عقيدة أهل السنة و الأثر فى المهدى المنتظر

عقيدة أهل السنة والأثر

في المهدي المنتظر

للشيخ عبد المحسن العباد

المدرس في الجامعة

 

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، نحمد الله على نعمه ونسأله المزيد من فضله وكرمه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعملنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وقال مخاطبا له: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله وخيرته من خلقه، بعثه الله إلى الناس كافة بين يدي الساعة بشير و نذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، أتم الله به الدين خبرا وأمرا، فأحكامه عدل وأخباره صدق، لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. .

أخبر أمته عن الأمم الماضية بأخبار لا بد في الإيمان من التصديق بها وإنها وقعت وفق خبره صلى الله عليه وسلم وبذلك كانوا شهداء على الناس كما أخبر عن أمور مستقبلة لا بد من التصديق بها واعتقاد أنها ستقع على وفق ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم، وما من شيء يقرب إلى الله إلا وقد دل الأمة عليه ورغبها فيه، وما من شر إلا حذرها منه، فصلوات الله وسلامه الأتمان الأكملان عليه وعلى آله وأصحابه الذين شرفهم الله بصحبته وإكرام أبصارهم في هذه الحياة الدنيا بالنظر إلى طلعته وأتم عليهم النعمة بأن جعلهم حملة سنته وعلى من حذا حذوهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فلما كان من بين الأمور المستقبلة التي تجرى في آخر الزمان عند نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء خروج رجل من أهل بيت النبوة من ولد الحسن بي علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوافق اسمه اسم الرسول صلى الله عليه وسلم واسم أبيه اسم أبيه ويقال له المهدي يتولى أمرة المسلمين ويصلي عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم خلفه وذلك لدلالة الأحاديث الكثيرة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تلقتها الأمة بالقبول واعتقدت موجبها إلا من شذ رأيت أن يكون الكلام حول هذا الأمر موضوع محاضرتي وذلك لأمرين:

الأول:- أن الأحاديث الواردة في المهدي لم ترد في الصحيحين على وجه التفصيل بل جاءت مجملة، وقد وردت في غيرهما مفسرة لما فيهما فقد يظن ظان أن ذلك يقلل من شأنها وذلك خطأ واضح فالصحيح بل والحسن في غير الصحيحين مقبول معتمد عند أهل الحديث.

الثاني:- أن بعض الكتاب في هذا العصر أقدم على الطعن في الأحاديث الواردة في المهدي بغير علم بل بجهل أو بالتقليد لأحد لم يكن من أهل العناية بالحديث وقد اطلعت على تعليق لعبد الرحمن محمد عثمان على كتاب تحفة الأحوذي الذي طبع أخيرا في مصر قال في الجزء السادس في باب ما جاء في الخلفاء، قال في تعليقه: "يرى الكثيرون من العلماء أن كل ما ورد من أحاديث عن المهدي إنما هي موضع شك وأنها لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل إنها من وضع الشيعة"، انتهى. وقال معلقا بشأن المهدي في باب ما جاء في تقارب الزمن وقصر الأمل في الجزء المذكور: "ويرى الكثيرون من العلماء الثقاة الأثبات أن ما ورد من أحاديث خاصة بالمهدي ليست إلا من وضع الباطنية والشيعة وأضرابهم وأنها لا تصح نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم"، انتهى بل لقد تجرأ بعضهم إلى ما هو أكثر من ذلك فنجد محي الدين عبد الحميد يقول في تعليقه على الحاوي للفتاوى للسيوطي، يقول في آخر جزء في العرف الوردي في أخبار المهدي ص 166من الجزء الثاني: "يرى بعض الباحثين أن كل ما ورد عن المهدي وعن الدجال من الإسرائيليات"، انتهى. وأخطر من ذلك و أطم تعليق أبو عيبة رئيس بعثة الأزهر في لبنان في العام الماضي على كتاب النهاية لابن كثير بما معناه أن ما جاء من الأحاديث في شأن المهدي ونزول عيسى بن مريم والدجال إنما هو رمز لانتصار الحق على الباطل.

لهذين الأمرين ولكون الواجب على كل مسلم ناصح لنفسه أن لا يتردد في تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يخبر به رأيت أن يكون الكلام حول هذا الأمر موضوع محاضرتي كما قلت وقد جعلت عنوانها عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر. .

ولكي تكون أيها المستمع على علم مقدما بعناصر المحاضرة أسوقها لك فيما يلي:

الأول:- ذكر أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثاني:- ذكر أسماء الأئمة الذين خرجوا الأحاديث والآثار الواردة في المهدي في كتبهم.

الثالث:- ذكر الذين أفردوا مسألة المهدي بالتأليف من العلماء.

الرابع:- ذكر الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي وحكاية كلامهم في ذلك.

الخامس:- ذكر بعض ما ورد في الصحيحين من الأحاديث التي لها تعلق بشأن المهدي.

السادس:- ذكر بعض الأحاديث في شأن المهدي الواردة في غير الصحيحين مع الكلام عن أسانيد بعضها.

السابع:- ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها وحكاية كلامهم في ذلك.

الثامن:- ذكر من وقفت عليه ممن حكى عنه إنكار أحاديث المهدي أو التردد فيها مع مناقشة كلامه باختصار.

التاسع:- ذكر بعض ما يظن تعارضه مع الأحاديث الواردة في المهدي والجواب عن ذلك.

العاشر:-كلمة ختامية.

اسماء الصحابة الذين رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث المهدي:

جملة ما وقفت عليه من أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول صلى الله عليه وسلم ستة وعشرون هم:-

1- عثمان بن عفان رضي الله عنه.

2- علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

3- طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.

4- عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.

5- الحسين بن علي رضي الله عنه.

6- أم سلمة رضي الله عنها.

7- أم حبيبة رضي الله عنها.

8- عبد الله بن عباس رضي الله عنه.

9- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

10- عبد الله بن عمر رضي الله عنه.

11- عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.

12- أبو سعيد الخدري رضي الله عنه.

13- جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

14- أبو هريرة رضي الله عنه.

15- أنس بن مالك رضي الله عنه.

16- عمار بن ياسر رضي الله عنه.

17- عوف بن مالك رضي الله عنه.

18- ثوبان مولى رسول الله رضي الله عنه.

19- قرة بن إياس رضي الله عنه.

20- علي الهلالي رضي الله عنه.

21- حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.

22- عبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنه.

23- عوف بن مالك رضي الله عنه.

24- عمران بن حصين رضي الله عنه.

25- أبو الطفيل رضي الله عنه.

26- جابر الصدفي رضي الله عنه.

اسماء الأئمة الذين خرجوا الأحاديث والآثار الواردة في المهدي في كتبهم:

وأحاديث المهدي خرجها جماعة كثيرون من الأئمة في الصحاح والسنن والمعاجم والمسانيد وغيرها قد بلغ عدد الذين وقفت على كتبهم أو اطلعت على ذكر تخريجهم لها ثمانية وثلاثين هم:

1- أبو داود في سننه.

2- الترمذي في جامعه.

3- ابن ماجه في سننه.

4- النسائي ذكره السفاريني في لوامع الأنوار البهية و المناوي في فيض القدير وما رأيته في الصغرى ولعله في الكبرى.

5- أحمد في مسنده.

6- ابن حبان في صحيحه.

7- الحاكم في المستدرك.

8- أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف.

9- نعيم بن حماد في كتاب الفتن.

10- الحافظ أبو نعيم في كتاب المهدي وفي الحلية.

11- الطبراني في الكبير والأوسط والصغير.

12- الدار قطني في الأفراد.

13- البارودي في معرفة الصحابة.

14- أبو يعلى الموصلي في مسنده.

15- البزار في مسنده.

16-الحارث بن أبي أسامة في مسنده.

17- الخطيب في تلخيص المتشابه وفي المتفق والمفترق.

18- ابن عساكر في تاريخه.

19- ابن منده في تاريخ أصبهان.

20- أبو الحسن الحربي في الأول من الحربيات.

21- تمام الرازي في فوائده.

22- ابن جرير في تهذيب الآثار.

23- أبو بكر بن المقري في معجمه.

24- أبو عمرو الداني في سننه.

25- أبو غنم الكوفي في كتاب الفتن.

26- الديلمي في مسند الفردوس.

27- أبو بكر الإسكاف في فوائد الأخبار.

28-أبو الحسين بن المناوي في كتاب الملاحم.

29- البيهقي في دلائل النبوة.

30- أبو عمرو المقري في سننه.

31- ابن الجوزي في تاريخه.

32- يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده.

33-الروياني في مسنده.

34- ابن سعد في الطبقات.

35- ابن خزيمة.

36- الحسن بن سفيان.

37- عمر بن شبه.

38- أبو عوانة.

وهؤلاء الأربعة ذكر السيوطي في العرف الوردي كونهم ممن خرج أحاديث المهدي دون عزو التخريج إلى كتاب معين.

 

ذكر لبعض الذين ألفوا كتبا في شأن المهدي:

وكما اعتنى علماء هذه الأمة بجميع الأحاديث الواردة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم تأليفا وشرحا كان للأحاديث المتعلقة بأمر المهدي قسطها الكبير من هذه العناية فمنهم من أدرجها ضمن المؤلفات العامة كما في السنن و المسانيد وغيرها ومنهم من أفردها بالتأليف. . كل ذلك حصل منهم-رحمهم الله وجزاهم خيرا- حماية لهذا الدين وقياما بما يجب من النصح للمسلمين فمن الذين أفردوها بالتأليف:

1- أبو بكر ابن خيثمة زهير بن حرب قال ابن خلدون في مقدمة تاريخه ولقد توغل أبو بكر ابن أبي خيثمة على ما نقل السهيلي عنه في جمعة للأحاديث الواردة في المهدي:

2- ومنهم الحافظ أبو نعيم ذكره السيوطي في الجامع الصغير وذكره في العرف  الوردي بل قد لخص السيوطي الأحاديث التي جمعها أبو نعيم في المهدي وجعلها ضمن كتابه العرف الوردي وزاد عليها فيه أحاديث وآثارا كثيره جدا.

3- ومن الذين أفردوا أحاديث المهدي بالتأليف السيوطي فقد جمع فيه جزاء سماه العرف الوردي في أخبار المهدي وهو مطبوع ضمن كتابه الحاوى للفتاوى في الجزء الثاني منه قال في أوله "الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى هذا جزء جمعت فيه الأحاديث و الآثار الواردة في المهدي لخصت فيه الأربعين التي جمعها الحافظ أبو نعيم وزدت عليه ما فاته ورمزت عليه صورة"ك".

والأحاديث والآثار التي أوردها السيوطي في شأن المهدي تزيد على المائتين تلك الأحاديث والآثار فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع وإذا أورد الحديث الواحد أضافه إلى كل من الذين خرجوه فيقول مثلا في الحديث الواحد أخرج أبو داوود وابن ماجة و الطبراني والحاكم عن أم سلمة سمعت رسول الله سلى الله عليه وسلم يقول: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة".

4- ومنهم الحافظ عماد الدين ابن كثير قال رحمه الله في كتابه الفتن والملاحم "وقد أفردت في ذكر المهدي جزءا على حدة ولله الحمد والمنة".

5- ومنهم الفقيه بن حجر المكي وقد سمى مؤلفه "القول المختصر في علامات المهدي المنتظر" ذكر ذلك البرزنجي في الإشاعة ونقل منه وكذلك السفاريني في لوامع الأنوار البهية وغيرهما.

6- ومنهم علي المتقي الهندي صاحب كنز العمال فقد ألف في شأن المهدي رسالة ذكرها البرزنجي في الإشاعة وذكر ذلك قبله أيضا ملا علي قاري الحنفي في المرقاة شرح المشكاة، وذكره شارح راموز الحديث.

7- ومن الذين ألفوا في شأن المهدي ملا علي قاري وسمى مؤلفه "المشرب الوردي في مذهب المهدي" ذكره في الإشاعة ونقل جملة كبيرة منه.

8- ومنهم مرعي بن يوسف الحنبلي المتوفى سنة ثلاث وثلاثين بعد الألف، وسمى مؤلفه "فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر"ذكره السفاريني في لوامع الأنوار البهية وذكره صديق حسن في الإذاعة وغيرها.

9- ومن الذين ألفوا في شأن المهدي بالإضافة إلى مسألتي نزول عيسى عليه الصلاة والسلام وخروج المسيح الدجال القاضي محمد بن علي الشوكاني وسمى مؤلفه "التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح" ذكر ذلك صديق حسن في الإذاعة ونقل جملة منه و الشوكاني ممن ألف بشأنه، وحكى تواتر الأحاديث الواردة فيه.

10- ومنهم الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني صاحب سبل السلام المتوفى سنة 1182هـ قال صديق حسن في الإذاعة:

وقد جمع السيد العلامة بدر الملة المنير محمد بن اسماعيل الأمير اليماني الأحاديث القاضية بخروج المهدي وأنه من آل محمد صلى الله عليه وسلم وأنه يظهر في آخر الزمان ثم قال: "ولم يأت تعيين زمنه إلا أنه يخرج قبل خروج الدجال" انتهى.

 

ذكر بعض الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي ونقل كلامهم في ذلك

1- من الذين حكوا على أحاديث المهدي بأنها متواترة الحافظ أبو الحسن محمد ابن الحسين الآبري السجزي صاحب كتاب مناقب الشافعي المتوفى سنة ثلاث وستين وثلاثمائة من الهجرة قال رحمه الله في محمد بن خالد الجندي راوي حديث "لا مهدي إلا عيسى ابن مريم" محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر المهدي وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلا وأن عيسى عليه السلام يخرج فيساعده على قتل الدجال وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه" نقل ذلك عنه ابن القيم في كتابه المنار المنيف وسكت عليه ونقل عنه أيضا الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة محمد بن خالد الجندي وسكت عليه ونقل عنه ذلك وسكت عليه أيضا في فتح الباري في باب نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ونقل ذلك عنه أيضا السيوطي في آخر جزء العرف الوردي في أخبار المهدي وسكت عليه ونقل ذلك عنه مرعي بن يوسف في كتابه "فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر" كما ذكر ذلك صديق حسن في كتابه "الإذاعة لما كان و ما يكون بين يدي الساعة"0

2- ومنهم محمد البر زنجي المتوفى سنة ثلاث بعد المائة والألف في كتابه الإشاعة لأشراط الساعة قال: "الباب الثلث في الأشراط العظام والأمارات القريبة التي تعقبها الساعة وهي أيضا كثيرة فمنها المهدي وهو أولها واعلم أن الأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر-إلى أن قال: ثم الذي في الروايات الكثيرة الصحيحة الشهيرة أنه من ولد فاطمة-إلى أن قال: تنبيه قد علمت أن أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة بلغت حد التواتر المعنوي فلا معنى لإنكارها وقال في ختام كتابه المذكور- بعد الإشارة إلى بعض أمور تجري في آخر الزمان- :وغاية ماثبت بالأخبار الصحيحة الكثيرة الشهيرة التي بلغت التواتر المعنوي وجود الآيات العظام التي منها بل أولها خروج المهدي وأنه يأتي في آخر الزمان من ولد فاطمة يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما".

3- ومن الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي الشيخ محمد السفاريني المتوفى سنة ثمان وثمانين بعد المائة والألف، في كتابه "لوامع الأنوار البهية" قال: "وقد كثرت بخروجه-يعني المهدي-الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم -ثم ذكر بعض الآثار والأحاديث في خروج المهدي وأسماء بعض الصحابة الذين رووها- ثم قال: وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة".

4- ومنهم القاضي محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة خمسين بعد المائتين والألف وهو صاحب التفسير المشهور ومؤلف نيل الأوطار قال في كتابه "التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح" "والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر وهي متواترة بلا شك و لا شبهة بل يصدق وصف المتواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة جدا لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك"، انتهى. وقال في مسألة نزول المسيح صلى الله عليه وسلم: "فتقرر أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة والأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه الصلاة والسلام متواترة"0

5- ومنهم الشيخ صديق حسن القنوجي المتوفى سنة سبع بعد الثلاثمائة والألف قال في كتابه الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة "والأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جدا تبلغ حد التواتر المعنوي وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم و المسانيد-إلى إن قال-لاشك أن المهدي يخرج آخر الزمان من غير تعيين لشهر وعام لما تواتر من الأخبار في الباب واتفق عليه جمهور الأمة خلفا عن سلف إلا من لا يعتد بخلافه-إلى أن قال-فلا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود المنتظر المدلول عليه بالأدلة بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر".

6- وممن حكى تواتر أحاديث المهدي من المتأخرين الشيخ محمد بن جعفر الكتاني المتوفى سنة خمس وأربعين بعد الثلاثمائة و الألف قال في كتابه "نظم المتناثر من الحديث المتواتر" "وقد ذكروا أن نزول سيدنا عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ثابت بالكتاب والسنة والإجماع ثم قال: والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة وكذا الواردة في الدجال وفي نزول سيدنا عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام".

7- ذكر بعض ما ورد في الصحيحين من الأحاديث مما له تعلق بشأن المهدي.

1- روى البخاري في صحيحه في باب نزول عيسى بن مريم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: "كيف أنتم إذا نزل عيسى بن مريم فيكم وإمامكم منكم".

2- وروى مسلم في كتاب الإيمان من صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه بمثل حديثه عن البخاري، ورواه أيضا عن أبي هريرة بلفظ: "كيف أنتم إذا نزل بن مريم فيكم فأمكم" ورواه أيضا عن أبي هريرة بلفظ: "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم فأمكم منكم" وفيه تفسير ابن أبي ذئب راوي الحديث لقوله "وأمكم منكم" بقوله فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.

3- وروى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الامة".

فهذه الأحاديث التي وردت في الصحيحين تدل على أمرين:

أحدهما أنه عند نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء يكون المتولي لأمرة المسلمين رجل منهم، والثاني أن حضور أميرهم للصلاة وصلاته بالمسلمين وطلبه من عيسى عليه الصلاة والسلام عند نزوله أن يتقدم ليصلي لهم يدل على صلاح في هذا الأمير وهدى، وهي وإن لم يكن فيها التصريح بلفظ المهدي إلا أنها تدل على صفات رجل صالح يؤم المسلمين في ذلك الوقت وقد جاءت الأحاديث في السنن و المسانيد وغيرها مفسرة لهذه الأحاديث التي في الصحيحين ودالة على أن ذلك الرجل الصالح يسمى محمد ابن عبد الله من ولد الحسن بن علي ويقال له المهدي والسنة يفسر بعضها بعضا ومن الأحاديث الدالة على ذلك الحديث الذي رواه الحارث ابن أبي أسامة الذي في مسنده بسنده عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا فيقول: لا إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة" وهذا الحديث قال فيه ابن القيم في المنار المنيف إسناده جيد. انتهى. وهو دال على أن ذلك الأمير المذكور في صحيح مسلم الذي طلب من عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام أن يتقدم للصلاة يقال له المهدي، وقد أورد الشيخ صديق حسن في كتابه الإذاعة جملة كبيرة من أحاديث المهدي جعل آخرها حديث جابر المذكور عند مسلم ثم قال عقبه: "وليس فيه ذكر المهدي ولكن لا محمل له ولأمثاله من الأحاديث إلا المهدي المنتظر كما دلت على ذلك الأخبار المتقدمة والآثار الكثيرة، ولما كان المقام لا يتسع لإيراد الكثير من الأحاديث الواردة في غير الصحيحين في شأن المهدي والكلام عليها رأيت الاقتصار هنا على إيراد بعضها مع الكلام على بعض أسانيدها:

 

ذكر بعض الأحاديث في المهدي الواردة في غير الصحيحين

1- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أبشركم بالمهدي يبعث على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال صحاحا" قال له رجل ما صحاحا قال "بالسوية ويملأ الله قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم غناء ويسعهم عدله" إلى آخر الحديث قال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه أحمد بأسانيد أبو يعلى باختصار كثير ورجالهما ثقات.

2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ذكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم المهدي فقال: "إن قصر فسبع وإلا فثمان وإلا فتسع وليملأن الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلما" قال الهيثمي رواه البزار ورجاله ثقات وفي بعضهم بعض الضعف.

3- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع و إلا فثمان وإلا فتسع تنعم أمتي فيها نعمة لم ينعموا مثلها يرسل السماء عليهم مدرارا ولا تدخر الأرض شيئا من النبات والمال كدوس يقوم الرجل فيقول يا مهدي أعطني فيقول خذ" قال الهيثمي رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

4- عقد أبو داود في سننه كتابا قال في أوله: أول كتاب المهدي وقال في آخره آخر كتاب المهدي جعل تحته بابا واحدا أورد فيه ثلاثة عشر حديثا وصدر هذا الكتاب بحديث جابر ابن سمرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم إثنا عشر خليفة" الحديث قال السيوطي في آخر جزء العرف الوردي في أخبار المهدي إن في ذلك إشارة إلى ما قاله العلماء أن المهدي أحد الاثنى عشر وقد ذكر ذلك أيضا ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ} في سورة المائدة كما يجيء ذكر كلامه، ويرى جماعة من العلماء ومنهم شارح الطحاوية أن الاثنى عشر هم الخلفاء الراشدون و ثمانية انتهى.

5- ما رواه أبو داود في سننه من طريق عاصم بن أبي النجود عن أبي زرعة عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا". وهذا الحديث سكت عليه أبو داود و المنذري وكذا ابن القيم في التهذيب السنن  وقد أشار إلى صحته في المنار المنيف وصححه ابن تيميه في منهاج السنة النبوية وقد أورده في مصابيح السنة في فصل الحسان وقال عنه الألباني في تخريج أحاديث المشكاة "وإسناده حسن"، انتهى.

والحديث مداره على عاصم بن أبي النجود وقد لخص في عون المعبود شرح مسند سنن أبي داود الأقوال التي قيلت فيه فقال: "وعاصم هذا هو ابن أبي النجود واسم أبي النجود بهدلة أحد القراء السبعة" قال: "أحمد بن حنبل كان رجلا صالحا وأنا اختار قراءته" وقال أحمد وأبو زرعة أيضا: "ثقة" وقال أبو حاتم: "محله عندي محل الصدق صالح الحديث ولم يكن بذلك الحافظ" وقال أبو جعفر العقيلي: "لم يكن فيه إلا سوء الحفظ" وقال الدار قطني: "في حفظه شيء" وأخرج له البخاري في صحيحه مقرونا وأخرج له مسلم قال الذهبي: "ثبت في القراءة وهو في الحديث دون التثبت صدوق يهم وهو حسن الحديث" والحاصل أن عاصم بن بهدلة ثقة على رأي أحمد وأبي زرعة وحسن الحديث صالح الاحتجاج على رأي غيرهما ولم يكن فيه إلا سوء الحفظ فرد الحديث بعاصم ليس من دأب المنصفين على أن الحديث قد جاء من غير طريق عاصم أيضا فارتفعت عن عاصم مظنة الوهم والله أعلم. انتهى.

والحديث ذكره ابن خلدون في مقدمة تاريخه وقدح فيه من جهة عاصم ابن أبي النجود ملاحظا ما قيل فيه من سوء الحفظ وقال إن الجرح مقدم على التعديل وقد أنكر عليه ذلك، قال الشيخ أحمد شاكر في تخريج أحاديث المسند: "إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين إن الجرح مقدم على التعديل ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئا مما قال وقال أيضا إن عاصم ابن أبي النجود من أئمة القراء المعروفين ثقة في الحديث أخطأ في بعض حديثه ولم يغلب خطؤه على روايته حتى ترد" قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: "أخبرنا عبك الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلي قال سألت أبي عن عاصم ابن بهدلة فقال ثقة رجل صالح خير ثقة والأعمش أحفظ منه وكان شعبة يختار الأعمش عليه في تثبيت الحديث وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عن عاصم بن بهدلة فقال هو صالح هو أكثر حديثا من أبي قيس الأودي وأشهر منه وأحب إلي من أبي قيس وقال سئل إلي عن عاصم بن أبي النجود وعبد الملك بن عمير فقال قدم عاصما على عبد الملك عاصم أقل اختلافاً عندي من عبد الملك، وقال سألت أبا زرعة عن عاصم بن بهدلة فقال ثقة قال فذكرته لأبي فقال ليس محله هذا أن يقال ثقة وقد تكلم فيه ابن علية فقال كأن كل من كان اسمه عاصما سيء الحفظ" قال الشيخ أحمد شاكر: "وهذا أكثر ما قيل فيه من الجرح، أفمثل هذا يطرح حديثه ويجعل سبيلا لإنكار شيء ثبت بالسنة الصحيحة من طرق متعددة من حديث كثير من الصحابة حتى لا يكاد يشك في صحته أحد كما ورد في روايته من عدل وصدق لهجة ولارتفاع احتمال الخطأ فمن كان في حفظ شيء بما ثبت عن غيره ممن هو مثله في العدل والصدق وقد يكون أحفظ منه ما هكذا تعلل الأحاديث" انتهى.

6- وقال أبو داود في سننه حدثنا سهل بن تمام بن بديع حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ويملك سبع سنين"، قال ابن القيم في المنار المنيف رواه أبو داود بإسناد جيد وأورده في مصابيح السنة في فصل الحسان وقال الألباني في تخريج أحاديث المشكاة وإسناده حسن ورمز لصحته السيوطي في الجامع الصغير.

7- وقال ابن ماجه في سننه: حدثنا محمد بن يحيى وأحمد بن يوسف قالا: حدثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي اسماء الرحبي عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم-ثم ذكر شيئا لا أحفظه- فقال فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي"، قال الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي في تعليقه على سنن ابن ماجه: في الزوائد: "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين"، انتهى. وقد أورد هذا الحديث بسنده الحافظ ابن كثير في كتاب الفتن والملاحم وقال: "وهذا إسناد قوي صحيح، ثم أورد حديثا عن الترمذي فيه ذكر الرايات السود أيضا ثم قال وهذه الرايات ليست هي الرايات التي أقبل بها أبو مسلم الخرساني فاستلب بها دولة بني أمية في سنة اثنتين وثلاثين ومائة بل رايات سود أخر تأتي بصحبة المهدي وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه" انتهى.

8- قال أبو داود في سننه: حدثنا حمد بن إبراهيم حدثنا عبد الله جعفر الرقي حديثا أبو المليح الحسن بن عمر عن زياد بن بيان عن علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة. ." وأخرجه ابن ماجه عن سعيد ابن المسيب قال كنا عند أم سلمة فتذاكرنا المهدي فقالت سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول: "المهدي من ولد فاطمة" وقد أورد هذا الحديث السيوطي في الجامع الصغير ورمز لصحته وأورده في مصابيح السنن في فصل الحسان وقال الألباني في تخريج أحاديث المشكاة وإسناده جيد.

9-قال ابن القيم في المنار المنيف وقال الحارث بن أبي أسامة في مسنده: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم حدثنا إبراهيم بن عقيل عن أبيه عن وهب بن منبه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول لا إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة" قال ابن القيم وهذا إسناد جيد، انتهى.

وبالرجوع إلى ما قاله أهل هذا الفن في سند الحديث وجدت أن السند متصل من أوله إلى آخره لا نقطاع فيه أما ما قيل عن كل راو من رواته:

فإسماعيل بن عبد الكريم قال عنه الحافظ في التقريب: "إسماعيل بن عبد الكريم ابن معقل بن منبه صدوق من التسعة" وذكر في تهذيب التهذيب أنه روى عن ابن عمه إبراهيم بن عقيل وعن غير إبراهيم بن عقيل هذا هو الذي روى عنه إسماعيل هذا الحديث في المهدي وذكر أنه روى عن إسماعيل المذكور جماعة منهم أحمد بن حنبل والحارث ابن أبي أسامة وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب أيضا قال النسائي: "ليس به بأس" وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن معين: "ثقة رجل صدق" وقال الحافظ ابن حجر: "وأما قول ابن القطان الفاسي لا يعرف فمردود عليه" وقال مسلمة بن قاسم: "جائز الحديث ولم يزد في خلاصة تهذيب الكمال عن قول ابن معين فيه ثقة صدوق وقال قال ابن سعد توفي سنة عشر ومائتين" انتهى. وهو من رجال أبي داود في سننه وابن ماجه في التفسير كما رمز لذلك الحافظ في تقريب التهذيب.

والثاني من رجال سند الحديث إبراهيم بن عقيل بن معقل الصنعاني ابن عم إسماعيل المتقدم ذكره قال الحافظ في التقريب: "صدوق من الثامنة" ورمز لكونه من رجال أبي داود وقال في تهذيب التهذيب: "روى عن أبيه وعنه أحمد بن حنبل وابن عمه إسماعيل بن عبد الكريم وغيرهم قال ابن معين لم يكن به بأس وقال المعجلي ثقة وقال الحافظ قلت وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه وكذا ابن حبان والحاكم وذكر ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين قال إبراهيم ثقة وأبوه ثقة وقال ابن أبيه وهب بن منبه" انتهى.

الثالث من رجال سند الحديث عقيل بن معقل قال الحافظ في التقريب: "هو ابن أخي وهب بن منبه وقال صدوق من السابعة" ورمز لكونه من رجال أبي داود ذكر في تهذيب التهذيب أنه روى عن عميه همام ووهب وعنه ابنه إبراهيم وأناس آخرون سماهم وذكر أنه وثقة أحمد بن حنبل وابن معين وقال وذكره ابن حبان في الثقات وعلق له البخاري عن جابر في تفسير سورة النساء أثرا في الكهان وقد جاء موصولا من رواية عقيل هذا عن وهب وعنه ابنه إبراهيم وعبد الرزاق قال أحمد ثقة قرأ التوراة والإنجيل" انتهى.

الرابع من رجال سند الحديث وهب بن منبه بن كامل اليماني قال في التقريب: "ثقة من الثالثة" ورمز لكونه من رجال الصحيحين وأبي داود و الترمذي والنسائي وابن ماجه في التفسير.

وقال في تهذيب التهذيب روى عن أبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس وابن عمرو ابن شعيب وأبي خلفية البصري و أخيه همام ابن منبه وغيرهم وذكر أنه روى عنه ابناه عبد الله وعبد الرحمن وأبناء أخيه عبد الصمد وعقيل بن معقل بن منبه وقال قال: "عبد الله ابن أحمد بن حنبل عن أبيه كان من أبناء فارس" وقال العجلي: "تابعي ثقة وكان على قضاء صنعاء" وقال أبو زرعة و النسائي: "ثقة" وذكره ابن حبان في الثقات، انتهى. وقال أحمد ابن حنبل "وكان يهتم بشيء من القدر ثم رجع عنه" وقال الحافظ في تهذيب التهذيب ايضا روى له البخارى حديثا واحدا من روايته عن أخيه عن أبي هريرة "ليس أحد أكثر حديثا مني إلا عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان يكتب ولا أكتب" وقال قلت: "وقال عمرو بن علي الفلاس كان ضعيفا" انتهى. أقول وذكر شارح الطحاوية عن وهب ابن منبه أنه قال: "نظرت في القدر فتحيرت ثم نظرت فيه فتحيرت ووجدت أن أعلم الناس بالقدر أكفهم عنه وأجهل الناس بالقدر أنطقهم به"

أما الحارث ابن أبي أسامة صاحب المسند فقد ترجم له الذهبي في الميزان وقال فيه: "وكان حافظا عارفا بالحديث عالي الإسناد بالمرة تكلم فيه بلا حجة"، قال الدار قطني: "قد اختلف فيه وهو عندي صدوق" وقال ابن حزم: "ضعيف ولينه بعض البغاددة لكونه يأخذ على الرواية" انتهى. وترجم له الذهبي أيضا في تذكرة الحفاظ وسمى جماعة روى عنهم وجماعة رووا عنه ثم قال: "وثقة إبراهيم الحربي مع علمه بأنه يأخذ الدراهم وأبو حاتم وابن حبان وقال الدار قطني صدوق وأما أخذ الدراهم على الرواية فقد كان فقيرا كثير البنات وقال أبو الفتح الأزدي وأبي حزم ضعيف" انتهى.

"وقال ابن العماد في شذرات الذهب وفيها أي في سنة 282هـ توفي الحافظ أبو محمد الأحرث أبي أسامة التهمي البغدادي صاحب المسند يوم عرفة وله 96سنة سمع عن ابن عاصم وعبد الرحمن بن عطاء وطبقتهما قال الدار قطني صدوق وقيل فيه لين كان لفقره يأخذ على الحديث أجرا"

هؤلاء سند الحديث من أوله إلى جابر رضي الله عنه وهو متصل ولفظ حديث جابر هذا قريب من لفظ حديثه عند مسلم في صحيحه حيث قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم تعال صلى لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة"، فهذا الحديث الذي أورده ابن القيم من مسند الحارث ابن أبي أسامة بالسند الذي قال عنه إنه جيد وقد سمعتم حاصل ما ذكر عن رجاله أقول هذا الحديث فيه وصف الأمير المذكور بأنه المهدي فيكون هذا الحديث وغيره من الأحاديث الكثيرة الدالة على خروج المهدي آخر الزمان مفسرة للمراد بهذا الحديث الذي أورده مسلم وللأحاديث الأخرى التي في معناه عند البخاري ومسلم كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.

7- ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها وحكاية كلامهم في ذلك.

قال الحافظ أبو جعفر العقيلى المتوفى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة "إن في المهدي أحاديث جياد" قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة على بن نفيل بن زارع النهدي قلت "ذكره العقيلي في كتابه وقال لا يتابع على حديثة في المهدي ولا يعرف إلا به قال وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه" انتهى.

ويرى الإمام ابن حبان البستي المتوفى سنة354 أن الأحاديث الواردة في المهدي مخصصة لحديث لا يأتي عليكم زمان إلا و الذي بعده شر منه قال الحافظ بن حجر في فتح الباري في الكلام على الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه في كتاب الفتن وهو حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم" "قال واستدل ابن حبان في صحيحه بأن حديث أنس ليس على عمومه بالأحاديث الواردة في المهدي وأنه يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما" انتهى.

وقال الخطابي 388هـ رحمه الله في الكلام على حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان وتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة الخ. ." قال "ويكون ذلك في زمن المهدي أو عيسى عليهما الصلاة والسلام أو كليهما" ذكر ذلك ملا علي قاري في المرقاة شرح المشكاة وقال" والأخير هو الأظهر لظهور هذا الأمر في خروج الدجال وهو في زمنهما" وذكر ذلك المبارك فوري صاحب تحفة الاحوذى في الكلام على شرح هذا الحديث.

وقال الإمام البيهقي المتوفى سنة 458هـ بعد كلامه على تضعيف حديث "لا مهدي إلا عيسى بن مريم" قال والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة إسنادا نقل ذلك عنه الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة محمد بن خالد الجندي راوي حديث "لا مهدي إلا عيسى بن مريم" ونقله عنه أيضا ابن القيم في المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف.

وقد عقد القاضي عياض المتوفى 544 هـ في كتابه الشفاء بابا لمعجزاته صلى الله عليه وسلم يشتمل على ثلاثين فصلا قال في القسم الأول من كتابه المذكور: "الباب الرابع فيما أظهره الله على يديه صلى الله عليه وسلم من المعجزات وشرفه به من الخصائص والكرامات قال في أوائل الكلام في هذا الباب: أمنيتنا أن نثبت في هذا الباب أمهات معجزاته ومشاهير آياته لتدل على عظيم قدره عند ربه وأتينا منها بالمحقق والصحيح الإسناد أكثره مما بلغ القطع أو كاد وأضفنا إليه بعض ما وقع في كتب مشاهير الأئمة ثم قال في الفصل الثالث والعشرين فصل ومن ذلك ما اطلع عليه من الغيوب ومايكون. . قال في أوله: والأحاديث في هذا الباب بحر لا يدرك قعره ولا ينزف غمره، أورد في هذا الفصل جملة كبيرة من الأمور المستقبلة التي أخبر بها الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم وذكر من بينها خروج المهدي".

وقال الإمام محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي صاحب التفسير المشهور المتوفى سنة 671هـ في كتابه التذكرة في أمور الآخرة بعد ذكر حديث "ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم" "قال إسناده ضعيف والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم بها دونه وقال يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم "ولا مهدي إلا عيسى بن مريم" أي لا مهدي كاملا معصوما إلا عيسى قال وعلى هذا تجتمع الأحاديث ويرتفع التعارض، نقل ذلك عنه السيوطي في آخر جزء العرف الوردي في أخبار المهدي" وقال شيخ الإسلام ابن تيميه           728 هـ في كتابه منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية"ج4-211".

"فصل وأما الحديث الذي رواه-أي الرافضي الذي ألف كتابه للرد عليه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم- "يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا" وذلك هو المهدي، في الجواب أن الأحاديث التي يحتج بها على الخروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود و الترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن مسعود "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه رجل مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا" ورواه الترمذي وأبو داود من رواية أم سلمة وفيه المهدي من عترتي من ولد فاطمة ورواه أبو داود من طريق أبي سعيد وفيه "يملك الأرض سبع سنين" ورواه عن علي رضي الله عنه أنه نظر إلى الحسن وقال إن أبني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق يملأ الأرض قسطا وهذه الأحاديث غلط فيها طوائف طائفة أنكروها واحتجوا بحديث ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا مهدي إلا عيسى ابن مريم" وهذا الحديث ضعيف وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه وليس مما يعتمد عليه، ورواه ابن ماجه عن يونس عن الشافعي والشافعي رواه عن رجل من أهل اليمن يقال له محمد بن خالد الجندي وهو ممن لا يحتج به وليس في مسند الشافعي وقد قيل إن الشافعي لم يسمعه من الجندي وإن يونس لم يسمعه من الشافعي، الثاني أن الاثنى عشرية الذين ادعوا إن هذا مهديهم اسمه محمد بن الحسن والمهدي المنعوت الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم اسمه محمد بن عبد الله ولهذا حذفت طائفة لفظ الأب حتى لا يناقض ما كتبت وطائفة حرفته وقالت جده الحسين وكنيته أبو عبد الله فمعناه محمد ابن أبي عبد الله وجعلت الكنية اسما وممن سلك هذا ابن طلحة في كتابه الذي سماه غاية السول في مناقب الرسول ومن له أدنى نظر يعرف أن هذا تحريف صميم وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل يفهم أحد من قوله يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي إلا أن اسم أبيه عبد الله وهل يدل هذا اللفظ على أن جده كنيته أبو عبد الله ثم أي تمييز يحصل له بهذا فكم من ولد الحسين من اسمه محمد وكل هؤلاء يقال في أجدادهم محمد بن أبي عبد الله كما قيل في هذا وكيف يعدل من يريد البيان إلى من اسمه محمد بن الحسين فيقول اسمه محمد بن عبد الله ويعني بذلك أن جده أبو عبد الله وهذا كان تعريفه بأنه محمد بن الحسن أو ابن أبي الحسن لأن جده على كنيته أبو الحسن أحسن من هذا وأبين لمن يريد الهدى والبيان وأيضا فإن المهدي المنعوت من ولد الحسن بن علي لا من ولد الحسين كما تقدم لفظ حديث علي رضي الله عنه".

وقد عقد ابن القيم رحمه الله في آخر كتابه المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف فصلا في الكلام على أحاديث المهدي وخروجه والجمع بينها وبين حديث لا مهدي إلا عيسى ابن مريم، قال فيه:

"فأما حديث لا مهدي إلا عيسى ابن مريم فرواه ابن ماجه في سننه عن يوسف ابن عبد الأعلى عن الشافعي عن محمد بن خالد الجندي عن إبان بن صاح عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مما تفرد به محمد بن خالد قال أبو الحسين محمد بن الحسين الآبري في كتاب مناقب الشافعي: محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر المهدي وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلا وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه، وقال البيهقي تفرد به محمد بن خالد هذا وقد قال الحاكم أبو عبد الله هو مجهول وقد اختلف عليه في إسناده فروي عنه عن إبان ابن أبي عياش عن الحسن مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد وهو مجهول-عن إبان بن أبي عياش-وهو متروك-عن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم-وهو منقطع-والأحاديث على خروج المهدي أصح إسنادا، قال ابن القيم قلت كحديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجل مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا" رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن صحيح قال-يعني الترمذي-وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة وقال حسن صحيح انتهى ثم قال ابن القيم وفي الباب عن حذيفة ابن اليمان وأبي أمامة الباهلي وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص وثوبان وأنس بن مالك وجابر وابن عباس وغيرهم ثم أورد عدة أحاديث رواها بنص أهل السنن و المسانيد وغيرها منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف أورده للاستئناس به.

ثم قال: وهذه الأحاديث أربعة أقسام صحاح وحسان وغرائب وموضوعة وقد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال أحدها أنه المسيح ابن مريم-وهو المهدي على الحقيقة-واحتج أصحاب هذا تحديث محمد بن خالد الجندي المتقدم وقد بينا حاله وأنه لا يصح ولو صح لم يكن به حجة لأن عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الساعة وقد دلت السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على نزوله على المنارة  البيضاء شرقي دمشق وحكمه بكتاب الله وقتله اليهود والنصارى ووضعه الجزية وإهلاك أهل الملل في زمانه فيصح أن يقال لا مهدي في الحقيقة سواه وإن كان غيره مهديا كما يقال لا علم إلا ما نفع ولا مال إلا ما وفى وجه صاحبه كما يصح أن يقال إنما المهدي عيسى بن مريم يعني المهدي بالكامل المعصوم.

القول الثاني: أنه المهدي الذي ولي من بني العباس وقد انتهى زمانه ثم ذكر حديثين منهما ذكر مجيء الرايات السود من قبل المشرق من جهة خراسان وأشار إلى ضعفهما ثم قال مشيرا إلى أولها وثانيها وهذا والذي قبله لو صح لم يكن فيه دليل على المهدي الذي تولى من بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان بل هو مهدي من جملة المهديين وعمر بن عبد العزيز كان مهديا بل هو أولى باسم المهدي منه وقد قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" وقد ذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه إلى أن عمر بن عبد العزيز منهم ولا ريب أنه كان راشدا مهديا ولكن ليس بالمهدي الذي يخرج في آخر الزمان فالمهدي في جانب الخير والرشد كالدجال في جانب الشر والضلال وكما أن بين يدي الدجال الأكبر صاحب الخوارق دجالون كذابون فكذلك بين يدي المهدي الأكبر مهديون راشدون.

القول الثالث:أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من ولد الحسن ابن علي يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جورا وظلما فيملأها قسطا وعدلا وأكثر الأحاديث على هذا تدل وفي كونه من ولد الحسن سر لطيف وهو أن الحسن رضي الله عنه ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض وهذه سنة الله في عباده أنه من ترك شيئا لأجله أعطاه الله وأعطى ذريته أفضل منه وهذا بخلاف الحسين رضي الله عنه فإنه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها والله أعلم ثم أورد بعض الأحاديث في خروج المهدي ثم قال وأما الرافضة الإمامية فلهم قول رابع وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار الذي يورث العصا ويختم الغضا دخل سرداب سامرا طفلا صغيرا من أكثر من خمسمائة سنة-بالنسبة لزمان ابن القيم المتوفى عام752هـ-فلم تره بعد ذلك عين ولم يحس فيه بخبر ولا أمر وهم ينتظرونه كل يوم يقفون بالخيل على باب السرداب ويصيحون به أن يخرج إليهم أخرج يا مولانا، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان فهذا دأبهم ودأبه ولقد أحسن من قال:

ما آن للسرداب أن يلد الذي

كلمتموه بجهلكم ما آنا

فعلى عقولكم العفاء فإنكم

كلمتم العنقاء و الغيلانا

ولقد أصبح هؤلاء عارا على بني آدم وضحكة ليسخر منهم كل عاقل" انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.

وقال ابن القيم أيضا في كتابه إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: "ومن تلاعبه-يعني الشيطان بهم-يعني اليهود-أنهم ينتظرون قائما من ولد داود النبي إذا حرك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم وأن هذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به وهم في الحقيقة إنما ينتظرون مسيح الظلالة الدجال فهم أكثر اتباعه وإلا فمسيح الهدى عيسى بن مريم عليه الصلاة و السلام يقتلهم ولا يبقي منهم أحدا ثم قال والمسلمون ينتظرون نزول المسيح عيسى بن مريم من السماء، لكسر الصليب وقتل الخنزير وقتل أعدائه من اليهود وعباده من النصارى وينتظرون خروج المهدي من أهل بيت النبوة يملا الأرض عدلا كما ملئت جورا" انتهى.

وقال أبو الحسن السمهودي المتوفى سنة 911هـ "ويتحصل مما ثبت في الأخبار عنه-أي المهدي- أنه من ولد فاطمة وفي أبي داود أنه من ولد الحسن والسر فيه ترك الحسن الخلافة لله شفقة على الأمة فجعل القائم بالخلافة-الحق-عند شدة الحاجة وامتلاء الأرض ظلما-من ولده، وهذه سنة الله في عباده أنه يعطي لمن ترك شيئا من أجله أفضل مما ترك أو ذريته وقد بالغ الحسن في ترك الخلافة ونهى أخاه عنها وتذكر ذلك ليلة مقتله فترحم على أخيه وما روي من كونه من ولد الحسين فواه جدا" انتهى. بواسطة نقل المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي.

وقال ابن حجر المكي المتوفى سنة 974هـ في كتابه القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، "الذي يتعين اعتقاده ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة من وجود المهدي المنتظر الذي يخرج الدجال وعيسى في زمانه ويصلي عيسى خلفه وأنه المراد حيث أطلق المهدي" انتهى. بواسطة نقل البرزنجي في الإشاعة لأشراط الساعة.

وقال الحافظ عماد الدين ابن كثير رحمه الله في كتاب الفتن والملاحم "فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان وهو أحد الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين وليس هو بالمنتظر الذي تزعم الرافضة وترتجي ظهوره من سرداب سامراء فإن ذلك مالا حقيقة له و لا عين ولا أثر ويزعمون أنه محمد بن الحسن العسكري وأنه دخل السرداب وعمره خمس سنين، وأما ما سنذكره فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يكون في آخر الدهر وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى بن مريم كما دلت على ذلك الأحاديث ثم ساق عدة أحاديث من السنن وغيرها منها بعض أحاديث الرايات السود وحديث علي رضي الله عنه في ابنه الحسن وأنه يخرج من صلبه رجل يسمى باسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: ففي هذا السياق إشارة إلى ملك بني العباس كما تقدم التنبيه على ذكر ذلك عند ابتداء ذكر ولايتهم في سنة اثنين وثلاثين ومائة وفيه دلالة على أنه يكونها لمهدي بعد دولة بني العباس وأنه يكون من أهل البيت من ذرية فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد الحسن لا الحسين كما تقدم النص على ذلك في الحديث المروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وإنه أعلم ثم قال وقال ابن ماجه حدثنا محمد بن يحي وأحمد بن يوسف قالا حدثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونهم قتلا لم يقتله أحدا ثم ذكر شيئا لا أحفظه فقال فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي" تفرد به ابن ماجه وهذا إسناد قوي صحيح والمراد به بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة يقتتل عنده ليأخذوه ثلاثة من أولاد الخلفاء حتى يكون آخر الزمان فيخرج المهدي ويكون ظهوره من بلاد المشرق لا من سرداب سامراء كما يزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الآن وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان فإن هذا نوع من الهذيان وقسط كبير من الخذلان شديد من الشيطان إذ لا دليل على ذلك ولا برهان لامن كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا استحسان، وقال الترمذي حدثنا قتيبة حدثنا رشيد بن سعد عن يونس عن ابن شهاب الزهري عن قتيبة بن ذؤيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بايليا" هذا الحديث غريب وهذه الرايات ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أمية في سنة اثنين وثلاثين ومائة بل رايات سود أخر تأتي صحبة المهدي وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه يصلحه الله في ليلة واحدة أي يتوب عليه ويوفقه و يلهمه ويرشده بعد أن لم يكن كذلك ويؤيده بناس من أهل الشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه وتكون راياتهم سودا أيضا وهو زين عليه الوقار لأن راية الرسول صلى الله عليه وسلم سوداء يقال لها العقاب وقد ركزها خالد بن الوليد رضي الله عنه على الثنية التي شرقي دمشق حتى أقبل من العراق فعرفت بها الثنية فهي إلى الآن يقال لها ثنية العقاب.

 وقد كانت عقابا على الكفار من نصارى الروم ولمن كان معهم وبعدهم إلى يوم الدين ولله الحمد، وكذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح إلى مكة وعلى رأسه المغفر وكان أسود وجاء في الحديث أنه كان متعمما بعمامة سوداء فوق البياض صلوات الله وسلامه عليه، والمقصود أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل ظهوره وخروجه من ناحية المشرق ويبايع له عند البيت كما دل على ذلك بعض الأحاديث وقد أفردت في ذكر المهدي جزءا على حدة ولله الحمد والمنة، وقال ابن ماجه أيضا حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا محمد بن مروان العقيلي حدثنا عمارة ابن أبي حفصة عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع والا فتسع تنعم فيه أمتي نعمة لم يسمعوا مثلها تؤتي الأرض أكلها ولا تدخر منه شيئا والمال يومئذ كدوس يقوم الرجل فيقول يا مهدي أعطني فيقول خذ".

وقال الترمذي حدثنا محمد جعفر حدثنا شعبة سمعت زيد العمي سمعت الصديق الناجي يحدث عن أبي سعيد الخدري قال خشينا أن يكون بعد نبينا حدث فسألنا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن في أمتي المهدي يخرج فيعيش خمسا أو سبعا أو تسعا-زيد الشاك-قال قلنا وما ذاك قال سنين قال يجيء إليه الرجل فيقول يا مهدي أعطني قال فيجيء له في ثوبه ما استطاع أن يحمله" هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو الصديق الناجي اسمه بكر بن عمرو ويقال بكر بن قيس وهذا دليل على أن أكثر مدته تسع وأقلها خمس أو سبع ولعله هو الخليفة الذي يحثي المال حثيا والله أعلم.

وفي زمانه تكون الثمار كثيرة و الزروع غزيرة والمال وافر والسلطان قاهر والدين قائم والعدو راغم والخير في أيامه دائم ثم أورد حديثين أحدهما عن الإمام محمد الثاني عن ابن ماجه ثم قال فأما الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه حيث قال رحمه الله تعالى حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا محمد ابن إدريس الشافعي حدثني محمد بن خالد الجندي عن إبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الدنيا إلا إدبارا ولا الناس إلا شحا ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ولا المهدي إلا عيسى بن مريم" فإنه حديث مشهور عن ابن خالد الجندي الصنعاني المؤذن شيخ الشافعي وروى عنه غير واحد أيضا وليس هو بمجهول كما زعمه الحاكم بل قد روي عن ابن معين أنه وثقه ولكن من الرواة من حدث به عنه عن إبان بن أبي عياش عن الحسن البصري مرسلا وذكر ذلك شيخنا في التهذيب عن بعضهم أنه رأى الشافعي في المنام وهو يقول كذب علي يونس بن عبد الأعلى ليس هذا من حديثي قلت: يونس بن عبد الأعلى الصدفي من الثقات لا يطعن فيه بمجرد منام، وهذا الحديث فيما يظهر بادي الرأي مخالف للأحاديث التي أوردناها في إثبات مهدي غير عيسى بن مريم أما قبل نزوله كما هو الأظهر والله أعلم، وأما بعده وعند التأمل لا ينافيها بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حق المهدي هو عيسى بن مريم ولا ينفي ذلك أن يكون غيره مهديا أيضا والله أعلم" انتهى ما نقلته من كتاب الفتن والملاحم لابن كثير رحمه الله.

وقال في تفسيره عند تفسير قوله تعالى في سورة المائدة: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} بعد ذكره الكلام عن هؤلاء النقباء قال: "وهكذا لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ليلة العقبة كان منهم اثنا عشر نقيبا ثلاثة من الأوس وهم أسيد بن الحضير وسعد بن خيثمة ورفاعة بن عبد المنذر ويقال بدله أبو الهيثم ابن التيهان رضي الله عنه وتسعة من الخزرج وهم أمامة أسعد بن زرارة وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة ورافع بن مالك بن العجلان والبراء بن معرور وعبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو بن حرام والمنذر بن عمر بن حنيش رضي الله عنهم وقد ذكرهم كعب ابن مالك في شعر له كما أورد ابن اسحاق رحمه الله والمقصود أن هؤلاء كانوا عرفاء على قومهم ليلتئذ عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك وهم الذين ولوا المعاقدة والمبايعة عن قومهم للنبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة.

قال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم يملك هذه الأمة من خليفة قال عبد الله ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ثم قال: نعم ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اثنا عشر كعدة نقباء بني اسرائيل" هذا حديث غريب من هذا الوجه وأصل الحديث ثابت في الصحيحين من حديث جابر بن سمرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا" ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت علي فسألت أبي ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلهم من قريش" وهذا وهذا لفظ مسلم ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحا يقيم الحق ويعدل فيهم ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم بل قد وجد منهم أربعة على نسق وهم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة وبعض بني العباس ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره فذكر أنه يواطئ اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه اسم أبيه فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما وليس هذا بالمنتظر الذي تتوهم الرافضة وجوده ثم ظهوره من سرداب سامر فإن ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية بل هو من هوس العقول السخفية وتوهم الخيالات الضعيفة وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر الأئمة الاثني عشر الذين يعتقد فيهم الاثنا عشرية من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم وفي التوراة البشارة باسماعيل عليه الصلاة والسلام وأن يقيم من صلبه اثني عشر عظيما وهم هؤلاء الخلفاء الاثنا عشر المذكورون في حديث ابن مسعود وجابر بن سمرة وببعض الجهلة ممن أسلم من اليهود إذا اقترن بهم بعض الشيعة يوهمونهم أنهم الأئمة الاثنا عشر فيتشيع كثير منهم جهلا وسفها لقلة علمهم وعلم من لقنهم ذلك بالسنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى.

وقال الشيخ ملا علي قاري الحسيني المتوفى سنة 1014في شرحه للفقه الأكبر. . للإمام أبي حنيفة عند قول أبي حنيفة رحمه الله، وخروج الدجال و يأجوج و مأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام قال: "وفي نسخة قدم طلوع الشمس على البقية وعلى كل تقرير فالواو لمطلق الجمع وإلا فترتيب القضية أن المهدي عليه السلام يظهر أولا في أرض الحرمين ثم يأتي بيت المقدس فيأتي الدجال ويحصره في ذلك الحال فينزل عيسى عليه الصلاة والسلام من المنارة الشرقية في دمشق الشام ويجيء إلى قتال الدجال فيقتله بضربة في الحال فإنه يذوب كالملح عند نزول عيسى عليه الصلاة والسلام من السماء فيجتمع عيسى عليه الصلاة والسلام بالمهدي رضي الله عنه وقد أقيمت الصلاة فيشير المهدي لعيسى بالتقدم فيمتنع معللا بأن هذه الصلاة أتيحت لك فأنت أولى بأن تكون الإمام في هذا المقام ويقتدي به ليظهر متابعة لنبينا صلى الله عليه وسلم-إلى أن قال وفي شرح العقائد الأصح أن عيسى عليه الصلاة والسلام يصلي بالناس ويؤمهم ويقتدي به المهدي لأنه أفضل وإمامته أولى" انتهى قال علي قاري: "ولا ينافي ما قدمناه كما لا يخفى ثم ذكر الأمور الأخرى مرتبة وهي خروج يأجوج و مأجوج وموت المؤمنين وطلوع الشمس من مغربها ورفع القرآن".

وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي صاحب فيض القدير شرح الجامع الصغير المتوفى سنة 1032هـ قال في كتابه المذكور "وأخبار المهدي كثيرة شهيرة أفردها غير واحد في التأليف-إلى أن قال-تنبيه: أخبار المهدي لا يعارضها خبر"لا مهدي إلا عيسى ابن مريم" لأن المراد به كما قال القرطبي لا مهدي كاملا معصوما إلا عيسى بن مريم وقال المناوي عند حديث: "لن تهلك أمة أنا في أولها وعيسى بن مريم في آخرها والمهدي في وسطها" أراد بالوسط ما قبل الآخر لأن نزوله عليه السلام لقتل الدجال يكون في زمن المهدي ويصلي عيسى خلفه كما جاءت به الأخبار، وجزم به جمع من الأخيار وذكر عند حديث "منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه" أنه بعد نزوله يجيء فيجد الإمام المهدي يريد الصلاة فيتأخر ليتقدم فيقدمه عيسى عليه الصلاة والسلام ويصلي خلفه قال فأعظم به فضلا وشرفا لهذه الأمة ثم قال ولا ينافي ما ذكر في هذا الحديث ما اقتضاه بعض الآثار من أن عيسى هو الإمام بالمهدي وجزم به السعد التفتازاني وعلله بأفضليته لإمكان الجمع بأن عيسى يقتدي بالمهدي أولا ليظهر أنه نزل تابعا لنبينا حاكما بشرعه ثم بعد ذلك يقتدي المهدي به على أصل القاعدة من اقتداء المفضول بالفاضل" انتهى وقال الشيخ محمد السفاريني في كتابه: لوامع الأنوار البهية و سواطع الأسرار الأثرية الذي شرح فيه نظمه في العقيدة المسمى "الدرة المعنية في عقد الفرقة المرضية":

وما أتى بالنص من أشراط

فكله حق بلا شطاط

منها الإمام الخاتم النصيح

محمد المهدي والمسيح

منها أي من أشراط الساعة التي وردت بها الأخبار وتواترت في مضمونها الآثار أي من العلامات العظمى وهي أولها أن يظهر الإمام المقتدى بأقواله وأفعاله الخاتم للأئمة فلا إمام بعده كما أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الخاتم للنبوة والرسالة فلا نبي ولا رسول بعده، الفصيح اللسان لأنه من صحيح العرب أهل الفصاحة والبلاغة.-ثم قال- وقوله محمد المهدي،هذا اسمه وأشهر أوصافه فأما اسمه فمحمد جاء ذلك في عدة أخبار وفي بعضها أن اسمه واسم أبيه عبد الله فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي" رواه أبو نعيم من حديث أبي هريرة ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو لم يبق من النهار إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا" وروى نحوه الترمذي وأبو داود و النسائي و البيهقي وغيرهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وفي رواية من حديث ابن مسعود أيضا "لا تذهب الدنيا حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما" أخرجه الطبراني في معجمه الصغير و أخرجه الترمذي ولفظه: "حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي" وقال حديث حسن صحيح، وكذلك أخرجه أبو داود في سننه وروى ابن مسعود أيضا رضي الله عنه رفعه اسم المهدي محمد، وفي مرفوع حذيفة محمد بن عبد الله ويكنى أبا عبد الله ومن أسمائه أحمد بن عبد الله كما في بعض الروايات-إلى أن قال: وأما تسميته ووصفه في عدة أخبار-إلى أن قال- وأما كنيته فأبو عبد الله وأما نسبة فإنه من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن الروايات الكثيرة و الأخبار الغزيرة ناطقة أنه ولد فاطمة البتول ابنة النبي الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي عنها وعن أولادها الطاهرين وجاء في بعض الأحاديث أنه من ولد العباس والأول أصح قال ابن حجر في كتابه القول المختصر: "وأما ماروي "أن المهدي من ولد العباس عمي"  فقال الدار قطني حديث غريب تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم قال ولا ينافيه خبر الرافعي عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا "ألا أبشرك يا عم إن من ذريتك الأصفياء ومن عترتك الخلفاء ومنك المهدي في آخر الزمان به ينشر الله الهدى و يطفي نيران الضلالة إن الله فتح بنا هذا الأمر

وبذريتك يختم"-ثم أورد ابن حجر عدة أخبار في هذا المعنى-ثم قال "فهذه الأخبار كلها لا تنافي أن المهدي من ذرية رسول الله سلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة الزهراء لأن الأحاديث التي فيها أن المهدي من ولدها أكثر وأصح بل قال بعض حفاظ الأمة وأعيان الأئمة أن كون المهدي من ذريته صلى الله عليه وسلم مما تواتر عنه ذلك فلا يسوغ العدول ولا الإلتفات إلى غيره وقال ابن حجر يمكن الجمع بأن يكون من ذريته صلى الله عليه وسلم وللعباس فيه ولادة من جهة أن في أمهاتها عباسية".

والحاصل أن للحسن في المهدي الولادة العظمى لأن أحاديث كونه من ذريته أكثر وللحسين فيه ولادة أيضا وللعباس فيه ولادة أيضا ولا مانع من اجتماع ولادات وتعددات في شخص واحد من جهات مختلفة وبالله التوفيق. ثم ذكر الشيخ السفاريني رحمه الله أن خمس فوائد تكلم على كل واحدة منها الأولى في حليته وصفته والثانية في سيرته والثالثة في علامات ظهوره والرابعة في الإشارة إلى بعض الفتن الواقعة قبل خروجه والخامسة في مولده وبيعته ومدة ملكه ومتعلقات ذلك ثم قال بعد الإنتهاء من الكلام على الفوائد الخمس: "تنبيه قد كثرت الأقوال في المهدي حتى قيل لا مهدي إلا عيسى والصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى وأنه يخرج قبل نزول عيسى عليه سلام وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم ثم ذكر بعض الآثار والأحاديث في خروج المهدي واسماء بعض الصحابة الذين رووها ثم قال وقد روي عما ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم روايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعة العلم القطعي فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة".

وقال الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي المتوفى سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف في كتابه صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان قال: "وبعد انقراض قرن الصحابة أتى أمته ما يوعدون من الحوادث والبدع وكلما أحدثت بدعة رفع مثلها من السنة ولكن في قرن التابعين واتباع التابعين لم تظهر البدع ظهورا فاشيا وأما بعد قرن اتباع التابعين فقد تغيرت الأحوال تغيرا فاحشا وغلبت البدع وصارت السنة غريبة واتخذ الناس البدعة سنة والسنة بدعة ولا تزال السنة في المستقبل غريبة إلا ما استثني من زمان المهدي رضي الله عنه وعيسى عليه السلام إلى أن تقوم الساعة على شرار الناس" انتهى.

وقال الشيخ شمس الحق العظيم أبادي المتوفى سنة1329 في حاشيته المسماة عون المعبود على سنن أبي داود قال:

"وخرج أحاديث المهدي جماعة من الأئمة منهم أبو داود والترمذي وابن ماجه والبزار والحاكم و الطبراني وأبو يعلى الموصلي وأسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل علي وابن عباس وابن عمر و طلحة وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وأنس وأبي سعيد الخدري وأم حبيبة وأم سلمة وثوبان وقرة بن إياس وعلي الهلالي وعبد الله بن الحارث ابن جزء، رضي الله عنهم وإسناد أحاديث هؤلاء بين صحيح وحسن وضعيف وقد بالغ الإمام المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون المغربي في تاريخه في تضعيف أحاديث المهدي كلها ولم يصب بل أخطأ" انتهى. وقال الشيخ محمد أنور شاه الكشميري 1352هـ في كتابه عقيدة الإسلام "فائدة" "أخرج مسلم في نزول عيسى عليه السلام عن جابر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق الظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة" قال الكشميري المراد به أنه لا يؤم في تلك الصلاة حتى لا يتوهم أن الأمة المحمدية سلبت الولاية فبعد تقرير ذلك في أول مرة يكون الإمام هو عيسى عليه الصلاة والسلام لكونه أفضل من المهدي فالجواب الأصلي لأمير المسلمين هو قوله: "لا فإنها لك أقيمت" كما عند ابن ماجه وغيره عن أبي أمامة وبعد إن كانت أقيمت له لو تقدم عيسى صلى الله عليه وسلم أوهم عزل الأمير بخلاف ما بعد ذلك  وهذا  كإشارة نبينا صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه بعد ما كان شرع في الصلاة أن لا يتأخر يعني أؤم في هذه الصلاة لأنها لك أقيمت ثم ذكر قوله "تكرمة الله هذه الأمة" لفائدة زائدة وهي أن الأمة على ولايتها وعيسى عليه السلام أيضا حينئذ منهم لا التعليل لعدم إمامته حتى يتوهم استمرار عدمها" انتهى.

وقال الشيخ عبد الرحمن المباركفوري 1353في تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي في باب ما جاء في المهدي:

قلت الأحاديث الواردة في خروج المهدي كثيرة جدا ولكن أكثرها ضعاف ولا شك في أن حديث عبد الله بن مسعود الذي في هذا الباب لا ينحط عن درجة الحسن وله شواهد كثيرة من بين حسان وضعاف فحديث عبد الله بن مسعود هذا مع شواهده وتوابعه صالح الاحتجاج بلا مريه فالقول بخروج المهدي وظهوره هو الحق والصواب والله أعلم.

هذه بعض الكلمات التي وفقت عليها لبعض أهل السنة والأثر في شأن المهدي والاحتجاج بالأحاديث الواردة فيه، وأعني بأهل السنة والأثر أهل الحديث ومن سار على منوالهم ممن جعل مستنده في الاعتقاد كتاب الله وما ثبت عن رسوله صلى الله عليه وسلم دون الاعتراض على ذلك بخيال يسميه صاحبه معقولا، وليس كل الذين نقلت كلامهم فيما تقدم بهذه المثابة بل منهم من هو على المعتقد الذي رجع عنه أبو الحسن الأشعري رحمه الله وبعض هؤلاء ممن له عناية بالآثار وتمييز صحيحها من ضعيفها وذلك أن الحق يقبل من كل من جاء به وليعلم أن الأحاديث في المهدي قد تلقتها الأمة من أهل السنة والأشاعرة بالقبول إلا من شذ.

8- ذكر من وقفت عليه ممن حكي عنه إنكار أحاديث المهدي أو التردد في شأنه مع مناقشة كلامه باختصار. فإن قال قائل:قد أكثرت من النقل  عن أهل العلم في إثبات خروج المهدي في آخر الزمان فلماذا؟ وهل وقفت على ذكر إنكار أحد لخروج المهدي أو التردد في شأنه على الاقل؟.

والجواب عن السؤال الأول هو: أنني أوردت بعض ما وقفت عليه من كلام أهل العلم بشأن خروج المهدي في آخر الزمان لتزداد أيها المستمع ثباتا ويقينا بأن اعتقاد خروجه آخر الزمان هو الجادة المسلوكة ولتعلم أنه الحق الذي لا يسوغ العدول عنه والإلتفات إلى غيره وعمدة أهل العلم في ذلك الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك إذ لا مجال للرأي في مثل هذا الأمر بل سبيله الوحيد هو الوحي لأنه من الأمور الغيبية.

أما الجواب عن السؤال الثاني فهو أني لم أقف على تسمية أحد في الماضين أنكر أحاديث المهدي أو تردد فيها سوى رجلين اثنين أما أحدهما فهو أبو محمد بن الوليد البغدادي الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة وقد مضى حكاية كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة وقد مضى حكاية كلام شيخ الإسلام عنه وأنه قد اعتمد على حديث "لا مهدي إلا عيسى بن مريم" وقال ابن تيميه "وليس مما يعتمد عليه لضعفه" انتهى وسبق في أثناء كلام الذين  نقلت عنهم أنه لو صح هذا الحديث فالجمع بينه وبين أحاديث المهدي ممكن، ولم أقف على ترجمة لأبي محمد المذكور.

وأما الثاني فهو عبد الرحمن بن خلدون المغربي المؤرخ المشهور وهو  الذي اشتهر بين الناس عنه تضعيف لأحاديث المهدي وقد رجعت إلى كلامه في مقدمة تاريخه فظهر لي منه التردد لا الجزم بالإنكار، وعلى كل حال فإنكارها أو التردد في التصديق بما دلت عليه شذوذ عن الحق ونكوب عن الجادة المطروقة وقد تعقبه الشيخ صديق حسن في كتابه الإذاعة حيث قال: "لاشك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر وعام لما تواتر من الأخبار في الباب واتفق عليه جمهور الأمة خلفا عن سلف إلا من لا يعتد بخلافه-وقال: لا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود والمنتظر المدلول عليه بالأدلة بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر" انتهى.

ولي ملاحظات على كلام ابن خلدون أرى أن أشير إليها هنا:

الأولى: أنه لو حصل التردد في أمر المهدي من رجل له خبرة بالحديث لاعتبر ذلك زللا منه فكيف إذا كان من الإخباريين الذين هم ليسوا من أهل الاختصاص وقد أحسن الشيخ أحمد شاكر في تخريجه لأحاديث المسند حيث قال: "أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم واقتحم قحما لم يكن من رجالها وقال إنه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمة للمهدي تهافتا عجيبا وغلط أغلاطا واضحة وقال إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين. "الجرح مقدم على التعديل" ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئا مما قال"

الثانية:صدر ابن خلدون الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي بقوله:"اعلم أن في المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدي ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره أن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال أو ينزل معه فيساعده على قتل ويأتم بالمهدي في صلاته ويحتجون في الشأن بأحاديث خرجها الأئمة وتكلم فيها المنكرون لذلك وربما عارضوها ببعض الأخبار".

أقول هذه الشهادة التي شهدها ابن خلدون هي أن اعتقاد خروج المهدي هو المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار، إلا يسعه في ذلك ما وسع الناس على ممر الأعصار كما ذكر ابن خلدون نفسه، وهل ذلك الشذوذ بعد معرفة أن الكافة على خلافه وهل هؤلاء الكافة اتفقوا على الخطأ والأمر ليس اجتهاديا وإنما هو غيبي لا يسوغ لأحد إثباته إلا بدليل من كتاب الله أو سنه نبيه صلى الله عليه وسلم والدليل معهم وهم أهل الاختصاص.

الثالثة: أنه قال قبل إيراد الأحاديث: "ونحن الآن نذكر هنا الأحاديث الواردة في هذا الشأن وقال في نهايتها: فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان وقال في موضع آخر بعد ذلك وما أورده أهل الحديث من أخبار المهدي قد استوفينا جميعه بمبلغ طاقتنا". وأقول إنه قد خانه الشيء الكثير كما يتضح ذلك بالرجوع إلى ما أثبته السيوطي في العرف الوردي في أخبار المهدي عن الأئمة، بل إن مما فاته الحديث الذي ذكره ابن القيم في المنار المنيف عن الحارث ابن أبي أسامة وقال إسناده جيد وتقدم ذكره بسنده وحاصل ما قيل في رجاله.

الرابعة: وقال "إن جماعة من الأئمة خرجوا أحاديث المهدي فذكرهم وذكر الصحابة الذين أسندوها إليهم ثم قال ربما يعرض لأسانيدها المنكرون كما نذكره إلا أن المعروف عند أهل الحديث أن الجرح مقدم على التعديل فإذا وجدنا طعنا ببعض رجال الأسانيد بغفلة أو سوء حفظ أو ضعف أوسوء رأي تطرق ذلك إلى صحة الحديث وأوهن منها ولا تقولن مثل ذلك ربما يتطرق إلى رجال الصحيحين، فإن الإجماع قد اتصل في الأمة على تلقيهما بالقبول والعمل بما فيهما وفي الإجماع أعظم حماية وأحسن دفعا وليس غير الصحيحين بمثابتهما في ذلك فقد نجد مجالا للكلام في أسانيدها بما تقل عن أئمة الحديث في ذلك" انتهى.

أقول: إن ابن خلدون أورد بعض الأحاديث وقدح فيها برجال في أسانيدها من رجال الصحيحين أو أحدهما وذلك  تناقض يخالف المبدأ الذي رسمه لنفسه وهو قوله: "ولا تقولن مثل ذلك ربما يتطرق لرجال الصحيحين"، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على صحة ما ذكره عنه الشيخ أحمد شاكر حيث قال: "أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس به علم واقتحم قحما لم يكن من رجالها"، ومما أورده من الأحاديث وقدح فيه برجال هم من رجال الصحيحين أو أحدهما قوله: وخرج الحاكم في المستدرك عن علي رضي الله عنه من رواية أبي الطفيل عن محمد بن الحنفية قال كنا عند علي رضي الله عنه فسأله رجل عن المهدي فقال له: "هيهات ثم عقد بيده سبقا فقال ذلك يخرج في آخر الزمان إذا قال الرجل الله الله قتل إلى آخر" الحديث قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، انتهى ثم قال ابن خلدون "وإنما هو على شرط مسلم فقط فإن فيه عمار الدهني ويونس بن أبي اسحاق لم يخرج لهما البخاري وفيه عمرو بن محمد العنقري ولم يخرج له البخاري احتجاجا بل استشهادا مع ما ينضم إلى ذلك من تشيع عمار الدهني وهو وإن وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم فقد قال علي ابن المديني عن سفيان إن بشر ابن  مروان قطع عرقوبية قلت في أي شيء قال في التشيع" انتهى وهؤلاء الثلاثة الذين قدح في الحديث من أجلهم من رجال مسلم، وذلك مناقض للخطة التي رسمها أولا كما هو واضح.

الخامسة: أن ابن خلدون نفسه قد اعترف بسلامة بعض أحاديث المهدي من النقد حيث قال بعد إيراد الأحاديث في المهدي: "فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه  آخر الزمان وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل والأقل منه" انتهى وأقول إن القليل الذي يسلم من النقد يكفي للإحتجاج به ويكون الكثير الذي لم يسلم عاضدا له ومقويا على أنه قد سلم الشيء الكثير كما تقدم ذلك في حكاية كلام القاضي محمد بن علي الشوكاني الذي حكى تواترها وقال إن فيها خمسين حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، ثم إنه في آخر البحث ذكر ما يفيد تردده في أمر المهدي وذلك يفيد عدم ثبات رأيه لكونه تكلم فيه بما ليس بإختصاصه.

هذه بعض الملاحظات على كلام ابن خلدون في شأن المهدي سأستوفي الكلام فيها مع ملاحظات أخرى عليه في الرسالة التي أنا بصدد تأليفها في هذا الموضوع إن شاء الله تعالى.

وقد اطلعت على رسالة لأبي الأعلى المودودي اسمها "البيانات" تكلم فيها عن ظهور المهدي لاحظت فيها أمور لا يتسع الوقت لاستيفائها جميعها ولكني أشير إلى ثلاثة منها.

الأول في قوله: "والأحاديث في هذه المسألة على نوعين أحاديث فيها الصراحة بكلمة المهدي وأحاديث إنما أخبر فيها بخليفة يولد في آخر الزمان ويعلي كلمة الإسلام وليس سند أي رواية من هذين النوعين من  القوة حيث يثبت أمام مقياس الإمام البخاري لنقد الروايات فهو لم يذكر منها أي رواية في صحيحه وكذلك ما ذكر منها الإمام المسلم إلا رواية واحدة في صحيحه ولكن ما جائت فيها أيضا الصراحة بكلمة المهدي" انتهى، أقول: إن أحاديث المهدي وإن لم ترد في الصحيحين بالتفصيل الذي جاء في غيرهما فعدم ورودها فيهما لا يقدح فيها لما كانت قد ثبتت في غيرهما ومعلوم أن غير الصحيح من السنن والمسانيد والأجزاء فيها الصحاح والحسان والضعاف وعلماء الحديث قد قبلوها واحتجوا بها  واعتقدوا موجبها.

وكتب الأصول والفروع مملوءة من الأحاديث الصحيحة في غير الصحيحين يوردونها للاستدلال بها وبهذه المناسبة أرى أن أذكر بعض الأحاديث التي وردت في السنن و المسانيد وغيرهما و التي يستدل بها في كتب العقائد وذلك على سبيل التمثيل:

1- الحديث المشتمل عل العشرة المبشرين في الجنة رضي الله عنهم فإنه في السنن ومسند الإمام أحمد و غيره وليس في الصحيحين و مع ذلك اعتقدت الأمة موجبه وقل أن يوجد مؤلف في العقائد و لو كان مختصرا إلا وهو متضمن التنصيص على ذكرهم والشهادة لهم بالجنة بناء على الأحاديث الواردة فى ذلك فى غير الصحيحين كما أن هناك أناسا آخرين من الصحابة شهد لهم بالجنة لكن اختص هؤلاء بلفظ العشرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمعهم في حديث فقال: " أبو بكر في الجنة و عمر في الجنة و عثمان في الجنة و علي في الجنة و طلحة في الجنة و الزبير بن العوام في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة و سعد بن أبي وقاص في الجنة و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في الجنة و أبو عبيده بن الجراح في الجنة" وقد وردت الشهادة لبعضهم في الجنة في الصحيحين لكن الجمع بينهم جميعهم إنما جاء في غير الصحيحين رضي الله عنهم وأرضاهم وحشرنا في زمرتهم وثبتنا على السنة حتى نلحق بهم.

2- الحديث الدال على أن نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة لم يرد في الصحيحين وقد اعتقد الناس موجبه واستدلوا به وأورده شارح الطحاوية وغيره وقد أورده ابن كثير في تفسيره لقوله: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً} فقال: "وقد روينا في مسند الإمام أحمد بن حنبل حديثا فيه البشارة لكل مؤمن بأن روحه تكون في الجنة تسرح فيها من النضرة و السرور وتشاهد ما أعد الله لها من الكرامة وهو بإسناد صحيح عزيز عظيم اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة فإن الإمام أحمد رحمه الله رواه عن محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله عن مالك بن أنس الأصبحي رحمه الله عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه" ونسأل الله الذي جمعهم في سند هذا الحديث أن يجمع أرواحهم فيما يقتضيه متنه وإيانا بمنه وكرمه، وهذا إنما هو بالنسبة لغير الشهداء أما الشهداء فقد جاء في صحيح مسلم وغيره أن أرواحهم في أجواف طير خضر".

3- حديث البراء ين عازب رضي الله عنه الطويل في نعيم القبر الذي وصف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ما يجري عند الموت حتى البعث وهو في مسند الإمام أحمد وغيره ولبعضه شواهد في الصحيح وقد أورده شارح الطحاوية وقال عقب إيراده وذهب إلى موجب هذا الحديث جميع أهل السنة و الحديث وكذا الحديث الذي فيه تسمية الملكين السائلين في القبر بالمنكر و النكير لم يرد في الصحيحين وقد اعقد بموجبه أهل السنة وأورده شارح الطحاوية مستدلا به.

4- الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره الدال على وزن الأعمال وهو حديث البطاقة والسجلات لم يرد في الصحيحين واعتقد أهل السنة موجبة وأورده شارح الطحاوية للاستدلال به على أن ميزان الأعمال له كفتان وعلى وزن صحائف الأعمال، ولا يتسع المقام لإيراد الكثير من الأمثلة في ذلك فأكتفي بهذا القدر.

والحاصل أن الأحاديث إذا كانت صحيحة يجب العمل بموجبها سواء كانت في الصحيحين أو في غيرهما ومن ذلك أحاديث المهدي.

الثاني: من الأمور التي لاحظتها في كلمة أبي الأعلى المودودي عن المهدي في كتابه البيانات في قوله "ولا يمكن بتأويل مستبعد أن في الإسلام يأتي تأويل مستبعد أن في الإسلام منصبا دينيا يعرف بالمهدوية يجب على كل مسلم أن يؤمن به ويترتب على عدم الإيمان به طائفة من النتائج الاعتقادية والاجتماعية في الدنيا و الآخرة". أقول بل الذي لاشك فيه أنه يستنبط من الأحاديث الصحيحة في شأن المهدي حصول الإخبار من الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم بوجود إمام للمسلمين عند نزول عيسى بن مريم يوافق اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه اسم أبي الرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل بيته ويقال له المهدي والواجب على كل مسلم أن يصدق أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم التي يخبر بها عن أمور مغيبة مطلقا بما في ذلك أخبار المستقبل كإخباره عن المهدي وعن الدجال وما إلى ذلك من الأخبار.

الثالث:في قوله "ومما يناسب ذكره بهذا الصدد أنه ليس من عقائد الإسلام عقيدة عن المهدي ولم يذكرها كتاب من كتب أهل السنة للعقائد".

أقول من عقائد أهل السنة التصديق بكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخبار ومن ذلك إخباره بشأن المهدي، وكتب العقائد عند أهل السنة قد أوضحت ذلك فقد قال الشيخ محمد السفاريني المتوفى سنة 1188هـ في نظمه لعقيدة السلف المسمى "الدرة المعنية في عقد الفرقة المرضية".

وما أتى بالنص من أشراط

فكله حق بلا شطا

منها الإمام الخاتم الفصيح

محمد المهدي والمسيح

ثم إنه أوضح ذلك في شرحه المسمى بلوامع الأنوار البهية فقال "تنبيه: قد كثرت الأقوال في المهدي حتى قيل لا مهدي إلا عيسى بن مريم والصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى وأنه يخرج قبل نزول عيسى بن مريم عليه السلام وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم" ثم ذكر بعض الآثار والأحاديث في خروج المهدي وأسماء بعض الصحابة الذين رووها ثم قال "وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعة العلم القطعي فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة" انتهى.

وكما أنه مدون في كتب العقائد عند أهل السنة والجماعة فهو أيضا مدون في كتب العقائد التي تمسك أربابها بمذهب أبي الحسن الأشعري قبل رجوعه إلى عقيدة أهل السنة والجماعة، وقد تقدم نص كلام الشيخ ملا علي قاري الحنفي الذي هو على مذهب الأشاعرة والذي نقلته من شرحه على الفقه الأكبر وفيه ترتيبه لأشراط الساعة القريبة من قيامها وجعله خروج المهدي أولها وأن عيسى عليه الصلاة والسلام يصلي خلفه وفيه قوله: وفي شرح العقائد: "الأصح أن عيسى عليه الصلاة والسلام يصلي بالناس ويؤمهم ويقتدي به المهدي لأنه أفضل وإمامته أولى" انتهى.

وكذا تقدم في كلام الشيخ عبد الرؤوف المناوي قوله بعد ذكر ائتمام عيسى بالمهدي: "ولا ينافي ما ذكر في هذا الحديث ما اقتضاه بعض الآثار من أن عيسى هو الإمام بالمهدي وجزم به السعد التفتازاني بأفضليته وعلله لإمكان الجمع بأن عيسى يقتدي بالمهدي أولا ليظهر أنه نزل تابعا لنبينا حاكما بشرعه ثم بعد ذلك يقتدي المهدي به على أصل القاعدة من اقتداء المفضول بالفاضل" انتهى.

ذكر بعض ما قد يظن تعارضه مع الأحاديث الواردة في المهدي مع الجواب عن ذلك:

1- تقدم في أثناء كلام الأئمة الذين حكيت كلامهم أن حديث لا مهدي إلا عيسى بن مريم لا يتعارض مع الأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي لضعفه ولإ مكان الجمع بينها لو صح بأن يكون معناه لا مهدي كاملا معصوما إلا عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم وذلك ينفي أن يكون غيره مهديا غير معصوم كالمهدي الذي دلت عليه الأحاديث.

2- إن ما دلت عليه أحاديث المهدي من قيام المهدي بنصرة الدين وامتلاء الأرض في زمانه من العدل لا ينافيه وجود الدجال وأتباعه في زمانه ومعاداتهم للمسلمين وكذا الأدلة الدالة على بقاء الأشرار مع الأخيار حتى تخرج الريح اللينة التي تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة  ولا يبقى بعد ذلك الأشرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة، لأن المراد مما جاء في أحاديث المهدي كثرة الخير وقوة أهل الإسلام وحصول الغلبة لهم وقهرهم لغيرهم وهذا لا ينفي وجود أشرار مغمورين في زمانه كما أننا نعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين رضي الله عنهم قد ملئوا الأرض عدلا ومع ذلك في الأرض في زمانهم من أعدائهم الكثير قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين.

3- إن ما دلت عليه أحاديث المهدي من امتلاء الأرض ظلما وجورا قبل خروجه لا يدل على خلو الأرض من أهل الخير قبل زمانه فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر في أحاديث صحيحة بأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر الله ومنها الحديث الذي رواه مسلم عن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم تعال صلى لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الامة"، وهذه الأحاديث وأحاديث المهدي تدل على أن الحق مستمر لا ينقطع لكنه في بعض الأزمان يكون لأهله الغلبة ويحصل له الانتشار كما في زمن الرسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وكما في زمن المهدي وعيسى بن مريم وفي بعض الأزمان يتضاءل هذا الانتشار ويضعف أهله أما أن الحق يتلاشى ويضمحل فهذا ما لم يكن فيما مضى منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكون في المستقبل حتى خروج الريح التي تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة كما أخبر بذلك الذي لا ينطق عن الهوى صلوات وسلامه عليه فما من زمن في الماضي إلا وقد هيأ الله لهذا الدين من يقوم به وفي هذا الزمن الذي تكالب اعداء الإسلام عليه وغزوه بأعدائه لم تخل الأرض من إقامة شعائر الدين الإسلامي ومن ذلك ما امتن به على حكومة البلاد المقدسة من التوفيق لتحكيم الشريعة وتعميم المحاكم الشرعية في مدن المملكة وقراها يتحاكم الناس فيها إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على وجه لا نظير له في سائر أنحاء الأرض فيما نعلم فيرجم الزاني المحصن ويجلد البكر ويحد شارب الخمر وتقطع يد السارق ويقتل القاتل وغير ذلك وما حصل في هذه البلاد من الأمن والإستقرار ورغد العيش إنما هو من الثواب المعجل على القيام بالدين زادها الله من كل خير وحماها من كل شرور وفق المسلمين جميعا في سائر انحاء الأرض لما فيه عزهم وسعادتهم في دنياهم وأخراهم.

 

كلمة ختامية:

إن أحاديث المهدي الكثيرة التي ألف فيها مؤلفون وحكى تواترها جماعة واعتقد موجبها أهل السنة والجماعة وغيرهم من الأشاعرة تدل على حقيقة ثابتة بلا شك هي حصول مقتضاها في آخر الزمان ولا صلة البتة لهذه الحقيقة الثابتة عند أهل السنة بالعقيدة الشيعية فإن ما يعتقده الشيعة من خروج مهدي منتظر يسمى محمد بن الحسن العسكري من نسل الحسين رضي الله عنه لا حقيقة له ولا أصل وعقيدتهم بالنسبة لمهديهم في الحقيقة عقيدة موهومة كما أن إمامة الأئمة الماضين عندهم في الحقيقة إمامة موهومة لا حقيقة لها ولا وجود إلا إمامة علي بن أبي طالب وابنه الحسن رضي الله عنهما وهما بريئان منهم ومن اعتقادهم بلا شك أما أهل السنة فمعتقدهم في الماضي حقيقة موجودة وسادات الأئمة عندهم هم الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم وقد تولوا الإمامة حقا وكانوا أحق بها وأهلها ومعتقدهم في المستقبل عند نزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم حقيقة ثابتة بلا شك أيضا فلا عبرة بقول من قفا ما ليس له به علم وقال إن الأحاديث في المهدي لا تصح نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها من وضع الشيعة كما تقدمت الإشارة إلى هذا في أول المحاضرة.

وإذا فإن أحاديث المهدي على كثرتها وتعدد طرقها وإثباتها في دواوين أهل السنة يصعب كثيرا القول بأنه لا حقيقة لمقتضاها إلا على جاهل أو مكابر أو من لم يمعن النظر في طرقها وأسانيدها ولم يقف على كلام أهل العلم المعتد بهم فيها، والتصديق بها داخل في الإيمان بأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن من الإيمان به صلى الله عليه سلم تصديقه فيم أخبر به وداخل في الإيمان بالغيب الذي امتدح الله المؤمنين به بقوله: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} وداخل في الإيمان بالقدر فإن سبيل علم الخلق بما قدره الله أمران:

أحدهما وقوع الشيء فكل ما كان ووقع علمنا أن الله قد شاءه لأنه لا يكون ولا يقع إلا ما شاءه الله و ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

الثاني: الإخبار بالشيء الماضي الذي وقع وبالشيء المستقبل  قبل وقوعه من الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم فكل ما ثبت إخباره به من الأخبار في الماضي علمنا بأنه كان على وفق خبره صلى الله عليه وسلم وكل ما ثبت إخباره عن مما يقع في المستقبل نعلم بأن الله قد شاءه وأنه لابد وأن يقع على وفق خبره صلى الله عليه وسلم كإخباره صلى الله عليه والسلام  بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان وإخباره بخروج المهدي وبخروج الدجال وغير ذلك من الأخبار فإنكار أحاديث المهدي أو التردد في شأنه أمر خطير نسأل الله السلامة والعافية والثبات على الحق حتى الممات، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.؟

 

وبعد انتهاء المحاضر من إلقاء هذه المحاضرة قام فضيلة نائب رئيس الجامعة الإسلامية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز فعلق على المحاضرة بالكلمة التالية نقلت من شريط التسجيل وعرضت على فضيلته بعد نقلها فأذن بنشرها.

الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد: فإنا نشكر محاضرنا الأستاذ الفاضل الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد على هذه المحاضرة القيمة الواسعة فلقد أجاد فيها وأفاد واستوفى المقام حقا فيما يتعلق بالمهدي المنتظر مهدي الحق، ولا مزيد على ما بسطه من الكلام فقد بسط واعتنى وذكر الأحاديث، وذكر كلام أهل العلم في هذا الباب وقد وفق للصواب وهدي إلى الحق، فجزاه الله عن محاضرته خيرا وجزاه عن جهوده خيرا وضاعف له المثوبة وأعانه على التكميل والإتمام لرسالته في هذا الموضوع، وسوف نقوم-إن شاء الله- بطبعها بعد انتهائه منها لعظم فائدتها ومسيس الحاجة إليها والخلاصة التي أعلقها على هذه المحاضرة القيمة أن أقول:

إن الحق والصواب هو ما أبداه فضيلته في هذه المحاضرة كما بينه أهل العلم فأمر المهدي أمر معلوم والأحاديث فيه مستفيضة بل متواترة متعاضدة، وقد حكى غير واحد من أهل العلم: تواترها،كما حكاه الأستاذ في هذه المحاضرة وهي متواترة تواترا معنويا لكثرة طرقها، واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها فهي بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق وهو "محمد بن عبد الله العلو الحسني من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه" وهذا الإمام من رحمة الله عز وجل بالأمة في آخر الزمان يخرج فيقيم العدل والحق ويمنع الظلم والجور، وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلا وهداية وتوفيقا وإرشادا للناس.

وقد اطلعت على كثير من أحاديثه فرأيتها كما قال الشوكاني وغيره وكما قال ابن القيم وغيره:فيها الصحيح وفيها الحسن، وفيها الضعيف المنجبر، وفيها أخبار موضوعة، ويكفينا من ذلك ما استقام سنده سواء كان صحيحا لذاته أو لغيره وسواء كان حسنا لذاته أو لغيره، وهكذا الأحاديث الضعيفة إذا انجبرت وشد بعضها بعضا فإنها حجة عند أهل العلم.

فإن المقبول عندهم أربعة أقسام: صحيح لذاته،وصحيح لغيره، وحسن لذاته، وحسن لغيره، هذا ماعدا المتوتر، أما المتواتر فكله مقبول سواء كان تواتره لفظيا أو معنويا فأحاديث المهدي من هذا الباب متواترة معنويا، فتقبل بتواترها من جهة اختلاف ألفاظها ومعانيها وكثرة طرقها وتعدد مخارجها، ونص أهل العلم الموثوق بهم على ثبوتها وتواترها وقد رأينا أهل العلم اثبتوا أشياء كثيرة بأقل من ذلك، والحق أن جمهور أهل العلم بل هو الاتفاق على ثبوت أمر المهدي وأنه حق وأنه سيخرج في آخر الزمان أما من شذ عن أهل العلم في هذا البال فلا يلتفت إلى كلامه في ذلك وأما ما قاله الحافظ إسماعيل بن كثير رحمه الله عليه في كتابه التفسير في سورة المائدة عند ذكر النقباء، وأن المهدي: يمكن أن يكون أحد الأئمة الاثنى عشر فهذا: محل نظر، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "لا يزال أمر هذه الأمة قائما ما ولى عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش"  فقوله: "لا يزال أمر هذه الأمة قائما"، يدل على أن الدين في زمانهم قائم، والأمر نافذ، والحق ظاهر ومعلوم أن هذا إنما كان قبل انقراض دولة بني أمية، وقد جرى في آخرها اختلاف تفرق بسببه الناس، وجعل نكبة على المسلمين وانقسم أمر المسلمين إلى خلافتين: خلافة في الأندلس وخلافة في العراق، وجرى من الخطوب والشرور ما هو معلوم، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: "لا يزال أمر هذه الأمة قائما" ثم جرى بعد ذلك أمور عظيمة  حتى اختل نظام الخلافة وصار على كل جهة من جهات المسلمين أمير وحاكم وصارت دويلات كثيرة وفي زماننا هذا أعظم وأكثر.

والمهدي حتى الآن لم يخرج فكيف يصح أن يقال إن الأمر قائم إلى خروج المهدي هذا لا يمكن أن يقوله من تأمل ونظر.

والأقرب في هذا كما قاله جماعة من أهل العلم: أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث "لا يزال أمر هذه الأمة قائما ما ولي عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش" أن مراده من ذلك: الخلفاء الأربعة ومعاوية رضي الله عنه وابنه يزيد، ثم عبد الملك ابن مروان وأولاده الأربعة وعمر بن عبد العزيز هؤلاء اثنا عشر خليفة والمقصود أن الأئمة الاثني عشر في الأقرب و الأصوب ينتهي عددهم بهشام بن عبد الملك، فإن الدين في زمانهم قائم والإسلام منتشر والحق ظاهر والجهاد قائم وما وقع بعد موت يزيد من الاختلاف والانشقاق في الخلافة وتولي مروان في الشام وابن الزبير في الحجاز لم يضر المسلمين في ظهور دينهم فدينهم ظاهر وأمرهم قائم وعدوهم مقهور مع وجود هذا الخلاف الذي جرى ثم زال بحمد الله بتمام البيعة لعبد الملك واجتماع الناس بعد ما جرى من الخطوب على يد الحجاج وغيره وبهذا يتبين أن هذا الأمر الذي أخبر به صلى الله عليه وسلم قد وقع ومضى وانتهى، وأمر المهدي يكون في آخر الزمان وليس له تعلق بحديث جابر بن سمرة، أما كون المهدي يكون عند نزول عيسى فقد قال ابن كثير في الفتن والملاحم: أظنه يكون عند نزول المسيح، والحديث الذي رواه الحارث بن أبي أسامة يرشد إلى هذا ويدل على هذا لأنه قال أميرهم المهدي فهو يرشد إلى أنه يكون عند نزول عيسى ابن مريم كما يرشد إليه بعض روايات مسلم وبعض الروايات الأخرى لكن ليست بالصريحة فهذا هو الأقوم والأظهر ولكنه ليس بالأمر القطعي، أما كونه سيخرج أو يوجد في آخر الزمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فهذا أمر معلوم والأحاديث ظاهرة في ذلك والحق كما قاله الأئمة والعلماء في ذلك أنه لابد من خروجه وظهوره.

وأما أمر المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وأمر المسيح الدجال فأمرهما أظهر وأظهر فالأمر فيها قطعي وقد أجمع على ذلك علماء الأمة وبينوا للناس أن المسيح نازل في آخر الزمان كما أن الدجال خارج في آخر الزمان وقد تواترت بذلك الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وكلها صحيحة متواترة بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان وحكمه  بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام وقتله الدجال مسيح الضلالة.

هذا حق وهكذا خروج الدجال حق أما من أنكر ذلك وزعم أن نزول المسيح ابن مريم ووجود المهدي إشارة إلى ظهور الخير، وأن وجود الدجال و يأجوج و مأجوج ما أشبه ذلك إشارة إلى ظهور الشر فهذه أقوال فاسدة بل باطلة في الحقيقة لا ينبغي أن تذكر فأهلها قد حادوا عن الصواب وقالوا أمرا منكرا، وأمرا خطيرا لا وجه له في الشرع و لا وجه له في الأثر و لا في النظر والواجب تلقي ما قاله الرسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبول والإيمان به والتسليم، فمتى صح الخبر عن رسول الله فلا يجوز لأحد أن يعارضه برأيه واجتهاده بل يجب التسليم كما قال الله عز وجل:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}

وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر عن الدجال وعن المهدي وعن عيسى المسيح بن مريم ووجب تلقي ما قاله بالقبول والإيمان بذلك والحذر من تحكيم الرأي والتقليد الأعمي الذي يضر صاحبه ولا ينفعه لا في الدنيا ولا في الآخرة.

وأسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع لما فيه رضاه وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه والثبات على الحق حتى نلقى ربنا سبحانه وتعالى وأعود أيضا فأشكر فضيلة الأستاذ على محاضرته القيمة الواسعة وأسأل الله له المعونة على الإتمام والإكمال حتى تطبع وتنشر فينتفع بها الناس وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.

 "نشر بمجلة الجامعة الاسلامية بالمدينة النبوية العدد الثالث ذو القعدة 1388"

nike-air-force-1-shadow-lucky-charms-dj5197-100-date-sortie | Giftofvision , Sneakers search engine

الأقسام الرئيسية: