أخى المعلم أختى المعلمة

أخي المعلم . . أختي المعلمة

لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

مفتي عام المملكة العربية السعودية

من عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ إلى عموم إخوانه وأخواته من المعلمين والمعلمات : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . . . أما بعد :

ففي هذه الأيام نستقبل عاما دراسيا جديدا نسأل الله عز وجل أن يجعله عام خير وبركة وعز للإسلام وأهله ؛ وبهذه المناسبة أحببت أن أشارك إخواني وأخواتي المعلمين والمعلمات همهم وأتعاون معهم على تأدية رسالة التعليم على الوجه الذي يرضى رب العالمين ، وذلك من خلال كلمات أبثها لإخواني وأخواتي نصيحة لوجه الله عز وجل ، وتذكيرا لهم ببعض الجوانب التي رأيت أهمية التذكير بها ؛ أسأل الله عز وجل أن ينفع بها ويجعلها خالصة لوجهه الكريم نافعة لعباده المؤمنين إنه سبحانه بر رؤوف رحيم .

أهمية العلم وفضله وفضل أهله :

يقول الله عز وجل : سورة العلق الآية 1 اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ سورة العلق الآية 2 خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ سورة العلق الآية 3 اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ سورة العلق الآية 4 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ سورة العلق الآية 5 عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ .

ويقول سبحانه : ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ .

ويقول عز وجل : وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا .

ويقول سبحانه : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ .

ويقول سبحانه : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ .

ويقول عز من قائل سبحانه : سورة فاطر الآية 28 إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ .

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699),سنن الترمذي القراءات (2945),سنن ابن ماجه المقدمة (225),مسند أحمد بن حنبل (2/252),سنن الدارمي المقدمة (344). من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة أخرجه مسلم .

(الجزء رقم : 73، الصفحة رقم: 9)

ويقول صلى الله عليه وسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له أخرجه مسلم .

ويقول صلى الله عليه وسلم : إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض ، حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ، ليصلون على معلم الناس الخير .

وجاء في بعض السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر .

ومقام الأنبياء في أممهم مقام تعليم وإرشاد ودعوة ونبينا صلى الله عليه وسلم هو سيد المعلمين يقول الله عز وجل : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ .

(الجزء رقم : 73، الصفحة رقم: 10)

ويقول سبحانه : سورة البقرة الآية 151 كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ .

ويقول صلى الله عليه وسلم : صحيح مسلم الطلاق (1478). إن الله عز وجل لم يبعثني معنفا ، ولكن بعثني معلما ميسرا أخرجه الإمام أحمد والإمام مسلم ولفظه صحيح مسلم الطلاق (1478). إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا .

فهنيئا لكم إخواني وأخواتي هذا الطريق تسلكونه وهذا الفضل تحوزونه وهذه الرفقة في هذا الدرب تسيرون معهم وتنسبون إليهم وتأخذون ميراثهم صلوات ربي وسلامه عليهم .

فعليكم واجب شكر هذه النعمة وعليكم واجب الجد في أداء حقها والتخلص من تبعاتها وفقكم الله لكل خير .

وطلب العلم المنوه بفضله قسمان :

ا- قسم يكون فرض عين على كل مسلم ومسلمة : وهو ما لا يسع المسلم جهله في أمور دينه من العقيدة الصحيحة وما يصحح به عبادته ، وما يحتاج إليه في معاملته فما يجب على التاجر في تجارته ليس واجبا على غيره عينا وكذلك ما يجب على المزارع من العلم ليس كمثل غيره .

(الجزء رقم : 73، الصفحة رقم: 11)

2 - وقسم يكون الأخذ به فرض كفاية وهو الزيادة من الفقه في الدين بنية رفع الجهل عن نفسه وتعليم إخوانه المسلمين والله تعالى يقول : فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ . ويقول صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري العلم (71),صحيح مسلم الإمارة (1037),سنن ابن ماجه المقدمة (221),مسند أحمد بن حنبل (4/93),موطأ مالك الجامع (1667),سنن الدارمي المقدمة (226). من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين .

ومن ولا تجب وجوبا عينيا على كل مسلم ، العلوم العصرية والدنيوية التي بها قوام الأمم في أمور معيشتهم وبها يكون النهوض والقوة من علوم تقنية أو اقتصادية أو عسكرية أو سياسية وغير ذلك والأخذ بها عند الحاجة إليها نوع من الإعداد للعدو والله تعالى يقول : سورة الأنفال الآية 60 وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ .

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ، ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان أخرجه مسلم .

(الجزء رقم : 73، الصفحة رقم: 12)

فالأخذ بالعلوم العصرية ومقارعة الأمم فيها والنهوض بأمة الإسلام حتى تأخذ مكانها القيادي للأمم هذا من فروض الكفايات مع التأكيد على العلوم الشرعية وأنها هي الأساس وإليها المرجع وعدم قبول أي شيء يتعارض مع مقتضى النصوص الشرعية ، هذا هو الميزان في ديننا فديننا دين العلم والعمل دين القوة دين عمارة الأرض بالخيرات لا يمنع المسلم من الأخذ بما أطلع الله عليه عباده من علوم مستجدة أو ظواهر كونية للاستفادة منها ، والله تعالى يقول : سورة الجاثية الآية 13 وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إخواني . . . وأخواتي : إن العلم والتعليم في ديننا له غايات نبيلة وأهداف عظيمة تكفل لمن سعى فيه بنور الله السعادة في الدنيا والآخرة .

نحن المسلمون أمة مختارة . . أمة أراد لها الله الخير والفضل والرفعة قامت أمتكم على الدين والعقيدة قامت على رسالة ربانية تدعو إلى توحيد الخالق والإحسان إلى الخلق . تدعو إلى تحكيم الشريعة في جميع نواحي الحياة .

إن تطبيق الإسلام والالتزام به ونشر مبادئه وتربية أبنائنا على الإسلام الحقيقي سبب لسعادة البشرية بل والمجتمع والبيئة المحيطة فالإسلام كله خير ، ولا تستقيم الأحوال على التمام إلا بتطبيقه ،

(الجزء رقم : 73، الصفحة رقم: 13)

فاحرصوا على غرس الإسلام الحقيقي في قلوب أبنائنا وبناتنا وفقكم الله لكل خير .

أول ذلك الإخلاص لله عز وجل : فإن الإخلاص شرط في قبول العبادة وأي عبادة أنفع من تعليم العلم ، ثم إن الإخلاص في التعليم يعود بالبركة والنفع العميم على المتلقين فبركة الإخلاص متعدية ، ومما يدل على وجوب الإخلاص قول الله تعالى : سورة البينة الآية 5 وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويقول صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى متفق عليه .

ثانيا : مما يجب على المعلم والمعلمة مراعاته : التقيد بالسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم بأن يحرص أن يكون سمته وتعليمه وما يطرحه للطلاب موافقا للشرع فلا يقرر لهم ما لا يعلم ثبوته شرعا ولا ما يكون محدثا مبتدعا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256). من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ويقول صلى الله عليه وسلم : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد .

ثالثا : أخي المعلم أختي المعلمة : ليكن معلوما لديكم أن مقام التعليم مقام تأس واقتداء ، فيجب أن يكون المعلم والمعلمة قدوة حسنة للطلاب والطالبات ، وليكن الواحد منكم متذكرا في كل

(الجزء رقم : 73، الصفحة رقم: 14)

وقت قول النبي صلى الله عليه وسلم : من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة فإن عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا أخرجه الإمام مسلم .

فالمعلم والمعلمة قدوة في ألفاظهم فلا يقولون فحشا ويبتعدون عن سقط الكلام وهم قدوة في لباسهم الموافق للشرع فلا يكون والمعلمة قدوة فى الفاظهم وفى لباسهم الموافق للشرع مسبلا ثوبه ولا متشبها بالفسقة والكفرة في مظهره .

كما لا تكون المعلمة في لباس ضيق ولا شفاف ولا قصير بل هو اللباس الضافي الساتر الفضفاض يستر جسمها ويظهر حشمتها ويجعلها قدوة صالحة لبناتنا .

ومن ابتلي بذلك فليسأل الله العافية وليحرص على تركه ، ويجب عليه الاستتار حال معصيته فلا يجاهر به أمام تلاميذه ولا يرونه في يده ولا جيبه يقول صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري الأدب (5721),صحيح مسلم الزهد والرقائق (2990). كل أمتي معافى إلا المجاهرون .

والمعلمة لا تأتي إلى مدرستها وهي نامصة ولا فالجة ولا مغيرة خلق الله عز وجل أو متشبهة بالفاسقات أو الكافرات .

فكونوا قدوة صالحة فإن الخطب جسيم وأنتم في مقام اقتداء وتأس وما تفعلونه أو تقولونه يؤخذ عنكم ويقتدي بكم فيه فكونوا

(الجزء رقم : 73، الصفحة رقم: 15)

لأبواب الخير مفاتيح ولأبواب الشر والفتنة مغاليق .

رابعا : يجب على المعلم والمعلمة أن يكونوا دعاة إلى الله بحسب علمهم إبراء للذمة ونصحا للأمة وتوجيها لأبنائنا وبناتنا وامتثالا لأمر ربنا عز وجل وأمر نبينا صلى الله عليه وسلم ؛ يقول الله عز وجل : سورة النحل الآية 125 ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ويقول صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3274),سنن الترمذي العلم (2669),مسند أحمد بن حنبل (2/159),سنن الدارمي المقدمة (542). بلغوا عني ولو آية .

خامسا : يجب عليكم تربية أبنائنا وبناتنا على الاعتزاز بدينهم والفرح والغبطة به وتحبيبهم في دينهم وغرسه في قلوبهم ببث تعاليمه السمحة بصورة صحيحة .

كما يجب عليكم وأنتم تشاهدون أوضاع الأمة الآن وما آلت إليه من ضعف ، أن تبعثوا الأمل في قلوب أبنائنا وبناتنا وأن تطردوا اليأس منهم وتذكروهم بأن ما حل بنا ما هو إلا بسبب بعدنا عن ديننا سورة الشورى الآية 30 وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ .

وهو ابتلاء لصبر المؤمنين وامتحان لقوة ثباتهم على دينهم والنصر من عند الله سورة البقرة الآية 214 أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ .

(الجزء رقم : 73، الصفحة رقم: 16)

فالفرج قريب والباطل مهما تعاظم فإنه لا يقاوم الحق وسيجعل الله بعد عسر يسرا ؛ وإنما الشأن في توعية الأبناء والبنات بل والمجتمع وحثهم على ترك الذنوب والمعاصي والالتزام بشرع الله عز وجل .

سادسا : مما يجب مراعاته خصوصا في هذا الزمان : تبصير الطلاب والطالبات بما يحاك لأمتهم من مكائد في الداخل والخارج وما يريده الأعداء من تفرق الأمة وتشتيت المجتمع وتحطيم كيانه بزرع بذور الفتنة فيه ، وإبعاد المسلمين عن دينهم وذلك من طريقين إما البعد عن الدين والطعن فيه والسخرية به وبالمنتسبين إليه والمتمسكين به والتشكيك في تشريعاته واتهام العلوم الشرعية بما هي منه براء من أنها تدعو إلى الإرهاب والعدوان وسفك الدماء ، والمطالبة بتحجيمها أو إقصائها أو تفريغها من محتواها حتى تكون مواد سامجة ممجوجة لا خير فيها إنما هي ثقافات بشرية بعيدة عن نور الوحي .

والطريق الأخرى لأعداء الله في تمزيق شمل الأمة بعث روح الغلو ومجاوزة الحد في التدين حتى يرى غيره هلكى لا خير فيهم

(الجزء رقم : 73، الصفحة رقم: 17)

وينشأ من هذا رغبة في التغيير بالقوة وتوجيه المجتمع بالقوة إلى ما يظنه الحق وإنما هو الهوى -والعياذ بالله - والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : سنن ابن ماجه المناسك (3029),مسند أحمد بن حنبل (1/215). إياكم والغلو في الدين ، ويقول صلى الله عليه وسلم : مسند أحمد بن حنبل (3/199). إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق .

والحق ظاهر لمن أراده سورة هود الآية 112 فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ولم يقل الله عز وجل : (فاستقم كما تهوى) فالاستقامة حقا هي الموافقة لأمر الله : سورة الفاتحة الآية 5 إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ سورة الفاتحة الآية 6 اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ .

من آداب المعلم والمعلمة :

1 - التواضع : فلا بد أن يكون المعلم والمعلمة متواضعا للعلم طلبا وتحصيلا وبذلا وتعليما ، متواضعا للطلاب ، فلا يرى في نفسه أنه أعلى منهم وأنه يستحق كذا وكذا بل يكون متطامنا متواضعا لله عز وجل ، ومن تواضع لله رفعه ، ونبينا صلى الله عليه وسلم كان متواضعا مع الناس في تعليمهم ودعوتهم وفي سائر أحواله، تقف معه امرأة في عقلها شيء في بعض سكك المدينة فيقوم معها حتى يقضى حاجتها , ويأتي للصغير فيداعبه ويسليه ويمشي بين أصحابه لا يتميز

(الجزء رقم : 73، الصفحة رقم: 18)

عنهم إلا بما فضله الله من النبوة والعلم والخلق والسمت والهدي . فليكن هو قدوتنا صلى الله عليه وسلم .

2 - الحرص على نفع المتعلم : فالتعليم ليس حملا ثقيلا عليك أيها المعلم وعليك أيتها المعلمة ؛ إنما هو أمانة فاحرصوا على أدائها والقيام بها حق القيام ، وليكن حرصكم دائما على نفع المتعلم وهذا يتطلب منكم تفقد الطلاب واختبارهم ومعرفة مستوياتهم ومراعاة الفروق الفردية بينهم حتى تكون رسالة التعليم واصلة إليهم على خير حال والنبي صلى الله عليه وسلم كان هذا هديه يقول الله عز وجل : لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فلتكونوا حريصين على طلابكم رفقاء بهم رحماء اقتداء بنبيكم صلى الله عليه وسلم .

3 - إيصال المعلومة الصحيحة دون الخاطئة : ويتبين لك أهمية ذلك حين تعلم أن ما تقوله يؤخذ على وجه التسليم والانقياد من قبل طلابك وينطبع في عقولهم ، فاحرص على تحري الدقة والتأكد من صحة ما تطرحه ، وإلا فعليك بالسكوت يقول الله عز وجل : سورة الإسراء الآية 36 وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا .

(الجزء رقم : 73، الصفحة رقم: 19)

4 - تركيز الكلام وتقليله مع الحرص على تكراره : وذلك أن الطلاب متفاوتة قدراتهم في الحفظ والفهم والاستيعاب وسرعة البديهة فاقتد بأضعفهم ، وركز الكلام يفهم ، وكرره حتى يحفظ فيكون حينئذ عموم النفع ، ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قدوة ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : صحيح البخاري المناقب (3375),صحيح مسلم الزهد والرقائق (2493),سنن الترمذي المناقب (3639),سنن أبو داود العلم (3654),مسند أحمد بن حنبل (6/157). إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحدث الحديث لو شاء العاد أن يحصيه أحصاه أخرجه أبو داود .

ويقول أنس رضي الله عنه : صحيح البخاري العلم (94),سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2723),مسند أحمد بن حنبل (3/213). كان إذا سلم سلم ثلاثا ، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا وفي رواية بزيادة (حتى تفهم منه) .

5 - المحافظة على وقت الطلاب : فلا تشغل- أخي المعلم أختي المعلمة- وقت الطلاب بالقيل والقال أو بالفكاهة والمزاح ، بل عليك بالحرص على وقتهم وإعطائهم ما ينفعهم بأسلوب غير مخل ولا ممل .

6 - عند الدخول في الدرس فعليك بتطبيق السنة في ذلك فابدأ بالسلام تحية أهل الإسلام ، ثم قبل الشروع في درسك سم الله عز وجل واحمده وصل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثم اشرع في درسك حتى تنغرس هذه الآداب الحسنة في نفوس الطلاب وحتى تحل البركة فيما تقوم بتعليمه وتدريسه .

(الجزء رقم : 73، الصفحة رقم: 20)

7 - واجه الطلاب بوجه طلق : ومن الآداب العامة وهي في شأن المعلم والمعلمة آكد التبسم وطلاقة الوجه ففيها عدة فوائد :

- منها تطبيق السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2626),سنن الترمذي الأطعمة (1833). لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق .

- ومنها بعث الطمأنينة والراحة في نفوس الطلاب فيتقبلون ما تلقيه إليهم بانشراح وسعة صدر .

- ومنها أن التخلق بهذا الخلق حتى يكون لك ديدنا يجعلك أكثر انبساطا وأبعد عن الهموم ويحبب إليك الناس وغير ذلك من الفوائد التي لا تخفى .

8 - عليكم بحث الطلاب والطالبات على الحرص على الدروس واستغلال الوقت إخلاصا لله عز وجل ، وقصدا للنهوض بالأمة وتعليم الجهال وهذا من خير ما انصرفت الهمم إليه .

وهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح في ذلك أظهر من أن يذكر .

9 - عند مواجهة أخطاء من الطلاب أو الطالبات لا يكن الضرب هو مفزعكم ولا هو أول الحلول عندكم فليس هذا من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم .

فإن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول : ما ضرب

(الجزء رقم : 73، الصفحة رقم: 21)

رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله أخرجه الإمام مسلم .

ومما يصحح به ما يقع من أخطاء الطلاب أمور :

منها : تعليمه بلطف ولين بأن ما قام به خطأ وإقناعه بوجه الخطأ حتى يتركه عن قناعة .

ومنها : إظهار الغضب في وجهه وتأنيبه على خطئه .

ومنها : أن يبين له بأسلوب لين كيف لو أن ما ارتكبه من خطأ في حق غيره لا يرضى هو أن يرتكبه غيره في حقه ؛ فإن أقر بين له أن الناس أيضا لا يرضون وهكذا .

وجميع ما ذكرنا سابقا من الأساليب قد جاءت السنة بها لكن تركنا إيراد الشواهد طلبا للاختصار .

فإن لم يجد مع الطالب المخطئ الأساليب السابقة فإن المعلم أو المعلمة يمكنهم اللجوء إلى الضرب ، وقد جاءت السنة ببيان أن الضرب وسيلة للتربية يقول صلى الله عليه وسلم : مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر .

وأقر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على ضرب غلام له حين أضاع بعيره .

ولكن على المعلم والمعلمة أن يعلموا أن الضرب أسلوب تربية

(الجزء رقم : 73، الصفحة رقم: 22)

وتقويم اعوجاج وليس متنفسا لهم وانتقاما لأشخاصهم .

وبناء على ذلك فيراعى في الضرب أن يكون غير مبرح ولا يشق جلدا أو يكسر عظما أو يذهب منفعة أو يضر بجارحة ، فكل ذلك لا يجوز ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله .

ولما شرع الله ضرب الزوجة الناشز بعد موعظتها وهجرها في الفراش ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك الضرب يكون غير مبرح .

لأن المقصد من الضرب تقويم اعوجاج لا إبراز القوة وإظهار الانتقام فهذا لا يساعد على تربية الطلاب التربية السليمة .

أساليب للتعليم مقترحة مستقاة من الوحيين :

وإن مما يؤسف له تتابع أهل الإسلام إلى نظريات غربية وشرقية في التربية والتعليم ليست إلا نتاج عقول البشر وخلاصة تجاربهم ، وإن كان مثل هذا يمكن أن يستفاد فيه من غير المسلم وما كان مرجعه إلى التجربة فهو مشاع الانتفاع به بين البشر ما لم يخالف مقتضى الشرع .

والمقصود هنا بيان بعض الطرق النافعة للتعليم وحفز الأذهان وهي مأخوذة من الكتاب والسنة :

(الجزء رقم : 73، الصفحة رقم: 23)

1 - ضرب الأمثال : وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ .

2 - القصص : سورة يوسف الآية 3 نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ومنه تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم : الجليس الصالح والجليس السوء .

3 - ومنها ابتدار الطلاب السؤال لشد انتباههم . ومن ذلك قول الله تعالى : سورة الشعراء الآية 221 هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ سورة الشعراء الآية 222 تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ . ويقول صلى الله عليه وسلم : يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله وهكذا في أمثلة كثيرة .

4 - مبادرة الطلاب بما يثير تساؤلهم تحفيزا لأذهانهم . من ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر يوما فقال : آمين . . آمين . . آمين قال : إن جبريل أتاني ، فقال من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله ، قل آمين ؛ فقلت : آمين . . الحديث .

5 - ومنها طرح المسألة على الطلاب وتركهم يستنتجون حلها . وقد فعل هذا نبينا صلى الله عليه وسلم ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عرضت علي الأمم

(الجزء رقم : 73، الصفحة رقم: 24)

فرأيت النبي معه الرهيط ، والنبي ومعه الرجل والرجلان ، والنبي ليس معه أحد ، إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل له : هذا موسى وقومه ، ولكن انظر إلى الأفق ، فنظرت فإذا سواد عظيم ، فقيل لي : انظر إلى الأفق الآخر ، فنظرت فإذا سواد عظيم ، فقيل لي : هذه أمتك ، ومنهم سبعون ألف يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم ، فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله شيئا ، وذكروا أشياء ، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما الذي تخوضون فيه فأخبروه فقال : هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون الحديث .

6 - أن يستعين المعلم بزميل له ملم بموضوع الدرس : فيحضر معه الدرس ويجلس جلوس الطلاب ، ثم يبدأ مع زميله حوارا حول مفردات موضوع الدرس حتى يأتي على جمع ما يحتاج الطلاب فهمه في هذا الدرس بأسلوب متدرج هادئ حواري ، يشد أذهان الطلاب ويجعلهم يستوعبون درسهم .

كما فعل جبريل عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وسلم حين جلس عنده مجلس المتعلم والصحابة رضي الله عنهم شهود ، وهو يسأله عن أمور الدين ليعلم الصحابة ، فقال النبي صلى الله عليه

(الجزء رقم : 73، الصفحة رقم: 25)

وسلم : صحيح مسلم الإيمان (8),سنن الترمذي الإيمان (2610),سنن النسائي الإيمان وشرائعه (4990),سنن أبو داود السنة (4695),سنن ابن ماجه المقدمة (63),مسند أحمد بن حنبل (1/52). يا عمر أتدري من السائل؟ قال عمر : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم أخرجه مسلم .

ومن تتبع الكتاب والسنة وجد من ذلك الكثير النافع ، والتنويع في الأساليب أنفع وهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم .

هذه جملة مما أحببنا أن نشارك به إخواننا وأخواتنا من المعلمين والمعلمات . بمناسبة بداية العام الدراسي أسأل الله للجميع التوفيق والسداد وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم مقربا عنده زلفى وأن يصلح نياتنا وذرياتنا ويتقبل صالح أعمالنا ويتجاوز عن سيئها كما أسأله سبحانه أن يعز الإسلام والمسلمين وأن يظهر الهدى ودين الحق على الدين كله ولو كره المشركون وأن يجمع كلمة المسلمين على طاعته ويؤلف بين قلوبنا ، إنه سبحانه جواد كريم وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

المفتي العام للمملكة العربية السعودية

ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء

عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

"نشر بمجلة البحوث الاسلامية العدد 73 رجب-شوال 1425"

تسوق ماست اند هاربر السعودية أونلاين مع تخفيضات 25 - charles barkley nike shoes for sale cheap jordan , نمشي - 75% | Latest Releases , Ietp - Women's Nike Air Jordan 1 trainers - nike lunarglide 2 boys

المشائخ والعلماء: