من شرح لمعة الاعتقاد

شرح لمعة الاعتقاد

للشيخ محمد بن صالح العثيمين

 

ومن ذلك اشراط الساعة مثل خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام فيقتله وخروج ياجوج وماجوج وخروج الدابة وطلوع الشمس من نغربها وعذاب القبر ونعيمة حق وقد استعاذ النبي (صلى الله عليه وسلم) منه وامر به فى كل صلاة.

وفتنة القبر حق وسؤال منكير ونكير حق والبعث بعد الموت حق وذلك حين ينفخ اسرافيل عليه السلام فى الصور. (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (يّـس:51)   وَيُحْشُرُ اَلنَّاسُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً بِهِمَا, فَيَقِفُونَ فِي مَوْقِفِ اَلْقِيَامَةِ, حَتَّى يَشْفَعَ فِيهِمْ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم )  وَيُحَاسِبَهُمْ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى, وَتُنْصَبُ اَلْمَوَازِينُ, وَتُنْشُرُ اَلدَّوَاوِينُ, وَتَتَطَايَرُ صَحَائِفُ اَلْأَعْمَالِ إِلَى اَلْإِيمَانِ وَالشَّمَائِلِ : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِه ِ.فسوف يحاسب حسابا يسيرا. وينقلب الى أهله مسرورا . وأما من أوتى كتابه وراء ظهره . فسوف يدعوا ثبورا . ويصلى سعيرا) (الانشقاق: 7-12) وَالْمِيزَانُ لَهُ كِفَّتَان وَلِسَانٌ, تُوزَنُ بِهِ اَلْأَعْمَالُ :  (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المؤمنون:102) (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) (المؤمنون:103)

 وَلِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم حَوْضٌ فِي اَلْقِيَامَةِ, مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اَللَّبَنِ, وَأَحْلَى مِنْ اَلْعَسَلِ, وَأَبَارِيقُهُ عَدَدُ نُجُومِ اَلسَّمَاءِ, مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا,  وَالصِّرَاطُ حَقٌّ, يَجُوزُهُ اَلْأَبْرَارُ, وَيَزِلُّ عَنْهُ اَلْفُجَّارُ, وَيَشْفَعُ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم )  فِيمَنْ دَخَلَ اَلنَّارَ مِنْ أُمَّتِهِ مِنْ أَهْلِ اَلْكَبَائِرِ, فَيَخْرُجُونَ بِشَفَاعَتِهِ بَعْدَمَا اِحْتَرَقُوا وَصَارُوا فَحْمًا وَحُمَمًا, فَيَدْخُلُونَ اَلْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ, وَلِسَائِرِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةِ شَفَاعَاتٌ قَالَ تَعَالَى: ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)(الانبياء: من الآية28) وَلَا تَنْفَعُ اَلْكَافِرَ شَفَاعَةُ اَلشَّافِعِينَ 

وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ لَا تَفْنَيَانِ فَالْجَنَّةُ مَأْوَى أَوْلِيَائِهِ, وَالنَّارُ عِقَابُ لِأَعْدَائِهِ,

وأهل الجنة مخلدون  (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) (الزخرف:74) (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) (الزخرف:75)

 وَيُؤْتَى بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ, فَيُذْبَحُ بَيْنَ اَلْجَنَّةِ وَالنَّارِ, ثُمَّ يُقَالُ "يَا أَهْلَ اَلْجَنَّةِ خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ, وَيَا أَهْلَ اَلنَّارِ خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ" 

الـشـــرح

الأمر الثالث: أشراط الساعة:

الأشراط جمع شرط وهو لغة العلامة. والساعة لغة الوقت أو الحاضر منه.. والمراد بها هنا: القيامة. فأشراط الساعة شرعاً العلامات الدالة على قرب يوم القيامة قال الله تعالى: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا)(محمد 18 ). وذكر المؤلف من أشراط الساعة ما يأتي:

1- (خروج الدجال) وهو لغة صيغة مبالغة من الدجل، وهو الكذب والتمويه.

وشرعاً: رجل مموه يخرج في آخر الزمان يدعي الربوبية. وخروجه ثابت بالسنة، والإجماع. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قولوا اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات" رواه مسلم(1). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منه في الصلاة.(2) متفق عليه.

وأجمع المسلمون على خروجه.

وقصته أنه يخرج من طريق بين الشام والعراق، فيدعو الناس إلى عبادته فأكثر من يتبعه اليهود والنساء والأعراب. ويتبعه سبعون ألفاً من يهود أصفهان، فيسير في الأرض كلها كالغيث استدبرته الريح، إلا مكة والمدينة فمنع منهما، ومدته أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وباقي أيامه كالعادة، وهو أعور العين مكتوب بين عينيه (ك ف ر) يقرؤه المؤمن فقط، وله فتنة عظيمة منها أنه يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت، معه جنة ونار، فجنته نار، وناره جنة. حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "من سمع به فلينأ عنه، ومن أدركه فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، أو بفواتح سورة الكهف"(3).

2- (نزول عيسى ابن مريم): نزول عيسى ابن مريم ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين.

قال الله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)(النساء 159). أي: موت عيسى، هذا حين نزوله كما فسره أبو هريرة بذلك.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والله لينزلن عيسى ابن مريم حكماً وعدلاً"(4). الحديث متفق عليه.

وقد أجمع المسلمون على نزوله، فينزل عند المنارة البيضاء في شرقي دمشق، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، فلا يحل لكافر يجد من ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلب الدجال حتى يدركه بباب لد فيقتله، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين ويحج ويعتمر، كل هذا ثابت في صحيح مسلم وبعضه في الصحيحين كليهما(5). وروى الإمام أحمد وأبو داود أن عيسى يبقى بعد قتل الدجال أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون(6). وذكر البخاري في تاريخه أنه يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم(7)، والله أعلم.

3- (يأجوج ومأجوج) اسمان أعجميان، أو عربيان مشتقان من المأج وهو الاضطراب، أو من أجيج النار وتلهبها.

وهما أمتان من بني آدم موجودتان بدليل الكتاب، والسنة.

قال الله تعالى قصة ذي القرنين: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً* قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً)(الكهف 93-94). الآيات.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله يوم القيامة: يا آدم، قم فابعث بعث النار من ذريتك"، إلى أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبشروا فإن منكم واحداً ومن يأجوج ومأجوج ألفاً" أخرجاه في الصحيحين(8).

وخروجهم الذي يكون من أشراط الساعة لم يأت بعد، ولكن بوادره وجدت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها"(9).

وقد ثبت خروجهم في الكتاب والسنة.

قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ* وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَق)(الانبياء 96). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات". فذكر: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوفات خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم. رواه مسلم(10)، وقصتهم في حديث النواس بن سمعان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في عيسى ابن مريم بعد قتله الدجال: "فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم ويقول: لقد كان بهذه مرة ماء، ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل ببيت المقدس، فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دماً، ويحصر نبي الله وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل عليهم طيراً كأعناق البخت فتحمهم فتطرحهم حيث شاء الله". رواه مسلم(11).

4- (خروج الدابة). الدابة لغة: كل ما دب على الأرض. والمراد بها هنا: الدابة التي يخرجها الله قرب قيام الساعة.. وخروجها ثابت بالقرآن والسنة.

قال الله تعالى: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ)(انمل 82).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات" وذكر منها الدابة. رواه مسلم(12).

وليس في القرآن والسنة الصحيحة ما يدل على مكان خروج هذه الدابة وصفتها، وإنما وردت في ذلك أحاديث في صحتها نظر. وظاهر القرآن أنها دابة تنذر الناس بقرب العذاب والهلاك. والله أعلم.

5- (طلوع الشمس من مغربها) طلوع الشمس من مغربها ثابت بالكتاب والسنة.

قال الله تعالى:( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً)(الانعام 158). والمراد بذلك طلوع الشمس من مغربها.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً" متفق عليه(13).

فتنة القبر:

الفتنة لغة: الاختبار. وفتنة القبر: سؤال الميت عن ربه، ودينه، ونبيه، وهي ثابتة بالكتاب والسنة.

قال الله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)(ابراهيم 27). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) متفق عليه(14).

والسائل ملكان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، قال: يأتيه ملكان فيقعدانه". رواه مسلم(15). واسمهما منكر ونكير كما رواه الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً وقال حسن غريب(16). قال الألباني: وسنده حسن وهو على شرط مسلم، والسؤال عام للمكلفين من المؤمنين والكافرين، ومن هذه الأمة وغيرهم على القول الصحيح، وفي غير المكلفين خلاف، وظاهر كلام ابن القيم في كتاب (الروح) ترجيح السؤال. ويستثنى من ذلك الشهيد؛ لحديث رواه النسائي(17)، ومن مات مرابطاً في سبيل الله لحديث رواه مسلم(18).

عذاب القبر أو نعيمه:

عذاب القبر أو نعيمه ثابت بظاهر القرآن، وصريح السنة، وإجماع أهل السنة. قال الله تعالى في سورة "الواقعة": (فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ* وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ)(الواقعة 83-84)، إلى قوله: (تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ* فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ)(الواقعة 88). إلخ السورة.. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من عذاب القبر، وأمر أمته بذلك. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب المشهور في قصة فتنة القبر، قال في المؤمن: "فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، والبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من ريحها، وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره". وقال في الكافر: "فينادي منادٍ من السماء أن كذب عبدي فافرشوه من النار، وافتحوا له باباً من النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه". الحديث رواه أحمد وأبو داود(19).

وقد اتفق السلف وأهل السنة على إثبات عذاب القبر ونعيمه ذكره ابن القيم في كتاب (الروح).

وأنكر الملاحدة عذاب القبر متعللين بأننا لو نبشنا القبر لوجدناه كما هو.

نرد عليهم بأمرين:

1- دلالة الكتاب، والسنة، وإجماع السلف على ذلك.

2- أن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا فليس العذاب أو النعيم في القبر المحسوس في الدنيا.

هل عذاب القبر أو نعيمه على الروح أو على البدن؟

قال شيخ الإسلام ابن تيميه: مذهب سلف الأمة وأئمتها أن العذاب أو النعيم يحصل لروح الميت وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة، أو معذبة وأنها تتصل بالبدن أحياناً فيحصل له معها النعيم أو العذاب.

النفخ في الصور:

النفخ معروف. والصور لغة: القرن.

وشرعاً: قرن عظيم التقمه إسرافيل ينتظر متى يؤمر بنفخه، وإسرافيل أحد الملائكة الكرام الذين يحملون العرش، وهما نفختان:

إحداهما: نفخة الفزع ينفخ فيه فيفزع الناس ويصعقون إلا من شاء الله.

الثانية: نفخة البعث ينفخ فيه فيبعثون ويقومون من قبورهم.

وقد دل على النفخ في الصور الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة.

قال الله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)(الزمر). (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ)(يس 51).

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، ثم لا يبقى أحد إلا صعق، ثم ينزل الله مطراً كأنه الطل أو الظل (شك الراوي) فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون". رواه مسلم في حديث طويل.وقد اتفقت الأمة على ثبوته.

البعث والحشر

البعث لغة: الإرسال، والنشر.

وشرعاً: إحياء الأموات يوم القيامة.

والحشر لغة: الجمع.

وشرعاً: جمع الخلائق يوم القيامة لحسابهم والقضاء بينهم.

والبعث والحشر حق ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين، قال الله تعالى: (قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُن)(التغابن 7). وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ* لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)(الواقعة 49-50).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد" متفق عليه(20).

وأجمع المسلمون على ثبوت الحشر يوم القيامة.

ويحشر الناس حفاة لا نعال عليهم، عراة لا كسوة عليهم، غرلاً لا ختان فيهم؛ لقوله تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ)(الانبياء 104). وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم تحشرون حفاة، عراة، غرلاً" ثم قرأ: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)(الانبياء 104) وأول من يكسى إبراهيم". متفق عليه(21).

وفي حديث عبد الله بن أنيس المرفوع الذي رواه أحمد: "يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلاً، بهماً". قلنا: وما بهماً؟ قال: "ليس معهم شيء" الحديث.

(الشفاعة)

الشفاعة لغة: جعل الوتر شفعاً.

واصطلاحاً: التوسط للغير بجلب منفعة، أو دفع مضرة.

والشفاعة يوم القيامة نوعان: خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعامة له ولغيره.

فالخاصة به صلى الله عليه وسلم شفاعته العظمى في أهل الموقف عند الله ليقضي بينهم حين يلحقهم من الكرب والغم ما لا يطيقون، فيذهبون إلى آدم، فنوح، فإبراهيم، فموسى، فعيسى، وكلهم يعتذرون إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فيشفع فيهم إلى الله فيأتي سبحانه وتعالى للقضاء بين عباده.

وقد ذكرت هذه الصفة في حديث الصور المشهور لكن سنده ضعيف متكلم فيه وحذفت من الأحاديث الصحيحة فاقتصر منها على ذكر الشفاعة في أهل الكبائر.

قال ابن كثير وشارح الطحاوية: وكان مقصود السلف من الاقتصار على الشفاعة في أهل الكبائر هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة.

وهذه الشفاعة لا ينكرها المعتزلة والخوارج، ويشترط فيها إذن الله؛ لقوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)(البقرة 255).

النوع الثاني العامة: وهي الشفاعة فيمن دخل النار من المؤمنين أهل الكبائر أن يخرجوا منها بعدما احترقوا وصاروا فحماً وحميماً؛ لحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أناس – أو كما قال – تصيبهم النار بذنوبهم – أو قال – بخطاياهم فيميتهم إماتة حتى إذا صاروا فحماً أذن في الشفاعة" الحديث رواه أحمد(9).

قال ابن كثير في النهاية (ص204 ج2): وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجها من هذا الوجه.

وهذه الشفاعة تكون للنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء، والملائكة، والمؤمنين؛ لحديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: "فيقول الله تعالى: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط قد عادوا حمماً" متفق عليه(22).

وهذه الشفاعة ينكرها المعتزلة والخوارج بناء على مذهبهم أن فاعل الكبيرة مخلد في النار فلا تنفعه الشفاعة.

ونرد عليهم بما يأتي:

1- أن ذلك مخالف للمتواتر من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

2- أنه مخالف لإجماع السلف.

ويشترط لهذه الشفاعة شرطان:

الأول: إذن الله في الشفاعة؛ لقوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)(البقرة 255).

الثاني: رضا الله عن الشافع والمشفوع له؛ لقوله تعالى: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)(الانبياء 28). فأما الكافر فلا شفاعة له؛ لقوله تعالى: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)(المدثر 48). أي لو فرض أن أحداً شفع لهم لم تنفعهم الشفاعة.

وأما شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب حتى كان في ضحضاح من نار وعليه نعلان يغلي منهما دماغه، وإنه لأهون أهل النار عذاباً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار" رواه مسلم(23). فهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعمه أبي طالب فقط، وذلك والله أعلم لما قام به من نصرة النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه، وعما جاء به.

(الحساب)

الحساب لغة: العدد.

وشرعاً: إطلاع الله عباده على أعمالهم.

وهو ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين.

قال الله تعالى: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ)(الغاشية 25-26). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: "اللهم حاسبني حساباً يسيراً". فقالت عائشة: ما الحساب اليسير؟ قال: "أن ينظر في كتابه فيتجاوز عنه" رواه أحمد. وقال الألباني إسناده جيد.

وأجمع المسلمون على ثبوت الحساب يوم القيامة.

وصفه الحساب للمؤمن: أن الله يخلو به فيقرره بذنوبه، حتى إذا رأى أنه قد هلك. قال الله له: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته.

وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين. متفق عليه من حديث ابن عمر(24).

والحساب عام لجميع الناس إلا من استثناهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهم سبعون ألفاً من هذه الأمة منهم عكاشة بن محصن يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب(25). متفق عليه. وروى أحمد من حديث ثوبان مرفوعاً أن مع كل واحد سبعين ألفا(26)ً، قال ابن كثير: حديث صحيح وذكر له شواهد.

وأول من يحاسب هذه الأمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق" متفق عليه(27)، وروى ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعاً: "نحن آخر الأمم وأول من يحاسب". الحديث(28).

وأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله" رواه الطبراني في "الأوسط" وسنده لا بأس به إن شاء الله، قاله المنذري في "الترغيب والترهيب" (ص246 ج1)(29). وأول ما يقضى بين الناس في الدماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء" متفق عليه(30).

(الموازين)

الموازين جمع ميزان، وهو لغة: ما تقدر به الأشياء خفة وثقلاً.

وشرعاً: ما يضعه الله يوم القيامة لوزن أعمال العباد.

وقد دل عليه الكتاب، والسنة، وإجماع السلف.

قال الله تعالى: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)(المؤمنون 102-103) ، (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)(الانبياء 47).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" متفق عليه(31).

وأجمع السلف على ثبوت ذلك.

وهو ميزان حقيقي، له كفتان، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب البطاقة قال: "فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة". الحديث رواه الترمذي وابن ماجه. قال الألباني: إسناده صحيح(32).

واختلف العلماء هل هو ميزان واحد أو متعدد؟

فقال بعضهم: متعدد بحسب الأمم، أو الأفراد، أو الأعمال؛ لأنه لم يرد في القرآن إلا مجموعاً وأما إفراده في الحديث فباعتبار الجنس.        

وقال بعضهم: هو ميزان واحد؛ لأنه ورد في الحديث منفرداً، وأما جمعه في القرآن فباعتبار الموزون وكلا الأمرين محتمل. والله أعلم.

والذي يوزن العمل، لظاهر الآية السابقة والحديث بعدها.

وقيل: صحائف العمل لحديث صاحب البطاقة.

وقيل: العمل نفسه لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة". وقال: اقرأوا: (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً)(الكهف 105). متفق عليه(33).

وجمع بعض العلماء بين هذه النصوص بأن الجميع يوزن، أو أن الوزن حقيقة للصحائف وحيث إنها تثقل وتخف بحسب الأعمال المكتوبة صار الوزن كأنه للأعمال، وأما وزن صاحب العمل فالمراد به قدره وحرمته. وهذا جمع حسن والله أعلم.

(نشر الدواوين)

النشر لغة: فتح الكتاب أو بث الشيء.

وشرعاً: إظهار صحائف الأعمال يوم القيامة وتوزيعها.

والدواوين: جمع ديوان وهو لغة: الكتاب يحصى فيه الجند ونحوهم.

وشرعاً: الصحائف التي أحصيت فيها الأعمال التي كتبها الملائكة على العامل.

فنشر الدواوين إظهار صحائف الأعمال يوم القيامة، فتتطاير إلى الأيمان والشمائل، وهو ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة.

قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً* وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً* وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ* فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً* وَيَصْلَى سَعِيراً)(الانشقاق 7-12). (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ)(الحاقة 25).

وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تذكرون أهليكم؟ قال: أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحداً: عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل، وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه، أم في شماله، أم وراء ظهره، وعند الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم حتى يجاوز". رواه أبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرطهما(34).

وأجمع المسلمون على ثبوت ذلك.

(صفة أخذ الكتاب)

المؤمن يأخذ كتابه بيمينه فيفرح ويستبشر ويقول:(هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ)(الحاقة 19).

والكافر يأخذه بشماله، أو من وراء ظهره فيدعو بالويل والثبور ويقول: (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ* وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ)(الحاقة 25-26).

(الحوض)

الحوض لغة: الجمع. يقال: حاض الماء يحوضه إذا جمعه، ويطلق على مجتمع الماء.

وشرعاً: حوض الماء النازل من الكوثر في عرصات القيامة للنبي صلى الله عليه وسلم.

ودل عليه السنة المتواترة، وأجمع عليه أهل السنة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني فرطكم على الحوض". متفق عليه(35).

وأجمع السلف أهل السنة على ثبوته، وقد أنكر المعتزلة ثبوت الحوض.

ونرد عليهم بأمرين:

1- الأحاديث المتواترة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

2- إجماع أهل السنة على ذلك.

صفة الحوض:

طوله شهر، وعرضه شهر، وزواياه سواء، وآنيته كنجوم السماء، وماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب من ريح المسك، فيه ميزابان يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب، والثاني من فضة، يرده المؤمنون من أمة محمد، ومن يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، وكل هذا ثابت في الصحيحين أو أحدهما(36).

وهو موجود الآن لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن" رواه البخاري.

واستمداده من الكوثر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وأعطاني الكوثر وهو نهر في الجنة يسيل في حوض". رواه أحمد. قال ابن كثير: وهو حسن الإسناد والمتن.

ولكل نبي حوض، ولكن حوض نبي صلى الله عليه وسلم أكبرها وأعظمها وأكثرها واردة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي حوضاً، وإنهم ليتباهون أيهم أكثر واردة، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة". رواه الترمذي وقال غريب، وروى ذلك ابن أبي الدنيا وابن ماجه من حديث أبي سعيد، وفيه ضعف لكن صححه بعضهم من أجل تعدد الطرق(37).

(الصراط)

الصراط لغة: الطريق.

وشرعاً: الجسر الممدود على جهنم ليعبر الناس عليه إلى الجنة.

وهو ثابت بالكتاب، والسنة وقول السلف.

قال الله تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا)(مريم 71). فسرها عبد الله بن مسعود، وقتادة، وزيد بن أسلم بالمرور على الصراط.

وفسرها جماعة، منهم ابن عباس بالدخول في النار لكن ينجون منها.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون: اللهم سلم سلم" متفق عليه(38).

واتفق أهل السنة على إثباته.

صفة الصراط:

سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصراط فقال: "مدحضة مزلة، عليه خطاطيف وكلاليب، وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء، تكون بنجد، يقال لها: السعدان" رواه البخاري. وله من حديث أبي هريرة: "وبه كلاليب مثل شوك السعدان، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله يخطف الناس بأعمالهم"(39). وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: بلغني أنه أدق من الشعر، وأحد من السيف. وروى الإمام أحمد نحوه عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً(40).

العبور على الصراط وكيفيته:

لا يعبر الصراط إلا المؤمنون على قدر أعمالهم لحديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: "فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، ومخدوش مرسل ومكدوس في جهنم" متفق عليه(40). وفي صحيح مسلم: "ترجي بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: يا رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفاً"(41). وفي صحيح البخاري: "حتى يمر آخرهم يسحب سحباً"(42).

وأول من يعبر الصراط من الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الأمم أمته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم" رواه البخاري(43).

الجنة والنار

الجنة لغة: البستان الكثير الأشجار.

وشرعاً: الدار التي أعدها الله في الآخرة للمتقين.

والنار لغة: معروفة.

وشرعاً: الدار التي أعدها الله في الآخرة للكافرين.

وهما مخلوقتان الآن لقوله تعالى في الجنة: (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)(ال عمران 133). وفي النار: (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين)(البقرة 24). والإعداد: التهيئة. ولقوله صلى الله عليه وسلم حين صلى صلاة الكسوف: "إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقوداً ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر كاليوم منظراً قط أفظع" متفق عليه.

والجنة والنار لا تفنيان لقوله: (جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)(البينة 8). (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً* إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)(النساء 168-169).وفي الأحزاب:(إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً* خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)(الاحزاب 64-65(.وفي الجن:(وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)(الجن 23) . وقال الله تعالى: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ* لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ)(الزخرف 74-75).

مكان الجنة والنار:

الجنة في أعلى عليين لقوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ)(المطففين 18) وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب المشهور في قصة فتنة القبر: "فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض".

والنار في أسفل سافلين لقوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ)(المطففين 7). وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب السابق: "فيقول الله تعالى: اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى".

أهل الجنة وأهل النار:

أهل الجنة كل مؤمن تقي لأنهم أولياء الله، قال الله تعالى في الجنة: (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)(ال عمران 133). (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ)(الحديد 21).

وأهل النار كل كافر شقي، قال الله تعالى في النار: (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)(البقرة 24). (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ)(هود 106).

ذبح الموت:

الموت زوال الحياة، وكل نفس ذائقة الموت، وهو أمر معنوي غير محسوس بالرؤية، ولكن الله تعالى يجعله شيئاً مرئياً مجسماً ويذبح بين الجنة والنار؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي منادٍ: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت. وكلهم قد رآه. فيذبح. ثم يقول: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت". ثم قرأ: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(مريم 39). أخرجه البخاري في تفسير هذه الآية(44)، وروى نحوه في صفة الجنة والنار من حديث ابن عمر مرفوعا(45).

(1)  "صحيح مسلم"، كتاب المساجد (590).

(2)  رواه البخاري، كتاب الأذان (832)، ومسلم، كتاب المساجد (589).

(3) روى أبو داود جزءاً منه في كتاب الملاحم (4319)، وأحمد (4/441)، وروى مسلم جزءاً آخر في ضمن الحديث الطويل للنواس بن سمعان، كتاب الفتن (2937). وكذلك الترمذي، كتاب الفتن (2240).

(4)  رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء (3448)،ومسلم، كتاب الإيمان (155).

(5)  انظر: "صحيح البخاري" كتاب أحاديث الأنبياء (3448)، ومسلم، كتاب الإيمان (155)، وكتاب الحج (1252)، وكتب الفتن (2937).

(6)  سنن أبي داود، كتاب الملاحم (4324)، ومسند أحمد (2/406)، وصححه الألباني.

(7)  ذكره الترمذي في كتاب المناقب (3617)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/263)، وقال: هذا لا يصح عندي..

(8)  "صحيح البخاري"، كتاب الرقاق (6530)، و "مسلم"، كتاب الإيمان (222).

(9)  رواه البخاري، كتاب الفتن (7135)، ومسلم، كتاب الفتن (2880)..

(10)  "صحيح مسلم"، كتاب الفتن (2901).

(11)  "صحيح مسلم"، كتاب الفتن (2937).

 (12)  تقدم تخريجه.

 (13)  رواه البخاري، كتاب التفسير (4636)، ومسلم، كتاب الإيمان (157).

 (14)  رواه البخاري، كتاب الجنائز (1369)، كتاب الجنة (2871).

(15)  "صحيح مسلم" كتاب الجنة (2870)، ورواه البخاري، كتاب الجنائز (1338).

(16)  سنن الترمذي، كتاب الجنائز (1071).

(17)  وهو أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: "كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة". سنن النسائي، كتاب الجنائز (2053).

(18)  وهو عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه. وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان". صحيح مسلم، كتاب الجهاد (1913).

(19)  مسند أحمد (4/287)، وأبو داود، كتاب السنة (4753)، وصححه الألباني.

(20)  رواه البخاري، كتاب الرقاق (6521)، ومسلم، كتاب صفة القيامة (2790).

 (21)  رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء (3349)، ومسلم، كتاب الجنة (2860).

(22)  رواه البخاري، كتاب التوحيد، (7439)، ومسلم، كتاب الإيمان (183).

(23)  رواه البخاري، كتاب مناقب الأنصار (3883)، ومسلم، كتاب الإيمان (209).

(24)  رواه البخاري، كتاب المظالم (2441)، ومسلم، كتاب التوبة (2768).

(25)  رواه البخاري، كتاب الطب (5704)، ومسلم، كتاب الإيمان (220).

(26)  رواه أحمد بلفظ: "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفاً" (5/280، 281).

(27)  هذا اللفظ في مسلم، كتاب الجمعة (856)، وفي البخاري، كتاب الجمعة (876)، ومسلم، كتاب الجمعة (855)، بلفظ: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا".

(28)  "سنن ابن ماجه"، كتاب الزهد (4290) صححه الألباني.

(29)  رواه الترمذي، كتاب الصلاة (413)، والنسائي، كتاب الصلاة (467)، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة (1426).

(30)  رواه البخاري، كتاب الرقاق (6533)، ومسلم، كتاب القسامة (1678).

(31)  رواه البخاري، كتاب التوحيد (7563)، ومسلم، كتاب الذكر (2694).

(32)  سنن الترمذي، كتاب الإيمان (2639)، ومسلم، كتاب الزهد (4300).

(33)  رواه البخاري، كتاب التفسير (4729)، ومسلم، كتاب صفة القيامة (2785).

(34)  رواه أبو داود، كتاب السنة (4755)، والحاكم (4/578).

(35)  رواه البخاري، كتاب الرقاق (6583)، ومسلم كتاب الفضائل (2290).

(36)  "صحيح البخاري"، كتاب الرقاق (6579، 6580)،  و "صحيح مسلم"، كتاب الفضائل (2300، 2301)

 (37) رواه الترمذي، كتاب صفة القيامة (2443).

(38)  رواه البخاري، كتاب التوحيد (7439)، ومسلم، كتاب الإيمان (183).

 (39)  رواه البخاري، كتاب الرقاق (6573).                                           

(40)  "صحيح مسلم"، كتاب الإيمان (183)، و "مسند أحمد" (6/110).

(41)  "صحيح مسلم"، كتاب الإيمان (195).

(42)  "صحيح البخاري"، كتاب التوحيد (7439).

(43)  رواه البخاري، كتاب التوحيد (7437).

(44)  "صحيح البخاري"، كتاب التفسير (4730).

(45)  "صحيح البخاري"، كتاب الرقاق (6548).

Air Jordan 1 Blue Chill Womens CD0461 401 Release Date 4 | Dialadogwash - Sneakers , Humanity's shoes - Footwear NIKE - Blazer Mid '77 DA4651 100 White/Midnight Navy/Sail - nike air max team running shoe repair worn heel - Low shoes

الأقسام الرئيسية: