من دعوة التوحيد للهراس

توحيد الربوبية
 قال الراغب فى (المفردات)

(الرب فى أصل التربية وهو انشاء الشئ حالا فحالا إلى حد التمام . يقال ربه ورباه وربيه ، وقيل لان يربنى رجل من قريش خير من يربنى رجل من هوازن يعنى لان يملكنى .

فالرب مصدر مستعار مستعمل للفاعل ، و يقال الرب مطلقا الا لله تعالى المتكفل بمصلحة الموجودات نحو قوله ( بلدة طيبة ورب غفور ) وعلى هذا قال ( ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ) اى آلهة وبالاضافة يقال له ولغيره نحو (رب العالمين ) و (ربكم ورب آبائكم الأولين) ويقال رب الدار ورب الفرس لصاحبها.

وعلى ذلك قوله تعالى (اذكرنى عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه) وقوله (قال معاذ الله إنه ربى أحسن مثواى ) قيل عنى به الله وقيل عنى به الملك الذى رباه والاول اليق بقوله .

وفى النهاية لابن الأثير (الرب يطلق فى اللغة على المالك والسيد والمدبر والقيم والمنعم . ولا يطلق غير مضاف الا على الله تعالى ، واذا اطلق على غيره اضيف فيقال ( رب كذا ) ومنه حديث ابى هريرة ( لا يقل المملوك لسيده ربى ) كره أن يجعل مالكه ربا له لمشاركة الله تعالى فى الربوبية .

فاما قوله عتالى ( اذكرنى عند ربك ) فانه خاطبه على المتعارف عندهم على ما كانوا يسمزنهم به .

فاما الحديث فى ضالة الابل حتى يلقاها ربها فان البهائم غير متعبدة ولا مخاطبة فهى بمنزلة الاموال التى يجوز اضافة مالكيها اليها وجعلهم اربابا لها . اهـ .

من هذا يتنبين أن للفظ الرب عدة معان ، وهذه المعانى كلها مما يصح أن تراد بلفظ الرب اذا اطلق على الله تعالى فهو المربى للاشياء الذى ينميها وينقلها فى الاطوار المختلفة حتى يبلغ بها غاية كمالها .

وهو المالك لها و السيد عليها والمدبر لمصالحها ، والقائم بحفظها وكلاءتها الخ .

لهذا كانت شئون الربوبية كلها من الخلق والرزق والملك والتدبير والتصريف مختصة به سبحانه لا يشاركه فيها احد من خلقه وهذا امر مركوز فى الفطرة لا يكاد ينازع فيه احد حتى ان المشركين الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون بذلك ولا ينكرونه ولا يجعلون احدا من آلهتهم شريكا لله فى ربوبيته .

قال عتالى ( قل من يرزقكم من السماء و الأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ) وقال ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون . قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون . قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون )

إلى اخر ما هنالك من الايات التى تفيد اقرار المشركين من العرب بتوحيد الربوبية وانفراد الله عز وجل بجميع شئونها من خلق ورزق وإحياء وإماتة وتدبير وتصريف ولم يعرف عن أحد من طوائف العالم نازع فى هذا الا الدهرية الذين يجحدون الصانع ، ويزعمون ان العالم يسير بنفسه ويقولون ما حكاه عنهم القران (إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ) وكذلك التنويه من المجوس الذين يجعلون للعالم خالقين ، خالقا للخير وهو النور وخالقا للشر و هو الظلمة وأهل التثليث من النصارى الذين يجعلون الآلهة ثلاث الأب والابن والروح القدس .ولكن هاتين الطائفتين مع ذلك لا تقولان بالتساوى بين هذه الأرباب ، فالمجوس لا يسوون الظلمة بالنور بل النور عندهم هو الأصل الازلى ، والظلمة حادثة ، ويقولون ان النور سيغلب فى النهاية ، وكذلك النصارى لا يجعلون هذه الاقانيم الثلاثة بدرجة واحدة بل الأب عندهم قو الاقنوم الاول والاله الأكبر .

والحاصل انه لا يوجد بين طوائف البشر من يقول بوجود ربين او الهين متكافئين فى الصفات و الافعال .

ولكن لما وجد فى الناس من ينازع فى توحيد الربوبية ويجعل لغير الله عز وجل شيئا من الشركة معه فى الخلق و التدبير لم يهمل القران الكريم الاحتجاج له بل قرره ابدع تقرير من سورة المؤمنون ( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون ).

يقول العلامة شارح الطحاوية بعد ذكره لهذه الاية الكريمة (فتامل هذا البرهان الباهر بهذا اللفظ الوجيز الظاهر ، فان الاله الحق لابد أن يكون خالقا فاعلا يوصل إلى عابده النفع ويدفع عنه الضر ، فلو كان معه سبحانه إله آخر يشركه فى ملكه : لكان له خلق وفعل ، وحينئذ فلا يرضى تلك الشركة بل ان قدر على قهر ذلك الشريك وتفرده بالملك والاهلية دونه فعل . وان لم يقدر على ذلك انفرد بخلقه وذهب بذلك الخلق كما ينفرد ملوك الدنيا بعضهم على بعض بملكه اذا لم يقدر المنفرد على قهر الآخر والعلو عليه ، فلابد من احد ثلاثة امور :

(1)                إما ان يذهب كل اله بخلقه وسلطانه .

(2)                واما ان يعلو بعضهم على بعض .

(3)        واما ان يكونوا تحت قهر ملك واحد يتصرف فيهم كيف يشاء ولا يتصرفون فيه ، بل يكون وحده هو الاله ، وهم العبيد المربوبون المقهورون من كل وجه .

وانتظام أمر العالم كله واحكام امره من ادل دليل على ام مدبره اله واحد وملك واحد ورب واحد ، لا اله للخلق غيره ، ولا رب لهم سواه .

الى ان يقول ( فالعلم بان وجود العالم عن صانعين متماثلين ممتنع لذاته مستقر فى الفطرة ، معلوم بصريح العقل بطلانه ، فكذا تبطل الهية اثنين . فالاية الكريمة موافقة لما ثبت واستقر فى الفطرة من توحيد الربوبية ، دالة مثبتة مستلزمة لتوحيد الالهية ) اهـ .

 الآيات والأحاديث فى توحيد الربوبية

جرت عادة القران الكريم ان يلزم المشركين بما اقروا به من توحيد الربوبية فيجعله برهانا واضحا على وجوب افراده سبحانه بالالهية ،فان الذى يستحق من العباد ان يعبدوه هو من كان ربا خالقا ومالكا و مدبرا ، واما من لا شأن له فى خلق ولا فى تدبير لا يصلح ان يكون الها معبودا اذ لم يصلح لان يكون ربا مقصودا .

ولهذا تراه يسوق الايات والدلائل الشاهدة بربوبيته تعالى لكل شئ ، ثم ينتقل منها الى الدعوة لعبادته وحده .

قال تعالى من سورة البقرة ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم و الذين من قبلكم لعلكم تتقون الذى جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناءا وأنزل من السماء ماءا فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ) .

فهذا خطاب عام لجميع الناس أن يعبدوا ربهم أى يخصوه وحده بالعبادة إذ لا رب لهم غيره فهو الذى خلقهم وخلق آباءهم الأولين وهو الذى جعل لهم هذه الأرض مهادا يتقلبون عليها ويمشون فى مناكبها وهو الذى أنزل لهم من السحاب ماء فأجراه أنهارا سلكه ينابيع فاخرج لهم به من جميع الثمرات فلا تجعلوا لله أنداد أى نظراء من خلقه تساوونهم به فى استحقاق العبادة وانتم تعلمون أنها لم تخلق شيئا .

وقال جل شأنه من نفس السورة ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ).

وقال سبحانه من سورة النمل ( أم من خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هو قوم يعدلون ، أم من جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسى وجعل بين البحرين جاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون ، أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون ، أم من يهديكم فى ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدى رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ).

فهذه الآيات تنفى ان يكون اله معه ما دام هو الرب وحده .

ويقول جل شأنه فى سورة النحل بعد أن ذكر آيات ربوبيته فى الخلق والتدبير ( أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ، والله يعلم ما تسرون وما تعلنون . والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ، إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون ) فنفى الإلهية عن كل ما يدعى من دونه لأنه لا يخلق شيئا بل هو مخلوق ولأنه ميت غير حى ولا يدري متى يبعث .

ويطول بنا القول لو أردنا استقصاء ما جاء فى الكتاب العزيز من آيات الربوبية التى سبقت برهانا على توحيد الإلهية . وحسبنا أن نعلم معظم السور المكية مليئة من هذه الآيات لمن تدبرها .

وأما الأحاديث فهى ايضا كثيرة مستفبضة ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم فى سيد الإستغفار ( اللهم انت ربى لا اله الا انت خلقتنى وانا عبدك وانا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على و أبوء بذنبى فاغفر لى فإنه لا يغفر الذنوب الا انت ) ففى هذا اقرار العبد واعترافه بان الله هو ربه الذى لا رب له غيره وانه لا معبود بحق فى الوجود كله سواه فانه هو الذى خلقه وسواه ثم يعاهده بانه سيظل قائما على عهده ووعده ما استطاع الى ذلك سبيلا ثم يلتجئ يحتمى به من شر ما جنى على نفسه ثم يبوء ويرجع اليه بسبب انعامه عليه ثم يرجع اليه من ذنبه طالبا ان يغفره له لانه هو الغفور الرحيم .

ومثل قوله (اللهم رب السماوات السبع والارض ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شئ فالق الحب والنوى منزل التوراة والانجيل والقرآن اعوذ بك من شر كلذى شر انت آخذ بناصيته ، انت الاول فليس قبلك شئ وانت الآخر فليس بعدك شئ ، وانت الظاهر فليس فوقك شئ وانت الباطن فليس دونك شئ اقض عنى الدين واغننى من الفقر ) رواه مسلم .

ومثل قوله (اللهم رب جبرائيل وميكائيل واسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدنى لما اختلف فيه من الحق باذنك انك تهدى من تشاء الى صراط مستقيم ) ونكتفى بهذا القدر وننتقل الى بيان النوع الثالث والأهم

 توحيد الإلهية

ومعناه افراد الخالق جل وعلا بالعبادة واخلاص الدين له وحده . فان الإلهية نسبة الى الإله بمعنى المعبود : يقال أله يأله إلهة وألوهة وألوهية بمعنى عبد عبادة ، قال ابن عباس رضى الله عنهما / الله ذو الإلهية والعبودية على خلقه أجمعين .

والإله اسم للمعبود مطلقا بحق او بغير حق . فهو يطلق على الله عز وجل كما يطلق على غيره من المعبودات الباطلة وجمعه آلهة واما الله فمختص بالمعبود بحق لا يطلق على غيره ، فهو يشبه ان يكون علما عليه ، و إن كان الصحيح انه مشتق كما قدمنا .

وقد ذكرنا فيما سبق ان توحيد الإلهية هو المقصد الاعظم من بعثة الرسل عليهم الصلاة السلام ، وذلك لانه هو الذى وقع فيه النزاع بين الرسل وبين اممهم كما حكى ذلك القرآن الكريم .

فالمشركون من كل امة كانوا يتخذون من دون الله أندادا يشركونهم بالله فى العبادة ويعتقدون ان لهم فيها حق مع الله عز وجل . وكانوا يعبدونهم على جهة التقرب بهم الى الله ، واتخاذهم وسائط وشفعاء عنده زعما منهم انها لا تقضى لهم حاجة ولا يسمع لهم دعاء ولا تفتح لهم أبواب السماء الا بشفاعة هؤلاء الوسطاء .

يقول شارح الطحاوية فى بيان منزلة توحيد الإلهية .

(إعلم ان التوحيد أول دعوة الرسل وأول منازل الطريق وأول مقام يقوم فيه السالك الى الله ).

قال تعالى ( لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ).

وقال هود عليه السلام لقومه ( اعبد الله ما لكم من إله غيره ) .

وقال صالح عليه السلام لقومه ( اعبد الله ما لكم من إله غيره ) .

وقال شعيب عليه السلام لقومه ( اعبد الله ما لكم من إله غيره ) .

وقال تعالى ( ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) .

وقال تعالى  ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) .

وقال صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) .

ولهذا كان الصحيح أن أول واجب على المكلف شهادة ان لا اله الا الله ، لا النظر ولا القصد الى النظر ولا الشك كما هى اقوال لارباب الكلام المذموم ، بل أئمة السلف كلهم متفقون على ان اول ما يؤمر به العبد الشهادتان ، الى أن يقول : فالتوحيد اول الامر وآخره ، اعنى توحيد الإلهية .

 أساليب القرآن فى الدعوة إلى توحيد الإلهية

يسلك القرآن الكريم الى هذا المطلب الاعظم اساليب متعددة اهمها ما اشرنا ايه آنفا من سوق آيات الربوبية فى الخلق والتدبير والملك والحفظ والرعاية والاحسان والرحمة ، وجعل ذلك دليلا على الوحدة فى الإلهية ، وقد ذكرنا فيما سبق جملة من الآيات المبينة لهذا المسلك .

ومنها التنديد بما يتخذه الناس آلهة من دون الله واظهار حالها من العجز الشنيع والفقر البالغ ، والغفلة عمن يدعوها ويفزع اليها كقوله تعالى من آخر سورة الأعراف ( أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ؟ ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون ، وإن تدعهم إلى الهدى لا يتبعوكم ، سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ، إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فدعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ، ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون ) .

وكقوله سبحانه من سورة النحل ( والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ).

وكقوله من هذه السورة نفسها ( ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا ولا يستطيعون ).

وكقوله من سورة بني إسرائيل ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ،أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا ) .

وكقوله تعالى من سورة طه فى شأن من عبدوا العجل من بنى إسرائيل ( أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ) .

وكقوله من سورة الأنبياء ( أم لهم آلهة تمنعهم مندوننا لا يستطيعون نصرأنفسهم ولا هم منا يصحبون ) أي يعانون .

وكقوله تعالى من سورة الحج ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ، إن الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب و المطلوب)

وكقوله تعالى من سورة العنكبوت ( وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ، إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ) .

وكقوله تعالى من سورة سبأ ( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ).

وكقوله تعالى من سورة فاطر ( ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير . إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ) .

وكقوله تعالى من سورة يس ( وما لى لا أعبد الذى فطرنى وإليه ترجعون ، أأتخد من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عنى شفاعتهم شيئا ولا ينقذون ).

وكقوله تعالى من سورة الزمر ( قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادنى الله بضر هل هن كاشفات ضره ، وأرادنى برحمة هل هن ممسكات رحمته ).

وكقوله تعالى من سورة غافر على لسان مؤمن آل فرعون ( ويا قوم ما لى أدعوكم إلى النجاة وتدعوننى إلى النار ، تدعوننى لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لى به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار لا جرم أن ما تدعوننى إليه ليس له دعوة فى الدنيا ولا فى الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار ).

وكقوله تعالى من سورة الأحقاف ( قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أرونى ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك فى السموات ائتونى بكتاب من قبل ه1ا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون . وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءا وكانوا بعبادتهم كافرين ) .

ففى هذه الآيات السابقة كلها بيان شاف لحال هذه الآلهة الباطلة من العجز والمهانة حتى انها أقل شأنا من عابديها لا تملك ما يملكون من أسماع وأبصار وقوى العقل والإرادة والبيان ،فكيف إذا تصلح للإلهية .

ومنها التشنيع بحال العابدين لهذه الآلهة الباطلة ورميهم بالضلال والسفه حيث رضوا لأنفسهم أن يعبدوا ما لا يسمع ولا يبصر ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ، ولا تغنى شفاعته عنهم شيئا ، وذلك مثل قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام فى خطابه لقومه (أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون )

وقوله لهم فى مكان آخر ( لقد كنتم أنتم وآباؤكم فى ضلال مبين ) .

ومثل قوله فى سورة الرعد (له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا فى ضلال ) فشبه فى هذه الآية حال الداعين لغير الله فى ضياع دعائهم وعدم حصولهم منه على طائل بحال من جلس على نهر وهو ظمآن فبسط كفيه على صفحة الماء طامعا أن يبلغ فاه وليس الماء ببالغ فاه أبدا حتى يغترف منه بيده فكذلك هؤلاء لا يستجاب دعاؤهم أبدا .

ومثل قوله فى سورة الأحقاف (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ) .

ومنها تصوير ما سيكون يوم القيامة بين العابدين والمعبودين ، وبين الأتباع والمتبوعين من التبرؤ والمعاداة وتنصل المعبودين من جناية هؤلاء العابدين وإنكارهم ان يكون لهم يد فى إضلالهم وشركهم .

وذلك مثل قوله تعالى من سورة البقرة ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب . إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا و رأوا العذاب وتقطعت بهم الأسبا ، وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا ، كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار )

ومثل قوله من سورة المائدة ( وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين من دون الله ، قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق ، إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك إنك أنت علام الغيوب ، ما قلت لهم إلا ما أمرتنى به أن اعبدوا الله ربى وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد ، إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ).

ومثل قوله من سورة الأعراف ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ، قال ادخلوا فى أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس فى النار ، كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار ، قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون ) .

 ومثل قوله من سورة يونس عليه السلام ( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنته وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ، فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين ، هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون ) .

ومثل قوله من سورة سبأ (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ، قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ، فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التى كنتم بها تكذبون ) .

ومنها بيان انفراده سبحانه بما له من الاسماء الحسنى والصفات العليا التى لا يكون الها الا من اتصف بها ، وذلك لأن الإله يجب أن يكون كاملا حائزا لجميع صفات الكمال ، فإن النقص مناف للإلهية ، فإذا ثبت اختصاصه سبحانه بهذه الأسماء والصفات دل ذلك على تفرده بالإلهية .

وذلك مثل قوله تعالى من سورة البقرة ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) .

وقوله فى سورة الكرسى التى هى أعظم آية فى كتاب الله (الله لا اله إلا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون نشئ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلى العظيم )

وقوله فى آخر سورة الحشر ( هو الله الذى لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ، هو الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون ) .

وقوله من أول سورة طه (الرحمن على العرش استوى له ما فى الموات وما فى الأرض وما تحت الثرى وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ) وقوله من سورة سبأ ( قل أرونى الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم) .

 كيف نحقق توحيد الإلهية

علمنا فيما سبق أن توحيد الربوبية وحده لا يكفى لتحقيق معنى التوحيد المطلوب شرعا ، وأن العبد لا يكون موحدا التوحيد الذى ينجى صاحبه فى الدنيا من عذاب القتل والأسر ، وفى الآخرة من عذاب النار بمجرد اعتقاده أن الله هو رب كل شئ وخالقه ومليكه وأنه المدبر للأمور جميعا ، فإن مثل هذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتالهم ، بل لابد مع ذلك من توحيد الإلهية الذى هو الغاية العظمى من بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام والذى من أجله خلق الله الخلق وجعل لهم الجنة والنار وفرق الناس إلى شقى وسعيد .

وحينئذ يكون من المهم جدا أن نعرف أن العناصر التى يتحقق بها هذا التوحيد والتى ان توفرت للشخص كان توحيده كاملا .

واذا كان توحيد الإلهية يقوم كما ذكرنا آنفا على صرف جميع العبادات لله والإخلاص له فيها بغير شائبة توجه بشئ منها الى غيره أصلا ، فلابد اذا من معرفة أنواع العبادات التى تعبدنا الله عز وجل بها فى العقائد والاقوال والاعمال التى يحبها ويرضاها والتى امرنا أن نتقرب ايه بها ، فإن بعض هذه الأمور قد التبس على كثير من الناس فلم يفهموا معنى التعبد فيها فتوجهوا بها إلى غير الله عز وجل دون ان يشعروا بخطر ذلك على دينهم ، وانخلاعهم به من ربقة الإسلام .

والعبادات على كثرتها وانتشارها ترجع الى أربعة أنواع :

(1) عبادات قلبية مناطها القلب

(2) عبادات قولية تتعلق باللسان .

(3) عبادات عملية تتعلق بالجوارح .

(4) عبادات مالية تتعلق بالأموال

ونأخذ إن شاء الله فى بيان أصول العبادات التى ترجع إلى كل واحد من هذه الأنواع.
 

Upcoming 2021 Nike Dunk Release Dates - nike tiempo ii jersey green black friday specials - CopperbridgemediaShops | Latest Releases , IetpShops - Women's Nike Air Jordan 1 trainers - ken griffey nike swingman shoes sale 2017

الأقسام الرئيسية: