بيان ما فى البردة مما يخالف الدين

بيان ما في البردة مما يخالف الدين
 بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الأخ عبد الله بن محمد. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وما ذكرت أنا ننصركم، فبلدكم بعيد لا يستطاع الوصول إليها، وأما نصرتكم بالحجة والبيان فالله تعالى قد قال في كتابه: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً}1.
والخصومة بينكم وبين الضد في عبادتهم غير الله -تعالى- من الأموات الذين لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، كما قال -تعالى-: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ}2. وقد كان جل عبادتهم لهم في الرغبات والرهبات بالدعاء والاستغاثة، وقد قال -تعالى-: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً}3، و{أحدا} نكرة في سياق النهي تعم كل مدعو من دون الله، كالأنبياء ومن دونهم.
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعبد ربه وحده بالدعاء وغيره من أنواع العبادة، قال الله -تعالى- آمرا نبيه أن يدعو أمته أن يخلصوا الدعاء لربهم وخالقهم، فقال -تعالى-: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ}4، وقال -تعالى-: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ}5 فبين -تعالى- أنه المستحق لدعوة الحق، وأن الذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء، وأن دعوة غيره ضلال؛ والضلال ضد الهدى، وكفّرهم بذلك، وقال -تعالى-: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}6.

-----------------------------------------------
1 سورة الفرقان آية: 33.
2 سورة المائدة آية: 76.
3 سورة الجن آية: 18.
4 سورة الرعد آية: 36.
5 سورة الرعد آية: 14.
6 سورة المؤمنون آية: 117.

 

ص -34-      فكفّر من يدعو غيره في هاتين الآيتين، وقال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}1, وقال -تعالى-: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}2.
فهذه الآيات تقصم ظهر المشرك الملحد؛ فمن تمسك بها غلب خصمه المشرك كما قال شيخنا -رحمه الله تعالى-: "والعامي من الموحدين يغلب ألفا من علماء هؤلاء الشياطين".
وما ذكرت من أنهم يأتون بفتاوى من علماء مكة، فليس مع من عارض أدلة التوحيد إلا شبهات شياطين؛ وقد كتبنا نسخة في هذا المعنى ردا على من زعم أن الاستمداد بالأموات جائز، وفيها كفاية لأهل الحق.
ترك الحديث الصحيح والعمل بالمذهب
وأما ما سألت عنه فيمن أنكر الحكم برجحان العمل بالحديث الصحيح في مقابلة المذهب الملتزم،
فهذا من محدثات الأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان قال -تعالى-:
{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}3، وقال -تعالى-: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}4 الآية. وهذا أصل عظيم من أصول الدين، قال العلماء -رحمهم الله-: "كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-"، وهذا قول الإمام مالك رحمه الله.
وهذا القول الذي يقوله هؤلاء يفضي إلى هجران الكتاب والسنة، وتبديل أحكام النصوص كما فعل أهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ والكتاب والسنة شفاء وهدى لمن أصغى إليهما.

-----------------------------------------------
1 سورة الأحقاف آية: 5.
2 سورة فاطر آية: 14.
3 سورة الأعراف آية: 3.
4 سورة النساء آية: 59.

 

ص -35-      ومن طلب الحق منهما ناله وفهمه، وقد قال -تعالى-: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ}1، والأمر بتدبره، والتذكر ليس مخصوصا بالعلماء المجتهدين، بل عام لكل من ناله2 فهم يدرك به معنى الكلام.
والتقليد المفضي إلى هذا الإعراض عن تدبر الكتاب والسنة فيه شبه بمن قال الله فيهم:
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}3. وقوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}4 وأهل الاجتهاد من العلماء، وإن كانوا معذورين باجتهادهم، إنما هو في معنى أدلة الكتاب والسنة، وينهون عن تقليدهم، فالأئمة -رحمهم الله- اجتهدوا ونصحوا؛ قال الإمام الشافعي: إذا جاء الحديث بخلاف قولي فاضربوا بقولي الحائط، فهو مذهبي.
الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر
وأما قولكم: الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر فالأصغر: كيسير الربا والحلف بغير الله، وقول الرجل: أنا في حسبك، ولولا الله وأنت، وأن يجاهد ويأمر بالمعروف لطلب رياسة أو مال أو وظيفة، كمن يتعلم العلم لوظيفة المسجد، أو يقرأ القرآن ليسأل الناس به، أو يبيع الختمات، أو يحج ليأخذ المال، أو يتصدق ليكثر ماله، أو نحو ذلك، وهذا إنما يتبين بالتمثيل والحد لا بالعد.
وأما الشرك الأكبر، فهو اتخاذ الأنداد من أرباب القبور والغائبين، ومخاطبتهم بالحوائج، والذبح لهم، والنذر، واعتقاد أنهم ينفعون ويدفعون، وكاتخاذ الأشجار والأحجار والأصنام لجلب الخير ودفع الضر بها، وغير ذلك؛ وهو كثير جدا، وهو أن يرغب إلى شيء أو يدعوه أو يخافه أو يرجوه، أو يعكف عند القبر تعظيما له، ونحو ذلك.
وأمور الشرك، أكبره، وأصغره لا تدرك بالعد، لكن الشرك الأكبر يخرج من الملة ويحبط الأعمال، لأنه أعظم ذنب عصي الله به، وهو أظلم الظلم،

-----------------------------------------------
1 سورة ص آية: 29.
2 حاشا الفهم المخالف لفهم السلف، فإن هذا أصول جهم وشيعته.
3 سورة التوبة آية: 31.
4 سورة الشورى آية: 21.

 

ص -36-      لأن المشرك أخذ حق الله ووضعه فيمن لا يستحقه. وأما الشرك الأصغر فهو أكبر من الكبائر لقول النبي – صلى الله عليه وسلم- لمن رأى في يده حلقة من صفر فقال: "ما هذه؟ قال: من الواهنة، فقال: انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت -وهي عليك- ما أفلحت أبدا"1.
ولا يكفَّر الشرك أكبره وأصغره إلا بالتوبة منه قبل الممات، والأصغر لا يكفِّره في الدار الآخرة إلا كثرة الحسنات، لأن الأصغر لا يحبط إلا العمل الذي وقع فيه خاصة.
الذهاب إلى المقابر التي بني عليها القباب
وأما قولكم في الذهاب إلى المقابر التي بني عليها القباب، وأوقد فيها المصباح
فالجواب: أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم -لعن اليهود والنصارى وقال:
"لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"2، وقال: "لعن الله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج"3.
و بناء القباب على القبور وإسراجها، وسيلة إلى عبادتها والخضوع لها، والتذلل والتعظيم، وسؤالها ما لا يقدر عليه إلا الله؛ وفي الحديث الذي رواه مالك في الموطأ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد؛ اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"4.
استغاثة الأحياء بالأموات
وأما مسألة استغاثة الأحياء بالموتى في طلب الجاه والسعة والرزق والأولاد، مثل أن يقال عند القبور: أن تدعوا الله في رفع فقرنا، وبسط رزقنا، وكثرة أولادنا وشفاء مريضنا؛ لأنكم سلف مستجابو الدعوات عند الله.
فالجواب: هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، وهذا شرك في الربوبية والألوهية، وقد كان شرك المشركين في جاهليتهم بطلب الشفاعة والقربة.
وأما طلب الرزق والأولاد وشفاء المرضى، فقد أقروا بأن آلهتهم لا تقدر على ذلك، كما قال -تعالى-:
{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ

-----------------------------------------------
1 ابن ماجه: الطب(3531), وأحمد(4/445).
2 البخاري: الصلاة(436), ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة(531), والنسائي: المساجد(703), وأحمد(6/34,6/255), والدارمي: الصلاة(1403).
3 الترمذي: الصلاة(320), والنسائي: الجنائز(2043), وأبو داود: الجنائز(3236), وابن ماجه: ما جاء في الجنائز(1575), وأحمد(1/229,1/287,1/324,1/337).
4 مالك: النداء للصلاة(416).

 

ص -37-      يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}1.
 فأقروا لله تعالى أنه الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور، وقال:
{أمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ}2 أي: يفعل ذلك؛ فأقروا لله بذلك، وصار إقرارهم حجة عليهم في اتخاذهم الشفعاء.
وقد قال -تعالى- في فاتحة الكتاب:
{إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}3 أي: لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك؛ فهو المعبود وحده، وهو المستعان. وقد تقدم ما يبين أن الدعاء مخ العبادة، لأن الله -تعالى- نهى عن دعوة غيره، وأخبر أن المدعو لا يستجيب لداعيه، وأنه شرك وضلال، وأنه كفر بالله.
وقد أوضحنا ذلك في الجواب في إبطال دعوة المدعي جواز الاستمداد بالأموات، ومن قال: إن الميت يسمع ويستجيب، فقد كذب على الله
{وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ}4، وقال -تعالى-: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}5 فأخبر -تعالى- أنه لا أضل ممن يدعو أحدا من دون الله غير الله، وما أخبر أن المدعو لا يستجيب، وأنه غافل عن الداعي ودعوته، وأنه عدوه يوم القيامة.
فأهل التوحيد أعداء أهل الشرك في الدنيا والآخرة، قال الله -تعالى-:
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ}6، فأخبر -تعالى- أن آلهتهم تبرأ منهم بين يدي الله ومن عبادتهم، ويستشهدون الله على أنهم في حال دعوتهم لهم غافلون لا يسمعون ولا يستجيبون. وهذا كتاب الله هو الحاكم بيننا، وبين جميع من

-----------------------------------------------
1 سورة يونس آية: 31.
2 سورة النمل آية: 62.
3 سورة الفاتحة آية: 5.
4 سورة الزمر آية: 32.
5 سورة الأحقاف آية: 5.
6 سورة يونس آية: 28.

 

ص -38-      أشرك بالله من الأولين والآخرين، وليس فعل أحد من الناس، ولو من يظن أنه عالم يكون حجة على كتاب الله؛ بل القرآن هو الحجة على كل أحد، فلا تغتروا بقول بعضهم: قال فلان، وفعل فلان.
التحذير من دلائل الخيرات والبردة والهمزية
وأما السؤال عن دلائل الخيرات، فيكفي عن دراستها ما وردت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن كيفية الصلاة قال:
"قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد"1 إلخ، وقد قال بعض العلماء لما قيل له: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أحرق دلائل الخيرات، استحسن ذلك، فقال:

وحرق عمدا للدلائل دفترا       أصاب ففيها ما يجل عن العد

غلو نهى عنه الرسول وفرية       لا مرية فاتركه إن كنت تستهدي

أحاديث لا تعزى إلى عالم فلا      تساوي فليسا إن رجعت إلى النقد

وأما السؤال عن البردة للبوصيري والهمزية وأمثالهما في المديح، فالمنكر من ذلك ما كان فيه شرك، كقول صاحب البردة: "يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك"، فدعا غير الله، ولاذ به من دون الله، والدعاء مخ العبادة، واللياذ نوع من أنواع العبادة كالعياذ، وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير ما كان عليه أهل الجاهلية من الاستعاذة بالجن إذا هبطوا واديا، يقولون: نعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، كما قال -تعالى-: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً}2 أي: طغيانا.
فشرع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته قصر الاستعاذة على الله وأسمائه وصفاته، فقال في حديث خولة بنت حكيم، وهو في الصحيح:
"من نزل منزلا، فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك"3. وكذلك قول صاحب البردة:

-----------------------------------------------
1 البخاري: أحاديث الأنبياء(3370), ومسلم: الصلاة(406), والترمذي: الصلاة(483), والنسائي: السهو(1287,1288), وأبو داود: الصلاة(976), وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها(904), وأحمد(4/241,4/244), والدارمي: الصلاة(1342).
2 سورة الجن آية: 6.
3 مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار(2708), والترمذي: الدعوات(3437), وابن ماجه: الطب(3547), وأحمد(6/378,6/409), والدارمي: الاستئذان(2680).

 

ص -39-      إن لم تكن في معادي آخذا بيدي  فضلا وإلا فقل يا زلة القدم

وقوله:

فإن من جودك الدنيا وضرتها      ومن علومك علم اللوح والقلم

فكل هذا شرك محرم بالكتاب والسنة. فما كان من جنس ذلك وجب إنكاره والنهي عنه وتغييره بطمسه؛ وهذا يتبين بما تقدم من الآيات المحكمات في النهي عن دعوة غير الله، والرغبة، والتوكل عليه، ورجاه.
وأما الإجماع، فقد حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فقال: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويسألهم، ويتوكل عليهم كفر إجماعا، وأما البدعة المنهي عنها فكل ما حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا دل عليه قول؛ من النبي ولا فعل، وكذلك أصحابه الذين هم أحرص الأمة على فعل الخير، فكل ما حدث بعدهم في العبادات، وغيرها من أمور الدين فهو بدعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في خطبته:
"وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة"1.
وبسط القول في هذا يستدعي كتابا ضخما، لكن في أصول الأدلة ما يكفي المسافر إلى الله على صراط مستقيم، وكل ما لم يفعله أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم مما حدث بعدهم، فالجواب أن يقال: لو كان خيرا ما سبقونا إليه.
السفر إلى قبر النبي
وأما السؤال عن السفر إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى"2، فالنهي عن شد الرحال إلى غير الثلاثة لفظ عام يتناول المساجد وغيرها، وفحوى الخطاب يدل عليه، لأن غير المساجد من باب أولى، ولكن إذا نوى الإنسان

-----------------------------------------------
1 أبو داود: السنة(4607), والدارمي: المقدمة(95).
2 أحمد(6/7).

 

ص -40-      السفر إلى مسجده حصلت زيارة القبر الشريف تبعا، فإنه إذا وصل إلى المسجد سلم على النبي-صلى الله عليه وسلم- من قرب، فيكون قد أخذ بعموم الحديث، وحصلت له الزيارة من غير أن يخصها بشد الرحال المنهي عنه.
الرسوم والعادات الجارية عند الأعاجم
وأما السؤال عن الرسوم والعادات التي شاعت وذاعت في الأعاجم -سيما في مشايخهم- إذا مرض أحدهم يخفون ويحيطون فيقرؤون شيئا من الآيات بحساب وأعداد معلومات، فإذا انتهى قالوا: يا قاضي الحاجات، ويا كاشف الكربات، ثم يأتون بالأطعمة النفيسة فيأكلونها بأجمعهم.
فالجواب: أن الذي وردت به السنة دعاء العائد له وحده من غير تكلف ولا اجتماع، فإن شاء رقاه بما وردت به السنة، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لمَن نخستها عينها، إنما يكفيك أن تقولي: أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك؛ شفاء لا يغادر سقما، هذا جنس المشروع.
وأما على هذه الكيفية التي ذكرها السائل فبدعة تجري مجرى ما ذكره الله -تعالى- ردا على من ابتدع في دينه، فقال:
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} 1.
وأما ما ذكره السائل من أنه إذا مات أحدهم يتصدق أقاربه وعشائره، ويذبحون الذبائح، ويطبخون الطعام، ويفرشون الحرير، ويدعون الناس كلهم، الغني والفقير، فليس هذا من دين الإسلام؛ بل هو بدعة وضلالة ما أنزل الله بها من سلطان. وهذا من جنس ما أحدثه اليهود والنصارى من التغيير والتبديل في شريعتهم، خالفوا به ما جاءت به أنبياؤهم؛ فيجب اجتناب ذلك المأتم وما في معناه.

-----------------------------------------------
1 سورة الشورى آية: 21.

 

ص -41-      شد الرحال إلى مكانات مشرفة للأنبياء والأولياء
وأما ما سألت عنه من شد الرحال إلى مكانات مشرفة للأنبياء والأولياء، هل ممنوع ومحذور، أم لا.
فالجواب: لا ريب أن هذا مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي تقدم، وهو قوله:
"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد"1، فإذا كان تبرك للمحل المزور فهو من الشرك، لأنهم قصدوا بذلك تعظيم المزور كقصد النبي صلى الله عليه وسلم أو الولي لتعود بركته عليه بزعمهم.
وهذه حال عباد الأصنام، سواء كما فعله المشركون باللات والعزى ومناة، فإنهم يقصدونها لحصول البركة بزيارتهم وإتيانهم إليها، وفي الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي واقد الليثي قال:
"خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها، وينوطون بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط. فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: الله أكبر، إنها السنن. قلتم، والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون. لتركبن سنن من كان قبلكم"، فجعل التبرك بالأشجار مثل قول بني إسرائيل:
{اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً}2؛ وهذا هو جنس عبادة الأشجار والأحجار.
وأما قول بعضهم: إن أمور التعظيمات خصصه الله -تعالى- للذات وسماه بالعبادة كالسجود والركوع، والقيام كقيام الصلاة، والتصدق بالصدقات والصيام باسمه، وقصد السفر إلى بيته من المكانات البعيدات، فهذا من وحي الشيطان وزخرفته التي ألقاها على ألسن المشركين، فجمع لهم الشرك، وتعظيمه، والغلو فيه، والبدع والضلالات. وكل هذا باطل

-----------------------------------------------
1 أحمد(6/7).
2 سورة الأعراف آية: 138.

 

ص -42-      ما أنزل الله به من سلطان، {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}1.
بطلان شبهة المشركين في دعاء غير الله
وأما سؤاله عن رجل بنى في جوار قبر صالح لإفاضة الفيوضات عليه وإصابه البركات، ورجل جلس مراقبة على قبر صالح.
(فالجواب) من أخبر هذا المغرور أن بركة هذا المدفون تفيض عليه، وهذا من جنس ما قبله مما زين الشيطان، وأجراه على ألسن المغرورين المفتونين الذين أعرضوا عن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ ولما قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، قال:
"أجعلتني لله ندا؟! قل: ما شاء الله وحده"، وقال: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"2.
وقد صان الله قبر نبيه-صلى الله عليه وسلم- بأن صار قبره في حجرته، حذرا من هذه الأمور التي نهى عنها، قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا، وقال صلى الله عليه وسلم:
"إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو"3. والضابط أن ما كان يفعل مع الميت من رفع الأصوات على جنازته، والتبرك به وبتربته، والنذر له، وغير ذلك من الشرك كالذبائح والنذور التي يقصد بها الميت، حرام، وهي مما أهل به لغير الله، كما صرح به القرآن؛ قال -تعالى-:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}4.
وقد تضمنت هذه الأفعال التي ذكرت الشرك والبدع والغلو في الدين وخالف أهلها وصادموا ما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه من إخلاص العبادة بجميع أنواعها لله -تعالى-، وتوجيه الوجه والقلب إلى الله -تعالى- بجميع الإرادات الشرعية، والأحوال الدينية. وقد أبطل الله في

-----------------------------------------------
1 سورة النجم آية: 23.
2 مالك: النداء للصلاة(416).
3 النسائي: مناسك الحج(3057).
4 سورة المائدة آية: 3.

 

ص -43-      كتابه التعلق على غيره كائنا من كان؛ قال الله -تعالى-: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}1، وقال -تعالى-: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ}2، وقال -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ}3 إلى قوله {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ? يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}4، وقال -تعالى-: {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}5 الآية، وقال -تعالى-: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}6، وقال -تعالى-: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}7، إلى قوله: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}8.
أصل عبادة الأصنام
إذا عرفت ذلك وما في معناه من الآيات المحكمات، فهذه الشبهات التي اعتمدها كثير من جملة المشركين كلها باطلة، تصادم كتاب الله وسنة رسوله. وأول من زخرف هذه الشبهات، وزين للجهال التعلق على الأموات: زنادقة الفلاسفة الكفار، الدعاة إلى الخلود في عذاب النار كابن سينا والفارابي؛ فإنهم أدخلوا على كثير ممن ينتسب إلى العلم كثيرا من الفلسفة، وزخرفوا هذه الشبهات التي صارت في أيدي المشركين، وحاولوا بها إبطال ما في الكتاب والسنة من توحيد المرسلين، وخالص حق رب العالمين. فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، فمن التفت إلى الأموات يستمد منهم نفعا وتبركا بهم، فقد اتخذهم أربابا من دون

-----------------------------------------------
1 سورة الحج آية: 62.
2 سورة يونس آية: 106.
3 سورة الحج آية: 11.
4 سورة الحج آية: 12.
5 سورة المائدة آية: 72.
6 سورة الحج آية: 31.
7 سورة النحل آية: 17.
8 سورة النحل آية: 20.

 

ص -44-      الله، قال الله -تعالى-: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ}1 إلى قوله: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}2.
وقد أخبر -تعالى- عن عيسى ابن مريم أنه قال:
{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}3، وهو دليل على أن من مات فلا اطلاع له على الأحياء ولا علم له بهم؛ فكيف يدعو من لا يعلم حاله، ولا يدري ما يفعله وما يقوله، وقد تقدم في الآيات المحكمات ما يدل على ذلك، وأن المدعو لا يسمع ولا يستجيب، فما هذه التعلقات الشركية التي هي أضل الضلال، وأمحل المحال إلا من وحي الشياطين، وزخرفة أعداء المرسلين كما قال -تعالى-: {كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}4.
وكل هذه التعلقات على الأموات والغائبين هي أعمال الشرك من المشركين قديما وحديثا، وهو شرك قوم نوح لما صوروا الأصنام على صور صالحيهم، قال من بعدهم: ما عظم أولنا هؤلاء إلا وهم يرجون شفاعتهم؛ فعبدوهم، أي بطلب الشفاعة منهم واستمداد البركة بهم. وهذا هو شرك العالم، وهم في آخر هذه الأمة أشد وأعظم. فاستمسك بأدلة القرآن، وسبيل أهل الإيمان.
وقد عرفت أن عبادة الأشجار والقبور والأحجار بدعائهم لها باستمداد البركة منها في زعمهم، أنه أبطل الباطل، وأمحل المحال، كما دل عليه الكتاب والسنة.

-----------------------------------------------
1 سورة آل عمران آية: 79.
2 سورة آل عمران آية: 80.
3 سورة المائدة آية: 117.
4 سورة الأنعام آية: 112.

 

ص -45-      وهذا الجواب يكفيك عما تقدم من السؤالات؛ فكل ما كان يفعل عند القبور من التعظيم لها ولأربابها، وقصدها، والتبرك بها، والدعاء عندها أو لها، كل هذا شرك وضلال.
فتأمل قوله عن خليله -عليه السلام-:
{يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}1، والحنيف هو المقبل على الله، المعرض عن كل ما سواه.
فهذه الأدلة التي ذكرنا تبطل كل ما تعلق به المشركون مما كانوا يفعلونه مع العزى ومناة، ومن ادعى جواز شيء من ذلك، أو أنه يحتمل الجواز، فيطالب بالدليل من كتاب الله وسنة رسوله على أن هذا جائز. ولا يخفى أنه ينافي الإخلاص لما فيه من الإقبال على غير الله، والرغبة إليه، وجلب النفع والدفع منه، وكل هذا مردود بالآيات المحكمات، والأحاديث الصحيحة كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه قال: "
لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله"2. وكل ما كان يفعل هؤلاء مع الأموات، فليس فيه مستحب ولا مباح، إلا زيارة القبور من غير شد رحل لتذكر الآخرة، والاستعداد لما بعد الموت من الإخلاص، والعمل المشروع من غير تحر لإجابة الدعاء عندها. والصلاة إليها ولو كانت لله، فهذا محرم، سدا لذريعة الشرك، وحماية لجناب التوحيد.
عصمة الأنبياء
وأما قولهم في عصمة الأنبياء، فالذي عليه المحققون أنه قد تقع منهم الصغائر، لكن لا يقرون عليها؛ وأما الكبائر فلا تقع منهم. وكل ما قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مما ثبت عنه فهو حق، كما قال –تعالى-:
{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}3، كذلك تقريراته حق.

-----------------------------------------------
1 سورة الأنعام آية: 78.
2 البخاري: أحاديث الأنبياء(3445), وأحمد(1/23,1/24).
3 سورة النجم آية: 3.

 

ص -46-      الغلو في صالحي أهل القبور
وأما قول أبو الوفاء ابن عقيل -رحمه الله تعالى- فهو حق، وأعظمه خطاب الموتى بالحوائج، وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل كذا وكذا، وأخذ تربتها والتبرك بها؛ فهذا الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله. وقد كتبنا الأدلة على ذلك في الرد على الذي يقول بالإمداد من الموتى فطالعه، وفيه ما يكفي، ويميز الحق من الباطل.
وأما ما ذكره ابن عقيل -رحمه الله- من إفاضة الطيب على القبور وشد الرحال إليها، فهو من إفراطهم وغلوهم في الآلهة التي يعبدونها من دون الله، وكلامه عندنا -رحمه الله- مُسَلَّم لأنه اشتمل على إنكار الشرك من التعلق بالأموات، واعتقاد أن لهم قدرة على قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، ويخاطبونهم بذلك من قريب وبعيد لاعتقادهم أن لهم تصرفات، وأنهم يعلمون الغيب، وأن لهم قدرة على ما أرادوا؛ والقرآن كله من أوله إلى آخره ينكر ذلك عليهم، ويبين أنه شرك وكفر وضلال، ودليله من الكتاب والسنة، وإجماع أهل السنة والجماعة مذكور على صاحب الرد في الإمداد.
وأما قول الأئمة الأربعة فذلك مذكور في مذاهبهم، في باب حكم المرتد في كل مذهب. وأما مسح الرقبة فقال أبو حنيفة: وجمهور الفقهاء بخلافه، لا يرون ذلك، وفيه حديث ضعيف.
دعاء القنوت
وأما دعاء القنوت فبعد الركوع، ورفع اليدين فيه جائز، والتكبير قبله محدث.
قصر العبادة والاستعانة على الله دون كل ما سواه
وأما الرسالة التي أرسلتموها إلينا، فالجواب عليها يصل إليكم -إن شاء الله-، ويظهر بطلانها بالتمسك بالآيات المحكمات والوقوف عندها، ويكفي في ردها ما في سورة الفاتحة في قوله:
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}1 من قصر العبادة والاستعانة على الله دون كل ما سواه، فإن غالط فأدلة النهي عن دعوة غير

-----------------------------------------------
1 سورة الفاتحة آية: 5.

 

ص -47-      الله، وأنها شرك وكفر تكفي المتمسك بها، وذكرنا من الأدلة ما فيه كفاية. ولو تتبعنا ما في كتاب الله وسنة رسوله من دلائل التوحيد، وكلام السلف والخلف من أهل السنة، لاحتمل مجلدا ضخما ومجلدات.
رجل لا يتكلم بعد صلاة العصر والصبح
وأما السؤال عن رجل لا يتكلم بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، وبعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس.
(فالجواب): ما ذكرتموه من قصة أبي بكر مع المرأة الأحمسية، وقال لها: إن هذا لا يحل، فتكلمت.
ما أحدثه المشايخ من المراقبات واللطائف
وأما ما أحدثه المشايخ من المراقبات واللطائف، فإن كانت مما جاءت به السنة، وفعله أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم -، فاقبلوه، وما لم يفعلوه، ولم يقم عليه دليل فدعوه، فإن
"كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"1.
استواء الله على العرش وعلوه على خلقه
وأما قول أهل التأويل للصفات: إن الله -تعالى- منزه عن الجهات، فهذه شبهة أرادوا بها نفي علو الرب على خلقه واستوائه على عرشه؛ وقد ذكر استواءه على عرشه في سبعة مواضع من كتابه؛ قال الله -تعالى-:
{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}2 في آية الكرسي، وغيرها من القرآن، فأثبت لنفسه العلو بأنواعه الثلاثة: علو القهر، وعلو القدر، وعلو الذات. ومن نفى علو الذات فقد سلب الله -تعالى- وصفه، وقد قال -تعالى-: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}3، وقال: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}4، وقال: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}5. وحديث المعراج الذي تواترت به السنة يدل على علو الله على خلقه، وأنه على عرشه فوق سماواته؛ وهذا مذهب سلف الأمة وأئمتها، ومن تبعهم من أهل السنة والجماعة، يثبتون لله ما أثبت لنفسه وما أثبته له رسول الله-صلى الله عليه وسلم- من صفات كماله، ونعوت جلاله، على ما يليق بجلال الله

-----------------------------------------------
1 النسائي: صلاة العيدين(1578), والدارمي: المقدمة(206).
2 سورة البقرة آية: 255.
3 سورة فاطر آية: 10.
4 سورة النساء آية: 158.
5 سورة المعارج آية: 4.

 

ص -48-      وعظمته، إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل، تعالى الله عما يقول المحرفون المخرفون عن الحق علوا كبيرا. والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين. آمين.

نشر ضمن مجموعة الرسائل و المسائل النجدية الجزء الثانى

adidas heliopolis hotel in dubai , adidas concord ankle fur sneakers boys running Release Date Info , MysneakersShops | Carreras populares , Recorrido kyrie 2 gradient for sale - Latinquasar - nike air red and white bloody mary queen family

الأقسام الرئيسية: