أما شواهد هذه القاعدة فأكثر من أن تحصر فنذكر منها ما حضر
( فالأول قوله ) سبحانه وتعالى : سورة الأنعام الآية 108 وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ حرم سب الآلهة مع أنه عبادة لكونه ذريعة إلى سبهم لله سبحانه وتعالى ؛ لأن مصلحة تركهم سب الله سبحانه راجحة على مصلحة سبنا لآلهتهم .
( الثاني ) : ما روى حميد بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : صحيح البخاري الأدب (5628)،صحيح مسلم الإيمان (90)،سنن الترمذي البر والصلة (1902)،سنن أبو داود الأدب (5141)،مسند أحمد بن حنبل (2/216). من الكبائر شتم الرجل والديه . قالوا : يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال : نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه . متفق عليه . ولفظ البخاري : صحيح البخاري الأدب (5628)،صحيح مسلم الإيمان (90)،سنن الترمذي البر والصلة (1902)،سنن أبو داود الأدب (5141)،مسند أحمد بن حنبل (2/216). إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه . قالوا : يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه ؟ قال : يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه . فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الرجل سابا لاعنا لأبويه إذا سب سبا يجزيه الناس عليه بالسب لهما ، وإن لم يقصده وبين هذا والذي قبله فرق ؛ لأن سب آباء
(الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 20)
الناس هنا حرام ، لكن قد جعله النبي -صلى الله عليه وسلم- من أكبر الكبائر ؛ لكونه شتما لوالديه ؛ لما فيه من العقوق ، وإن كان فيه إثم من جهة إيذاء غيره .
( الثالث ) : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكف عن قتل المنافقين مع كونه مصلحة ؛ لئلا يكون ذريعة إلى قول الناس : إن محمدا -صلى الله عليه وسلم- يقتل أصحابه ؛ لأن هذا القول يوجب النفور عن الإسلام ممن دخل فيه وممن لم يدخل فيه ، وهذا النفور حرام .
( الرابع ) : أن الله سبحانه حرم الخمر ؛ لما فيه من الفساد المترتب على زوال العقل هذا في الأصل ليس من هذا الباب . ثم إنه حرم قليل الخمر وحرم ا قتناءها للتخليل ، وجعلها نجسة ؛ لئلا تقضي إباحته مقاربتها بوجه من الوجوه لا لإتلافها على شاربها ، ثم إنه قد نهى عن الخليطين ، وعن شرب العصير والنبيذ بعد ثلاث ، وعن الانتباذ في الأوعية التي لا نعلم بتخمير النبيذ فيها حسما لمادة ذلك . وإن كان في بقاء بعض هذه الأحكام خلاف . وبين صلى الله عليه وسلم أنه إنما نهى عن بعض ذلك ؛ لئلا يتخذ ذريعة ، فقال : مسند أحمد بن حنبل (4/207). لو رخصت لكم في هذه لأوشك أن تجعلوها مثل هذه . يعني صلى الله عليه وسلم أن النفوس لا تقف عند الحد المباح في مثل هذا .
( الخامس ) : أنه حرم الخلوة بالمرأة الأجنبية والسفر بها ولو في مصلحة دينية ؛ حسما لمادة ما يحاذر من تغير الطباع وشبه الغير .
( السادس ) : أنه نهى عن بناء المساجد على القبور ، ولعن من فعل ذلك ونهى عن تكبير القبور وتشريفها وأمر بتسويتها ، ونهى عن الصلاة إليها وعندها ، وعن إيقاد المصابيح عليها لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اتخاذها أوثانا . وحرم ذلك على من قصد هذا ومن لم يقصده بل قصد خلافه سدا للذريعة .
( السابع ) : أنه نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها وكان من حكمة ذلك أنهما وقت سجود الكفار للشمس ، ففي ذلك تشبيه بهم ، ومشابهة الشيء لغيره ذريعة إلى أن يعطى بعض أحكامه ، فقد يفضي ذلك إلى السجود للشمس أو أخذ بعض أحوال عابديها .
(الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 21)
( الثامن ) : أنه نهى -صلى الله عليه وسلم- عن التشبه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة مثل قوله : صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3275)،صحيح مسلم اللباس والزينة (2103)،سنن النسائي الزينة (5071)،سنن أبو داود الترجل (4203)،سنن ابن ماجه اللباس (3621)،مسند أحمد بن حنبل (2/309). إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم . سنن أبو داود الصلاة (652). إن اليهود لا يصلون في نعالهم فخالفوهم . وقوله صلى الله عليه وسلم في عاشوراء : صحيح مسلم الصيام (1134)،سنن أبو داود الصوم (2445)،مسند أحمد بن حنبل (1/236). لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع . وقال في موضع : لا تشبهوا بالأعاجم . وقال فيما رواه الترمذي : سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2695). ليس منا من تشبه بغيرنا . حتى قال حذيفة بن اليمان : من تشبه بقوم فهو منهم . وما ذلك إلا لأن المشابهة في بعض الهدي الظاهر يوجب المقاربة ونوعا من المناسبة يفضي إلى المشاركة في خصائصهما التي انفردوا بها عن المسلمين والعرب ، وذلك يجر إلى فساد عريض .
( التاسع ) : أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الجمع بين المرأة وعمتها ، وبينها وبين خالتها وقال : إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم . حتى لو رضيت المرأة أن تنكح عليها أختها ، كما رضيت بذلك أم حبيبة صحيح البخاري النكاح (4818)،صحيح مسلم الرضاع (1449)،سنن النسائي النكاح (3285)،سنن أبو داود النكاح (2056)،سنن ابن ماجه النكاح (1939)،مسند أحمد بن حنبل (6/428). لما طلبت من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتزوج أختها درة ، لم يجز ذلك ، وإنما زعمتا أنهما لا تتباغضان بذلك ؛ لأن الطباع تتغير ، فيكون ذريعة إلى فعل المحرم من القطيعة ، وكذلك حرم نكاح أكثر من أربع ؛ لأن الزيادة على ذلك ذريعة إلى الجور بينهن في القسم ، وإن زعم أن العلة إفضاء ذلك إلى كثرة المؤونة المفضية إلى أكل الحرام من مال اليتامى وغيرهن ، وقد بين العلة الأولى بقوله تعالى : سورة النساء الآية 3 ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا . وهذا نص في اعتبار الذريعة .
( العاشر ) : أن الله سبحانه حرم خطبة المعتدة صريحا حتى حرم ذلك في عدة الوفاة ، وإن كان المرجع في انقضائها ليس هو إلى المرأة ؛ فإن إباحته الخطبة قد يجر إلى ما هو أكبر من ذلك .
( الحادي عشر ) : إن الله سبحانه حرم عقد النكاح في حال العدة وفي حال الإحرام ؛ حسما لمادة دواعي النكاح في هاتين الحالتين ، ولهذا حرم التطيب في هاتين الحالتين .
( الثاني عشر ) : إن الله سبحانه اشترط للنكاح شروطا زائدة على حقيقة
(الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 22)
العقد تقطع عنه شبهة بعض أنواع السفاح به ، مثل اشتراط إعلانه إما بالشهادة أو ترك الكتمان أو بهما ، ومثل اشتراط الولي فيه ، ومنع المرأة أن تليه ، وندب إلى إظهاره حتى استحب فيه الدف والصوت والوليمة ، وكان أصل ذلك في قوله تعالى : سورة النساء الآية 24 مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ و سورة النساء الآية 25 مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ، وإنما ذلك لأن في الإخلال بذلك ذريعة إلى وقوع السفاح بصورة النكاح وزوال بعض مقاصد النكاح من حجر الفراش . ثم إنه وكد ذلك بأن جعل للنكاح حريما من العدة يزيد على مقدار الاستبراء ، وأثبت له أحكاما من المصاهرة وحرمتها ومن الموارثة زائدة على مجرد مقصود الاستمتاع ، فعلم أن الشارع جعله سببا وصلة بين الناس بمنزلة الربح كما جعل بينهما في قوله تعالى : سورة الفرقان الآية 54 نَسَبًا وَصِهْرًا وهذه المقاصد تمنع اشتباهه بالسفاح ، وتبين أن نكاح المحلل بالسفاح أشبه منه بالنكاح ، حيث كانت هذه الخصائص غير متيقنة فيه .
( الثالث عشر ) سنن الترمذي البيوع (1234)،سنن النسائي البيوع (4611)،سنن أبو داود البيوع (3504)،مسند أحمد بن حنبل (2/205)،سنن الدارمي البيوع (2560). إن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يجمع الرجل بين سلف وبيع وهو حديث صحيح ، ومعلوم أنه لو أفرد أحدهما عن الآخر صح . وإنما ذاك لأن اقتران أحدهما بالآخر ذريعة إلى أن يقرضه ألفا ويبيعه ثمانمائة بألف أخرى ، فيكون قد أعطاه ألفا وسلعة بثمانمائة ؛ ليأخذ منه ألفين ، وهذا هو معنى الربا .
ومن العجب أن بعض من أراد أن يحتج للبطلان في مسألة مد عجوة قال : إن من جوزها يجوز أن يبيع الرجل ألف دينار ومنديلا بألف وخمسمائة دينار تبر . يقصد بذلك أن هذا ذريعة إلى الربا ، وهذه علة صحيحة في مسألة مد عجوة لكن المحتج بها ممن يجوز أن يقرضه ألفا ويبيعه المنديل بخمسمائة ، وهي بعينها الصورة التي نهى عنها رسول صلى الله عليه وسلم . والعلة المتقدمة بعينها موجودة فيها ، فكيف ينكر على غيره ما هو مرتكب له ؟
( الرابع عشر ) : إن الآثار المتقدمة في العينة فيها ما يدل على المنع من
(الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 23)
عودة السلعة إلى البائع وإن لم يتواطأ على الربا ، وما ذاك إلا سدا للذريعة .
( الخامس عشر ) : أنه تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه منع المقرض قبول هدية المقترض ، إلا أن يحسبها له أو يكون قد جرى ذلك بينهما قبل القرض . وما ذاك إلا لئلا تتخذ ذريعة إلى تأخير الدين لأجل الهدية فيكون ربا إذا استعاد ماله بعد أن أخذ فضلا . وكذلك ما ذكر من منع الوالي والقاضي قبول الهدية ومنع الشافع قبول الهدية ؛ فإن فتح هذا الباب ذريعة إلى فساد عريض في الولاية الشرعية .
(السادس عشر) إن السنة مضت بأنه ليس لقاتل من الميراث شيء ، إما القاتل عمدا كما قال مالك ، والقاتل مباشرة كما قاله أبو حنيفة على تفصيل لهما . أو القاتل قتلا مضمونا بقود أو دية أو كفارة . أو القاتل بغير حق ، أو القاتل مطلقا في هذه الأقوال في مذهب الشافعي وأحمد ، وسواء قصد القاتل أن يتعجل الميراث أو لم يقصده ؛ فإن رعاية هذا القصد غير معتبرة في المنع وفاقا ، وما ذاك إلا لأن توريث القاتل ذريعة إلى وقوع هذا الفعل ، فسدت الذريعة بالمنع بالكلية مع ما فيه من علل أخر .
( السابع عشر ) : إن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ورثوا المطلقة المبتوتة في مرض الموت ، حيث يتهم بقصد حرمانها الميراث بلا تردد ، وإن لم يقصد الحرمان ؛ لأن الطلاق ذريعة ، وأما حيث لا يتهم ففيه خلاف معروف ، مأخذ الشارع في ذلك أن المورث أوجب تعلق حقها بماله ، فلا يمكن من قطعه أو سد الباب بالكلية ، وإن كان في أصل المسألة خلاف متأخر عن إجماع السابقين .
( الثامن عشر ) : إن الصحابة وعامة الفقهاء اتفقوا على قتل الجمع بالواحد ، وإن كان قياس القصاص يمنع ذلك ؛ لئلا يكون عدم القصاص ذريعة إلى التعاون على سفك الدماء .
( التاسع عشر ) : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن إقامة الحدود بدار الحروب ؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اللحاق بالكفار .
(الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 24)
( العشرون ) : صحيح البخاري الصوم (1815)،صحيح مسلم الصيام (1082)،سنن الترمذي الصوم (684)،سنن النسائي الصيام (2173)،سنن أبو داود الصوم (2335)،سنن ابن ماجه الصيام (1650)،مسند أحمد بن حنبل (2/281)،سنن الدارمي الصوم (1689). أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون صوما كان يصومه أحدكم فليصمه ، صحيح البخاري الصوم (1892)،صحيح مسلم الصيام (1139)،مسند أحمد بن حنبل (2/139). ونهى عن صوم يوم الشك إما مع كون طلوع الهلال مرجوحا وهو حال الصحو ، وإما سواء كان راجحا أو مرجوحا أو مساويا على ما فيه من الخلاف المشهور ، وما ذاك إلا لئلا يتخذ ذريعة إلى أن يلحق بالفرض ما ليس منه ، وكذلك حرم صوم اليوم الذي يلي آخر الصوم وهو يوم العيد وعلل بأنه صحيح البخاري الصوم (1889)،صحيح مسلم الصيام (1137)،سنن الترمذي الصوم (771)،سنن أبو داود الصوم (2416)،سنن ابن ماجه الصيام (1722)،مسند أحمد بن حنبل (1/34)،موطأ مالك النداء للصلاة (431). يوم فطركم من صومكم تمييزا لوقت العبادة من غيره ؛ لئلا يفضي الصوم المتواصل إلى التساوي ، وراعى هذا المقصود في استحباب تعجيل الفطور وتأخير السحور ، واستحباب الأكل يوم الفطر قبل الصلاة ، وكذلك ندب إلى تمييز فرض الصلاة عن نفلها وعن غيرها ، فكره للإمام أن يتطوع في مكانه وأن يستديم استقبال القبلة ، وندب المأموم إلى هذا التمييز ، ومن جملة فوائد ذلك سد الباب الذي قد يفضي إلى الزيادة في الفرائض .
( الحادي والعشرون ) : أنه صلى الله عليه وسلم كره الصلاة إلى ما قد عبد من دون الله سبحانه وأحب لمن صلى إلى عمود أو عود ونحوه أن يجعله على أحد حاجبيه ولا يصمد إليه صمدا ؛ قطعا لذريعة التشبيه بالسجود لغير الله سبحانه .
( الثاني والعشرون ) : أنه سبحانه منع المسلمين من أن يقولوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ( راعنا ) مع قصدهم الصالح ؛ لئلا تتخذه اليهود ذريعة إلى سبه صلى الله عليه وسلم ، ولئلا يتشبه بهم ، ولئلا يخاطب بلفظ يحتمل معنى فاسدا .
( الثالث والعشرون ) : أنه أوجب الشفعة لما فيه من رفع الشركة ، وما ذاك إلا لما يفضي إليه من المعاصي المعلقة بالشركة والقسمة ؛ سدا لهذه المفسدة بحسب الإمكان .
( الرابع والعشرون ) : أن الله سبحانه أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بالظاهر مع إمكان أن يوحي إليه بالباطن ، وأمره أن يسوي الدعاوى بين العدل والفاسق وألا يقبل شهادة ظنين في قرابة وإن وثق بتقواه ، حتى لم يجز للحاكم أن يحكم بعلمه عند أكثر الفقهاء ؛ لينضبط طريق الحكم ؛ فإن التمييز بين الخصوم والشهود يدخل فيه من الجهل والظلم ما لا يزول إلا بحسم هذه المادة ، وإن أفضت في آحاد الصور إلى الحكم بغير الحق ؛ فإن فساد ذلك قليل إذا لم يتعمد في جنب
(الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 25)
فساد الحكم بغير طريق مضبوط من قرائن أو فراسة أو صلاح خصم أو غير ذلك ، وإن كان قد يقع بهذا صلاح قليل مغمور بفساد كثير .
( الخامس والعشرون ) : أن الله سبحانه منع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بمكة من الجهر بالقرآن ، حيث كان المشركون يسمعون فيسبون القرآن ومن أنزله ومن جاء به .
( السادس والعشرون ) : أن الله سبحانه أوجب إقامة الحدود سدا للتذرع إلى المعاصي ، إذا لم يكن عليها زاجر ، وإن كانت العقوبات من جنس الشر ، ولهذا لم تشرع الحدود إلا في معصية تتقاضاها الطباع كالزنا والشرب والسرقة والقذف ، دون أكل الميتة والرمي بالكفر ونحو ذلك فإنه اكتفى فيه بالتعزير ، ثم إنه أوجب على السلطان إقامة الحدود إذا رفعت إليه الجريمة ، وإن تاب العاصي عند ذلك ، وإن غلب على ظنه أنه لا يعود إليها ؛ لئلا يفضي ترك الحد بهذا السبب إلى تعطيل الحدود مع العلم بأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له .
( السابع والعشرون ) : أنه صلى الله عليه وسلم سن الاجتماع على إمام واحد في الإمامة الكبرى وفي الجمعة والعيدين والاستسقاء وفي صلاة الخوف وغير ذلك مع كون إمامين في صلاة الخوف أقرب إلى حصول الصلاة الأصلية ؛ لما في التفريق من خوف تفريق القلوب ، وتشتت الهمم ، ثم إن محافظة الشارع على قاعدة الاعتصام بالجماعة وصلاح ذات البين ، وزجره عما قد يفضي إلى ضد ذلك في جميع التصرفات لا يكاد ينضبط ، كل ذلك يشرع لوسائل الألفة ، وهي من الأفعال ، وزجر عن ذرائع الفرقة ، وهي من الأفعال أيضا .
( الثامن والعشرون ) : أن السنة مضت بكراهة إفراد رجب بالصوم وكراهة إفراد يوم الجمعة ، وجاء عن السلف ما يدل على كراهة صوم أيام أعياد الكفار ، وإن كان الصوم نفسه عملا صالحا ؛ لئلا يكون ذريعة إلى مشابهة الكفار ، وتعظيم الشيء تعظيما غير مشروع .
( التاسع والعشرون ) : أن الشروط المضروبة على أهل الذمة تضمنت تمييزهم عن المسلمين في اللباس والشعور والمراكب وغيرها لئلا تفضي
(الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 26)
مشابهتهم إلى أن يعامل الكافر معاملة المسلم .
( الثلاثون ) : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي أرسل معه بهديه إذا عطب شيء منه دون المحل أن ينحره ، ويصبغ نعله الذي قلده بدمه ، ويخلي بينه وبين الناس ، ونهاه أن يأكل منه هو أو أحد من أهل رفقته . قالوا : وسبب ذلك أنه إذا جاز له أن يأكل أو يطعم أهل رفقته قبل بلوغ المحل ، فربما دعته نفسه إلى أن يقصر في علفها وحفظها مما يؤذيها ؛ لحصول غرضه بعطبها دون المحل ، كحصوله ببلوغها المحل من الأكل والإهداء ، فإذا أيس من حصول غرضه في عطبها كان ذلك أدعى إلى إبلاغها المحل ، وأحسم لمادة هذا الفساد ، وهذا من ألطف سد الذرائع .
والكلام في سد الذرائع واسع لا يكاد ينضبط ولم نذكر من شواهد هذا الأصل إلا ما هو متفق عليه أو منصوص عليه ، أو مأثور عن الصدر الأول شائع عنهم ، إذ الفروع المختلف فيها يحتج لها بهذه الأصول لا يحتج بها ، ولم يذكر الحيل التي يقصد بها الحرام كاحتيال اليهود ، ولا ما كان وسيلة إلى مفسدة ليست هي فعلا محرما ، وإن أفضت إليه كما فعل من استشهد للذرائع ؛ فإن هذا يوجب أن يدخل عامة المحرمات في الذرائع ، وهذا وإن كان صحيحا من وجه فليس هو المقصود هنا .
ثم هذه الأحكام في بعضها حكم آخر غير ما ذكرناه من الذرائع ، وإنما قصدنا أن الذرائع مما اعتبرها الشارع إما مفردة أو مع غيرها ، فإذا كان الشيء الذي قد يكون ذريعة إلى الفعل المحرم إما بأن يقصد به المحرم أو بأن لا يقصد به ، يحرمه الشارع بسب الإمكان ما لم يعارض ذلك مصلحة توجب حده أو وجوبه ، فنفس التذرع إلى المحرمات بالاحتيال أولى أن يكون حراما ، وأولى بإبطال ما يمكن إبطاله منه إذا عرف قصد فاعله ، وأولى بأن لا يعان صاحبه عليه ، وهذا بين لمن تأمله ، والله الهادي إلى سواء الصراط .
من موقع الرئاسه للبحوث العلميه والافتاء
nike air force 1 low uv | cheap nike hyperfuse 2010 2016 chart for kids free - nike dunk wedges white and green shoes Light Smoke Grey - Grailify