عقيدة الامام المجدد محمد بن عبد الوهاب ( من الدرر السنية - المجلد الأول - العقائد ص. 29 -35)
قال شيخ الإسلام : العالم الرباني ؛ مجدد الدعوة الإسلامية، والملة الحنيفة ؛ الشيخ : محمد بن عبد الوهاب ؛ أجزل الله له الأجر والثواب ؛ وأسكنه الجنة بغير حساب، لما سأله أهل القصيم عن عقيدته :
بسم الله الرحمن الرحيم
أُُشهد الله ومن حضرني من الملائكة، وأشهدكم : أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة، من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره ؛ ومن الإيمان بالله : الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا أٌلحد في أسمائه وآياته، ولا أكيّف، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه ؛ لأنه تعالى لا سمي له، ولا كفؤ له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه.
فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً، فنزّه نفسه عما وصفه به المخالفون، من أهل التكييف، والتمثيل ؛ وعما نفاه عنه النافون، من أهل التحريف والتعطيل، فقال : (سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين) (الصافات 180-182)
والفرقة الناجية : وسط في باب أفعاله تعالى، بين القدرية والجبرية ؛ وهم وسط في باب وعيد الله، بين المرجئة والوعيدية ؛ وهم وسط، في باب الإيمان والدين، بين الحرورية والمعتزلة ؛ وبين المرجئة والجهمي ؛ وهم وسط : في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض، والخوارج.
وأعتقد : أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود ؛ وأنه تكلم به حقيقةً، وأنزله علي عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأومن : بأن الله فعال لما يريد، ولا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور .
وأعتقد الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد
الموت، فأومن بفتنة القبر ونعيمه، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين، حفاة عراة غرلاً، تدنو منهم الشمس، وتُنصب الموازين، وتُوزن بها أعمال العباد ( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ) (المؤمنون 102-103) وتنشر الدواوين، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله .
وأومن : بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً ؛ وأومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم، يمر به الناس علي قدر أعمالهم.
وأومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول شافع، وأول مشفّع ؛ ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال ؛ ولكنها لا تكون إلا من بعد الأذن والرضى، كما قال تعالى : ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) (الأنبياء 28) ، وقال تعالى : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) (البقرة 255) وقال تعالى : ( وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) النجم 26 وهو : لا يرضى إلا التوحيد ؛ ولا يأذن إلا لأهله وأما المشركون : فليس لهم من الشفاعة نصيب ؛ كما قال تعالى : ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) (المدثر 48) .
(ص32) وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا يفنيان ؛ وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة، كما يرون القمر ليلة البدر، لا يضامون في رؤيته .
وأومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته، ويشهد بنبوته ؛ وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق ؛ ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين ؛ ثم علي المرتضى، ثم بقية العشرة ؛ ثم أهل بدر ؛ ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان ؛ ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم ؛ وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم، وأترضى عنهم، وأستغفر لهم، وأكف عن مساويهم، وأسكت عما شجر بينهم ؛ وأعتقد فضلهم، عملاً بقوله تعالى : ( والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) (الحشر 10) وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء، وأقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار، إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكني أرجو للمحسن، وأخاف علي المسيء، ولا أُكفر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام ؛ وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام : براً كان، أو
فاجرا، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة، والجهاد ماض منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل .
وأرى وجوب السمع والطاعة : لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة، واجتمع عليه الناس، ورضوا به، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته ؛ وحرم الخروج عليه ؛ وأرى هجر أهل البدع، ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر، وأَكِلُ سرائرهم إلى الله ؛ وأعتقد : أن كل محدثه في الدين بدعة.
وأعتقد أن الإيمان : قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وهو : بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إلَه إلا ّ الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وارى وجوب الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة .
فهذه عقيدة وجيزة، حررتها وأنا مشتغل البال، لِتطلَّعوا على ما عندي، والله علي ما نقول وكيل .
ثم لا يخفى عليكم : وأنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم، قد وصلت إليكم، وأنه قبلها وصدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم، والله يعلم أن الرجل افترى عليّ أموراً لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي .
فمنها، قوله : إني مبطل كتب المذاهب الأربعة ؛ وإني أقول : أن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء ؛ وإني أدعي الاجتهاد وإني خارج عن التقليد، وإني أقول إن اختلاف العلماء نقمة ؛ وإني أكفر من توسل بالصالحين ؛ وإني أكفر البوصيري، لقوله : يا أكرم الخلق ؛ وإني أقول : لو أقدر علي هدم قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدمتها؛ ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها، وجعلت لها ميزاباً من خشب ؛ وإني أُحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وإني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما ؛ وإني أكفر من حلف بغير الله ؛ وإني أكفر ابن الفارض، وابن عربي ؛ وإني أحرق دلائل الخيرات، وروض الرياحين، وأسميه روض الشياطين .
جوابي عن هذه المسائل، أن أقول : سبحانك هذا بهتان عظيم ؛ وقبله من بهت محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى بن مريم، ويسب الصالحين، فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب، وقول الزور ؛ قال تعالى : ( إنما بفتري الكذب الذين لا يؤمنون ) [النحل 105] بهتوه صلى الله عليه وسلم بأنه يقول : إن الملائكة، وعيسى، وعزيراً في النار ؛ فأنزل الله في ذلك : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) (الأنبياء 101) .
وأما المسائل الأخر ، وهى : أني أقول لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إلَه إلا ّ الله، وأني أعرف من
يأتني بمعناها، وأني أكفر الناذر إذا أراد بنذره التقرب لغير الله، وأخذ النذر لأجل ذلك، وأن الذبح لغير الله كفر، والذبيحة حرام ؛ فهذه المسائل حق، وأنا قائل بها، ولي عليها دلائل من كلام الله وكلام رسوله، ومن أقول العلماء المتبعين، كالأئمة الأربعة، وإذا سهل الله تعالى : بسطت الجواب عليها في رسالة مستقلة، إن شاء الله تعالى .
ثم اعلموا وتدبروا قوله تعالى : (يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة) (الحجرات 6) "