ما يقوم به رجال الأمن في هذه الأيام في بلاد الحرمين الشريفين جهاد في سبيل الله
ما يقوم به رجال الأمن في هذه الأيام في بلاد الحرمين الشريفين جهاد في سبيل الله
للشيخ عبد السلام بن برجس
أوضح الشيخ الدكتور عبدالسلام بن برجس بن ناصر العبدالكريم عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء ان الاتفاق إلى أهل بلاد الحرمين الشريفين (الاتفاق في الداخل) وحمايتها من كل حاقد من أروع الصور في حب هذه البلاد مما يقوم به رجال الأمن يعتبر جهاداً، وقال الشيخ العبدالكريم ان البعض كان لا يحبذ الحديث والعياذ بالله عن الوطن ومكانه ولكن بعد هذه الفتن أصبح الحديث عنها من أهم الاشياء لديهم فتصحيح الافكار وتبصير أبناء الأمة وتجميع قلوبهم على طاعة الله ثم طاعة ولي الأمر واجب يؤجر الشخص عليه.
جاء ذلك في الحوار التالي:
ما الاولى في ايصال الخير من الشعب السعودي كونه إلى بلادهم أو إلى بلدان اخرى؟..
- كل صور الخير والعطاء التي تتحرك اليها نفس المسلم يراعي الإسلام في تنظيم اولويات انفاقها على الاقرب فالأقرب. وانطلاقاً من هذه القاعدة فإن بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية، اولى ببرِّ أبنائها، لانها ارض الإسلام، وموطن الانعام. فكلُّ خير عند أبنائها في مجالات الدين والدنيا هي أحقُّ به، وصرفه في ارضها وعلى سكانها هو أفضل البرِّ وأجمل الاحسان.
وان من ابنائنا واخواننا أهل هذا البلد، من يدفعه سخاؤه وطيبته إلى صرف جهده وبذل معروفه، سواء كان في الدعوة إلى الله، أو مساعدة الآخرين إلى بلدان اخرى وشعوب بعيدة، وهذا العمل جيد والثواب عليه من الله كبير، إلا ان الاقربين اولى بالمعروف، والجار أحقَّ بجاره، ولهذا لا يجوز ان تنقل الزكاة من البلد إلى آخر، لان فقراء بلدك أحقُّ بها. ومن هنا أخاطب شباب امتنا وروحها بأن يستشعروا ان بلادهم هذه اضافة إلى كونها مهبط الوحي ومنطلق الإسلام وهي التي يأرز الإسلام اليها، كما تأرز الحية في حجرها، فهي البلاد التي ولدوا على ارضها وشربوا من مائها وتعلموا في رحابها حتى اخرجتهم بفضل الله تعالى ونعمته رجالا لهم اسم يهتز عزّاً في العالم، أو نساءً صالحات متعلمات، فكل ذلك عطايا وعطايا يطول ذكرها، فلا أقل من وفاء المسلم بردّ الجميل وجزاء الاحسان بالاحسان.
واني على يقين بأن ابناءنا واخواننا يحفظون المعروف ويكافؤون بالأحسن، لانهم أهل الإسلام وأبناء العرب الأوفياء، الذين حفظ التاريخ لنا عنهم أروع الصور في حب الوطن والبذل من أجله، وما جاء الإسلام إلا وزكد مشروعيته هذه الصور، وانها من محاسن الاخلاق.
ما مدى ارتباط حب الوطن بالشريعة الإسلامية؟
- حب الوطن عند أهل الإسلام يختلف عن حب الوطن عن غيرهم، فأهل الإسلام يحبون أوطانهم لانها مكائد لاعلاء دين الله تعالى والقيام بالشرائع الواجبة والمستحبة، فهذه الأرض حتم في الإسلام حفظها والذود عنها، ليس بالكلمة المسموعة أو العبارات المكتوبة فحسب، بل بالدم والمال ان احتاج الأمر، كل ذلك يؤكد ان الكلمة المشهورة "حب الوطن من الايمان" صحيحة المعنى بهذا الاعتبار، وقد نص العلامة السخاوي وغيره على ان معناها صحيح وان لم يصح نسبتها إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصور ان رجلا أو قوماً اخرجوا من ديارهم، أو ان بلادهم ملأها الهرج والمرج والفتن، كيف حالهم؟.. لا ريب ان حياتهم في ضيق شديد، وان نفوسهم في قلق وخوف، وهذه حقائق لا تحتاج إلى قوة استدلال، لأن الواقع ينطق بهذه المفاسد، ويفصح عنها. فلم يبق سوى الوعي الكامل من داخل الإنسان بضرورة الحفاظ على بلده والحب لئلا ينقلب إلى جحيم.
ومما لا ريب فيه ان كل امرئ صحيح الفطرة سليم التفكير يجد محبَّة في قلبه لبلاده، يشتاق اليها ان غاب عنها، وينتصر لها ان أسيء اليها، وهذا علامة خير في المرء، كما قال بعض السلف، وعلامة العاقل برُّه باخوانه، وحنينه إلى أوطانه، ومداراته لأهل زمانه، وكلُّ من خرج عن حب الوطن الذي يعمره أهل الإسلام؛ فانه يحتمل خطاً عظيماً ويرتكب جريمة شنيعة.
وقد بينت هذه المعاني بتفصيل في شريط لي باسم "بلادنا والحملات الإعلامية الحاقدة".
كيف تصفون الوطنية لبلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية بعد هذه الاحداث الدامية؟..
- هذه الاحداث ومثلها كثير وكثير في زماننا وقبل زماننا، تطفوا بين آونة واخرى على سطح الواقع، وهي مليئة بالجرائم الكبيرة التي تجمع افساد دين الناس ودنياهم والاضرار بمصالحهم، وتعريض حياتهم للخطر مما أجمعت الشرائع السماوية على تحريمه وتغليظ العقوبة فيه، وفي مجتمعنا هذا ابتلينا بهذه الفتن التي هي شرُّ وبلاء في ظاهرها، لكن قد لطف الله بنا حيث ان هذه الفتن لم تؤثر كثيراً على الأمن والاستقرار، بل المواطنون يشعرون بالأمن وراحة البال، ثم ايضاً هذه الفتن اضاءت جوهر أكثر المواطنين والمقيمين المتمثل في حبّ هذه الأرض والاعتزاز بها والخوف عليها. فما نسمعه في المجالس من كثرة الحديث عن فضل هذه البلاد والدعاء لها بالحفظ ودوام الأمن والاطمئنان أصبح ظاهرة، فضلا عما تنشره وسائل الإعلام، وما يكتبه أبناء الوطن في الجرائد السيارة والكتب النافعة، فهذا فضل الله على أهل الايمان انتنقلب المحن في حقهم إلى منن.
وقد كان بعض الناس لا يحبذ الحديث عن الوطن وحكامه وشعبه كثيراً،إلا انه بعد هذه المصائب ارتقى إلى القناعة التامة بأن الحديث عن هذه الأمور من أهم الاشياء في زمن الفتن، إذء تدفعها بإذن الله، فتصحح الأفكار، وتبصر أبناء الأمة، وتجمع قلوبهم وكلمتهم على طاعة الله تعالى، ثم طاعة ولاة أمرهم.
رجال الأمن يقدمون الكثير في هذه الاحداث فهل من كلمة اليهم؟..
- نعم رجال الأمن فخر هذا المجتمع، لانهم يقومون على أمر عظيم هو أمن الأمة، ففضلهم يستمد من فضل ما يعملون من أجله.
إننا إذا رأيناهم يقفون في لهيب الحرّ واواخر الليل بهذه الهمة العظيمة والاستشعار البليغ لدورهم؛ لنكبر هذه النفوس التي بين جنبيهم، وندعو الله تعالى لهم بالعون والسداد.
وأنا من هذا المنبر الإعلامي اقول لهم: ان ما تقومون به جهاد في سبيل الله. واجر المجاهد لا يخفى عليكم، وأذكرهم بأن هؤلاء المخلين بالأمن انما هم حزب الشيطان، لم ولن يمكن لهم والله عليم حكيم، فمنذ خروجهم على أمير المؤمنين عثمان بن عفان ثم علي بن ابي طالب رضي الله عنهما إلى يومنا هذا والله تعالى لم يمكن الخوارج من تولي شؤون المسلمين، لانهم لو تولوها لاهلكوا الحرث والنسل وافسدوا الدين والدنيا.
وبناءً على ان مواجهة هؤلاء جهاد في سبيل الله تعالى، فإن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله تعالى عنه نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشارة للجند الذين يقاتلونهم، ففي الصحيحين عن ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم اجراً لمن قتلهم يوم القيامة" وفي صحيح مسلم عن زيد بن وهب انه كان في الجيش الذي كانوا مع علي رضي الله عنه الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي: أيها الناس اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان محمد نبيهم لنلكوا عن العمل.." ثم قال علي: والله اني لارجو ان يكونوا هؤلاء القوم، فانهم قد سفكوا الدم الحرام، واغاروا في سرح الناس، فسيروا على اسم الله.. وفي آخر الحديث قام عبيدة السلماني فقال: يا أمير المؤمنين الله الذي لا إله إلا هو اسمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال علي: أي والله الذي لا إله إلا هو، حتى استحلفه ثلاثاً، وهو يحلف له أيضاً.
وانما فعل عبيدة السلماني هذا: لان الخوارج أهل عبادة وصلاة، فكأنه استبعد ان مثل هؤلاء يقاتلون وان قتالهم بهذه المنزل من الفضل في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكد له أمير المؤمنين ذلك بأيمان ثلاث وهو مصدق دون يمين، وانما أراد نزع أي شك في القلب من هذا الحديث الشريف.
فهنيئاً لرجال الأمن بهذا الفضل، وهنيئاً لهم الشهادة، فإن من قتل منهم فهو شهيد.
نشرت في جريدة الرياض بتاريخ 5 / 9 / 2003.