تذكير النابهين بسير أسلافهم

تذكير النابهين بسير أسلافهم حفاظ الحديث السابقين واللاحقين (المقدمة)

 

تذكير النابهين بسير أسلافهم

حفاظ الحديث السابقين واللاحقين

 

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم " أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره المشركون ".

وليخرج الناس من الظلمات إلى النور، من ظلمات الشرك والكفر والجهل إلى النور التوحيد والإيمان والعلم.

جاء بأعظم رسالة وأعلاها مكانة، ولهذه العظمة وهذه المكانة وعد الله وعداً قاطعاً بحفظها فقال: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ).

ولتحقيق هذا الوعد القاطع الصادق كان كل ما قامت به الأمة الإسلامية من جهود عظيمة واهتمام بالغ لا يعرف الأقل منه لأمة من الأمم ولا لدين من الأديان بحفظ القرآن العظيم في الصدور والمصاحف وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار في الخلوات والجلوات وفي البيوت والمساجد والمعاهد.

والاهتمام بدراستة وتفسيره واستنباط أحكامه والاعتبار بقصصه وأمثاله وعظاته، والتأليف في شتى العلوم التي تخدمه، وتبين بلاغته وإعجازه، من لغوية وبلاغية وتاريخية وغيرها.

فما من سورة من سوره، ولا آية من آياته، ولا كلمة من كلماته إلا وقد دار حولها بحث وكان لها شأن ونبأ.

وقد شرف الله محمدا خاتم النبيين وأكرم الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- وأعلا مكانته، وأنزله المنـزلة الكريمة التي يستحقها ، فأسند إليه مهمة بيان ما في القرآن من إجمال ، وشرح ما يحتاج إلى شرح وتفصيل.

قال تعالى ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) الآية([1]).

فقام صلَّى الله عليه وسلَّم بما أسند إليه من واجب أكمل قيام بأقواله وأفعاله وأحواله وجهاده العظيم وسيرته العطرة حتى ترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها    إلا هالك.

وأسند تبليغ تلك الرسالة العظيمة، إلى خير أمة أخرجت للناس، فقال صلَّى الله    عليه وسلَّم: " بلغوا عني ولو آية ([2])"، " فليبلغ الشاهد الغائب ([3])".

فقام الصحابة الكرام بتبليغ تلك الرسالة وأداء تلك الأمانة، على أحسن الوجوه وأقومها وتلقت ذلك الأمة الإسلامية جيلا عن جيل حتى وصلت إلينا غضة طرية، ولن تزال كذلك حتى يأذن الله لهذا العالم بالزوال، ولشمس حياة البشرية بالأفول.

ولقد حظيت السنة المطهرة : بيان الرسول وشرحه للقرآن، بحظها الوافر من وعد الله لتنـزيله وذكره بالحفظ، فإنها والقرآن الكريم من مشكاة واحدة وضياع شئ منها وهي بيانه وشرحه ينافي ما وعد الله به من حفظ للقرآن الكريم.

وإذن فالسنة داخلة في ذلك الوعد الصادق بالحفظ والضمان الأكيد.

فكان من مظاهر تنفيذ ذلك الوعد ما نراه ونلمسه من جهود بذلت لحفظها وصيانتها والذود عن حياضها.

سرح طرفك في ذلك التراث العظيم، وقلب صفحاته لترى العجب العجاب، وما يدهش الألباب.

وخذ ما شئت من نصوص هذه السنة المطهرة وتابعه في عشرات الكتب فستجد أنه ما من نص إلا وله شأن وأي شأن، ودراسة وتحليل واستنباط وتعليل وتمحيص وتحقيق وأخذ وإعطاء .

ولقد أعد الله لحفظ هذه السنة المطهرة وصيانتها رجالا صنعهم على عينه وأمدهم بشتى المواهب النفسية والعقلية، والذكاء المتوقد، والحفظ المستوعب مما يبهر العقل، ويستنفد العجب، ويجعل في المطلع على أخبارهم وأحوالهم ما يملأ قلبه يقينا بأن هؤلاء العباقرة    ما أعدوا هذا الإعداد العجيب إلا لغاية سامية هي إنفاذ وعد الله الكريم (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ).

فكان من آثار هؤلاء العظماء ما تزخر به المكتبات الإسلامية اليوم وقبل اليوم من مؤلفات قيمة مختلفة المناهج والمواضيع متحدة الغاية وهي خدمة السنة المطهرة.

فمؤلفات وضعت على المسانيد، وجوامع وسنن على الأبواب العقائدية والتاريخية والفقهية ومستخرجات وأجزاء وتخريجات وشروح، وتأليف في الموضوعات وفي الناسخ والمنسوخ، وفي تواريخ الرجال وجرحهم وتعديلهم، وفي طبقات حفاظهم وبيان منازلهم وذكر شيوخهم ومن أخذ عنهم مع ذكر وفيات من عاصرهم من الحفاظ والمسندين وأهل العلم في الجملة، ومعاجم ومشيخات ومسلسلات، وأخرى في غريب الحديث وأخرى في علل الأسانيد من حيث الإرسال والوصل والرفع والوقف([4]).

إن المسلم الصادق ليحب لهذه الأمة كل ما يرفع من شأنها في الدنيا والآخرة ويسعى بكل ما يستطيع إلى ما يدفع هذه الأمة إلى تحقيق هذه الغاية، ويدرك أنه لا شيء أوجب عليهم وأحرى بأن يحقق لهم هذه الغاية هو العودة الجادة إلى التمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم والاحتفاء بهما علماً وعملاً واعتقاداً، والسير على طريقة أسلافهم في كل ذلك ومن ذلك الاهتمام بهذه السنة العظيمة وحفظها في صدورهم وفقهها والعمل بها في كل شئون حياتهم فيخرج منها الفقهاء والعباد والمحدثون الحفاظ.

فما هي الوسائل التي ينبغي البدء بها والسعي لتحقيقها؟.

الجواب :

1-      حفز الهمم للحاق بأعلام الحديث وحفاظه في الاهتمام بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظه والتفقه فيه والعمل به، وتعليمه الناس ونشره ليتسنم المسلمون مكانة أسلافهم فيخرج منهم الأعلام الحفاظ والجهابذة النقاد.

2-      إبعاد شبح الكسل والخمول عن شباب الأمة الذي ينفث سمومه الكسالى وعميان البصائر وقاصري الهمم وأهل الأهواء الذين يوهمون الناس أن زمان الاهتمام بحفظ الحديث والعناية بدراسة أسانيده ونقد رواته وجرحهم وتعديلهم بل وجرح غيرهم وتعديلهم قد ولى من قرون، فعلى الأمة عند هذه الأصناف أن تنام وألا تفكر في سلوك الميادين التي كان السلف يسلكونها لأنها أصبحت في نظر هؤلاء من الميادين المهلكة أو من المستحيلات فيجب الحجر والحظر على من يسلكها أو يفكر في سلوكها.

3-              ولا يتحقق هذا إلا بتوفير وتهيئة البيئات الصالحة والحرص الشديد على تحقيق هذه الغاية.

ومن السبل إلى ذلك اختيار أصحاب المواهب والذكاء من كليات الحديث وأصول الدين ودور الحديث وغيرها وتوجيههم للعناية القوية بحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والدراسة الجادة لعلومها وتفريغهم لذلك مع الإشراف الدقيق عليهم ومتابعتهم الجادة بالاختبارات لمدة لا تقل عن عشر سنوات وهي المدة التي يستغرقها محضري الماجستير والدكتوراة، وكم ستكون الفروق العلمية بين هذه الفئات المهتمة بدراسة السنة وعلومها وبين محضري الرسائل واضحة بادية، ولا يشغل هذه الفئات بغير ما فرغوا وهيئوا له.

4- تهيئة عامة لسائر المسلمين لينخرط شتى أصناف الناس وخاصة الأذكياء منهم في طلب السنة وعلومها وآلاتها على حساب أنفسهم عن طريق المدارس والمساجد ويجددون النشاط في الرحلات إلى علماء السنة والتوحيد وتسهل لهم هذه الرحلات ابتغاء وجه الله وحباً في نشر الإٍسلام والسنة في أرجاء العالم.

ولتحقيق هذه الغاية أزجي إلى طلاب الحديث والسنة وغيرهم من أهل العزائم بحثاً أرجو أن يحفزهم إلى الجد في طلب العلم والعناية الكبيرة بسنة نبيهم وعلومها اقتفاءً لآثار أسلافهم الكرام من أئمة الحديث وحفاظ السنة السابقين واللاحقين القائمين بها علماً وعملاً واعتقاداً ومنهجاً ومن باب الذكرى (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين).

هذا البحث اخترته لهم من " تذكرة الحفاظ([5]) " للحافظ الذهبي، ذلكم الكتاب العظيم الذي دون فيه تراجم حفاظ السنة وأئمتها على طبقات بلغت إلى عصره إحدى وعشرين طبقة يذكر فيها أحوالهم ومروياتهم وشيوخهم وتلاميذهم.

حيث اخترت من كل طبقة أربعة أو خمسة من الحفاظ ليسهل على طلاب العلم والسنة تصور هذه الطبقات على اختلاف وامتداد عصورها.

وليدركوا مدى ترابط وتسلسل هذه الطبقات واتصال وتسلسل أسانيدها إلى يومنا هذا على قلة وغربة في الطبقات الأخيرة.

وهذا الاتصال والتسلسل مصداق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته " ولا يتحقق هذا الوصف والثناء إلا لمن يعتني بالقرآن والسنة علماً وعملاً واعتقاداً.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتي   وعد الله ".

 وهذا لا يكون إلا لأهل الحديث بشهادة علماء الأمة السابقين واللاحقين.

قمت بذلك تسهيلاً على القراء ولعل ذلك يقودهم إلى الاطلاع الشامل على كل ما دونه الذهبي وغيره من الطبقات المستوعبة لجميع حفاظ الأمة.

 الطبقات.

ومن المناسب أن أسرد في طليعة هذا البحث ما يتيسر ذكره من المؤلفات في هذا النوع

1- الطبقات للإمام مسلم بن الحجاج.

2 - الطبقات للإمام أبي عبد الرحمن النسائي.

3 - الطبقات الكبرى لأبي عبد الله محمد بن سعد.

4 - وطبقات التابعين لأبي حاتم محمد بن إدريس الرازي.

5 - طبقات الرواة لأبي عمرو خليفة بن خياط.

6 - وطبقات القراء لأبي عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان الأموي مولاهم القرطبي.

7 - وطبقات الأصفهانيين لأبي الشيخ ابن حيان.

8 - طبقات الرجال في ألف جزء لأبي الفضل علي بن الحسين الفلكي.

9 - طبقات الحفاظ للذهبي.

10 - طبقات علماء الحديث لابن عبدالهادي.

11 - طبقات الحفاظ للسيوطي،وغيرها مما يكثر.

 انظر الرسالة المستظرفة: ص(104-105).

تعريف الطبقة:

والطبقة هم القوم المتشابهون وقد يكونان من طبقة باعتبار ومن طبقتين باعتبار كأنس وشبهه من أصاغر الصحابة هم مع العشرة في طبقة الصحابة وعلى هذا الصحابة كلهم طبقة والتابعون ثانية وأتباعهم ثالثة، وهلم جرا، وباعتبار السوابق تكون الصحابة بضع عشرة طبقة كما تقدم، ويحتاج الناظر فيه([6]) إلى معرفة المواليد والوفيات، ومن رووا عنه وروى عنهم.

أقول:

 وقد جعل الذهبي الصحابة الكرام كلهم طبقة واحدة هي الأولى وعلى رأسهم أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وباقي العشرة -رضي الله عنهم أجمعين-.

وجعل التابعين ثلاث طبقات كبرى ووسطى وصغار التابعين، وأدمج بعضهم في أتباع التابعين.

فعلى رأس الكبرى من التابعين علقمة بن قيس وأبي مسلم الخولاني ومسروق بن الأجدع وعبد الرحمن بن غنم وسعيد بن المسيب.

والطبقة الثالثة عنده هي: الوسطى من التابعين وعلى رأسهم الحسن البصري وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وإبراهيم التيمي وإبراهيم النخعي وعلي بن الحسين وسعيد بن جبير   ومحمد بن سيرين -رحمهم الله جميعاً-.

والطبقة الرابعة وهي: الثالثة من التابعين وعلى رأسهم مكحول والزهري وأبو إسحاق السبيعي والحكم بن عتيبة، وعمر بن عبد العزيز، وعمرو بن مرة والقاسم بن مخيمرة    وقتادة بن دعامة وأبو جعفر الباقر –رحم الله الجميع-.

والطبقة الخامسة وهي: الكبرى من أتباع التابعين وهو نيف وسبعون إماماً وعلى رأسهم عبيد الله بن عمر بن حفص ابن عاصم بن عمر بن الخطاب، وعقيل بن خالد الأموي من موالي عثمان -رضي الله عنه – ويونس بن يزيد ومحمد بن الوليد الزُّبيدي، وهشام الدستوائي ومحمد بن عجلان وجعفر الصادق، وأبو حنيفة، وابن جريج والأوزاعي، وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري ومالك بن أنس الإمام.

 والطبقة السادسة ([7]) وهي الوسطى من أتباع التابعين وهم تسعة وسبعون إماماً وأدمج فيهم من رأى الواحد والاثنين من الصحابة، وعلى رأسهم الفضيل بن عياض وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وهشيم بن بشير وأبو الأحوص سلام بن سليم وإسماعيل بن أبي كثير وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف، وإسماعيل بن عياش ويزيد بن زريع وخالد بن عبد الله الطحان وسفيان بن عيينة وأبو بكر بن عياش وعبد الله بن المبارك ويزيد بن هارون.

والطبقة السابعة وهي: الصغرى من أتباع التابعين وعددهم كثير وعلى رأسهم عبد الرحمن ابن مهدي ويعلى بن عبيد الحافظ، ووهب بن جرير وعبد الصمد بن عبد الوارث وحجاج ابن محمد الأعور وأبو عامر العقدي، وحسين الجعفي وأبو داود الطيالسي وعبد الرحمن بن القاسم والإمام محمد بن إدريس الشافعي.

والطبقة الثامنة وعدتهم مائة وعشرون نفساً وهم: كبار الآخذين عن تبع الأتباع   وعلى رأسهم الإمام أحمد وعبد الله بن الزبير الحميدي ويحيى بن يحيى التميمي النيسابوري وسعيد بن منصور، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ونعيم بن حماد، ويحيى بن بكير     ومسدد بن مسرهد، ومحمد بن سعد صاحب الطبقات، وحيوة بن شريح وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأبو بكر بن أبي شيبة وإٍسحاق بن إبراهيم.

والطبقة التاسعة وهي: الوسطى من الآخذين عن تبع الإتباع وعدتهم مائة وستة أنفس   وعلى رأسهم محمد بن يحيى الذهلي وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ومحمد بن أسلم الطوسي، وأحمد بن سعيد بن صخر، وحجاج بن الشاعر، ومحمد بن إسماعيل البخاري    وأبو زرعة الرازي، وأبو حاتم الرازي، ومسلم بن الحجاج، وأبو داود السجستاني.

والطبقة العاشرة وهم: صغار الآخذين عن تبع الأتباع ومن عاصرهم أورد منهم الحافظ الذهبي تسعة وتسعين نفساً منهم بقي بن مجلد ومحمد بن عيسى بن سورة الإمام الترمذي   وأبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة، والحافظ أحمد بن سلمة رفيق مسلم، والحافظ   أبو بكر بن أبي عاصم والحافظ صالح بن محمد جزرة، ومحمد بن نصر المروزي وأبو بكر البزار -رحم الله الجميع-.

ولا شك أن أهل هذه العصور أفضل ممن جاء بعدهم لقول النبي صلى الله عليه   وسلم : " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي بعدهم قوم يشهدون  ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويكثر فيهم السمن ".

ووجود هذه الأصناف الرديئة في المتأخرين لا ينفي وجود كثيرين من الأخيار والعلماء الفقهاء والحفاظ الكبار بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي وعد الله تعالى ".

ففي كل عصر منهم كثرة وقد ذكر الحافظ الذهبي وغيره الكثير والكثير منهم والحمد لله رب العالمين.

وهنا لا بد من بيان أمرين:

1-              بيان أهمية الإسناد وأنه خصيصة من خصائص هذه الأمة المحمدية.

2-              بيان من هو الحافظ عند أهل الحديث.

والإسناد هو الطريق الموصلة إلى المتن، والمتن هو غاية ما ينتهي إليه الإسناد من الكلام وهو إما أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى غيره من صحابي أو تابعي فالأول المرفوع والثاني الموقوف والثالث المقطوع، ومن دون التابعي فيه مثله أي من أتباع التابعين فمن بعدهم، انظر النـزهة لابن حجر (ص57-58).

والإسناد من خصوصيات هذه الأمة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره والجرح والتعديل من لوازمه.

وقد نوه عدد كثير من العلماء بأهمية الإسناد، وكونه من خصوصيات هذه الأمة.

قال أبو محمد ابن حزم مبيناً وجوه النقل عند المسلمين:

" ونحن إن شاء الله تعالى نذكر صفة وجوه النقل الذي عند المسلمين لكتابهم ودينهم ثم لما نقلوه عن أئمتهم حتى يقف عليه المؤمن والكافر والعالم والجاهل عياناً إن شاء الله تعالى فيعرفون أين نقل سائر الأديان من نقلهم فنقول وبالله تعالى التوفيق.

إن نقل المسلمين لكل ما ذكرنا ينقسم أقساماً ستة:

أولها: شيء ينقله أهل المشرق والمغرب عن أمثالهم جيلاً جيلاً لا يختلف فيه مؤمن ولا كافر منصف غير معاند للمشاهد وهو القرآن المكتوب في المصاحف في شرق الأرض وغربها  لا يشكون ولا يختلفون في أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أتى به وأخبر    أن الله -عز وجل- أوحى به إليه وأن من اتبعه أَخذه عنه كذلك ثم أَخذ عن أولئك حتى بلغ إلينا ومن ذلك الصلوات الخمس فإنه لا يختلف مؤمن ولا كافر ولا يشك أحد أنه صلاها بأصحابه كل يوم وليلة في أوقاتها المعهودة وصلاها كذلك كل من اتبعه على دينه حيث كانوا كل يوم هكذا إلى اليوم لا يشك أحد في أن أهل السند يصلونها كما يصليها أهل الأندلس وأن أهل الأرمينية يصلونها كما يصليها أهل اليمن، وكصيام شهر رمضان فإنه لا يختلف كافر ولا مؤمن ولا يشك أحد في أنه صامه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وصامه معه كل من اتبعه في كل بلد كل عام ثم كذلك جيلاً جيلاً إلى يومنا هذا، وكالحج فإنه لا يختلف مؤمن ولا كافر ولا يشك أحد في أنه عليه السلام حج مع أصحابه و أقام المناسك، ثم حج المسلمون من كل أفق من إلا فاق كل عام في شهر واحد معروف إلى اليوم وكجملة الزكاة، وكسائر الشرائع التي في القرآن من تحريم القرائب والميتة والخنـزير وسائر شرائع الإسلام وكآياته من شق القمر ودعاء اليهود التي تمنى الموت وسائر ما هو في نص القرآن مقروء ومنقول.

وليس عن(1) اليهود ولا عند النصارى من هذا النقل شيء أصلاً؛ لأن نقلهم لشريعة السبت وسائر شرائعهم إنما يرجعون فيها إلى التوراة ويقطع نقل ذلك ونقل التوراة إطباقهم على أن أوائلهم كفروا بأجمعهم وبرؤُا من دين موسى وعبدوا الأوثان علانية دهوراً طوالاً ومن المحال أن يكون ملك كافر عابد أوثان هو وأمته كلها معه كذلك يقتلون الأنبياء ويخنقونهم ويقتلون من دعا إلى الله تعالى يشتغلون بسبب أو بشريعة مضافة إلى الله سبحانه تعالى عن هذا الكذب الذي لا شك فيه.

ويقطع بالنصارى عن مثل هذا عدم نقلهم إلا عن خمسة رجال فقط وقد وضح الكذب عليهم إلى ما أوضحنا من الكذب الذي في التوراة والإنجيل القاضي بتبديلهما بلا شك.

والثاني: شيء نقلته الكافة عن مثلها حتى يبلغ الأمر كذلك إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ككثير من آياته ومعجزاته التي ظهرت يوم الخندق وفي تبوك بحضرة الجيش وككثير من مناسك الحج وكزكاة التمر والبر والشعير والورق والإبل والذهب والبقر والغنم ومعاملته أهل خيبر وغير ذلك مما يخفى على العامة وإنما يعرفه كواف أهل العلم فقط وليس عند اليهود والنصارى من هذا لنقل شيء أصلا لأنه يقطع بهم دونه ما قطع بهم دون النقل الذي ذكرنا قبل من إطباقهم على الكفر الدهور الطوال وعدم ايصال الكافة إلى عيسى عليه السلام.

والثالث: ما نقله الثقة عن الثقة كذلك حتى يبلغ إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يخبر كل واحد منهم بإسم الذي أخبره ونسبه وكلهم معروف الحال والعين والعدالة والزمان والمكان على أن أكثر ما جاء هذا المجيء فإنه منقول نقل الكواف إما إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من طرق جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وإما إلى الصاحب وأما إلى التابع  وإما إلى إمام أخذ عن التابع يعرف ذلك من كان من أهل المعرفة بهذا الشأن والحمد لله رب العالمين وهذا نقل خص الله تعالى به المسملين دون سائر أهل الملل كلها وأبقاه عندهم غضاً جديداً على قديم الدهور مذ أربعمائة عام وخمسين عاماً في المشرق والمغرب والجنوب والشمال يرحل في طلبه من لا يحصى عددهم إلا خالقهم إلى الآفاق البعيدة ويواظب على تقييده من كان الناقد قريباً منه قد تولى الله تعالى حفظه عليهم والحمد لله رب العالمين فلا تفوتهم زلة في كلمة فما فوقها في شيءٍ من النقل إن وقعت لأحدهم ولا يمكن فاسقاً   أن يقحم فيه كلمة موضوعة ولله تعالى الشكر وهذه الأقسام الثلاثة التي نأخذ ديننا منها ولا نتعداها إلى غيرها والحمد لله رب العالمين "([8]). وذكر بقية الأقسام فلا نطيل بذكرها.

وقال أبو بكر الخطيب البغدادي :

" أخبرنا محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز بهمذان قال حدثنا صالح بن أحمد الحافظ قال سمعت أبا بكر محمد بن أحمد يقول بلغني أن الله خص هذه الأمة بثلاث أشياء لم يعطها من قبلها الإسناد والأنساب والإعراب ".

أخبرني أبو بكر محمد بن المظفر بن علي الدينوري المقرىء قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي قال سمعت أبا العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي السرخسي يقول سمعت محمد بن حاتم بن المظفر يقول: إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد وليس لأحد من الأمم كلها، قديمهم وحديثهم، إسناد وإنما هي صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم، وليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل مما جاءهم به أنبياؤهم، وتمييز بين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوا عن غير الثقات.

وهذه الأمة إنما تَنُصّ الحديث من الثقة المعروف في زمانه، المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم، ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ والأضبط فالأضبط، والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة.

ثم يكتبون الحديث من عشرين وجهاً وأكثر حتى يهذبوه من الغلط والزلل، ويضبطوا حروفه ويعدوه عداً فهذا من أعظم نعم الله تعالى على هذه الأمة.

نستوزع الله شكر هذه النعمة، ونسأله التثبيت والتوفيق لما يقرب منه ويزلف لديه ويمسكنا بطاعته إنه وَليّ حميد"([9]).

قال الشيخ عبدالحي الكتاني :

"وفي شرح الاسم الثاني عشر ومائة من سراج المريدين للقاضي أبي بكر بن العربي المعافري ما نصه:والله أكرم هذه الأمة بالإسناد،لم يعطه أحد غيرها، فاحذروا أن تسلكوا مسلك اليهود والنصارى فتحدثوا بغير إسناد فتكونوا سالبين نعمة الله عن أنفسكم، مطرّقين للتهمة إليكم وخافضين لمنـزلتكم، ومشتركين مع قوم لعنهم الله وغضب عليهم  وراكبين لسنتهم ".

أقول :

وفي الإسناد العالي والنازل.

قال الحافظ ابن حجر: " والمسند مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال، فإن قل عدده فإما أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى إمام ذي صفة علية.

فالأول العلو المطلق والثاني النسبي.

وفيه الموافقة وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه.

وفيه البدل وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك، وفيه المساواة وهي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنفين، وفيه المصافحة وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف، ويقابل العلو بأقسامه النـزول " انظر نزهة النظر (ص57-59).

 وانظر تدريب الراوي على تقريب النواوي (ص358-367) والباعث الحثيث مع اختصار علوم الحديث لابن كثير (2/443-453).

قال ابن كثير: " ولما كان الإسناد من خصائص هذه الأمة وذلك أنه ليس أمة من الأمم يمكنها أن تسند عن نبيها إسنادا متصلا غير هذه الأمة، فلهذا كان طلب الإسناد العالي مرغبا فيه.

قال الإمام أحمد بن حنبل: الإسناد العالي سنة عمن سلف، قيل ليحيى بن معين في مرض موته: ما تشتهي؟ قال : بيت خالي وإسناد عالي.

ولهذا تداعت رغبات كثير من الأئمة النقاد والجهابذة الحفاظ إلى الرحلة إلى أقطار البلاد طلباً لعلو الإسناد " اختصار علوم الحديث (2/441-445).

نظرات قاصرة من بعض الناس إلى جهود المتأخرين في العناية بالسنة وأسانيدها وعلومها.

قال الحافظ الذهبي -رحمه الله- في مقدمة الميزان في نقد الرجال (1/4) وهو ممن توفي (748) أي في منتصف القرن الثامن.

قال بعد أن بين عبارات الجرح والتعديل ومراتبها:

" وكذلك من قد تكلم فيه من المتأخرين لا أورد منهم إلا من قد تبين ضعفه واتضح أمره من الرواة إذ العمدة في زماننا ليس على الرواة بل على المحدثين والمفيدين والذين عرفت عدالتهم وصدقهم في ضبط أسماء السامعين، ثم من المعلوم أنه لا بد من صون الراوي وستره، فالحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر هو رأس سنة ثلاثمائة ".

أقول:

فهم أناس من قوله فالحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر هو رأس ثلاثمائة أن عصر الرواية انتهى بنهاية القرن الثالث، أي بانتهاء هذا العصر انتهى الجرح والتعديل، فالجرح الآن غيبة لانتهاء أسبابه، وما علم هؤلاء أنهم يرددون فكر الصوفية في اعتراضهم    على أئمة النقد والجرح والتعديل -كالإمام أحمد بن حنبل- بأن هذا الجرح من باب الغيبة.

فيجيبهم الإمام احمد وغيره بأن هذا من باب النصيحة لا من باب الغيبة.

وذهب أناس إلى أن وضع الأمة والمحدثين قد انقلب رأساً على عقب وأن منهج المتأخرين من المحدثين مخالف لمنهج المتقدمين، وأحدثوا ضجة كبرى بالفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، وكلا الصنفين لم يفهموا كلام الحافظ الذهبي ومقصوده ولم يعلموا بجهود المتأخرين.

1-              انظر إلى قوله: " من قد تكلم فيه من المتأخرين لا أورد منهم إلا من قد تبين ضعفه واتضح أمره من الرواة " فهذا يفيد أن النقد مستمر من المتأخرين في المتأخرين وأنه لا يزال هناك رواة يروون الحديث ونقاد من أهل الحديث يلاحقونهم مبتدعة كانوا أو غير مبتدعة، وأن الذهبي لا يورد من هذا الصنف إلا من قد ظهر أمره وتبين ضعفه، أي أنه يعرض عن كثير من المتكلم فيهم وهذا يدل على أن المتأخرين سائرين في مضمار النقد في مضمار أسلافهم.

2-              وانظر إلى قوله: " إذ العمدة في زماننا ليس على الرواة بل على المحدثين والمفيدين " فإنه يدل على أن الرواية مستمرة وإن كان كثير من الرواة ليس على المستوى المطلوب فإنه يجبر هذا النقص فيهم وجود المحدثين والمفيدين من العدول الصادقين الذين يضبطون سماع السامعين من أولئك الرواة وغيرهم لأن هؤلاء السامعين سيصبحون مستقبلاً من الرواة ومن المحدثين والمفيدين لأن أهل الحديث لا يقبلون دعاوى السماع من الراوي فلان والراوي فلان بل لا بد من ثبوت سماعهم، وثبوت سماعهم يحصل بما قيده وضبطه المفيدون والمحدثون العدول الضابطون.

 والرواة المشار إليهم لا بد من صونهم وسترهم فلا يظهر منهم فسق ولا ما يخل بالمروءة، فلا مجال للفساق والمستهترين بالأخلاق في رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أي أن المتأخرين سائرون على منهج المتقدمين في اشتراط العدالة والضبط، وإن لم يبلغ الرواة كمال الضبط المشترط عند المتقدمين فهذا النقص فيهم يجبره وجود المحدثين والمفيدين الذين تتوفر فيهم العدالة والضبط وهم كثرة في كل زمان والحمد لله رب العالمين ومن أعمالهم ضبط سماعات السامعين فالعبرة بهؤلاء لا بالرواة القاصرين.

أقول:

وهذا الفهم الخاطيء لهذين الصنفين المشار إليه سلفاً هو من أعظم الأسباب التي دفعتني إلى القيام بهذا البحث ليدرك هؤلاء وغيرهم الاهتمام القوي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسانيدها دراسة وحفظاً ورواية أمر استمر في هذه الأمة وسوف يستمر إلى أن يرفع القرآن من صدور الناس والمصاحف إنذاراً بقيام الساعة.

ومما يؤكد ما نقول ويحبط ما يزعمون أن الذهبي، -وهو واحد من الحفاظ النقاد الذين ظلوا رافعين راية السنة وعلومها- قد كتب في شتى فنونها.

1-              فكتب في إبراز أعلام السنة وحفاظها " تذكرة الحفاظ " إلى عهده، وهو يروي عشرات الأحاديث بإسناده من شيوخه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2-              ألف " معجم الشيوخ الكبير " أي شيوخه، حيث بلغ عددهم ألفاً وأربعين شيخاً، يروي في هذا المعجم عن كل شيخ حديثاً من شيخه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 وقد يبين درجة علوه في بعض الروايات، وهذا العدد من شيوخه وفي عصره يدل على عناية كبيرة بالسنة النبوية.

3-              وألف المعجم المختص بالمحدثين بلغ عدد رجال هذا المعجم تسعين وثلاثمائة شيخ، وهو في هذا الكتاب يبين حال الشيخ من عدالة أو جرح.

 وقال في آخره: وأنا معتذر مستغفر من الثناء والذم، عارف بالتقصير، غفر الله للكل بمنه.

وألف " الميزان في نقد الرجال " و " المغني " و "ديوان الضعفاء " بين فيها ما في الرواة من جرح بالبدعة أو بغيرها.

وألف " سير أعلام النبلاء " من رواة وغيرهم في سبعة عشر مجلداً، يذكر أهل العدالة بعدالتهم، والمجروحين من رواة ومبتدعين بما فيهم من جرح.

 فهذه الأعمال الكبيرة تدل على استمرار العناية بالسنة النبوية أسانيد ومتونا ورواة  وما يتبع ذلك من جرح وتعديل.

 وهناك من قام بخدمة السنة من حفاظ الأمة وأعلامها من رأس القرن الثالث إلى عهد الحافظ ابن حجر وشيوخه ومدرسته، قاموا بذلك في معاجم ومشيخات ومؤلفات أخر.

فهناك معجم ابن الأعرابي ت(341)، بلغ عدد شيوخه فيه (1277) ومعجم أبي بكر     ابن المقريء([10]) ومعاجم الطبراني الثلاثة ت (260) ومعجم الإسماعيلي ت(371) والسنن والعلل للدار قطني ت (385) والسنن الكبرى والصغرى والمعرفة والبعث ودلائل النبوة للحافظ البيهقي ت (458) والمختارة للضياء المقدسي ت (642)، يروي كل هؤلاء وغيرهم ممن لم أذكرهم الأحاديث بأسانيدهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا وغيره يدحض ما يدعيه الصنفان السابقان وقول بعضهم، إنه لم يبق إلا رواية الكتب ([11]).

ومن المعاجم: معجم الشيوخ للحافظ أبي القاسم ابن عساكر ت (571) بلغ عدد شيوخه فيه واحدا وعشرين شيخاً وستمائة وألف شيخ (1621) يروي فيه عن كل شيخ بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وللحافظ أبي طاهر السلفي ت(576) ثلاثة معاجم، معجم لمشيخته بأصبهان، ومعجم لمشيخته ببغداد وهو كبير في خمسة وثلاثين جزءا.

ومعجم السفر بلغ شيوخه فيه (1593) يروي فيه عن بعض شيوخه بأسانيد لنفسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أورد الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس اسم اثنين وعشرين معجما غير المعاجم  على أسماء الصحابة.

ومن المشيخات:

1-              الفوائد المنـتخبة العوالي عن الشيوخ الثقات المعروفة بالغيلانيات تأليف أبي بكر محمد بن عبد الله الشافعي ت (354).

2-              مشيخة أبي طاهر بن أبي الصقر الأنباري ت (476).

3-              ومشيخة أبي عبد الله محمد بن أحمد الرازي ت (525).

4-              والمشيخة الكبرى المسماة بـ " أحاديث الشيوخ الثقات " للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري ت (525) تضمن من شيوخه الثقات ستة وثلاثين وسبعمائة شيخ حسب ترقيم المحقق يروي فيها عن هؤلاء الشيوخ أحاديث بأسانيد منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض الآثار وتضمنت ستة وثلاثين وسبعمائة حديث وأثر.

5-              ومشيخة ابن الجوزي ت (597) التي تضمنت ستة وثمانين شيخا وثلاث   من الشيخات يروي عنهم الأحاديث بأسانيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد يبين علوه ببعض هذه الأسانيد.

6-              ومشيخة ابن البخاري علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي ت (690) تخريج جمال الدين أحمد بن محمد الظاهري الحنفي ت (696) يروي فيها الأحاديث بأسانيده من شيوخه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلغ عدد شيوخه ثمانية وستين شيخا وبلغ عدد شيخاته ستا من النسوة، وهو يكثر من الطرق عن شيوخه -رحمه الله-.

7-              ومشيخة قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة ت (733) بلغ عدد شيوخه ثلاثة وسبعين شيخاً يروي عنهم الأحاديث منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويتوسع في ذكر طرق الحديث.

وبقى مشيخات ومعاجم كثيرة ليس هنا محل استيفائها.

ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى المعجم المفهرس للحافظ ابن حجر -رحمه الله- فقد ذكر فيه عدداً كبيراً من المعاجم والمشيخات والأربعينات والمسلسلات وكذا من الأجزاء والفوائد ما يقارب ألف جزء وفائدة، وكلها في خدمة السنة النبوية، وهناك أحاديث الأربعينات:

1-              الأربعون حديثاً من المساوات مستخرجة عن ثقاة الرواة، تخريج الحافظ ابن عساكر ت (571) لشيخه الفراوي.

2-              الأربعون في الحث على الجهاد للحافظ ابن عساكر.

3-              الأربعون الأبدال العوالي للحافظ ابن عساكر أيضاً.

4-              كتاب الأربعين البلدانية للحافظ أبي طاهر السلفي ت ( 576).

5-              كتاب الأربعين في الجهاد والمجاهدين تأليف عفيف الدين أبي الفرج   محمد بن عبد الرحمن المقريء ت (618).

6-              الأربعون لشيخ الإسلام ابن تيمية ت (728).

7- كتاب الأربعين العشارية للحافظ أبي الفضل العراقي ت (806).

8-              الامتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع للحافظ ابن حجر ت (852) -رحم الله الجميع- وكلهم يروي أحاديث أربعينه بأسانيده من شيوخه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع تأخر زمنهم وقد يختار بعضهم الأسانيد العوالي،.

 وقد عقد الحافظ ابن حجر فصلاً في " كتابه المعجم المفهرس " في الأربعينات بلغت خمسة وخمسين كتاباً.

 وقد بينت للقاريء منهج أصحاب المعاجم والمشيخات التي استعرضتها، وغالب مناهج المعاجم والمشيخات والمسلسلات لا تبعد عن هذا المنهج.

وألف الحافظ عبد الغني ت (600) مؤلفات عدة بأسانيدها كما يستفاد من كلام الذهبي منها:

1-              كتاب نهاية المراد في السنن في نحو مائتي جزء لم يببضه.

2-              كتاب المواقيت في مجلد.

3-              كتاب الجهاد في مجلد.

4-              الروضة في أربعة أجزاء.

5-              فضائل خير البرية في مجلد.

6-              الذكر جزءان.

7-              الإسراء جزءان.

8-              كتاب الصفات جزءان.

9-              كتاب فضل مكة في أربعة أجزاء.

كتاب المصباح في ثمانية وأربعين جزءاً مشتمل على أحاديث الصحيحين([12]).

10-         قال الذهبي: و تصانيف كثيرة جزء جزء .

قال الذهبي ومما ألفه بلا إسناد:

1-    العمدة جزءان.

2-    الأحكام ستة جزاء.

3-    الكمال عشرة مجلدات.

4-    درر الأثر تسعة أجزاء.

قال الذهبي: وكان أمير المؤمنين في الحديث، انظر تذكرة الحفاظ (4/1374).    ابن تيمية قال عنه الذهبي في ترجمته (4/1496): " وعني بالحديث ونسخ الأجزاء ودار على الشيوخ وخرج وانتقى وبرع في الرجال وعلل الحديث وفقهه وفي علوم الإسلام وعلم الكلام وغير ذلك ".

أقول:

إن شيخ الإسلام من أشد الناس على أهل الكلام والمنطق وكتبه مليئة بالرد عليهم، إنما اطلع على علم الكلام ليعرف فساده وفساد أصوله ليهدمها عن معرفة، ومع الأسف لم يذكر الذهبي تخريجاته وانتقائه.

وقد ذكرت له الأربعين التي خرجها بأسانيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الذهبي في ترجمة المزي (4/1498):

" ... وأما معرفة الرجال فهو حامل لوائها والقائم بأعبائها،لم تر العيون مثله عمل كتاب " تهذيب الكمال " في مائتي جزء وخمسين جزءاً، وعمل كتاب الأطراف في بضعة وثمانين جزءاً، وخرج لنفسه وأملى مجالس وأوضح مشكلات ومعضلات ما سبق إليها في علم الحديث ورجاله " وليت الذهبي بين بعضها ".

أقول:

وهو في تهذيب الكمال قد يخرج أحياناً أحاديث بأسانيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبين ماله فيها من علو: موافقة كانت أو بدلا عاليا، والظاهر أن المجالس التي أملاها إنما يرويها بأسانيدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظ السيوطي في " تدريب الراوي " (ص342) وهو يتحدث عن الإملاء:

" وقد كان الإملاء درس بعد ابن الصلاح إلى أواخر أيام الحافظ أبي الفضل العراقي فافتتحه سنة ست وتسعين وسبعمائة، فأملى أربعمائة مجلس وبضعة عشر مجلساً إلى سنة موته سنة ست وثمانمائة.

ثم أملى ولده إلى أن مات سنة ثنتين وخمسين أكثر من ألف مجلس وكسراً؟.

 ثم أملى شيخ الإسلام ابن حجر إلى أن مات سنة ثنتين وخمسين أكثر من ألف مجلس(1)

ثم درس تسع عشرة سنة فافتتحته أول سنة ثنتين وسبعين، فأمليت ثمانين مجلساً ثم خمسين أخرى. وأملى السخاوي ستمائة مجلس . انظر فتح المغيث ( 3/252)

أقول:

وكل هذه الجهود التي قامت بعد القرن الثالث، ناطقة شاهدة باستمرار احتفاء علماء الحديث بسنة نبيهم وأسانيدها حفظاً ودراية وتأليفا في مجالات شتى.

ولإثبات هذا كتبت هذه المقدمة التي تلقي ضوءاً على هذه الجهود العظيمة واتبعتها بموضوع هذا البحث الذي اخترت فيه جملة من الحفاظ من كل طبقة من طبقات الحفاظ بدأً من الطبقة الحادية عشرة إلى الطبقة الرابعة والعشرين فما بعدها لأن الغمط إنما تناولها والإجحاف إنما نزل بها.

أسأل الله أن ينفع بهذا الجهد الضعيف وأن يجعله سبباً في دفع طلاب العلم إلى شدة الاهتمام بسنة نبيهم حفظاً لها ولأسانيدها والتمييز بين صحيحها وسقيمها والعمل بما تضمنته من عقائد وعبادات ومعاملات ومناهج إكمالاً لمسيرة أسلافهم الكرام.

ثانياً – تعريف الحافظ:

قد أطلق المحدثون ألقاباً على العلماء بالحديث.

فأعلاها أمير المؤمنين في الحديث وهذا لقب لم يظفر به إلا الأفذاذ النوادر الذين هم أئمة هذا الشأن والمرجع إليهم فيه.

كشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل والبخاري والدار قطني...

ثم يليه الحافظ، وقد بين الحافظ المزي الحد الذي إذا انتهى إليه الرجل في هذه الأعصار جاز أن يطلق عليه " الحافظ " فقال:

" فأقل ما يكون أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم أكثر من الذين لا يعرفهم ليكون الحكم للغالب ".

وقال أبو الفتح ابن سيد الناس: " فأما المحدث في عصرنا فهو من اشتغل بالحديث رواية ودراية، وجمع رواته واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره وتميز في ذلك حتى عرف حظه واشتهر ضبطه.

فإن توسع في ذلك حتى عرف شيوخه وشيوخ شيوخه طبقة بعد طبقة بحيث يكون   ما يعرفه من كل طبقة أكثر مما يجهله، فهذا هو الحافظ " انظر تدريب الراوي (ص10-11) والباعث الحثيث (2/432-433).

وقال الحافظ ابن حجر: " للحافظ شروط في عرف المحدثين إذا اجتمعت في الراوي سموه حافظاً وهي:

1-              الشهرة بالطلب والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف.

2-              والمعرفة بطبقات الرواة ومراتبهم.

3-              والمعرفة بالتجريح والتعديل وتمييز الصحيح من السقيم حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره مع استحضار الكثير من المتون " النكت على كتاب ابن الصلاح للحافظ ابن حجر (ص268).

منهجي في هذا العمل :

أ - أورد في كل ترجمة ما قاله ونقله الذهبي في صاحب الترجمة مع ذكر شيوخه الذين تلقى عنهم وتلاميذه الذين أخذوا عنه، ومع ذكر وفيات الأعلام من المحدثين والمسندين وغيرهم الذين توفوا عام وفاته([13]).

ليحصل للقاريء تصور في الجملة للعصر الذي عاش فيه المترجم له ومن شاركه في ذلك العصر من شيوخ وطلاب وأقران.

أسأل الله أن يوفق الأمة وعلماءها وحكامها للتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم والسير وراء أسلافهم الكرام وإحياء منهجهم في الاهتمام بالسنة وعلومها.

ب - أرمز لكل طبقة بحرف الطاء مع ذكر رقمها هكذا ط (11)، ط (12) ..الخ أي الطبقة الحادية عشرة والطبقة الثانية عشرة وهكذا.

ج - أذكر الجزء والصحيفة من تذكرة الحفاظ ليسهل رجوع القاريء إلى أي ترجمة شاء، وكذا أفعل في النقل من طبقات الحفاظ للسيوطي وغيرها.

د - من عادة الحافظ الذهبي أنه يروي في كل ترجمة حديثاً([14]) بإسناده من شيخه مروراًَ بصاحب الترجمة وأحد الكتب المشهورة كالصحيحين وغيرهما إلى أن يصل إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.

ويقصد في الغالب بيان علوه النسبي إلى أحد الأئمة.

فأقوم ببيان هذا العلو وما تضمنه من موافقة له ولشيخه الذي روى عنه ذلك الحديث وقد أصرح أحيانا بأن هذه الموافقة تسمى بدلاً وأحيانا لا أصرح بذلك لوضوح الأمر وأبين درجة الحديث من صحة أو ضعف.

أسأل الله جل وعلى أن يرزقني الإخلاص في القول والعمل والثبات على الحق والسنة، إن ربي لسميع الدعاء.

كتبه

ربيع بن هادي عمير المدخلي

مكة المكرمة

4/جمادي الآخرة 1428هـ

 

shock drop air force 1 full uv reactive | Error 503 - Service Unavailable

الأقسام الرئيسية:

المشائخ والعلماء: