أيها المسلم: اعلم أن عيب الدنيا من عشرة أوجه ...
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد:
فأثناء مطالعتي في كتاب تاريخ بيهق تأليف : فريد خراسان علي بن زيد البيهقي وقفت على كلام له في آخر كتابه يذكر ذمَّ الدنيا من عشرة أوجه، فوجدت كلامه جديراً بالاهتمام، فرغبت في نشره طلباً للأجر من الله والثواب، وأن يقع في قلوب أهل الإسلام موقعه ..
أسأل الله لي ولكل من يقرأ هذا المقال التوفيق والسداد.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ( الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، أو عالماً، أو متعلماً ) ) وهو حديث حسن، رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي عاصم في الزهد والعقيلي في الضعفاء والبيهقي في الشعب، وابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله والبغوي في شرح السنة وغيرهم.
[ اعلم أن عيب الدنيا من عشرة أوجه:
الأول: كلها شقاء وعناء، فلا تجد أحداً غير مبتلًى بنوع من شقائها، لم يرَ منها أي آدميٍّ الراحةَ، فكيف بالحيوان الذي يحمل بعضه العذاب، وبعضه يموت بالعناء، فالطيور في خوف من الفخ والشَّرَكِ، والوحوش في شقاء بعضهم مع الأخر:
ألا إنما الدنيا على المرء فتنةٌ ##### على كل حالٍ أقبلت أو تولَّتِ
كفى حزناً للمرء أيام دهرِهِ ##### تروح له بالنائبات وتغتدي
****
وكيف يُرَجِّي المرءُ فيها سلامةً ##### وما سَلِمَتْ منها الحصى والجنادلُ
[يقول أبو عمر العتيبي : وإنما تكون السعادة في الدنيا بذكر الله وطاعته، والبعد عن كل ما يغضب الله]
الثاني : ليس للدنيا وفاء، ولا تتوافق مع أحدٍ، لا الرفيع ولا الوضيع، لا القُرَشِيّ ولا الحبشي:
***
دنيـــا تحــول بأهلــها ##### في كـــلِّ يـومٍ مرَّتـينِ
فغدوُّهـــا لتَجَمُّـــعٍ ### ورواحُـــها لشــتات بَيْــنِ
***
دنيا تَنَقَّلُ من قومٍ إلى قومِ
***
إنَّمـــا الدنيــا بـــلاء #### ليــس للدنيــا ثبــوتُ
إنَّمـــا الدنيــا كبيــتٍ #### نَسَــجَتْـهُ العنكبـــوتُ
الثالث: سريعة الزوال والفناء : {حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً}
الرابع: جوهرها خسيس، فالديباج( 3 ) لعاب الدود، والعسل لعاب النحل، والدُّرُّ جنين الأصداف، والمسك من نافجة الغزال ( 4 )، والفضة والذهب من الحَجَرِ، والفاكهة من الخشب، وما كان خسيس الجوهر فالتعب به ضائع:
الخامس: عاقبة كل شيء إلى الفساد، والفساد من العفونة، فكل ما تدخره يؤول في النهاية إلى العفونة والفساد.
السادس: تُجاري الظالمين وعديمي الدراية أكثر من مجاراتها لأهل الفضل، فبينما يكون لدى النصراني الرومي مائة ألف دينار، يشقى المسلم بقوت يومه {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} :
[يقول أبو عمر : الفقر والغنى موجود في المسلمين والكفار وهذا من البلاء ومن قدر الله وحكمته : {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} ].
السابع: إن وافقت الهوى ذهبت بماء الوجه، وإن خالفت العقل أتتك بالوجاهة والنباهة في الدَّارَينِ:
[يقول أبو عمر العتيبي: يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((نعم المال الصالح للرجل الصالح)) ] .
الثامن: بنفس المقدار الذي تزداد فيه اقتراباً منها؛ تبتعد عن رضا الحق تعالى ونعيم الآخرة، {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} ، {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}.
التاسع: مهما جمعت منها فلن تشبع، ولن يكون معك مقدار ذرة منها في سفر الآخرة، تؤخذ عنك الدنيا، وتسأل يوم القيامة عنها، وتعاقب عليها.
قال عليه السلام : ((منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطال دنيا)) ( 5 ) .
والحرص على الدنيا داءٌ لا دواء له:
العاشر: إن كمال الأمور الدنيوية متعلق بالنقصان والانحطاط {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً}
وسِرُّ الدنيا كله مجموع في هذه الآية وهي قوله تعالى: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ ( 6 ) وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
وفقنا الله لطاعته واجتناب معصيته] انتهى كلامه رحمه الله مع تعليق يسير عليه.
كتبه: أبو عمر أسامة بن عطايا العتيبي
يوم الثلاثاء 16 / 10 / 1427هـ
( 1 ) الشَّهد هو العسل .
( 2 ) البيطار : الطبيب .
( 3 ) الديباج : الحرير.
( 4 ) نافجة الغزال : النافجة الوعاء، نافجة المسك : وعاؤه، ونافجة الغزال الموضع الذي يستخرج منه المسك من الغزال.
( 5 ) حديث صحيح بطرقه.
( 6 ) ذكر الآية في كتاب تاريخ بيهق إلى هنا ، وأنا أتممت الآية فليتنبه.
من موقع الشيخ اسامه العتيبى