الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
رد على كتاب (مفاهيم يجب أن تصحح لمحمد بن علوي المالكي)
الباب الأول
وفيه مباحث
1ـ معنى الوسيلة
2ـ تخريج الآثار والأخبار التي استدل بها كاتب "المفاهيم"
3ـ رد استدلالات الكاتب بما ساقه من آثار
قال ص 45:
"الوسيلة: كل ما جعله الله سببا في الزلفى عنده، ووصلة إلى
قضاء الحوائج منه. والمدار فيها على أن يكون للوسيلة قدر وحرمة
عند المتوسل إليه" ا هـ.
أقول: كلامه حوى جملتين الأولى من الحق، والثانية فيها إجمال به يتوصل إلى ما نهى الله عنه، ولم يجعله وسيلة.
فقول: "والمدار فيها.. الخ! مجمل يمكن تفسيره على أحد وجهين:
الأول: أن يدخل في ذلك ذوات الأنبياء والصالحين باعتبار أن لهم من المنزلة والزلفى عند الله ما يجل عن الوصف.
فإن كان هذا معنيا، فالله سبحانه وتعالى لم يجعل ذوات الأنبياء والصالحين أو جاههم أو حرمتهم وسيلة إليه ولا سببا للزلفى لديه. وإنما جعل الوسيلة إليه هو اتباعهم وتصديق ما أخبروا به، وأتباع
النور الذي جاءوا به، والجهاد من أجل تقريره وتثبيته بين الخلق، فهذا من الوسائل المشروعة التي يشرع للداعي بمسألة أن يقدمها بين يدي مسألته، ولا يصح للداعي دعاء عبادة دعاؤه إلا باتباعهم
وتصديقهم.
فهذا من الوسائل المشروعة التي أمر الله بها، وشرعها.
وأما الأنبياء والصالحون فليس من المشروع التوسل بذواتهم ولا جاههم ولا حرمتهم كما سيأتي بيانه.
وإنما يشرع التوسل بدعائهم في حياتهم كما كان يفعله المسلمون زمنه صلى الله عليه وسلم وبعده من طلب الدعاء في الاستسقاء وغيره.
وأما بعد مماتهم فليس التوسل بدعائهم ولا ذواتهم مشروعا بإجماع القرون المفضلة.
الثاني: أن تكون الوسائل من الأعمال ونحوها مشروعة، لم تتبع فيها سبل المبتدعة، وإنما اتبع فيها السنة، وهذا حق.
والكاتب أجمل ليدخل الوسيلة المبتدعة في خلل كلمات الحق، وقد بينا ما فيها، وما كان ينبغي له ذلك وهو يفسر آية من كتاب الله.
وفي الوسيلة قولان ذكرهما أهل التفسير، وقربهما ابن الجوزي في (زاد المسير" (2/348) قال:
(أحدهما: أنه القربة، قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد والفراء. وقال قتادة: تقربوا إليه بما يرضيه. قال أبو عبيدة: يقال: توسلت إليه، أي: تقربت إليه. وأنشد:
إذا غفل الواشون غدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل
الثاني: المحبة، يقول: تحببوا إلى الله. هذا قول ابن زيد) 1 هـ.
وفي أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس: أخبرني عن قوله تعالى : (وابتغوا إليه الوسيلة)، قال: الوسيلة الحاجة. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت عنترة وهو يقول:
إن الرجال لهم إليك وسيلة أن يأخذوك تكحلي وتخضبي
وفي المادة شواهد غير ما ذكر.
فالوسيلة: التقرب إلى الله بأنواع القرب والطاعات، وأعلاها إخلاص الدين له، والتقرب إليه بمحبته ومحبة رسوله ومحبة دينه ومحبة من شرع حبه، بهذا يجمع ما قاله السلف،. وقولهم من اختلاف
التنوع.
وتأمل قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة)، ففي تقديم الجار والمجرور (إليه) إفادة اختصاص الوسائل بالله، لا يشركه معه فيها أحد. كما في ( إياك نعبد وإياك نستعين).
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله في (تفسيره) (98/2):
"التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وتفسير ابن عباس داخل في هذا، لأن دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته.
وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهال، المدعين للتصوف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه أنه تخبط في الجهل والعمى، وضلال مبين، وتلاعب بكتاب الله تعالى. واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار كما صرح به
تعالى في قوله عنهم (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) وقوله (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون).
فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريقة الموصلة إلى رضا الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل. (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به) الآية" انتهى كلامه.
قال الكاتب ص 43:
"إن التوسل ليس أمرا لازما أو ضروريا، وليست الإجابة متوقفة عليه، بل الأصل دعاء الله تعالى مطلقا، كما قال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب .. " انتهى.
أقول: إذا كان الأصل هو دعاء الله تعالى بلا واسطة، فلم العدول عن الأصل إلى غيره، ولا يخفى أن غير الأصل لا يتمسك به إلا من عدم الأصل، والله جل جلاله حي قيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، يحب أن يدعوه عبده، وأن يرجوه، وأن يخافه، وأن يتوسل إليه بأسمائه وصفاته. فإذا كان هذا لا ينقطع عن مسلم في أي بقعة كان وهو الأصل الأصيل، فلم العدول عنه، والتنكب له، أ فتعدل إلى طريق هي أهدى.
تقول: إن التوسل الذي ننكره وهو التوسل بالذوات وعمل غير الداعي ونحوها، ليس الأصل، بل الأصل. معكم وأنتم حقيقون بالأصل. تقر لنا بالهداية والاتباع، وترغب في مخالفة الأصل دون دليل
صحيح.
أما في الأصل لك كفاية؟ أما في دعاء الله وحده بلا واسطة لك مقنع؟ إذا كان الحي القيوم الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء يحب أن يدعوه عبده كل حين: دعاء عبادة أو دعاء مسألة،
وهو الذي يقول: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) إذا كان كذلك فلم العدول إلى الأموات تتوسل بذواتهم أو جاههم أو حرمتهم وغيرها من الألفاظ البدعية؟
لم لا يُعلم المسلمون دعاء الله وحده، فتخلص قلوبهم من الالتفات إلى غيره في دفع كربة أو رفع بلاء، أو جلب نفع؟
علموهم هذا ولا تعلقوا قلوبهم بغير الله فيتخذوهم أندادا، فيذهب ذكرهم لربهم وحده، وحبهم له وحده، إذ نفعهم معلق في أذهانهم بوسائط.
إن من انفتح عليهم باب البدعة في التوسل ألقى بهم ولو بعد حين إلى دائرة الإشراك، إذ هو طريقه وسبيله ومنه يتدرج إلى دعاء الأموات أنفسهم أو سؤالهم الشفاعة، أو الإغاثة، أو الإعانة. وكل هذه صرح كاتب المفاهيم بتجويزها في مواضع من كتابه، كما سيأتي في مباحث الشفاعة.
وكل ذلك من سيئات ترك الأصول المتفق عليها، واتباع المتشابهات المنهي عنها.
قال الكاتب ص 44:
"ونحن نرى أن الخلاف شكلي، وليس بجوهري، لأن التوسل بالذوات يرجع في الحقيقة إلى توسل الإنسان بعمله، وهو المتفق على جوازه "
أقول: هذا خطل من القول، ومخادعة للنفس ظاهرة، إذ المتوسلون بالذوات يعلمون بُعد هذا التبرير والتأويل، وأن الخلاف جوهري لا صوري، وبرهان ذلك فساد الدليل الذي ادعيتموه، وهو راجع إلى المجاز العقلي، والكلام فيه سيأتي مفصلا، ثم هل عمل الذات المتوسَّل بها عمل للمتوسِّل المتفق على جوازه؟
ولكنى أقول هنا على سبيل المجاراة والمناظرة: هب أن الخلاف شكلي. أفلا يجب عليكم ترك الألفاظ الموهمة لأمور غير شرعية؟ فإن القائل: أتوسل بفلان، دال ظاهر لفظه على التوسل بالذات المجردة عن الجامع بين الذاتين، ولا قرينة لفظية ولا غير لفظية متصلة ولا غير متصلة تصرفه عن هذا الظاهر.
والقرينة المدعاة قلبية خفية، والحكم على ما في قلوب الناس فرع الاطلاع عليها، ولا سبيل إلى ذلك.
ومن المتقرر أن الشريعة المطهرة جاءت بترك الألفاظ الموهمة لما ينهى عنه شرعأ، كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم). فقد كانت يهود تستعمل "راعنا" للسب، والمسلمون حين قالوها لا يشركونهم في ما عقدت قلوبهم عليه من تفسير اللفظ، ومن اليقين أن الصحابة لم يقولوا اللفظ وهم يعنون المعنى الفاسد، فهذه من أقوى القرائن القلبية. ومع هذا نهوا عن ذلك.
قال القرطبي في "تفسيره " (75/2):
"في هذه الآية دليلان: أحدهما: على تجنب الألفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص والغض.
الدليل الثاني: التمسك بسد الذرائع وحمايتها) انتهى.
وقال الجصاص في (أحكام القرآن) (58/1): "وقوله (راعنا) وان كان يحتمل المراعاة والانتظار، فإنه لما احتمل الهزء على النحو الذي كانت اليهود تطلقه نهوا عن إطلاقه، لما فيه من احتمال المعنى المحظور اطلاقه، ومثله موجود في اللغة" ثم قال: (وهذا يدل على أن كل لفظ احتمل الخير والشر فغير جائز إطلاقه حتى يقيد بما يفيد الخير" انتهى كلام الجصاص.
فتأمل كيف أن الصحابة استعملوا هذا اللفظ وهم أبعد الناس عن إرادة معنى الهزء والتنقص، فنهاهم الله تعالى عن ذلك اللفظ لما فيه من الاشتراك، ولم يكف في تجويز استعماله ما قام بقلوبهم و نياتهم من المعنى الخير الصحيح. وهذا جلي لمن تجرد!
قال ص 44:
"ومحل الخلاف في مسألة التوسل هو التوسل بغير عمل المتوسل، كالتوسل بالذوات والأشخاص. بأن يقول اللهم إني أتوسل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، أو أتوسل إليك بأبي بكر الصديق أو بعمر بن الخطاب أو بعثمان أو بعلي رضي الله عنهم).
أقول: الواجب عند الاختلاف الرد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهم أصحابه الكرام رضى الله عنهم، كما قال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).
ومسألة التوسل بالذوات، وكذا التوسل بأعمال من انقضى سعيهم، لا خلاف عند السلف من الصحابة والتابعين أنها ليست من الدين، ولا هي سائغة في الدعاء. وبرهان ذلك أنه لم ينقل عن واحد منهم بنقل صحيح مصدق أنه توسل بأحد الخلفاء الأربعة أو العشرة أو البدريين. والعمل على وفق ما فهموه هو المنجي كما فضل في "السلف والسلفية، من هذا الكتاب، ومن ابتغى نهجا جديدا فهو الخَلَفي، وليس له حظ منهم.
إذا تقرر هذا، فالتوسل بالذوات ونحو ذلك ممنوع لأوجه:
الأول: أنه بدعة لم تكن معروفة عند الصحابة والتابعين، وكل بدعة ضلالة، وليس على الله أكرم من الدعاء، وفي الحديث: "الدعاء هو العبادة" أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما بإسناد صحيح
عن النعمان بن بشير.
فإذا كان عبادة بل هو العبادة فإحداث أمر في العبادة مردود باتفاق العلماء.
الثاني: أن قول القائل: أتوسل بأبي بكر وعمر... خطأ محض، جره إليه سقم فهمه، وكثافة ذهنه، واعتقاده أن كل شيء توسل به يكون وسيلة، وهذا غلط.
فمن قال أتوسل بأبي بكر مثلا فقد جمع بين ذاتين لا وسيلة ولا طريق توصل وتجمع أحدهما بالآخر، فكأنما هذا القائل قد لفظ لفظا لا معنى له، بمنزلة من سرد الأحرف الهجائية، إذ لا اتصال بين ذات المتوسِّل والمتوسَّل به حتى يجمع بينهما.
فلا بد من جامع يتوسل به، وهو حب الصحابة مثلا، وهو من عمل المتوسل، فإذا قال: أتوسل إليك رب بحبي لأبي بكر، أو بحبي لعمر، أو بحبي لصحابة نبيك كان هذا حسنا مشروعا.
وكذا إن قال: أتوسل إليك بتوقيري وتعزيري وحبي واتباعي لنبيك نبي الرحمة كان هذا من الوسائل النافعة.
فلازمٌ ذكر الإيمان أو العمل الصالح الذي يصل بين ذاتين لا يجمع بينهما إلا بجامع. كما حكى الله عن عباده المؤمنين قولهم: (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) وقوله:(ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا
سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار) والآيات في هذا الباب كثرة.
فإذا كان خيرة الخلق الأنبياء والرسل واتباعهم وحواريوهم لم يحيلوا على ما في قلوبهم بل قالوا بلسانهم ما حواه جنانهم، وهم الذين لا يشك بما في قلوبهم أفلا يكون الخلوف الذين جاؤوا من بعدهم أولى وأحرى أن يفصحوا وأن يظهروا، وأن لا يتحيلوا لفاسد قولهم بالمجاز العقلي؟!
الثالث: أن الصحابة فهموا من التوسل التوسل بالدعاء لا بالذوات، فعمر بن الخطاب. رضى الله عنه توسل بدعاء العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، ومعاوية بن أبي سفيان توسل بدعاء يزيد بن الأسود.
ولو كان التوسل بالذوات جائزا عندهم لأغناهم عن تكلف غيره، ولتوسلوا بذات أكرم الخلق وأفضل البشر وأعظمهم عند الله قدرا ومنزلة، فعدلوا عن ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم الموجودة في القبر، إلى الأحياء ممن هم دونه منزلة ورتبة. فعلم أن المشروع ما فعلوه، لا ما تركوه.
قال الشهاب الألوسي في اروح المعاني " (6/113) في الكلام على عدول الصحابة: "وحاشاهم أن يعدلوا عن التوسل بسيد الناس إلى التوسل بعمه العباس وهم يجدون أدنى مساغ لذلك.
فعدولهم مع أنهم السابقون الأولون، وهم أعلم منا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبحقوق الله تعالى، ورسوله عليه الصلاة والسلام، وما يشرع من الدعاء وما لا يشرع، وهم في وقت ضرورة ومخمصة، يطلبون تفريج الكربات وتيسير العسير وإنزال الغيث بكل طريق:
دليل واضح على أن المشروع ما سلكوه دون غيره " انتهى.
الرابع: أن يقال تنزلا: لا يخلو التوسل بالذوات أن يكون أفضل من التوسل بأسماء الله وصفاته، والأعمال الصالحة أو لا . فإن قيل التوسل بالذوات أفضل فهو قول كفري باطل. وإن كان التوسل
بأسماء الله وصفاته وبالأعمال الصالحة أفضل فلم ينافح عن المفضول، وتترك نصرة الفاضل وتأييده ونشره وتعليمه للناس.
***قال كاتب المفاهيم ص 46:
"وقد جاء في الحديث أن آدم توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم. قال الحاكم في المستدرك: حدثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل حدثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي حدثنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفهري حدثنا إسماعيل بن مسلمة أنبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أعن أبيه، عن جده عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي... الحديث.
أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه [ج 2 ص 651] ورواه الحافظ السيوطي في الخصائص النبوية وصححه. ورواه البيهقي في دلاثل النبوة، وهو لا يروي الموضوعات، كما
صرح بذلك في مقدمة كتابه. وصححه أيضا القسطلاني، والزرقاني في المواهب اللدنية ج 2
ص 62، والسبكي في شفاء السقام.
قال الحافظ الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه من لم أعرفهم. "مجمع الزوائد، (ج 8 ص 253) 10 هـ كلام الكاتب.
أقول: هذه الأسطر حوت أغلاطا، واستغفالا، وتحريفا، مما سأبينه إن شاء الله. وما كنت أظن أن يتجاهل الجاني على نفسه، المعجب بعلمه، علماء زمانه، ومن انتسب للعلم من أتباعه حتى
يكتب ما كتب على هذا الحديث وما بعده من الأحاديث.
ولي مع الكاتب هنا وقفات ثلاث:
الأولى: في ماكتبه، وفي عزوه الحديث لمن خرجه.
الثانية: في الكلام على رواية الحديث.
الثالثة: في النظر في متن الحديث ودرايته.
أما الأولى: فينتظم عقدها أمورا:
الأول: عزوه الحديث فيه قصور، فقد رواه جماعة من طبقة
مشايخ الحاكم ومن نحو طبقته ومن بعدهم، وكلهم رووه من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فكثرتهم لا تفيد الخبر قوة، ولذا لن أذكر أولئك حتى لا يستكثر بهم الجهول بالحديث واصطلاحات
أهله.
الثاني: ساق إسناد الحاكم ولم يحسن النقل فقد سقط من الإسناد [عن أبيه] وألحقتها بالإسناد، ووهم أيضا في توثيق النقل من المستدرك، فذكره مرتين ج 2 ص 651،، وهذا قلب وخطأ، وليس
سبق قلم لأنه تكرر مرات. ثم طالعت رسالة "إعلام النبيل " لواعظ بالبحرين فوجدته عزاه كما هنا ج 2 ص 651،، وقد طبع قبل المفاهيم، فتأمل تواردهم على التقليد في كل شيء!
وصواب التوثيق (2/615)، والمستدرك لم يطبع إلى هذه السنة إلا طبعة هندية واحدة.
وقال: وصححه، يعني الحاكم وهذا غلط، فالحاكم كتب: "صحيح الإسناد"، والمشتغلون بالحديث يفرقون بين صحة الإسناد وصحة الحديث.
الثالث: قوله: "ورواه الحافظ السيوطي... وصححه " من عجائب مفاهيمه، ومما يدل على عدم تعاطيه علم الحديث- وإن أعطي ـ شهادة الزور- لأن قوله "رواه " خطأ لا يستعمله المحدثون، فمن يذكر الحديث ويسوقه في كتاب له مستدلا به على مراده لا يجوز أن يقال إنه رواه. فكلمة "رواه" لا تقال إلا لمن ساق حديثا أسنده عن مشايخه، إلى منتهاه.
وأما قوله: "وصححه " فأعجب، إذ أن السيوطي لم يعقب الحديث بتصحيح في "الخصائص" الذي نقل منه تصحيحه، وهذا افتراء على السيوطي. والكاتب- لضعفه العلمي- أخذ قول السيوطي في مقدمة الخصائص (1/8): "ونزهته عن الأخبار الموضوعة وما يرد" فعممه، وقول السيوطي لا يفيد صحة كل ما يورده.
ولذا صرح بضعف إسناد الحديث في كتابه الآخر "مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفاء" ص 3 (طبع بمصر طبعة حجرية سنة 1276). والسيوطي في، "الخصائص" اتبع أبا نعيم في "الخصائص" له، وإن كان الإسناد مظلما، أو كان المتن منكرا، صرح بهذا في كتابه (1/47) فقال بعد ذكره حديثين شديدي النكارة: "ولم تكن نفسي تطيب بإيرادهما، ولكني تبعت الحافظ أبا نعيم في ذلك " أهـ.
الرابع: قال عن البيهقي "وهو لا يروي الموضوعات" أهـ.
أقول: لِم لَم ينقل ما قاله البيهقي نصا بعد رواية الحديث، لم يجعل ديدنه التلبيس والإجمالات التي تلبس على البسطاء، فهو دائما طاوٍ للذي يقوض دليله.
قال البيهقي في "دلائل النبوة" (489/5) بعد سياقه الحديث: "تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف " ا هـ.
وكلمة البيهقي هذه غالية، يعرف قدرها المحدثون، أما المبتدعة فلا يعرفون إلا الإجمال، شأن الطلبة الذين لا يعرفون مصطلحات أهل العلم.
قال الحافظ الذهبي في "ميزان الإعتدال" (3/ 40 ا- 141):
"وإن تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكرأ" ا هـ. فإذا كان هذا شأن الصدوق، وشأن من دونه ممن خف حفظهم وكثر نسيانهم وضاع أكثر ضبطهم، فما بالك بتفرد الضعيف الذي أجمع أهل العلم بالجرح والتعديل على عدم تعديله، فقال بعضهم كالحاكم أحاديثه موضوعة، مما ستقف عليه إن شاء الله تعالى.
الخامس: قال الكاتب: "وصححه القسطلاني ".
أقول: هذا كتاب المواهب فهل صححه، أم أنه ذكر كلام البيهقي الذي سلف. ونصه (1/ 76 مع شرحه): (وقال- أي البيهقي-: تفرد به عبد الرحمن " هذا كلام القسطلاني، وفهم مراده شارح المواهب الزرقاني فقال: "تفرد به عبد الرحمن، أي: لم يتابعه عليه غيره، فهو غريب مع ضعف راويه " ا هـ.
والقسطلاني في المواهب وبعض كتبه الأخرى ينقل عن السيوطي في مؤلفاته دون عزو إليه، وجرت في ذلك كائنة تحكى نقلها ابن العماد في "شذرات الذهب "، وأسوقها ليعلم أن القسطلاني في المواهب يأخذ كلام غيره فلا يتكثر به في "التصحيح "، وليس معدودا في أهل التخريج والتعديل والتجريح وإنما هو ناقل[1][1])، قال ابن العماد(8/122ـ123): "ويحكى أن الحافظ السيوطي كان يغض منه ويزعم أنه يأخذ من كتبه ويستمد منها، ولا ينسب النقل إليها، وأنه ادعى عليه بذلك بين يدي شيخ الإسلام زكريا، فألزمه ببيان مدعاه، فعدد مواضع قال إنه نقل فيها عن البيهقي، وقال: إن للبيهقي عدة مؤلفات فليذكر لنا ذكره في أي مؤلفاته لنعلم أنه نقل عن البيهقي فنقله برمته، وكان الواجب أن يقول: نقل السيوطي عن البيهقي. وحكى الشيخ جار الله بن فهد أن الشيخ رحمه الله قصد إزالة ما في خاطر الجلال السيوطي، فمشى من القاهرة إلى الروضة إلى باب السيوطي ودق الباب. فقال له: من أنت؟ فقال: أنا القسطلاني، جئت إليك حافيا مكشوف الرأس ليطيب خاطرك علي، فقال له: قد طاب خاطري عليك، ولم يفتح له الباب، ولم يقابله " انتهى النقل عن الشذرات.
وللسيوطي كتاب سماه: "الفارق بين المصنف والسارق " لعله- ولا أجزم- يعني القسطلاني حيث قال فيه: "وأغار على عدة كتب لنا أقمنا في جمعها سنين، وتتبعنا فيها الأصول القديمة، وعمد إلى كتابي "المعجزات والخصائص " الطويل والمختصر، فسرق جميع ما فيها بعباراتي التي يعرفها أولو البصر" انتهى.
السادس: قوله: وصححه الزرقاني في " المواهب اللدنية" (ج2 ص 62).
أقول: ليس للزرقاني كتاب باسم المواهب، وكأن الكاتب أراد شرح المواهب. ثم إن الزرقاني ضعفه ولم يصححه، فقال (1/ 76): "هو غريب مع ضعف راويه "، فلم ينقل الكاتب ما ليس صحيحا، ويحرف وكم هو يجيد التلبيس، ولمَ يوثق نقله توثيقا خطأ فيحيل إلى- ج 2 وهو في الجزء الأول.
السابع: قال في تعداد من صحح الحديث: "والسبكي في شفاء السقام"، والسبكي قلد الحاكم في تصحيحه، والمقلد لا يستكثر به. قال السبكي ص 163: "وقد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم "
ا هـ. والسبكي مقر بوجه ضعفه لكنه قال: "عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لا يبلغ في الضعف إلى الحد الذي ادعاه".
الثامن: أسقط من نقله عن الهيثمي عزو الحديث إلى "المعجم الصغير" للطبراني، فلزم التنبيه.
الوقفة الثانية:
الكلام على الرواية، وإسناد الحديث
مما سبق سطره ورسمه تجلى أن الحديث لم يقل بصحة إسناده إلا الحاكم، قال الحاكم في المستدرك (2/ 615) "صحيح الإسناد[2][2] وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم " انتهى، ومدار
الحديث عند كل من أخرجه مرفوعا على عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا الموضع أن الحاكم لا يقبل كلامه هنا عند التحقيق العلمي، وذلك لأمور:
الأول: أنه قال في كتابه "المدخل إلى الصحيح " (1/ 154): "عبد الرـحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه " ا هـ
وكان قال في أول "المدخل " (1/ 114):
"وأنا مبين بعون الله وتوفيقه أسامي قوم من المجروحين ممن ظهر لي جرحهم اجتهادا، ومعرفة بجرحهم، لا تقليدا فيه لأحد من الأئمة، وأتوهم أن رواية أحاديث هؤلاء لا تحمل إلا بعد بيان حالهم لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه: "من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " انتهى.
وسردهم وذكر منهم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كما نقلناه لك. فهذا تعارض وتناقض من الحاكم، فما السبب فيه، وما الحامل له على تصحيح إسناد حديث فيه عبد الرحمن.
الجواب معلوم عند أهل الحديث والنظر السالم من الهوى، وهو أنه ابتدأ كتابة كتابه المستدرك سنة 393 هـ[3][3] أي بعد بلوغه 72 سنة من عمره، قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان " 233/5: "ذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره، ويدل على ذلك: أنه ذكر جماعة في كتاب "الضعفاء" له، وقطع بترك الرواية عنهم، ومنع من الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في "مستدركه " وصححها، من ذلك: أنه أخرج حديثا لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وكان قد ذكره في الضعفاء، فقال: إنه روى عن أبيه أحاديث موضوعه لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه " انتهى كلام الحافظ ابن حجر.
وجرى على هذا علماء الحديث في شأن المستدرك، ومنه قول السخاوي في فتح المغيث (1/36): "يقال إن السبب في ذلك أنه صنفه في أواخر عمره وقد حصلت له غفلة وتغير، أو أنه لم يتيسر له
تحريره وتنقيحه، ويدل له أن تساهله في قدر الخمس الأول منه قليل جدا بالنسبة لباقيه، فإنه وجد عنده إلى هنا انتهى إملاء الحاكم ". انتهى.
وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم راوي الحديث الذي احتج به مجيزوا التوسل بالذوات ضعيف جدا في الحديث، قاله علي بن المديني، وقال أبو حاتم الرازي: كان في نفسه صالحا، وفي الحديث واهيا.
وضعفه أحمد وابن معين والبخاري والنسائي والدار قطني وغيرهم كثير، وقال الطحاوي: "حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف ".
فهذه عبارة إمام الحنفية في وقته وشيخ المصريين في زمانه، أ فيستحل الكاتب أن يتقرب إلى الله ويتعبد بحديث في النهاية من الضعف، كيف تقوى قدماك على التماسك وأنت تسأل أمام ربك،
وبم تحتج، وعلى من تتكى، أعد للمسألة جوابا، فإن الأمر عظيم.
الثاني: أن في إسناد الحاكم والبيهقي رجلا اسمه عبد الله بن مسلم الفهري ترجمه الحافظ الذهبي في "الميزان " 2/405 وقال: "روى عن إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن عبد الرحمن بن زيد بن
أسلم خبرا باطلا فيه يا آدم لولا محمد ما خلقتك رواه البيهقي في دلائل النبوة" انتهى.
قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان " 3/ 360 "قلت: لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته " ا هـ. يعني بالذي قبله الترجمة السابقة لترجمة الفهري، وهو عبد الله بن مسلّم بن رُشيد قال الذهبي: ذكره ابن حبان متهم بوضع الحديث...
الثالث: أن إسناد الحديث ضعفه جماعة كثيرون:
فمنهم: البيهقي في "دلائل النبوة" (5/ 486).
ومنهم: الذهبي في "تلخيص "المستدرك " (2/ 615)، قال: "موضوع "، وفي الميزان: قال: "باطل "، فهو موضوع الإسناد باطل المتن.
ومنهم: الشيخ تقي الدين بن تيمية حكم بوضعه في "الرد على البكري " ص 6 من مختصره.
ومنهم: ابن عبد الهادي الحافظ نصر القول بوضعه في "الصارم المنكي ".
ومنهم: الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (2/323) قال عن راويه: "وهو متكلم فيه" ونقل كلام البيهقي بضعف راويه.
ومنهم: الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/253).
ومنهم: السيوطي في "تخريج أحاديث الشفاء" (ص 30)
ومنهم: الزرقاني في "شرح المواهب " (1/ 76).
ومنهم الشهاب الخفاجي في شرح الشفاء (2/242)
ومنهم ملا علي القاري في "شرح الشفاء" (1/215)
ومنهم ابن عراق في تنزيه "الشريعة" (67/1) وذكر القول ببطلانه.
الوقفة الثالثة
في النظر في النظر في متن الحديث ودرايته
إن الثابت أن الدعاء الذي به قبل الله توبة آدم هو ما قاله الله في سورة الأعراف: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من ا لخاسرين). فهذه هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه. كما قال تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم).
قال ابن كثير الحافظ في تفسيره (1/116): "روي هذا عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبي العالية، والربيع بن أنس، والحسن، وقتادة، ومحمد بن كعب القرظي، وخالد بن معدان، وعطاء الخراساني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم " ا هـ.
عشرة من أهل العلم فسرها بآية الأعراف، ومنهم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم راوي الحديث المنكر في توسل آدم.
وهذا مما يزيد في توهين روايته الحديث المنكر الواهي وهنا على وهن، ولم يذكر أن أحدا من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم فسر الكلمات بتوسل آدم بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، بطريق صحيحة ولا ضعيفة، إلا أن تكون واهية موضوعة ولعل قصة مغفرة ذنب آدم بتوسله بمحمد صلى الله عليه وسلم تلقاها جهلة المسلمين من أهل الكتاب في عيسى عليه السلام، فأرادوا إثبات فضيلة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا ما قالوا.
نقل الشهرستاني في كتابه "الملل والنحل " (1/524) عن عقائد النصارى قولهم: "والمسيح عليه السلام درجته فوق ذلك، لأنه الابن الوحيد، فلا نظير له، ولا قياس له إلى غيره من الأنبياء. وهو الذي به غفرت زلة آدم. عليه السلام " ا هـ.
فهذا من اعتقاد النصارى، فنافسهم جهلة المسلمين في ذلك.
قال ص 47:
بعد سياق حديث لما اقترف... واستشهاد ابن تيمية به. قال: "فهذا يدل على أن الحديث عند ابن تيمية صالح للاستشهاد والاعتبار لأن الموضوع أو الباطل لا يستشهد به عند ا لمحدثين " إلخ..
أقول: بل إن شيخ الإسلام ذكر الحديث في "الرد على البكري " في أوله وحكم عليه بالوضع وأنه أشبه بحكايات بني إسرائيل قال ص6:
"هذا الحديث وأمثاله لا يحتج به في إثبات حكم شرعي لم يسبقه أحد من الأئمة إليه وإثبات عبادة لم يقلها أحد من الصحابة ولا التابعين وتابعيهم إلا من هو أجهل الناس بطرق الأحكام الشرعية، وأضلهم في المسالك الدينية، فإن هذا الحديث لم ينقله أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد حسن ولا صحيح، بل ولا ضعيف يستأنس به و يعتضد به "
وشيخ الإسلام ذكر في غير موضع أن الحديث موضوع، ولكنه لما كان فيما نقل الكاتب طرفا منه في كلام مع أهل وحدة الوجود ذكر هذين الحديثين بأسانيدهما على خلاف عادته فهو لا يذكر إسنادا إلا نادرا وإنما ساق الأسانيد ليعلم حالهما من طالعهما، وعادة العلماء أن من ساق إسنادا فقد أدى عهدته، والحكم عليه بعد ذلك بوضع أو غيره إنما يكون إذا أراد الرد على من يعتمده في لفظ من ألفاظه.
ولهذا تجد حفاظ الحديث كأبي نعيم والخطيب ونحوهما، والبيهقي أحيانا يذكرون من الأحاديث الموضوعة أو شديدة الضعف ما يعرفه أهل النظر، واعتذر عنهم بأنهم يسوقون الأسانيد ومن ساق الإسناد فقد ذكر عواره أو ظلامه إن كان فيه عوار أو ظلمة.
قال ص50:
"وفي الحديث التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتشرف العالم بوجوده فيه، وأن المدار في صحة التوسل على أن يكون للمتوسل به القدر الرفيع عند ربه عز وجل وأنه لا يشترط كونه حيا في دار الدنيا" اهـ.
أقول: لم يكتف الكاتب بتصحيح حديث موضوع بل استخرج للحكم الوارد فيه علة ثم عدى العلة بالقياس إلى غير محل الحكم وإلى غير زمان الحكم.
وتوضيح هذا:
أن في الحديث توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل وجوده، أي قبل حياته، أي: وهو فاقد الحياة، ولا معنى لتوسله بمن كان كذلك إلا جوازه في الحياة، وقبلها وبعدها. كذا استنتاج الهوى وقياس الردى.
ثم إن تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم عند هذا الكاتب بالتوسل لا معنى له حيث قاس كل من كان له عند الله القدر الرفيع على النبي، بجامع النبوة، أو الولاية، أو الكرامة. وهذا هو عين احتجاج أصحاب القبور المفتونين بعبادتها من دون الله، عدوا بالقياس دعاء الميت والطلب منه على طلب الدعاء من الحي، وجادلوا في ذلك، فلما ظنوا أنه ثبت لهم ما زعموه في حق النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: لا معنى لاختصاص النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالدعاء أو الاستشفاع أو نحوه من العبادات، بل يعدى جواز هذا الفعل إلى غيره صلى الله عليه وسلم بجامع النبوة إن كان نبيا أو الكرامة. أو كما قال هذا القائل هنا: "المدار في صحة التوسل على أن يكون للمتوسل به القدر الرفيع عند ربه عز وجل "، وهذا تمهيد وتقعيد لمسائل لم يفصح عنها في هذا الموضع.
فانظر هذا التجرؤ على أحكام الشرع: تصحح الموضوعات، وقياس فاسد لم يقل به عالم قط منذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى انتهاء القرون الثلاثة الأولى حتى ظهرت القرامطة الباطنية، وأتباعهم "إخوان الصفا" وهم جماعة مشهورة ظهروا في أول القرن الرابع، وهم الذين جلبوا هذا الذي تبناه الكاتب وقبله أخذه أهل الضلالة، فانظر ما قاله إخوان الصفا وكيف شرعوا هذا الدين الذي لم يعرفه المسلمون في المئات الثلاث، فسبحان من صير القلوب إلى قلبين.
جاء في الرسالة 42 من رسائل إخوان الصفا (4/21). قولهم:
"اعلم يا أخي أن من الناس من يتقرب إلى الله بأنبيائه ورسله وبأئمتهم وأوصيائهم أو بأولياء الله وعباده الصالحين، أو بملائكة الله المقربين والتعظيم لهم ومساجدهم والاقتداء بهم وبأفعالهم والعمل
بوصاياهم وسننهم على ذلك بحسب ما يمكنهم ويتأتى لهم ويتحقق في نفوسهم ويؤدي إليه اجتهادهم. فأما من يعرف الله حق معرفته فهو لا يتوسل إليه بأحد غيره، وهذه مرتبة أهل المعارف الذين هم أولياء الله.
وأما من قصر فهمه ومعرفته وحقيقته فليس له طريق إلى الله تعالى إلا بأنبيائه. ومن قصر فهمه معرفته فليس له طريق إلى الله تعالى إلا بالأئمة من خلفائهم وأوصيائهم وعباده.
فإن قصر فهمه ومعرفته بهم فليس له طريق إلا اتباع آثارهم والعمل بوصاياهـم والتعلق بسننهم والذهاب إلى مساجدهم ومشاهدهم والدعاء والصلاة والصيام والاستغفار، وطلب الغفران
والرحمة عند قبورهم وعند تماثيلهم المصورة على أشكالهم، لتذكار آياتهم وتعرف أحوالهم من الأصنام والأوثان وما يشاكل ذلك طلبا للقربة إلى الله والزلفى لديه.
ثم اعلم أنه على كل حال من يعبد شيئا من الأشياء ويتقرب إلى الله تعالى بأحد فهو أصلح حالا ممن لا يدين شيئا ولا يتقرب إلى الله البتة." اهـ.
هكذا أدخل إخوان الصفا الباطنيون الشرك في المسلمين، فانتشر في الجهال انتشارا، واشتعل فيهم اشتعال اللهب في يابس الشجر، فقام جماعات من العلماء ينكرون هذا، وكان أول أمره غير متضحة غايته، ولا مستبين سبيله، لأن المسلمين لم يكن دين الأصنام فيهم، ثم استبان الشأن، وانكشف الغطاء فأنكره العلماء في القرن الرابع والخامس، ومنهم ابن عقيل الحنبلي، فقال: "لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم. وهم عندي كفار لهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور، وخطاب الموتى بالحوائج وكتب الرقاع فيها يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وإلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى".
فهذا الشرك الأكبر أصله وسببه هذا القياس الفاسد الباطل الذي قاله صاحب المفاهيم، باب التوسل بالذوات الذي لا نقول بأنه شرك بل هو بدعة من الطرق والوسائل لهذا الشرك الأكبر وكل ما كان وسيلة إلى الكفر والشرك فهو ممنوع يجب سد بابه وإغلاقه ووصده وتتريبه حتى لا يفتح مرة أخرى.
ومن في قلبه حب لله وللإسلام الذي جاء به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليغار ويشتد غضبا أن يعود شرك الجاهلية، الذي أزالته بعثة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وعقد المؤلف فصلا ص 51 عنونه:
يتوسل اليهود به صلى الله عليه وسلم وساق فيه أن ابن عباس قال: "كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فلما التقوا هزمت يهود، فدعت يهود بهذا الدعاء، وقالوا إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان أن تنصرنا عليهم... " تفسير القرطبي (2/ 26- 27) 1 هـ.
وأقول: إن المؤلف أغرب كثيرا في الاستدلال بفعل اليهود الذي نقله، فمن حيث الرواية: فإن قول ابن عباس ذكره الكاتب غير مخرج ولم يذكر من صحح إسناده لأنه لم يجد من صححه وقد أخرجه الحاكم في "المستدرك " (263/2)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/ 76) من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس من كلامه. وقال الحاكم بعد ذكره الحديث: "أدت الضرورة إلى إخراجه في التفسير وهو غريب " ا هـ، قال الذهبي في "تلخيصه ": قلت: "لا ضرورة في ذلك، فعبد الملك متروك هالك" ا هـ.
وذكر السيوطي في "الدر المنثور" أن إسناده ضعيف، وهو لا يقول ضعيف إلا إذا لم يكن في الإسناد حيلة يصحح بها.
والحاكم قد ذكر عبد الملك في المدخل (1/ 170) وقال "روى عن أبيه أحاديث موضوعة" وعبد الملك هذا كذبه ابن معين وابن حبان والجوزجاني وغيرهم، وهو الذي وضع حديثا لفظه: "أربعة أبواب من أبواب الجنة مفتحة: الإسكندرية وعسقلان وقزوين وعبادان، وفضل جدة على هؤلاء كفضل بيت الله على سائر البيوت ".
كذب صريح، ويروج ما يرويه جهلة المسلمين، ممن لا يغارون على كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقوم لهم ولع بالكذوبات، وإعراض عن الصحاح.
قال شيخ الإسلام في "التوسل والوسيلة" (299/1- 300 مجموع الفتاوى): "قوله تعالى (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا) إنما نزلت باتفاق أهل التفسير والسير في اليهود المجاورين للمدينة أولا، كبني قينقاع وقريظة والنظير، وهم الذين كانوا يحالفون الأوس والخزرج وهم الذين عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ثم لما نقضوا العهد حاربهم... فكيف يقال: نزلت في يهود خيبر وغطفان؟ فإن هذا من كذاب جاهل لا يحسن كيف يكذب.
ومما يبين ذلك أنه ذكر فيه انتصار اليهود على غطفان لما دعوا بهذا الدعاء، وهذا مما لم ينقله أحد غير هذا الكذاب " انتهى.
إذا ظهر هذا وانجلى فالرواية الثابتة الصحيحة ما أخرجه ابن جرير (2/333 ط. شاكر، وأبو نعيم في الدلائل (1/ من الأصل) والبيهقي في الدلائل (2/75) كلهم من طريق ابن إسحاق في "سيرته " (ص 63 رواية يونس بن بكير) قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: حدثني أشياخ منا قالوا: لم يكن أحد من العرب أعلم بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منا: كان معنا يهود، وكانوا أهل كتاب وكنا أصحاب وثن وكنا إذا بلغنا منهم ما يكرهون قالوا: إن نبيا مبعوثا الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم قتل عاد وإرم، فلما بعث الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم اتبعناه وكفروا به، ففينا وفيهم أنزل الله عز وجل (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا) الآية.
وهذا إسناد جليل، فإن الأشياخ هؤلاء صحابة أدركوا الأمر وعلموه فما أجل هذا وأحسنه.
وقد جاءت أخبار كثيرة في هذا المعنى عن ابن عباس وغيره، تركتها اجتزاء بما صح، وحذر الملال بسرد الطوال. فاللهم ألهم وعلم.
ذكر الكاتب ص 52:
حديث عثمان بن حنيف رضي الله عنه في توسل الضرير بدعاء
النبي صلى الله عليه وسلم في حياته.
أقول: هذا الحديث رواه الإمام أحمد في "مسنده " (4/138)، والترمذي في "جامعه " (5/569)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (417ـ418)، وابن ماجة في "سننه " (385 1)، والطبراني في
"المعجم الكبير" (9/ 19) والحاكم في "المستدرك " (1/313 و519) وغيرهم.
قال أحمد: ثنا عثمان بن عمر ثنا شعبة عن أبي جعفر قال سمعت غمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن حنيف به. ثم رواه أحمد قال: ثنا روح قال: حدثنا شعبة عن أبي جعفر المديني به.
ثم رواه أحمد قال: ثنا مؤمل قال: حدثنا حماد- يعني ابن سلمة- قال: حدثنا أبو جعفر الخطمي به.
قال النسائي في "عمل اليوم والليلة": خالفهما هشام الدستوائي وروح بن القاسم فقالا: عن أبي جعفر عمير بن يزيد بن خراشة عن أبي أمامة بن سهل عن عثمان بن حنيف.
وهذا الاختلاف علة، قد يرد بها بعض المحدثين الحديث، وهي موضع تأمل. وإسناد رواية شعبة وحماد حسن لابأس به، فإن أبا جعفر هو الخطمي المدني كما ثبت في روايات أحمد وغيره، وهو عمير بن يزيد الأنصاري الخطمي المدني، قال الحافظ في "التقريب ": " صد وق ".
ورأى طائفة من أهل العلم ضعف الحديث، لأن أبا جعفر فيه كلام، وبعضهم ضعف الإسناد لأجل عدم التثبت أن أبا جعفر هو الخطمي، معتمدين على نفي الترمذي أن يكون هو الخطمي.
هذا، ولا حجة في الحديث على ما ادعاه مجيزوا التوسل بالذوات والجاه ونحوها، لأنه جار على أصول الشريعة في باب التوسل، وهو التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وهو معنى الشفاعة، فمدلول الحديث التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم والتوجه بدعائه في حياته، وهذا مما ثبتت به السنة في أمور غير هذا الحديث، فأثبته أهل السنة والحديث، ولا مراء في هذا، ولا استشكال في معنى الحديث.
ومن ظن أن الحديث فيه توسل بالذات فيلزمه تساؤل، وهو أن يقال: كيف يخفى هذا الدعاء الذي فيه توسل بالذات على عميان ومكفوفي الصحابة فلم يستعملوه في حياته ولا بعد مماته، ولا من بعدهم، والناس حريصون على جوارحهم وحواسهم؟ نعلم من هذا الإلزام أن الحديث إنما فيه التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، لا بذاته، وهذا مقطوع به جزما، فيبقى الحديث خاصا بهذا الأعمى وحده ومعجزة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والحمد لله الموفق للصالحات.
ثم قال الكاتب:
"وليس هذا خاصا بحياته صلى الله عليه وسلم بل قد استعمل بعض الصحابة هذه الصيغة من التوسل بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ".
واستدل له بتعليم عثمان بن حنيف رجلا له حاجه عند عثمان أن يدعو فيقول: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك فيقضي حاجتي، وتذكر حاجتك.. " ففعله. فقضى عثمان حاجته.
هذا مختصر ما رواه الطبراني.
قال: "هذه القصة صححها الحافظ الطبراني والحافظ أبو عبد الله المقدسي.
أقول: هنا بدأ صاحب المفاهيم وشرع في تعميته الحقائق، وكفْره النقول الصادقة، وأخذه في التمويه على غير المتتبعين لمقالاته.
فقال: هذه القصة صححها الحافظ الطبراني...
وما صححها الطبراني وحاشاه، ولو نقلت ما قاله صدقا وأمانة لما لبست على المطالع لكلامك، إذ الثقة فيمن ينتسب إلى العلم تعمي كثيرين عن تتبع نقوله وهل يصدق فيها ولا يحرف أم الشأن استغلال الثقة في نشر وترويج غير الحق؟
قال الطبراني في "الصغير" (1/ 184): "لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي- وهو ثقة- وهو الذي يحدث عنه ابنه[4][4] أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأيلي.
وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد- وهو ثقة- تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة والحديث صحيح " ا هـ.
فبهذا النقل اتضح أن تصحيح الطبراني للحديث السابق وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن القصة لم يعترض لها إلطبراني بتصحيح ولا غيره، بل قال "لم يروه... الخ " وهو يشعر بضعف القصة عنده، وهو الحق.
وبيان هذا أن القصة رواها الطبراني في الصغير والكبير (17/9-18). من طريق شيخه طاهر بن عيسى بن قيرس المصري التميمي، حدثنا أصبغ بن الفرج حدثنا عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني به.
وهذا الإسناد آفته رواية عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد وهي منكرة عند أهل الحديث لم أر بينهم اختلافا في ذلك. قال ابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال " (1347/4): "حدث عنه ابن
وهب بأحاديث مناكير"، ثم قال "ولعل شبيب بمصر في تجارته إليها كتب عنه ابن وهب من حفظه فيغلط ويهم، وأرجو أنه لا يتعمد شبيب هذا الكذب " ا هـ.
والقصة مدارها على هذا الإسناد، فالمتن منكر، ولا خير في منكر. ثم مما يدلل على هذه النكارة أن الحديث رواه الحاكم (526/1- 527) وابن السني في "عمل اليوم والليلة" ص 170 ط الهند من
طريق أحمد بن شبيب بن سعيد قال: ثنا أبي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر المدني وهو الخطمي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه رجل فذكر الحديث دون القصة.
وهذا الرواية أصح، لأنها من روايات أحمد بن شبيب عن أبيه قال الحافظ في التقريب في ترجمة شبيب: "لا بأس بحديثه من روايات ابنه أحمد عنه لا من رواية ابن وهب " ا هـ.
فأحمد بن شبيب وهو الراو المختص بأبيه لم يذكر القصة عن أبيه وهي من نفس الطريق التي رواها ابن وهب عن شبيب فدل تفرد ابن وهب عن شبيب على نكارتها ودلت مخالفة رواية ابن وهب عن شبيب - وهي منكرة- لرواية أحمد بن شبيب عن أبيه شبيب دل ذلك على شدة نكارتها وبطلانها، وأنها يمكن أن تكون مكذوبة.
إذا تبين هذا فالقصة إما مكذوبة أو منكرة للأمور التي ذكرنا، وهي حجة كافية ناصعة بيضاء لمن أراد الله تبصرته، و من يضلل الله فماله من هاد.
والعجب من صاحب المفاهيم كيف يكون حبه للمنكرات والواهيات أشد من حبه لما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حقه صلى الله عليه وسلم نفي الكذب عنه وترك الواهيات المنسوبة له، لا نشرها وترويجها.
وفي الإسناد شيخ الطبراني طاهر بن عيسى، وهو مجهول لا يعرف بالعدالة، ذكره الذهبي ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول الحال، لا يجوز الاحتجاج بخبره لا سيما فيما يخالف نصوص الكتاب والسنة. قاله الشيخ سليمان بن عبد الله في "تيسير العزيز الحميد" ص
212 ط الأولى.
قال- ص 54:
إن عثمان بن حنيف "علم من شكا إليه إبطاء الخليفة عن قضاء حاجته هذا الدعاء الذي فيه: التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والنداء له، مستغيثا به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم " ا هـ.
أقول: هذه ثالثة الأثافي، وقاصمة الظهر، أنستنا ما قبلها من التوسل البدعي، فإذا الشأن في النداء للموتى والاستغاثة بهم، فما كنت أظن أن يبلغ صاحب المفاهيم هذا المبلغ من الهوى حتى رأيت رقمه ببنانه، وقوله بلسانه، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ويا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك.
وهذا القول فاسد مناهض لدين الإسلام، موافق لما عليه أهل الجاهلية من الاستغاثة بالأنبياء والصالحين وندائهم لكشف الملمات ورفع المدلهمات، أفما يقرأ هؤلاء القرآن، ويسمعون قول سلف الأمة من الصالحين؟
أفما قرؤوا قوله تعالى: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا).
ففي هذه الآية إنكار عام على كل من دعا من دون الله شيئا، جنيا أو نبيا فكلمة (الذين) في الآية اسم موصول، والأسماء الموصولة من صيغ العموم عند الأصوليين والنحويين كما هو مقرر في هذين
العلمين. فقوله (الذين) يعم كل من دعي من دونه تعالى في كشف الضر أو تحويله، فعمت الأنبياء والصالحين وغيرهم من الملائكة والجن فدعاء هؤلاء لا يجوز، فإنه دين الجاهلية والمشركين وصور هذا الدعاء كثيرة فمنها النداء للموتى أنبياء أو غيرهم كما هو ظاهر من الآية، و منها
الاستغاثة. فالأنبياء والصالحون بعد مماتهم لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، فكيف يملكون لغيرهم. فهذه الآية تظهر دين المشركين وتبينه فما لهؤلاء يعودون إلى دين المشركين. ما لهم يدعون دين الرسل المتيقن، ويرضون بدين الجاهلية الباطل.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن ص 24 من رده على ابن جرجيس: " وقال تعالى: (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون) وليست هذه الآية في الأصنام كما يزعمه من لم يتدبر، لأن (الذين) لا يخبر به إلا عن العقلاء، ولأن الأصنام من الأخشاب والأحجار لا يحلها الموت، فإنها لم تحلها الحياة حتى يحلها الموت، ولأنها لا تبعث يوم القيامة بعث الإنسان ليجزى بما كسبت يداه، ولا يعقل منها شعور بهذا البعث حتى ينفيه الله عنها، وقد قال تعالى: (وما يشعرون أيان يبعثون) فهذه الآية فيمن يموت ويبعث، كما لا يخفى على من تدبرها، وتأمل قوله تعالى (وما يشعرون أيان يبعثون ) وهذا إنما يستعمل فيمن يعقل كما لا يخفى على من له معرفة باللغة العربية، فالحمد لله على ظهور الحجة وبيان المحجة."
عودٌ إلى استدلاله الفاسد بقول المكروب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم "يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي " وأي دليل في هذا بعد معرفة بطلان الحديث ونكارته، أ فيحتج بالمنكرات والأباطيل، إنه لعجب عجيب وأمر غريب واستدلال مريب، فنتنزل معهم في المناظرة بالكلام على معنى
هذا اللفظ فأقول:
أولا: أيكون قولك وقول المسلمين في "التشهد": السلام عليك أيها النبي... نداء للنبي بعد مماته، أينادي المسلمون النبي في كل صلاة، أم أن لفظ النداء هنا لاستحضار منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون أمكن في القلب لما يجب في حقه من تعزيره وتوقيره ونصرته فما استدل واحد من العلماء المهتدين بالتشهد على دعوى جواز مناداة النبي بعد موته، وهذا إجماع لا خلاف فيه.
وهذا الأثر- مع نكارته الشديدة- من هذا الباب إنما يكون لاستحضار ما قلنا في لفظ المصلي في التشهد، وهو التفات، والالتفات له مقتضيات معلومة في فنون المعاني والبيان وأقول هذا تنزلا
في المجادلة وإلا فما ينبغي ابتداء، والمناسب هنا ما ذكرنا آنفا.
ثانيا: غاية ما في هذا الأثر المنكر الضعيف أنه توجه بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، فأين هذا من دعاء الميت. فإن التوجه بالمخلوقات سؤال به لا سؤال منه، وكل أحد يفرق بين سؤال الشخص وبين السؤال به، فإنه في السؤال به قد أخلص الدعاء لله، ولكن توجه إلى الله بذاته،
وأما في سؤاله نفسه ما لا يقدر عليه إلا الله فيكون قد جعله شريك الله في عبادة الدعاء فليس في حديث الأعمى وحديث ابن حنيف هذا إلا إخلاص الدعاء لله كما هو صريح فيه، إلا قوله يا محمد إني أتوجه بك، وهذا ليس فيه المخاطبة للميت فيما لا يقدر عليه إنما فيه مخاطبته مستحضرا له في ذهنه كما يقول المصلي. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته[5][5] كما أوضحته في الوجه الأول.
ثالثا: أيكون هذا الدعاء الذي تفرج به الكروب، وتزول به الشدائد المهلكات، وتحصل به المنجيات خفيا على الأمة فلم يستعملوه حين أصابتهم الشدة والضيق، قحط المسلمون في زمن عمر فتوجهوا
بالعباس أي- بدعائه- والرسول صلى الله عليه وسلم ميت عندهم، وأصاب المسلمين فتن في زمن عثمان وعلي وبعده محن وأمور لا يعلم شدتها إلا الله فلم لم يستعملوه، أين زعمكم يا أرباب الحجا! وأصحاب الفهوم.
قوله ص 54
ولما ظن الرجل أن حاجته قضيت بسبب كلام عثمان مع الخليفة بادر ابن حنيف بنفي ذلك الظن، وحدثه بالحديث الذي سمعه وشهده ليثبت له أن حاجته إنما قضيت بتوسله به صلى الله عليه وسلم وندائه له واستغاثته به " ا هـ.
أقول: هذا افتراء على صحابي جليل شهد بدرا وما بعدها، وقول بالظن، والظن أكذب لحديث، وجراءة ما بعدها جراءة. وقد قدم كلامه هذا بمقدمة فيها. أن القصة صحيحة صححها الطبراني والمقدسي ونقل تصحيحهم لها المنذري والهيثمي وغيرهم.
وهذا هوى ظاهر إذ أن كلام الطبراني كما سبق نقله بحروفة إنما هو في تصحيح الحديث أي: المرفوع، ولم يقل (القصة صحيحة) بل قال: (الحديث صحيح) وليت شعري أما اقشعر بدن كاتب المفاهيم وهو يفتري هذه الافتراءات وينقل ويكذب في النقل، (إنما يفتري
الكذب الذين لا يؤمنون)، ولا شك أن افتراء كهذا على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى حفاظ المسلمين وأئمتهم تشق قراءته وتشق رؤيته.
قال ص 68 معنونا: "التوسل به في المرض والشدائد.
عن الهيثم بن [حنش][6][6] قال: كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله، فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك. فقال: يا محمد. فكأنما نشط من عقال.
وعن مجاهد قال: خدرت رجل رجل عند ابن عباس رضي الله عنهما فقال له ابن عباس: اذكر أحب" الناس إليك. فقال: محمد صلى الله عليه وسلم فذهب خدره.
ثم قال: فهذا توسل في صورة النداء. " ا هـ.
أقول: الكلام هنا في أمرين:
الأول: الرواية: فالخبر الأول أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم 170). قال: حدثنا محمد بن خالد بن محمد البرذعي قال: ثنا حاجب بن سليمان قال: ثنا محمد بن مصعب، قال: ثنا
إسرائيل عن أبي إسحاق عن الهيثم بن حنش به.
وهذا إسناذ ضعيف جدأ، فيه علل كثيرة:
منها: أن محمد بن مصعب القرقساني ضعيف عندهم، قال ابن معين: لم يكن من أصحاب الحديث، كان مغفلا. وقال النسائي: ضعيف ومثله عن أبي حاتم الرازي. وقال ابن حبان: "يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل لا يجوز الاحتجاج به". وقال الإسماعيلي: محمد بن مصعب من الضعفاء. وقالي الخطيب: كان كثير الغلط لتحديثه من حفظه. وقال أحمد: ليس به بأس، ونحوه عن ابن عدي. ووثقه ابن قانع وابن قانع من المتساهلين. فمن هذا يتضح ضعفه كما ذهب إليه أئمة أهل العلم. وأما قول أحمد: ليس به بأس، يعني في نفسه فهو صدوق في نفسه، ولكنه ضعيف الحديث.
ومنها: أن الهيثم بن حنش مجهول العين، قال الخطيب في "الكفاية في علوم الرواية". ص 88:، المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه، ولا عرفه العلماء
به، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد، مثل عمرو ذي مر، وجبار الطائي، وعبد الله بن أغر الهمداني، والهيثم بن حنش...
هؤلاء كلهم لم يرو عنهم غير أبي اسحاق السبيعي" ا هـ.
ومنها: أن أبا إسحاق السبيعي مدلس، وقد عنعنه عن هذا المجهول.
ومنها: أن أبا إسحاق قد اختلط، ومما يدل على تخليطه في هذا الحديث أنه رواه تارة عن أبي شعبة (أو أبي سعيد) وتارة عن عبد الرحمن بن سعد. وهذا اضطراب يرد به الحديث.
وأمثل ما روي في هذا الباب وأصحه على تدليس أبي إسحاق فيه، ما رواه البخاري في " الأدب المفرد" (964) قال: حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد قال: خدرت رجل ابن عمر، فقال له رجل: أذكر أحب الناس إليك فقال محمد.
وهذه الرواية أصح ما روي، وأفادت فوائد:
الأولى: قول ابن عمر: محمد، بدون حرف النداء، والشائع عند العرب- كما سيأتي- استعمال يا النداء في تذكر الحبيب ليكون أكثر استحضارا في ذهن الخادرة رجله، فتنطلق. وابن عمر عدل عن الاستعمال الشائع إلى غيره لما في الشائع من ا لمحذور.
الثانية: أن تذكره للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أحب الناس إليه هو الحق، لأنه لا يؤمن أحذ حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين. بل ومن نفسه التي بين جنبيه.
وهذا ما نعقد عليه قلوبنا، بهداية ربنا.
الثالثة: أن سفيان من الحفاظ الأثبات، فنقله خبر أبي إسحاق بهذا اللفظ يدل على أنه هو المحفوظ، وسواه غلط مردود.
وأما الخبر الثاني: فأخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (169). وفي إسناده: غياث بن إبراهيم كذبوه. قال ابن معين: كذاب خبيث. ولفظه في تذكره (محمدا) مجرد من حرف النداء. فلا
حجة فيه، والكلام فيه على نحو ما مر في قول ابن عمر.
الأمر الثاني: في الدراية:
يقال لهذا المستدل: غاية ما ذكرته أن فيه ذكرا للمحبوب، لا طلب حاجة منه أربه أن يزال مابه، ولا أن يكون واسطة لإزالة خدر الرجل، وليس فيه توسل، وإلا لكان لازما أن من ذكر محبوبه فقد
استغاث به وتوسل به في إزالة شدته، وهذا من أبطل الباطل، وأمحل المحال.
فما قوله إذا ذكر الكافر حبيبه فزال خدر رجله وانتشرت بعد قيد وخدور، أفيكون توسل به ويكون من يزيل الأمراض والأخدار سبحانه وتعالى قد قبل هذه الوسيلة؟!
وهذا الدواء- التجريبي- للخدر كان معروفا عند الجاهليين قبل الإسلام جرب فنفع، وليس فيه إلا ذكر المحبوب، وقيل في تفسير ذلك: إن ذكره لمحبوبه يجعل الحرارة الغريزية تتحرك في بدنه، فيجري الدم في عروقه، فتتحرك أعصاب الرجل، فيذهب الخدر.
وجاءت الأشعار بهذا كثيرا في الجاهلية والإسلام:
فمنها: قول الشاعر:
صب محب إذا ما رجله خدرت ...... نادى (كبيشة) حتى يذهب الخدرا
وقول الآخر:
على أن رجلي لا يزال امذلالها .... مقيما بها حتى أجيلك في فكري
و قال كثير:
إذا مذلت رجلي ذكرك اشتفي ....... بدعواك من مذل بها فيهون
وقال جميل بثينة:
وأنت لعيني قرة حين نلتقي ........ وذكرك يشفيني ذا خدرت رجلي
وقالت امرأة:
إذا خدرت رجلي دعوت ابن مصعب ........ فإن قلت: عبد الله، أجلى فتورها
وقال الموصلي:
والله ما خدرت رجلي وما عثرت .......... إلا ذكرتك حتى يذهب الخدر
وتال الوليد بن يزيد:
أثيبي هائما كلفا معنى ........... إذا خدرت له رجل دعاك[7][7]
وغير ذلك من الأشعار أ فيقال: إن هؤلاء توسلوا بمن يحبونه، من
نساء وغلمان، وأجيب سولهم، وقبلت وسيلتهم!!!
وقال ص 68 معنونا:
"التوسل بغير النبي صلى الله عليه وسلم".
ونقل أحاديث من "مجمع الزوائد، للهيثمي (10/ 132).
والهيثمي الحافظ. بوب لهذه الأحاديث بقوله: "باب ما يقول إذا انفلتت دابته أو أراد غوثا أو أضل شيئا" ساقه ضمن أبواب أدعية السفر.
وفقه الهيثمي في هذا التبويب ظاهر، وأما من بوب بـ "التوسل بغير النبي صلى الله عليه وسلم" فليس بفقيه في النصوص، وسأبين هذا.
استدل صاحب المفاهيم تحت هذه الترجمة بأحاديث:
قال: "عن عتبة بن غزوان عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أضل أحدكم شيئا أو أراد عونا وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني، فإن لله عبادا لا نراهم. وقد جرب ذلك "... رواه الطبراني ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم إلا أن يزيد بن علي لم يدرك
عتبه " انتهى كلامه..
والكلام عليه من أوجه:
الأول: ما وقع في نقله من التحريفات، فمنها أنه جعل قوله "وقد جرب ذلك" من كلام رسول الله، إذ أدخله بين الحاصرتين وهو ليس من كلامه إنما من قول بعض الرواة المتأخرين كما سيأتي.
ومنها: أن (يزيد) محرفه وصوابها زيد بن على، كما هو في معجم الطبراني.
الثاني: الحديث رواه الطبراني في "معجمه الكبيرأ (17/117) من طريق أحمد بن يحيى الصوفي ثنا عبد الرحمن بن شريك[8][8] حدثني أبي عن عبد الله بن عيسى عن زيد بن علي عن عتبة بن غزوان
مرفوعا.
قال الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار": " أخرجه الطبراني بسند منقطع" اهـ.
ويقال: ومع الانقطاع ففي إسناده كلام من وجهين:
1- عبد الرحمن بن شريك: قال أبو حاتم: واهي الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ، ذكر ذلك ابن حجر في "تهذيب التهذيب" ولم يذكر سوى هذين القولين.
2- شريك والد عبد الرحمن هو ابن عبد الله النخعي القاضى المشهور، قال الحافظ في "التقريب": "صدوق، يخطئ كثيرا، تغير حفظه منذ ولي قضاء الكوفة، وكان عادلا فاضلا عابدا، شديدا على
أهل البدع" ا هـ.
فاجتمع في هذا الإسناد ثلاث آفات: الانقطاع، وضعف عبد الرحمن، وضعف شريك. فالإسناد ضعيف بيقين.
وقال: "وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لله ملائكة في الأرض، سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد أعينوني يا عباد الله". رواه الطبراني ورجاله ثقات ا هـ نقله عن "مجمع الزوائد".
أقول: وفي نسخة من "مجمع الزوائد"، رواه البزار، ولعله أصوب، فإن أثر ابن عباس أخرجه البزار في، البحر الزخار، وذكره الهيثمي في "كشف الأستار" (4/33ـ34) قال البزار: "حدثنا
موسى بن إسحاق ثنا منجاب بن الحارث ثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قال البزار: "لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد" ا هـ.
وفي هذا الإسناد نظر:
ا- أسامة بن زيد هو الليثي المدني. عدله بعضهم وجرح حديثه آ خر ون.
قال أحمد بن حنبل: ليس بشيء. رواها الأثرم عنه.
وقال عبد الله بن أحمد لأبيه: أراه حسن الحديث. فقال: إن تدبرت حديثه فستعرف فيه النكرة. وكان يحيى بن سعيد يضعفه.
وقال أبوحاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال النسائي: ليس بالقوي.
وقال البرقي: هو ممن يضعف، وقال: قال لي يحيى: أنكروا عليه أحاديث.
هذه حكاية أقوال بعض من تكلموا فيه.
وممن وثقه: ابن معين في رواية أبي يعلى، وكذا نحوه في رواية
عباس.
وفي رواية الدارمي عن ابن معين: ليس به بأس.
وتبع ابن معين ابن عدي فقال: ليس بحديثه بأس.
ووثقه ابن شاهين، وابن حبان وزاد: "يخطى".
ومن تدبر هذه الأقوال علم.أن ما تفرد به حقه الرد، فإن توبع قبل، ومن أحاديثه التي تفرد بها حديث ابن عباس.
2- حاتم بن إسماعيل الراوي عن أسامة بن زيد قال فيه الحافظ: "صحيح الكتاب صدوق يهم " اهـ.
قال الشيخ ناصر الألباني: "خالفه جعفر بن عون فقال: ثنا أسامة بن زيد... فذكره موقوفا على ابن عباس.
أخرجه البيهقي في (شعب الإيمان ( 2/455/ 1)
وجعفر بن عون أوثق من حاتم بن إسماعيل فإنهما وإن كانا من رجال الشيخين فالأول منهما لم يجرح بشيء، بخلاف الآخر، فقد قال فيه النسائي: ليس بالقوي، وقال غيره: فيه غفلة.
ولذلك قال فيه الحافظ: صحيح الكتاب صدوق يهم.
وقال في جعفر: "صدوق ".
. ولذلك فالحديث عندي معلول بالمخالفة" أهـ.
3- تفرد أسامة به، وقد تقدم أن تفرد ضعيف الحفظ يعد منكرا إذا لم تؤيده أصول صريحة صحيحة.
وقال الحافظ ابن حجر:. "هذا حديث حسن الإسناد، غريب جدا" ا هـ من شرح ابن علان للأذكار (5/ 151) ومن المعلوم أن حسن إسناده لا يدل على حسن الحديث دائما.
والحديث على ضعفه من أبواب الأذكار لا يدل على ما يدعيه المبطلة من سؤال الموتى ونحوهم، بل إنه صريح في أن من يخاطبه ضال الطريق هم الملائكة، وهم يسمعون مخاطبته لهم، ويقدرون
على الإجابه بإذن ربهم، لأنهم أحياء ممكنون من دلالة الضال، فهم عباد لله، أحياء يسمعون ويجيبون بما أقدرهم عليه ربهم وهو إرشاد ضالي الطريق في الفلاة. ومن استدل بهذه الآثار على نداء شخص معين باسمه فقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يلاحظ ويتدبر كلام
النبي صلى الله عليه وسلم، وذاك سيما أهل الأهواء.
إذا تبين هذا فالأثر من الأذكار التي قد يتساهل في العمل بها مع ضعفها لأنها جارية على الأصول الشرعية، ولم تخالف النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، ثم هو مخصوص بما ورد به الدليل، لأن هذا مما لا يجوز فيه القياس لأن العقائد مبناها على التوقيف.
ولهذا روى عبد الله بن أحمد في "المسائل " (ص 245) عن أبيه قال: "ضللت الطريق في حجة وكنت ماشيا فجعلت أقول يا عباد الله دلونا على الطريق، فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على
ا لطريق ".
فما بوب به صاحب المفاهيم هذا الحديث وأشباهه بقوله: " التوسل بغير النبي صلى الله عليه وسلم " هو من عدم تدبر الأحاديث وفهمهما كما فهمها أئمة العلماء فلم يقل عالم من المتقدمين إنها دليل في التوسل بغير النبي صلى الله عليه وسلم كيف وقد أجمعوا على منعه.
وقال ناقلا عن "مجمع الزوائد" وعن عبد الله بن مسعود أنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم " إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة: فليناد يا عباد الله احبسوا، فإن لله حاضرا في الأرض سيحبسه".
رواه أبو يعلى والطبراني، وزاد: "سيحبسه عليكم" وفيه معروف بن حسان وهو ضعيف ا هـ.
أقول: الحديث في "المعجم الكبير" (10/267) ثنا إبراهيم بن نائلة، ومسند أبي يعلي (2/244) وفي "عمل اليوم والليلة" لابن السني (ص 136) من طريق أبي يعلى. كلاهما قال: ثنا الحسن بن عمر بن شفيق ثنا معروف بن حسان (أبو معاذ) السمرقندي عن سعيد بن أبى عروبة عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مسعود به مرفوعا.
وهذا إسناد ضعيف لأمور:
1- معروف بن حسان: قال أبو حاتم: "مجهول،، وقال ابن عدي: "منكر الحديث"، قلت: هو الراوي عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: "من ربى شجرة حتى نبتت كان له كأجر
قائم الليل صائم النهار" وهو حديث موضوع، رواه الكنجروذي في"ا لكنجروذيات" (2/ ).
2- سعيد ابن أبي عروبة: اختلط، قال النسائي: من سمع منه بعد الاختلاط فليس بشيء. ومعروف بن حسان من الصغار، ولم يسمع منه قبل الاختلاط إلا الكبار، وسمع منه قبل استحكام اختلاطه جماعة، وسمع منه بعد استحكام الاختلاط كثير.
وكان بدأ اختلاطه سنة 132 هـ واستحكم 148 هـ، أفاده البزار.
3- تدليس سعيد بن أبي عروبة: قال الحافظ "كثير التدليس". وروى هذا الحديث معنعنا عن ابن بريدة فلا يقبل.
4- قال الحافظ في "نتائج الأفكار": "حديث غريب أخرجه ابن السني وأخرجه الطبراني، وفي السند انقطاع بين ابن بريدة وابن مسعود" ا هـ. فهذه علة رابعة، أفادها الحافظ وهي الانقطاع.
5- روى ابن أبي شيبة في "المصنف، (10/ 424- 425): ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
وهذا الإسناد معضل، وتدليس ابن إسحاق مشهور، فهذه علل تلو علل، ليس لها دواء من التلف، وإسناده مطروح.
ولهذا كله لم يصحح أو يحسن هذا الحديث أحد ممن له معرفة أو مشاركة في علم الحديث، بل إما مضعف، أو ناقل تضعيف غيره.
وبعد: فقول صاحب المفاهيم ص 69: "فهذا توسل في صورة النداء" من الدعاوي العريضة لغة، وشرعا.
فأما اللغة: فلا يعرف أن من صور التوسل النداء، بل النداء دعاء وطلب مباشر، لمنادى حاضر يسمع ويجيب، والتوسل جعل القرب سببا لقبول الدعاء. وأما الشرع: فالأحاديث ضعيفة، والأول والثالث شديدا الضعف، والثاني: والذي فيه ذكر الملائكة ضعيف وغريب جدا، ولا دلالة فيه على المدعى وهو التوسل، إذ هذا نداء حي يقدر على إجابته.
وما أحسن ما روى الهروي في (ذم الكلام " (68/4/ 1): "أن عبد الله بن المبارك ضل في بعض أسفاره في طريق، وكان قد بلغه أن من اضطر في مفازة فنادى: عباد الله أعينوني! أعين. قال: فجعلت أطلب الجزء أنظر إسناده. قال الهروي: فلم يستجز أن يدعو بدعاء لا يرى إسناده"[9][9] اهـ.
فهذه طريق السلف، وأتباعهم البحث في الأسانيد، وصنيع بعض الخلف وأتباعهم الفرح بكل ما يؤيد رأيهم ولو بالموضوعات المكذوبات، ولا يغارون على سنة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال ص 69:
"وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد ركعتي الفجر: (اللهم رب جبرائيل وإسرافيل وميكائيل ومحمد صلى الله عليه وسلم أعوذ بك من النار).. "
ثم قال:
"وتخصيص هؤلاء بالذكر في معنى التوسل بهم فكأنه يقول: اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بجبريل.. الخ. وقد أشار ابن علان إلى هذا في الشرح " انتهى كلامه.
أقول: في ما قاله تعليل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحليل لما في نفسه صلى الله عليه وسلم، وإلا فما أدراه عما في قلبه صلى الله عليه وسلم حتى يقول "كأنه يقول "، هذا تجرؤ عظيم على مقام الرسالة.
ثم أيد تجرأه بنسبته ذلك إلي ابن علان في "شرح الأذكار" (2/ 141)، وما قاله ابن علان ولا أشار إليه، ولكنه تحريف تبديل، وصنيع مذموم رديء.
فهاك ما قاله ابن علان في "شرح الأذكار" قال: "إنما خصهم بالذكر- وإن كان تعالى رب كل شيء- لما تقرر في القرآن والسنة من نظائره من الإضافة إلى كل عظيم المرتبة وكبير الشأن، دون ما يستحقر ويستصغر" ثم قال: "فالتوسل إلى الله سبحانه بربوبية الله لهذه الأرواح العظيمة الموكلة بالحياة له تأثير عظيم في حصول الحاجات ووصول المهمات " ا هـ.
وهو كلام جيد من ابن علان، فالتوسل بربوبية الله لهذه الأرواح لا بالأرواح، وهو توسل بصفة من صفات الله العلى، وهذا التوسل مما يحبه الله ويرضاه، واختاره رسوله وانتقاه.
فجرد المتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم وذر الخائضين ذوي المين والحين، محبي إفساد ذات البين.
وعقد صاحب المفاهيم ص 69 عنوانا قال فيه معنونا:
"معنى توسل عمر بالعباس ". قلب فيه ما قاله العلماء في معنى هذا التوسل وأنه توسل بالدعاء لأن العباس يملكه. فقال عجبا، فاسمعه: "من فهم من كلام أمير المؤمنين أنه إنما توسل بالعباس ولم يتوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم لأن العباس حي والنبي ميت: فقد مات فهمه، وغلب عليه وهمه، ونادى على نفسه بحالة ظاهرة، أو عصبية لرأيه قاهره. فإن عمر لم يتوسل بالعباس إلا لقرابته من رسول صلى الله عليه وسلم.. "
أقول: ما أعجب هذا وأسهل صده ورده، وإنما أتي كاتبه من أمرين:
الأول: شهوة خفية ترى خلل أسطر قوله، وأحرفه.
الثاني: قلة التتبع والفقه لمعنى الاستسقاء بالصالحين وتاريخه. فقد صح أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه استسقى بـ "يزيد بن الأسود". قال الحافظ العلم يعقوب بن سفيان في كتابه "المعرفة
والتاريخ أ (2/ 0 38- ا 38): حدثنا أبو اليمان قال حدثنا صفوان عن سليم بن عامر الخبائري: أن السماء قحطت، فخرج معاوية بن أبي سفيان وأهل دمشق يستسقون، فلما قعد معاوية على المنبر قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي؟ فناداه الناس. فأقبل يتخطى الناس فأمره معاوية فصعد المنبر فقعد عند رجليه، فقال معاوية: اللهم (إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود الجرشي. يايزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يزيد يديه، ورفع الناس أيديهم.
فما كان أو شك أن فارت سحابة في الغرب كأنها ترس، وهبت لها ريح، فسقينا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم.
وأخرجه ابن سعد في "الطبقات أ (7/ 444) وأبو زرعة في "تاريخ دمشق " (652/1) وإسناده مسلسل بالثقات الكبار، فهو في غاية الصحة.
فهذا معاوية الصحابي رضى الله عنه فهم من الاستسقاء بالنبي صلى اله عليه وسلم حال حياته أن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لهم. وفهم من فعل عمر بالعباس، أن يدعو العباس لهم وسار على هذا الفهم فاستسقى واستشفع بيزيد يدعو لهم، وأي قرابة ليزيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن قرابته مع صلاحه سبب لقبول دعائه أما مجرد القرابة من غير صلاح فلم تفد عمه أبا لهب ونحوه.
إنما هو السبب الأعظم، والحبل الأكرم، اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فنحن على فهم الصحابة مقتفون ومتبعون، ولمجانب سنة الخليفة الراشد والصحابة من بعده مجانبون، ولفهم أهل الأهواء رادون ناقضون. والحمد لله رب العالمين.
قال ص 65 معنونا:
"أتوسل النبي صلى الله عليه وسلم بحقه وحق الأنبياء والصالحين " ثم استدل بحديث قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت أسد أم علي رضى الله عنه وفيه: "اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها، بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي ". قال: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه روح بن صلاح وثقه ابن حبان والحاكم وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح [كذا بمجمع الزوائد ج 9 ص 257]
رواه الطبراني في الأوسط والكبير بسند جيد.
ورواه ابن حبان والحاكم وصححوه عن أنس.
ورواه ابن أبي شيبة عن جابر.
وابن عبد البر عن ابن عباس.
واختلف بعضهم في روح بن صلاح أحد رواته، ولكن ابن حبان ذكره في الثقات وقال الحاكم: ئقة مأمون، وكلا الحافظين صحح الحديث. وهكذا الهيثمي في "مجمع الزوائد".
ورواه كذلك ابن عبد البر عن ابن عباس.
وابن أبي شيبة عن جابر.
وأخرجه الديلمي وأبو نعيم، فطرقه يشد بعضها بعضا بقوة
وتحقيق اهـ.
هذا كلام صاحب المفاهيم بحروفه أطلت الكتاب بنقله ليتبين لمن طالع كلامه أمور:
الأول: قلة معرفته بالتخريج وأصوله.
الثاني: تناقضه في حديث واحد وفي أسطر متقاربة في مواضع: منها: أنه نقل عن الهيثمي أول كلامه ما يفيد ضعف الحديث، ثم قال في آخره: صححه الهيثمي. فكيف يزعم أنه صححه وإنما
قال عن روح "وفيه ضعف " قاله بعد سياق من وثقه مستدركا عليهم.
ثم قوله رجاله رجال الصحيح إنما تفيد لو كانوا كلهم رجال الصحيح أن رواته ثقات، ولا دخل للحكم على الإسناد بالصحة فكيف بتصحيح الحديث.
ومنها: أنه قال بسند جيد ثم ذكر صحته من الطريق نفسها التي قال إن إسنادها جيد.
ومنها: قوله وأخرجه الديلمي وأبو نعيم، وإنما أخرجاه من طريق روح، ليلبس وليوهم كثرة الطرق.
الثالث: تكراره لرواية ابن أبي شيبة وابن عبد البر مرتين وما أدري لم ولكن يريد تطويلا. وعبارته في هذا الحديث مختلة مضطربة متكررة العبارات، ليست بمستقيمة كما هو ظاهر لمن قرأها فضلا عمن تأملها. فكيف لم ينبه عليها الذين قرضوا كتابه؟!
تخريج الحديث:
حديث أنس المذكور: أخرجه الطبراني في "الأوسط " (1/ 152- 153)، وفي "المعجم الكبير" (24/ 352)، وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 121). من طريق روح بن صلاح حدثنا سفيان الثوري عن عاصم الأحول عن أنس.
وفي هذا الإسناد روح بن صلاح: ضعفه الدار قطني، قال الذهبي: الدار قطني لا يضعف إلا من لا طب فيه. ا هـ، نقله عنه المناوي في "فيض القدير" (1/ 28).
وضعفه ابن عدي، وابن ماكولا وقال: "ضعفوه "، وقال ابن يونس في "تاريخ الغرباء": رويت عنه مناكير.
أما توثيق ابن حبان فعلى قاعدته في توثيق المجاهيل، وقد ترجم روحا في "الثقات " فقال: "روح بن صلاح من أهل مصر، يروي عن يحيى بن أيوب وأهل بلده. روى عنه محمد بن إبراهيم البوشنجي وأهل مصر" ا هـ (2/132/2 من ترتيب الهيثمي نسخة دار الكتب).
فهذا ظاهر أنه مجهول، فلا يتكثر بتوثيق ابن حبان، والحاكم تلميذ ابن حبان فلعله استقى توثيقه منه.
ومن كان ضعيفا فلا يقبل حديثه، فكيف إذا تفرد به فإن هذا الحديث لم يروه أحد من أصحاب سفيان الثوري مطلقا ولذا قال الطبراني في "الأوسط " ونقله عنه أبو نعيم في "الحلية": "تفرد به روح
بن صلاح " ومعلوم أن الضعيف إذا تفرد بحديث صار منكرا كما قاله الذهبي في "الميزان " في ترجمة ابن المديني وسبقت الإشارة إلى ذلك.
قوله: "رواه ابن حبان والحاكم وصححوه عن أنس ".
لم يذكر هذا التخريج الحفاظ الجهابذة، ابن حجر في "الإصابة" ولا السيوطي في "الجامع الكبير"، وذكر كل ما فيه المتقي الهندي في "كنز العمال" في موضعين ولم يذكر هذا المخرج.
وكأن المؤلف اغتر بالكوثري فهو الذي عزا هذا العزو في "مقالاته " ص 391 وحاله في التلبيس والتحريف تعلم من "التنكيل "للعلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني.
أما قول الكاتب:
"ورواه كذلك ابن عبد البر عن ابن عباس "، فهذا تدليس شديد، وتلبيس عتيد، فرواية ابن عباس ليس فيها توسل النبي صلى الله عليه وسلم بحقه وحق الأنبياء، فهذه اللفظة ليست في رواية ابن
عباس فلماذا يلبس صاحب المفاهيم على المطالعين لكتبه، أيريد إثبات أمر لم يثبت ولم يرو، إن إيراد الشواهد في باب معناه عند العلماء أن الشاهد يدل على ما ترجم به، وهذا لا يوجد في كلام صاحب المفاهيم، فكأن له قصدا يستخفي به، ويتدسس لإثباته. وإليك ما قاله ابن عبد البر في "الاستيعاب " (4/ 1891)، قال:
" روى سعدان بن الوليد السابري عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: لما ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب ألبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه واضطجع معها في قبرها، فقالوا: ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه. فقال: إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها، إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة واضطجعت معها ليهون عليها."اهـ.
فأفادنا هذا التوثيق عوار ما قاله صاحب المفاهيم ملبسا تلبيسين:
الأول: قوله "رواه " وأنت ترى أن ابن عبد البر لم يروه وإنما حكى أن سعدان بن الوليد رواه وفرق بعيد بين الحالين.
الثاني: أن الشاهد في التوسل بحق النبي والأنبياء ليس له ذكر في خبر ابن عباس، فتحفظ مما يمليه هؤلاء المبطلة، وكن حذرا.
وقال صاحب المفاهيم ص 66ـ67
"قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو نصر بن قتادة وأبو بكر الفارسي قالا: حدثنا أبو عمر بن مطر حدثنا إبراهيم بن علي الذهلي حدثنا يحيى بن يحى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن مالك قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر بن الخطاب فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق الله لأمتك فإنهم قد هلكوا. فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: "إيت عمر فأقرئه مني السلام وأخبرهم أنهم مسقون، وقل له: عليك بالكيس الكيس". فأتى الرجل فأخبر عمر فقال: يا رب لا آلوا إلا ما عجزت عنه.
وهذا إسناد صحيح [كذا قال الحافظ ابن كثير في البداية (ب 7 - ص 91)[10][10] في "حوادث عام ثمانية عشر.] ا هـ كلام صاحب المفاهيم.
أقول: الكلام هنا في مبحثين:
الأول: الحافظ ابن كثير ساق قبل رواية البيهقي رواية سيف وفيها أن عمر رضى الله عنه صعد المنبر فقال للناس: أنشدكم الله الذي هدا كم للإسلام هل رأيتم مني شيئا تكرهون؟
فقالوا: اللهم لا. وعم ذلك؟
فأخبرهم بقول المزني وهو بلال بن حارث. ففطنوا ولم يفطن. فقالوا: إنما استبطأك في الاستسقاء فاستسق بنا. ا هـ المقصود.
وهذه الرواية مبينة أن قول نبي الله لعمر في رواية سيف: "عهدي بك وفي العهد شديد العقد فالكيس الكيس يا عمر.. " هو ما فسرها صحابة رسول الله (ففطنوا ولم يفطن) عمر، كما جاء صريحا، وهو إرشاده للاستسقاء. وفي هذا سر لطيف وهو أن قول القائل "يا رسول الله استسق الله
لأمتك " منكر جره تباطؤ عمر عن طلب السقيا، وعدم الفزع إلى المشروع يجر إلى وجود غير المشروع. فلذا قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : "عهدي بك وفي العهد شديد العقد فالكيس الكيس. أقول هذا مع ضعف الرواية، لأبين مقصد ابن كثير حين ساق الروايتين الضعيفتين..
إذا تبين هذا عُلم فضل علم ابن كثير رحمه الله حيث جعل رواية البيهقي هي الثانية ورواية سيف المفصلة معنى الكيس هي الأولى، فتأمل هذا، وتبين مقاصد الحفاظ في أحكامهم.
ويقال: تأخر عمر عن الاستسقاء وهو العبادة المشروعة التي يحبها الله، لما فيها من الذل بين يديه، والانكسار له، وتوجه القلوب بصدق وإخلاص نحو ربها لكشف ضرها، إن تأخر عمر عن الاستغاثة المشروعة سبب هذا الأمر غير المشروع. ولذا لم يفعل أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما فعل هذا الرجل الذي جاء إلى قبر نبي الله صلى الله عليه وسلم وقال ما قال، وهم إنما سقوا باستسقائهم، لا بقول الرجل غير المشروع. فتنبه لهذا.
الثاني: أن هذه الرواية التي ساقها الحافظ ابن كثير من رواية البيهقي في "دلائل النبوة" فيها علل يعلل بها المحدثون:
الأولى: عنعنة الأعمش، وهو مدلس، والمدلس لا يقبل من حديثه إلا ما قال فيه ثنا و خبرنا ونحوها، دون قال أو عن إذ احتمال أنه أخذه عن ضعيف يهي الحديث بذكره، كما هو معلوم في "مصطلح الحديث "، مع أن الأعمش في الطبقة الثانية من المدلسين عند الحافظ وغيره.
الثاني: مالك الذي في إسناده والذي هو عمدة الرواية، مجهول، وذكره البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيها تعديلا ولا جرحا، فهو مجهول. والمجهول لا يقبل حديثه.
وابن كثير إنما صحح الإسناد على طريقته في توثيق مجاهيل كبار التابعين كما يعلم من تتبع صنيعه في التفسير وغيره. وإذا كان مجهولا فلا علم لنا بتاريخ وفاته.
الثالث: أن أبا صالح وهو ذكوان الراوي عن مالك لا يعلم سماعه ولا إدراكه لمالك، إذ لم نتبين وفاة مالك، سيما ورواه بالعنعنة فهو مظنة انقطاع، لا تدليس.
الرابع: أن تفرد مالك المجهول به رغم عظم الحادثة وشدة وقعها على الناس إذ هم في كرب شديد أسود معه لون عمر بن الخطاب.
إن سببا يفك هذه الأزمة ويرشد إلى المخرج منها مما تتداعى همم الصغار فضلا عن الكبار لنقله وتناقله، كما في تناقلهم للمجاعة عام الرمادة، فإذا لم ينقلوه مع عظم سبب نقله دل على أن الأمر لم يكن كما رواه مالك، فلعله ظنه ظنا.
ونقل الكاتب ص 67 قول الحافظ في هذه الرواية:
"روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار وكان خازن عمر... " فساق نحوا من حديث البيهقي..
قال صاحب المفاهيم:
"وقد أورد هذا الحديث ابن حجر العسقلاني وصحح سنده كما تقدم، وهو من هو في علمه ونضله ووزنه بين حفاظ الحديث مما لا يحتاج إلى بيان وتفصيل! ا هـ.
أقول: منزلة الحافظ لا مكان للمجادلة فيها فهو علم أشم في علوم الحديث، ولكن الشان في فهم من ينتسب إلى العلم، ولا يدرك ألفاظ الحافظ ومدلولاتها..
فالحافظ المِدْره الجهبذ ابن حجر لم يصحح إسناده مطلقا كما زعمه صاحب المفاهيم إنما قال: "بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار... " ا هـ
ومعنى هذا أن الحافظ صحح سنده إلى أبي صالح السمان وما ذكر من رجال إسناده لم يقل بصحته كما هو ظاهر لأهل العلم، ففرق بين قوله هذا وبين ما لو قال " بإسناد صحيح أن مالك الدار
فتبين أن كلام الحافظ هذا لا يمنع من علتين سبق تعليل الحديث بهما.
الأولى: جهالة مالك الدار.
الثانية: مظنة الانقطاع بين أبي صالح ذكوان وبين مالك الدار.
إذا تقرر هذا واتضح، علم فضل قول الحافظ ابن حجر رحمه الله على قول ابن كثير الذي سبق.
ومنه يتبين ضعف الأثر.
ثم قد أوضحت أنه لا حجة في لفظه، بل ينعكس به الاستدلال على صاحب المفاهيم، وذلك إذا سلمت النفوس، وارتضت قواعد أهل العلم طريقا وسبيلا للوصول للحق، ومن لم يكن كذلك فلا
يباليه أهل العلم بالة، ولا يأخذون بالوزن مقاله.
رواية سيف في الفتوح:
قال صاحب المفاهيم ص 67:
(وقد ررى سيف في الفتوح أن الذي رأى في المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة. قال ابن حجر: إسناده صحيح ا هـ أفتح الباري ص 415 ب 2،. " انتهى
أقول: هذا كذب ظاهر على الحافظ ابن حجر، فكلامه انتهى عند قوله أحد الصحابة. أما قوله قال ابن حجر: إسناده صحيح، فهو من مفتريات صاحب المفاهيم على الحافظ، فانظر كيف فعلته، وسوء صنعته. وكيف يصحح الحافظ إسنادا، يرويه سيف في (الفتوح)، والحافظ هو الذي يقول في سيف في كتابه "تقريب التهذيب،: "ضعيف الحديث:، ومن قال فيه ذلك فلا يقبل حتى في المتابعات كما هو معلوم من اصطلاحه، ذكره في مقدمة كتابه، وسيأتي في المسألة التي تلي هذه، كلام الحفاظ في سيف.
فما لصاحب المفاهيم وتعمد الكذب، فتعمده الكذب كبيرة، قال في (المشرع الروي في مناقب آل أب علوي أ (1/58): "إن القبيح من أهل البيت أقبح منه في غيرهم، ولهذا قال العباس لابنه عبد الله رضى الله عنهما، يا بني إن الكذب ليس بأحد أقبح من هذه الأمة أقبح منه بي وبك وبأهل بيتك " اهـ
وقال ص 67:
" ذكر الحافظ ابن كثير أن شعار المسلمين في موقعة اليمامة كان [محمداهـ]".
أقول: ابن كثير رحمه الله ساق ذلك في ضمن خبر طويل عن الغزوة، دخل حديث بعض الأخباريين في بعض. وأما هذا الشعار فقد روى خبره ابن جرير في (تاريخ الأمم والملوك! (293/3) قال: (كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الضحاك بن يربوع عن أبيه عن رجل من بني سحيم..) فذكر قصة وفيها الشعار.
أقول: هذا إسناد مظلم، وما عهدت مسائل العقيدة والتوحيد، بل ولا غيرها من أحكام الشريعة تؤخذ من كتب التاريخ، وإنما تروى قصص التأريخ للعبرة والعظة، والتصديق بمجموعها، لا تفاصيلها
ولهذا قال أحمد بن حنبل: (ثلاثة ليس لها أصول وذكر المغازي.." وإظلام هذا الإسناد من ثلاث جهات:
الأولى: سيف هو ا بن عمر مصنف "الفتوح " و "الردة"، يروي عن خلق كثير من المجهولين.
قال الذهبي في "ميزان الاعتدال " (255/2): "روى مطين عن يحيى: فلسٌ خير منه. وقال أبو داود: ليس بشيء.
وقال أبو حاتم: متروك.
وقال ابن حبان: اتهم بالزندقة.
وقال ابن عدي: عامة حديثه منكر.." اهـ.
الثانية: الضحاك بن يربوع: قال الأزدي: حديثه ليس بقائم.
قلت: وهو من المجهولين الذين تفرد بالرواية عنهم سيف.
الثالثة: جهالة يربوع والرجل السحيمي.
وكل واحدة من هذه العلل والقوادح تضعف الحديث، فكيف وهو من رواية سيف بن عمر، وقد عرفت ما فيه، نسأل الله العافية.
ولا تستنكر إيراد ابن جرير لمثل هذه الحكايات الواهيات، وتتابع المؤرخين بعده على ذكرها، فقد قال ابن جرير رحمه الله في مقدمة كتابه "تاريخ الأمم والملوك " (8/1) ما نصه: 9 فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارؤه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة، ولا معنى في الحقيقة: فيعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وأنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا" انتهى كلامه.
. استدل صاحب المفاهيم على زعمه بجواز التوسل بحق الصالحين بحديث أبي سعيد الخدري الذي ساقه ص 65- 66 ولفظه:
"من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعه.. الحديث" .
أقول: المؤلف قصر في الحكم على الحديث والنظر في إسناده على عادته.
فالحديث أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (3/ 21)، وابن ماجه في "سننه " (256/1)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (85)
وأشار ابن خزيمة في "التوحيد" ص 17 إلى تخريج الحديث في كتاب آخر، كلهم عن فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري به مرفوعا. وهذا إسناد ضعيف لأمور:
(1) ـ فضيل بن مرزوق: وثقه بعضهم وضعفه آخرون، وهو ممن عيب على مسلم رحمه- الله إخراج حديثهم في "الصحيح "، كما قال الحاكم رحمه الله. وأغلظ ابن حبان فقال: "يروي عن عطية الموضوعات".
(2) ـ عطية العوفي: قال الذهبي في "الميزان": "تابعي شهير، ضعيف...، وقال أحمد: ضعيف الحديث.. وقال النسائي وجماعة: ضعيف" ا هـ
(3)- عطية مدلس مع ضعفه، وتدليسه عجيب، قال أحمد: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي، فيأخذ عنه التفسير، وكان يكنى بأبي سعيد فيقول: قال أبو سعيد. انتهى.
(4)- وقد أعل الحديث الشيخ ناصر الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1/ 37) بعلة أخرى، وهي: اضطراب عطية أو ابن مرزوق في روايته، حيث إنه رواه تارة مرفوعا كما تقدم، وأخرى موقوفا
على أبي سعيد كما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (12/ 110/ 1) عن ابن مرزوق به موقوفأ.
وفي رواية البغوي من طريق الفضيل قال: أحسبه قد رفعه وقال ابن أبي حاتم في "العلل، (184/2): موقوف أشبه انتهى، وهو كلام متجه، لأن المضطربين ضعاف في حديثهم فلا يحمل ذلك على غير الاضطراب، كما هو معلوم من "أصول الحديث ".
وقد حسن إسناد الحديث الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء الصغير" (1/323). وحسن الحديث الحافظ ابن حجر فقال في "نتائج الأفكار": "حديث حسن أخرجه أحمد وابن ماجة وابن خزيمة
في كتاب التوحيد وأبو نعيم الأصبهاني. قال: وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم عن فضيل عن عطية قال: حدثني أبو سعيد فذكره. ولكنه لم يرفعه. فقد أمن بذلك تدليس عطية.. " انتهى.
أقول: أفاد الحافظ هنا أن تحسينه الحديث لأجل انتفاء تدليس عطية وفي هذا نظر من وجهين:
الأول: أن تدليس عطية ليس هو تدليس الإسناد المعروف حتى. يؤمن بقوله حدثني، بل هو تدليس آخر، فعطية يقول: حدثني أبو سعيد أو قال أبو سعيد ويعني به الكلبي. كما أفاد الإمام أحمد رحمه
الله.
الثاني: أن الحافظ ذكر أن الرواية التي فيها حدثنا أبو سعيد موقوفة فلم لم يعلها بالاضطراب، وحقها ذلك.
إذا علم هذا النظر، فقد قال جماعة كثيرون من الحفاظ بضعف الحديث منهم: الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، في "الترغيب والترهيب" (3/ 459)
ومنهم! الحافظ النووي في "الأذكار" ص 25.
ومنهم: شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (288/1).
ومنهم: البوصيري الحافظ في "زوائد ابن ماجة".
وغيرهم، ممن أصاب الحق، فمن تأمل ما ذكر متجردا منصفا، علم أن قول هؤلاء الحفاظ الأكثرين هو الأصوب، والله أعلم.
تنبيه: قال ثميخ الإسلام على هذا الحديث في "مجموع "الفتا و ى " (1/ 288):
(وهذا الحديث من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد، وهو ضعيف بإجماع أهل العلم، وقد روي من طريق آخر[11][11]، وهو ضعيف أيضا.
ولفظه لا حجة فيه فإن حق السائلين عليه أن يجيبهم، وحق العابدين أن يثيبهم، وهو حق أحقه الله تعالى على نفسه الكريمة بوعده الصادق باتفاق أهل العلم، وبإيجابه على نفسه في أحد أقوالهم..
وهذا بمنزلة الثلاثة الذين سألوه في الغار بأعمالهم " انتهى.
وقال رحمه الله (217/1):
"أومن قال بل للمخلوق على الله حق فهو صحيح إذا أراد به الحق الذي أخبر الله بوقوعه، فإن الله صادق لا يخلف الميعاد، وهو الذي أوجبه على نفسه بحكمته وفضله ورحمته، وهذا المستحق لهذا الحق إذا سأل الله به يسأل الله تعالى إنجاز وعده، أو يسأله بالأسباب التي علق الله بها المسببات كالأعمال الصالحة، فهذا مناسب.
وأما غير المستحق لهذا الحق إذا سأله بحق ذلك الشخص فهو كما لو سأله بجاه ذلك الشخص، وذلك سؤال بأمر أجنبي عن هذا السائل، لم يسأله بسبب يناسب إجابة دعائه " ا هـ.
وقال (214/1):
"وذلك أن النفوس الجاهلية تتخيل أن الإنسان بعبادته وعلمه. يصير له على الله حق من جنس ما يصير للمخلوق على المخلوق. كالذين يخدمون ملوكهم وملاكهم، فيجلبون لهم منفعة، ويدفعون عنه مضرة، ويبقى أحدهم يتقاضى العوض والمجازاة على ذلك.
ويقول له عند جفاء أو إعراض يراه منه: ألم أفعل كذا؟ يمن عليه بما يفعله معه، وإن لم يقل ذلك بلسانه كان ذلك في نفسه. وتخيل مثل هذا في حق الله تعالى من جهل الإنسان وظلمه) ا هـ.
قال ص 62 معنونا "التوسل بآثاره " صلى الله عليه وسلم
"ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبركون بآثاره صلى الله عليه وسلم وهذا التبرك ليس له إلا معنى واحد ألا وهو التوسل بآثاره إلى الله تعالى، لأن التوسل يقع على وجوه كثيرة لا على وجه واحد. أفتراهم يتوسلون بآثاره ولا يتوسلون به.
هل يصح أن يتوسل بالفرع ولا يصح بالأصل".
أقول: لما كان أكثر من يتبع ما يدعو إليه المبتدعة الجهال الطغام الذين لا يفقهون الفروق اللغوية ولا الشرعية بين الألفاظ، لما كان كذلك سهل على رؤسائهم وسادتهم أن يتلاعبوا بهم، وبالألفاظ
الشرعية واللغوية فتلوى أعناقها وتكسر أيديها وتعكف أرجلها لتوافق ما يريدون.
وهذه الأسطر التي نقلتها من هذه البابة.
فالصحابة ثبت أنهم يتبركون بذاته صلى الله عليه وسلم وما بأيديهم من آثاره الجسمية كالشعر والعرق ونحو ذلك.
والتبرك بذاته صلى الله عليه وسلم مما نقر به ونؤمن به كما يأتي بيانه. ولكن أين وجد مؤلف المفاهيم أن التبرك يسمى توسلا، وكيف استجاز أن يخرق أقوال أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم بتسميته توسلا. البركة شيء والوسيلة شي ة آخر.
ولذا تعلم مجازفة وتعدي صاحب المفاهيم على صحابة رسول الله بقوله "هذا التبرك ليس له إلا معنى واحد ألا وهو التوسل بآثاره". ليٌ لفعل الصحابة ظاهر، وكسر لأعناق تصرفاتهم جائر. وهو يريد تقرير
ء69"-
مذهبه ولكن بطريق غير علمية لا تصلح إلا في الأزمنة الجاهلية حيث يتبع الناس ساداتهم دون بحث ونظر، وبقي منهم بقية، ولكن اليقظة العلمية الشرعية كفيلة برد مزاع~" إليه ولو من أتباعه.
أنس رضى اللة عنه كان عنده شعرة يتبرك بها، فهلا أحضرت لنا نقلا واحدا أنه قال مرة: "أتوسل بشعر رسول الله.. " لن تستطيع ولو طرت إلى الثريا لن يأتي المبتدعة بشيء من هذا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
إن الصحابة يفرقون بين التبرك بالأثر المنفصل عن جسمه، وبين التوسل. ولكن القوم لا يفهمون، أو يفهمون وعلى الصحابة يجنون. والحمد لله فنحن أهل السنة على طريق الصحابة سائرون، وبما
قالوه قائلون.
وقال ص 64:
"وهذا في الحقيقة ليس إلا توسلا بآثار أولئك الأنبياء إذ لا معنى لتقديمهم التابوت بين أيديهم إلا ذلك، والله سبحانه راض عن ذلك بدليل أنه رده إليهم وجعله علامة وآية على صحة ملك طالوت، ولم ينكر عليهم ذلك الفعل " ا هـ.
هذا آخر كلامه في "التوسل بآثار الأنبياء"
وواضح لأدنى ذي مسكة من علم ما في كلِمه من عوار:
(ففيه): أن تقديمهم التابوت بين أيديهم مفتقر إلى إثباته لا أن تجعل مقالات بعض المؤرخين مما نقله الإخباريون في مجالسهم مقام النصوص التي يستدل. بها ويفرع عليها.
فلم أسمع أحدا ممن ارتبط بالعلم بسبب من المتقدمين "والمتأخرين يستدل لحكم شرعي عقدي بقول مؤرخ.
أسفا على ما أصله العلماء فقد ذهب حين نطق أشباه العلماء. فإن كانت الإسرائيليات حجة عند كاتب المفاهيم وأشباهه كما هو ظاهر من احتجاجهم بها فليحتجوا بما رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء،
(10/ 9): قال يوسف عليه السلام: اللهم إني أتوجه إليك بصلاح آبائي إبراهيم خليلك وإسحاق ذبيحك! ويعقوب إسرائيلك.
فأوحى الله تعالى إليه: يا يوسف تتوجه بنعمة أنا أنعمتها عليهم؟
فاحتجوا بهذا يا أصحاب المفاهيم!
(وفيه) التجني على مقام الربوبية بقوله "والله سبحانه راض عن ذلك" فانظر جزمه برضى المولى على فعل نقله الأخباريون لا يثبت عند العلماء، وليس له وزن.
يوصف الله بالرضى عن فعل لم يقله هو ولا رسوله. وإنما قاله المؤرخون.
ياله من تسرع، وسؤ نظر، وقلة مبالاة، نسأل الله السلامة، نسأل الله السلامة، نسأل الله السلامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال ص 64: معنونا: "التوسل بآثار الأنبياء"
ثم ساق قوله تعالى: "وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ".
ونقل عن ابن كثير في "تاريخه " قول ابن جرير: "كانوا ينصرون ببركته وبما جعل الله فيه من السكينة".
أقول: كم بين الدعوى والدليل من بون تنقطع أكباد المهاري البزل عن وصوله، فالدعوى: التوسل بآثار الأنبياء، ودليل هذا عند قائله قول ابن جرير: "كانوا ينصرون ببركته ".
ففي هذا افتئات على العلم الشرعي وجناية من أوجه:
الأول: أن الآيات ليس فيها إلا أنهم أنكروا ملك طالوت، لكونه ليس من سلالة الملك، فقال لهم نبيهم إن آية صحة ملكه أن يأتيكم التابوت تسكنون لصحة كونه آية، وفيه بقية مما ترك آل موسى وآل
هارون تستدلون بهذه البقية على الصحة دليلا ثانيا، والدليل الثالث أن الملائكة تحمله. هذا ما دلت عليه الآية.
الثاني: أن كلام ابن جرير وغيره بحاجة إلى أن يستدل له لا أن يستدل به.
الثالث: هبهم كانوا يتبركون فأين الدليل على أنهم كانوا يتوسلون به، ومؤلف المفاهيم لا يفرق بين التبرك، والتوسل.
الرابع: هبه كما زعمت، فمن أين جزمت أن ما جاز في شرع من قبلنا جائز في شرعنا مطلقا.
الخامس: من أدلة عدم جواز فعل ما فعلت بنو إسرائيل- إن صح - ترك النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك والتوجيه إليه في سراياه التي بعثها، وهزم المسلمون فيها، كغزوة مؤته ونحوها، أفلا بعث شيئا من آثاره كملابسه ونحوها لينصرون بها.
إن عدم الفعل مع اشتداد الحاجة إليه دليل على أن ذلك ليس مشروعا عندنا.
السادس: وهذا فهم الصحابة بعد نبيهم صلى اله عليه وسلم لم يأخذوا شيئا من آثاره ليبعثوها مع المجاهدين تبركا بها، واستنصارا بها، وإنما بعثوا و الرجال العاملين المخلصين، وتفقدوا أمر السنن في حروبهم، تفقدوا آثار أنبيائهم الآمرة الناهية لا آثارهم الجسمية، هذا شأنهم في حروبهم.
وقال في ص 66 معنونا:
"التوسل بقبر النبي صلى اله عليه وسلم بعد وفاته" وذكر برهانه على هذا العنوان
الغريب، فقال: قال الإمام الحافظ الدارمي في كتابه "السنن": باب ما أكرم الله تعالى نبيه صلى اله عليه وسلم بعد موته.
حدثنا أبو النعمان حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عمرو بن مالك البكري[12][12] حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال: قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا إلى عائشة فقالت: انظروا قبر النبي صلى اله عليه وسلم فاجعلوا منه كوا إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، قال: ففعلوا. فمطرنا مطرا حتى نبت العشب وسمنت الإبل (تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق ومعنى كوا أي نافذة) ا هـ سنن الدارمي (ج 1ص 43) 0 انتهى ما نقله صاحب المفاهيم.
ووضعه (تفتقت من الشحم 000) إلخ بين أقواس من تصرفه وإخلاله بالنقل السليم. فإن اللفظ في سنن الدارمي (1/43) هكذا:
"وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق " اهـ
هذه عبارة سنن الدارمي فتصرفه مذموم وزاد على الأثر قوله: ومعنى كوا أي نافذة وهذه ليست في سنن الدارمي التي نص على النقل عنها.
وهذه الأثر ضعيف جدا لا حجة فيه، لأوجه:
الأول: أن راويه عمرو بن مالك النكري ضعيف بمرة، قال ابن عدي في "الكامل " 6/ 1799: "منكر الحديث عن الثقات، وشرق الحديث سمعت أبا يعلى يقول: عمرو بن مالك النكري: كان
ضعيفا. " ثم قال بعد أن ساق أحاديث: "و لعمرو غير ما ذكرت أحاديث مناكير" ا هـ، وقال ابن حبان: "يخطى ويغرب " ا هـ
فعمرو وأمثاله ممن هذه حالهم كيف يجترأ على الاحتجاج بروايتهم، أما من غيرة على سنة رسول الله وشريعته من سراق الحديث؟!
الثاني: أن سعيد بن زيد الراوي عن عمرو فيه ضعف، قال يحيى بن سعيد: ضعيف. وقال السعدي: يضعفون حديثه. وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي، وقال أحمد: ليس به بأس: كان يحيى بن سعيد لا يستمرؤه. ساق هذه الأقوال الذهبي في "الميزان "
الثالث: قال شيخ الإسلام في "مختصر الرد على البكري " ص 68- 69: "وما روي عن عائشة رضى الله عنها من فتح الكوة من قبره إلى السماء لينزل المطر فليس بصحيح ولا يثبت إسناده، وإنما نقل ذلك من هو معروف بالكذب ومما يبين كذب هذا أنه في مدة حياة عائشة لم يكن للبيت كوة بل كان بعضه باقيا كما كان على عهد النبي صلى اله عليه وسلم بعضه مسقوف وبعضه مكشوف، وكانت الشمس تنزل فيه كما ثبت في "الصحيحين "عن عائشة أن النبي صلى اله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيئ بعد.
ولم تزل الحجرة كذلك حتى زاد الوليد بن عبد الملك في المسجد في إمارته لما زاد الحجر في مسجد الرسول صلى اله عليه وسلم. " انتهى.
وبعد أن تبين وانجلى نكارة هذه الحكاية نقلا وعقلا، إسنادا وتأريخا يعلم أن قول صاحب المفاهيم بعد سياق الأثر:
"فهذا توسل بقبره صلى اله عليه وسلم ، لا من حيث كونه قبرا، بل من حيث كونه ضم جسد أشرف المخلوقين وحبيب رب العالمين، فتشرف بهذه المجاورة العظيمة، واستحق بذلك المنقبة الكريمة". اهـ. مما اعتمد فيه على المنكرات الواهيات، ولهذا فلا قيمة لكلامه، ولو بنخالة شعير، أو وزن قطمير. وهذا ظاهر لكل أحد، والحمد لله على توفيقه.
وقال صاحب المفاهيم في ص 72 بعد سياقه قصة العتبي: "فهذه القصة رواها الإمام النووي في كتابه المعروف بالإيضاح في الباب السادس ص 498.
ورواها أيضا الحافظ عماد الدين ابن كثير في تفسيره الشهير عند قوله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم... ~ الآية.
ورواها أيضا الشيخ أبو محمد بن قدامه في كتابه "المغني " (ج 3 ص 556).. " انتهى.
أقول: هذه عبارات عامية، ليست علمية، ولا تنبئ عن فهم طالب علم، ذلك أن قوله رواها،... ورواها... إلخ خطأ محض. لأن كلمة رواها لا تقال إلا لمن ساق القصة بإسناده بقوله حدثنا أو أخبرنا أو نحوها من كلمات التحمل والأداء.
(1)- فالنووي لم يروها، وإنما قال في "المجموع شرح المهذب " (8/ 274) وفي آخر منسكه المعروف بـ " الإيضاح" : "ومن أحسن ما يقول: ما حكاه أصحابنا عن العتبي مستحسنين
له، قال: كنت جالسا عند قبر لنبي صلى اله عليه وسلم... " انتهى.
فهذا هو قول النووي، وما هو برواية، ومن قال إنه رواية فإما أن يكون لا فقه له ولا فهم بمصطلحات العلماء. وإما أن يكون متشبعا بما لم يعط، ملبسا، فهذا لا حيلة فيه.
(2)- وابن كثير لم يروها، وإنما قال في "تفسيره ": "ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي... ". وما هذه برواية، وإنما هو نقل.
(3)- وابن قدامة في "المغني" لم يروها وإنما حكاها بصيغة التضعيف (3 / 557) فقال: "ويروى عن العتبي... ".
وليست هذه رواية، إنما نقل بصيغة التمريض وهي تفيد التضعيف. ثم المؤلف يعلم أن قصة العتبي ضعيفة السند واهية، فهي مردودة غير صحيحة.
ولعلمه بذلك أورد الشبهة التي لم يبق له مع الضعف إلا هي، فقال ص 73: "هذه قصة العتبي، وهؤلاء الذين نقلوها ، وسواء أكانت صحيحة أم ضعيفة من ناحية السند الذي يعتمد عليه
المحدثون في الحكم على أي خبر، فإننا نتساءل ونقول: هل نقل هؤلاء الكفر والضلال؟ أو نقلوا ما يدعو إلى الوثنية وعبادة القبور.... "ا هـ.
أقول:
أولا: مادام أنها ليست من سنة الرسول صلى اله عليه وسلم ولا فعل خلفائه الراشدين، وصحابه المكرمين، ولا من فعل التابعين والقرون المفضلة وإنما هي مجرد حكاية عن مجهول، نقلت بسند ضعيف فكيف يحتج بها في عقيدة التوحيد الذي هو أصل الأصول، وكيف يحتج بها وهي تعارض الأحاديث الصحيحة التي نهى فيها عن الغلو في القبور والغلو في الصالحين عموما وعن الغلو في قبره والغلو فيه صلى اله عليه وسلم خصوصا، وأما من نقلها من العلماء أو استحسنها فليس ذلك بحجة تعارض بها النصوص الصحيحة وتخالف من أجلها عقيدة السلف فقد يخفى على بعض العلماء ما هو واضح لغيرهم وقد يخطئون في نقلهم ورأيهم وتكون الحجة مع من خالفهم. وما دمنا قد علمنا طريق الصواب فلا شأن لنا بما قاله فلان أو حكاه فلان فليس ديننا مبنيا على الحكايات
والمنامات. وإنما هو مبني على البراهين الصحيحة.
ثانيا: قد تخفى بعض المسائل والمعاني على من خلع الأنداد وتبرأ من الشرك وأهله، كما قال بعض الصحابة "اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط" فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم: "الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده ما قاله أصحاب موسى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة". حديث صحيح.
والحجة في هذا أن هؤلاء الصحابة وإن كانوا حديثي عهد بكفر فهم دخلوا في الدين بلا إله إلا الله، وهي تخلع الأنداد وأصناف الشرك وتوحد المعبود، فمع ذلك ومع معرفة قائليها الحقة بمعنى لا
إله إلا الله، خفي عليهم بعض المسائل من أفرادها. وإنما الشأن أنه إذا وضح الدليل وأبينت الحجة فيجب الرجوع إليها والتزامها، والجاهل قد يعذر، كما عذر أولئك الصحابة في قولهم: اجعل لنا ذات
أنواط، وغيرهم من العلماء أولى باحتمال أن يخفى عليهم بعض المسائل ولو في التوحيد والشرك.
ثالثا: كيف يتجاسر أحد أن يعارض نصوص كتاب الله، وسنة رسوله صلى اله عليه وسلم بقول حكاه حاكٍ مستحسنا له، والله سبحانه يقول: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن. نصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).
قال الإمام أحمد: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة) أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد
بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. رواه عن أحمد الفضل بن زياد، وأبو طالب، ولعله في كتاب "طاعة الرسول صلى اله عليه وسلم " لأحمد رحمه الله.
فطاعة رسول الله صلى اله عليه وسلم مقدمة على طاعة كل أحد، وإن كان خير هذه الأمة أبا بكر وعمر، كما قال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر.
فكيف لو رأى ابن عباس هؤلاء الناس الذين يعارضون السنة
الثابتة، والحجة الواضحة بقول أعرابي في قصة العتبي الضعيفة المنكرة.
إن السنة في قلوب محبيها أعظم وأغلا من تلك الحجج المتهافتة التي يدلي بها صاحب المفاهيم البدعية، تلك المفاهيم المبنية على المنامات والمنكرات. فاعجب لهذا، وجرد المتابعة لرسول الله صلى اله عليه وسلم، وحذار ثم حذارِ من أن ترد الأحاديث الصحيحة، وتؤمن بالأخبار الباطلة الواهية، فيوشك بمن فعل ذلك أن يقع في قلبه فتنة فيهلك.
رابعا: ما من عالم إلا ويردّ عليه في مسائل اختارها إما عن رأي أو عن ضعف حجة، وهم معذورون قبل إيضاح المحجة بدلائلها، ولو تتبع الناس شذوذات المجتهدين ورخصهم لخرجوا عن دين الإسلام إلى دين آخر، كما قيل: من تتبع الرخص تزندق. ولو أراد مبتغي الفساد والعدول عن الصراط أن يتخذ له من رخصهم سلما يرتقي به إلى شهواته لكان الواجب على الحاكم قمعه وصده وتعزيره، كما هو مشهور في فقه الأئمة الأربعة وغيرهم.
وما ذكر فقيه أن من أحال لتبرير جرمه على قول عالم علم خطؤه فيه أنه يقبل منه ولا يؤخذ بالعتاب.
اللهم احفظ علينا ديننا وتوحيدنا.
وعنون صاحب المفاهيم ص 76:
"بيان أسماء المتوسلين من أئمة المسلمين "
وعمدته في هذا إيراد أكثر أولئك العلماء حديثا فيه التوسل، وهذا من الحكم بالظن المنهي عنه، يل ثبت عن بعضهم وهم الأكثر خلاف ما زعمه، والقاعدة المقررة عند أهل العلم أن العالم إذا أورد أثرا بإسناد فقد خفف من العهدة التي تجب عليه من إتباع ذلك بالحكم على الحديث.
وإذا روي حديث وصححه راويه في كتاب له فلا يعني هذا إلزامه بالقول به، إذ قد يكون له نظر وفهم، ولعل سببا اكتنف حكم الحديث يمنع من القول به، من إجماع على خلافه، أو نسخ أو لكونه
ليس في شرعنا، ونحو ذلك.
وتفصيل هذا الإجمال يطلب من كتب لأصول.
قال المؤلف معددا أسماء:
1- فمنهم الحاكم في المستدرك فقد ذكر حديث آدم وصححه.
والجواب: حال الحديث أنه واضح الضعف، كما. نص الحاكم على ضعف راويه في "المدخل " وأن النسخة التي روي بها الحديث موضوعة، والمستدرك لم يحرره الحاكم، بل أكثره مسودة، كما سبق
تفصيل ذلك.
فالقول بأنه يقول به مع تضعيفه الشديد لرواية راويه، وضميمة القاعدة التي ذكرنا، ليس بمستقيم مع المنهج العلمي الموفق.
2- ومنهم البيهقي في "دلائل النبوة" فقد ذكر حديث آدم وغيره، وقد التزم أن لا يخرج الموضوعات.
والجواب: أن البيهقي عقب الحديث بين تفرد راويه عبد الرحمن مع ضعفه. وهذه علة توجب رد الحديث.
3- ومنهم السيوطي في كتابه "الخصائص النبوية" فقد ذكر الحديث وغيره.
والجواب: ذكره ولم يحكم عليه، وذكره في "تخريج الشفاء" اله وقال بضعف إسناده.
4- ومنهم ابن الجوزي في "الوفا" فقد ذكر الحديث وغيره.
والجواب: أن ابن الجوزي ذكر كل ما وجد ولم يتكفل بصحة إسناد، وقد ذكر في كتابه "مكذوبات يعرفها أهل الشأن "، ويعدونها من تناقضاته.
وقال (5، 6، 7)- ومنهم عياض وملا قاري والخفاجي.
والجواب: أن القاري والخفاجي قد ضعفوا حديث توسل آدم، والعبرة بتضعيفهم لابرأيهم، انظر شرح القاري (215/1)، وشرح الخفاجي (2/ 242).
قال 8.- ومنهم القسطلاني في كتابه "المواهب اللدنية".
والجواب: أن القسطلاني لا يفرد بقول بتصحيح حديث آدم، فإنما هو في كتابه هذا ناقل من السيوطي، وقد ذكرنا القصة في ذلك، وما قد يكون سببا لتأليف السيوطي "الفارق بين المصنف والسارق ".
قال 9- ومنهم الزرقاني في شرحه على المواهب (ج 1ص 44).
والجواب: ضعف الزرقاني حديث آدم، فإن كان رأيا ارتآه فليذكر دليله، ولم أجد في (ج1 ص 44) من شرح المواهب شيئا من ذلك.
قال 10- ومنهم النووي.
أقول ذكره قصة العتبي لا يعني أنه يجيز التوسل بالذوات ونحوه.
قال ومنهم ابن كثير.
الجواب: نقله قصة الأعرابي لا يعني تجويزه للتوسل بالذوات ونحوه، وقصة آدم ذكرها وضعف راويها.
وقصة الرجل الذي جاء إلى قبر النبي، بينت ما فيها فارجع إليه، وتصحيح إسنادها لا يعني القول بجواز فعلها، كما يشير إليه صنيع ابن كثير نفسه.
وذكره شعار المسلمين "يا محمداه" ليس مقصودا بل ورد في أثناء نقل طويل بإسناد مظلم.
قال: ومنهم ابن حجر فقد صحح سند قصة الرجل الذي جاء إلى قبر النبي.
والجواب: لم يصححها، وإنما قال: بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار.
وفي هذا تنبيه لعلة الرواية عنده، يفهمهما المشتغلون بعلم الحديث.
قال: ومنهم القرطبي المفسر.
الجواب: ذكر القرطبي نحوا من قصة الأعرابي وحكايته لها لا يدل على قوله بموجب كل لفظ فيها.
ومن هذا ينجلي الغطاء، وينكشف ما تحت الكساء، ويظهر أن قول صاحب المفاهيم فيه تجن على أكثر من ذكرنا قولهم، وما كان يحسن به هذا، وهو شيء لم يسبق إليه ولم يفعله المصنفون قبله، ذلك لأنه مردود على مقتضى قواعد أهل العلم، وبالله التوفيق.
ذكر ص 54:
استغاثة الخلق يوم القيامة بالأنبياء وآخرهم النبي محمد صلى اله عليه وسلم، ليشفع إلى ربه في أهل الموقف... إلخ
ثم قال:
"فهذا إجماع من الأنبياء والمرسلين وسائر المؤمنين، وتقرير من رب العالمين، بأن الاستغاثة عند الشدائد بأكابر المقربين من أعظم مفاتيح الفرج ومن موجبات رضى رب العالمين" ا هـ.
أقول: هذه جراءة قبيحة على رب العالمين، وعلى أنبيائه ورسله. فلو صعدت أبخرة هذه الجراءة إلي السحاب لنزل ماؤه سما زعافا، ولو نزلت إلى ينابيع الماء لقلبتها نارا تلظى.
ولكن الهوى يفسد العقول، ويجر إلى عبادة غير الله (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم). (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا).
أيكون دين الجاهلية قرره رب العالمين.
أيكون دين الجاهلية أجمع عليه: الأنبياء والمرسلون.
ما أقبح الهوى، وما أظهر الجاهلية في كلام كاتب المفاهيم الخاسرة. إن الذي يكون يوم القيامة أن الخلق يطلبون من النبي صلى اله عليه وسلم أن يشفع لهم إلى ربهم في فصل القضاء بينهم وإراحتهم من الموقف، وهذا الطلب جار على المألوف الجائز من طلب الشفاعة من حي
حاضر قادر بمعنى أن يدعو الله للطالب في حصول مقصوده فالشفاعة معناها طلب الدعاء من الحي الحاضر وهذا بخلاف طلب الشفاعة من الميت، أو التقرب إليه بشيء من أنواع العبادة بقصد أن يشفع له كما قال تعالى: (ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله).
قال ص 55:
(وفي الفتاوى الكبرى: سئل شيخ الإسلام رحمه الله: هل يجوز التوسل بالنبي صلى اله عليه وسلم أم لا؟ فأجاب: الحمد لله، أما التوسل بالإيمان به، ومحبته وطاعته والصلاة والسلام عليه، وبدعائه وشفاعته ونحو ذلك من ما هو من أفعاله وأفعال العباد المأمور بها في حقه، فهو مشروع باتفاق المسلمين[الفتاوى الكبرى ج1 ص 140]... " اهـ
أقول: جرى كاتب المفاهيم على هديه الذي رضيه لنفسه، وهو التحريف والتبديل، فبتر آخر كلام شيخ الإسلام، ليوهم أنه ساوى بين التوسل بدعائه وشفاعته صلى اله عليه وسلم حيا وميتا. وهذا تحريف للمعنى من جنس ما مر من تحريفاته. قال الشيخ بعد قوله الذي نقله الكاتب:
"وكان الصحابة رضى الله عنهم يتوسلون به في حياته، وتوسلوا بعد موته بالعباس عمه، كما كانوا يتوسلون به " اهـ
فهذا التفسير للإجمال السابق لابد من ذكره ونقله، وفيه أن التوسل به في حياته يكون بدعائه لمن طلب منه الدعاء، أوبابتدائه الدعاء لمن شاء من أصحابه. فهذا حق لأن نبي الله حي بين أظهرهم، ممكن من الدعاء في دار التكليف، ممكن من سؤال الله لمن طلب منه، بالنصوص القطعية.
أما بعد انتقاله صلى اله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، والحياة البرزخية فقد انقطع ما كان يعمله في حياته من الدعاء لمن طلب منه، والشفاعة لمن استشفعه.
وما خرج عن ذلك فهو مردود، إلا بنص، ولا نص منقول يدل عليه، لا صحيح ولا حسن ولا ضعيف، كما يفهمه أو لو الشأن.
والرسول صلى الله عليه وسلم - كما بين في باب الشفاعة من هذا الكتاب- لم يتشفع ولم يتوسل بمن قبله من الأنبياء، بل ولا شهداء أحد وأفضلهم حمزة بن عبد المطلب، فلم يسألهم الدعاء ولا توسل بهم وهم الأنبياء، والشهداء الذين ثبتت حياتهم وأنهم ليسوا بأموات، ولكنها حياة برزخية.
هذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن له أتباع. والمبتدعة الضلال لأهوائهم أتباع.
ومن نظر في هذا نظرة، حدثت له فكرة، أنجته بإذن مالك الأفئدة من الحسرة، إن كان من طلاّبة الصراط المستقيم، والهدي القويم، هدي خير الخلق أجمعين.
قال ص 56:
"مما يستفاد من كلام الشيخ ابن تيمية أن من دعا له رسول الله
صلى الله عليه وسلم صح له أن يتوسل إلى الله بدعائه صلى الله عليه وسلم له، وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم قد دعا لأمته، كما ثبت ذلك في أحاديث كثيرة" ا هـ
ثم قال.: "لذا فإنه يصح لكل مسلم أن يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بذلك فيقول: اللهم إن نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم قد دعا لأمته، وأنا من أفراد هذه الأمة، فأتوسل إليك بهذا الدعاء أن تغفر لي وأن ترحمني، إلى آخر ما يريد، فإذا قال ذلك لم يخرج عن الأمر المتفق عليه
بين كافة علماء المسلمين" ا هـ
أقول: قد بينت آنفا ما في التوسل بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته من البدعة، والخروج عن فهم السلف للتوسل.
والتوسل بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليس مقصودا للكاتب، وإنما أتى بذلك ليصل إلى شيءآخر، وهوما صرح به بقوله:
"فإن قال: اللهم إني أتوسل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد فاته التصريح بما ينويه، وبيان ما ينعقد عليه قلبه، وهو مقصود كل مسلم، ومراده لا يخرج عن هذا الحد" ا هـ
فهذا الكلام بين لم ساق الكاتب كل ما مر من كلام شيخ الإسلام، فانظروا ضعف حجته، وقلة بصيرته في إحالته على قلوب المتوسلين برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته وهو يزعم أنه بما في قلوبهم عليم وأن مراداتهم لا تخرج عن الحد الذي اطلع به على قلوبهم. أفتش الكاتب قلوب الداعين، أم هو نقيبهم ينافح عنهم.
وها هو الكاتب خرج عن هذا الحد المدعى، فتوصل بالتوسل البدعي إلى جواز الاستغاثة بالأنبياء، وطلبهم الشفاعة، فجعله سلما.
ثم ما الذي يحجز الداعي من التصريح بما في قلبه، لا يمنعه إلا شيء هو أحسن عنده من ما لم يذكره، فلو كان يعتقد في لفظ أنه أقرب وأصح لقاله فإنه داع سائل، والسائل يتحرى المقرب الصحيح. فلو كان مقصودهم ما اعتذر به الكاتب لصرحوا به، ولكن مقصودهم هو التوسل بذاته، مما هو من الباع، ووسائل الشرك، والإقسام به على الله تعالى، واتخاذه شفيعا، ومغيثأ، ومعينا. فيما لايقدر عليه إلا الله أو بعد موته.
ثم إنك إن فتشت لا تكاد تجد اليوم أحدا ينافح عن جواز التوسل بالذوات إلا وهو يجيز الشرك كالاستغاثة بالأموات ودعائهم أو طلب شفاعتهم.
وقد طالعت من كتبهم شيئا فوجدتهم كما وصفت لك، فلعلك تكون من المستبصرين الناجين.
قال ص 57
"جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: حياتي خير لكم ومماتي خير لكم، تحدثون ويحدث لكم تعرض أعمالكم علي، فإن وجدت خيرا حمدت الله وإن وجدت شرا استغفرت الله لكم.
ذكره الحافظ إسماعيل القاضي في "جزء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم"
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" وصححه.
وهذا صريح بأنه صلى الله عليه وسلم يستغفر للأمة في برزخه، والاستغفار دعاء، والأمة تنتفع بذلك " ا هـ كلام صاحب المفاهيم.
أقول: الكلام في هذه الأحرف من أوجه:
الأول: هذا الحديث أخرجه إسماعيل القاضي ص 36 في " جزء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " مرسلا فقال: حدثنا سليمان بن حرب قال: ثنا حماد بن زيد قال حدثنا غالب القطان عن بكر بن عبد الله المزني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بلفظ آخر غير ما ذكر، فأوهم صنيع صاحب المفاهيم أنه رواه باللفظ المذكور، وبكر بن عبد الله المزني من التابعين الثقات توفي سنة 106 هـ، فهو مرسل، والمرسل. لا يقبل عند المحدثين.
وأما قول الكاتب: "ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" وصححه "، ففيه:
أن الهيثمي ذكر رواية البزار (وسيأتي ما فيها) وقال "رجاله رجال الصحيح " وهذه العبارة لا تفيد تصحيحه الحديث، فلا يجوز أن يقال إنه صححه، كما تجرأ عليه صاحب المفاهيم. وذلك أن قوله "رجاله رجال الصحيح " تفيد ثقة الرجال وأنهم مخرج لهم في الصحيح، ولا
تفيد لا صحة الإسناد ولا صحة الحديث.
فصحة الإسناد تفتقر إلى معرفة اتصال الرواية وعدم الانقطاع في
الإسناد، وألا يكون في الإسناد مدلس رواه بالعنعنة.
فمثلا: لو روي حديث من طريق أحمد بن حنبل عن سفيان الثوري عن ابن المسيب عن أبي بكر الصديق، لجاز أن يقال: رجاله أئمة أثبات حفاظ، ولا يعني ذلك التكفل بصحة الإسناد، إذ ظاهر
الإسناد الانقطاع بين كل راو وشيخه فأحمد لم يدرك سفيان وهو لم يدرك ابن المسيب وسعيد لم يدرك أبا بكر.
وصحة الحديث ليست بلازمة لصحة الإسناد، بل بينهما مراتب يعرفها أهل العلم والنظر، فكم من حديث صحيح الإسناد وهو شاذ أو غلط أو معلل.
وذلك أن تعريف علماء الحديث للحديث الصحيح جمع أمرين: صحة الإسناد وانتفاء الشذوذ والعلة. فما لم يجتمع الأمران لا يقال بصحة حديث.
ومن هذا يعلم ما في قول صاحب المفاهيم من نسبة تصحيح الحديث للهيثمي من تقول على الهيثمي، وزيادة أمر لم يقله الحافظ الهيثمي رحمه الله.
ومثله ما نقله صاحب المفاهيم في ص 172 من كتابه من قول العراقي: إسناده جيد.
الثاني: الحديث رواه البزار في "مسنده " (1/ 397 زوائده) فقال: حدثنا يوسف بن موسى ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن سفيان عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام " قال: وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حياتي خير لكم.. الحديث ".
قال البزار: "لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا بهذا الإسناد" ا هـ.
وهذا إسناد فيه: عبد المجيد بن أبي رواد وهو ممن لا يقبل ما ينفرد به عندهم ولذا قال الحافظ العراقي شيخ الهيثمي: "رجاله رجال الصحيح إلا أن عبد المجيد بن أبي رواد وإن أخرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي فقد ضعفه بعضهم " فهذا هو التحقيق، وقد تفرد بهذه الزيادة "حياتي خير لكم... ".
أما أول الحديث إن لله ملائكة... الخ فهو محفوظ من حديث سفيان عن عبد الله بن السائب به. واتفق رواة الحديث عن سفيان على هذا القدر تم أتى عبد المجيد فتفرد عنهم بهذه الزيادة فهي شاذة ضعيفة كما يقتضيه التحقيق.
الثالث: لوثبت الحديث لم يكن فيه ما ادعاه صاحب المفاهيم من جواز التوسل بعموم استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، لأن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته لأمته وسؤاله الله لهم أبلغ وأقطع من استغفاره بعد موته- إن ثبت- وهذا السبب الذي كان موجودا في حياته هو عين
السبب الذي علق الحكم به بعد مماته، فلما لم يشرع هذا العمل وهو التوسل بالاستغفار العام مع قيام المقتضي له في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن إحداثه بدعة.
ويؤيد هذا أن خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم لم يستعمل أحد منهم التوسل بهذا الطريق الذي اخترعه عشاق البدع، وهُجّار السنن.
أقول: وتوسع صاحب المفاهيم على عادته بتمسكه بأدنى شبهة وأبعدها، فقال ص 173 أواخر كتابه حول الحديث: "الحديث صحيح لا مطعن فيه " ا هـ
وهذا افتراء أو قلة علم، بل فيه مطعن كما قدمناه.
قال: "وهو يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أعمالنا بعرضها عليه، ويستغفر الله لنا على ما فعلنا من سيئ وقبيح، وإذا كان كذلك فإنه يجوز لنا أن نتوسل به إلى الله ونستشفع به لديه، لأنه يعلم بذلك فيشفع فينا ويدعو لنا... " ا هـ
أقول: في الحديث عرض الأعمال، والكاتب يستدل به على جواز طب الشفاعة ياله من فقه غاب عن الأمة بضعة عشر قرنا، حتى ظهر هؤلاء المبتدعة فأدركوه. فعرض العمل عليه صلى الله عليه وسلم شيء وتجويزك طلب الشفاعة أمر آخر بعيد، فإن عرضت عليه أعمالك فلن يرضى صلى الله عليه وسلم بالشرك الذي فيها، ومنه طلب الشفاعة من الموتى ولن يستغفر لمشرك يستغيث بالأموات. (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي
قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الحجيم).
إن طلبك الشفاعة من الأموات سيء من العمل وشرك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستغفر لمن ترك دينه واتبع هواه فأشرك.
إن استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم وشفاعته إنما تكون في حياته وفي الدار الآخرة لا في دار البرزخ، وله أنواع من الشفاعات ليس فيها نصيب لمشرك.
فمن طلب الشفاعة منه بعد موته، فحري أن يكون فوت على نفسه شفاعته صلى الله عليه وسلم في الآخرة.
وان من سيئ الكلام تعدي صاحب المفاهيم على مقام النبوة حيث جزم بقوله "فيشفع. فينا ويدعو لنا".
وإن من سيء القول وخطله وشنيعه تعدي الكاتب على مقام الألوهية، فيجوز طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته والشفاعة حق
لله وحده، وإنما تطلب منه وحده، كما يدعو المخلصون بقولهم اللهم شفع فينا نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم.
وفي باب الشفاعة بيان هذه الأصول بما فيه مقنع لمن أراد الله هدايته.
وضع ص 61 عنوانا هو:
(الشيخ الأمام محمد بن عبد الوهاب لا ينكر التوسل ".
أقول: تحليتك محمد بن عبد الوهاب بالشيخ الإمام إما أن تكون اعترافا بفضله قي تجديد أمر دين الإسلام، وإصلاحه وجهاده، وإما أن تكون عنيت بها وضعها اللغوي.
فإن أردت المعنى الأول فالشيخ قد أقام دعوته في محاربة أصناف الشرك الجلي والخفي، الأكبر منه والأصغر، وحارب وسائل الشرك التي تجر إليه مما حرمه الله ورسوله، ومن تأمل كتاب التوحيد ألفاه في فلك ما ذكر دائر، وعلى الصراط المستقيم سائر.
والشيخ رحمه الله جاهد في إرجاع الناس إلى دينهم الذي جاء به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وجاهد في إقناعهم بأن ما يفعله بعض الناس في زمانه ويدعونه إسلاما هو عين ما عليه المشركون الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان كثير من المنتسبين إلى الدين في زمانه عبادا للقبور، يدعون أصحاب القبور استقلالا من دون الله ويدعونهم مع الله
طلبا للشفاعة منهم والقربى إلى الله زلفى، ويرجونهم دفع المضرات، ورفع المهلكات، وتفريج الكربات كما قال الله عن أشباههم (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى). ثم هم يقدمون لأولئك المقبورين أصناف القرابين والعبادات التي لا تكون إلا لله جل وعلا: كالذبح، والنذر، وهم يخضعون لأولئك المقبورين الميتين أعظم من خضعانهم في مساجد الله.
كانوا يستغيثون بالأموات، ويخافونهم خوف السر، ويحبونهم أشد من محبة الله، ويتقربون إليهم أكثر من تزلفهم إلى ربهم، بل نسوا ربهم وذكره، وفشت فيهم مذاهب الإلحاد والزندقة، كمذهب وحدة
الوجود، وتعظيم الأولياء على الأنبياء، كما قال مقدمهم:
مقام النبوة في برزخ .......... فويق الرسول ودون الولي
هذا جزء في واقع أسود رآه الشيخ في هذه الديار فجاهد متوكلا على ربه مقتفيا سنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى في سيرته الجهادية فنصره الله وأعزه، ومكن له الدين.
وذلك الواقع الذي وصفنا موجود في أكثر البلدان الإسلامية، والواجب تبصيرهم بالمكفرات الواقعة الكثيرة ثم جهادهم بأنواع الجهاد باليد واللسان والقلب، ولكن اثاقل الناس إلى الأرض، إلا قليلا.
هذا الذي ذكر من أصناف الشرك الأكبر كانت محاربته وتغيره وهداية الناس إلى الإسلام هم الشيخ الأول.
ثم إن الشيخ رحمه الله داع حكيم مترو، فإذا كان المخاطب واقعا في أصناف الشرك فمن غير الحكمة أن ينهاه عن البدع. ووسائل الشرك وهو لم يعلم بعد أن الشرك موجود بين الناس، بل الواجب أن يبين الشرك ثم إذا استقرت حقيقة الإسلام في قلب العبد وترك وجاهد الشرك الأكبر، فهو سينكر وسائل الشرك لأن العاقل البصير إذا كره شيئا كره وسائله ودواعيه.
إن السلامة من سلمى وجارتها ....... أن لا تحل على حال بواديها
فهذا الشاعر القديم عرف هذه الحقيقة، وإليها يهتدي العقلاء، وقد دلت الشريعة إليها وحضت عليها قاعدة "سد الذرائع".
وقال ملخصا مباحثه في التوسل ص 73، إن التوسل:
"ليس مقصورا على تلك الدائرة الضيقة التي يظنها المتعنتون".
أقول: هذه كلمات ينفر منها ذووا القلوب الحية، التي قد ملأت محبة الله وإعظامه وإجلاله جوانحها، ويستأنس لها من شغل بذكر غير الله مع الله، أو نسوا الله فأنساهم أنفسهم.
يالها من ألفاظ لو مزجت بماء البحر لمزجته. ولو سالت على زروع الناس لأفسدت معيشتهم.
سبحان الله!
التوسل بأسماء الله وصفاته دائرة ضيقة، أسماء الله التي لا تحصى، دائرة ضيقة للتوسل، صفات الله العلى وأفعاله الحكيمة دائرة ضيقة.
سبحان الله! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يا صاحب المفاهيم: لو دعوت ربك متوسلا إليه بأسمائه لاتقضى عمرك وعمر من معك ولم تبلغوا نهاية، ولم تحصوا لها عددا.
يا صاحب المفاهيم: لو ظللت تدعو الليل والنهار لا تفتر أبدا تتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى لم تنقض ولانقضى عمرك.
يا صاحب المفاهيم! لو توسلت إلى الله بأسمائه الحسنى بما يناسب مطلوبك من أسمائه، لا نقضت حوائجك ولم تبلغ بعضا من أسماء الله.
يا صاحب المفاهيم! إن من أسماء الله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة، فلو ظللت تدعو بها مفردة، ثم تجعل مع الاسم آخر ثم هكذا، لبلغت ما لو دعا به الخلق من أولهم. إلى آخرهم ما
يسعهم غير مكرر ولا معيد.
يا صاحب المفاهيم: إني أنذرك مغبة هذه الكلمة الوبيلة التي يقشعر منها البدن وعليك بالانطراح بين يدي الله والتوبة من هذا القول، وما تجر إليه من الشرك، وما قرب إليه من البدع، ولا حول ولا قوة إلأ بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم إنا نبرأ إليك من قول من قال. إن التوسل بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا دائرة ضيقة، فتقبل اللهم براءتنا، وعلمنا من أسمائك، وآثار صفاتك، ما يقوي قلوبنا، ويهدينا إلى صراطك المستقيم.
[1][1] ـ أعني للتخريج والتصحيح، وكتبه نافعة مع الاحتراز عن الواهيات التي يسوقها.
[2][2] . ومن اللطائف أن طبعة المستدرك الهندية، وقع فيها خطأ مطبعي، هكذا: "هذا حديث صيح الإسناد" وصيح من قولك تصيح الشيء إذا تكسر، كما في "تاج العروس شرح القاموس" (2/186)، فمعنى: صيح الإسناد: منكسر الإسناد، وهذه عجيبة ولله حكمة في وقوع هذا الخطأ فتبصروا!.
[3][3] كما هو مثبت في السماع ج1 ص 2 وغيرها.
[4][4] تحرفت مطبوعة المعجم الصغير في هذه الجملة، والتصويب من" مجمع البحرين" للهيثمي
(1/101/1) نسخة أحمد الثالث بتركيا.
[5][5] تيسير العزيز الحميد ص 212
[6][6] وحرف اسم الراوي في "المفاهيم" إلى خنس، فصححته.
[7][7] بلوغ الأرب (2/329ـ 321)
[8][8] هكذا في نسختي المصورة عن مكتبة أحمد الثالث(9/27/1) وقد تحرفت في المطبوعة إلى عبد الرحمن بن سهل.
[9][9] سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/109.
[10][10] في الأصل ج1 وصوابه ج7، وقد تكرر الخطأ في العزو إلى الجزء في ص 77 أيضا ، وكأنه ليس مطبعيا.
[11][11] . (؟) يشير الى طريق الوازع بن نافع العقيلي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر عن بلال بنحوه. قال الحافظ ابن حجر: "هذا حديث واه جدا" وقد ذكرت من أخرجه وبقية الكلام عليه بأطول مما هنا في العدد الرابع من مجلة كلية أصول الدين بالرياض.
[12][12] هكذا حرفا الناقل، وفي السنن: النكري، بالنون