من أحكام اللباس ( خطبة للعلامة صالح بن فوزان الفوزان بمسجد البساتين بالرياض ) ملخص الخطبة: 1- اللباس من نعم الله وبه تُستر العورات 2- أدلة تحرم الإسبال 3- السُّنة في طول الإزار 4- حكم لبس الحرير 5- حكم لبس الذهب للرجال | |||
الخطبة الأولى
أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله تعالى، قال تعالى: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباس يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ، يمتن تعالى على عباده بما جعل لهم من اللباس والريش، واللباس المراد به ستر العورات وهي السوآت، والريش ما يتجمل به ظاهراً. فاللباس من الضروريات، والريش من التكميليات. روى الإمام أحمد قال: لبس أبو أمامة ثوباً جديداً، فلما بلغ ترقوته قال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي. ثم قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله : ((من استجد ثوباً فقال: إذا لبسه حين يبلغ ترقوته: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي، ثم عمد إلى الثوب الخلق فتصدق به كان في ذمة الله وفي جوار الله وفي كنف الله حياً وميتاً))، ولما امتن سبحانه باللباس الحسي الذي يتخذ لستر العورة وتدفئة الجسم وتجميل الهيئة، نبه على لباس أحسن منه وأكثر فائدة وهو لباس التقوى الذي هو التحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل. ولباس التقوى هو الغاية وهو المقصود، ولباس الثوب معونة عليه، ومن فقد لباس التقوى لم ينفعه لباس الثياب. إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً وإن كان كاسياً ولباس التقوى يستمر مع العبد لا يبلى ولا يبيد. وهو جمال القلب والروح. ولباس الثياب إنما يستر العورة الظاهرة في وقت من الأوقات ثم يبلى ويبيد. وقوله تعالى: ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ، أي المذكور لكم من اللباس مما تتذكرون به نعمة الله عليكم فتشكرونه. وتتذكرون بحاجتكم إلى اللباس الظاهر حاجتكم إلى اللباس الباطن. وتعرفون من فوائد اللباس الظاهر ما هو أعظم منها من فوائد اللباس الباطن الذي هو لباس التقوى. عباد الله: إن اللباس من نعم الله على عباده التي يجب شكرها والثناء عليه بها. وإن اللباس له أحكام شرعية تجب معرفتها والتقيد بها، فالرجال لهم لباس يختص بهم في نوعه وكيفيته. وللنساء لباس يختص بهن في نوعه وكيفيته. ولا يجوز لأحد الجنسين أن يشارك الآخر في لباسه، فقد لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال، وقال : ((لعن الله المرأة تلبس لبسة الرجل والرجل يلبس لبسة المرأة))، رواه أحمد وأبو داود. ويحرم على الرجال إسبال الإزار والثوب والبشت والسراويل، وهو من الكبائر، والإسبال هو نزول الملبوس عن الكعبين، قال تعالى: ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختار فخور ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة))، رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة. وعن أبي هريرة عن النبي قال: ((لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطراً)) متفق عليه. ولأحمد والبخاري: ((ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)). عباد الله: مع هذا الوعيد العظيم الوارد في حق المسبل نرى بعض المسلمين لا يهتم بهذا الأمر فيترك ثوبه أو سراويله تنزل عن الكعبين، وربما تلامس الأرض، وهذا منكر ظاهر ومحرم شنيع وكبيرة من كبائر الذنوب. فيجب على من فعل ذلك أن يتوب إلى الله ويرفع ثيابه على الصفة المشروعة. قال : ((إزرة المؤمن إلى نصف ساقيه ولا حرج عليه فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار))، وبجانب أولئك المسبلين فريق من المستهترين الذين يرفعون لباسهم فوق الركبتين فتبدوا أفخاذهم أو بعضها كما يفعله بعض العمال. والفخذان من العورة التي يجب سترها ويحرم كشفها. عن علي قال: قال رسول الله : ((لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت)) رواه أبو داود وابن ماجة. عباد الله: ومما يحرم على الرجال لبسه الحرير، ففي الصحيحين: أن رسول الله قال: ((من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة))، وهذا وعيد شديد يدل على شدة تحريم لبس الحرير في حق الرجال، وأن من لبسه منهم في الدنيا حرم لبسه في الآخرة حينما يلبسه أهل الجنة، قال تعالى: ولباسهم فيها حرير ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق لهم في الآخرة)) متفق عليه. ويحرم على الرجال لبس الذهب أو شيء فيه ذهب سواء كان خاتماً أو حزاماً أو سلسلة أو في النظارتين أو الساعة – عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن رسول الله رآى خاتماً من ذهب في يد رجل، فنزعه فطرحه وقال: ((يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده)). فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله : خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله . وقد صار بعض المسلمين يتساهل في هذا الأمر الخطير فيلبس خاتم الذهب ولا يبالي أنه بفعله هذا قد عصى الله ورسوله وحمل في يده جمرة من النار طيلة لبسه لهذا الخاتم. نعم لا يبالي بذلك ما دام أنه اتبع نفسه هواها وقلد من لا خلاق لهم من أوباش الناس وطغامه. وبعض الشباب يتحلون بسلاسل الذهب تقليداً للنساء وإغراقاً في الميوعة. ومتجاهلين ما في ذلك من فقد الرجولة وتعريض أنفسهم للوعيد الشديد بالعذاب الأليم لمن فعل ذلك. عباد الله: إن الرسول إنما حذرنا من هذه الأشياء، الإسبال في اللباس والتشبه بالنساء ولبس الحرير والتحلي بالذهب، إنما نهانا عن هذه الأشياء لنتخلق بكل معاني الرجولة ونتصف بكامل المروءة؛ إذ العادة أنه لا يبالغ في الزينة والعناية بجسمه وثوبه ومركوبه وفراشه وأثاثه إلى درجة الإفراط إلا مترف لين. والرجل خشن بطبعه وكل ما تلين خفت رجولته ونقصت ذكورته. وعجز عن الكفاح والكد وما خلق له في معترك الحياة. وقد كان النبي يلبس البرد الغليظ الحاشية ويفترش الحصير ويتوسد الجلد حشوه الليف. ويركب البعير والفرس والحمار والبغلة مرة بسرج ومرة بلا سرج ويردف خلفه وبين يديه، ويمشي المسافة الطويلة على رجليه ويأكل ما تيسر من الطعام ويأتدم بما تيسر من الإدام. وقد قال تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخروذكر الله كثيراً . نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب . |