شروط لا إله إلا الله
عبيد بن عبد الله بن سليمان الجابرى
المدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (سابقاً)
الشرط الأول :-
قال رحمة الله تعالى : " شروط لا إله إلا الله " .
قوله : " شروط " .
جمع شرط , و الشرط في اللغة العلامة , ويجمع على شروط وأشراط و المراد هاهنا ما يتحلم على المكلف معرفته والعمل به حتى يكون موحداًَ ظاهراً وباطناً .
" الشرط الأول : العلم بمعناها نفياً وإثباتاً .
· دليل العلم قوله تعالى : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) " 1" . وقوله :
· ( إلا من شهد بالحق وهم يعملون ) " 2 " أي بــ " لا إله إلا الله " .
( وهم يعملون ) بقلوبهم ما نطقوا به بألسنتهم .
· و من السنة : الحديث الثابت في الصحيح عن عثمان قال :
قال رسول الله " " من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة " " 1 " .
قوله : " العلم بمعناها نفياً وإثباتاً " .
يتضمن شطرها الأول نفي العبادة عما سوى الله عز وجل كما يتضمن شطرها الثاني إثباتها له سبحانه وتعالى , فكما أن الحق جل علاه لا شريك له في ملكه وخلقه وتدبيره فإنه لا شريك له في عبادته .
وهذا ما بعث الله به النبين والمرسلين واتفقت عليه دعوهم قال تعالى :
( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا توحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) " 2 " .
وقال نوح وهود وصالح : ( يا قوم أعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) " 3 " .
وقال تعالى مخبراً عن اتفاق دعوة الأنبياء والمرسلين : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن أعبدوا واجتنبوا الطاغوت ) " 4 " .
وقال عن الخليل عليه الصلاة وسلام : ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبة لعلهم يرجعون ) " 5 " .
وقال تعالى في ما أمر به نبيه محمد أن يبلغه هذه الأمة ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا أياه ) وقال في موضوع آخر : ( وأعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ) .
فهذه الآيات و ما في معناه من الكتاب الكريم صريحة الحلالة على أن الأنبياء والمرسلين جميعاً دعوا قومهم إلى تحقيق معنى لا إله إلا الله أنه لا معبود بحق إلا الله .
قوله : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) تمامها : ( واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثوابكم )" 1 " .
قال ابن سعدي رحمة الله : " العلم لابد فيه من إقرار القلب , بمعنى ما طلب منه علمه , وتمامه أن يعمل بمقتضاه , وهذا العلم الذي أمر الله به – وهو العلم بتوحيد الله – فرض عين على كل مسلم , لا يسقط عن أحد كائناً من كان , بل كل مضطر إلى ذلك . والطريق إلى العلم بانه لا إله إلا الله , أمور :
أحدهما : بل أعظمهما : تدبر أسمائه وصفاته , وأفعاله الدالة على كماله , وعظمته , وجلاله , فإنها توجب بذل الجهد في التأله له , و التعبد للرب الكامل الذي له كل حمد وممجد , وجلال و جمال .
الثاني :- العلم بأنه المنفرد بالاخلق والتدبير فيعلم بذلك بانه منفرد بالالوهية
الثالث :-العلم بأنه المنفرد بالنعم الظاهرة و الباطنة الدينية و الدنيوية . فإن ذلك يوجب تعلق القلب به , ومحبته , و التأله له وحده لا شريك له .
الرابع : ما نراه ونسمعه , و من الثواب لأولوية القائمين بتوحيده , من النصر , و النعم العاجلة , و من عقوبته لأعدائه المشركين به , فإن هذا , داع إلى العلم , بأنه تعالى وحده المستحق للعباده كلها .
الخامس : معرفة أوصاف الأوثان والأنداد , التي عبدت مع الله , واتخذت آلهة وأنها ناقصة من جميع الوجوه , فقيرة بالذات , لا تملك لنفسها ولا لعابدها , نفعاً و لا ضراً , ولا موتاً و لا حياة ولا نشوراً , ولا ينصرون من عبدهم , و لا ينفعونهم بمثقال ذرة من جلب خير , أو دفع شر , فإن العلم بذلك يوجب العلم , بأنه لا إله إلا الله , وبطلان إلهية ما سواه .
السادس : اتفاق كتب لله على ذلك وتواطؤها عليه .
السابع : أن خواص الخلق , الذين هم أكمل الخليقة أخلاقاً وعقولاً , وراوياً , وصواباً وعلماً – وهم الرسل والأنبياء و العلماء الربانيون – قد شهدوا لله بذلك .
الثامن : ما أقامه الله من الأدلة الأفقية والنفسية , التي تدل على التوحيد أعظم دلالة تنادي عليه بلسان حالها بما أودعها من لطف صنعته , وبديع حكمته , وغرائب خلقه , فهذه الطرق , التي أكثر الله من دعوة الخلق بها , إلى أنه لا إله إلا الله , وأبداها في كتاب وأعادها , عند تأمل العبد في بعضها , لابد أن يكون عنده يقين , وعلم بذلك , فكيف إذا اجتمعت وتواطأت , واتفقت , وفامت أدلة للتوحيد من كل جانب .
فهناك يرسخ الإيمان و العلم في قلب العبد , بحيث يكون كالجبال الرواسي لا تلزله الشبه والخيالات , ولا يزداد – على تكرار الباطل والشبه – إلا نمواً وكمالاً .
هذا , وإن نظرت إلى الدليل العظيم , والأمر الكبير – وهو تدبر هذا القرآن العظيم والتأمل في آياته فإنه الباب الأعظم إلى العلم بالتوحيد ويحصل به من تفاصيله وجمله مالا يحصل في غيره " " 1 " . 1 هــ .
ما تفيده الآية :
أولاً :- وجوب العلم بمعنى لا إله إلا الله نفياً وإثباتاً وقد ذكر الشيخ رحمة الله الطرق الموصلة إلى هذا العلم .
ثانياً :- في أمره بالاستغفار للمؤمنين والمؤمنات شمول للعصاة من المسلمين قال الإمام أحمد : و من مات من أهل القبلة موحداً يصلي عليه ويستغفر له ولا يحجب عنه الاستغفار و لا تترك الصلاة عليه لذنب أذنبه – صغيراً كان أو كبيراً – أمره إلى الله تعالى "1 " .
قلت : هذا هو ما أجمع عليه أهل السنة فيمن مات على كبيرة من أهل التوحيد .
( 1 ) تفسير ابن سعدي " ( 5 /30 ) .
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي : " أي نطق بلسانه مقراً بقلبه عالماً بما يشهد به ويشترط أن يكون شهادته بالحق وهي الشهادة لله تعالى بالوحدانية ولرسله بالنبوة والرسالة وصحة ما جاءوا به من أصول الدين وفروعه وحقائقه وشرائعه " ( 3 ) .
قوله : في " الصحيح " : أي في صحيح مسلم .
ثانياً :- إحاطة علم الله بأعمال العباد ومجازاتهم عليها .
قوله : ( إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ) .
قال ابن كثير رحمة الله : ( هذا استثناء منقطع أي لكن من شهد بالحق على بصيرة وعلم فإنه تنفع شفاعته عنده بإذنه له " ( 2 ) 1 هــــ
قوله : " أي بـــــ " لا إله إلا الله "" .
( 1 ) " أصول السنة " ص ( 60 ) .
( 2 ) " تفسير ابن كثير " ( 4/147 ) .
( 3 ) " تفسير ابن سعدي " ( 4/461 ) .
قوله : " من مات وهو يعلم ... الخ " . قال النووي مبوباً عليه في كتاب الإيمان : " باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً " .
قلت : اتفق صحة استشهاد المصنف واستنباط النووي من لفظ الحديث , و في معناه أحاديث كثيرة منها:
أولاً :- ما رواه الشيخان عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم منه وروح منه و الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " 1 " .
ثانياً :- ما رواه مسلم عن جابر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من لقى الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة و من لقيه يشرك به شيئاً دخل النار " (2 ).
فهذه الأحاديث كما ترى وما في معناها تفيد أمرين :
الأول : الوعد بدخول جنة لمن مات على التوحيد .
و الثاني : أن مرتكب الكبيرة لا يخرج عن مسمى الإيمان ففيها شاهد لمعتقد أهل السنة و الجماعة أن الفاسق الملي مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ويزيد هذا توضيحاً ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسول الله فلا تخفروا الله في ذمته " (3) .
(1) " البخاري " كتاب الأنبياء باب قوله تعالى : ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح بن مريم ) . " مسلم " كتاب لإيمان باب : الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً .
( 2 ) " مسلم " . كتاب الإيمان باب من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة و من مات مشركاً دخل النار.
( 3 ) " البخاري " : أبواب القبلة : فضل استقبال القبلة
الشرط الثاني
" الشرط الثاني : اليقين وهو كمال العلم بها المنافي للشك والريب ودليل اليقين : قوله تعالى : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) "1" . فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا , أي لم يشكوا فأما المرتاب فهو من المنافقين .
و من السنة : الحديث الثابت في الصحيح عن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " (( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بمهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة )) " 2 " .
وفي رواية : " لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة " (3) .
وعن أبي هريرة أيضاً من حديث طويل : " من لقيت من وراء هذاالحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشرة بالجنة " (4) .
(1 ) سورة الحجرات آية ( 15 ) .
( 2 ) " مسلم " كتاب الإيمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً
( 3 ) " المصدر نفسه " .
( 4 ) المصدر نفسه .
قوله : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ) ..... ألاية
( إنما ) أداة حصر وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه و المعنى :
أن من أهل الإيمان الحق ظاهراً وباطناً من آمن بالله ورسوله قولاً وفعلاً واعتقاداً غير شاك في ذنب ولا مرتاب وجاهد بماله ونفسه في سبيل الله ولهذا قال :
( أولئك هم الصادقون ) .
و الشاهد من الآية : ( ثم لم يرتابوا ) و في الآية غير ما ساتدل له المصنف دليل على ان العمل من مسمى الإيمان .
ووجه دلالتها على ذلك ذكر الجهاد في سبيل الله وهو عمل ضمن خصال الإيمان الواردة في الآية .
ويدل لذلك من السنة ما رواه الشيخان عن ابي حمزة قال ي: كنت أترجم بين يدي ابن عباس وبين الناس فأتته إمرأة تسأله عن نبيذ الجر : فقال إن وفد عبد المقيس أتو رسول الله فقال رسول الله: (( من الوفد ؟ أو من القوم ؟ "
قالوا : ربيعة قال : مرحباً بالقوم , أو بالوفد , غير خزاياً ولا ندامي )) قال : فقالوا يا رسول الله إنا تأتيك من شقة بعيدة وإن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مصر وإنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر الحرام فمرنا فصل نخبر به من وراءنا ندخل به الجنة . قال : فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع . قال أمرهم بالإيمان بالله وحده وقال : (( هل تدرون ما الإيمان بالله )) قالوا الله ورسوله أعلم قال :
(( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله , وإيقام الصلاة وإيتاء الزكاة , وصوم رمضان , وأن تؤدوا خمساً من
الشاهد منه تفسير النبي الإيمان بأعمال الإسلام الظاهرة . المغنم .... )) (1 ) الحديث
( 1 ) ((البخاري )) مواقيت الصلاة باب ( مبين إليه واتقوه واقيمو الصلاة و لا تكونوا من المشركين ) " مسلم " كتاب الإيمان : باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله وشرائع الدين = و الدعاء إليه والسؤال عنه وحفظه وتبليغه من لم يبلغه .
قوله : (( من السنة الحديث الثابت في الصحيح )) .
قلت : هو في صحيح مسلم وله قصة عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : كنا مع النبي في مسير قال فنفدت أزواد القوم قال حتى هم بنحر بعض حمائلهم قال : قال عمر يا رسول الله لو جمعت ما بقى من أزواد القوم فدعوت الله عليها قال ففعل قال فجاء ذو البر ببره وذو التمر , قال مجاهد وذو النواة بنواة قلت : وما كانوا يصنعون بالنوى قال كانوا يمصونه ويشربون عليه الماء , قال فدعا عليها حتى ملأ القوم أزودهم فذكره (1).
قوله : (( أشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله ))
الشهادة في اللغة : الإعلام والإقرار , و المراد به ها هنا اعتراف المكلف لله بالعبادة والوحدانية وللنبي بالرسالة .
قوله : (( لا يلقى الله بهما عبد )) .
أي يوم القيامة بالشهادة لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة .
قوله : (( غير شاك فيهما )) .
أي مرتاب ولا متردد .
وهذا هو وجه الشاهد من الحديث .
قوله : (( و في راوية )) .
قلت : هو كالذي قبله عند مسلم وبنفس السياق مع اختلاف يسير وفيه
(1) مسلم كتاب الإيمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً . تحديد بأن تلك الحادثة وقعت في غزوة تبوك .
قوله : (( فيحجب عن الجنة )) أي لا يمنع عن الجنة , لا بد حيال , و لا بد حيال ذلك من بيان أمرين :
الأمر الأول :_ أن الحجب عن الجنة نوعان :
الأول : حجب دائم وهذا في حق الكفار وهو المنفي عن من لقي الله على التوحيد .
و الثاني :- حجب مؤقت , وهذا قد يصيب بعض الموحدين لاقترافهم الكبائر كما دلت عليه الأحاديث المتواترة في الشفاعة .
الأمر الثاني :- أن الحجب المنفي في هذا الحديث ليس على إطلاقه بل مقيد بالقيود الثقال , من العلم بمعنى لا إله إلا الله والعمل بمقتضاهاه وستعرف مزيداًُ من البسط عند كلامنا على حديث عتبان في شرط الإخلاص .
قوله : (( وعن أبي هريرة أيضاً من حديث طويل )) .
قلت : هو عند مسلم ولفظه : كنا قعوداً حول رسول الله معنا أبو بكر وعمر في نفي فقام رسول الله من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا فكنت أول من فزع فخرجت ابتغي رسول الله حتى أتيت حائطاً للأنصار لنبى النجار فدرت به هل أجد له باباً فلم أجد , فإذا ربيع يدخل و في جوف حائط من بئر خارجه ( و الربيع الجدول ) فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت على رسول الله فقال : (( أبو هريرة )) فقلت نعم يا رسول الله . قال : (( ما شأنك ؟ )) قلت كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقطتع دوننا ففزعنا فكنت أول من فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب , وهؤلاء الناس ورائى فقال ابا هريرا وأعطانى نعليه قال(( أذهب نعلى هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستقيماً بها قلبه فبشره بالجنة )) . فذكر الحديث وفيه أن عمر قال : يا رسول الله بأبي وأمي , أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقى يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشره بالجنة ؟ : (( نعم ؟ )) قال : فلا تفعل . فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعلمون . قال رسول الله: " فخلهم " (1 ) .
قوله : (( فبشره )) .
يقال : أبشرت الرجل وبشرته , وبشرته أخبرته بسار بسط بشره وجهه , وذلك أن النفس إذا سرت انتشر الدم فيها فيها انتشار الماء في الشجر , والمعنى أن رسول الله أمر أبا هريرة أن يعلم كل مسلم لقيه بأنه من أهل الجنة .
قوله : (( مستيقناً بها قلبه )) .
اشتراط اليقين يستلزم نفي الشك و الريب وهذا هو محل الشاهد من الحديث .
ما تفيده الأحاديث :
أولاً :- وجوب الإيمان باليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء .
ثانياً :- فضل التوحيد وأنه سبب في دخول الجنة لمن مات عليه موقناً به .
ثالثاً : أن العبرة في قبول الشورى بالإضافة وأن كانت من واحد وأنه لا عبرة بجمع الأصوات .
رابعاًَ :- إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ومرد ذلك إلى الشرع لا إلى مجرد العقل , وشواهد ذلك من النصوص تفوق الحصر و لا يتسع المجال لذكرها في هذا الموضع .
( 1 ) " مسلم " كتاب الإيمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً .
الشرط الثالث :
الشرط الثالث : الإخلاص المنافي للشرك .
ودليل الإخلاص : قوله تعالى ( ألا لله الدين الخالص ) ( 1 ) .
وقوله سبحانه وتعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) (2 )
و من السنة : الحديث الثابت في الصحيح عن ابي هريرة عن النبي:
(( أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه )) . ( 3 )
و في الصحيح عن عتبان بن مالك رضي الله عنه عن النبي
قال:(إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عز وجل)(4 )
وللنسائي في (( اليوم و الليلة )) من حديث رجلين من الصحابة عن النبي قال : " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مخلصاً بها قلبه يصدق بها لسانه إلا فتق الله لها "السماء فتقاً حتى ينظر إلى قائلها من أهل الأرض , وحق لعبد نظر الله أن يعطيه سؤله " ( 1 )
( 1 ) سورة الزمر آية (3 )
( 2 ) سورة البينة آية ( 5 ) .
( 3 ) " البخاري " كتاب العلم باب الحرص على الحديث .
( 4 ) " البخاري " كتاب المساجد باب المساجد في البيوت .
قوله : " الإخلاص " . هو في اللغة : التصفية و في الشرع : تخليص العبادة وتصفيتها من شائبة الشرك والرياء .
قوله : " ألا لله الدين الخالص " .
قال ابن كثير رحمة الله : " أي : فاعبد الله وحده لا شريك له وداع الخلق إلى ذلك وأعلمهم أنه لا تصلح العبادة إلا له وحده وأنه ليس له شريك و لا عديل و لا نديد ولهذا قال تعالى : ( ألا لله الدين الخالص ) أي : لا تقبل من العمل إلا ما أخلص فيه العامل لله وحده لا شريك له " . ( 2 ) . ا هـ
وقال ابن سعدي رحمة الله : (( هذا تقرير للأمر بالإخلاص وبيان أنه تعالى كما أنه له الكمال كله وله التفضل على عباده من جميع الوجوه فكذلك له الدين الخالص الصافي من جميع الشوائب فهو الدين الذي ارتضاه لنفسه وارتضاه لصفوة خلقه وأمرهم به لأنه متضمن للتأله لله في حبه وخوفه ورجائه والإنابة إليه في تحصيل مطالب عباده وذلك الذي يصلح القلوب ويزكيها ويطهرها دون الشرك به في شيء من العبادة فإن الله بريء منه وليس لله فيه شيء )) انتهى محل الشاهد (3) .
ويزيد ما ذكره هذان الإمامان في معنى الآية توضيحاً وتأكيداً ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله
( 1 ) " عمل اليوم و الليلة " ص ( 150 ) .
( 2 ) " تفسير ابن كثير " ( 4/49 )
( 3 ) " تفسير ابن سعدي " ( 4/306 ) .
قال الله تعالى : " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه (1).
قوله : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) تمامها :
( ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) .
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي : " ( وما أمروا ) في سائر الشرائع ( إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) أي : قاصدين بجميع عباداتهم , الظاهرية و الباطنة وجه الله وطلب الزلفى لديه . ( حنفاء ) أي : معرضين مائلين عن سائر الأديان المخالفة لدين التوحيد , وخص الصلاة و الزكاة بالذكر مع أنهما داخلان في قوله : ( ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) لفضلها وشرفهما وكونهما العبادتين اللتين من قام بهما قام بجميع شرائع الدين ( وذلك ) أن التوحيد والإخلاص فيالدين هما ( دين القيمة ) أي : الدين المستقيم الموصل إلى جنات النعيم وما سواه فطرق موصلة إلى الجحيم " (2) . ا هـــ
قلت : وفيما أسلفنا من الأدلة على وجوب الإخلاص وما يأتي في الباب تأكيد لما قاله الشيخ رحمه الله .
قوله : " و من السنة الحديث الثابت في الصحيح عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى قال : (( أسعد الناس بشفاعتي من قال لاإله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه )) .
قلت : الحديث في صحيح البخاري (3) وغيره . ولفظه عند البخاري عن ابي هريرة أنه قال : قيل يا رسول الله : من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ قال رسول الله : (( لقد ظننت – يا أبا هريرة – أن سألني عن هذا الحديث أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث , أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه )) .
( 1 ) (( صحيح مسلم )) كتاب الزهد و الرقائق باب من أشرك في عمله غير الله .
( 2 ) (( تفسير ابن سعدي )) ( 5/442 ) .
( 3 ) (( البخاري )) كتاب العلم باب الحرص على الحديث .
( 4 ) انظر (( ظلال الجنة )) ( 4/394 ) .
وأعلم بأن الشفاعة المذكورة في هذا الحديث هي الشفاعة في أهل الكبائر من الموحدين , تلك الشفاعة التي أنكرها طوائف من المبتدعة كالخوارج والمعتزلة .
قال الحافظ في << الفتح >> على هذا الحديث : << لعل أبا هريرة سأل عن ذلك عند تحديثه بقوله : (( وأريد أن اختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة )) . وقد تقدم سياقه وبيان ألفاظه في أول كتاب الدعوات و من طرقه (( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي )) (1) .
قلت : وهذا يتضح لك صحة احتجاج أهل السنة و الجماعة على ثبوت هذه الشفاعة وفساد مذهب المخالف .
قوله : و في الصحيح عن عتبان بن مالك ...... الخ .
قلت : الحديث عن الشيخين وله قصة ولفظ البخاري أن عتبان بن مالك وهو من أصحاب رسول الله ممن شهد بدراً من الأنصار : أنه اتى رسول الله فقال : يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم استطع أن آتى مسجدهم فأصلي بهم لوددت يا رسول الله – إنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى ,
قال : فقال له رسول الله (( سأفعل إن شاء الله ))
قال عتبان : فغدا رسول الله وأبو بكر حين
LTB - JuzsportsShops | Upcoming 2021 Nike Dunk Release Dates - nike shox nz eu brown blue color shoes 2017 - FitforhealthShops