يشمل توحيد المخلوق ربه ومعبوده أمرين عظيمين هما جماع دينه وإيمانه واعتقاده تجملهما الآية العظيمة الجامعة من سورة الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 4] أي: لا نعبد إلا أنت ولا نستعين إلا بك؛ العبادة من المخلوق لخالقه وحده لا شريك له، والإعانة ونحوها من الخالق لمن يشاء من عباده.
الأمر الأول:
إقرار العبد - اعتقاداً وقولاً وعملاً - أن الله تعالى واحد في أسمائه (وأخصها: الله والرحمن)، وصفاته (وأخصها: المحيي والمميت) وأفعاله (وأخصها الخلق والبعث والجزاء الأخروي وما سمّاه بعض المتأخّرين: الحاكميّة في أمور الدّين).
قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180]، وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]: أثبت لنفسه صفتي السّمع والبصر ونفى مماثلة مخلوقاته له سبحانه وبحمده، وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف: 40].
وهذا الأمر من أمور الإيمان والاعتقاد والتّوحيد -على عظمه- لا يكفي العبد للدّخول في الإسلام ولا الثبات عليه فقد قال الله عن المشركين: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [يونس: 31]، أقرّوا اعتقاداً وقولاً ولم يقرّوا عملاً. بل أقَرَّ به إبليس اعتقاداً وقولاً فلم يقَرِّبْه من رحمة الله: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الحجر: 36]، {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص: 76]، {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82-83].
الأمر الثاني:
إقرار العبد - اعتقاداً وقولاً وعملاً - أن الله تعالى وحده هو المستحقّ للعبادة، فلا يركع ولا يسجد ولا يذبح ولا ينذر إلا له، ولا يدعو ولا يعظّم ولا يستعين ولا يستغيث ولا يحلف إلا به، ولا يطلب المدد إلا منه، ولا يلجأ إلا إليه؛ هو الغني سبحانه وغيره مفتقر إليه ولو كان ملكاً مقرّباً أو نبيّاً مرسلاً أو وليّاً ممن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنّة فليس لهم من الأمر شئ بل الأمر كلّه لله وحده.
قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام: 162-163]، وقال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106] أي المشركين، كما قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
وهذا الأمر هو الحدّ الفاصل بين الهدى والضّلال، وبين الإسلام والكفر، وبين عبادة الله وحده ودعاء الأولياء معه. وهذا الأمر، هو سبب خلق الإنس والجن وسبب إرسال الرّسل وإنزال الكتب؛ قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
وهذا الأمر، هو معنى: لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله، كما قال نوح ومن بعده من الرّسل صلوات الله وسلامه عليهم لأقوامهم: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59].
وقال الله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256] أي: بلا إله إلا الله . وصلى الله وسلم على محمد وآله.
* هذا واحد من عدّة مقالات تعهّد الشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء وأحد مؤسسي الوقف الإسلامي نشره في مجلة الأسرة التابعة للوقف رداً على شكوى الكاتب من اغتصاب حزب الإخوان المسلمين المجلّة وتسخيرها لفكره وتمجيد رموزه وتجنبها الأمر بإفراد الله بالعبادة والنهي عن الشرك في العبادة وما دونها من البدع، فرفض رئيس تحرير المجلة عبد الحميد الزامل نشرها بحجة شدّتها مع اعتراف الشيخ عبد الله أنه لا شدّة فيها، وإنما هو اتباع منهاج حسن البنا رحمه الله الذي حذف الشرك من موبقاته ومن وصاياه العشر، وكان تعهّد الشيخ عبد الله بنشرها في رمضان وفي المسجد الحرام هداهم الله.
-مقال للشيخ العلامة سعد بن عبد الرحمن الحصين حفظه الله - من موقعه على الشبكة |