إقامة البراهين
على حكم من استغاث بغير الله
أو صدق الكهنة والعرافين
بسم الله الرحمن الرحيم
الرسالة الأولى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه ، أما بعد : فقد نشرت صحيفة المجتمع الكويتية في عددها 15 الصادر في 19 / 4 / 1395 هـ أبياتا تحت عنوان ( في ذكرى المولد النبوي الشريف ) تتضمن الاستغاثة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والاستنصار به لإدراك الأمة ونصرها وتخليصها مما وقعت فيه من التفرق والاختلاف ، بإمضاء من سمت نفسها ( آمنة ) ، وهذا نص الأبيات المشار إليها : -
|
إلى أن قالت : -
|
( الله أكبر ) هكذا توجه هذه الكاتبة نداءها واستغاثتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم طالبة منه إدراك الأمة بتعجيل النصر ، ناسية أو جاهلة أن النصر بيد الله وحده ، ليس ذلك بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره من المخلوقات ، كما قال الله سبحانه في كتابه المبين :
وقد علم بالنص والإجماع أن الله سبحانه خلق الخلق ليعبدوه ، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيان تلك العبادة والدعوة إليها كما قال سبحانه :
أحدهما : أن لا يعبد إلا الله وحده . والثاني : أن لا يعبد إلا بشريعة نبيه ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فمن دعا الأموات من الأنبياء وغيرهم ، أو دعا الأصنام أو الأشجار أو الأحجار أو غير ذلك من المخلوقات أو استغاث بهم أو تقرب إليهم بالذبائح والنذور أو صلى لهم أو سجد لهم : فقد اتخذهم أربابا من دون الله وجعلهم أندادا له سبحانه ، وهذا يناقض هذا الأصل وينافي معنى لا إله إلا الله ، كما أن من ابتدع في الدين ما لم يأذن به الله لم يحقق معنى شهادة أن محمدا رسول الله ، وقد قال الله عز وجل :
وقد أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغ الناس أنه لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا فقال في سورة الجن :
وليس النصر منها بل هو من عند الله وحده ، فكيف يجوز لهذه الكاتبة أو غيرها أن توجه استغاثتها وطلبها النصر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعرض عن رب العالمين المالك لكل شيء والقادر على كل شيء ؟! لا شك أن هذا من أقبح الجهل بل من أعظم الشرك ، فالواجب على الكاتبة أن تتوب إلى الله سبحانه توبة نصوحا وذلك بالندم على ما وقع منها والإقلاع منه والعزم على عدم العود إليه تعظيما له وإخلاصا له وامتثالا لأمره وحذرا مما نهى عنه ، هذه هي التوبة النصوح ، وإذا كانت من حق المخلوقين وجب في التوبة أمر رابع وهو رد الحق إلى مستحقه أو تحلله منه ، وقد أمر الله عباده بالتوبة ووعدهم قبولها كما قال تعالى :
ولعظم خطر الشرك وكونه أعظم الذنوب وخشية الاغترار بما صدر من هذه الكاتبة ولوجوب النصح لله ولعباده حررت هذه الكلمة الموجزة ، وأسأل الله عز وجل أن ينفع بها وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين جميعا ، وأن يمن علينا جميعا بالفقه في الدين والثبات عليه ، وأن يعيذنا والمسلمين من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه . . .
من عبد العزيز بن عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين ، وفقني الله وإياهم للتمسك بدينه والثبات عليه آمين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
أما بعد : فقد سألني بعض الإخوان عما يفعله بعض الجهال من دعاء غير الله سبحانه والاستنجاد به في المهمات ، كدعاء الجن والاستغاثة بهم والنذر لهم والذبح لهم وشبه ذلك ، ومن ذلك قول بعضهم : ( يا سبعة خذوه ) يعني بذلك سبعة من رؤساء الجن ، ( يا سبعة افعلوا به كذا ) ، ( اكسروا عظامه اشربوا دمه مثلوا به ) ، ومن ذلك قول بعضهم : ( خذوه يا جن الظهيرة يا جن العصر ) وهذا يوجد كثيرا في بعض الجهات الجنوبية ، ومما يلتحق بهذا الأمر دعاء الأموات من الأنبياء والصالحين وغيرهم ، ودعاء الملائكة والاستغاثة بهم ، فهذا كله وأشباهه واقع من كثير ممن ينتسب إلى الإسلام جهلا منه وتقليدا لمن قبله ، وربما سهل بعضهم في ذلك بقوله : هذا شيء يجري على اللسان لا نقصده ولا نعتقده . وسألني أيضا عن حكم مناكحة من عرف بهذه الأعمال وذبائحهم والصلاة عليهم وخلفهم ، وعن تصديق المشعوذين والعرافين ، كمن يدعي معرفة المرض وأسبابه بمجرد إشرافه على شيء مما مس جسد المريض كالعمامة والسراويل والخمار وأشباه ذلك .
والجواب :
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهم إلى يوم الدين ، أما بعد :
فإن الله سبحانه وتعالى قد خلق الثقلين ليعبدوه دون كل ما سواه وليخصوه بالدعاء والاستغاثة والذبح والنذر وسائر العبادات ، وقد بعث الرسل بذلك وأمرهم به وأنزل الكتب السماوية التي أعظمها القرآن الكريم ببيان ذلك والدعوة إليه وتحذير الناس من الشرك بالله وعبادة غيره ، وهذا هو أصل الأصول وأساس الملة والدين وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله لأن معناها لا معبود بحق إلا الله ، فهي تنفي الألوهية - وهي العبادة - عن غير الله ، وتثبت العبادة لله وحده دون ما سواه من سائر المخلوقات ، والأدلة على هذا من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كثيرة جدا ، منها قوله عز وجل :
وفي الحديث الصحيح يقول النبي عليه الصلاة والسلام : وقال تعالى : وكان المشركون الأولون يؤمنون بأن الله ربهم وخالقهم ورازقهم ، وإنما تعلقوا على الأنبياء والأولياء والملائكة والأشجار والأحجار وأشباه ذلك يرجون شفاعتهم عند الله وتقريبا لديه كما سبق في الآيات ، فلم يعذرهم الله بذلك ولم يعذرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل أنكر الله عليه في كتابه العظيم وسماهم كفارا ومشركين وأكذبهم في زعمهم أن هذه الآلهة تشفع لهم وتقربهم إلى الله زلفى وقاتلهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - على هذا الشرك حتى يخلصوا العبادة لله وحده عملا بقوله سبحانه : |
|
ومن عرف من الناس بهذه الأعمال الشركية لم تجز مناكحته ولا أكل ذبيحته ولا الصلاة عليه ولا الصلاة خلفه حتى يعلن التوبة إلى الله سبحانه من ذلك ، ويخلص الدعاء والعبادة لله وحده . والدعاء : هو العبادة بل مخها كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
وقال جل وعلا في شأن المنافقين
|
|
|
وأما قول الشخص لمن يخاطبه : ( جن أصابك ) ( جن أخذك ) ( شيطان طار بك ) وما أشبه ذلك . فهذا من باب السب والشتم وذلك لا يجوز بين المسلمين كسائر أنواع السب والشتم وليس ذلك من باب الشرك ، إلا أن يكون قائل ذلك يعتقد أن الجن يتصرفون في الناس بغير إذن الله ومشيئته ، فمن اعتقد ذلك في الجن أو غيرهم من المخلوقات فهو كافر بهذا الاعتقاد ؛ لأن الله سبحانه هو المالك لكل شيء والقادر على كل شيء وهو النافع الضار ولا يوجد لشيء إلا بإذنه ومشيئته وقدره السابق ، كما قال عز وجل آمرا نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يخبر الناس بهذا الأصل العظيم : |
وأما سؤال العرافين والمشعوذين والمنجمين وأشباههم ممن يتعاطى الأخبار عن المغيبات فهو منكر لا يجوز ، وتصديقهم أشد وأنكر بل هو من شعب الكفر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -