في المرجعين المذكورين و الإجابة عنه بما وجدنا لأئمة العلم حوله . ورأينا من المستحسن عرضه على قراء بحث أبن تراب وهو  في الحقيقة مناقشة لابن حزم من ناحية الاستدلال بما استدل به من النصوص على الإباحة ومن ناحية الطعن في أدلة التحريم وهذا أوان الشروع في المقصود ، فنقول وبالله التوفيق:

 

أدلة أبن حزم على إباحة الغناء :

استدل أبن حزم لإباحة الملاهي بنصوص :

أولهما : حديث عائشة عند مسلم في صحيحه قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه فدخل أبو بكر فانتهرني ، وقال لي أمزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟.  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعهما .

 

الثاني :حديث نافع مولى ابن عمر عند أبي  داود  قال سمع أبن عمر مزمار فوضع إصبعيه في أذنيه ونأى عن الطريق وقال لي  : يا نافع هل تسمع شيئا ؟قلت :لا . فرفع إصبعيه وقال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع مثل هذا وصنع مثل هذا .

 

الثالث: حديث عائشة : ( جاء حبش يزفنون في المسجد في عيد فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فوضعت رأسي على منكبه فجعلت أنظر إلى لعبهم حتى كنت أنا التي انصرفت عن النظر إليهم .

 

الرابع : حديث عامر بن سعد البجلي أنه رأي أبا مسعود البدري وقرضة ابن كعب وثابت بن يزيد وهم في عرس وعند هم غناء ، قال: فقلت لهم : هذا وأنتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . فقالوا : أنه رخص لنا في الغناء في العرس والبكاء على الميت في غير نوح .

 

الخامس : ما رواه أبن حزم عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن جعفر أنهما سعيا في بيع المغنية وسمعا منها .

 

الجواب عن هذه الأدلة :

 

أما حديث عائشة في الجاريتين المغنيتين فأجيب عنه بأمور :

 

أولهما : صغر سن هاتين الجاريتين وعائشة رضي الله عنها صغيرة في ذلك الوقت . قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في تلبيس إبليس : ( الظاهر من هاتين الجاريتين صغر السن لأن عائشة كانت صغيرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرب إليها الجواري فيلعبن معها ). أه.

 

وقال شيخ الإسلام أبن تيمية في رسالة السماع : ( والنبي صلى الله عليه وسلم أقر الجاريتين عليه معللا ذلك بأنه يوم عيد ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة وكما يكون لعائشة لعب تلعب بهن وتدعو صويحباتها من صغار النسوة يلعبن معها . وقال الإمام إبن القيم في ( إغائة اللهفان ) : ( أقرها النبي صلى الله عليه وسلم لانهما جاريتان غير مكلفتين ) وممن سبق ألائمة المذكورين إلى حمل الحديث على هذا الإمام أبو الطيب الطبري ففي ( تلبيس إبليس ) عنه أنه قال : ( كانت عائشة رضي الله عنها صغيرة في ذلك الوقت ولم ينقل عنها بعد بلوغها وتحصيلها إلا ذم الغناء وقد كان ابن أخيها القاسم بن محمد يذم الغناء ويمنع من سماعه وقد أخذ أهل العلم عنها . أه.

يقول كاتب هذه السطور :يدل على ما ذكره أبو الطيب الطبري من ذم عائشة بعد بلوغها الغناء ما رواه البيهقي في ( السنن الكبرى ) بسند صحيح عن بكير بن الأشج أن أم علقمة مولاة عائشة أخبرته أن بنات أخي عائشة خفضن فألمن من ذلك فقيل لعائشة يا أم المؤمنين ألا ندعو لهن من يلهيهن قالت : بلى . قالت : فأرسلوا إلى فلان المغني فأتاهم فمرت به عائشة رضي الله عنها في البيت فرأته يتغنى ويحرك رأسه طربا وكان ذا شعر كثير فقالت عائشة رضي الله عنها : ( أف شيطان أخرجوه أخرجوه ) . أما القاسم بن محمد ففي ( سنن البيهقي ) يسنده إلى عبيد الله بن عمر قال : ( سأل إنسان القاسم بن محمد عن الغناء فقال : أنهاك عنه وأكرهه قال : أحرام هو ؟ قال : انظر يا أخي إذا ميز الله الحق من الباطل في أيهما يجعل الغناء ) قلت وفي رواية أن أبن وهب عن سليمان بن بلال عن كثير إبن زيد أنه سمع عبيد الله يقول لقاسم بن محمد كيف ترى في الغناء فقال له القاسم : هو باطل فقال قد عرفت أنه باطل فكيف ترى فيه فقال القاسم : أرأيت الباطل أين هو ؟ قال : النار . قال : فهو ذلك . ذكر هذه الرواية ابن القيم في ( إغاثة اللهفان ) .

 

الثاني : من الأجوبة على حديث الجاريتين المغنيتين أن غناءهما عبارة عن نوع من الشعر في وصف الحرب والشجاعة وما يجري في القتال ليس مما يهيج النفوس على الشر ويحملها على البطالة والقبيح . قال الخطابي كما في شرح البخاري للكرماني في أبواب العيدين: ( كان الشعر الذي تغنيان به في وصف الحرب والشجاعة وما يجري في القتال وهو إذا صرف في معنى التحريض على قتال الكفار كان معونة في أمر الدين فلذلك رخص الرسول صلى الله عليه وسلم فيه واما الغناء بذكر الفواحش والمجاهرة بالمنكر من القول فهو المحظور من الغناء المسقط للمروءة وحاشا أن يجري شيء منه بحضرته صلى الله عليه وسلم ) .أ . ه

وقال النووي في ( شرح صحيح مسلم ) في هذا الغناء : ( إنما كان في الشجاعة والقتل والحذق في القتال ونحو ذلك مما لا مفسدة فيه بخلاف الغناء المشتمل على ما يهيج النفوس على الشر ويحملها على البطالة والقبيح ).

وقال أبن القيم في ( إغاثة اللهفان ) : ( يحتجون بغناء جويرتين غير مكلفتين بنشيد الأعراب في الشجاعة ونحوها في يوم عيد بغير شبابة ولا دف ولا رقص ولا تصفيق ويدعون المحكم الصريح لهذا المتشابه وهذا شأن كل مبطل نعم نحن لا نحرم ولا نكره مثل ما كان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الوجه أنما نحرم نحن وسائر أهل العلم والأيمان السماع المخالف لذلك ). قال شيخ الإسلام أبن تيميه في رسالة ( السماع ) : فثبت بهذا أن هذا الغناء نوع من الشعر لا يخرج الطباع عن الاعتدال قال الحافظ  أبو الفرج إبن الجوزي في ( تلبيس  إبليس ) )) :سمي الغناء لنوع يثبت في الإنشاد وترجيع ومثل ذلك لا يخرج الطباع عن الاعتدال قال :

 وكيف يحتج بذلك الواقع في الزمان السليم عند قلوب صافية على هذه الأصوات المطربة الواقعة في زمان كدر عند نفوس قد تملكها الهوى ما هذا إلا مغالطة للفهم أو ليس قد صح في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد وإنما ينبغي للمفتي أن يزن الأحوال كما ينبغي للطبيب أن يزن الزمان والسن والبلد ثم يصف على مقدار ذلك واين الغناء بما تقاولت به الأمصار يوم بعاث من غناء أمرد مستحسن بالات مستطابة  وصناعة تجذب إليها النفس وغزليات يذكر فيها الغزل والغزالة والخال والخد والقد والاعتدال فهل يثبت هناك طبع هيهات بل ينزعج شوقا إلى المستلذ ولا يدعي أنه لا يجد ذلك إلا كاذب أو خارج عن حد الآدمية .

 

الثالث: من الأجوبة عن حديث المغنيتين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستمع إلى غناءهما . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة ( السماع) : ( والأمر والنهي  إنما يتعلقان بالاستماع لا بمجرد السماع كما في الرؤية فإنه إنما تتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير اختيار كذلك في اشتمام الطيب إنما ينهي  المحرم عن قصد الشمم ، فأما إذا شم مالا يقصده فإنه لا إثم عليه وكذلك في مباشرة المحرمات بالحواس الخمسة من السمع والبصر والشم والذوق واللمس إنما يتعلق الأمر والنهي في ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل وأما ما يحصل بغير اختياره فلا أمر ولا نهي ) . أ.ه.

هذا والذي يراه المحققون أن حديث عائشة الآخر دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه فدخل أبو بكر فانتهرني وقال : مزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: دعهما . الحديث. من أكبر الحجج على ابن حزم وأتباعه لما ذكره ابن القيم في ( مدا رج السالكين ) في منزلة ( السماع) وهو أن الصديق أبو بكر سمي ذلك مزمار الشيطان وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلك التسمية ورخص فيه لجويريتين غير مكلفتين لا مفسدة في إنشاد هما ولا استماعهما ثم قال ابن القيم :أفيدل هذا على إباحة ما تعملونه من السماع المشتمل على ما لا يخفى فيا سبحان الله كيف ضلت العقول والإفهام ).

وأما حديث زمارة الراعي فالجواب عنه بطريق الإجمال ما ذكره الصنعاني في ( توضيح الأفكار ) وهو ( أن هذه القضية واقعة عين قرر عليها الراعي ولا يدري على أي وجه وقعت ) فلا تعارض ما ورد من أدلة كثيرة يفيد مجموعها التحريم والجواب عنه بالتفصيل بأمور :

أولها : أن ابن عمر لم يكن يستمع وإنما كان يسمع وهذا لا إثم فيه وإنما النبي صلى الله عليه وسلم عدل طلبا للأكمل والأفضل كمن  اجتاز بطريق فسمع قوما يتكلمون بكلام محرم فسد أذنه كي لا يسمعه  فهذا حسن ولو لم يسد أذنه لم يأثم بذلك إلا أن يكون في سماعه ضرر ديني لا يدفع إلا بالسد ذكر هذا الوجه شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة ( السماع ( وقبله الإمام الموفق بن قدامة في ( المغني) قال في الاستدلال بحديث الزمارة على اباحة الملاهي : ( لا يصح لأن المحرم استماعها دون سماعها والاستماع غير السماع ولهذا فرق الفقهاء في سجود التلاوة بين السامع والمستمع ولم يوجب على من سمع شيئا محرما سد أذنيه وقد قال الله تعالى ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ).ولم يقل سدوا آذانهم والمستمع هو الذي يقصد السماع ولم يوجد هذا من ابن عمر وإنما وجد منه السماع ).أ.ه

 

الثاني : أن زمارة الراعي  لم تصل في غلظة المحرمة على ما وصل إليه سائر الزمور والمزاهر والملاهي التي يستعلمها أهل الخلاعة والمجون ولو كانت كذلك ما اقتصر في شأنها على سد المسامع فقط دون الردع والتنكيل قرره الخطابي في ( معالم السنن ) وقال : ( والمزمار الذي سمعه ابن عمر هو صفارة الراعي وقد جاء ذلك مذكورا في هذا الحديث من غير هذه الرواية وهذا وإن كان مكروها فقد دل هذا الصنع كسائر الزمور والملاهي التي يستعملها أهل الأناشيد لما شبه أن لا يقتصر في ذلك على سد السامع فقط أذنيه مبلغ الردع والتنكيل وفي مختصر فتاوى شيخ الاسلام ابن تيمية ما نصه : ( زمارة الراعي ليست مطربة كالشبابة التي تصنع  من اليراع فلو قدر الإذن فيها لم يجز الإذن في اليراع الموصول وما يتبعه من الأصوات التي تفعل في النفوس فعل حميا الكؤوس ) . وأجاب ابن قدامة في المغني عن التعليق بقول ابن عمر في حديث زمارة الراعي . كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع  مثل هذا فصنع مثل هذا أجاب عنه : ( بأن النبي صلى الله عليه وسلم حاجة إلى معرفة انقطاع الصوت عنه لأنه عدل عن الطريق وسد أذنيه فلم يكن ليرجع إلى الطريق ولا يرفع إصبعه عن أذنيه فأبيح للحاجة ) وكما قرر هذا الوجه ابن قدامة في ( المغني) قرره البعلي في ( مختصر الفتاوى) والهيثمي في ( كف الرعاع ) وعلى كل تقدير فلنا أن نقول ما قاله ابن الجوزي في ( تلبيس إبليس ) والقرطبي في ( تفسير آية ) : ( واستفزز من استطعت منهم بصوتك ) سورة الأسراء ، آية (64) .  قال بعد ذكر هذا الحديث ،(إذا كان هذا فعلهم في حق صوت لا يخرج عن الاعتدال فكيف بغناء أهل هذا الزمان وزمرهم ).

هذا كله على فرض ثبوت الحديث وألا فقد قال أبو داود في (سننه ) هو حديث منكر.

وأما حديث عائشة في زفن الحبشة في المسجد يوم العيد فالجواب عنه أن الزفن هنا معناه التوثب بالسلاح واللعب بالحراب على هيئة قريبة من هيئة الزفن وهو الرقص بدليل أن معظم الروايات ليس فيها إلا لعبهم بحرابهم كما ذكره النووي في ( شرح صحيح مسلم ) فهذا إذا أمر يرجع إلى الحرب فهو يرجع إلى أمر الدين كما بينه القرطبي واليسع بن عيسى الغافقي ونقله عنها العلامة مرتضى الزبيدي ( في إتحاف السادة المتقين ) شرح أحياء علوم الدين ولهذا قال الهيثمي في كف الرعاع أن هذا الحديث لا يتناول محل النزاع فإن ذلك لم يكن من الحبشة رقصا على غناء ولا ضربا بالاقدام ولإشارة بالاكمام بل كان لعبا بالسلاح وتأهبا للكفاح وتدريبا على استعمال السلاح في الحرب وتمرينا على الكر والفر والطعن والضرب فإذا كان هذا هو هذا الشأن فأين أفعال المخانيت والمخنتين من أفعال  الأبطال والشجعان )فأما ما تكلمب به الحبشة في ذلك الزفن ففي مسند السراج ومسند الإمام أحمد بإسناد جيد من حديث أنس أنهم كانوا يقولون محمد عبد صالح . وأما حديث عامر بن سعد البجلي فالجواب عنه ـ أنه هو وجميع ما روى عن السلف في هذا الباب على فرض صحته محمول على السلامة من المحرمات كما في ( كف الرعاع) وفيه موضع آخر ما نصه : ( قال الإمام القدوة خطيب الشام ( أبو القاسم الدولقي ) : من أئمتنا في مصنفه ( السماع) لم ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه سمع الغناء أي المتنازع فيه ـ ولا جمع له جموعا ولا دعا الناس إليه ولا حضر له في هذا ولا خلوة ولا أثنى عليه بل ذمه وقبحه وقبح الاجتماع إليه ) أ.ه

وفي أجوبة الإمام الموفق الناصح الدين الحنبلي أنه لا يلزم  من الرخصة في العرس الذي أمر فيه بالدف والصوت والرخصة في  الغناء على الوجه الذي يفعله هؤلاء .

وأما قضية عبد الله بن جعفر وعبد الله بن عمر ففي ( كف الرعاع ) للهيثمي ما نصه : ( قال الأئمة في الرد عليه ـ على ابن حزم لم يثبت ما زعمه عنهما وحاشا ابن عمر من ذلك مع شدة ورعه وإتباعه وبعده من الأمر)أ.ه

قلت : مما يدل على عدم ثبوت ذلك عن ابن عمر ما رواه البيهقي في سننه عن عبد الله ابن دينار أنه قال : ( مر ابن عمر بجارية صغيرة تغني فقال لو ترك الشيطان أحدا ترك هذه ) فهذا مما يرد دعوى ابن حزم وأخشى أنه قد اعتراه في تصحيح هذا الحديث ما ذكره ابن القيم في ( الفروسية ) أنه كان يعتريه وعبارته ( والرجل يصحح ما أجمع أهل الحديث على ضعفه وهذا بين في كتبه لمن تأمله ).

 

ـ أدلة التحريم والجواب عن موقف ابن حزم منها :

استدل الجمهور على تحريم الغناء بأدلة عارضها ابن  حزم بما سنذكره مع الإجابة عنه فيما يلي :

أولها : قول الله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ). فان لهو الحديث فسر بالغناء مرفوعا وموقوفا ، أما المرفوع ففي مسند الإمام أحمد ومسند عبد الله بن الزبير الحميدي وجامع الترمذي من حديث ( أبي أمامة ) والسياق للترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام في مثل هذا أنزلت هذه الآية ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) . وأما الموقوف فقد روى ابن أبي شيبة بإسناده : ( أن عبد الله بن مسعود سئل عن قوله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) قال الغناء والله الذي لا إله غيره) وإلى هذا إسنتد الجمهور في الاستدلال بالآية على تحريم الغناء وقد عارض ابن حزم استدلال الجمهور بهذا ، عارضه بأن رواية هذا الحديث المرفوعة إنما هي من رواية عبيد الله بن زخر وهو ضعيف عن على بن يزيد وهو متروك الحديث، والقاسم وهو ضعيف وعارض روايته الموقوفة بأنها لم تثبت عن أحد من الصحابة بل إنما  هي قول بعض المفسرين ممن لا تقوم به حجة وما كان كذلك لا يجوز القول به ثم لو صح لما كان فيه متعلق لأن الله تعالي يقول : (0 ليضل عن سبيل الله بغير علم ) وكل شيء يقتنى ليضل عن سبيل الله فهو أثم وحرام ولو أنه شراء مصحف أو تعليم قرآن وأضاف ابن حزم إلى هذا دعوى أن تفسير لهو الحديث بالغناء يخالف تفسيره بغير ذلك هذا ما أورده ابن حزم وجوابا عن ذلك أقول :أما المرفوع فقد قال ابن القيم في ( إغاثة اللهفان ) : ( هذا الحديث وان كان مداره على عبيد الله بن زخر عن علي بن زيد عن القاسم فعبيد الله بن زخر  ثقة والقاسم وثقه . وعلى ضعيف إلا أن للحديث شواهد ومتابعات سنذكرها إن شاء الله ) . ثم سرد ابن القيم ماله من المتابعات والشواهد بعد ذلك ، وأما الموقوف فقد قال الحافظ ابن حجر في ( التلخيص الحبير ) ( روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن عبد الله سئل عن قوله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) قال الغناء والذي لا إله غيره وأخرجه الحاكم وصححه وأقره الذهبي على تصحيحه والبيهقي وروى البيهقي عن ابن عباس هو الغناء وأشباهه) أ.ه.  وقال ابن القيم في ( إغاثة اللهفان ) ( يكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء فقد صح ذلك عن ابن عباس وابن مسعود قال أبو الصهباء : سألت ابن مسعود عن قوله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) فقال والله الذي لا إله غيره هو الغناء يرددها ثلاث مرات وصح عن ابن عمر أيضا أنه الغناء ).

ولا شك أن تفسير الصحابة أولى بالقبول قال الحاكم أبو عبد الله في التفسير من كتاب ( المستدرك) ليعلم طالب العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند وقال في موضع آخر هو عندنا في حكم المرفوع ( وقال ـ أي ابن القيم ـ في ( إغاثة اللهفان ) ـ ( هذا وان كان فيه نظر فلا ريب أن تفسيرهم أولى بالقبول من تفسير من بعدهم فهم أعلم الأمة بمراد الله عز وجل من كتابة فعليهم نزل وهم أول من خوطب به من الأمة وقد شاهدوا تفسيره من الرسول علما وعملا وهم العرب الفصحاء على الحقيقة  فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل )أ.ه

لكن من عيوب ابن حزم التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في ( التسعينية ) الإعراض عن متابعة كثير من أئمة الصحابة ومن بعدهم فلا يستغرب رده لهذا التفسير ما دام الأمر هكذا وأما تعليق ابن حزم بمفهوم قوله تعالى : (وليضل عن سبيل الله بغير علم )فقد أجاب عنه ابن القيم في كتاب (إغاثة اللهفان ) بقوله : ( أهل الغناء ومستمعوه لهم نصيب من الذم بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن وان لم ينالوا جميعه فإن الآيات تضمنت ذم من استبدل لهو الحديث بالقرآن ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا وإذا يتلى عليه القرآن ولى مستكبرا كأن لم يسمعه كأن في أذنيه وقرا وهو الثقل والصمم وإذا علم منه شيئا استهزأ به فمجموع هذا لا يقع إلا من أعظم الناس كفرا ووقع بعضه للمغنيين ومستمعيهم فلهم حصة ونصيب من هذا الذي يوضحه أنك لا تجد أحدا عني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علما وعملا وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عدل عن هذا إلى ذاك وثقل عليه سماع القرآن وربما حمله الحال على أن يسكت القاريء ويستطيل قرآته ويستزيد الغنى ويستقصر نويته وأقل ما في هذا أن يناله نصيب وافر من هذا الذم إن لم لم يحظ به جميعه ) ثم قال ابن القيم : ( والكلام في هذا مع من في قلبه بعض حياة يحس بها فأما من مات قلبه وعظمت فتنته فقد سد على نفسه طريق النصيحة ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن  يطهر قلوبهم لهم في  الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) . وأجاب الحافظ ابن حجر في فتح الباري في باب ( كل لهو باطل ) عن إيراد ابن  حزم بأن هذا المفهوم يغض بالمنطوق لكل شيء نص على تحريمه مما يلهي يكون باطلا سواء شغل أو لم يشغل .

وأما دعوى ابن حزم مخالفة تفسير من فسر من الصحابة وغيرهم لهو الحديث بالغناء لمن فسرها بغير ذلك من التفاسير فإنما نشأت من التسرع الغالب عليه فقد قال ابن جرير الطبري في تفسيره بعد سرد أقوال المفسرين في لهو الحديث : ( الصواب من القول في ذلك أن يقال عني به كل ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله ما نهى الله عن استماعه أو رسوله لأن الله تعالى عم بقوله : ( لهو الحديث )  ولم يخصص بعضا دون بعض فذلك على عمومه حتى يأتي ما يدل على خصوصه والغناء والشرك من ذلك ) أ.ه

وممن نحى منحى ابن جرير المذكور الإمام ابن القيم في (إغاثة اللهفان) قال : ( لا تعارض بين تفسير ( لهو الحديث) بالغناء وبين تفسيره بأخبار الأعاجم وملوكها وملوك الروم ونحو ذلك مما كان النظر ابن الحارث يحدث به أهل مكة يشغلهم به  عن القرآن فكلاهما يعدل من الحديث ولهذا قال ابن العباس لهو الحديث الباطل والغناء فمن الصحابة من ذكر هذا ومنهم من ذكر الآخرين ومنهم من جمعها والغناء أشد لهوا وأعظم ضررا من أحاديث الملوك وأخبارهم فإن رقية الزنا ومنبت النفاق وشرك الشيطان وخمرة العقل وصده عن الشيطان أعظم من صد غيره من الكلام الباطل لشدة ميل النفوس إليه ورغبتها فيه )).أ.ه

 

الثاني : من أدلة التحريم ما رواه الإمام البخاري في صحيحه قال : ( قال هشام ابن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلابي حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الاشعري ووالله ما كذبنا أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر و الحرير والخمر والمعازف ) الحديث . قال ابن حزم في ( المحلى ) ( هذا منقطع لم يتصل ما بين البخاري وصدقه ابن خالد) وقال في ( رسالة الغناء الملهي ) : ( لم يورده البخاري مسندا وإنما قال فيه قال هشام ابن عمار : ثم هو إلى أبي عامر أو أبي مالك ولا يدري أبو عامر هذا ) هذا ما أورده ابن حزم وللإجابة عنه أقول :

أما كلامه في ( المحلى ) فقد وهم فيه كما بينه العيني  في عمدة القاريء ( شرح صحيح البخاري ) حيث قال : ( وهم ابن حزم في هذا ، فالبخاري إنما قال قال هشام بن عمار حدثنا صدقة ولم يقل قال صدقة ) وأما عبارة ابن حزم في ( رسالة الملاهي ) فالجواب عنها من ناحية دعوى الانقطاع بين البخاري وهشام بن عمار بأمرين أحدهما أن البخاري لقي هشام ابن عمار وسمع منه فروايته عنه في حكم الاتصال حتى عند ابن حزم فانه قال في موضع آخر ( أن الراوي العدل إذا روى عمن أدركه من العدول على اللقاء والسماع سواء قال أنبأنا أو حدثنا أو عن فلان أو قال فلان فكل ذلك منه محمول على السماع ) . وبهذا اعتبر الهيثمي في ( كف الرعاع ) صنيعه في هذا الحديث مناقضا لتلك القاعدة التي قعدها هناك ، والثاني أن هذا الحديث على فرض الانقطاع في سنده بين البخاري وهشام قد وصله الإسماعيلي في مستخرجه قال حدثنا الحسن وهو ابن سفيان النسوي حدثنا هشام بن عمار ( وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير عن موسى ابن سهل الجويني وعن جعفر بن محمد الفريابي كلاهما عن هشام وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن الحسين بن عبد الله القطان عن هشام وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه على  البخاري من رواية عبدان بن محمد المروزي ومن رواية أبي بكر الباغندي كلاهماعن هشام وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين فقال حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد حدثنا هشام بن عمار وهو عند أبي داود في سننه بغير اللفظ الذي وهو ( المعازف) كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية في إبطال التحليل ) والحافظ ابن حجر في ( فتح الباري) بقوله : ( ثم هو إلى أبي عامر أو أبي مالك ولا يدري من أبو عامر فقد أجاب عنه الحافظ في ( فتح الباري ) بقوله : ( على تقدير أن يكون المحفوظ هو الشك فالشك في اسم الصحابي لا يضر وقد أعله بذلك ابن حزم وهو مردود ) ثم رجح الحافظ أنه عن أبي مالك الأشعري لما أخرجه أحمد وابن أبي شيبة والبخاري في التاريخ من طريق مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمعا تغدو عليهم القيان وتروح عليهم المعازف ) الحديث . قال الحافظ : فظهر بهذا أن الشك من عطية بن قيس لان مالك بن  أبي مريم وهو رفيقه فيه عن شيخهما لم يشك وأبو مالك الأشعري صحابي مشهور ) فبهذا تبين اتصال الحديث وبطلان كلام ابن حزم فيه ولذلك حذر العلماء من الاعتماد على كلام ابن حزم فيه كابن الصلاح ( في مقدمة علوم الحديث ) وابن كثير في ( الباعث ) وابن عبد الهادي في ( المحرر) والعراقي في ( ألفية المصطلح ) وابن القيم في ( تهذيب السنن) وفي ( إغاثة اللهفان )وفي ( روضة المحبين ) والحافظ ابن حجر في ( فتح الباري) والعيني في ( عمدة القاريء ) وغيرهم .  وللإيجاز نكتفي هنا بعبارة  ابن القيم في ( روضة المحبين ) قال : ( أما أبو محمد ـ ابن حزم ـ فإنه على قدر يبسه وقسوته في التمسك بالظاهر وإلقائه للمعاني والمناسبات والحكم والعلل الشرعية انصاع في باب العشق والنظر وسماع الملاهي المحرمة فوسع هذا الباب جدا وضيق باب المناسبات والمعاني والحكم الشرعية جدا وهو من انحرافه في الطرفين رد الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه في تحريم آلات اللهو بأنه معلق غير مسند وخفي عليه أن البخاري لقي من علقه عنه وسمع منه وهو هشام ابن عمار وخفي عليه أن الحديث قد أسنده غير واحد من أئمة الحديث عن هشام بن عمار فأبطل سنة صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مطعن فيها بوجه )أ.ه

 

الثالث : من أدلة التحريم ما رواه ابن ماجه من طريق معاوية بن صالح عن حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:( يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم  الأرض ) قال ابن حزم في ( المحلى ) بعد روايته إياه  من طريق أبي شيبة نا زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح قال : ( معاوية بن صالح ضعيف ) وزاد في رسالة العناء الملهي : ( ومالك بن أبي مريم لا يدري من هو ) والجواب عن هذا أن معاوية بن صالح لا نرى فيه رأي ابن حزم ولمن تكلم فيه لما عندنا من نصوص أئمة الجرح والتعديل على توثيقه فقد قال ابن سعد في ( الطبقات الكبرى ) : ( كان ثقة كثير الحديث ) وقال البخاري في ( تاريخه الصغير ) : ( حدثنا علي قال وكان عبد الرحمن يوثق معاوية بن صالح ) وقال ابن أبي  حاتم في ( الجرح والتعديل ) : ( سمعت أبي يقول : قال على بن المديني كان عبد الرحمن بن مهدي يوثق معاوية بن صالح ، ثم قال حدثنا محمد بن حموية بن الحسن قال : سمعت أبا طالب قال : قال أحمد بن حنبل كان معاوية بن صالح أصله حمصي وكان قاضيا على الأندلس خرج من حمص قديما وكان ثقة ) . قال ابن أبي حاتم : ( سئل أبو زرعة عن معاوية بن صالح فقال ثقة محدث ) ونقل الحافظ الزيلعي في نصب الراية في الكلام على حديث تحفظ النبي صلى الله عليه وسلم من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره ويصوم رمضان لرؤيته . نقل عن صاحب التنقيح أن قال : ( معاوية بن صالح ثقة صدوق وثقة أحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن مهدي وأبو زرعة قال : واحتج به مسلم في صحيحه ولم يرو شيئا خالف فيه الثقات وكون يحيى بن سعيد لا يرضاه غير قادح فيه فان يحيى شرطه شديد في الرجال ولذلك قال لو لم أرو إلا عمن أرضي ما رويت إلا عن  خمسة وقول أبي حاتم لا يحتج به غير قادح أيضا فإنه لم يذكر السبب وقد تكررت هذه اللفظة منه في رجال كثيرين من أصحاب الصحيح الثقات الاثبات من غير بيان السبب كخالد الحذاء وغيره ) . وأما مالك بن أبي مريم فقد قال الحافظ ابن حجر في ( تهذيب التهذيب ) : ( ذكره ابن  حبان في الثقات ) وقال في ( تقريب التهذيب ) : ( مقبول من الخمسة  وحديثه المذكور قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية في ( إبطال التحليل ) بعد ما رواه من طريق ابن ماجه : ( إسناد ابن ماجه إلى معاوية ابن صالح صحيح وسائر إسناده حسن فإن  حاتم بن حريث شيخ ومالك بن أبي مريم من قدماء الشاميين ولهذا الحديث أصل  في الصحيح يعني شيخ الإسلام بأصله حديث هشام ابن عمار المتقدم . وقد ذكر البيهقي في ( السنن الكبرى ) بعدما ساق حديث معاوية بن صالح أن له شواهد من حديث على وعمران بن حصين وعبد الله بن بسر وسهل بن سعد وأنس بن مالك وعائشة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما ابن القيم في ( إغاثة اللهفان ) فقد جزم بصحة إسناد هذا الحديث وتبعه السيوطي في ( الجامع الصغير ) والمناوى في ( فيض القدير)

 

الرابع : من أدلة التحريم ما رواه ابن حزم من طريق قاسم بن أسبغ بسنده إلى محمد بن المهاجر عن كيسان مولى معاوية قال : ( حدثنا معاوية قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسع وأنا أنهاكم عنهن ألا أن منهن الغناء والنوح ) قال ابن حزم في ( المحلى ) : ( محمد ابن المهاجر ضعيف وكيسان مجهول ) قلت : محمد بن المهاجر ليس بضعيف فقد قال ابن أبي  حاتم في ( الجرح والتعديل ) : ( أخبرنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلى قال سمعت أبي يقول : محمد بن مهاجر أخو عمر بن مهاجر ثقة أخبرنا يعقوب بن إسحاق الهروى فيما كتب إلى قال أخبرنا  عثمان بن سعيد الدرامي قال قلت ليحيى بن معين محمد بن مهاجر ؟ فقال : ثقة ) وفي ( نصب الراية ) للزيلعي في الكلام على حديث أوضاح أم سلمة في الزكاة أن صاحب التنقيح قال في محمد بن مهاجر : ( ثقة شامي أخرج له مسلم في صحيحه ووثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة ودحيم وأبو داود وغيرهم وقال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان متقنا ) وذكر الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ممن وثقه يعقوب بن سفيان والعجلي وأما كيسان مولى معاوية ففي كتاب : ( الجرح والتعديل ) لابن أبي حاتم ( كيسان مولى معاوية ابن أبي سفيان شامي روى عن معاوية بن أبي سفيان وعنه محمد ابن المهاجر سمعت أبي يقول ذلك ) وفي ( إتحاف السادة المتقين ) ( العلامة الزبيدي ( روى عنه محمد بن المهاجر وغيره ووثقه ابن حبان قال : ( فصار سند الحديث جيدا )

 

الخامس : من أدلة التحريم ما رواه أبو داود قال نا مسلم بن إبراهيم نا سلام ابن مسكين عن شيخ أنه سمع أبا وائل يقول : سمعت ابن مسعود يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أن الغناء ينبت النفاق في القلب ) قال ابن حزم في ( المحلى ) : ( عن شيخ عجب جدا ) وقال في ( الغناء الملهي ) : ( فيه أي في حديث ابن مسعود هذا ـ شيخ لم يسمع ولا يعرفه أحد ) . قلت جهالة ذلك الشيخ لا تؤثر إلا في التصريح برفع الحديث أما وقفه لفظا ورفعه حكما فلا تؤثر فيه قال العلامة ابن القيم بعدما ساق طرقه في ( إغاثة اللهفان ) : ( هو صحيح عن ابن مسعود من قوله ) ، وسبقه ) ، وسبقه البيهقي إلى ذلك قال : إن وقفه عليه هو الصحيح وأما رفعه حكما فقد أشار إليه الأوزاعي وجزم به الهيثمي في ( كف الرعاع ) والعلامة الالوسي في ( روح المعاني ) وذلك لان هذا لا يقال من قبل الرأي لأنه إخبار عن أمر غيبي لا مجال للرأي فيه قال الهيثمي : ( فعلم أن هذا الحديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بكل تقدير ) .أ.ه

يقول كاتب هذه السطور مما يدل على شهرة  معنى هذا الحديث عند أهل العلم ما رواه ابن الجوزي في ( سيرة عمر بن عبد العزيز ) عن أبي حفص عمر بن عبد الله الأموي أنه كتب إلى مؤدب ولده كتابا فيه : ( ليكن أول من يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم أن صوت المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب الماء ، ولعمري لتوقي ذلك بترك حضور تلك المواطن أيسرعلى ذي الذهن من الثبوت على النفاق في قلبه وهو حين يفارقها لا يعتمد مما سمعت أذناه على شيء مما ينتفع به ) .أ.ه

وكذلك جواب الإمام أحمد بن حنبل لابنه عبد الله لما سأله عن الغناء يقول : ( الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني ) ثم ذكر قول مالك إنما يفعله عندنا الفساق نقل هذا عن الامام أحمد العلامة ابن القيم في ( إغاثة اللهفان ) .

 

السادس : من أدلة التحريم حديث النهي عن صوتين صوت نائحة وصوت مغنية قال ابن حزم في ( المحلى ) : لا ندري له طريقا وإنما ذكروه هكذا مطلقا وهذا لا شيء ( وقال في رسالة ( الغناء الملهي ) وأما النهي عن صوتين فلا يدري من رواه ( قلت الحديث الذي أشار إليه ابن حزم عزاه الحافظ بن حجر في ( الدراية ) إلى الترمذي وإسحاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والطيالسي والبيهقي وذكر أنهم رووه من حديث جابر في قصة موت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قول عبد الرحمن بن عوف : ( أتبكي وقد نهيت عن البكاء . قال : لا أني لم أنه عن البكاء ولكني نهيت عن صوتين احمقين صوت عند نغمه لعب ولهو ومزامير شيطان ، وصوت عند مصيبة و خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان ، وصوت عند مصيبة وخمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان ثم قال الحافظ : ( وأخرجه البزار وأبو يعلي من وجه آخر فقالا عن جابر عن عبد الرحمن بن عوف وأخرجه الحاكم من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن عوف ) وهذا ما ذكره الحافظ في ( الدراية ) وفي بعض روايات الحديث زيادة ( فاجرين ) وقد علق ابن القيم عليه في (إغاثة اللهفان ) بقوله : (انظر إلى هذا النهي المؤكد بتسمية صوت الغناء صوتا أحمق ولم يقتصر على ذلك حتى وصفه بالفجور ولم يقتصر على ذلك حتى  سماه مزامير الشيطان وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق على تسميته  مزمور الشيطان في الحديث الصحيح قال : فان لم يستفد التحريم من هذا لم يستفد من نهي أبدا ) وأما درجة الحديث فقد حسنه الترمذي وأقره الزيلعي على ذلك في ( نصب الراية ) وابن القيم في ( إغاثة اللهفان ) ولا يقدح في ذلك كونه من رواية محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى لأن حديثه في وزن الحسن كما قرره الذهبي في ( تذكره الحفاط) وقبله قال العجلي : ( كان فقيها صدوقا صاحب سنة جائز الحديث ) وفي معنى هذا الحديث حديث أنس عن البزار في مسنده ، والضياء في ( المختارة ) مرفوعا : صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة ) وهذا الحديث قال المنذري في ( الترغيب والترهيب ) والهيثمي في : ( مجمع الزوائد ) (رواته ثقات ) واعتمد على قولهما المناوى في ( فيض القدير ) وأعله السيوطي في ( الجامع الصغير بعلامة الصحة ( صح ) فلا اعتبار بكلام ابن حزم بعد هذا .

 

السابع: من أدلة التحريم ما رواه ابن حزم في ( المحلي ) من طريق عبد الملك ابن  حبيب قال : حدثنا ابن معبد عن موسى ابن أعين عن القاسم ابن عبد الرحمن عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله حرم تعليم المغنيات وشراءهن وبيعهن وأكل أثمانهن ( قال ابن حزم في ( المحلي ) : ( عبد الملك هالك وموسى ابن أعين ضعيف والقاسم بن عبد الرحمن ضعيف ) وقال في رسالة ( الغناء الملهي ) : ( أما أحاديث عبد الملك بن حبيب فكلها هالكة ) قلت عبد الملك بن حبيب قد تعقبه الحافظ الذهبي في ( الميزان ) كلام ابن حزم فيه بقوله ( الرجل أجل من ذلك ـ أي مما رماه بن أبن حزم ، ولكنه يغلط ) وقال الحافظ ابن حجر في ( تهذيب التهذيب) بعد سرد الأقوال في عبد الملك ابن حبيب ( كان ابن  لبابة يقول عبد الملك  عالم الأندلس وروى عنه ابن وضاح وبقى بن مخلد ولا يرويان إلا عن ثقة عندهما وقد أفحش ابن حزم القول فيه فنسبه إلى الكذب وتعقبه جماعة بأنه لم يسبقه أحد إلى رميه بالكذب) أ.ه.

قلت : قد برأ المقرى في ( نفح الطيب) عبد الملك بن حبيب مما اتهم به وعبارته : ( ما ذكروه من عدم معرفته بالحديث غير مسلم وقد نقل عنه غير واحد من جهابذة المحدثين ، نعم لأهل الأندلس غرائب لم يعرفها كثير من المحدثين  حتى إن في شفاء عياض أحاديث لم يعرف أهل المشرق النقاد مخرجها مع اعترافهم بجلالة حفاظ الأندلس الذين نقلوها كبقى بن مخلد وابن حبيب وغيرهما وغيرهما على ما هو معلوم) وأما موسى بن أعين فقد قال ابن سعد في ( الطبقات الكبرى ) كان صدوقا . وقال ابن أبي جاتم في ( الجرح والتعديل ) : ( أن إبراهيم  بن يعقوب الجوزجاني فيما كتب إلى قال : رأيت أحمد بن حنبل يحسن الثناء على موسى بن أعين ) ، ثم قال : سألت نصر وأبو زرعة عن موسى بن أعين فقالا ثقة) ، وقال  الحافظ بن حجر في ( تهذيب التهذيب): ( قال نصر بن محمد سمعت ابن معين يقول : موسى بن أعين ثقة صالح وقال الدارقطني : ثقة وقال الأوزاعي  إني لا عرف رجلا من الابدال قيل من هو فقال موسى بن أعين وقال في تقريب التهذيب : (ثقة عابد ) وأما القاسم بن عبد الرحمن فقد قال ابن سعد ( في الطبقات الكبرى ) ( له حديث كثير قال بعض الشاميين ( له حديث كثير قال بعض الشاميين أنه أدرك أربعين بدريا ) ، وروى البخاري في ( تاريخه الصغير ) عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أنه قال : ما رأيت أحدا أفضل من القاسم ابن عبد الرحمن وعن إبراهيم بن الحصين أنه قال كان القاسم من فقهاء دمشق وروى ذلك عنهما  هذا بإسناده وقال الترمذي في ( الجامع ) ( سمعت محمدا ـ يعني البخاريـ يقول القاسم ثقة ) وقال النووي في ( تهذيب الاسماء واللغات ) : ( قال يعقوب بن سفيان هو ثقة وقال يحيى والترمذي : هو ثقة ، وقال يعقوب بن شيبة هو ثقة) أ.ه

وتعقب الحافظ الذهبي في ( الميزان) أقوال الطاعنين فيه بقوله ( قلت وثقة ابن معين من وجوه عنه وقال الجوزجاني كان خيارا فاضلا أدرك أربعين من المهاجرين والأنصار وقال الترمذي ثقة ) أ.ه.

وبهذا تبين ثبوت الحديث رغم تضعيفات ابن حزم ولا يقدح فيه دعوى كون عبد الملك سيء الحفظ لما ذكرناه عن ( نفح الطيب) من الذب عنه ولما ذكره القرطبي في ( كشف القناع ) في سوء الحفظ ،ونقله عنه صاحب إتحاف السادة المتقين ولفظ القرطبي : ( لا يكون جرحا مطلقا بل ينظر إلى حال المحدث والحديث فان كان الحديث من الأحاديث القصار التي تنظبط لكل أحد قيل حديث إلا أن يكون مختل الذهن والحفظ فهذا لا يحل أن يروى عنه ولا يعد من المحدثين وهذا منطبق على حديث عبد الملك  بن حبيب هذا ، فإنه من الأحاديث القصار ورواية عبد الملك لم يصل إلى غاية الاختلال في الذهن والحفظ .

 

الثامن : من أدلة التحريم ما رواه ابن حزم في ( المحلي ) من طريق سعيد بن منصور حدثنا ابن  داود سليمان بن سالم بصري  حدثنا حسان ابن أبي سنان عن رجل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يمسخ قوم من أمتي في آخر الزمان قردة وخنازير ، قالوا : يا رسول الله يشهدون أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ؟ قال : نعم ويصلون ويصومون ويحجون . قالوا : فما بالهم يا رسول الله . قال : اتخذوا المعازف والقينات والدفوف ، ويشربون هذه الأشربة فباتوا على لهوهو وشرابهم فأصبحوا قردة وخنازير). قال ابن حزم في ( المحلي) : ( هذا عن رجل لم يسم ولم يدر من هو وسليمان بن سالم وحسان بن أبي سنان لا أعرفهما فسقط الخبر بيقين ) . قلت : هذا من سوء  تصرف ابن حزم في الأحاديث فإن عدم معرفته بأحوال الرواة لا يستلزم سقوط الخبر فقد يعرف غيره ما جهله والحديث المذكور ساقه أبو نعيم في ( حلية الأولياء) من طريق سليمان بن سالم عن حسان بن أبي سنان عن الحسن قال : قال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )):يسمخ قوم من أمتي في آخر الزمان ...الحديث ) ثم قال أبو نعيم : ( كذا رواه حسان عن أبي هريرة مرسلا ورواه غيره عن الحسن عن أبي هريرة متصلا) وبهذا تبين أن الحديث معروف من رواية الحسن عن أبي هريرة وأما سليمان ابن  سالم بن داود القرشي البصري ، فقد قال أبو حاتم شيخ . وقال ابن عدي : لا أرى بمقدار ما يرويه بأسا نقل ذلك عنهما الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه لسان الميزان كما ذكر أن ابن حبان ذكره في الثقات وأما حسان بن أبي سنان فقد أثنى عليه البخاري في ( التاريخ الكبير) وقال ابن حبان في ( مشاهير علماء الأمصار) : ( كان يشبه بأبي ذر في زهده وتقشفه ) ، وقال ابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل) : ( روى عن الحسن وروى عن ابن شوذب وجعفر بن سليمان الضبعي . سمعت أبي يقول ذلك ) ، وقال الحافظ ابن حجر في ( تهذيب التهذيب ) : ( قال حماد بن زيد كنت إذا رأيت حسان كأنه أبدا مريض من العبادة ذكره البخاري في أول البيوع ـ يعني من صحيحه ـ فقال : وقال حسان بين أبي سنان ما رأيت شيئا أهون من الورع دع ما يريبك إلى مالا يريبك ) ثم قال الحافظ : (ذكره ابن حبان في الثقات ) وقال في ( تقريب التهذيب) : ( صدوق عابد من السادسة )أ.ه

فبهذا تبين أن الحديث ليس بموضوع فلم يبق الكلام إلا في سماع الحسن من أبي هريرة وأمره سهل  لما رواه ابن سعد في ( الطبقات الكبرى ) : ( قال أخبرنا معن ابن عيسى ثنا محمد بن عمر قال : سمعت الحسن يقول : ( سمعت أبا هريرة يقول الوضوء مما غيرت النار) ثم روى ابن سعد بسنده إلى أبي هلال محمد ابن سليم : سمعت الحسن يقول كان موسى نبي الله صلى الله عليه وسلم لا يغتسل إلا مستترا قال فقال له عبد الله بن بريدة : يا أبا سعيد ممن سمعت هذا . قال : سمعته من أبي هريرة) فهذا الإثبات يقدم على نفي غيره وقد تعقب الطبراني في ( المعجم فهذا قول من قال : بأن الحسن لم يسمع من أبي هريرة بقوله : وقال بعض أهل العلم أنه قد سمع منه .

 

التاسع : من أدلة التحريم ما رواه ابن حزم من طريق لا حق من الحسين المقدسي عن ضرار ابن علي عن أحمد بن سعيد بن عبد الله بن كثير الحمصي عن فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن علي بن الحنفية عن أبيه وعن أبيه عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء فذكر منهن واتخذوا القينات والمعازف فليتوقعوا عند ذلك ريحا حمراء ومسخا وخسفا ) قال ابن حزم : ( لا حق بن الحسين وضرار بن علي والحمصي مجهولون وفرج ابن فضالة حمصي متروك تركه يحيى وعبد الرحمن . قلت : طريقة الترمذي سالمة ممن ذكرهم ابن حزم سوى فرج ابن فضالة فإن الترمذي قد خرج له في باب علامة حلول المسخ والخسف ( من جامعه ) قال حدثنا صالح ابن عبد الله الترمذي ثنا الفرج بن فضالة أبو فضالة الشامي عن يحيى بن سعيد عن محمد بن عمر بن علي بن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء. فقيل وما هن يا رسول الله . قال : إذا كان المغنم دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وأطاع الرجل زوجته وعق أمه وبر صديقه وجفا أباه وارتفعت الأصوات في المساجد وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وشربت الخمور ولبس الحرير واتخذت القينات والمعازف ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء أو خسفا ومسخا ) ثم قال الترمذي : ( هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث علي بن أبي طالب إلا من هذا الوجه ولا نعلم أحدا رواه عن يحيي بن سعيد الأنصاري غير الفرج بن فضالة والفرج بن فضالة قد تكلم فيه بعض أهل الحديث وضعفه من قبل حفظه وقد رواه عنه وكيع وغيره واحد من أهله ) .أ.ه

وقد أجاب القرطبي في ( كشف القناع ) عن الطعن في الحديث بما قيل فيه من ناحية حفظه بقوله في الكلام على من رمي بسوء الحفظ ( ينظر هل روى عنه أئمة حفاظ وحسنوا حديثه أم لا ـ فإن كان الأول ، قبلناه وحديث الفرج بن فضالة من هذا القبيل فإنه قد رواه عنه وكيع بن الجراح وغيره من الأئمة وقال الترمذي أنه حسن ) قال الزبيدي : فدل على أنه يعمل بحديثه في طريق آخر فصح اعتباره  فوجب قبوله وليس في نسخه كاتب هذه السطور تحسين الترمذي لهذا الحديث فيحمل هذا على اختلاف النسخ هذا وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الترمذي في باب ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف من أبواب الفتن ، قال فيه : حدثنا على بن حجر حدثنا محمد بن يزيد الواسطي عن المستلم بن سعيد عن رميح الجذامي  عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا اتخذ المغنى والأمانة مغنما والزكاة مغرما وتعلم لغير الدين وأطاع الرجل أمرأته وعق أمه وأدنى صديقه وأقصى أباه ، وظهرت الأصوات في المساجد وساد القبيلة فاسقهم وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور ولعن آخر هذه الأمة  أولها فليترقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام بالي قطع سلسة متتابع ). ثم قال الترمذي : ( وفي الباب عن علي وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ). ذكر المجد في (المنتقى) وابن القيم في ( إغاثة اللهفان ) والترمذي حسنه وفي ذلك رد على من طعن في ذلك الشاهد بجهالة رميج الجذامي تبعا لابن حزم فلا وجه للحكم على حديث هذا شأنه بالوضع وهذا كله إذا راعينا كلام الطاعنين في فرج أبن فضالة وإلا  فغير خاف علينا قول عثمان الدارمي : ( قلت ليحيى بن معين فالفرج بن فضالة ؟ قال : ليس به بأس ) وقول أحمد فيه في رواية عنه ثقة وفي ترجمة شعبة من ( مقدمة الجرح والتعديل ) لابن أبي حاتم عن يزيد بن هارون أنه قال : ( رأيت شعبه بن الحجاج عند الفرج بن فضالة يسأله عن حديث من حديث إسماعيل بن عياش ) قال ابن القيم في الطرق الحكمية في السياسة الشرعية قال ص 252 في كلامه على حديثه الآتي : عن علي بن زيد عن القاسم عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله بعثني   رحمة للعالمين  ........الحديث ) قال : ( والفرج حمصي قال أحمد في رواية ثقة ، وقال يحيى ليس به بأس وتكلم فيه آخرون وعلي ابن يزيد دمشقي ضعفه غير واحد وقال أبو مسهر وهو بلديه لا أعلم به إلا خيرا وهو أعرف به )أ.ه

وقول أبن زكريا الفرج بن فضالة صالح ، رواه عنه الخطيب في ( تاريخ بغداد ) ولهذا لم نلتفت إلى كلام الدار قطني قبل ابن حزم في الحديث ، فكيف نلتفت إلى كلام ابن حزم المعروف من عيوبه أنه لا يذكر فيمن يتحامل عليه ممن تكلم فيه أقوال من وثقه فتراه يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق وهذا غير لا ئق كما نبه عليه آئمة الحديث .

 

العاشر : من أدلة التحريم ما رواه ابن حزم من طريق سعيد بن منصور عن الحارث عن نبهان عن فرقد السبخي عن عاصم عن عمر عن أبي إمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تبينت طائفة من أمتي على لهو ولعب وأكل وشرب فيصبحوا قردة وخنازير يكون فيها خسف وقذف وتبعث على حي من أحيائهم ريح فتنسفهم كما نسفت من كان قبلهم باستحلالهم الحرام ولبسهم الحريم وضربهم الدفوف واتخاذهم القيان ) ، قال ابن حزم في ( المحلي ) : ( الحارث بن نبهان لا يكتب حديثه وفرقد السبخي ضعيف وعاصم بن عمرو لا أعرفه ، فسقط هذا الخبر بيقين ) ، قلت طريقة الطيالسي في مسنده سالمة من الحارث بن نبهان لذلك لا أشتغل بالكلام عليه وأما فرقد السبخي فقد روى ابن أبي حام في الجرح و التعديل عن عثمان بن سعيد أنه قال : ( سألت يحيى بن معين عن فرقد السبخي فقال ثقة ) وقال الترمذي : ( تكلم فيه يحيى بن سعيد وقد روى عنه الناس ) . وقال الحافظ بن حجر في ( تهذيب التهذيب) : ( قال العجلي بصري لا بأس به رجل صالح وقال ابن عدي كان يعد من صالحي أهل البصرة وليسس كثير الحديث ) ، واما عاصم بن عمرو الذي لا يعرفه ابن حزم فهو معروف عند  الإمام أبي حاتم ، قال ابنه في ( كتاب الجرح و التعديل ) : ( سـألت أبي عنه فقال صدوق كتبه البخاري في الضعفاء ، فسمعت أبي يقول يحول من هناك ) وقال الحافظ الذهبي في ( الميزان ) : ( لا بأس به إن شاء الله وهو من قدماء شيوخ شعبه ). وقال الحافظ أبو الحجاج المزي في ( تهذيب الكمال ) : ( ذكره ابن حبان في الثقات ) فمن عرفه هؤلاء لا تصره جهالة ابن حزم وبهذا ثبت أن الحكم على هذا الحديث بالوضع من سوء التصرف ومع ذلك فالحديث كما في شرح مسند الأمام أحمد للساعاتي : له شاهد من حديث عمران بن حصين أوره المنذري من طريق الترمذي بلفظ : ( في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف. فقال رجل من المسلمين : يا رسول الله ومتى ذلك ؟ قال : ( إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور ) ثم قال المنذري : رواه الترمذي من رواية عبد الله بن عبد القدوس وقد وثق وقال حديث غريب وقد روى عن الاعمش عن عبد الرحمن بن سابط مرسلا قال الشارع الساعاتي : ( وله شاهد آخر عن أبي مالك الاشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يشرب ناس من أمتي الخمر) الحديث أورده المنذري وقال رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه وقد ذكر بان القيم في ( إغاثة اللثفان ) ما يدل على ثبوا معناه فإنه قال : ( تتظاهر الاحاديث بوقوع المسخ  في هذه الأمة وهو مقيد في أكثرها بأصحاب الغناء وشرب الخمور وفي بعضها مطلق ).

 

الحادي عشر : من أدلة التحريم ما رواه ابن حزم بسنده عن القاسم بن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله بعثني رحمة للعالمين وأمرني بمحق المعازف والمزامير ....الحديث ) قال ابن حزم في ( المحلي ) : ( القاسم ضعيف ) ، قلت : تقدم الكلام على القاسم والحديث له شاهد من حديث ابن مسعود وغيره كما في ( كف الرعاع).

 

الثاني عشر : من أدلة التحريم حديث : ( كل شيء يلهو به الرجل فباطل إلا رمي الرجل بقوسه أو تأديبه أو ملاعبته امرأته فإنهن من الحق ) ووجه الاستدلال به أن الغناء ليس مما استثنى وما لم يستثن حرام إلا ما دل الدليل على إباحته ، وقد روى ابن حزم هذا الحديث في ( المحلى) عن عقبة بن عامر بسندين أعل أحدهما بتجهيل عبد الله ابن زيد بن الازرق ، رواية عن عقبة بن عامر ، والثاني بتجهيل خالد بن زيد الجهني رواية عن عقبة أيضا ورواه ابن حزم أيضا عن جابر بن عبد الله وجابر بن عمير بسندين أعل أحدهما بتجهيل عبد الرحيم الزهري رواية عن عطاء عن الصاحبين المذكورين ، والثاني بعبد الوهاب بن بخت قال : ( إنه غير مشهور بالعدالة ) ، قلت : أما عبد الله بن زيد بن الأزرق فقد قال ابن أبي حاتم في ( الجرح و التعديل ) : (( عبد الله بن زيد بن الأزرق ويقال له خالد بن زيد روى عن عقبة بن عامر وروى عبد الرحمن بن زيد بن جابر عن أبي سلام عنه )) ، وقال الحافظ بن حجر في ( تهذيب التهذيب ) ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال في ( تقريب التهذيب) : (( يقول من الرابعة )) ، وقال الترمذي في حديثه المذكور : (( هذا حديث حسن)) ، وبهذا تعقب الزبيدي في ( الإتحاف ) كلام ابن حزم فقال بعد أن ذكر كلام الترمذي : (( لا يلتفت إلى قول ابن حزم بعد أن خرجه من طرق وضعفها فيه مجهولون )) أما خالد بن زيد ففي : (تاريخ البخاري الكبير) وفي كتاب ( الجرح والتعديل ) : ( خالد بن زيد أو ابن يزيد الجهني عن عقبة في الرمي مقبول )) أ.ه

قلت : وقد صحح الحاكم في ( المستدرك ) حديثه الذي أعله ابن حزم ووافقه الذهبي . وأما عبد الرحيم الزهري الذي أعل به ابن حزم طريقة حديث عطاء بن أبي رباح الأولى فلم أقف على ترجمته ولكن حديث عطاء قال رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير يرتميان فمل أحدهما فجلس فقال الآخر كسلت قال نعم ، قال أما أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( كل شيء ليس من ذكر الله فهو لعب إلا أربعة ..... الحديث )). قال الحافظ بن حجر في ( الإصابة ) رواه النسسائي باسناذ صحيح وقال الحافظ المنذري في ( الترغيب والترهيب ) : ( رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد )) ، وأما عبد الوهاب بن بخيت ففي كتاب ( الجرح والتعديل ) لابن أبي حاتم ما نصه : ( قرىء على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول : عبد الوهاب بن بخت شامي ثقة نزل بالمدينة وحدث عنه مالك )) ، ثم قال ابن أبي حاتم سألت أبي عن عبد الوهاب بن بخت فقال لا بأس به )) ، وقال ابن أبي حاتم (( سألت أبو زرعة عن عبد الوهاب بن بخت فقال ثقة )). وذكر الحافظ بن حجر في ( تهذيب التهذيب ) ممن وثقه يعقوب بن سفيان والنسائي وذكر أن بعض الحفاظ زيف كلام ابن حزم فيه وقال الحافظ في : ( تقريب التهذيب) : (( ثقة من الخامسة )) ، وحديثه المذكور عزاه الحافظ الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) إلى الطبراني في ( الكبير) والأوسط )) والبزار ، ثم قال : رجال الطبراني رجال الصحيح خلا عبد الوهاب بن بخت وهو ثقة )).

 

هذا ما أوردنا أن نبينه للقراء حول موقف ابن حزم من نصوص تحريم الغناء التي أجبنا عليه وبه أتضح أنها مابين صحيح لذاته وصحيح لغيره وحسن لذاته وحسن لغيره ، وإلى القسم الأخير أشار الصنعاني في رده على ابن حزم في كتاب ( توضيح الأفكار) قال : (( أما قول ابن حزم أن كل حديث في الملاهي موضوع فليس كما قال ، بل هي أحاديث منها حسن ومنها ما فيه لين وبمجموعها يثبت الحكم )) وقال الشوكاني في ( نيل الاوطار ) في أحاديث الغنا: (  تنتهض بمجموعها لا سيما وقد حسن بعضها فأقل أحوالها أن تكون من قسم الحسن لغيره ولا سيما أحاديث النهي عن بيع المغنيات فإنها ثابتة من طرق كثيرة )) ، وأما القرطبي في ( كشف القناع ) فيرى أن هذه الأحاديث صارت في الشهرة بحيث لا يحتاج إلى ذكر سندها وهي مع ذلك معضودة المتون بالقواعد الشرعية لكونها زاجرة في التشبيه بالفجار والسخفاء الذي دلت الأدلة على تحريمه ، قلت : ومن أقوى ألأدلة على شهرة هذه النصوص عند أهل العلم ما في ( كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عمر بن الوليد الذي رواه النسائي في ( سننه) في كتاب ( قسم الفيء ) فإن فيه ما لفظه : وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام ولقد ههمت أبعث إليك من يجز جمتك جمة السوء)).

 

ومما استفدنا من هذا البحث عدم تحري ابن حزم في الرواة ، وكثرا ما ينبه الحافظ في كتبه في الجرح والتعديل على ذلك ، قال في ( لسان الميزان ) في ترجمة أحمد بن علي بن أسلم : (( قال ابن حزم مجهول وهو الإمام الحافظ المتقدم وهذه عادة ابن حزم إذا لم يعرف الرواة بجهله ولو عبر بقوله لا أعرفه لكان أنصف )) ، لكن التوفيق عزيز)) وقال في ترجمة أحمد بن علي ابن حسنويه : (( أما ابن حزم فقال في حديث جاء ذكره فيه أحمد بن علي بن حسنويه مجهول وهذه عادته فيمن لا يعرف ) وتعقب في ترجمة أبي سعيد القزويني أحمد بن محمد من قال فيه مجهول تعقبه بقوله : (( لفظة المجهول إنما تطلق في صناعة الأمر على من لم يعرف أحد من أهل الصناعة حاله أما أن يسمع أحد من لا علم له به فلا ينبغي أن يطلقها عليه ليحكم بذلك وقد عرفه غيره )) ، ثم قال الحافظ : (( قلت وإذا كان هذا ينكر في المحتمل فينبغي أن يكون إنكاره في قول من قال لا يعرفه أحد أشد وقد وقعت هذه العبارة في كلام ابن حزم وفي كلام بعض من تبعه كابن القطان وليس بجيد منهم )) ، وقال في ترجمة ابن حزم : (( كان وسيع الحفظ جدا إلا أنه لثقته بحافظته كان يهجم كالغول في التعديل والتجريح وتبيين أسماء الرواة فيقع له من ذلك أوهام شنيعة . وقد تتبع كثيرا منها الحافظ قطب الدين الحلبي ثم المصري من ( المحلى ) خاصة وسأذكر منها أشياء)) ، ثم قال الحافظ :( ذكر نبذه من كلام ابن حزم في وصف الرواة قال في الكلام على حديث ( لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر ) الرواية في هذا الباب ساقطة مطروحة مكذوبة فذكر منها طريق يسار مولى ابن عمر عن كعب بن مرة قال ويسار مجهول ومدلس وكعب لا يدري من هو قال القطب يسار قال أبو زرعة مدني ثقة . وقال ابن حزم في حديث عائشة : ( قلت يا رسول الله قصرت وأتممت وصمت وأفطرت قال أصبت يا عائشة ) انفرد به العلاء بن زهير وهو مجهول . قال القطب أخرج الحديث النسائي والدارقطني وروى عن العلاء وكيع وأبو نعيم والفريابي وغيرهم ، وقال ابن معين ثقة . قال ابن حزم في حديث أم سلمة : ( كنت ألبس أوضاحا من ذهب ) الحديث. عتاب مجهول. قال القطب أخرج الحديث أبو داود عن محمد بن عيسى الطباع عن عتاب وهو ابن بشير عن ثابت بن عجلان عن عطاء عنها وعتاب هو ابن بشير الجزري، روى عنه إسحاق بن راهوية ومحمد بن سلام البيكندي وغيرهما وأخرج له البخاري وأخرج الحديث المذكور الحاكم في ( المستدرك ) وقال ابن معين ثقة. قال ابن حزم في الحديث الذي أخرجه النسائي من طريق المرقع بن صيفي عن جده رباح بن الربيع (( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل أدرك خالدا فقل له لا تقتل ذرية ولا عسيفا )) المرقع مجهول . قال القطب روى عنه ولده عمر ويحيى بن سعيد الأنصاري ويونس بن إسحاق وأبو الزناد وموسى بن عقبة وذكره ابن حبان في الثقات فليس بمجهول ) قال الحافظ : (( وله ـ لابن حزم ـ من ذلك شيء كثير والله الموفق)).

وقال الحافظ في ترجمة إسماعيل بن محمد الصفار : (( لم يعرفه ابن حزم فقال في ( المحلى ) : أنه مجهول وهذا هو رمز ابن حزم يلزم منه أن لا يقبل قوله في تجهيل من لم يطلع هو على حقيقة أمره ، ومن عادة الأئمة أن يعبروا في مثل هذا بقولهم لا نعرفه أو لا نعرف حاله وأما الحكم عليه بالجهالة بغير زائد فلا يقع إلا من مطلع عليه أو مجازف)) وقال الحافظ في : ( تهذيب التهذيب) في ترجمة الترمذي صاحب السنن : (( أما ابن حزم فإنه نادى على نفسه بعدم الإطلاع ، فقال في كتاب الفرائض من الإيصال : محمد بن عيسى بن سورة مجهول قال الحافظ :(( ولا يقولن قائل لعله ما عرف الترمذي و لا أطلع على حفظه ولا على تصانيفه فإن هذا الرجل أطلق هذه العبارة في خلق من المشهورين الثقات الحفاظ كأبي القاسم البغوي وإسماعيل بن محمد الصفار وابن العباس الأصم وغيرهم )) وقال في ( التخليص الحبير) في الكلام على حديث يعلي بن مرة في اللفظة بعد ما ذكر أن ابن حزم قال في يعلي : ( مجهول) وتبعه ابن القطان قال : (( وهذا عجب منها لان يعلي صحابي معروف الصحبة )) ، قلت : إلى هذا الحد وصل سوء تصرف ابن حزم في رواة الحديث ، ومما غلط فيه ابن حزم في تفسير الرجال مابينه العلامة الحافظ الزيلعي في ( نصب الراية ) بعدما نبه على غلط قلد فيه ابن القطان ابن حزم في بعض رواه حديث في باب الشفعة ( قد وجدنا لابن حزم في كتابه ـ المحلى ـ كثيرا من ذلك مثل تفسيره حماد بأنه ابن زيد ويكون ابن سلمة والراوي عنه موسى ابن إسماعيل ، وتفسيره شيبان بأنه ابن فروح وإنما هو النحوي وهذا قبيح فإن طبقتهما ليست واحدة وتفسيره دواد الشعبي بأنه الطائي وإنما هو ابن أبي هند ومثل هذا كثير قد بيناه وضمناه بابا منفردا فيما نظرنا به من كتاب ( المحلى ) وكما يغلط ابن حزم في التجهيل فكذلك يغلط في التصحيح يقول الإمام إبن القيم في ( الفروسية ) : (( تصحيحه ـ ابن حزم ـ للأحاديث المعلولة وإنكاره لتعليلها نظير إنكاره للمعاني والمناسبات والاقيسة التي يستوي فيها الأصل والفرع من كل وجه والرجل يصحح ما أجمع أهل الحديث على ضعفه وهذا بين في كتبه لمن تأمله )). أ.ه

 

 ولهذا نرى الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء يقول أنا أميل إلى محبة أبي محمد ـ ابن حزم ـ لمحبته للحديث الصحيح ومعرفته به وان كنت لا أوافقه في كثير مما يقوله في الرجال والعلل والمسائل البشعة في الأصول والفروع وأقطع بخطه في غير ما مسألة ، ولكن لا أكفره ولا أضلله وأرجوا له العفو والمسامحة وللمسلمين وأخضع لفرط ذكائه وسعة علومه  ))أ.ه

 

   وهذه النقول مما يوجب علينا التحري والتثبت والتحفظ من كلام ابن حزم فيما يتعلق بالنصوص ومما استغربه من كتابه الأستاذ أبي تراب دعواه أن ابن عبد البر قد أقر ابن حزم على إباحة الملاهي وهذا لا يوافق ما ذكره القرطبي عن أبن عبد البر في تفسير قول الله تعالى : ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) الآية ، قال أبو عمر بن عبد البر في ( الكافي ) : (( من المكاسب المحرمة المجمع على تحريمها الربا ومهور البغايا والسحت والرشوة وأخذ الأجرة على النياحة والغناء وعلى الكهانة وادعاء الغيب واخبار السماء وعلى الزمر واللعب والباطل كله )) انتهى المقصود من كلام ابن عبد البر وبانتهائه ينتهي هذا البحث والله ولي التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل .

 

أخي الكريم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:)بلغوا عني ولو آية )

إن مشاركتك لنا بنشر هذا العمل أو إرساله إلى أخ لك في الله عمل خيري تؤجر عليه ، لذا نرجو منك وفور قراءتك لهذا الكتاب المساهمة في إرساله إلى زميل لك أو المحاولة في نشره على المواقع الإسلامية الأخرى على الشبكة .

وتقبلوا تحيات معد هذا العمل

حسان إسماعيل محمد الأنصاري

 

                         و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

shock drop air force 1 full uv reactive | nike air force 2 strong women images - PochtaShops - Nike ZoomX Vaporfly NEXT% Release Generation

الأقسام الرئيسية: