الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن هو العلامة الأوحد الكبير علامة المعقول والمنقول حاوي علمي الفروع والأصول كما وصفه بهذا علامة العراق محمود شكري الأوسي: الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. ولد هذا العالم الجليل سنة 1225هـ ألف ومائتين وخمس وعشرين من الهجرة في مدينة الدرعية موطن دعوة التوحيد ومهد علمائها في ذلك الحين، فنشأ أول ما نشأ بها وقرأ القرآن في صغره ثم أصاب الدرعية ما أصابها من الخراب والتدمير على يد إبراهيم بن محمد علي باشا فنقل الشيخ عبد اللطيف وعمره ثمان سنوات إلى مصر في معية والده الشيخ عبد الرحمن بن حسن وذلك آخر سنة ألف ومائتين وثلاث وثلاثين من الهجرة فنشأ بها وتزوج فيها وأقام بها إحدى وثلاثين سنة. درس العلم فيها على علماء نجديين ومصريين فمن النجديين والده الشيخ عبد الرحمن بن حسن وابن عمه وخاله الشيخ عبد الرحمن1 ابن الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. ومن المصريين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب خال الشيخ عبد اللطيف المذكور أعلاه ترجم له الشيخ عبد الرزاق البيطار الدمشقي في كتابه حلية البشر في رجال القرن الثالث عشر ج 2 ص 839 طبعة دمشق المجمع العلمي قائلا بالحرف الواحد ما نصه: "الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الوهاب الحنبلي النجدي العالم المشهور والهمام الذي فضله مأثور ولد في بلاد نجد ثم إن محمد علي باشا وزير مصر لما أمره المرحوم السلطان محمود بمقاتلة الوهابيين أرسل ولده إبراهيم باشا ومعه معسكر عظيم من الأكراد والأرناؤوط وعرب مصر الهوارة لمحاربة عبد الله بن سعود أمير نجد =
|
ص -70- |
الشيخ العلامة محمد بن محمود بن محمد الجزائري الحنفي والشيخ إبراهيم الباجوري شيخ الجامع الأزهر في زمنه والشيخ أحمد الصعيدي وغيرهم من علماء مصر الأعلام. وبقي بمصر كما ذكرنا مدة سنين ينهل فيها من العلوم ويتزود من المعارف والفنون حتى بلغ رتبة الإمامة في العلم والفضل، فحينئذ خرج إلى نجد وذلك سنة ألف ومائتين وأربع وستين من الهجرة وقدم بلدة الرياض على الإمام فيصل ابن الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود وعلى والده الشيخ عبد الرحمن بن حسن وكان والده ظهر قبله من مصر إلى نجد بثلاث وعشرين سنة أي سنة 1241ه. ولما استقر الشيخ عبد اللطيف في مدينة الرياض بضعة أشهر وجلس لطلاب العلم فيها عرف الإمام فيصل ووالده الشيخ عبد الرحمن بن حسن غزارة علمه وسعة اطلاعه وقوة عارضته وقدرته على المناظرة فبعثاه على الإحساء لتقرير عقيدة السلف ونشر دعوة التوحيد ومناظرة علمائها في أصول الدين والعقائد لأن الغالب عليهم في ذلك الوقت مذهب الأشاعرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ =فقاتلهم وقتل ونهب وحرق وخرب، وأسر عبد الله بن سعود وأرسله إلى مصر إلى السلطان محمود فصلبه، وأما.. . باقي بيت الشيخ محمد بن عبد الوهاب المعبر عنهم ببيت الشيخ فانه نقلهم إلى مصر وأسكنهم هناك رتب لهم معاشات تكفيهم وكان من جملتهم المترجم المرقوم فالتفت إلى الطلب والتعليم والاستفادة والإفادة إلى أن صار في الأزهر شيخ رواق الحنابلة وكان ظاهر التقوى والصلاح والزهادة والعبادة، ولم يزل على حالته المرضية وطاعته وعبادته وافادته السنية إلى أن اختر مته المنية سنة أربع وسبعين ومائتين وألف رحمه الله تعالى" انتهى. ما ذكره الشيخ عبد الرزاق البيطار وفيه خطآن الأول حذفه اسم والد المترجم الشيخ عبد الله فانه كما ذكرنا الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ عبد الله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. والخطأ الثاني ترحمه على السلطان محمود والعثمانيين الذين تسلطوا على أهل هذه الدعوة السلفية بغياً وعدواناً والحمد لله أن هذه الدعوة السلفية عادت أعظم مما كانت وان أعداءها بادوا لا تحس منهم أحداً ولا تسمع لهم ركزاً أيد الله ولاة هذه الدعوة من ملوك آل سعود وجعلهم أنصارا لدينه انه سميع مجيب "تقدمت ترجمة الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ عبد الله في أول هذا الكتاب".
|
ص -71- |
فقدم الشيخ عبد اللطيف الإحساء سنة ألف ومائتين وأربع وستين من الهجرة وأقام بها سنتين يوضح طريقة السلف وينشر دعوة التوحيد ويناظر بعض علماء الإحساء الذين كانوا على مذهب أبي الحسن الأشعري القديم وطريقته في التأويل والتعطيل فظهر عليهم بالأدلة وقهرهم بالحجة فأذعنوا له وسلموا فأزال رحمه الله ما تبقي في نفوسهم من رواسب الشبه والتأويل وقرر لهم طريقة أهل السنة والجماعة وما كانوا عليه في باب أسماء الله وصفاته ونعوت جلاله وأخبرهم أن إمامهم أبا الحسن الأشعري هجر مذهب التأويل ورجع إلى ما كان عليه أهل السنة والجماعة كما قرر ذلك وأوضحه في المقالات والإبانة وغيرهما من كتبه فاقتنع علماء الإحساء بذلك وأخذوا على أنفسهم التزام طريق السلف و سلوك مذهب أهل السنة والجماعة. فعند ذلك رجع الشيخ1 عبد اللطيف إلى الرياض وتساعد هو ووالده الشيخ عبد الرحمن بن حسن بمناصرة الإمام فيصل ابن الإمام تركي ومؤازرته لهما على نشر العلم وبثه وإحياء معالم الدعوة وتجديد ما ندثر منها فملآ نجداً في زمانهما علماً وأعادا إلى الدعوة السلفية قوتها ونشاطها بعدما أصيبت بالوقوف ومنيت بالركود أيام الفتن والاضطرابات التي توالت على نجد ذلك الحين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 كان الشيخ عبد اللطيف يصحب الإمام فبصل في بعض غزواته التي يقوم بها لتأديب العصاة والمتمردين ويصطحب معه نحو الاثنين أو الثلاثة من تلامذته عليه بحضرة الإمام فيصل في التوحيد وأصول الدين ويتولى الشيخ التعليق على القراءة وشرحها قال المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر في معرض حديثه عن إحدى غزوات الإمام فيصل "ثم رحل ونزل المجمعة فركبت للسلام عليه فكان وصولي إلى مخيمه بعد صلاة العصر وإذا بالمسلمين مجتمعين في الصيوان الكبير للدرس فجلس الإمام فيه والمسلمون يمينه وشماله ومن خلفه وبين يديه وجلس الشيخ عبد اللطيف إلى جنبه فأمر القارئ بالقراءة عليه فقرأ في كتاب التوحيد تأليف الشيخ محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه وصدر الباب بقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} إلى آخر الآية ثم ذكر حديث النواس بن سمعان فتكلم الشيخ بكلام جزل وقول صائب عدل بأوضح إشارة وأحسن عبارة فتعجبت من فصاحته وتحقيقه كأن بين يديه كتاب التفسير كالقرطبي أو ابن جرير أو أبي حيان أو ابن كثير الخ.
|
ص -72- |
وكان رحمه الله إلى جانب ما اتصف به من العلم والفضل قوي الشخصية صادق اللهجة مخلصاً لدينه ووطنه، وكان أمارا بالمعروف نهاءاً عن المنكر غيوراً على حرمات الإسلام والدين وكان مع هذا عالماً ربانياً وزعيماً دينياً مهاباً محترماً عند ولاة الأمور ومن دونهم من الخاصة والعامة، كافح عن نشر العلم وبث الدعوة والدفاع عن الدين وكرس جهده وأوقف حياته على نشر العلم وبث الدعوة والدفاع عنها في حياة والده. وبعد وفاته –رحمه الله- وقد أخذ عنه العلم خلائق من أهل نجد لا يحصون نذكر من فضائلهم في هذه الترجمة الموجزة ما يأتي: تلامذته: 1. علامة نجد في زمنه ابنه الشيخ عبد الله ابن الشيخ عبد اللطيف. 2. وأخاه الشيخ إسحاق ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ. 3. الفقيه الشيخ حسن بن حسين بن علي ابن الشيخ حسين آل الشيخ. 4. الشيخ العلامة حمد بن فارس أخذ عنه علم النحو حتى مهر فيه، وصار أنحى علماء نجد في زمنه. 5. العلامة المؤلف الشهير الشيخ سليمان بن سحمان. 6. العلامة الفقيه محمد بن إبراهيم بن محمود. 7. الشيخ صعب بن عبد الله التويجري. 8. الشيخ عبد الرحمن بن مانع. 9. الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم. 10. الشيخ محمد بن عمر بن سليم. 11. الشيخ عبد الله بن نصير العنزي. 12. الشيخ إبراهيم بن عبد الملك آل الشيخ.
|
ص -73- |
13. الشيخ عبد الله بن مفدى.1 14.الشيخ علي بن عيسى من أهل شقراء. 15.الشيخ المحقق أحمد بن إبراهيم بن عيسى. 16.الشيخ عثمان بن عيسى. 17.الشيخ محمد بن إبراهيم بن سيف. 18.الشيخ عمر بن يوسف. 19.الشيخ صالح بن قرناس من أهل الرس. 20.الشيخ صالح الشثري من أهل حوطة بني تميم. 21.الشيخ عبد العزيز ن عبد الجبار من أهل سدير من وهبة تميم. 22.الشيخ عبد العزيز الصيرامي من أهل الخرج. 23.الشيخ عبد العزيز بن شلوان. 24.الشيخ أحمد الرجباني. 25.الشيخ عبد الله بن محمد الخرجي. 26.الشيخ عبد الرحمن نزيل الإحساء. 27.الشيخ علي بن سليم. 28.الشيخ عبد الله بن جرجس. 29.الشيخ عبد الله بن محمد الخرجي. وأخذ عنه خلق غير هؤلاء كثير لا نطيل بذكرهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 تعرف أسرة آل مفدى اليوم بآل فدى بدون ميم. وهم قسمان في ديار القصيم وفي اشيقر ونزح منهم إلى الحجاز أفراد منهم عبد الله بن سليمان بن فداء والد الدكتور عبد العزيز الفداء.
|
ص -74- |
مؤلفاته: ألف رحمه الله مؤلفات كثيرة نذكر منها ما يأتي: 1. تأسيس التقديس في الرد على داود بن جرجس"ط" 2. مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام رد به على عثمان بن عبد العزيز بن منصور في "كتابه الذي سماه كشف الغمة" 3. البراهين الإسلامية في الرد على الشبهات الفارسية"خ". 4. تحفة الطالب والجليس في الرد على ابن1 جرجيس"ط". 5. الإتحاف في الرد على الصحاف 2 "خ" وشرع رحمه الله في شرح نونية الإمام ابن القيم ومهد لذلك بكتابة مقدمة طويلة مشتملة على علم جم ومعان عظيمة ولكن المنية وافته قبل انجاز المشروع. 6. وله رسائل كثيرة3 كتبها في أغراض متعددة علمية واجتماعية وسياسية لو جمعت على حدة لبلغت مجلدا ضخما ولكنها طبعت مفرقة في مجاميع الرسائل والمسائل النجدية، نورد منها هذه الرسالة أنموذجا لما اتصف به رسائله من الرصانة والبلاغة. بسم الله الرحمن الرحيم من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى الشيخ عثمان بن منصور أنقذه الله من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 طبع كتاب تحفة الطالب والجليس على نفقة الشيخ علي بن عبد الله بن ثاني بعنوان دلائل الرسوخ في الرد على المنفوخ والذي سماه بهذا العنوان الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع رحمه الله. 2 رد به على عبد اللطيف بن عبد المحسن الصحاف. 3 تبلغ نحو أربعمائة صفحة وهي منثورة ومبعثرة في مجاميع الرسائل والمسائل النجدية وفي الدرر السنية في الأجوبة النجدية وحبذا لو تصدى لها أحد أحفاده وجمعها ورتبها وطبعها على حدة ولا اقدر على هذا العمل العظيم من حفيده الشيخ عبد الملك بن إبراهيم ابن العلامة المترجم الشيخ عبد اللطيف.
|
ص -75- |
طوارق الفتن والشرور ورفع همته عن سفاسف الأمور سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو على ما ألبسنا من ملابس فضله التي لا تخلعها الأنداد وأستزيده من بره الذي ليس له انقضاء ولا نفاد. أما بعد فقد وصل إلينا منك خطان1 فأولهما صادف حين الاشتغال بلقاء الأحبة والآل، وأما الثاني فبعد أن ألقيت عصا الترحال وارتاح من ألم شوقه القلب والبال فبمجرد الوقوف على خطك ومطالعة نقشك ووشيك بحثت عن الوجه الذي تدلي به علينا وعن حقيقة المعنى الذي تشير به إلينا وما هو اللائق في إجابة أمثالك وهل يحسن بنا النسج على منوالك أو نقتصر على موجب {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} إذ ليس وراءها مزية شرعية لأكون على بصيرة من أمري ومعرفة للحقائق قبل اقتداح زندي: فأخبرني الثقة بالجرح والتعديل الخبير بما قد شاع عنك من القيل أنصاحب الخط ينتمي إلى ممارسة العلوم المنقول منها والمفهوم غير أنه قد نسب عنه هفوات إن صحت فهي من عظائم المعضلات ولم نقف لها على تصحيح يعتمد ولم نلتفت لإلى البحث في متنها والسند اكتفاء بإعراضه عن الابتهاج بهذه الدعوة وهذا الأصل والمذاكرة واستغناء عدم التفاته إلى المؤاخاة في الله والمؤازرة بل كل الناس لديه إخوان والضدان عنده يجتمعان يصاحب عابدي الأوثان كما يصاحب أولياء الرحمن ويأنس بالمنقلب على عقبه كما يأنس بالثابت على الإيمان مع أنه قد شرح2 التوحيد وادعى الإتيان بكل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الخطان في لغة أهل نجد الدارجة الرسالتان. 2 المخاطب عثمان بن منصور شرح كتاب التوحيد بشرح سماه فتح الحميد شرح كتاب التوحيد يوجد مخطوطاً في مكتبة العم محمد ابن الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف وقد آلت مكتبته من بعده إلى أبنائه. ويوجد في مكتبة الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ قال الشيخ الإمام عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن عن ابن منصور وشرحه المذكور في رسالته التي كتبها إلى عبد العزيز بن إبراهيم بن عبد اللطيف ما نصه: "والرجل فيه رعونة تمنعه من المدارة والتقية. حتى كتابه الذي يزعم أنه= |
ص -76- |
معنى موجز سديد:
يوما بحزوي ويوما بالعقيق وبال |
عذيب يوما ويوما بالخليصاء |
وتارة تنتحي نجداً وآونة |
شعب الغوير وطوراً قصر تيماء |
فهو وإن ينتسب إلى الحق فقد والى من خرج عنه وعق فقلت إيه له من رجل لو استقام وصارم لولا ما عراه من الانثلام لكني أعلم ان للعلم بركات وللملك لمات فأرجو أن يقوده العلم إلى ثمراته وأن يحول بينه وبين الشيطان وخطواته {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} والقلب بين إصبعين من أصابع الرحمن كما رواه المحدثون والأعيان فلعل ميت رجائنا تحييه من يحيي عظام الميت وهي رميم، ولهذا أشرت إلى الشيخ الوالد 1أعز الله قدره ورفع بوراثة النبيين مجده وفخره بأن يرد لك الجواب ويعلمك بالخطب أتى من أي باب طمعا لك في الأوبة والفلاح وحرصاً على سلوك الهداية والصلاح لئلا تتوهم غير ذلك من الأسباب التي تنقل عنك بالاستطالة في الأعراض والاغتياب إذ هي لا يلتفت إليها المؤمن العاقل ولا يأخذ بها إلا غر مماحل وهي باقية ليوم ترجعون فيه إلى الله ويجزى كل قائل بما زوره وافتراه ولعل الله أن يمن برجوعك إلى الحق بعد الشرود وأن يقضي بصحبتك على توحيد ربنا المعبود،فأني أسر بذلك وأتأسف على تنكب أمثالك والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وصلى الله على محمد. وكان إلى جانب ما يتصف به من بلاغة الاسلوب في رسائله وجزالة اللفظ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ =شرح على التوحيد رأيت فيه من الدواهي والمنكرات م لا يحصيه إلا الله من ذلك قوله في الكلام على قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} أن ابن عربي المالكي قال: العبادة هي موافقة القضاء والقدر، وابن عباس يقول: كفر الكافر تسبيح هذا رأيته بخط ابن نصر الله من أهل بلده "أي بلد بن منصور" في كلامه على التوحيد نقلا عن الدرر السنية في الأجوبة النجدية ج9 ص 333 إذا عرف هذا فإنه يجب إتلاف شرح ابن منصور المذكور فضلا عن طبعه ونشره. 1 يعني بذلك والده العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
|
ص -77- |
فقيهاً أصولياً ويقرض الشعر، له قصيدة طويلة تبلغ أبياتها ثلاثة وتسعين بيتاً رد بها على قصيدة البولاقي المصري التي عارض فيها منظومة الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني في مديحه لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وخلط فيها زيادة على ذلك بين البدع في العبادات والبدع في العادات فتصدى له الشيخ عبد اللطيف ورد عليه بهذه القصيدة التي أشرنا إلى عدد أبياتها وهذا مطلعها:
تبسم وجه النصر في طالع السعد |
وأشرق نور الحق في كوكب الرشد |
وأيد نظم للأمير محمد |
فأدبر نحس للطوالع بالسعد |
وولى على الأعقاب أفجر عائب |
يرى نفسه جهلا أشد من الأسد |
جهول ببولاق المعرة جهله |
صريح ينادي بالتهافت في العقد |
إلى آخرها وهي طويلة تبلغ أبياتها كما ذكرنا ثلاثة وتسعين بيتا. ورد على قصيدة عثمان بن منصور الناصري التي هجا فيها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وأحفاده وامتدح فيها طاغية العراق وداعية الكفر والضلال داود بن سليمان بن جرجيس البغدادي فرد عليه الشيخ بهذه القصيدة التالية:
على وجهها المرسوم بالشؤم والغدر |
شمائل زيغ لا تزال مدى الدهر |
لئن سودتها كف باغ وغادر |
فأقلامنا بالرد أنهارها تجري |
رسالة مختال تجر ذيولها |
إلى مهمة قفر من العلم والذكر |
هدية عثمان إلى شر صاحب |
إلى الجسر من بغداد بالود واليسر |
مؤيده حزب الضلال وشيعة |
إلى درك النيران أعمالها تسري |
بها من صريح الافك أخبث مورد |
وإن ظنها الجهال من خالص التبر |
رأيت بها ما يستباح بمثله |
على ناظم سل المهند والسمر |
فتعسا لها منظومة ما أضلها |
وأبعدها عن منهج الرشد والبر |
أيوصف بالسادات يا عابد الهوى |
دعاة إلى باب الجحيم وما تدري |
|
ص -78- |
فما أحوج الإنسان في أمر دينه |
إلى ناصح والصمت أجدر بالحر |
أترضى بأن يدعى حسين وخالد |
وزيد وما يدعى مع الله في العسر |
وتنصر قوما يعدلون بربهم |
مجاهرة في كل بر وفي بحر |
ترى كل موتور ينادي وليجة |
ويسأل ما لا يستطاع من الأمر |
يرون صوابا من سفاهة رأيهم |
مناشدة الأموات من ساكني القبر |
اذا شب حرب لا ينادي وليدها |
ودارت على كره بقاصمة الظهر |
وفر على أعقابه كل فارس |
وضاقت بها في حجرها ربة الخدر |
وان غشيهم موج من اليم زاخر |
وجاشت على علاتها أنة الصدر |
فما يرتجي في كشف ذاك وحله |
سوى مشهد بالطف في ساحة القصر |
وما تربة الجيلي الا مناتهم |
ومعقلهم في كل كرب وفي يسر |
ينادونه سرا على بعد داره |
أغثنا أغثنا بالإجابة والنصر |
ويرجونه في كل أمر وحادث |
على أنه كنز المواهب والذخر |
وإخوانهم في الغي أضحى مقيلهم |
ومجمعهم عند المشاهد في مصر |
بدف ومزمار ونغمة شادن |
مع الرقص بالأرداف في الصحو والسكر |
وان شئت أصل الدين تلقاه عندهم |
لأربابهم تحت الصفائح والصخر |
دعاء وذبح واستغاثة عابد |
واخبات ذي فقر وإلحاح ذي عسر |
وفي كل مصر مثل مصر وما الذي |
ذكرت بأعلى ما لدى القوم من كفر |
أما جعلوا أمر التصاريف ينتهي |
إلى سبعة جحدا لما خط في الذكر |
وهذا لعمري في الضلالة غاية |
ومن دونه قول المثلث ذي الكفر |
فأين خطاب الأنبياء لقومهم |
وما قد جرى في معرض الأمر والنذر |
وأين تقارير الجهابذة الألى |
هم نقلوا نص الشريعة كالبدر |
وأين إلى أين الذهاب وكلما |
على ظهرها يأتيك بالخبر الخبر |
حنانيك رب العرش من ان يغرني |
كما غرهم ضرب من الزور والهذر |
|
ص -79- |
وأين تصانيف المذاهب والذي |
تقرر في أبوابها واضح السطر |
يعدون كفرا دون ذا ولديهم |
من الله برهان يلوح بلا نكر |
على الرغم من أنف المكارم والعلا |
هجاء إمام الدين نادرة العصر |
قيل ويحه ان لم تباشره رحمة |
وعفو وإلا فالمصير إلى "سقر" |
تراه أهل الحق أضحى معادياً |
على غير ذنب أحدثوه ولا غدر |
سوى منهج قد أوضحوه وقرروا |
أدلته بالنص والسنن الغر |
وقولهم للخلق نصحا ورحمة |
أنيبوا إلى رب السماوات بالشكر |
ولا تعبدوا غير المهيمن انه |
مليك جليل قد تفرد بالأمر |
فان كان هذا عنده الزيغ والهوى |
ودين فريق النهرواني والجسر |
فما صدقت تلك الدعاوي وعودها |
وقد خاب مسعاها فواضيعة العمر |
على هضاب الشعب من أيمن الحمى |
سلام مشوق لا على جانب الجسر |
كروض كساه الوبل وشياً ملونا |
يباكره سحا وأمطاره تجري |
ترى جنبات القاع في ضل نبته |
يروحها نفح الشمال اذا تسري |
كأن مرور الريح من فوق زهره |
صرير سهام نبلها أبدا يفري |
ففي سفحها والشعب أشار1 عالم |
أضاءت له الدنيا بكوكبها الدري |
وقد كان منهاج الشريعة طامسا |
وأعلام أصل الدين في نوبة الحر |
فجرد عزما لا يضاهي بمثله |
وقام قيام الليث في عزمة الصقر |
فزالت بهذا الشيخ عنها غياهب |
وعادت كما قد كان في سالف العصر |
تجر به نجد ذيول افتخارها |
إلى منهل صاف من الشرك والكفر |
عليه من المولى الكريم تحية |
يباشره روح الرياحين بالزهر |
وخير صلاة الله ثم سلامه |
على سيد السادات خاتمة الشعر |
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 يريد به الشيخ محمد بن عبد الوهاب حيث قبره هناك بشعب "قريوى" بمدينة الدرعية رحمه الله.
|
ص -80- |
وقد عاش رحمه الله بعد وفاة الإمام فيصل حقبة مقدارها إحدى عشرة سنة كانت مملوءة بالحروب والفتن بسبب النزاع والخلاف القائم بين أميرين من أمراء آل سعود هما الإمام عبد الله بن فيصل وأخوه الأمير سعود بن فيصل، وقد وقف الشيخ رحمه الله في هذه الحروب والفتن العمياء التي عصفت بنجد في ذلك الزمن مواقف خالدة، تشهد له بالزعامة والإخلاص والنصح لله ولرسوله وعباده المؤمنين وتشهد له أيضاً بالوطنية الصادقة والغيرة المتناهية عللا حرمات الإسلام والمسلمين والوقوف دون استباحة أموالهم وانتهاك أعراضهم في تلك الحروب التي اندلعت نيرانها بين ذينك الأميرين المذكورين وموافقة هذه تضمنتها رسائله بمطابع المنار بمصر ومطبعة أم القرى1 بمكة ضمن الرسائل والمسائل النجدية فمن أراد الوقوف عليها فليراجعها في محلها من الرسائل والمسائل النجدية. وحسبنا أن نورد منها هذه الرسالة وهي الرسالة الحادية عشرة من رسائله الواقعة في صحيفة 69 من الجزء الثاني من الرسائل والمسائل النجدية التي طبعت بمطابع المنار بمصر وهي تعطينا صورة واضحة عن بعض مواقفه في تلك الحروب والفتن، قال رحمه الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى الأخوين المكرمين زيد بن محمد وصالح بن محمد الشثري سلمهما الله تعالى. . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، فأحمد أليكما الله الذي لا إله إلا هو على نعمه والخط وصل أوصلكما الله إلى ما يرضيه وما ذكرتماه كان معلوما وموجب تحريره ما بلغني عنكما بعد قدوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 وطبعت أخيرا على نفقة صاحب الجلالة إمام المسلمين فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود باسم الدرر السنية والأجوبة النجدية في بيروت بواسطة دار الإفتاء وهي توزع مجاناً على أهل العلم والمعرفة والأدب.
|
ص -81- |
عبد الله1 وغزوه من أهل الفرع2 وما جرى لديكم من الخوض في أمرنا والمراء والغيبة وإن كان قد بلغني مع ما ذكر تفاصيل ما ظننتها. فأما ما صدر في حقي من الغيبة والقدح والاعتراض والمسبة ونسبتي إلى الهوى والعصبية فتلك أعراض انتهكت في ذات الله أعدها لديه جل وعلا ليوم فقري وفاقتي وليس الكلام فيها وإنما القصد بيان ما أشكل على الخواص والمنتسبين من طريقتي في هذه الفتنة العمياء الصماء فأول ذلك مفارقة سعود3 لجماعة المسلمين وخروجه على أخيه4 وقد صدر منا الرد عليه وتسفيه رأيه ونصيحة ولد5 عايض وأمثاله من الرؤساء عن متابعته والإصغاء أليه ونصرته وذكرناه ما ورد من الآيات القرآنية والآثار النبوية بتحريم ما فعل والتغليظ على من نصره ولم نزل على ذلك إلى أن حصلت وقعة جودة6 فثل عرش الولاية وانتثر نظامها وحبس محمد7 بن فيصل وخرج الأمام عبد الله شارداً وفارقه أقاربه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 هو الإمام عبد الله بن فيصل بن تركي. 2 المراد بالفرع هنا قرى تقع جنوب الرياض منها الحوطة والحريق ونعام والحلوة والقويع والعطيان والصدر وهناك بقرب المدينة المنورة موضع من ديار حرب يسمى الفرع وهذا مما اتفق لفظاً واختلف صقعاً كما يقولون. 3 هو سعود بن فيصل. 4يعني بقوله أخيه عبد الله بن فيصل أخا سعود بن فيصل. 5 ولد عايض هو محمد بن عايض بن مرعي حاكم عسير في ذلك الوقت وقبل آل سعود. 6 جودة ماء يسمى بهذا الاسم يقع شمال الاحساء حصلت فيه مقتلة عظيمة بين سعود بن فيصل وأخيه محمد بن فيصل وفي هذا العهد الزاهر صارت جودة قرية يسكنها العجمان. 7 وكان محمد بن فيصل يقود حملة من المقاتلة بعثهما معه أخوه عبد الله بن فيصل لقتال أخيه سعود بن فيصل فحصلت الهزيمة على محمد بن فيصل وأسره أخوه سعود بن فيصل وأرسله إلى سجن القطيف وذلك في عاشر رمضان سنة 1287هـ وبعد هذه الوقعة المشؤومة استنصر عبد الله بن فيصل بالدولة العثمانية فأرسل إلى مدحت باشا يطلب العون منه على أخيه سعود فكان عبد الله كما قيل:
والمستجير بعمرو عند كربته |
كالمستجير من الرمضاء بالنار |
|
ص -82- |
وأنصاره.وعند وداعه أوصيته بالاعتصام بالله وطلب النصر منه وحده وعدم الركون إلى الدولة الخاسرة1 ثم قدم علينا سعود من معه من العجمان والدواسر وأهل الفرع وأهل الحريق وأهل الأفلاج وأهل الوادي 2ونحن في قلة وضعف وليس في بلدنا3 من يبلغ الأربعين مقاتلا وخرجت إليه وبذلت جهدي ودافعت عن المسلمين ما استطعت خشية استباحته البلدة، ومعه من الأشرار وفجار القرى من يحثه على ذلك ويتفوه بتكفير بعض رؤساء بلدتنا وبعض الأعراب يطلقه بانتسابهم إلى عبد الله 4بن فيصل. فوقى الله شر تلك الفتنة ولطف بنا ودخلها بعد صلح وعقد وما جرى من المظالم والنكث شيء دون ما كنا نتوقعه، وليس الكلام بصدده وإنما الكلام في بيان ما نراه ونعتقده وصارت له ولاية بالغلبة والقهر تنفذ بها أحكامه وتجب طاعته في المعروف كما عليه كافة أهل العلم على تقادم الاعصار ومر الدهور وما قيل من تكفيره لم يثبت لدي فسرت على آثار أهل العلم واقتديت بهم في الطاعة في المعروف وترك الفتنة وما توجب من الفساد على الدين والدنيا والله يعلم أني بار راشد في ذلك ومن أشكل عليه من ذلك فليراجع كتب الإجماع كمصنف ابن حزم ومصنف ابن هبيرة وما ذكره الحنابلة وغيرهم وما ظننت أن هذا يخفى على من له أدنى تحصيل وممارسة وقد قيل: سلطان ظلوم خير من فتنة تدوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الدولة الخاسرة يعني بها الدولة العثمانية. 2 يعني بهم أهل وادي الدواسر. 3 وليس في بلدنا يعني في بلدة الرياض. 4 لان عبد الله بن فيصل استنصر بالدولة العثمانية فاستغل أعداؤه الموالون لأخيه سعود هذه الغلطة والزلة فكفروه بها وكفروا أنصاره على سبيل التسلسل والتبعية وذلك كله أغراض سياسية حربية فالإمام عبد الله ابن الإمام فيصل معروف تمسكه بشرائع الدين والإسلام ومعروف بغضه وكراهيته لأعداء الإسلام وقد جوز له هذه الاستعانة وافتاه بها رجل من علماء وقته رد عليه العلامة الشيخ عبد اللطيف في عدة رسائل.
|
ص -83- |
وأما الإمام عبد الله ابن فيصل فقد نصحت له كما تقدم أشد النصح وبعد مجيئه لما أخرج شيعة عبد الله سعودا وقدم من الإحساء ذاكرته في النصيحة وتذكيره بآيات الله وحقه ويثار مرضاته والتباعد عن أعدائه وأعداء دينه أهل التعطيل والشرك والكفر البواح واظهر1 التوبة والندم، واضمحل أمر سعود وصار مع شرذمة من البادية حول آل مرة والعجمان وصار لعبد الله غلبة ثبتت بها ولايته على ما قرره الحنابلة وغيرهم، كما تقدم أن عليه عمل الناس من أعصار متطاولة ثم ابتلينا بسعود 2وقدم علينا مرة ثانية وجرى ما بلغكم من الهزيمة3 على عبد الله وجنده ومر بالبلدة منهزماً لا يلوي على أحد وخشيت من البادية وعجلت إلى سعود كتاباً في طلب الأمان لأهل البلدة وكف البادية عنهم وباشرت بنفسي مدافعة الأعراب مع شرذمة قليلة من أهل البلد ابتغاء ثواب الله ومرضاته. فدخل سعود البلد وتوجه عبد الله إلى الشمال وصارت الغلبة لسعود والحكم يدور وع علته، وأما بعد وفاة سعود4 فقدم الغزاة ومن معهم من الأعراب العتاة والحضر الطغاة فخشينا الاختلاف وسفك الدماء وقطيعة الأرحام بين حمولة آل مقرن5 مع غيبة عبد الله6 وتعذرت مبايعته بل ومكاتبته ومن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 وأظهر التوبة والندم يعني على ما صدر من استجلابه الدولة العثمانية واستنصاره بها على أخيه سعود. 2 يعني به سعود بن فيصل. 3 يشير إلى ما حصل على عبد الله بن فيصل من الهزيمة في وقعة الجزعة والجزعة مكان يقع بالقرب من مدينة الرياض جنوباً وقد هزم سعود أخاه عبد الله فتقهقر عبد الله ودخل بلدة الرياض منهزماً ثم غادرها هاربا إلى جهة الكويت وقصد بادية قحطان المقيمة على الصبيحية وأقام عندهم فدخل سعود الفيصل بلدة الرياض بعدما عجل له الشيخ عبد اللطيف كتاباً يطلب فيه الأمان لأهل بلدة الرياض. 4 هو سعود بن فيصل توفي في ثامن عشر من ذي الحجة سنة 1291ه . 5 آل مقرن هم آل سعود وإنما نسبهم الشيخ إلى جدهم مقرن والد محمد وهو مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي العنزي. 6 هو عبد الله بن فيصل.
|
ص -84- |
ذكره يخشى على نفسه وما له أفيحسن أن يترك المسلمون وضعفاؤهم سببا للأعراب والفجار وقد تحدثوا بنهب الرياض قبل البيعة وقد رامها غير عبد الرحمن 1ولا يمكن ممانعتهم ومراجعتهم ومن توهم أني وأمثالي استطيع دفع ذلك عقلا وتصورا ومن عرف قواعد الدين وأصول الفقه وما يطلب من تحصيل المصالح ودفع المفاسد لم يشكل عليه شيء من هذا، وليس الخطاب مع الجهلة والغوغاء إنما الخطاب معكم معاشر القضاة والمفاتي المتصدين لإفادة الناس وحماية الشريعة المحمدية، وبهذا ثبت بيعته وصار من ينتظر غائبا لا تصلح به المصالح فيه شبه ممن يقول بوجوب طاعة المنتظر وأنه لا إمامة إلا به ثم ان حمولة آل سعود2 صارت بينهم شحناء وعدواة، والكل يرى له الأولوية بالولاية وصرنا نتوقع كل يوم فتنة وكل ساعة محنة فلطف الله بنا وخرج ابن جلوي3 من البلدة وقتل ابن صنيتان4 وصار لي إقدام على محاولة عبد الرحمن5 في الصلح وترك الولاية لأخيه عبد الله فلم آل جهدي في تحصيل ذلك والمشورة عليه مع أني قد أكثرت في ذلك حين ولايته ولم أزل أكرر عليه في ذلك يوماً فيوماً حتى يسر الله قبل قدوم عبد الله6 بنحو أربعة أيام أنه وافق على تقديم عبد الله وعزل نفسه ورأى الحق له وانه أولى منه لكبر سنه وقدم إمامته فلما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 هو الإمام عبد الرحمن بن فيصل وقد بايعه الشيخ عبد اللطيف لعدم حضور عبد الله بن فيصل وبعده عن البلد وذلك بعد وفاة أخيه سعود بن فيصل. 2 الحمولة بلغة أهل نجد الاصطلاحية هي العشيرة. 3 هو سعود بن جلوي بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود له اليوم حفيد اسمه فهد بن مشاري بن سعود بن جلوي . 4 هو فهد بن عبد الله بن ا برا هيم بن عبد الله محمد بن سعود وصنيتان لقب غلب على والده عبد الله والذي قتل ابن صنيتان هو محمد بن سعود بن فيصل . وقد انقرض آل صنيتان ولم يبق لهم عقب. 5 هو الإمام عبد الرحمن بن فيصل والد الملك عبد العزيز وسبق أن ذكرنا ان الشيخ عبد اللطيف أعطاه البيعة لعدم حضور أخيه الأكبر عبد الله ثم سعى إليه في التنازل لأخيه. 6 هو الأمام عبد الله بن فيصل.
|
ص -85- |
نزل الإمام عبد الله بساحتنا اجتهدت إلى ان محمد بن فيصل يظهر إلى أخيه ويأتي بأمان لعبد الرحمن1 وذويه وأهل البلد وسعيت في فتح الباب واجتهدت في ذلك ومع ذلك كله لما خرجت للسلام عليه فإذا أهل الفرع وجهلة البوادي ومن معهم من المنافقين يستأذنونه في نهب نخيلنا وأموالنا ورأيت معه بعض التغير والعبوس ومن عامل الله ما فقد شيئا ومن ضيع الله ما وجد شيئا ولكنه بعد ذلك اظهر الكرامة ولين الجانب وزعم أن الناس قالوا ونقلوا وبئس مطية الرجل زعموا وتحقق عندي دعواه التوبة وأظهر2 لدي الاستغفار والندم، وبايعته على كتاب الله وسنة رسوله، هذا مختصر القضية ولولا أنكم من طلبة العلم والممارسين الذين يكتفون بالإشارة وأصول المسائل لكتبت رسالة مبسوطة ونقلت من نصوص أهل العلم وإجماعهم ما يكشف الغمة ويزيل اللبسة ومن بقي عليه إشكال فليرشدنا رحمه الله ولم أنكم أرسلتم بما عندكم مما يقرر هذا أو يخالفه وصارت المذاكرة لانكشف الأمر من أول وهلة ولكنكم صممتم على رأيكم وترك النصيحة من كان عنده علم واغتر الجاهل ولم يعرف ما يدين الله به في هذه القضية وتكلم بغير علم ووقع اللبس والخلط والمراء والاعتداء في دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم وهذا بسبب سكوت الفقيه وعدم البحث واستغناء الجاهل بجهله واستقلاله بنفسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 هو الإمام عبد الرحمن بن فيصل وقد سعى الشيخ عبد اللطيف في أخذ الأمان له من أخيه عبد الله. 2 وقوله: واظهر الاستغفار والندم، يريد بذلك الإمام عبد الله بن فيصل وسبب استغفاره وندمه وتوبته انه استعان بالدولة العثمانية على قتال أخيه سعود ابن فيصل وهذا لا يجوز لأنه حرام في الشرع الاستعانة بالمشرك على قتال المسلم ومعلوم ان الدولة العثمانية كانت وثنية تدين بالشرك والبدع وتحميها وتقاتل من وحد الله ودعا إلى إفراده بالعبادة. كما جرى لأهل هذه الدعوة السلفية معهم من الوقائع والحروب وما نقم العثمانيون من أهل هذه الدعوة السلفية أنهم آمنوا بالله ورسوله ودعوا إلى إفراد الله جل وعلا بالعبادة ودعوا إلى طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وان لا يعبد الله سبحانه وتعالى إلا بما شرع لا بالأهواء والبدع {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
|
ص -86- |
وبالجملة فهذا الذي نعتقده وندين الله به، والمسترشد يذاكر ويبحث والظالم والمعتدي حسابنا وحسابه على الله الذي عنده تنكشف السرائر وتظهر مخبآت الصدور والضمائر يوم يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور، وأما ما ذكرتم من التنصل و البراءة مما نسب في حقي إليكم فالا مر سهل والجرح جبار ولا حرج ولا عار وأوصيكم بالصدق مع الله واستدراك ما فرطتم فيه من عدم الغلظة على المنافقين الذين فتحوا للبشر كل باب وركن إليهم كل منافق كذاب وتأملا قول الله تعالى بعد نهيه عن موالاة الكافرين {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته آخر هذه الرسالة السياسية. وله قصيدتان صور فيهما تلك الفتن الهوجاء والحروب الطاحنة أروع تصوير. احدهما نونية ومطلعها:
دع عنك ذكر منازل ومغاني |
وبدور أنس قد بدت وغواني |
والأخرى رائية جواب لأبيات وردت عليه من عبد الرحمن بن عبد الله بن طوق نزيل الإحساء. ونحن نورد قصيدة ابن طوق1 ونورد جواب الشيخ عبد اللطيف عليها ليعرف القارئ مدى هذه النعمة العظيمة التي نعيشها في هذا العهد الزاهر وهي نعمة جمع الكلمة ووحدة الصف والأمن الشامل والرخاء والاستقرار فيزداد شكراً لله سبحانه على هذه النعم العديدة التي ننعم بها في ظل أمام المسلمين جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود: قال ابن طوق:
رسائل شوق دائم متواتر |
إلى فرع شمس الدين بدر المنابر |
سلالة مجد من كرام عشائر |
يعيد بديعا من كنوز المحابر |
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 آل طوق من أهل الدرعية، نزحوا إلى الإحساء بعد خراب الدرعية، ولم يرجع منهم أحد إليها.
|
ص -87- |
مدارس وحي شرفت بأكابر |
على ملة بيضاء تبدو لسائر |
سقى عهدكم عهد الشريعة والتقى |
وتعظيم دين الله أزكى الشعائر |
فيا راكباً بلغ سلامي وتحفة |
تعزيه فيما قد مضى في العشائر |
وأعظم من ذا يا خليلي كتائب |
تهدم من ربع الهدى كل عامر |
ويبدو بها التعطيل والكفر والزنا |
ويعلو من التأذين صوت المزامر |
فقد سامنا الأعداء في كل خطة |
واصل من الإسلام سوم المقامر |
أناخ لدينا للضلالة شيعة |
أباحوا حمى التوحيد من كل فاجر |
وقابلهم بالسهل والرحب عصبة |
على أمة التوحيد أخبث ثائر |
يقولون لكنا رضينا تقية |
تعود على أموالنا والذخائر |
فضحك ولهو واهتزاز وفرحة |
وألوان مأكول ونشوة ساكر |
مجالس كفر لا يعاد مريضها |
يراح إليها في المسا والبواكر |
ويرمون أهل الحق بالزيغ ويحهم |
أما رهبوا سيفاً لسطوة قاهر |
وأما رباع العلم فهي دوارس |
تحن إلى أربابها والمذاكر |
مصاب يكاد المستجير لفتية |
ينادي بأعلى الصوت هل من مثابر |
فجد لي برد منك تبرد لوعتي |
ويحدى به في كل ركب وسامر |
وتنصر خلا في هواك مباعد |
ولولاك لم تبعث به أم عامر |
فأكثر وأقلل مالها الدهر صاحب |
سواك فقابل بالمنى والبشائر |
فأجابه الشيخ عبد اللطيف بهذه الأبيات التالية التي استهلها بالحنين إلى أيام الإمام فيصل ابن الإمام تركي حيث الاستقرار والهدوء والطمأنينة ثم ذكر ما حصل بعد عهد الإمام فيصل من الحروب الطاحنة والفوضى الضاربة بسبب النزاع والاختلاف وذهاب الوحدة وتفرق الكلمة. فقال:
رسائل إخوان الصفا والعشائر |
أتتك فقابل بالمنى والبشائر |
تذكرنا أيام وصل تقادمت |
وعهداً مضى للطيبين الأطاهر |
ليالي كانت للسعود مطالع |
وطائرها في الدهر أيمن طائر |
|
ص -88- |
وكان بها ربع المسرة آهلا |
تمتع في روض من العلم زاهر |
وفيها الهداة العارفون بربهم |
ذوو العلم والتحقيق أهل البصائر |
محابرهم تعلو بها كل سنة |
مطهرة أنعم بها من محابر |
مناقبهم في كل مصر شهيرة |
رسائلهم يغدو بها كل ماهر |
وفيهم من الطلاب للعلم عصبة |
اذا قيل من للشكلات البوادر |
وهندية قد أحسن القين صقلها |
مجربة يوم الوغى والتشاجر |
ورومية خضراء قد ضم جوفها |
من الجمر ما يفري صميم الضمائر |
وكانت بهم تلك الديار منيعة |
محصنة من كل خصم مغامر |
غدت بهمو تلك الفتون وشتتو |
فلست ترى إلا رسوماً لزائر |
وحل بهم ما حل بالناس قبلهم |
أكابر عرب أو ملوك الأكاسر |
وبدلت منهم أوجها لا تسرني |
قبائل يام أو شعوب الدواسر |
يذكرنيهم كل وقت وساعة |
عصائب هلكى من وليد وكابر |
وأرملة تبكو بشجو حنينها |
لها رنة بين الربى والمحاجر |
وهذا زمان الصبر من لك بالتي |
تفوز بها يوم اختلاف المصادر |
ودارت على الإسلام اكبر فتننة |
وسلت سيوف البغي من كل غادر |
وذلت رقاب من رجال أعزة |
وكانوا على الإسلام أهل تناصر |
وأضحى بنو الإسلام في كل مأزق |
تزورهمو غرثى السباع الضوامر |
وهتك ستر للحرائر جهرة |
بأيدي غواة من بواد وحاضر |
وجاءوا من الفحشاء مالا يعده |
لبيب ولا يحصيه نظم لشاعر |
وبات الايامى في الشتاء سواغبا |
يبكين أزواجا وخير العشائر |
وجاءت غواش يشهد النص أنها |
بما كسبت أيدي الغواة الغوادر |
وجر زعيم القوم للحرب دولة |
على ملة الإسلام فعل المكابر |
|
ص -89- |
ووازره في كل رأيه كل جاهل |
يروح ويغدو آثما غير شاكر |
وآخر يبتاع الضلالة بالهدى |
ويختال في ثوب من الكبر وافر |
وثالثهم لا يعبأ الدهر بالتي |
تبيد من الإسلام عزم المذاكر |
ولكنه يهوى ويعمل للهوى |
ويصبح في بحر من الريب غامر |
وقد جاءهم فيما مضى خير ناصح |
إمام هدى يبني رفيع المفاخر |
وينقذهم من قعر ظلما مضلة |
لسالكها حر اللظى والمساعر |
ويخبرهم أن السلامة في التي |
عليها خيار الصحب من كل شاكر |
فلما أتاهم نصر ذي العرش واحتوى |
أكابرهم كنز اللهى والذخائر |
سعوا جهدهم في هدم ما قد بنى لهم |
مشائخهم واستنصحوا كل داعر |
وساروا لأهل الشرك واستسلموا لهم |
وجاءوا بهم مع كل علج وفاجر |
ومذ أرسلوها أرسلوها ذميمة |
تهدم من ربع الهدى كل عامر |
وباءوا من الخسران بالصفقة التي |
يبوء بها في دهره كل خاسر |
وصار لأهل الرفض والشرك صولة |
وقام بهم سوق الردى والمناكر |
وشتت شمل الدين وانبت حبله |
وصار مضاعا بين شر العساكر1 |
واذن بالناقوس والطبل أهلها |
ولم يرض بالتوحيد حزب المزامر |
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 يريد بذلك عساكر الدولة العثمانية الذين جاءوا مع قائدهم مدحت باشا وتغلبوا على مقاطعة الإحساء وقد شاء الله الذي لا مرد لمشيئته ولا غالب لإرادته أن يكون لعساكر الدولة العثمانية معاودات إلى الممالك السعودية مرة بعد مرة ولكن الله يقيض لهم في كل مرة من ولاة هذه الدعوة السلفية ملوك آل سعود الأشاوس من يرجعهم على أعقابهم خائبين ويخرجهم كل مرة منها صاغرين ففي المرة الأولى قيض الله لهم البطل الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود وأخرجهم من نجد قسرا سنة 1240ه وفي المرة الثانية قيض لهم صقر الجزيرة الغلاب الملك الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن فقاتلهم على البكيرية سنة 1322ه قتال الأبطال حتى فرق جمعهم ومزق شملهم وتفرقوا شذر مذر وهلك بقيتهم في الفيافي والقفار ولم يرجع منهم إلى بغداد عين تطرف ثم سار إليهم بعد ذلك في الإحساء سنة 1331ه فأخرجهم منها قسراً نسأل الله أن يديم للإسلام حماة وولاة هذه الدعوة السلفية ملوك آل سعود وان يديم عز أمام المسلمين جلالة الملك فيصل آل سعود ويطيل عمره انه سميع مجيب.
|
ص -90- |
وأصبح أهل الحق بين معاقب |
وبين طريد في القبائل نافر |
فقل للغوى المستجير بضلهم |
ستحشر يوم الدين بين الأصاغر |
ويكشف للمرتاب أي بضاعة |
أضاع وهل ينجو مجير أم عامر |
ويعلم يوم الجمع أي جناية |
جناها وما يلقاه من مكر ماكر |
فيا أمة ضلت سبيل نبيها |
وآثاره يوم اقتحام الكبائر |
يعز بكم دين الصليب وآله |
وأنتم بهم ما بين راض وآمر |
وتهجر آيات الهدى ومصاحف |
ويحكم بالقانون وسط الدسائر |
هوت بكم نحو الجحيم هوادة |
ولذات عيش ناعم غير شاكر |
سيبدو لكم من مالك الملك غير ما |
تظنون ان لاقى مزير المقابر |
يقول لكم ماذا فعلتم بأمة |
على ناهج مثل النجوم الزواهر |
سللتم سيوف البغي فيهم وعطلت |
مساجدكم من كل داع وذاكر |
وواليتمو أهل الجحيم سفاهة |
وكنتم بدين الله أول كافر |
نسيتم لنا عهدا أتاكم رسولنا |
به صارخاً فوق الذرى والمنابر |
فسل ساكن الإحساء هل أنت مؤمن |
بهذا وما يحوي صحيح الدفاتر |
وهل نافع للمجرمين اعتذارهم |
اذا دار يوم الجمع سوء الدوائر |
فقال الشقي المفتري كنت كارها |
ضعيفاً مضاعاً بين تلك العساكر |
أماني نلقاها لكل متبر |
حقيقتها نبذ الهدى والشعائر |
تعود سرابا بعد ما كان لامعا |
لكل جهول في المهامة حائر |
فان شئت أن تحضى بكل فضيلة |
وتظهر في ثوب من المجد باهر |
وتدنو من الجبار جل جلاله |
إلى غاية فوق العلى والمظاهر |
فهاجر إلى رب البرية طالبا |
رضاه وراغم بالهدى كل جائر |
وجانب سبيل العادلين بربهم |
ذوي الشرك والتعطيل مع كل غادر |
وبادر إلى رفع الشكاية ضارعا |
إلى كاشف البلوى عليم السرائر |
ولا تيأسن من صنع ربك انه |
مجيب وان الله أقرب ناصر |
|
ص -91- |
ألم تر أن الله يسدي بلطفه |
ويعقب بعد العسر يسراً لصابر |
وان الديار الهامدات يمدها |
بوبل من الوسمي هام وماطر |
فتصبح في رغد من العيش ناعم |
وتهتز في ثوب من الحسن فاخر |
آخر هذه المنظومة التي صورت لنا تلك الفتن والحروب تصويرا رائعاً، فرحم الله ناظمها العلامة الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. حيث عاش بعد وفاة الإمام فيصل ابن تركي عام 1282ه حقبة مقدارها إحدى عشرة سنة مملوءة بالفتن والحروب إلى أن توفي في الرابع عشر من شهر القعدة سنة 1293 ه ألف ومائتين وثلاث وتسعين من الهجرة عن ثمانية وستين1 عاماً قضى معظمها في تحصيل العلو ونشره، ثم في الكفاح الدائب والنضال المتواصل عن عقيدة الإسلام والدين والذود عن حياض المسلمين وحرماتهم والوقوف دون استباحة أموالهم وانتهاك أعراضهم في تلك الفتن2 العمياء التي حصلت في هذه الجزيرة اثر وفاة الإمام فبصل ابن الإمام تركي -رحمه الله- وقد رثاه الشيخ سليمان بن سحمان والشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن طوق من علماء الاحساء ورثاه غيرهما خلق كثير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 هذه الثمانية والستون عاما التي عاشها الشيخ عبد اللطيف، في الدرعية وإحدى وثلاثون سنة بمصر وتسع وعشرون سنة قضاها في الرياض بنجد آخرها حروب وفتن. 2 ظلت هذه الفتن التي حصلت بعد وفاة الإمام فيصل ابن الأمام تركي سنة 1282 ه تعصف بهذه الجزيرة وأصبحت هذه الجزيرة مرتعاً للفوضى وسفك الدماء ومسرحاً للخلافات القبلية والحروب الأهلية إلى ان شاء الله لها الخير بظهور الملك الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن بن الإمام فيصل آل سعود واستيلائه على مدينة الرياض سنة 1319 ه، فوحد بعد جهاد طويل وكفاح عظيم أجزاء هذه الجزيرة وكون منها هذه المملكة العظيمة المترامية الأطراف التي تنعم اليوم في ظل خلفه الرائد العظيم إمام المسلمين الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود بنعمة الأمن والدين والرخاء والازدهار والاستقرار والتقدم العظيم الشامل لجميع النواحي والميادين أيد الله ملكه وأطال عمره وأدام عزه انه سميع مجيب. |
ص -92- |
وخلف ثمانية أبناء هم: أحمد، والشيخ العلامة عبد الله، وعبد العزيز، والشيخ إبراهيم، والشيخ محمد، والشيخ عمر، وصالح، والشيخ عبد الرحمن. فأما أحمد فإنه ولد له بمصر ولما أراد والده الشيخ عبد اللطيف الخروج من مصر إلى نجد سنة 1264ه أبي أحمد الخروج معه وبقي بمصر إلى أن توفي بها ولا يعرف له ذرية بها، وقد أورد اسمه مختصر تاريخ عثمان بن سند النجدي البصري، تاريخ مطالع السعود. وأما السبعة الباقون فإنهم ولدوا للشيخ عبد اللطيف1 بمدينة الرياض ونشأوا بها وتعلموا العلم بها وتوفوا بها -رحمهم الله-، وقد خلف كل واحد من هؤلاء الأبناء السبعة المذكورين ذرية كثيرة موجودين بمدينة الرياض يعرفون عند انفرادهم بآل عبد اللطيف نسبة إلى جدهم المترجم الشيخ عبد اللطيف وأشهرهم علامة نجد في حياته الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها قبل وفاته –رحمه الله، وأشهرهم اليوم شقيقة الشيخ عبد الملك بن إبراهيم ابن الشيخ عبد اللطيف رئيس هيئات الأمر بالمعروف بالمنطقة الغربية –رحم الله- المترجم الشيخ عبد اللطيف2 ابن الشيخ عبد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 سوى أكبرهم العلامة الشيخ عبد الله فانه ولد بالإحساء كما سنذكره في ترجمته ان شاء الله تعالى. 2 ترجم للعلامة الشيخ عبد اللطيف الشيخ إبراهيم بن صالح في كتابه عقد الدرر ترجمة وافية وترجم له خير الدين الزركلي في الجزء الرابع من كتابه الأعلام، وورد له ذكر في جميع كتب السياح الذين جاءوا إلى مدينة الرياض متنكرين في زمن الإمام فيصل ابن الإمام تركي وابنه الإمام عبد الله مثل بلجريف الرحالة وغيره. وبلغني ان للعلامة المترجم الشيخ عبد اللطيف ترجمة مقررة على طلاب المعاهد والكليات المربوطة بسماحة الشيخ محمد بن الشيخ إبراهيم رحمه الله ولم يقدر لي الوقوف والاطلاع على هذه الترجمة المذكورة فرحم الله الشيخ عبد اللطيف فحياته متعددة الجوانب وحافلة بجلائل الأعمال تحتاج إلى كتاب قائم بنفسه.
|
ص -93- |
الرحمن، فمثل هذه الترجمة الموجزة لا تفي بجميع مآثره لأن حياته حافلة نجلائل الأعمال ومتعددة النواحي والجوانب تحتاج إلى مؤلف ضخم قائم بنفسه يتحدث عنها بتبسيط وإسهاب. غفر الله له وأسكنه فسيح جنته وبارك في خلقه وأحفاده انه سميع مجيب، وصلى الله على محمد وآله وسلم
"المصدر : كتاب مشاهير علماء نجد و غيرهم لفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف ال الشيخ"
|