حُكم الإحداد على الملوك والرؤساء |
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز |
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد: |
فقد جرت عادة الكثير من الدول الإسلامية في هذا العصر بالأمر بالإحداد على من يموت من الملوك والزعماء لمدة ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر مع تعطيل الدوائر الحكومية وتنكيس الإعلام ولا شك أن هذا العمل مخالف للشريعة المحمدية وفيه تشبه بأعداء الإسلام وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عن الإحداد وتحذر منه إلا في حق الزوجة فإنها تحد على زوجها أربعة أشهر وعشرا كما جاءت الرخصة عنه صلى الله عليه وسلم للمرأة خاصة أن تحد على قريبها ثلاثة أيام فأقل أما ما سوى ذلك من الإحداد فهو ممنوع شرعا وليس في الشريعة الكاملة ما يجيزه على ملك أو زعيم أو غيرهما وقد مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم وبناته الثلاث وأعيان آخرون فلم يحد عليهم عليه الصلاة والسلام وقتل في زمانه أمراء جيش مؤتة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم فلم يحد عليهم ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق وأفضل الأنبياء وسيد ولد آدم والمصيبة بموته أعظم المصائب ولم يحد عليه الصحابة رضي الله عنهم ثم مات أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو أفضل الصحابة وأشرف الخلق بعد الأنبياء فلم يحدوا عليه ثم قتل عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وهم أفضل الخلق بعد الأنبياء وبعد أبي بكر الصديق فلم يحدوا عليهم وهكذا مات الصحابة جميعا فلم يحد عليهم التابعون وهكذا مات أئمة الإسلام وأئمة الهدى من علماء التابعين ومن بعدهم كسعيد بن المسيَّب وعلي ابن الحسين زين العابدين وابنه محمد بن علي وعمر بن عبد العزيز والزهري والإمام أبي حنيفة وصاحبيه والإمام مالك بن أنس والأوزاعي والثوري والإمام الشافعي والإمام أحمد ابن حنبل وإسحاق بن راهوية وغيرهم من أئمة العلم والهدى فلم يحد عليهم المسلمون ولو كان خيرا لكان السلف الصالح إليه أسبق والخير كله في إتباعهم والشر كله في مخالفتهم وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أسلفنا ذكرها على أن ما فعله سلفنا الصالح من ترك الإحداد على غير الأزواج هو الحق والصواب وأن ما يفعله الناس اليوم من الإحداد على الملوك والزعماء أمر مخالف للشريعة المطهرة مع ما يترتب عليه من الأضرار الكثيرة وتعطيل المصالح والتشبه بأعداء الإسلام وبذلك يعلم أن الواجب على قادة المسلمين وأعيانهم ترك هذا الإحداد والسير على نهج سلفنا الصالح من الصحابة ومن سلك سبيلهم، والواجب على أهل العلم تنبيه الناس على ذلك وإعلامهم به أداء لواجب النصيحة وتعاونا على البر والتقوى ولما أوجب الله سبحانه من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولائمة المسلمين وعامتهم رأيت تحرير هذه الكلمة الموجزة. |
وأسأل الله عز وجل أن يوفق قادة المسلمين وعامتهم لكل ما فيه رضاه والتمسك بشريعته والحذر مما خالفها وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا إنه سميع الدعاء قريب الإجابة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه.. |
|
حكم الاحتـفال بالـمولـد |
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد.. |
فقد تكرر السؤال من كثير عن حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم والقيام له في أثناء ذلك، وإلقاء السلام عليه، وغير ذلك مما يفعل في الموالد.. والجواب أن يقال: لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره، لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين، لأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله على الجميع ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة وهم أعلم الناس بالسنة وأكمل حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعة لشرعه ممن بعدهم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" أي مردود عليه، وقال في حديث آخر: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها، وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُو} وقال عز وجل {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال سبحانه {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} وقال تعالى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وقال تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} والآيات في هذا المعنى كثيرة، وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به الله زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين ولم يترك طريقا يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم" (رواه مسلم في صحيحه) ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم وأكملهم بلاغا ونصحا، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لَبيَّنهُ الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة أو فعله في حياته أو فعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء بل هو من المحدثات التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته كما تقدم ذكر ذلك في الحديثين السابقين، وقد جاء في معناهما أحاديث أخر مثل قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: "أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" (رواه الإمام مسلم في صحيحه) والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الاحتفال بالموالد والتحذير منه عملا بالأدلة المذكورة وغيرها، وخالف بعض المتأخرين فأجازه إذا لم يشتمل على شيء من المنكرات كالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم وكاختلاط النساء بالرجال واستعمال آلات الملاهي وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر، وظنوا أنه من البدع الحسنة، والقاعدة الشرعية رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال عز وجل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} وقد رددنا هذه المسألة وهي الاحتفال بالموالد إلى كتاب الله سبحانه فوجدناه يأمرنا بإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ويحذرنا عما نهى عنه ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا بإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيه. وقد رددنا ذلك أيضا إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم نجد فيها أنه فعله ولا أمر به ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم، فعلمنا بذلك أنه ليس من الدين بل هو من البدع المحدثة، فاتضح بذلك لكل من له أدني بصيرة ورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام بل هو من البدع المحدثات التي أمر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم بتركها والحذر منها، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين وإنما يعرف بالأدلة الشرعية كما قال تعالى عن اليهود والنصارى {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وقال تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} الآية، ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد مع كونها بدعة لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى كاختلاط النساء بالرجال واستعمال الأغاني والمعازف وشرب المسكرات والمخدرات وغير ذلك من الشرور وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر وذلك بالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأولياء ودعائه والاستغاثة به وطلبه المدد واعتقاد أنه يعلم الغيب ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس حين احتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره ممن يسمونهم بالأولياء، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله" أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عمر رضي الله عنه، ومن العجائب والغرائب أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة ويدافع عنها ويتخلف عما أوجب عليه من حضور الجمع والجماعات ولا يرفع بذلك رأسا ولا يرى أنه أتي منكرا عظيما، ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي، نسأل الله العافية لنا ولكم ولسائر المسلمين، ومن ذلك أن بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد ولهذا يقومون له محيين ومرحبين وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن رسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة ولا يتصل بأحد من الناس ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة كما قال الله تعالى في سورة المؤمنون: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة وأنا أول شافع وأول مشفع"، عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام، فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم، فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها سلطان والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به. |
أما الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي من أفضل القربات ومن الأعمال الصالحات كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا" وهي مشروعة في جميع الأوقات ومتأكدة في آخر كل صلاة، بل واجبة عند جمع من أهل العلم في التشهد الأخير من كل صلاة وسنة مؤكدة في مواضع كثيرة، منها ما بعد الأذان، وعند ذكره عليه الصلاة والسلام، وفي يوم الجمعة وليلتها كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة، والله المسئول أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه وأن يمن على الجميع بلزوم السنة والحذر من البدعة إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه...
-المصدر : مجلة الجامعة الإسلامية العدد الأربعين |