نسبه ومولده: هو العلامة الجليل الشيخ محمد بن الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبداللطيف بن الشيخ عبدالرحمن بن الشيخ حسن بن إمام الدعوة محي السنة مميت البدعة الشيخ (محمد بن عبدالوهاب) بن الشيخ سليمان بن علي بن محمد بن أَحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب بن قاسم بن موسى بن مسعود بن عقبة بن سنيع بن ؟ بن شداد بن زهير بن شهاب بن ربيعة بن أَبي سود بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم. ثم إلى نزار بن معد بن عدنان. ولد في مدينة الرياض في (حي دخنة) في 17 من محرم عام 1311هـ بدأَ رحمه الله من صغره في الأَخذ بأَسباب العلم والمعرفة فتلقى القرآن الكريم وهو بين الثامنة والعاشرة من عمره نظرًا على معلمه عبدالرحمن بن مفيريج. وفي السادسة عشرة من عمره أُصيب بالرمد في عينيه فكف بصره، وكانت مدة مرضه سنة. وعلى أثر ذلك حفظ القرآن على عبدالرحمن بن مفيريج عن ظهر قلب، وقد درس فن التجويد فيما بعد. ثم أخذ في طلب العلم بمختلف فنونه فأَخذ علم ((الفرائض)) عن والده الشيخ إبراهيم – رحمه الله – أولاً ثم عن الشيخ عبدالله بن راشد ومما قرأَ عليه في ذلك أَلفية الفرائض. وتلقى علم ((العقائد)) عن عمه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف رحمهما الله تعالى. ومنها في العقائد كتاب التوحيد وأُصول الإيمان وفضائل الإسلام للشيخ محمد بن عبدالوهاب والدلائل (حكم موالات أهل الشرك) للشيخ سليمان بن عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب والعقيدة الواسطية والعقيدة الحموية وكلاهما لشيخ الإسلام ابن تيمية وأَخذ ((الفقه)) عن الشيخ حمد بن فارس أَولاً ثم على الشيخين سعد بن حمد بن عتيق ومحمد بن محمود المتوفي عام 1333هـ ومن كتبه (زاد المستقنع). وأخذ علم ((العربية)) عن الشيخ حمد بن فارس المذكور آنفًا ومما قرأَ عليه في هذا الفن الاجرومية والمسلحة والقطر والأَلفية. وفي ((الحديث وعلومه)) قرأَ بلوغ المرام وثلث المنتقى على عمه الشيخ عبدالله ثم أَعاد بلوغ المرام على الشيخ سعد بن عتيق. وعليه قرأ أَيضًا أَلفية العراقي في مصطلح الحديث. هذا ومن المستفيض أَن الشيخ رحمه الله كان كثير الدأَب على المطالعة في مختلف الكتب وتدريسها فكان هذا مصدرًا ثانيًا غنيًا بتنمية حصيلته العلمية وتوسيع أُفقه أَعانه على ذلك ما عرف عنه من حدة الذكاء ورجاحة العقل. اشتغاله بالتدريس: لمس فيه مشايخه الأَلمعية النادرة المبكرة والنجابة الظاهرة فأدركوا أنه الخليفة لهم الذي يمكن أن يطمئن إليه في مجالس العلم فأَوصى عمه الشيخ عبدالله الملك عبدالعزيز – رحمه الله – بابن أَخيه خيرًا وذكر له ما يتمتع به من المزايا الفذة التي لا تكاد تتوافر إلا في قليل من الرجال الذين وهبهم الله ذكاءً وفطنةً وجلدًا وإخلاصًا. وحين توفي الشيخ عبدالله عام 1339هـ أَخذ ابن أَخيه مجلسه فبدأَ التدريس إلى جانب مشايخه الذين ما زالوا على قيد الحياة، ولما توفي شيخه سعد بن حمد بن عتيق عام 1349هـ وتوفي قبله الشيخ حمد ابن فارس عام 1345هـ توسع في مجالس التدريس واستقل بأكثرها إلى جانب أعمامه رحمهم الله وغيرهم من أَفاضل العلماء الذين كانوا يقومون بالتدريس على فترات متعاقبة في بعض العلوم. ولكن ينبغي أن نؤكد أَن نؤكد أَن الشيخ محمد رحمه الله له النصيب الأَوفر في كثرة المجالس وكثرة القاصدين له من طلبة العلم وغزارة العلم وعموم النفع فقد كان يعمر أَكثر نهاره بالتدريس حيث كان يجلس ثلاث جلسات منتظمة، فالأولى بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس، والثانية بعد ارتفاع الشمس مدة تتراوح ما بين ساعتين وأَربع ساعات، والثالثة بعد صلاة العصر، وهناك جلسة رابعة لكنها ليست مستمرة وهي بعد صلاة الظهر. وكل هذه الجلسات كانت تتم في جامع الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب المعروف الآن في (حي دخنه شمال الميدان) ما عدا جلسة الضحى فقد كانت في أول الأمر في هذا الجامع ثم نقلها إلى بيته. وكان رحمه الله ينقطع بعد المغرب لمطالعة دروس الغد في الكتب التي كانت تدرس بعد الفجر ومنها (الروض المربع) و (سبل السلام) و (شرح ابن عقيل) على أَلفية ابن مالك وما يعين عليها من المراجع. وفيما يلي عرض للكتب التي كان يقوم رحمه الله بتدريسها: 1- أَولا بعد صلاة الفجر أَلفية ابن مالك مع شرح ابن عقيل وزاد المستقنع مع شرحه الروض المربع وبلوغ المرام والآجرومية والمسلحة وقطر الندى وعمدة الأحكام وأُصول الأحكام والحموية والتدمرية ومخبة الفكر. أَما باقي الكتب فبالتعاقب على فترات مختلفة طيلة أيام تدريسه. 2- بعد شروق الشمس يدرس في العقائد كتاب التوحيد، كشف الشبهات، ثلاثة الأصول، العقيدة الواسطية باستمرار، مسائل التوحيد، مسائل الجاهلية، لمعة الاعتقاد، أُصول الإيمان على فترات، وفي الحديث: الأَربعين النووية، عمدة الأَحكام باستمرار. وفي الفقه آداب المشي إلى الصلاة، وقد يدرس غيرها لكنه نادر. وبعد الانتهاء من هذه المختصرات تقرأُ المطولات ومنها: فتح المجيد، شرح الطحاوية، شرح الأَربعين النووية، صحيح البخاري، صحيح مسلم، السنن الأَربعة، مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير بدون إستثناء وكل ما جد من كتب السلف والمحققين من العلماء، ولكنها على فترات يتراوح ما يقرأُ منها في اليوم ما بين خمسة وعشرة غالبًا. 3- بعد صلاة الظهر ويدرس فيه: زاد المستقنع بشرحه الروض المربع، بلوغ المرام. 4- بعد صلاة العصر ويدرس فيه كتاب التوحيد وشرحه وقد يقرأُ في مسند الإمام أَحمد أَو مسند ابن أَبي شيبه والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح أَو نحوها. وقد استمر يزاول التدريس بنشاط لا يفتر وهمة لا تكل إحدى وأربعين عامًا من عام 1339هـ - 1380هـ. طريقته في التدريس كان رحمه الله يعطي مجالس العلم حقها من الاحترام والتقدير ويحرص على إيصال الفائدة إلى قرارة قلوب الطلاب معنيًا بتثبيتها حتى إنه ليكاد يغني بشرحه عن مطالعة. وكان رحمه الله إذا هم بالجلوس للتدريس توضأَ إن لم يكون على وضوء بعد صلاة، واستقبل القبلة إذا كانت الجلسة في المسجد ويبدأُ شرحه باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، ويمكن تلخيص السمات الظاهرة لطريقته في التدريس في النقاط التالية: 1- يطلب من بعض الطلاب أَن يبدأَ بالبسملة والصلاة والسلام على رسول الله والترحم على المؤلف، ثم يتلوا حفظًا موضوع الدرس إذا كان الكتاب متنًا. ويحرص جدًا على أَن يحفظ جميع الطلاب المنتظمين المتون ولا يرضى بنصف حفظ، ولا ينتقل الطالب من متن إلى متن أَطول منه إلا بعد حفظ الأَول وفهمه، ولذا كان الطالب المجد منهم يتخرج في سبع سنوات. 2- قبل أَن يبدأَ بالشرح يقرأُ هو ما قرأَ الطلاب. 3- يشرع في شرح عبارات المتن بدقة ووضوح. 4- يعرض بعض المسائل ويتكلم عليها. 5- إذا عرض لمسأَلة خلاف ذكر رأْي المؤلف أولاً وأَدلته ثم ذكر رأْي المخالفين كلا على حدة، مع دليله. وكان في ذلك كله يحترم كل ذي رأي من العلماء ولا يذكره بما يسوء، وكان يرجح ما يراه معتمدًا في ذلك على الدليل وأَقوال المحققين، ولم يكن يعرض من الخلاف إلا ما كان ذا جدوى. وقد يصحح أَحد القولين بدون سرد الأَدلة لقصر الوقت أو نظرًا لحال الطالب. 6- كان يلتزم بالموضوع ولا يستطرد إلى مسائل خارجة عنه. 7- كان إذا فرغ من الدرس تلقى أَسئلة الطلاب وأَجاب. وقد يثير هو بعض الإشكالات ليقدح أَذهان الطلاب. 8- يختبر الطلاب فيما شرح لهم في بعض الأَحيان بإِلقاء الأَسئلة عليهم ويعربون متن الأَلفية وشواهدها. 9- فيما يتعلق بالعقائد لم يكن يحرص على ذكر آراء أَهل البدع والإِشراك فإِذا وجد ضرورة لذلك أَو كان المؤلف ذكرها فإِنه يتكلم عليها بتوسع ويشتد في الرد عليهم دون إِفراط. 10- وبالنسبة لقراءة المطولات لم يكن يشرحها عبارة عبارة وإِنما كان يقف عند المهم منها أَو ما يسأَل عنه أَحد الحاضرين. 11- يلزم اللغة العربية في جميع مجالسه العامة. 12- يلتزم الهدوء أَثناء شرحه للمتون أَو تعليقه على المطولات فلا تراه يلتفت أو يشير بيد أو يعبث بشيء. 13- لم يكن يسمح بإِثارة الأَسئلة التافهة أَو الدخول في مناقشات عقيمة. أخلاقه: لم يصل رحمه الله إلى ما وصل إليه من مكانة في قلوب الناس بمجرد المصادفة ولكن مرد ذلك إلى توفيق الله عز وجل أولاً، ثم إلى ما كان يتحلى به من أَخلاق فذة التزم بها وحافظ عليها طوال أَيامه. ولا بأس من الإشارة إلى بعض ما نعرفه عنه من الأَخلاق الحميدة فمن ذلك: 1- الحافظة النادرة التي كانت أَقوى سبب في تحصيل ثروة علمية واسعة بنيت على محفوظاته التي علقت بذاكرته أَثناء تعلمه ومطالعاته أَثناء تدريسه، فكانت الأَساس القوي لمقدرته على استنباط الأحكام ومعرفة الأَدلة التي تبني عليها. وقد مر بنا أَنه حفظ بلوغ المرام وزاد المستقنع وغيرهما مما مر ذكره في فصلي شيوخه بالتدريس. ونزيد هنا أَنه كان يحفظ كثيرًا من القصائد وكان يصف وهو في أُخريات أَيامه مشاهداته قبل أَن يكف بصره وأَنت على علم أَنه فقد بصره في السادسة عشرة من عمره، وكان يحفظ المتن للقراءة الثالثة وربما الثانية، وكانت المعاملة الطويلة التي تبلغ ثلاثمائة صفحة تقرأُ عليه ثم يملي ما يرى مستحضرًا كل ما مر فيها من الجزئيات، ولم يكن غريبًا منه أَن يدل القارئين على مواضع الأَبحاث في كتبها ذاكرًا رقم الصفحة أَحيانًا ومثل ذلك لا يكون إلا لمن أَتاه الله ذاكرة واعية. 2- وقد رزق من الذكاء ما مكنه من إدراك محفوظاته العلمية عن فهم وبصيرة، وكان يدرك حقيقة ما يعرض عليه من المشكلات فيكشف ما وراءها من الدوافع ببصيرته الفذة ولم يكن ينطلي عليه كيد أَو احتيال. وحياته كلها أَمثلة من هذا النوع لسنا في حاجة إلى الدخول في ضرب الأَمثال لها فأَكثر العارفين به يدركون ذلك ولكن الذي لا يعرفه كثير من الناس أَنه رحمه الله كان يدرك تقدير الوقت بالساعة لا يكاد يخطيء الحقيقة في بضع دقائق مع العلم بأَنه لم يستعمل الساعة في حياته. 3- وكان يطيل التأَمل والتعمق ويبعد النظر فيما يعرض عليه من القضايا التي تجد تباعًا ولم يكن يتعجل الأَمر حتى يمعن في الدرس والتأَمل والنظر في عواقب الأمور فكان يصل بعد ذلك إلى الاستنتاج الدقيق الذي لا يكاد يختلف ولا يخالفه فيه ذو نصف والأَمثلة في هذا المقام كثيرة لكن أَسوق منها مثالين: أحدهما أَنه سئل عن افتتاح حمام فني فكتب ما نصه: (لا أرى فتح مثل هذا الحمام في هذا البلد لأَن الضرر سيكون أكبر من النفع، ومثل هذه الأَشياء تكون عادة وسيلة لفساد لم يخطر على بال الذي أَسسها، ومهما حرصت الآن على مراعاة الآداب الشرعية والأَخلاقية فإنك لن تستطيع ذلك في المستقبل بعد فتح هذا الباب). ثانيهما أَنه سئل عن إنشاء صندوق لسائقي السيارات فقال في الجواب ما نصه: (إن اقتراح الذين اقترحوا جعل الصندوق مشروعًا خيريًا يحتاج إلى تقييد لأَنه وإن كان طرق الخير مفتوحة أَمام الراغبين إلا أَنه ينبغي معرفة ما وراء ذلك لئلا تكون وسيلة إلى استباحة أَشياء لا تجوز تحت اسم الشيء المسموح). 4- ومن أَخلاقه البارزة الإخلاص في العمل فلم يكن يومًا طالب شهرة ولا باحثًا عن سمعة بل كان عمله كله لله يبتغي ما عنده يجتهد في تحري الحق ويجتهد في الدفاع عن الحق لا يأْخذه في ذلك ضعف ولا يعتريه طمع ولا يعرف عنه أَنه تحدث عن أَعماله على جلالتها وكثرتها. 5- طهارة قلبه فكان لا يحمل ضغينة على من أَساء إليه ولا ينتقم من أَحد ناله بأَذى بل كان ديدنه الصفح والتجاوز بل المحافظة عليهم والدفاع عنهم أَن ينالهم أَحد بما يعرف أَنه باطل. 6- وكان رحمه الله على حظ وافر من الشجاعة وقوة الشكيمة لا يخاف في الله لومة لائم ولا يتردد في إعلان الحق أَيا كان المخاطب به، ودافعه في ذلك مخافة الله وحرصه على أَن يخلص ذمته مما علق به فمكانته ومسئوليته تحتم عليه نبذ التخاذل وكان يكره المتملقين وله في ذلك مواقف حفظها التاريخ. 7- ومن السمات البارزة التي كانت تميزه ما أَتاه الله من هيبة في نفوس الناس وهو أَمر لا يرجع إلى مخافة منه ولكن إلى محبته وإجلاله ومعرفتهم عنه صرامته في الحق يحسب محدثه الحساب الدقيق حتى لا يزل في كلمة أو يخطيء في فكر ومع ذلك فقد كان أنيسًا عند مخالطته أَلوفا لمعاشريه لا يتصف بشيء من الغلظة أو الغضاضة وكان يحسن الفرق بين مجالس الجد والعمل ومجالس الراحة حيث يكون في سفر أو نزهة. 8- وكان يتنزه عن الغيبة والحديث في الآخرين بما يكرهون وعرف بذلك منذ حداثة سنه حتى فارق الدنيا ولم يكن يسمح لأَحد أَن يتحدث في مجالسه بمثالب الآخرين أَو تنقصهم بل كان يقف دون ذلك ويزجر من حاوله. 9- ومما لا يعرفه الكثيرون عنه ما يتصف به رحمه الله من العفة والتورع عن أَخذ ما ليس له أو ما يرى فيه شبهة فكان حريصًا على أَن لا يدخل نفسه في مداخل مشتبهة ولم يعرف انه اشتغل بالبيع أو الشراء لا بالاستقلال ولا بالمشاركة، بل كان مقتصرًا على ما يتقاضاه مقابل عمله بل إنه كان يشغل عدة أَعمال كما هو معروف لا يتقاضى إلا ما كان يأْخذه قبل إحداث هذه الأَعمال ولم يكن يأْخذ انتدابًا مقابل انتقاله إلى مدينة الطائف صيفًا ولم أَعرف عنه أَنه طلب من المسئولين شيئًا يخصه. 10- ومما لا ينكر من أَخلاقه الظاهرة للعيان كراهيته الشديدة للمديح والثناء عليه فما كان يرضى من أحد أن يثني عليه أو يبالغ في مدحه سواء كان ذلك مشافهة أو كتابة. ومن الأَمثلة التي تذكر في هذا المقام ما كتب به إلى أحد الناس ونصه: ملحوظة: كثيرًا ما تكتب في خطاباتك أَلقابًا لا يسوغ ذكرها كقولك شيخ الاسلام ومفتي الأَنام وهذا شيء لا نرضاه. وكتب في مناسبة أَخرى ما نصه: وما ذكرتم في خطابكم من الثناء نود أَن لا نسمعه فنحن نستغفر الله ونتوب إليه من تقصيرنا وضعفنا نسأَله تعالى أَن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه. وكتب لآخر ما نصه: نفيدكم أَنه جاء في خطابكم بعض العبارات مثل قولكم عالم الوجود تلك العبارة التي لا يصدر مثلها إلا عن جاهل. 11- وكان رحمه الله معروفًا بالبذل والسخاء في الحدود التي لا تصل إلى المبالغة المكروهة شرعًا والمؤدية إلى الإسراف وإضاعة الوقت وبالأَخص ما يتعلق بإِكرام العلماء والقضاة وطلاب العلم وذوي رحمه. وكان لا يترك مناسبة مهمة إلا أَقام لها الوليمة الكبيرة ودعاهم. 12- خشيته لله، كان رحمه الله من أَكثر الناس استحضارًا لعظمة الله كثيرًا ما تسمعه يلهج بذكر الله والاستغفار وتغرورق عيناه بالدموع حينما يكون في موقف مناجاة الله أو سمع بعض ما يحرك القلوب، ولقد كان ذلك يتجلى كثيرًا فيما يحييه من الليل بالصلاة التي كان يواضب عليها في إقامته وسفره وقد لا يعرف هذا كثير من الناس الذين لم يتصلوا به وقد صحبته زمنًا طويلاً وهو يقوم ما يقرب من ساعة ونصف آخر الليل لا يترك ذلك. ولا غرو فقد كان رحمه الله يتحرى في جميع تصرفاته وأَخلاقه الظاهرة والباطنة التأَسي بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وسلف هذه الأمة رضوان الله عليهم. الأعمال التي قام بها عرفنا في مناسبات كثيرة مما مضى في هذه الترجمة أَنه رحمه الله باشر العمل منذ وفاة عمه عبدالله رحمه الله، وقد كان العمل الرئيسي الذي شمل أَكثر أَيام حياته هو (التدريس) وقد تحدثنا عنه في فصل خاص لما له من الأَهمية. على أنه صاحب التدريس مهمة أُخرى بدأَت دون تنظيم رسمي وهي (الفتوى) فقد كان يشارك فيها حتى توفي الشيخ سعد بن عتيق ثم استقل بها حتى تحولت بآخرة إلى عمل منظم في دار الإفتاء حيث أُنشئت في عام 1374هـ. وظل رحمه الله يقوم بالفتوى من خلال هذه الدار حتى وافته المنية إلى جانب ما كان يكتبه في هذا الميدان في بيته من فتاوى وردود على بعض الكاتبين في قضايا يرى بثاقب بصيرته أَن السكوت عليها مسئولية أَمام الله. وإلى جانب هذين الأَمرين هناك أَمر ثالث لا يقل خطرًا عنهما وهو (القضاء) فقد كان رحمه الله يقوم بتمييز الأَحكام التي تحتاج إلى نظره وينظر فيما أُحيل إليه من القضايا بأَمر من ولاة الأمور. ولما حول القضاء نظرًا لاتساعه إلى رئاسة أُسندت إليه رئاسته في المنطقتين الوسطى والشرقية في عام 1376هـ ثم ضمت إليه المنطقة الغربية بعد وفاة الشيخ عبدالله بن حسن رحمه الله في عام 1378هـ وقد نصت المادة الحادية عشر من نظام هيئة التمييز أن له رحمه الله حق النظر والبت فيما يختلف فيه القاضي وهيئة التمييز. وإلى جانب ذلك كله ورغم ما كان يحمله إياه من أَعباء فقد تولى (رئاسة المعاهد العلمية والكليات) منذ إنشائها عام 1370هـ. ووكل إليه الإشراف على (مدارس البنات) منذ افتتاحها في عام 1379هـ وكلف برئاسة (الجامعة الإسلامية) في المدينة المنورة عام 1381هـ. وتولى رئاسة ((مجلس القضاء)) الذي شكل في عام 1388هـ وعقد في حياته مرتين. وولي رئاسة (رابطة العالم الإسلامي) منذ إنشائها في عام 1379هـ وإمامة جامع حي دخنه وخطابة المسجد الجامع الكبير المعروف الآن (في ساحة العدل بالرياض). وشكل هيئة تضم كبار العلماء لتكون مرجعًا لبحث ما يحصل من المشاكل العلمية العويصة وتقرير ما يلزم حيالها وللمذاكرة فيما بينهم والتصدي لنشر الدعوة الإسلامية والذود عنها ومحاربة التيارات الجارفة والمباديء الهدامة. وبعبارة عامة فقد كان له رحمه الله الإشراف التام على جميع الشئون الإسلامية داخل المملكة وخارجها مما يتصل بالمملكة العربية السعودية وتعني بتوجيهه. ومثل هذا لا يقوم به العالم العادي ولكن من آتاه الله القوة والجلد وإن ذلك ليدل على ثقة الناس وبخاصة أَولياء الأمور في حصافة عقله وسعة علمه ومقدرته الفذة وحاجتهم إليه في كل ما يعرض لهم من المشكلات. تلاميذه لا أظن أَن من يعرفه رحمه الله يخفى عليه أَمر الذين أَخذوا عنه العلم واستفادوا منه الفائدة الكبرى. ولا أَظن أَن ذلك يخفى على من عرف المدة الطويلة التي قضاها مشتغلاً بالتدريس فقد مر به أَفواج بعد أفواج ينهلون من علمه ويستنيرون بثاقب نظره وقد انتشروا في أَنحاء المملكة السعودية بين عالم وقاض ومدرس وواعظ وخطيب مسجد ومتفرغ من الأَعمال ولا أَظن أَن الحصر قادر على أَن يأْتي على جميع أَسمائهم لذلك فإني أَكتفي بعرض أَسماء طائفة منهم وهم: الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء حاليًا الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم صاحب المؤلفات المشهورة الشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن رشيد رئيس محكمة هيئة التمييز حاليًا الشيخ سعود بن رشود قاضي الرياض سابقًا الشيخ صالح بن غصون عضو هيئة التمييز حاليًا الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم شقيق المترجم الفرضي المشهور الشيخ عبدالملك بن إبراهيم شقيقه رئيس هيئات الأَمر بالمعروف في المنطقة الغربية سابقًا الشيخ عبدالعزيز بن الشيخ محمد نجل سماحته رئيس هيئات الأَمر بالمعروف حاليًا الشيخ إبراهيم بن الشيخ محمد نجل سماحته وزير العدل حاليًا الشيخ عبدالرحمن بن فارس قاضي بمحكمة الرياض حاليًا الشيخ محمد بن مهيزع قاضي بمحكمة الرياض سابقًا الشيخ عبدالرحمن بن هويمل قاضي بمحكمة الرياض سابقًا الشيخ عبدالعزيز بن زاحم قاضي بمحكمة الرياض الشيخ عبدالرحمن بن سحمان قاضي بمحكمة الدلم الشيخ عبدالعزيز بن صالح بن مرشد الأمير محمد بن عبدالعزيز بن سعود آل سعود عضو المجلس الأَعلى للقضاء الشيخ عبدالله بن عقيل عضو الهيئة الدائمة للافتاء الشيخ عبدالله بن غديان مدرس بكلية الشريعة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين مدرس بكلية أُصول الدين الشيخ فهد بن حمين مدرس بكلية الشريعة الشيخ حمود بن عقلاء الشيخ عبدالرحمن بن فريان الشيخ زيد بن عبدالعزيز بن فياض
آثاره لم تكن في حياته رحمه الله فرصة يتفرغ فيها للتأْليف فقد كان إنشغاله بما علمت من الأَعمال التي وصفناها قبل لا تدع فرصة للراحة إذ كان عمله يستمر احياناً إلى الساعة الخامسة ليلاً (بالتوقيت الغروبي) فضلاً عن أَن تدع له فرصة يفرغ فيها ذهنه ويرجع إلى المراجع فيكتب وينشر كما نراه لكثير من أَهل العصر، ولأَنه رحمه الله لم يكن بالشخص الذي يكتب كل ما عن له بل كان كما وصفناه طويل التأَمل شديد المحاسبة لنفسه ومسئوليته تحتم عليه أَن لا يكتب إلا بعد تحر طويل لأَن كلمة منه تعد حجة يتعلق بها العامة والخاصة ومع ذلك فإن حياته لم تخل من كثير من الرسائل والفتاوى التي كتبها في مناسبات مختلفة. على أَن أَجل أَثر من آثاره هذا الأَثر الكبير الذي نقدمه هذا اليوم والمتمثل في فتاواه التي بلغت (عشرة أجزاء) لو لم يكن له أَثر سواها لكفى به فخرًا لم يصل إليه غيره من أَهل عصره. ومما ينبغي التنويه عنه من آثاره أَنه اختار أَلف حديث في أَبواب مختلفة. مرضه الأخير ووفاته في عام 1389هـ نزل به رحمه الله مرض سافر من أَجله إلى لندن للعلاج فأَقام بها أَيامًا ثم عاد دون أَن يكتب له شفاء فلزم البيت وأَخذ المرض يشتد يومًا بعد يوم ولم يثمر ما بذل له من عناية طبية حتى دخل في غيبوبة تامة انتهت به إلى الوفاة في 14-9-1389هـ. وكان طيلة مرضه يكثر من ذكر الله والاستغفار حتى أخذته الغيبوبة. وقد صلي عليه في المسجد الجامع الكبير مع صلاة الظهر أَم الناس فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وحضر الصلاة جمع جم ضاق بهم المسجد على سعته وصلى كثير منهم خارج المسجد وانسدت الطرق بالسيارات والمشاة ولم يكن بين وفاته والصلاة عليه إلا ساعتان وتبعه المصلون إلى مقبرة العود حيث ووري هناك. تغمد الله شيخنا برحمته وسدد خطى خلفائه ونفع بعلومه وجعل عملنا خالصًا لوجهه إنه سميع قريب مجيب. محمد بن عبدالرحمن بن قاسم 22 ربيع الأَول 1399هـ - الرياض |