بسم الله الرحمن الرحيم
للعلامة عبد المحسن العباد
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ، ونصح الامة ، اللهم صل وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه ، ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين .
أما بعد : فالسلام عليكم ايها الإخوة المسلمون المستمعون فى أمريكا ورحمة الله وبركاته ، وأسأل الله عز وجل لى ولكم العون والتسديد ، وأن يوقفنا جميعاً لما يرضيه .
وحديثى معكم فى الموضوع الذى رغبتم الحدجيث فيه ، وهو أثر العبادات فى حياة المسلم ، فأقول : العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والاعمال الظاهرة والباطنة وهذا هو أحسن ماقيل فى تعريف العبادة ، وللعبادة أهمية عظمى ، وذلك أن الله عز وجل خلق وأرسل وأنزل الكتب للأمر بعبادته والنهى عن عبادة غيره ، فقال سبحانه وتعالى ( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ) ، أى : خلقهم الله لأمرهم بعبادته ونهيهم عن معصيته ، وقال سبحانه وتعالى ( ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن أعبدوا الله وأجتنبوا الطاغوت ) وقال سبحانه : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ )
والعبادة أنواع كثيرة منها الخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والانابة والاستعانة والاستغاثة والذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة .
ومن العبادات ، أركان الاسلام وهى التى اشتمل عليها حديث جبريل المشهور ، حيث سأل النبى e عن الإسلام فقال : " أن تشهد أن الا إله الا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتى الزكاة ، وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " أخرجه مسلم فى صحيحه من حديث عمر t وهو أول حديث عنده فى كتاب الإيمان (8) .
وجاءت فى حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما حيث قال عليه الصلاة والسلام " بنى الاسلام على خمس ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاه ، وحج البيت ، وصوم رمضان " وهو أول حديث عند البخارى فى كتاب الايمان (8) ، وهو فى صحيح مسلم (19)
ثم إن العبادة لا بد فى قبولها من شرطين ،
احدهما :إخلاص العمل لله ؛ والثانى : تجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه و سلم ؛ فلا يشرك مع مع الله غيره ؛ولايصرف من انواع العباد ة شى لغير الله سبحانه وتعالى ؛ ولابد من تجريد المتابعه للرسول صلى الله عليه و سلم؛ فلا يعبد الله إلآ وفقا لما جاء به الرسول الكريم صلوات الله وسلآمه وبركاته عليه ،وهذا هو مقتضى شهادة ان لا إله إلاالله وشهادة ان محمداً رسول الله ؛لان مقتضى اشهد ان لا إله إلا الله إخلاص العمل لله وحده ، فلا يصرف شى من انواع العبادة لغيره ؛ بل تكون العبادات كلها خالصة لوجهه سبحانه وتعالى ، ومقتضى اشهد ان محمد اً رسول الله ان تكون العبادة وفقاً لما جاء عن الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم ، فلا يعبد الله بالبدع والمحدثات والمنكرات التى ماانزل الله تعالى بها من سلطان ، بل تكون العبادة وفقا للسنة ؛ ولما جاء به الرسول الكريم e والحاصل ان مقتضى اشهد ان لا اله إلاالله إحلاص العمل لله ؛ ومقتضى اشهد ان محمداًرسول الله تجريد المتابعه لرسول الله صلى الله عليه و سلم ؛فلا بد فى اى عمل من الاعمال ان يكون لله خالصاً وان يكون لسنة نبيه محمد صلى الله عليه و سلم موافقا ومطابقا ؛ فاذا اختل احد هذين الشرطين بان فقد الاخلاص ؛ او فقدت المتابعه ؛ او فقدا معا فان العمل مردود على صاحبه ؛ ولايقبل عند الله عزوجل ؛قال تعالى فى بيان رد العمل بسبب عدم الاخلاص : (وقدمنا إلى ماعملوا من عمل فجعلنه هباء منشورا ) وقال الرسول الكريم e فى بيان رد العمل إذا كان مبيناً على بدعة : "من احدث فى امرنا هذا ماليس منه فهو رد " رواه البحارى (2697 ) ؛ومسلم (1718 ) من حديث عائشة رضى الله عنها ؛ وفى لفظ لمسلم " من عمل عملاً ليس عليه امرنا فهو رد " .
وقال عليه الصلاة والسلام : "فانه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافاً كثيراً ؛ فعليكم بسنتى وسنه الخلفاء المهدين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ؛ واياكم ومحدثات الامور فإن كل محدثه بدعة ؛ وكل بدعة ضلالة " رواه ابو داود (4607) ؛ والترمذى (2676) من حديث العرباض ابن سارية ؛ وقال الترمذى : "حديث حسن صحيجح " وقد بين عليه الصلاة والسلام فى حديث الثلاث وسبعين فرقة الذين يدخل منهم النار اثننتان وسبعون فرقة ؛وفرقة واحدة تنجو؛ بين عليه الصلاة والسلام ان هذه الفرقة الناجية هم الذين كانوا على ماكان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم واصحابه الكرام رضى الله عنهم وارضاهم .وقال الامام مالك بن انس رحمة الله عليه :"لن يصلح احر هذه الامة إلا بما صلح به اولها " وقال رحمه الله : " من أبتدع فى الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة ، لأن الله يقول : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) فما لم يكن يومئذ ديناً " الاعتصام للشاطبي (1/28) .
ولا يكفى أن يقول الإنسان أنا أعمل بهذا العمل وإن لم يأت عن النبى e لأن قصدى طيب وقصدى حسن ، والدليل على هذا أن النبى عليه الصلاة والسلام لما بلغة أن رجلا من أصحابه الكرام ذبح أضحيته قبل صلاة العيد قال له عليه الصلاة والسلام : " شاتك شاة لحم " أى : ليست أضحية ، لانها لم تقع طبقا للسنة ، إذ إن السنة أن يبدأ ذبح الاضاحى بعد صلاة العيد ، أما الذبح قبل الصلاة فإن يكون فى غير وقته فلا يعتبر ، والحديث أخرجه البخارى (5556) ، ومسلم (1961) ، وقال الحافظ فى شرحه فى الفتح (10/17) : " قال الشيخ أبو محمد بن ابى جمرة : وفيه أن العمل وإن وافق نيه حسنة لم يصلح الا إذا وقع على وفق الشرع "
ومما يوضح ذلك أيضا أن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه ، صاحب الرسول الله صلى الله عليه و سلم جاء إلى أناس وقد تحلقوا فى المسجد ، ومع كل واحد منهم عدد من الحصى ، وفيهم رجل يقول سبحوا مائة هللوا مائة ، كبروا مائة ، فيعدون بالحصى حتى ياتوا بهذا الذكر ، يعدونه بذلك الحصى ، فوقف على رؤوسهم عبد الله بن مسعود رضى الله عنه فقال : "ما هذا الذى أراكم تصنعون ؟ قالوا : يا أبا عبد الرحمن ! حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح ، قال فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شئ ، ويحكم يا أمة محمد ! ما أسرع هلكتكم ! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه و سلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل ، وآنيته لم تكسر والذى نفسى بيده إنكم لعلى ملة هى أخدى من ملة محمد صلى الله عليه و سلم أو مفتتحو باب ضلالة ؟! قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير ، قال : وكم من مريد للخير لم يصيبه " ، هذا الاثر رواه الدارمى فى سننه (1/68 – 69 ) ، واورده الالبانى فى السلسلة الصحيحة (2005) .
وأما الاثار المترتبة على العبادات فمنها ، انشراح الصدر ، وراحة البال ، وسعة الرزق ، وسلامة الانسان وارتياحه واطمئنانه .
وقد جاء فى القرآن آيات كثيرة ، وفى السنة النبوية أحاديث عديدة ، تدل على تلك الاثار ، وعلى أن تقوى الله عز وجل والاعمال الصالحة يترتب عليها سعادة الدنيا وسعادة الآخرة .
قال الله عز وجل {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } فإن هذه الآية الكريمة أشتملت على ذكر العبادة وعلى ذكر الاثر المترتب عليها فى حياة المسلم ، وهى أن من اتقى الله عز وجل وآمن به فإن الله تعالى يثيبه ويعطية فى الحياة الدنيا من الرزق ، ويفتح عليه من بركات السماء والارض وذلك بانزال الأمطار ، وإخراج النبات والكنوز من الارض .
وقال عز وجل فى أهل الكتاب : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم) فإن هذه الاية الكريمة ، هى مثل تلك الاية السابقة ، ( لا كلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) يعنى من الارزاق التى ينزلها الله عز وجل اليهم من السماء بسبب المطر ، وكذلك من تحت أرجلهم مما ينبته الله عز وجل فى الأرض من النبات والزروع ، وكذلك مما يخرجه الله عز وجل من الكنوز ، وما ذكره الله فى هاتين الايتين عن أهل التقوى ، وأهل الكتاب هو من الثواب الدنيوى على الايمان والتقوى ، وأما الثواب الاخروى للمؤمنين المتقين فقد ذكره الله تعالى فى قوله ( ولو أن أهل الكتاب آمنوا وأتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولادخلناهم جنات النعيم )
وقال عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) وهذه عبادة ، ثم ذكر الاثر المترتب على ذلك بقوله : ( يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) فأن إصلاح الاعمال ومغفرة الذنوب فى الاخرة من الاثار المترتبة على العبادة ، فقد أشتملت هذه الاية الكريمة على ذكر آثار تترتب على العبادة فى الدنيا وفى الاخرة ، ففى الدنيا إصلاح الأعمال والتوفيق والسداد وأن يكون الإنسان يسير إلى الله عز وجل على بصيرة ، وفى الاخرة مغفرة الذنوب ، وتكفير السيئات .
وقال الله عز وجل : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقة من حيث لا يحتسب ) فهذه الآية الكريمة فيها أن تقوى الله عز وجل وهى عبادته وطاعتة بامتثال أوامره واجتناب نواهية يترتب عليها الاخراج من المآزق ومن الشدائد ، وكذلك يرزق الله عز وجل من أطاعة وأتقاه من حيث لايحتسب .
وقال تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً ) فإن من الاثار المترتبة على تقوى الله عز وجل أنت ييسر له الأمور ، وأن يهيئ له سبل الخير وأن يفتح الطرق التى توصله إلى سعادة الدنيا وسعادة الآخرة .
وقال عز وجل : ( ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً ) وهذا من الثواب الاخروى المترتب على تقوى الله سبحانه وتعالى .
وقال عز وجل : ( يأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) فهذاه الآية الكريمة تدل على أن من أتقى الله عز وجل ، وعمل بطاعتة وطاعة رسوله e يجعل له فرقانا يفرق به بين الحق والباطل ، ويسير إلى الله عز وجل على بصيرة وعلى هدى وهذا فى الدنيا ، وأما فى الاخره فيثيبه بتكفير السيئات ومغفرة النوب ، ومثل قول الله عز وجل فى صدر هذه الآيه ( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ) قول الله تعالى فى آخر آيه الدين : ( وأتقوا الله ويعلمكم الله )
وقال تعالى فيما حكاه عن نوح وقومه : ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا *يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ) فإن هذه الامور من الاثار المترتبة على العبادة ، فالعبادة هنا هى الاستغفار والاثار المترتبة عليها فى هذه الآية هى أنه يرسل السماء عليهم مدراراً ، ويمددهم بالاموال والبنين ، ويجعل لهم جنات ويجعل لهم أنهاراً
ومثل هذه الاية ما ذكره الله عن هود وقومه فى قوله ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ )
ومثلها أيضا ما ذكره الله عن نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وقومه فى قوله : ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ )
وقول تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) ففى هذه الآية الكريمة أن الايمان والعمل الصالح يترتب عليهما أن يحى الانسان حياة طيبة سعيدة ، معموره بتقوى الله وطاعتة وطاعة رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ، مع ما يحصله من الثواب الجزيل فى الآخره .
ومما جاء فى السنة المطهرة فى بيان ما تيرتب على العبادات من الاثار الطيبة فى حياة المسلم ما جاء فى وصية النبى الكريم e لابن عباس رضى الله عنهما حيث قال عليه الصلاة والسلام فى تلك الوصية العظيمة النفسية : " أحفظ الله يحفظك ، أحفظ الله تجده تجاهك ... " رواه الترمذى (2516) وقال : " حديث حسن صحيح " وقى لفظ آخر عند الامام أحمد (2803) : ( احفظ الله يحفظك ، أحفظ الله تجده أمامك تعرف إليه فى الرخاء يعرفك فى الشدة " وهذا الحديث هو الحديث التاسع عشر من الاربعين النووية وجاء فى شرحها للحفاظ أبن رجب فى كتابه جامع العلوم والحكم معان نفسية فى شرح هذا الحديث استفدت منه فى بيان معانى هذه الجمل من الحديث ، وحفظ الله عز وجل لعبده يدخل فيه نوعان : حفظه فى بدنه وماله وأولاده وأهله ، وكذلك حفظه فى دينه بأن يسلمك من الشبهات المضله ومن الشهوات المحرمة ، فيكون بذلك على سداد وعلى استقامة فى أمور دينه ودنياه ، وهذا من حفظ الله عز وجل لمن حفظه ، فالعبد يحفظ الله عز وجل بحفظ حدوده والقيام بأموامر واجتناب نواهيه ، والله تعالى يثيبه على ذلك الحفظ حفظا من جنس عمله ، والجزاء من جنس العمل .
فإن قوله " يحفظك " هذا جزاء ، وهو من الاثار المترتبة على العمل الصالح ، وهو جزاء من جنس العمل وقوله : " أحفظ الله تجده تجاهك " أى : أنك تجد الله عز وجل أمامك فيحوطك ويرعاك ، ويحفظك من كل سوء وقوله عليه الصلاة والسلام : " تعرف إلية فى الرخاء يعرفك فى الشدة " أى : أنك إذا لزمت طاعة الله وطاعة رسوله e فى حال رخائك ، وفى حال سعتك ، فإن الله عز وجل يثيبك بأن يحفظك فى الشدائد وفى حال وقوعك فى المآزق .
ومما يوضح أن من تعرف إلى الله عز وجل فى الرخاء عرفه الله تعالى فى الشدة ما جاء فى قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فانحدرت عليهم صخرة ، وسدت باب الغار فلم يستطيعوا أن يخرجوا فصاروا فى قبر وهم أحياء فتذاكروا فيما بينهم ، فرأوا أن السبب الذى يخلصهم الله عز وجل به مما هم فيه من الشدة ، أن يبحثوا عن أعمال صالحة عملوهم لله عز وجل فى حال الرخاء ، فيتوسلوا بها إلى الله عز وجل فى هذه الشدة التى وقعوا فيها ، فترسل أحدهم إلى الله عز وجل ببره لوالديه ، وتوسل الثانى بتركه الزنى مع قدرته عليه ، وتوسل الثالث بحفظ حق أجيره وتنمية له لما ذهب أخذه ، فكل واحد منهم توسل إلى الله عز وجل بعمل صالح عمله لله عز وجل فى حال رخائه ، فأزاح الله تعالى تلك الصخرة ، وخرجوا يمشون.
وقصة هؤلاء الثلاثة جاءت فى صحيح البخارى (2215) ، ومسلم (2743) من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما .
ثم إن من العبادات الصلاة والزكاة والصيام والحج ، وكل واحدة منها لها آثار طيبة فى حياة المسلم .
فالصلاة هى عمود الإسلام ، وهى التى تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وهى صلة وثيقة بين العبد وبين ربه ، فإذا حافظ الإنسان على الصلوات فى المساجد جماعة مع المسلمين فأن تقوى صلته بالله عز وجل ، لأنه يكون على صلة بالله دائما وأبداً فى اليوم والليلة . يصلى لله خمس مرات صلوات مفروضة وكذا ما يأتى به من النوافل فإن الله سبحانة وتعالى يثيبة على ذلك كله ، فيبعده عن الفحشاء والمنكر ، لانه إذا هم بمعصية وهم بأمر منكر ، تذكر لماذا يصلى ؟ ولماذا يلازم الصلاة ؟ إنه يفعل ذلك رغبة فيما عند الله من الثواب وهوفا مما عنده من العقاب ، فإن صلاته تنهاه عن الفحشاء والمنكر ، فيكون بعيداً عن الفحشاء وبعيداً عن المنكر ، قال الله عز وجل : ( وأقم الصلوة إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) .
ثم إن الزكاة آثارها عظيمة ، فهى تطهر النفس من الشح والبخل ، وتطهر المال ، وتكون سبباً فى نمائه وكثرته ، ويحصل بها ما يسمى فى هذا الزمان ( بالتكافل الاجتماعى ) وهو أن الاغنياء عندما يخرجون زكاة أموالهم ويعطونها للفقراء ، فإن الفقراء تنسد بذلك حاجاتهم ويحصل لهم القوت بسبب هذا الحق الذى فرضه الله عز وجل فى أموال الاغنياء ، وقد جاء فى حديث معاذ بن جبل المتفق على صحته قوله صلى الله عليه و سلم " فإن هم أجابوا لذلك – أى أستجابوا للصلاة – فأعلمهم أن الله أفترض عليهم صدقة فى أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم " ففى إخراج الزكاة نفع كبير للاغنياء حيث تتطهر نفوسهم وتنمو أموالهم ، ويثابون علي إحسانهم إلي إخوانهم المسلمين ، الذين حصل لهم الفقر ، وحصلت لهم الفقة والشدة ، فيحصل إغناؤهم بهذه الصدقة التي تسد حاجتهم ، وتقضي عوزهم ، والله عز وجل غرض الزكاة في أموال الأغنياء علي وجه ينفع الفقير ، ولا يضر الغني ، فهي جزء يسير من مال كثير تفضل الله عز وجل به وجاد ، وأوجب ذلك القسط القيل الذي لا يؤثر علي الغني إخراجه وهو ينفع ذلك الفقير الذي أعدم ولم يحصل له شيء من المال ومن الآثار الحسنة المترتبة علي الصدقة والإحسان إلي المساكين ما جاء في صحيح مسلم ( 2984 ) من حديث أبي هريرة رضى الله عنه عن النبيصلى الله عليه و سلم قال : " بينما رجل بفلاة من الأرض ، فسمع صوتاً في سحابة : اسق حديقة فلان ، فتنحي ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة ، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله ، فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقة يحول الماء بمسحاته ، فقال له : يا عبد الله ما أسمك ؟
قال : فلان ، للاسم الذي سمع في السحابة ، فقال له : يا عبد الله لم تسألني ؟ فقال : إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول : اسق حديقة فلان لا سمك ، فما تصنع فيها ؟ قال : أما إذ قلت هذا ، فإني أنظر إلي ما يخرج منها ، فأتصدق بثلثه ، وآكل أنا وعيالي ثلثاً ، وأرد فيها ثلثه " . وفي رواية له : " وأجعل ثلثه في المساكين والسائلين وابن السبيل " .
وأما الصيام فإن آثاره عظيمة ، ونتائجه كبيرة ، وذلك أن في الصيام جنة ، كما قال رسول الله e : " الصيام جنة " رواه البخاري ( 1894 ) ، ومسلم ( 1151 ) ، فهو جنة من النار ، ووقاية منها في الدار الآخرة ، وهو جنة من المعاصي ؛ إذ إن فيه إضعاف قوة الشهوة في النفس فيكبح جماحها ، ويحول بينها وبين أن تقع في المزالق ، وتقع في الأمور المحرمة ، بسبب التمتع بالنعم والتلذذ بها ، فأن النفس قد تقدم بسبب ذلك علي ما لا تحمد عقباه في الدنيا والآخرة ، ولهذا قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام : " حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات " رواه البخاري ( 6487 ) ومسلم (2822 ) ، واللفظ لمسلم ، فالطريق إلي الجنة يحتاج إلي صبر علي طاعة الله عز وجل ، ويحتاج إلي صبر عن المعاصي ، والطريق إلي النار محفوف بالشهوات ، فإذا ابتعد الإنسان عن تلك الشهوات ظفر بالسلامة وإذا أقدم علي الشهوات فإن ذلك قد يوقعه في الأمور المحرمة ، وتكون لذة عاجلة ولكن يعقبها حسرة وندامة وخزي وعار في الدنيا والآخرة ، وقد جاء في الحديث المتفق علي صحته عن عبد الله بن مسعود t أن الرسول e قال الإنسان إذا كان قادراً علي الزواج ، فعليه أن يبادر إليه الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وهو الصيام ؛ لأنه حمية ووقاية من أن يقع الإنسان في المعاصي ، وذلك لما يحصل في الصوم من إضعاف النفس وعدم تمكنها من الأمور التي كانت تتمكن منها في حال التنعم في المآكل والمشارب .
والحاصل لأن هذا توجيه نبوي كريم من الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم للشباب أن يقدموا علي الزواج إذا تمكنوا من ذلك وقدروا عليه ، وإذا لم يستطيعوا فإنهم يكبحون جماع نفوسهم بالصيام .
وفي صيام الأغنياء إحساسهم بألم الجوع ، فيتذكرون نعمة الله عليهم بالغني فيشكرون الله عز وجل ويشعرون بأن لهم إخواناً يتألمون من الجوع من غير صيام ؛ لأنهم لا يجدون ما يسد رمقهم فيكون ذلك حافزاً لهم علي الإحسان إلي المساكين والبذل للمعوزين والمحتاجين .
وأما الحج فإنه عبادة عظيمة ، افترضها الله عز وجل علي عباده في العمر مرة واحدة ، وهي تشتمل علي أمور تتعلق بالمال ، وأمور تتعلق بالبدن ، ولها آثار طيبة ، ونتائج حميدة في حياة الإنسان ، وقد جاء عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام : " العمرة إلي العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " رواه البخاري ( 1773 ) ، ومسلم (1349 ) عن أبي هريرة رضى الله عنه ، وسئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أفضل الأعمال فقال : " الإيمان بالله ورسوله ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : حج مبرور " رواه البخاري ( 26 ) ، ومسلم (83 ) عن أبي هريرة رضى الله عنه ، وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه " رواه البخاري ( 1521 ) ، ومسلم ( 1350 ) عن أبي هريرة رضى الله عنه ، والحج المبرور هو الذي يأتي به الإنسان مطابقاً لسنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وعلامته أن يكون بعد الحج أحسن منه قبل الحج ، فإذا تحولت حال الإنسان بعد الحج من حال سيئة إلي حال حسنة ، أو من حال حسنة إلي حال أحسن فهي العلامة الواضحة لكون حجة مبروراً .
ثم أيضاً يترتب علي أداء الحج والعمرة أنه يتقرب إلي الله عز وجل بعبادات لا وجود لها إلا في ذلك المكان ، مثل الطواف ، فأن الطواف عبادة جعلها الله من خصائص بيته العتيق ، فإذا وصل إلي مكة طاف بالبيت العتيق ، وتقرب إلي الله عز وجل بعبادة لو لم يصل إلي مكة لما تقرب إليه بها ؛ لأنه لا وجود لها إلا حول الكعبة المشرفة ، ويستذكر بذلك ويستشعر أن أي طواف يكون في أي مكان من الأرض ليس مما شرعه الله عز وجل ، فلا يجوز لأحد أن يطوف بضريج من الأضرحة ، أو بأي بقعة من الأرض سوى الكعبة المشرفة . ومن ذلك تقبيل واستلام الحجر الأسود ، واستلام الركن اليماني ، فإن الله عز وجل لم يشرع للمسلمين أن يتقربوا إليه بتقبيل حجارة أو استلامها إلا في هذين الموضوعين ، ولهذا لما جاء عمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنه وأرضاه إلي الحجر الأسود وقبله قال : " إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله e يقبلك ما قبلتك " رواه البخاري ( 1597 ) ، ومسلم ( 1270 ) .
ومن الآثار المترتبة علي الحج والعمرة أن المحرم عندما يتجرد من ثباته ويلبس إزاراً ورداء يستوي فيه الغني والفقير ، يتذكر بهذا اللباس إزاراً ورداء يستوي فيه الغني والفقير ، يتذكر بهذا اللباس لباس الأكفان عند الموت ، فيستعد له بالأعمال الصالحة التي هي خير زاد كما قال تعالي : ] وتزودوا فإن خير الزاد التقوى [
ومن ذلك أيضاً أن في اجتماع الحجاج في عرفة تذكيراً باجتماع الناس في الموقف يوم القيامة فيكون ذلك حافزاً للاستعداد لذلك اليوم بالأعمال الصالحة .
وفي الحج يلتقي المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها ، فيتعارفون ، ويتناصحون ، ويعرف بعضهم أحوال بعض ، فيتشاركون في الأفراح والمسرات ، كما يشارك بعضهم بعضاً في الأمة ، ويرشده إلي ما ينبغي له فعله ، ويتعاونون جميعاً علي البر والتقوى كما أمرهم الله سبحانه بذلك .
والحاصل أن هذه العبادات العظيمة التي شرعها الله عز وجل ، وبني عليها دينه الحنيف ، تترتب عليها آثار طيبة في حياة المسلم الدنيوية ، وآثار عظيمة في حياته الأخروية .
وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً لما يرضيه ، وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه ، وأن يجعلنا هداة مهتدين ، إنه سبحانه جواد كريم ، وصلي الله وسلم وبارك وأنعم علي خير أنبيائه ورسله نبيناً وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله ، وعلي آله وأصحابه ، ومن سلك سبيله واهتدي بهداه ، والحمد لله رب العالمين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
75% - تسوق أونلاين في السعودية مع خصم 25 , أحذية ازياء رياضية الجري للرجال , adidas copa mundials in color today schedule 2016 , نمشي | Nike Court Royale AC sneakers in white & black , FaoswalimShops , old school nike air force 1 hour time of dying