لقد أخبرنا الله -تبارك وتعالى- أنّ مَن دعا مع الله إلهًا آخر ولو لحظةً كفر! وإن مات على ذلك فلا فلاح له أبدًا.
لو ظل مائة عام صائمًا قائمًا يعبد الله -تبارك وتعالى- بلا كَلالٍ ولا مَلالٍ ثم دعا غير الله -تبارك وتعالى- لحظةً ومات على ذلك دخل النار خالدًا مخلدًا فيها أبدًا!
ولو فعل ذلك نبيه -صلّى الله عليه وآله وسلّم- لكان من الظالمين، قال ربنا -جلّ وعلا- : ﴿وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [يُونس:106].
وقد أعاذه الله رب العالمين.
توحيد الرب الجليل لأجله خلق الله الخلق ولا كاشف للضر إلا الله ولا جالب للخير سواه.
ومنهج الأنبياء في الإصلاح هو ما ارتضاه الله -تبارك وتعالى- للمصلحين في أرضه؛ فمهما جُونب منهج الأنبياء في الإصلاح لم يكن مَن جانبه إلا مفسدًا وإن ظنّ فيه نفسه ما ظنّ وظن الناس به ما ظنوا، ما هو إلا مُفسدٌ في الأرض فاسدٌ!
منهج الأنبياء في الإصلاح في دعوة المرسلين بالنفي والإثبات: (لا إله إلا الله) ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف:59].
لابد من تأسيس الدعوة على هذا الأصل الأصيل؛ فإنه ما من نبي نُبِّئ ولا رسولٍ أُرسل إلا وبُعث في قومٍ مشركين كافرين، وعندهم في الوقت -عينه- أمراضٌ مجتمعية أو سلوكية أو هي أمراضٌ اقتصادية يطففون في الكيل والميزان ويأكلون أموال الناس بالباطل ويتعاملون بالربا ويعتدي القوي على الضعيف أو يفشو فيهم الزنا والفُحْشُ أو إتيان الذُّكران من العالمين.
ما مِن قومٍ أُرسل إليهم رسول أو نُبِّئ فيهم نبي فدعاهم إلى الله إلا وقد انطووا مع الكفر بالله والشرك به على جرائم أخلاقية ومفاسد سلوكية وانحرافات اقتصادية.
ومع ذلك فهل وُجد نبيُّ أو رسولٌ بدأ قومه أول ما بدأ بغير هذه الكلمة ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف:59].
بُعِثَ رسولُ الله -صلّى الله عليه وسلّم- في قومٍ يأكلون الميتة ويئدون البنات ويظلمون المرأة ويُغِير بعضهم على بعض ويظلم بعضهم بعضًا ويقتل بعضهم بعضًا وعندهم مَباذِلُ وفُحْش والأسواق تُعقد: كعُكاظ وذي المَجَنَّة وغيرهما، وفيها الخيام عليها الرايات للبغاء يدخلها مَن يشاء بلا تثريبٍ ولا نكيرٍ!
والنكاحُ مخالف للفطرة، مخالف للشِرْعَة حتى إنهم استحدثوا نكاح الاستبضاع، يكون الرجلُ ذا موهبة أتاه الله إياها فيكون فارسًا أو خطيبًا أو شاعرًا أو جوادًا مُنفقًا؛ فيقول الرجل لامرأته: الحقي بفلان فكوني معه فتختلف إليه ليقع عليها يبتغي زوجها نجابةَ الولد! المهم أن يُنسبَ إليه!! ويعتزلها تلك المدة حتى يتبين حملها.
بُعِثَ رسولُ الله في قومٍ هذا شأنهم وما هو أفظع منه، وكانوا مشركين يعبدون الأوثان ويقدِّسون الأصنام، فلم يبدأهم بشيء إلا بالدعوة إلى التوحيد (قولوا: لا إله إلا الله تُفلحوا).
الناسُ يطلبون في الجملة من غير الله، وأكثر العوام يخاف من المقبور ما لا يخافه من الله ويجترئ على الحلف بالله كاذبًا ولا يجترئ على الحلف بمَن يقدِّسه كاذبًا بحال ويذبح له وينذر له والقلوب مشحونةٌ بالخوف الشركي من غير الله وبالمحبة مع الله وفي الرجاء الشركي في غير الله!
والحياةُ معقدَّةٌ بخيوطها كأنها متاهةٌ ضلّ فيها حليم؛ فأين أعلامُ التوحيد؟! وأين رايات السنّة؟! أين التوحيد والاتباع؟!
لابد أن يُدعى المجتمع إلى هذا وأن يُقال للناس: إنّ مشكلتكم مشكلة عَقَدِيَّة شرعية وليست بمشكلة سياسية!!
إن استقامت عقيدتكم واستقام اتباعكم استقامت سياساتكم واستقامت حيواتكم.
وأمّا التضليل الحادث فلن يقع -بعد حين- إلا التخالفُ الذي بدأ يشرئب بعنقه بين أبناء الطريق الواحد -زعموا- وما هو بعد إلا الحرص على المناصب والكراسي.
وكلٌ يزعم في المنتهى -حتى لا يُخسر نفسيًا أمام نفسه- أنه يعمل لله ولإقامة شرع الله إلى غير ذلك من تلك الأمور، فإلى الله المشتكى.
وقد قال لنا الرسولُ -صلّى الله عليه وسلّم- : (إنَّ الله لن ينزع عنكم الذُّلَ إذا نزل بكم لمخالفتكم أمر الله وأمر رسول الله حتى ترجعوا إلى دينكم، إذا تبايعتم بالعِينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذُلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم).
ما الدين المرجوع إليه؟!
هو الدين الذي جاء به رسولُ الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- ليس بالدين المُحرَّف! ليس بالدين المُشوَّه!
الدين الذي يُرجع إليه لرفع الذل عن الأمّة هو دين محمد -صلّى الله عليه وسلّم- الذي جاء به وهو معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تكفل الله بحفظه لن يُبدل ولن يُغير ولن يُزاد فيه ولن يُنقص منه (تركتُ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا: كتابَ الله وسنتي) كذا قال رسولُ الله.
وليس في كتاب الله ولا في سنّة رسوله ولا في فعل الصحابة ومَن تبعهم بإحسان اتباع النظم الشركية لإقامة العقيدة الربانية والشِرْعَة المحمدية!
هذا ليس في دين ربنا -تبارك وتعالى- ولا جاء به سيد ولد آدم -صلّى الله عليه وآله وسلّم- لم يتوسل بوسيلة غير مشروعة إلى غاية مشروعة أبدًا! صلّى الله وسلّم وبارك عليه.
على كل حال لا تيأسوا، أبشروا وآمِّلوا؛ فإنَّ الله ناصرٌ دينه ومعزٌّ جنده ومؤيد مَن تمسّك بكتابه وسنّة نبيه.
نسألُ اللهَ رب العالمين- أن يُمَسِّكنا القرآنَ المجيد، وأن يجعلنا كاملين في اتباعنا لنبينا -صلّى الله عليه وآله وسلّم- آخذين بالكتاب والسنّة على منهاج النبوة بفهم الصحابة ومَن تبعهم بإحسان، إنه -جلّ وعلا- على كل شيء قدير، وصلّى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
عن [منهج الأنبياء في الإصلاح والتغيير] وضرورة أن يُقال للناس: [إن مشكلتكم مشكلةٌ شرعية عقدية وليست مشكلة سياسية!]
من خُطبة الجمعة [متظاهرون ومتظاهرات!!] لفضيلة الشيخ محمد رسلان -حفظه الله-
فرَّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
26 مِن شعبان 1432هـ، الموافق 27/7/2011م.
ونشر في شبكة الإمام الآجري العلمية