السؤال: هل من توجيه لأولئك الذين يفتون دون علم؟
نعم، هناك توجيه، واجب أن نوجِّه إخواننا الذين يتسرعون في الفتوى، ونقول لهم: إنَّ الأمر خطير؛ لأنَّ المفتي يعبِّر عن شريعة الله، فهل هو على استعداد إذا لاقى الله -عزَّ وجلَّ- وسأله عما أفتى به عباده، من أين لك الدليل.
إنما المفتي بلا علم ليس عنده دليل، حتى لو أصاب فقد أخطأ؛ لقول الله -تبارك وتعالى-: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾. [الأعراف: 33]
والقول على الله بلا علم يشمل القول عليه في ذاته أو أسماءه أو صفاته أو أحكامه، وقال الله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ [الإسراء: 36].
وقال تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾. [الأنعام: 144].
وفي الحديث: (أجرؤكم على الفُتيا أجرؤكم على النار)[1].
وكان السلف -رحمهم الله- يتدافعون الفُتيا حتى تصل إلى من يتعين عليه الإجابة.
وإني أقول لهؤلاء، الذين يريدون أن يسبقوا إلى السؤدد والإمامة؛ أقول لهم: اصبروا فإنْ كان الله قد أراد بكم خيرًا ورفعه حصلتم ذلك بالعلم، وإن كانت الأخرى فإن جرأتكم على الفُتيا بلا علم لا تزيدكم إلا ذلاً بين العباد وخزيًا يوم الميعاد.
فإني لأعجب من بعض الاخوة الذين أوتوا نصيبًا قليلاً من العلم أن يتصدروا للإفتاء، وكأن الواحد منهم إمام من أئمة السلف! حتى قيل لي عن بعضهم حين أفتى بمسألة شاذة ضعيفة إن الإمام أحمد بن حنبل يقول سوى ذلك؛ فقال هذا المفتي لمن أورد عليه هذا الإيراد: ومن أحمد بن حنبل؟! أليس رجلا؟! إنه رجل وإنا نحن رجال!
ولم يعلم الفرق بين رجولته التي ادعاها ورجولة الإمام احمد إمام أهل السنة! -رحمه الله- وأنا لست أقول إن الإمام أحمد قوله حجة؛ لكن لا شك أن قوله أقرب إلى الصواب من قول هذا المفتي الذي سلك بُنيَّات الطريق. والله أعلم بالنيات.
---------------------------------------
[1] رواه الدارمي، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة: 1814.
الانتقاء من درر فتاوى العلماء
من فتاوى نور على الدرب