حجاب المرأة المسلمة و لباسها في الصلاة لشيخ الإسلام ابن تيمية وفيها كلام نفيس حول حكم النظر إلى المرأة الأجنبية
1 ) حجاب المرأة ولباسها في الصلاة
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 1 ]
حجاب المرأة
ولباسها
في الصلاة
تأليف : شيخ الإسلام ابن تيمية
حققه وقدم له وخرج أحاديثه وعلق عليه
محمد ناصر الدين الألباني
المكتب الإسلامي - بيروت ط 5 / 1403 ه - 1983 م
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 5 ]
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
أما بعد فهذه هي الطبعة الثانية لرسالة شيخ الإسلام ابن تيمية رجمه الله تعالى في " اللباس في الصلاة " يقوم بإعادة طبعها الأستاذ الفاضل الأخ زهير الشاويش الدائب على نشر الكتب النافعة التي ملؤها الثقافة الإسلامية الصافية وبخاصة منها كتب الحديث وتأليفات شيخي الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية ومن تخطى بخطاهما وسار بسيرهما مثل مجدد دعوة التوحيد في بلاد نجد وما حولها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره رحمه الله تعالى
[ 5 ]
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 6 ]
رسالة شيخ الإسلام هذه هي من رسائله العظيمة حقا فإنها على لطافة حجمها قد لا يجد الطالب الكثير منه في الموسوعات الفقهية وموضوعها في اللباس الواجب على كل من الرجل والمرأة في الصلاة فقد أهبت فيها بالأدلة القاطعة أن هذا اللباس ليس هو اللباس يستر به الرجل عورته خارج الصلاة فقط بل إنه يجب عليه شيء آخر وهو ستر المنكبين أيضا وهذا لحق الصلاة وحرمتها لا لأنها من العورة واستدل لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء " وبأحاديث أخرى ( ص 12 - 13 ) . وهذه مسألة هامة طالما غفل عنها جماهير المصلين الذين يصلون في قميص ( الشيال ) الذي لا يستر المنكبين إلا خطا دقيقا منهما غافلين عن قول الله تعالى : ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) . وما أحسن ما ذكر المؤلف ( ص 17 ) " إن ابن عمر رضي الله عنه قال لغلامه نافع لما رآه يصلي حاسر الرأس : أرأيت لو خرجت إلى الناس كنت تخرج هكذا ؟ قال : لا قال : فالله أحق من يتجمل له " والجملة الأخيرة قد جاءت مرفوعة في بعض الطرق عن ابن عمر ولفظها في رواية للبيهقي " إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله أحق من تزين له " ( 1 )
وسبب الغفلة المذكورة عن هذا الأدب الواجب في الصلاة يعود في رأيي إلى أمرين :
_________
( 1 ) انظر " صحيح أبي داود " ( 645 )
[ 6 ]
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 7 ]
الأول : ظن الكثيرين أن الواجب من اللباس في الصلاة إنما هو ما ستر العورة فقط . وهذا الحصر مع أنه مما لا دليل عليه مطلقا فهو مخالفة صريحة للنصوص المتقدمة ولا سيما الحديث الأول فإنه يدل على بطلان الصلاة إذا لم يكن على عاتقيه من ثوب شيء . وهو مذهب الحنابلة ( 1 ) وهو الحق الذي لا ريب فيه
والآخر : جمودهم على التقليد الأعمى فقد يقرؤون أو يسمعون بلك النصوص ولكنهم يتأثرون بها ولا يتخذونها لهم نذهبا لأن المذهب الذي نشأوا عليه يحول بينهم وبين الاهتداء بها ولذلك فالسنة في جانب وهم في جانب كما هو شأنهم في هذه المسألة إلا من عصم الله وقليل ما هم فجزى الله شيخ الإسلام خيرا الذي نهد لهم السبيل في هذه الرسالة المباركة ليتعرفوا على كثير من الحقائق التي غفلوا عنها ومنها هذه . ومن ذلك أنه إذ كان لا يجوز له أن يصلي مكشوف الفخذين سواء قيل : هما عورة أولا ؟ ( ص 16 ) وهذا من فقهه الدقيق رحمه الله تعالى
هذا في لباس الرجل في الصلاة وأما المرأة فقد بين الشيخ رحمه الله أنها وإن كان يجب عليها الجلباب إذا خرجت من بيتها
_________
( 1 ) انظر " منار السبيل " ( 1 / 74 - طبع المكتب الإسلامي ) وحاشية الشيخ سليمان رحمه الله على " المقنع " ( 1 / 116 )
[ 7 ]
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 8 ]
فإنه لا بجب عليها الجلباب إذا صلت في بيتها وإنما يجب عليها الخمار والقميص الذي يستر ظاهر القدمين فهي إذا سجدت قد يبدو باطن قدمها . كذلك يجوز لها أن تكشف عن وجهها وكفيها مع كونهما من العورة خارج الصلاة في اختياره . ( انظر ص 13 - 15 ) ( 1 ) . وعلى العكس من ذلك فإن المرأة لو صلت وحدها كانت مأمورة بالاختمار بينما هي في غير الصلاة يجوز لها كشف رأسها في بيتها وعند ذوي محارمها وحينئذ فقد يستر المصلي في الصلاة ما يجوز ابتداؤه في غير الصلاة وقد يبدو في الصلاة ما يستره عن الرجال ( ص 12 و 13 ) . وهذا أيضا من دقائق المسائل التي تولى شيخ الإسلام رحمه الله شرحها وبيانها جزاه الله عن الإسلام خيرا
ومن ذلك أنه مع تقريره أن الحجاب مختص بالحرائر دون
_________
( 1 ) واختار جمهور العلماء أبو حنيفة ومالك والشافعي وكذا أحمد في رواية ذكرها المصنف نفسه ( ص 24 ) أن وجهها وكفيها ليس بعورة وهو الذي نصرته في كتابي حجاب المرأة المسلمة واستدللت له بالكتاب والسنة والآيار عن نساء السلف بما قد لا يوجد عموما في كتاب آخر وليس معنى ذلك أنه لا يشرع سترها كلا بل ذلك هو الأفضل كما فصلته في فصل خاص عقدته في الكتاب المذكور تحت عنوان " مشروعية ستر الوجه " ( ص 47 - 53 ) من الطبعة الثالثة فمن نسب إلى ممن حاول الرد علي في هذه المسألة فلم يفلح - أنني قلت أو قال كدت أقول : بوجوب كشف المرأة لوجهها فقد كذب وافترى كما يشهد بذلك الفضل المشار إليه آنفا
[ 8 ]
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 9 ]
الإماء وأن الأمة يظهر منها رأسها وشعرها ( ص 26 ) فإنه يعود ليناقش المسألة على ضوء بعض القواعد الإسلامية العامة التي منها " درء المفاسد قبل جلب المصالح " فلا يدع المسألة على إطلاقها المستلزم جواز بروز الأمة الحسناء أيضا بشعرها فيقول بعد توطئة مفيدة :
وكذلك الأمة إذا كان يخاف منها الفتنة كان عليها أن تحتجب
( ص 27 ) . ثم يؤكد ذلك فيقول :
فلو أراد الرجل أن يترك الإماء التركيات الحسان يمشين بين الناس في مثل هذه البلاد والأوقات كما كان أولئك الإماء يمشين كان هذا من باب الفساد
أقول : وعلى هذا فمذهب ابن تيمية وسط بين الجمهور الذين لا يوجبون الخمار على الأمة مطلقا وبين ابن حزم غير الذين يوجبون ذلك عليها . مطلقا ومن الواضح أنه إنما ذهب ابن تيمية إلى ذلك توفيقا بين بعض الآثار التي تدل لمذهب الجمهور ( انظر ص 26 ، 33 ) وبين القاعدة المشار إليها آنفا . وهذا المذهب وإن كان أقرب إلى الصواب من مذهب الجمهور الذي كنا استدللنا على رده في كتاب " حجاب المرأة المسلمة " ( ص 42 - 46 ) . فلا يزال في النفس منه شيء لأن تقدير الجمال المترتب عليه خوف الفساد أمر نسبي وكم من أمة سوداء تكون جميلة الأعضاء والتكوين بحيث يفتتن بها البيض ثم إنها قد لا تكون كذلك عند هؤلاء ولكنها جميلة عند بين جنسها من السود . فالأمر غير منضبط . والله أعلم
[ 9 ]
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 10 ]
ومن ذلك أنه رجح مذهب الشافعي وأحمد أن النظر إلى وجه الأجنبية من غير حاجة لا يجوز وإن كانت الشهوة منتفية لأنه يخاف ثورانها وقال ( ص 34 ) :
ولهذا حرم الخلوة بالأجنبية لأنها مظنة الفتنة والأصل أن ما كان سببا للفتنة فإنه لا يجوز فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة ولهذا كان النظر الذي قد يفضي إلى الفتنة محرما
أقول : ولو أن العلماء قديما والكتاب حديثا راعوا هذا الأصل الذي ذكره : " ما كان سببا للفتنة فإنه لا يجوز " وجعله دليلا مرجح لتحريم النظر المذكور لما تورطوا في إصدار بعض الفتاوى التي لا يشك المتفقه في أصول الشريعة وفروعها أنها تؤدي إلى مفاسد ظاهرة كقول بعض الحنفية :
يجوز للأجنبي النظر إلى شعر الأمة وذراعها وساقها وصدرها وثدييها
( 1 ) . وقول البعض :
_________
( 1 ) انظر : " أحكام القرآن " لأبي بكر الجصاص الحنفي ( 3 / 390 ) وكتابي " حجاب المرأة " ( ص 44 ) فإن فيه ردا على القول المذكور ومع ذلك لم ننج من أن يتهمنا بعض الحنفية أنفسهم بأني أبيح النظر إلى وجه المرأة وأخشى ما أخشاه أي يكون ذلك على قول المثل : رمتني بدائها وانسلت
[ 10 ]
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 11 ]
" يجوز النظر إلى المرأة الأجنبية وعورتها من المرآة "
وعلل ذلك بعضهم بأنه إنما ينظر إلى خيال وتبنى ذلك اليوم - مع الأسف - أحد الأحزاب الإسلامية الذي يأخذ من كل مذهب ما يناسب المصلحة بزعمه ولم يقف عند هذا فحسب بل إنه جعله كالنص المعصوم فرتب عليه ما هو أشد إفسادا من الأول لأنه أمس بحياة شبابنا اليوم وواقعهم وهو جواز النظر إلى الصور الخلاعية في التلفزيون والسينما والمجلات معللا ذلك بما تقدم أنه إنما ينظر إلى خيال وكل ذي عقل ولب حتى ولو كان غير مسلم يعلم يقينا أن هذه الصور من أشد الأنواع المثيرة لشهوة الشباب وغرائزهم بحيث أنهم لا يجدون بعد ذلك سبيلا إلى إطفائها إلا بارتكاب المحرم نصا ولو كان تحريمه من باب سد الذريعة كالنظر والسمع ونحوهما مما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله " . . . . وزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه " أخرجه الشيخان وغيرهما ( 1 )
وليس هذا فقط فقد أصدر نشرة منذ عهد غير بعيد ذهب فيها إلى التصريح بجواز تقبيل المرأة الأجنبية عند السلام عليها
_________
( 1 ) وقد خرجته في " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للشيخ ابن ضويان " ( 1787 )
[ 11 ]
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 12 ]
ولكن بدون شهوة وقد قلنا وقال غيرنا لبعض أولئك الحزبيين : افترض أن يفعل ذلك بأختك وزوجتك ؟ فوجم
ولهم من مثل هذه المسائل البعيدة عن الكتاب والسنة بل العقل السليم الشيء الكثير لا مجال الآن للتوسع فيه وإنما استطردنا إلى ما ذكرنا من شواذهم وانحرافهم عن العلم الصحيح لنقول :
يجب على هؤلاء وغيرهم ممن يهمهم أن يكونوا على معرفة بالعلم الصحيح المستنبط من الكتاب والسنة استنباطا قائما على العلم بالقواعد الأصولية وحسن تطبيق لها على الفروع أن يجعلوا دينهم - بعد دراسة الكتاب والسنة - مطالعة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ومنها هذه الرسالة المباركة - وبذلك يتمرنون على الاستنباط الصحيح والتفريح الرجيح وينجون من الإتيان باجتهادات وآراء لا يقول بها أحد ممن يعقل ما ينطق به لسانه أو يجري به قلمه من مثل ما تقدم بيانه
تلك هي بعض المسائل التي جاءت في طي هذه الرسالة القيمة وفيها مسائل وفوائد أخرى ستمر بالقارئ إن شاء الله تعالى وبمجموعها كانت الرسالة فريدة في بابها لا مثيل لها بين أترابها فإن غالبها ما تفردت به عن مثيلاتها ككتاب " الحجاب " للعلامة المودودي وكتابي " حجاب المرأة المسلمة " وغيرهما فليعض عليها بالنواجذ وليحمد الله تعالى أن جعله من قراء كتب ابن تيمية المستفيدين منها فإنه هو ( العارف بالله ) حقا ومن نحا نحوه
[ 12 ]
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 13 ]
ونحن إذ نشهد له بهذا لا ندعي له العصمة كيف وقد أبدينا بعض الملاحظات على مواطن معدودة قليلة من الرسالة مصداقا لقول الإمام مالك رحمه الله تعالى : " ما منا من أحد إلا ورد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي عن غيره أيضا ( 1 ) وذلك مما لا يحط من قدره أو قدر رسالته بلا ريب بل إن ذلك ليرفع من قيمتها للقلة المشار إليها على حد قول الشاعر :
كفى المرء نبلا أن تعد معايبه
بل لا عيب عليه في ذلك مطلقا فإنه مجتهد مأجور إما أجرين وهو الأكثر بفضل الله أو أجرا واحدا
هذا وقد كانت الرسالة طبعت سابقا تحت عنوان " حجاب المرأة ولباسها في الصلاة وغيرها " ولولا أن ثمة بعض الموانع منها اشتهارها بالاسم المذكور لرأيت أن نجعل عنوانها :
لباس الرجل والمرأة في الصلاة
لأنه هو الموضوع الذي اختصت به الرسالة ودندن المؤلف حوله وجاء بما يعز وجوده من الفوائد والفقه الصحيح
وقد زدت في التعليق عليها بعض الفوائد العلمية والحديثية مما
_________
( 1 ) انظر : " صفة الصلاة " ( ص 28 - الطبعة السابعة )
[ 13 ]
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 14 ]
كان فاتني في الطبعة السابقة وبذلك ازدادت الفائدة بهذه الطبعة على سابقتها فالحمد لله الذي يسر لنا ذلك ووفق الأستاذ الأخ أبو بكر زهير الشاويش لطبعها من جديد في هذا الثوب القشيب
نسأل الله تعالى أن يجعل عملنا خالصا لوجهه وأن ينفع به المسلمين . وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
دمشق في 7 رمضان سنة 1393
وكتبه
محمد ناصر الدين الألباني
[ 14 ]
9 - ؤفصل في " اللباس في الصلاة "
وقال شيخ الإسلام رحمه الله فصل في " اللباس في الصلاة " وهو أخذ الزينة عند كل مسجد : الذي يسميه الفقهاء : ( باب ستر العورة في الصلاة ) فإن طائفة من الفقهاء ظنوا أن الذي يستر في الصلاة هو الذي يستر عن أعين الناظرين وهو العورة وأخذ ما يستر في الصلاة من قوله : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن } ثم قال { ولا يبدين زينتهن } يعني الباطنة { إلا لبعولتهن } ( 1 ) الآية
فقالوا : يجوز لها في الصلاة أن تبدي الزينة الظاهرة دون الباطنة
والسلف قد تنازعوا في الزينة الظاهرة على قولين :
1 - فقال : ابن مسعود ومن وافقه هي الثياب
2 - وقال ابن عباس ومن وافقه : هو ما في الوجه واليدين
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 15 ]
( 1 ) سورة النور : الآية 31 ، وتمامها : " أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بين إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون "
[ 15 ]
مثل الكحل والخاتم
وعلى هذين القولين تنازع الفقهاء في النظر إلى المرأة الأجنبية
فقيل : يجوز النظر لغير شهوة إلى وجهها ويديها وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وقول في مذهب أحمد
وقيل : لا يجوز وهو ظاهر مذهب أحمد قال : كل شيء منها عورة حتى ظفرها وهو قول مالك
وحقيقة الأمر : أن الله جعل الزينة زينتين : زينة ظاهرة وزينة غير ظاهرة وجوز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوي المحارم وأما الباطنة فلا تبديها إلا للزوج وذوي المحارم
وكانوا قبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن بلا جلباب يرى الرجل وجهها ويديها وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين وكان حينئذ يجوز النظر إليها لأنه يجوز لها إظهاره . ( 1 )
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 16 ]
قلت : ظاهر هذا الكلام مع الذي بعده أن الآية نزلت في ستر الوجه واليدين خاصة وقد اغتر بذلك العلامة المودودي فقال في كتاب " الحجاب " ( ص 366 ) بعد أن ساق آية الأحزاب :
نزلت خاصة في ستر الوجه
وقد ذكرت ما يمكن أن يكون مستنده في ذلك وهو مستند ضعيف أيضا في كتابي " حجاب المرأة المسلمة " وبينت فيه أن إسناده ضعيف جدا فراجعه ( ص 41 )
[ 16 ]
ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب بقوله : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن } ( 1 ) حجب النساء عن الرجال
وكان ذلك لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ( 2 ) فأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الستر ومنع أنسا أن ينظر
ولما اصطفى صفية بنت حيي بعد ذلك عام خيبر قالوا : إن حجبها ( 3 ) فهي من أمهات المؤمنين . وإلا فهي مما ملكت يمينه
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 17 ]
( 1 ) الأحزاب : 59
( 2 ) قلت : هذا الكلام غير منسجم مع الذي قبله فإن الآية التي نزلت لما توزج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ليست هي الآية المتقدمة وإنما هي قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب . . . ) ( الآية 54 - الأحزاب )
فهذه الآية هي التي نزلت حين تزوج صلى الله عليه وسلم بزينب كما صرحت بذلك الأحاديث الصحيحة عند البخاري ومسلم وغيرهما انظر " تفسير ابن كثير " و " الدر المنثور " وغيرهما وكتابي " حجاب المرأة المسلمة " ( ص 48 ) طبع المكتب الإسلامي فلعلها سقطت من قلم المؤلف أو الناسخ وهو الأقرب
( 3 ) أي وجهها كما في بعض الطرق . ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحجب نساءه الحرائر في وجوههن أيضا وهذا هو الأفضل كما فصل ذلك في " الحجاب " ( ص 50 ) بخلاف إمائه صلى الله عليه وسلم فإن الحديث يدل على أنه كان لا يحجبهن في وجوههن وأما أن الحديث يدل على أن السنة في الإماء أن لا يسترن رؤوسهن ونحورهن بالجلباب أو الخمار على الأقل فلا كما بينته في الكتاب المذكور ( ص 44 - 45 ) . والحديث متفق عليه وترى تخريجه فيه ( ص 46 )
[ 17 ]
فحجبها فلما ( 1 ) أمر الله أن لا يسألن إلا من وراء حجاب وأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن
و " الجلباب " هو الملاءة وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره : الرداء وتسميه العامة الإزار وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها
وقد حكى عبيدة وغيره : أنها تدنيه من فوق رأسها فلا تظهر إلا عينها ومن جنسه النقاب فكن النساء ينتقبن
وفي الصحيح : ( أن المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين ) فإذا كن مأمورات بالجلباب لئلا يعرفن ( 2 ) وهو ستر الوجه
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 18 ]
( 1 ) كذا ولعل الصواب ( فلهذا )
( 2 ) الآية تقول : ( ذلك أدنى أدنى أن يعرفن ) وتقدير ( لا ) فيها خلاف الأصل ولا مبرر له فإن المعنى بدونها مستقيم قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : أي إذا فعلن ذلك عرفن أنهن حرائر لسن بإمام ولا عواهر . ومحوه في " تفسير ابن جرير " . وعليه فقوله " وهو ستر الوجه " مما لا وجه له وكذا ما بعده . نعم حديث " الصحيح " يدل على أن الانتقاب كان معروفا لكنه لا يدل على وجوبه ولا على أنه المقصود بالآية
[ 18 ]
أو ستر الوجه بالنقاب : كان حينئذ الوجه واليدان من الزينة التي أمرت ألا تظهرها للأجانب فما بقي يحل للأجانب النظر إلا الثياب الظاهرة فابن مسعود ذكر آخر الأمرين وابن عباس ذكر أول الأمرين ( 1 )
وعلى هذا فقوله : { أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن } ( 2 ) يدل على أن لها أن تبدي الزينة الباطنة لمملوكها . وفيه قولان :
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 19 ]
( 1 ) كذا قال المؤلف رحمه الله تعالى وهو يعني أن ابن مسعود لما ذكر في تفسير الزينة الظاهرة أنها الثياب كما تقدم قريبا إنما ذكر ما استقر عليه الأمر وابن عباس لما ذكر في تفسيرها أنها الوجه واليدين ذكر ما كان عليه الأمر قبل ذلك وهذا بعيد فإن كلا من الصحابيين الجليلين قال ما قال في تفسير الآية المشار إليها ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) . وهي تعني قطعا الأمر الذي استقر أخيرا حكم الشرع عليه غاية ما في الأمر أنهما اختلفا في تفسير هذا الأمر ذاته فكيف يصح أن يقال : فابن مسعود ذكر آخر الأمرين وابن عباس أوله . ولذلك ذهب بعض السلف إلى الجمع بين قوليهما فقال ابن جرير في تفسيره ( 18 / 94 ) بعد أخرجه ساق القولين بأسانيده إليهما :
وقال آخرون عني به الوجه والثياب ذكر من ذكر ذلك
ثم روى بإسنادين صحيحين له عن الحسن البصري أنه قال : " إلا ما ظهر منها " قال : " الوجه والثياب "
ثم اختار هو أن المراد به الوجه والكفان وفيه نظر من حيث الأسلوب القرآني بينته في " الحجاب " وقد وافقته على اختياره من الناحية الفقهية فراجعه ( ص 17 - 24 )
( 2 ) سورة النور الآية : 31
[ 19 ]
1 - قيل المراد الإماء والإماء الكتابيات كما قاله ابن المسيب ورجحه أحمد وغيره
2 - وقيل : هو المملوك الرجل : كما قاله ابن عباس وغيره وهذا مذهب الشافعي وغيره وهو الرواية الأخرى عن أحمد فهذا يقتضي جواز نظر العبد إلى مولاته
وقد جاءت بذلك أحاديث ( 1 ) وهذا لأجل الحاجة لأنها محتاجة إلى مخاطبة عبدها أكثر من حاجتها إلى رؤية الشاهد والعامل والخاطب
فإذا جاز نظر أولئك فنظر العبد أولى وليس في هذا ما يوجب أن يكون محرما يسافر بها كغير أولي الإربة فإنهم يجوز لهم النظر وليسوا محارم يسافرون بها
فليس كل من جاز له النظر جاز له السفر بها ولا الخلوة بها بل عبدها ينظر إليها للحاجة وإن كان لا يخلو بها ولا يسافر بها فإنه لم يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تسافر المرأة إلا مع زوج أو ذي محرم " فإنه يجوز له أن يتزوجها إذا عتق كما يجوز لزوج أختها أن يتزوجها إذا طلق أختها
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 20 ]
( 1 ) قلت : ذكرت بعضها في التعقيب على كتاب الحجاب للعلامة المودودي وهو مطبوع في آخر كتابه المذكور
( 2 ) متفق عليه من حديث ابن عباس وغيره . وهو مخرج في " إرواء الغليل " ( 995 ) و " الصحيحة " ( 2421 )
[ 20 ]
والمحرم : من تحرم عليه على التأبيد ولهذا قال ابن عمر : سفر المرأة مع عبدها ضيعة ( 1 )
فالآية رخصت في إبداء الزينة لذوي المحارم وغيرهم وحديث السفر ليس فيه إلا ذوو المحارم وذكر في الآية { نساءهن أو ما ملكت أيمانهن وغير أولي الإربة } ( 2 ) وهي لا تسافر معهم
وقوله : { أو نسائهن } قال : احتراز عن النساء المشركات فلا تكون المشركة قابلة للمسلمة ولا تدخل معهن الحمام ( 3 )
لكن قد كن النسوة اليهوديات يدخلن على عائشة وغيرها فيرين وجهها ويديها بخلاف الرجال فيكون هذا في الزينة الظاهرة في حق النساء الذميات وليس للذميات أن يطلعن على
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 21 ]
( 1 ) قلت : وروي عن ابن عباس مرفوعا ولا يصح كما بينته في " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " ( 3701 )
( 2 ) سورة النور : الآية : 31
( 3 ) قلت : وهذا التفسير ل ( نسائهن ) وأنهن النساء المسلمات دون الكافرات هو الصواب الذي لم يرو غيره عن السلف كما تراه في " الدر المنثور " و " تفسير ابن جرير " و " زاد المسير " لابن الجوزي ( 6 / 32 - طبع المكتب الإسلامي ) و " ابن كثير " . وأما تفسير بعض أفاضل المعاصرين بأنهن الصالحات الأخلاق من النساء سواء كن مسلمات أم كافرات فإنه تفسير محدث لمخالفته لتفسير السلف مع كونه غير متبادر من إضافته تعالى النساء إلى المسلمات من حيث الأسلوب العربي . فتأمل
[ 21 ]
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 22 ]
الزينة الباطنة ويكون الظهور والبطون بحسب ما يجوز لها إظهاره
ولهذا كان أقاربها تبدي لهن الباطنة وللزوج خاصة ليست للأقارب
وقوله : { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } دليل على أنها تغطي العنق فيكون من الباطن لا الظاهر ما فيه من القلادة وغيرها
[ 22 ]
فصل في ستر النساء والرجال
فهذا ستر النساء عن الرجال وستر الرجال عن الرجال والنساء عن النساء في العورة الخاصة كما قال صلى الله عليه وسلم : " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة " ( 1 ) وكما قال : " احفظ عورتك إلا عن زوجتك أو ما ملكت يمينك "
قلت : فإذا كان القوم بعضهم في بعض ؟
قال : إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يراها
قلت : فإذا كان أحدنا خاليا ؟
قال : " فالله أحق أن يستحيا منه " ( 2 )
ونهى أن يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد والمرأة إلى المرأة في ثوب واحد
( 3 ) وقال عن الأولاد : " مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " ( 4 )
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 23 ]
( 1 ) أخرجه أحمد ومسلم وغيرهما وهو مخرج في " الإرواء " ( 1808 )
( 2 ) حديث حسن أخرجه أحمد وغيره وهو مخرج في " آداب الزفاف " ( ص 36 )
( 3 ) متفق عليه
( 4 ) صحيح أخرجه أبو داود وغيره من طريقين وهو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 508 و 509 )
[ 23 ]
فهذا نهي عن النظر والمس لعورة النظير لما في ذلك من القبح والفحش وأما الرجال مع النساء فلأجل شهوة النكاح فهذان نوعان
وفي الصلاة نوع ثالث فإن المرأة لو صلت وحدها كانت مأمورة بالاختمار ( 1 ) وفي غير الصلاة يجوز لها كشف رأسها في بيتها فأخذ الزينة في الصلاة لحق الله فليس لأحد أن يطوف بالبيت عريانا ( 2 ) ولو كان وحده بالليل ولا يصلي عريانا ولو كان وحده فعلم أن أخذ الزينة في الصلاة لم يكن ليحتجب عن الناس فهذا نوع وهذا نوع
وحينئذ فقد يستر المصلي في الصلاة ما يجوز إبداؤه في غير الصلاة وقد يبدي في الصلاة ما يستره عن الرجال
فالأول : مثل المنكبين فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل في
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 24 ]
( 1 ) قلت : وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يقبل الله صلاة حائض ( أي بالغة ) إلا بخمار "
وهو حديث صحيح كما يأتي قريبا وهو بعمومه يشمل الإماء أيضا فتخصيص الحديث بالمرأة الحرة كما سيأتي من المؤلف في الصفحة التالية مما لا أعرف له دليلا . بل قد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمولاة لهم : اختمري وقد خرجته في " الحجاب " ( ص 45 ) فهذا يدل على أن الأمة كالحرة في وجوب الاختمار فهو يؤيد العموم المشار إليه
( 2 ) يشير إلى الحديث الآتي ص 15
[ 24 ]
الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء ( 1 ) فهذا لحق الصلاة ويجوز له كشف منكبيه للرجال خارج الصلاة
وكذلك المرأة الحرة ( 2 ) تختمر في الصلاة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " ( 3 ) وهي لا تختمر عند زوجها ولا عند ذوي محارمها فقد جاز لها إبداء الزينة الباطنة لهؤلاء ولا يجوز لها في الصلاة أن تكشف رأسها لهؤلاء ولا لغيرهم
وعكس ذلك : الوجه واليدان والقدمان ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب على أصح القولين بخلاف ما كان قبل النسخ بل لا تبدي إلا الثياب
وأما ستر ذلك في الصلاة فلا يجب باتفاق المسلمين بل يجوز لها كشف الوجه بالإجماع وإن كان من الزينة الباطنة وكذلك اليدان يجوز إبداؤهما في الصلاة عند جمهور العلماء كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما وهو إحدى الروايتين عن أحمد وكذلك القدم
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 25 ]
( 1 ) متفق عليه وهو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 637 ) و " إرواء الغليل " ( 275 )
( 2 ) قلت : تخصيص الاختمار بالحرة لا دليل عليه بل عموم الحديث الآتي ينافيه وانظر التعليق السابق
( 3 ) صحيح أخرجه أبو داود وغيره وهو مخرج في " إرواء الغليل " ( 196 )
[ 25 ]
يجوز إبداؤه عند أبي حنيفة وهو الأقوى فإن عائشة جعلته من الزينة الظاهرة قالت : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } ( 1 ) قالت : " الفتخ " حلق من فضة تكون في أصابع الرجلين ( 2 ) رواه ابن أبي حاتم
فهذا دليل على أن النساء كن يظهرن أقدامهن أولا كما يظهرن الوجه واليدين فإنهن كن يرخين ذيولهن فهي إذا مشت قد يظهر قدمها ولم يكن يمشين في خفاف وأحذية
وتغطية هذا في الصلاة فيه حرج عظيم وأم سلمة قالت : " تصلي المرأة في ثوب سابغ يغطي ظهور قدميها " ( 3 ) فهي إذا سجدت قد يبدو باطن القدم
وبالجملة : قد ثبت بالنص والإجماع أنه ليس عليها في الصلاة أن تلبس الجلباب الذي يسترها إذا كانت في بيتها وإنما ذلك إذا خرجت وحينئذ فتصلي في بيتها وإن بدا وجهها ويداها وقدماها كما كن يمشين أولا قبل الأمر بإدناء الجلابيب عليهن فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طردا ولا عكسا
وابن مسعود رضي الله عنه لما قال : الزينة الظاهرة هي
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 26 ]
( 1 ) سورة النور الآية 31
( 2 ) في " النهاية " : " فتخ تفتحتين جمع فتخة وهي خواتم كبار تلبس في الأيدي وربما وضعت في أصابع الأرجل " ونحوه في " القاموس "
( 3 ) قلت : وروي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح لا مرفوعا ولا موقوفا كما بينته في " ضعيف أبي داود " ( 97 - 98 )
[ 26 ]
الثياب لم يقل إنها كلها عورة حتى ظفرها بل هذا قول أحمد يعني به أنها تستره في الصلاة فإن الفقهاء يسمون ذلك : ( باب ستر العورة ) وليس هذا من ألفاظ الرسول ولا في الكتاب والسنة أن ما يستره المصلي فهو عورة بل قال تعالى : { خذوا زينتكم عند كل مسجد } ( 1 ) ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطوف بالبيت عريانا ( 2 ) فالصلاة أولى
وسئل عن الصلاة في الثوب الواحد فقال : " أو لكلكم ثوبان ؟ " ( 3 ) وقال في الثوب الواحد : " إن كان واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به " ( 4 ) ونهى أن يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء ( 5 )
فهذا دليل على أنه يؤمر في الصلاة بستر العورة : الفخذ وغيره وإن جوزنا للرجل النظر إلى ذلك
فإذا قلنا على أحد القولين وهو إحدى الروايتين عن أحمد : أن العورة هي السوءتان وأن الفخذ ليست بعورة فهذا في جواز نظر الرجل إليها ليس هو في الصلاة والطواف فلا يجوز أن
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 27 ]
( 1 ) سورة الأعراف الآية : 31
( 2 ) متفق عليه وهو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 636 و 640 )
( 3 ) متفق عليه
( 4 ) أخرجه البخاري ومسلم بنحوه وهو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 644 )
( 5 ) صحيح وتقدم ص 13
[ 27 ]
يصلي الرجل مكشوف الفخذين سواء قيل هما عورة أو لا ولا يطوف عريانا بل عليه أن يصلي في ثوب واحد ولا بد من ذلك إن كان ضيقا اتزر به وإن كان واسعا التحف به كما أنه لو صلى وحده في بيت كان عليه تغطية ذلك باتفاق العلماء
وأما صلاة الرجل بادي الفخذين مع القدرة على الإزار فهذا لا يجوز ( 1 ) ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف ومن بنى هذا على الروايتين في العورة كما فعله طائفة فقد غلطوا ولم يقل أحمد ولا غيره : أن المصلي يصلي على هذه الحال كيف وأحمد يأمره بستر المنكبين ؟ فكيف يبيح له كشف الفخذ ؟ فهذا هذا
وقد اختلف في وجوب ستر العورة إذا كان الرجل خاليا ولم يختلف في أنه في الصلاة لا بد من اللباس وأنه لا تجوز الصلاة عريانا مع القدرة على اللباس باتفاق العلماء ولهذا جوز أحمد وغيره للعراة أن يصلوا قعودا ويكون إمامهم وسطهم بخلاف خارج الصلاة هذا الستر لحرمة الصلاة لا لأجل النظر
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده لما قال : يا رسول الله :
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 28 ]
( 1 ) قلت : وعلى هذا ينبغي أن يؤدب الصبيان فلا يجوز لآبائهم أن يلبسوهم السراويل القصيرة : ( التبان ) وأن يحضروهم المساجد في هذه الحالة . للحديث المتقدم : " مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع . . . " ولا شك أن هذا الأمر يشمل أمرهم بشروط وأركانها أيضا فتنبه ولا تكن من الغافلين
[ 28 ]
فإذا كان أحدنا خاليا ؟ قال : " فالله أحق أن يستحيا منه من الناس " ( 1 )
فإذا كان هذا خارج الصلاة فهو في الصلاة أحق أن يستحيا منه فتؤخذ الزينة لمناجاته سبحانه وتعالى
ولهذا قال ابن عمر لغلامه نافع لما رآه يصلي حاسرا : أرأيت لو خرجت إلى الناس كنت تخرج هكذا ؟ قال : لا قال : فالله أحق من يتجمل له ( 2 )
وفي الحديث الصحيح لما قيل له صلى الله عليه وسلم الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال : " إن الله جميل يحب الجمال " ( 3 )
وهذا كما أمر المصلي بالطهارة والنظافة والطيب فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم : " أن تتخذ المساجد في البيوت وتنظف وتطيب " وعلى هذا فيستتر في الصلاة أبلغ مما يستتر الرجل من الرجل والمرأة من المرأة
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 29 ]
( 1 ) حسن وتقدم ص 11
( 2 ) لم أره بهذا اللفظ فيما وقفت عليه من طرقه وهو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 645 ) دون ذكر الحسر فلعله في بعض المصادر التي لم أطلع عليها
( 3 ) رواه مسلم وغيره وهو مخرج في " الصحيح " ( 1320 و 1626 )
( 4 ) صحيح أخرجه أبو داود وغيره وقد خرجته في " صحيح أبي داود " ( 479 )
[ 29 ]
ولهذا أمرت المرأة أن تختمر في الصلاة وأما وجهها ويداها وقدماها ( 1 ) فهي إنما نهيت عن إبداء ذلك للأجانب لم تنه عن إبدائه للنساء ولا لذوي المحارم
فعلم أنه ليس من جنس عورة الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة التي نهي عنها لأجل الفحش وقبح كشف العورة
بل هذا من مقدمات الفاحشة فكان النهي عن إبدائها نهيا عن مقدمات الفاحشة كما قال في الآية : { ذلكم أزكى لهم } ( 2 ) وقال في آية الحجاب : { ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } ( 3 ) فنهى عن هذا سدا للذريعة لا أنه عورة مطلقة لا في الصلاة ولا غيرها فهذا هذا
وأمر المرأة في الصلاة بتغطية يديها بعيد جدا واليدان يسجدان كما يسجد الوجه ( 4 ) والنساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لهن قمص وكن يصنعن الصنائع والقمص عليهن فتبدي المرأة يديها إذا عجنت وطحنت وخبزت ولو كان ستر اليدين في الصلاة واجبا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك القدمان وإنما أمر بالخمار فقط مع القميص فكن يصلين في قمصهن وخمرهن
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 30 ]
( 1 ) في الأصل " قدمها
( 2 ) سورة النور الآية 30
( 3 ) سورة الأحزاب الآية : 53
( 4 ) وفي ذلك حديث صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما ( انظر صفة الصلاة ص 148 الطبعة السابعة طبع المكتب الإسلامي )
[ 30 ]
وأما الثوب التي كانت المرأة ترخيه وسألت عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " شبرا " فقلن : إذن تبدو سوقهن ؟ فقال : " ذراع لا يزدن عليه " ( 1 )
وقول عمر بن أبي ربيعة :
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول ( 2 )
فهذا كان إذا خرجن من البيوت ولهذا سئل عن المرأة تجر ذيلها على المكان القذر فقال : " يطهره ما بعده " ( 3 )
وأما في نفس البيت فلم تكن تلبس ذلك كما أن الخفاف اتخذها النساء بعد ذلك لستر السوق إذا خرجن وهن لا يلبسنها في البيوت ولهذا قلن : إذن تبدوا سوقهن وكان المقصود تغطية الساق لأن الثوب إذا كان فوق الكعبين بدا الساق عند المشي
وقد روي : " أعروا النساء يلزمن الحجال " ( 4 ) يعني إذا لم يكن لها ما تلبسه في الخروج لزمت البيت
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 31 ]
( 1 ) حديث صحيح رواه أبو داود وغيره انظر " الحجاب " ( ص 36 - 37 ) و " المشكاة " ( 4334 و 4335 )
( 2 ) ديوانه ص ( 498 ) وفيه " المحصنات " مكان " الغانيات "
( 3 ) حديث حسن رواه أبو داود وغيره وهو مخرج في " صحيح أبو داود " ( 407 - 408 )
( 4 ) ضعيف وبيانه في " الأحاديث الضعيفة " ( 2827 )
[ 31 ]
وكن نساء المسلمين يصلين في بيوتهن وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن " ( 1 ) ولم يؤمرن مع القمص إلا بالخمر لم تؤمر بما يغطي رجليها لا خف ولا جورب ولا بما يغطي يديها لا بقفازين ولا غير ذلك
فدل على أنه لا يجب عليها في الصلاة ستر ذلك إذا لم يكن عندها رجال أجانب
وقد روي : { أن الملائكة لا تنظر إلى الزينة الباطنة فإذا وضعت خمارها وقميصها لم ينظر إليها } وروي في ذلك حديث عن خديجة ( 2 )
فهذا القدر للقميص والخمار هو المأمور به لحق الصلاة كما يؤمر الرجل إذا صلى في ثوب واسع أن يلتحف به فيغطي عورته ومنكبيه
والمنكبان في حقه كالرأس في حق المرأة لأنه يصلي في قميص أو ما يقوم مقام القميص وهو في الإحرام لا يلبس على بدنه ما يقدر له كالقميص والجبة كما أن المرأة لا تنتقب ولا تلبس القفازين وأما رأسه فلا يخمره
ووجه المرأة فيه قولان في مذهب أحمد وغيره :
1 - قيل : إنه كرأس الرجل فلا يغطى
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 32 ]
( 1 ) متفق عليه من حديث ابن عمر دون قوله " وبيوتهن خير لهن " فإنه في رواية لأبي داود وغيره وهو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 575 - 576 )
( 2 ) ولا يصح كما أشار إلى ذلك المؤلف رحمه الله بقوله : " روي . . . "
[ 32 ]
2 - وقيل : إنه كيديه فلا يغطى بالنقاب والبرقع ونحو ذلك مما صنع على قدره وهذا هو الصحيح فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه إلا عن القفازين والنقاب
وكن النساء يدنين على وجوههن ما يسترها من الرجال من غير وضع ما يجافيها عن الوجه ( 1 ) فعلم أن وجهها كيدي الرجل ويديها وذلك أن المرأة كلها عورة كما تقدم فلها أن تغطي وجهها ويديها ( 2 ) لكن بغير اللباس المصنوع بقدر العضو كما أن الرجل لا يلبس السراويل ويلبس الإزار والله سبحانه وتعالى أعلم
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 33 ]
( 1 ) يعني في الإحرام والمؤلف رحمه الله يشير إلى حديث عائشة قالت : " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها " . وهو حديث صحيح مخرج في " الحجاب " ( ص 50 )
( 2 ) قلت : وإذا كان للمحرمة أن تغطي وجهها بالسدل عليه فهو يبطل قول من تأول حديث الخثعمية التي كان ينظر إليها الفضل بن العباس في منى بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بالتغطية لأنها كانت محرمة ففيما ذكره المؤلف إشارة إلى الرد على هؤلاء
وعليه ففي الحديث دليل على أن وجه المرأة ليس بعورة وإلا لأمرها صلى الله عليه وسلم أن تستره
وعليه ففي الحديث دليل على أن وجه المرأة ليس بعورة وإلا لأمرها صلى الله عليه وسلم تستره
وهذا لا ينافي أن التغطية أفضل كما شرحته في " الحجاب " وإنما الكلام في الوجوب فتنبه
[ 33 ]
معاني الاستنباط من سورة النور
ومن كلامه رحمه الله تعالى في جوابه واستنباطه من عاني سورة النور في معنى ما تقدم قوله ( 1 )
المرأة يجب أن تصان وتحفظ بما لا يجب مثله في الرجل ولهذا خصت بالاحتجاب وترك إبداء الزينة وترك التبرج
فيجب في حقها الاستتار باللباس والبيوت ما لا يجب في حق الرجل لأن ظهور النساء سبب الفتنة والرجال قوامون عليهن
وقال تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم } ( 2 ) الآية إلى قوله : { وتوبوا إلى الله
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 34 ]
( 1 ) كان هذا الكلام في الأصل تعليقا فاخترنا أن يكون عنوانا
( 2 ) سورة النور الآية 30 - 31 : وتتمتها
قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون { 30 } وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون { 31 }
[ 34 ]
جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } . ( 1 ) فأمر الله سبحانه الرجال والنساء بالغض من البصر وحفظ الفرج كما أمرهم جميعا بالتوبة
وأمر النساء خصوصا بالاستتار وأن لا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ومن استثناه الله تعالى في الآية فما ظهر من الزينة هو الثياب الظاهرة فهذا لا جناح عليها في إبدائها إذا لم يكن في ذلك محذور آخر فإن هذه لا بد من إبدائها وهذا قول ابن مسعود وغيره وهو المشهور عن أحمد
وقال ابن عباس : الوجه واليدان من الزينة الظاهرة وهي الرواية الثانية عن أحمد وهو قول طائفة من العلماء كالشافعي وغيره
وأمر سبحانه النساء بإرخاء الجلابيب لئلا يعرفن ( 2 ) ولا يؤذين وهذا دليل على القول الأول وقد ذكر عبيدة السلماني وغيره : أن نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رءوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق
وثبت في الصحيح أن المرأة المحرمة تنهى عن الانتقاب والقفازين وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 35 ]
( 1 ) سورة النور الآية : 31
( 2 ) أنظر التعليق على الصفحة 18
[ 35 ]
في النساء اللاتي لم يحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن ( 1 )
وقد نهى الله تعالى عما يوجب العلم بالزينة الخفية بالسمع أو غيره فقال : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } ( 2 ) وقال : { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } ( 2 ) فلما نزل ذلك عمد نساء المؤمنين إلى خمرهن فشققنهن ( 3 ) وأرخينها على أعناقهن
و " الجيب " : هو شق في طول القميص فإذا ضربت المرأة بالخمار على الجيب سترت عنقها
وأمرت بعد ذلك أن ترخي من جلبابها والإرخاء إنما يكون إذا خرجت من البيت فأما إذا كانت في البيت فلا تؤمر بذلك
وقد ثبت في الصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل ( 4 ) بصفية قال أصحابه : إن أرخى عليها الحجاب فهي من أمهات المؤمنين وإن لم يضرب عليها الحجاب فهي مما ملكت يمينه فضرب عليها الحجاب
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 36 ]
( 1 ) قلت : وهذا حق ولكنه لا يدل على أن ذلك واجب عليهن والآية ليست صريحة الدلالة وفيه ما سبقت الإشارة إليه . وراجع كتابي " الحجاب " ( ص 40 - طبع المكتب الإسلامي ) . فتأمل
( 2 ) سورة النور الآية : 31
( 3 ) كذا الأصل ولعل الصواب : فشققنها
( 4 ) أي أراد أن يدخل لأن قول أصحابه المذكور إنما كان قبل دخولها بها : انظر " حجاب المرأة " ( ص 50 )
[ 36 ]
وإنما ضرب الحجاب على النساء لئلا ترى وجوههن وأيديهن
والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أن الحرة تحتجب والأمة تبرز وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة مختمرة ضربها وقال : أتتشبهين بالحرائر أي لكاع ( 1 ) فيظهر من الأمة رأسها ويداها ووجهها
وقال تعالى : { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن } ( 2 )
فرخص للعجوز التي لا تطمع في النكاح أن تضع ثيابها فلا تلقي عليها جلبابها ولا تحتجب وإن كانت مستثناة من الحرائر لزوال المفسدة الموجودة في غيرها كما استثنى التابعين غير أولي الإربة من الرجال في إظهار الزينة لهم في عدم الشهوة التي تتولد منها الفتنة
وكذلك الأمة إذا كان يخاف بها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب ووجب غض البصر عنها ومنها
وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن ولكن القرآن لم يأمرهن بما أمر
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 37 ]
( 1 ) هذا ثابت عن عمر رضي الله عنه كما تراه في " الحجاب " ( ص 45 ) مع الجواب عنه . والمؤلف نفسه لم يأخذ يقول عمر هذا على إطلاقه كما يأتي ( 33 - 34 )
( 2 ) سورة النور الآية : 60
[ 37 ]
الحرائر والسنة فرقت بالفعل بينهن وبين الحرائر ولم تفرق بينهن وبين الحرائر بلفظ عام بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء واستثنى القرآن من النساء الحرائر القواعد فلم يجعل عليهن احتجابا واستثنى بعض الرجال وهم غير أولي الإربة فلم يمنع من إبداء الزينة الخفية لهم لعدم الشهوة في هؤلاء وهؤلاء فأن يستثنى بعض الإماء أولى وأحرى وهن من كانت الشهوة والفتنة حاصلة بترك احتجابها وإبداء زينتها
وكما أن المحارم أبناء أزواجهن ونحوه ممن فيهن شهوة وشغف لم يجز إبداء الزينة الخفية له فالخطاب خرج عاما على العادة فما خرج عن العادة خرج به عن نظائره فإذا كان في ظهور الأمة والنظر إليها فتنة وجب المنع من ذلك كما لو كانت في غير ذلك
وهكذا الرجل مع الرجال والمرأة مع النساء : لو كان في المرأة فتنة للنساء وفي الرجل فتنة للرجال لكان الأمر بالغض للناظر من بصره متوجها كما يتوجه إليه الأمر بحفظ فرجه
فالإماء والصبيان إذا كن حسانا تخشى ( 1 ) الفتنة بالنظر إليهم كان حكمهم كذلك كما ذكر ذلك العلماء
قال المروذي : قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل - الرجل ينظر إلى المملوك ؟ قال : إذا خاف الفتنة لم ينظر إليه كم
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 38 ]
( 1 ) في الأصل : تختشى
[ 38 ]
نظرة ألقت في قلب صاحبها البلاء
وقال المروذي : قلت لأبي عبد الله : رجل تاب وقال : لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية إلا أنه لا يدع النظر فقال : أي توبة هذه ؟ قال جرير سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال : " اصرف بصرك " ( 1 )
وقال ابن أبي الدنيا : حدثني أبي وسويد قالا : حدثني إبراهيم بن هراسة عن عثمان بن صالح عن الحسن بن ذكوان قال : لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورا كصور النساء وهم أشد فتنة من العذارى ( 2 )
وهذا الاستدلال ( 3 ) والقياس والتنبيه بالأدنى على الأعلى . . . إلى أن قال : وكذلك المرأة مع المرأة وكذلك محارم المرأة مع ابن زوجها وابنه وابن أخيها وابن أختها ومملوكها عند من يجعله محرما متى كان يخاف عليه الفتنة أو عليها توجه الاحتجاب بل وجب
وهذه المواضع التي أمر الله تعالى بالاحتجاب فيها مظنة الفتنة ولهذا قال تعالى : { ذلك أزكى لهم } ( 4 ) فقد تحصل الزكاة والطهارة
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 39 ]
( 1 ) رواه مسلم وغيره وقد خرجته في " حجاب المرأة المسلم " ( ص 35 - طبع المكتب الإسلامي ) . وفي " تخريج الحلال والحرام " ( رقم : 188 )
( 2 ) هذا مع كونه مقطوعا فإن إسناده ضعيف جدا إبراهيم ابن هراسة متروك . والحسن بن ذكروان نفسه فيه ضعف
( 3 ) كذا الأصل ولعل الصواب : وهذا من باب الاستدلال
( 4 ) سورة النور الآية : 30
[ 39 ]
بدون ذلك لكن هذا أزكى وإذا كان النظر والبروز قد انتفى فيه الزكاة والطهارة لما يوجد في ذلك من شهوة القلب واللذة بالنظر كان ترك النظر والاحتجاب أولى بالوجوب
وروى الجماعة إلا مسلما أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال : " أخرجوهم من بيوتكم وأخرجوا فلانا وفلانا " : يعني المخنثين وقد ذكر بعضهم أنهم كانوا ثلاثة : - بيم وهيت وماتع - على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا يرمون بالفاحشة الكبرى إنما كان تخنثهم وتأنيثهم لينا في القول وخضابا في الأيدي والأرجل كخضاب النساء ولعبا كلعبهن
وفي سنن أبي داود عن أبي يسار القرشي ( 1 ) عن أبي هاشم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بمخنث وقد خضب رجليه ويديه بالحناء فقال : " ما بال هذا ؟ " فقيل : يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع ( 2 ) فقيل : يا رسول الله ألا نقتله فقال : " إني نهيت عن قتل المصلين "
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بإخراج مثل هؤلاء من البيوت فمعلوم أن الذي يمكن الرجال من نفسه والاستمتاع به وبما
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 40 ]
( 1 ) قال في " الخلاصة " : مجهول وآخر الحديث المرفوع صحيح وهو مخرج في " الصحيحة " ( 2379 )
( 2 ) موقع على عشرين فرسخا أو نحو ذلك من المدينة
[ 40 ]
يشاهدونه من محاسنه وفعل الفاحشة الكبرى به شر من هؤلاء وهو أحق بالنفي من بين أظهر المسلمين وإخراجه عنهم
فإن المخنث فيه إفساد للرجال والنساء لأنه تشبه بالنساء فقد تعاشره النساء ويتعلمن منه وهو رجل فيفسدهن ولأن الرجال إذا مالوا إليه فقد يعرضون عن النساء ولأن المرأة إذا رأت الرجل يتخنث فقد تترجل هي وتتشبه بالرجال فتعاشر الصنفين وتختار هي مجامعة النساء كما يختار هو مجامعة الرجال
والله سبحانه قد أمر في كتابه بغض البصر وهو نوعان : غض البصر عن العورة وغضه عن محل الشهوة
فالأول : كغض الرجل بصره عن عورة غيره كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة " ( 1 )
ويجب على الإنسان أن يستر عورته كما قال لمعاوية بن حيدة : " احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك " قلت : فإذا كان أحدنا مع قومه ؟ قال : " إن استطعت أن لا تريها أحدا فلا يرينها " قلت : فإذا كان أحدنا خاليا ؟ قال : " فالله أحق أن يستحيا منه من الناس " ( 2 )
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 41 ]
( 1 ) أخرجه أحمد ومسلم وغيرهما وقد مضى ( ص 23 )
( 2 ) حديث حسن وتقدم ( ص 23 )
[ 41 ]
ويجوز كشفها بقدر الحاجة كما تكشف عند التخلي ولهذا إذا اغتسل الرجل وحده - بحيث يجد ما يستره - فله أن يغتسل عريانا كما اغتسل موسى عريانا ( 1 ) وأيوب ( 2 ) وكما في اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ( 3 ) واغتساله في حديث ميمونة ( 4 )
وأما النوع الثاني من النظر - كالنظر إلى الزينة الباطنة من المرأة الأجنبية - فهذا أشد من الأول كما أن الخمر أشد من الميتة والدم ولحم الخنزير وعلى صاحبها الحد
وتلك المحرمات إذا تناولها مستحلا لها ( 5 ) كان عليه التعزير لأن هذه المحرمات لا تشتهيها النفوس كما تشتهي الخمر وكذلك النظر إلى عورة الرجل لا يشتهى كما يشتهى النظر إلى النساء ونحوهن وكذلك النظر إلى الأمرد بشهوة هو من هذا الباب
وقد اتفق العلماء على تحريم ذلك كما اتفقوا على تحريم النظر إلى الأجنبية وذوات المحارم بشهوة . . إلى أن قال : فصار النظر إلى المردان ثلاثة أقسام :
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 42 ]
( 1 ) هو قطعة من حديث . أخرجه الشيخان عن أبي هريرة
( 2 ) أخرجه البخاري في حديث لأبي هريرة أيضا
( 3 ) أخرجاه من حديث أم هانئ
( 4 ) أخرجاه عن ميمونة
( 5 ) يعني استحلالا بالفعل غير مضطر إلى تناولها فهذا يعزر . وأما لو استحلها اعتقادا فيكفر اتفاقا
[ 42 ]
أحدها : ما تقترن به الشهوة فهو محرم بالاتفاق
والثاني : ما يجزم أنه لا شهوة معه كنظر الرجل الورع إلى ابنه الحسن وابنته الحسنة وأمه الحسنة فهذا لا يقترن به شهوة إلا أن يكون الرجل من أفجر الناس ومتى اقترنت به الشهوة حرم
وعلى هذا نظر من لا يميل قلبه إلى المردان كما كان الصحابة وكالأمم الذين لا يعرفون هذه الفاحشة فإن الواحد من هؤلاء لا يفرق من هذا الوجه بين نظره إلى ابنه وابن جاره وصبي أجنبي لا يخطر بقلبه شيء من الشهوة لأنه لم يعتد ذلك وهو سليم القلب من قبل ذلك وقد كانت الإماء على عهد الصحابة يمشين في الطرقات متكشفات الرءوس ( 1 ) ويخدمن الرجال مع سلامة القلوب فلو أراد الرجل أن يترك الإماء التركيات الحسان يمشين بين الناس في مثل هذه البلاد والأوقات كما كان أولئك الإماء يمشين كان هذا من باب الفساد
وكذلك المردان الحسان لا يصلح أن يخرجوا في الأمكنة والأزقة التي يخاف فيها الفتنة بهم إلا بقدر الحاجة فلا يمكن الأمرد الحسن من التبرج ولا من الجلوس في الحمام بين الأجانب ولا من
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 43 ]
( 1 ) كأنه يشير إلى ما رواه البيهقي ( 2 / 227 ) عن أنس قال : كن إمام عمر رضي الله عنه يخدمننا كاشفات عن شعورهن تضطرب ثديهن . وسنده جيد
[ 43 ]
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 44 ]
رقصه بين الرجال ونحو ذلك مما فيه فتنة للناس والنظر إليه كذلك
وإنما وقع النزاع بين العلماء في القسم الثالث من النظر وهو النظر إليه بغير شهوة لكن مع خوف ثورانها ففيه وجهان في مذهب أحمد أصحهما وهو المحكي عن نص الشافعي وغيره أنه لا يجوز
والثاني : يجوز لأن الأصل عدم ثورانها فلا يحرم بالشك بل قد يكره
والأول هو الراجح كما أن الراجح في مذهب الشافعي وأحمد أن النظر إلى وجه الأجنبية من غير حاجة لا يجوز وإن كانت الشهوة منتفية لكن لأنه يخاف ثورانها ولهذا حرم الخلوة بالأجنبية لأنه مظنة الفتنة
والأصل أن كل ما كان سببا للفتنة فإنه لا يجوز فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة
ولهذا كان النظر الذي قد يفضي إلى الفتنة محرما إلا إذا كان لحاجة راجحة مثل نظر الخاطب والطبيب وغيرهما فإنه يباح النظر للحاجة مع عدم الشهوة وأما النظر لغير حاجة إلى محل الفتنة فلا يجوز
وأما الأبصار فلا بد من فتحها والنظر بها وقد يفجأ الإنسان ما ينظر إليه بغير قصد فلا يمكن غضها مطلقا ولهذا أمر تعالى عباده بالغض منها كما أمر لقمان ابنه بالغض من صوته
وأما قوله تعالى : { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله } [ الحجرات : 3 ] الآية
[ 44 ]
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 45 ]
فإنه مدحهم على غض الصوت عند رسوله مطلقا فهم مأمورون بذلك في مثل ذلك ينهون عن رفع الصوت عنده صلى الله عليه وسلم وأما غض الصوت مطلقا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو غض خاص ممدوح ويمكن العبد أن يغض صوته مطلقا في كل حال ولم يؤمر العبد به بل يؤمر برفع الصوت في مواضع : إما أمر إيجاب أو استحباب
فلهذا قال : { واغضض من صوتك } فإن الغض في الصوت والبصر جماع ما يدخل إلى القلب ويخرج منه فبالسمع يدخل القلب وبالصوت يخرج منه كما جمع العضوين في قوله : { ألم نجعل له عينين } { ولسانا وشفتين } فبالعين والنظر يعرف القلب الأمور واللسان والصوت يخرجان من عند القلب الأمور هذا رائد القلب وصاحب خبره وجاسوسه وهذا ترجمانه
ثم قال تعالى : { ذلك أزكى لكم وأطهر } وقال : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } وقال : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } وقال في آية الاستئذان : { وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم } وقال : { فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } وقال : { فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر }
[ 45 ]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم طهر قلبي من خطاياي بالماء والثلج والبرد " ( 1 ) وقال في دعاء الجنازة : " واغسله بماء وثلج وبرد ونقه من خطاياه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس " ( 2 )
فالطهارة - والله أعلم - هي من الذنوب التي هي رجس والزكاة تتضمن معنى الطهارة التي هي عدم الذنوب ومعنى النماء بالأعمال الصالحة : مثل المغفرة والرحمة ومثل النجاة من العذاب والفوز بالثواب ومثل عدم الشر وحصول الخير
وأما نظر الفجأة فهو عفو إذا صرف بصره كما ثبت في ( الصحاح ) ( 3 ) عن جرير قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة قال : " اصرف بصرك "
وفي السنن أنه قال لعلي رضي الله عنه : " يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية " وفي الحديث الذي في المسند وغيره : " النظر سهم مسموم من سهام إبليس " وفيه : " من نظر إلى محاسن امرأة ثم
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 46 ]
( 1 ) رواه البخاري
( 2 ) رواه مسلم يراجع أحكام الجنازة
( 3 ) كذا الأصل ولعل الصواب " الصحيح " : يعني " صحيح مسلم " فإن إطلاق لفظة " الصحاح " على الأمهات الستة فيه تساهل لا يخفى على أهل العلم ولذلك لم يجر عليه المتقدمون العارفون بهذا العلم . وقد مضى الحديث ( ص 28 )
[ 46 ]
غض بصره عنها أورث الله قلبه حلاوة عبادة يجدها إلى يوم القيامة " ( 1 ) أو كما قال
ولهذا يقال : إن غض البصر عن الصورة التي ينهى عن النظر إليها : كالمرأة والأمرد الحسن يورث ذلك ثلاث فوائد جليلة القدر :
إحداها : حلاوة الإيمان ولذته التي هي أحلى وأطيب مما تركه لله " فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه " ( 2 )
وأما الفائدة الثانية من غض البصر : فهو يورث نور القلب والفراسة قال تعالى عن قوم لوط : { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل وعمى البصيرة وسكر القلب بل جنونه
وذكر الله سبحانه آية النور عقيب آيات غض البصر فقال : { الله نور السماوات والأرض } [ النور : 35 ]
وكان شاه بن شجاع الكرماني ( 3 ) لا تخطئ له فراسة وكان يقول :
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 47 ]
( 1 ) حديث ضعيف جدا وكذا الذي قبله وقد خرجتهما في " الضعيفة " ( 10 64 و 1065 )
( 2 ) قلت : هذا من حديث رواه أحمد بسند صحيح
( 3 ) قلت : هو من رجال " الحلية " لأبي نعيم ترجم له ( 10 / 237 - 238 ) وذكر أنه كان من أصحاب أبي تراب النخعي . ولم يذكر وفاة
[ 47 ]
( من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وذكر خصلة سادسة أظنه ( 1 ) هو أكل الحلال : لم تخطئ له فراسة )
والله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله فيطلق نور بصيرته ويفتح عليه باب العلم والمعرفة والكشوف ونحو ذلك مما ينال ببصيرة القلب
الفائدة الثالثة : قوة القلب وثباته وشجاعته فيجعل الله له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة فإن الرجل الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله ولهذا يوجد في المتبع هواه من ذل النفس وضعفها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه
وإن الله جعل العزة لمن أطاعه والذلة لمن عصاه قال الله تعالى : { يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } وقال تعالى : { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين }
ولهذا كان في كلام الشيوخ : الناس يطلبون العز بأبواب الملوك ولا يجدونه إلا في طاعة الله
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 48 ]
( 1 ) هذا من المصنف وكأنه نقله من حفظه كما هي عادته ولفظه في " الحلية " : وعود نفسه أكل الحلال "
[ 48 ]
وكان الحسن البصري يقول : وإن هملجت بهم البراذين وطقطقت بهم البغال فإن ذل المعصية في رقابهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه ومن عصاه ففيه قسط من فعل من عاداه بمعاصيه
وفي دعاء القنوت : " إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت " ( 1 )
وأما أهل الفواحش الذين لا يغضون أبصارهم ولا يحفظون فروجهم فقد وصفهم الله بضد ذلك : من السكرة والعمه والجهالة وعدم العقل وعدم الرشد والبغض وطمس الأبصار هذا مع ما وصفهم به من الخبث والفسوق والعدوان والإسراف والسوء والفحش والفساد والإجرام فقال عن قوم لوط : { بل أنتم قوم تجهلون } فوصفهم بالجهل وقال : { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } وقال : { أليس منكم رجل رشيد } وقال : { لطمسنا على أعينهم } وقال : { بل أنتم قوم مسرفون } وقال : { فانظر كيف كان عاقبة المجرمين } وقال : { إنهم كانوا قوم سوء فاسقين } وقال : { أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر }
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 49 ]
( 1 ) انظر : " صفة الصلاة " ( ص 196 - الطبعة السابعة - طبع المكتب الإسلامي )
[ 49 ]
إلى قوله : { انصرني على القوم المفسدين } إلى قوله : { بما كانوا يفسقون } وقوله : { مسومة عند ربك للمسرفين }
بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك كما قال تعالى : { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله }
[ البقرة : 165 ]
حجاب المرأة [ جزء 1 - صفحة 50 ]
ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله وضعف الإيمان والله تعالى إنما ذكره في القرآن عن امرأة العزيز المشركة وعن قوم لوط المشركين والعاشق المتيم يصير عبدا لمعشوقه منقادا له أسير القلب له
والله أعلم وصلى الله على محمد
[ 50 ]air-jordan-4-retro-cement-x-new-era-chicago-bulls-sneaker-hook-up-hat | G58022 - adidas leather football boots for sale in nigeria - Buy now Adidas ADIDAS TRX VINTAGE