تحريم التصوير والرد على من أباحه

تحريم التصوير والرد على من أباحه

للشيخ / حمود بن عبد الله التويجري

المقدمة

 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا . مَنْ يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، البشير النذير والسراج المنير ، الذي حرَّم التصوير ، وحذَّر منه غاية التحذير ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليمًا كثيرًا .

    أما بعد ، فقد نشر في جريدة عكاظ ، الصادرة في يوم الخميس 11 صفر سنة 1409 هـ عدد 8111 ، فتوى لسبعة من المنتسبين إلى العلم يبيحون فيها ما حرَّمه الله على لسان رسوله محمد (صلى الله عليه و سلم) من التصوير ، ويتشبثون بشبه باطلة سيأتي ذكرها وبيان بطلانها إن شاء الله تعالى . وهذه الفتيا صريحة في معارضة الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم في تحريم التصوير على وجه العموم والتشديد فيه . وقد قال الله تعالى : ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ .

    وروى الإِمام أحمد وابن ماجة بإسنادين صحيحين عن النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : « ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع رب العالمين إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه » . وكان يقول : « يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك » . رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه ، وقال : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي على تصحيحه .

    وروى الإمام أحمد أيضًا والترمذي من حديث أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم نحوه . قال الترمذي : حديث حسن . قال : وفي الباب عن عائشة والنواس بن سمعان وأنس وجابر وعبد الله بن عمرو ونعيم بن همار .

    قلت : وفيه أيضًا عن أبي هريرة وسمرة بن فاتك الأسدي رضي الله عنهما . فليتأمل المفتون بحل التصوير ما جاء في هذه الأحاديث ولا يأمنوا أن يصابوا بزيغ القلوب من أجل مخالفتهم للأمر الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنه صلى الله عليه و سلم قد أمر بطمس الصور على وجه العموم ، ولعن المصورين على وجه العموم ، وأخبر أنهم في النار وأنهم أشدّ الناس عذابًا يوم القيامة ، وسيأتي ذكر الأحاديث الواردة في ذلك إن شاء الله تعالى .

 

* * *

 

فصل

 

    وقد وضع أهل الجريدة لهذه الفتوى المبنية على الشذوذ والمخالفة لأمر رسول الله بطمس الصور عنوانًا زعموا فيه أن ( العلماء يجمعون على المصلحة ) وأن ( التصوير ليس حرامًا ) ، وقد أخطأ أهل الجريدة في وضع هذا العنوان الباطل خطأً كبيرًا حيث أوهموا من لا بصيرة لهم من العوام ، وأشباه العوام ، أن العلماء لا خلاف بينهم في إباحة التصوير للمصلحة ، وأن التصوير ليس حرامًا ، وهذا من الافتراء على العلماء المتمسكين بالكتاب والسنّة من المتقدمين والمتأخرين فإنهم كانوا ينهون عن التصوير ويشددون فيه ، ويحترمون الأحاديث الواردة في تحريمه والتشديد فيه ، ولا عبرة بالمتساهلين المتسرعين إلى الفتيا بغير ثَبَت . فإنه لم يأت في الشريعة المطهَّرة إباحة التصوير البتة لا لمصلحة ولا لغير مصلحة ، بل فيها تحريمه على الإِطلاق والتشديد فيه ، ولعن فاعليه والوعيد والوعيد عليه بالنار . ولو أن سبعة من العلماء اجتمعوا على قول واحد في مسألة من المسائل التي لا نص فيها وكان قولهم فيها وجيهًا لما كان قولهم إجماعًا يجب المصير إليه ، بل ينظر فيه وفي غيره من أقوال العلماء ويؤخذ بالقول الذي يعضده الدليل من الكتاب أو السنة .

    وأما القول المخالف للنصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم في تحريم التصوير والتشديد فيه فإنه لا ينبغي أن ينظر فيه ويقابل بينه وبين قول النبي صلى الله عليه و سلم ، بل يضرب به عرض الحائط لأنه لا قول لأحد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال الله تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً    مُّبِيناً ﴾ .

    قال ابن كثير في تفسيره : هذه الآية عامة في جميع الأمور ، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد ها هنا ولا رأي ولا قول . ولهذا شدد في خلاف ذلك فقال : ﴿ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً ﴾ . انتهى باختصار .

    وقال تعالى : ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ .

    قال ابن كثير في الكلام على هذه الآية : يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكّم الرسول صلى الله عليه و سلم في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا ، ولهذا قال : ﴿ ثُمَّ لا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ   تَسْلِيماً ﴾ ، أي : إذا حكّموك يطيعونك في بواطنهم ، فلا يجدون في أنفسهم حرجًا مما حكمت به ، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليمًا كليًا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة ، كما ورد في الحديث : « والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئتُ به » . انتهى .

    وقال تعالى : ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ   أَلِيمٌ ﴾ .

    قال الإمام أحمد : أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك .

    وقال ابن كثير في تفسيره : وقوله ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ﴾ ، أي : عن أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله فما وافق ذلك قُبِل ، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائنًا من كان . أي فليحذر وليخشَ من خالف شريعة الرسول باطنًا وظاهرًا ﴿ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ﴾ ، أي : في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ، أي : في الدنيا بقتل أو حد أو حبس ونحو ذلك انتهى .

    وقال تعالى : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ .

    قال البغوي : هو عام في كل ما أمر به النبي صلى الله عليه و سلم ونهى عنه . انتهى .

    وقال تعالى : ﴿ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ     حَفِيظاً ﴾ .

    والآيات في الأمر بطاعة الرسول وإتباعه والنهي عن مخالفته كثيرة جدًا ، وفيما ذكرته كفاية لمن أراد الله هدايته ، ومن أراد الله به سوى ذلك فلا حيلة في الأقدار .

    فليتأمل المفتون بحل التصوير ما جاء في هذه الآيات المحكمات ، ولا يأمنوا أن يكون لهم نصيب مما جاء فيها من الوعيد على مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه و سلم ، ولا يأمنوا أيضًا أن يكون لهم نصيب وافر من آثام الذين يعملون بفتياهم بحل التصوير فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :    « من أفتى بفتيا غير ثَبَت فإنما إثمه على من أفتاه » . رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والدرامي والحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وأسانيدهم كلها جيدة ، وبعضها على شرط مسلم ، وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه .

 

* * *

 

فصل

 

    في ذكر الشُّبه التي تشبث بها المفتون بحل التصوير ، وهي سبع شبه وكلها باطلة .

 الأولى : قول الأول منهم : كل تصويرٍ تقتضيه المصلحة جائز .

الثانية : قول الثاني منهم : الصور التي تجسد قدرة الله وقيم الإِسلام لا بأس بها .

الثالثة : قول الثالث منهم : ليس كل المصورين ملعونين ، والصور التي تخدم الدعوة مباحة .

الرابعة : قول الرابع منهم : لا يمنع تصوير الشباب المسلم وحفظة القرآن .

الخامسة : قول الخامس منهم : تصوير الشباب ومعالم النهضة الإسلامية مباح .

السادسة : قول السادس : منهم : التصوير داخل المسجد لخدمة الدين لا إثم فيه .

السابعة : قول السابع منهم : حديث اللعن يخصّ مصوّري الأصنام وناحتيها .

    والجواب أن يقال : إن هذه الشُّبَه لا دليل على شيء منها ، وإنما هي من إتباع خطوات الشيطان وما يأمر به من المنكر ، وهي مردودة بالأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم في النهي عن التصوير والنص على تحريمه والتشديد فيه ، والأمر بطمس الصور ومحوها ، وهي كثيرة   جدًا ، وسأذكر منها أربعة وثلاثين حديثًا ، كل حديث منها يكفي للرد على المبيحين للتصوير فكيف وقد اجتمعت كلها في الرد عليهم .

    الحديث الأول : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الصور في البيت ونهى أن يصنع ذلك ) . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن حبان في  صحيحه ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح . قال : وفي الباب عن علي وأبي طلحة وعائشة وأبي هريرة وأبي أيوب .

    الحديث الثاني : عن كيسان مولى معاوية قال : خطب معاوية الناس فقال : يا أيها الناس إن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن تسع وأنا أنهى عنهن ، ( النوح ، والشِّعْر ، والتبرج ، والتصاوير ، وجلود السباع ، والغناء ، والذهب ، والحرير ، والحديد ) . رواه البخاري في التاريخ وإسناده لا بأس به ، وقد رواه الطبراني في الكبير وذكر فيه الحِرَ بدل الحديد . قال الهيثمي : رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات . وقد رواه الإمام أحمد ولفظه : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم حرَّم سبعة أشياء وإني أبلغكم ذلك وأنهاكم عنه ، منهن ( النوح ، والشعر ، والتصاوير ، والتبرج ، وجلود السباع ، والذهب ، والحرير ) .

    الحديث الثالث : عن أبي الهياج الأسدي - واسمه حيان بن حصين - قال : قال لي علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته ) . رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي ، وقال : حديث حسن . قال : وفي الباب عن جابر . وفي رواية لمسلم أنه قال : ( ولا صورة إلا طمستها ) . ورواه النسائي ولفظه : ( لا تَدَعَنَّ قبرًا مشرفًا إلا سويته ، ولا صورة في بيت إلا طمستها ) .

    الحديث الرابع : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه و سلم لما رأى الصور في البيت - يعني الكعبة - لم يدخل وأمر بها فمحيت . ورأى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأيديهما الأزلام فقال : « قاتلهم الله ، والله ما استقسما بالأزلام قط » . رواه الإمام أحمد والبخاري وابن حبان في صحيحه .

    الحديث الخامس : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر عمر بن الخطاب زمن الفتح وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها ، ولم يدخل البيت حتى محيت كل صورة فيه . رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان في صحيحه والبيهقي في سننه . وفي رواية لأحمد عن جابر رضي الله عنه قال : كان في الكعبة صور فأمر النبي صلى الله عليه و سلم عمر بن الخطاب أن يمحوها فبلَّ عمر ثوبًا ومحاها به فدخلها رسول الله صلى الله عليه و سلم وما فيها منها شيء .

    الحديث السادس : عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم ( لم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه ) . رواه الإمام أحمد والبخاري وأبو داود ولفظه : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يترك في بيته شيئًا فيه تصليب إلا قضبه ) . وقد رواه الإمام أحمد بهذا اللفظ أيضًا . وفي رواية له أن عائشة رضي الله عنها قالت : ( لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم يدع في بيته ثوبًا فيه تصليب إلا نقضه ) . وفي رواية له عن زفرة أم عبد الله بن أذنية قالت : كنَّا نطوف مع عائشة بالبيت فأتاها بعض أهلها فقال : إنك قد عُرفت فغيري ثيابك فوضعت ثوبًا كان عليها فعرضتُ عليها بردًا على مصلبًا فقالت : ( إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا رآه في ثوب قضبه ) قالت : فلم تلبسه .

    قال الخطابي : قوله ( قضبه) معناه قطعه والقضب القطع . والتصليب ما كان علي صورة الصليب انتهى . وذكر الحافظ ابن حجر أن في رواية الكشميهني ([1]) . ( تصاوير ) بدل ( تصاليب ) .

    قلت : فلعل البخاري أشار إلى هذه الرواية حيث ترجم على هذا الحديث بقوله : ( باب نقض الصور ) . قال الحافظ ابن حجر : والذي يظهر أنه استنبط من نقض الصليب نقض الصورة التي تشترك مع الصليب في المعنى وهو عبادتهما من دون الله فيكون المراد بالصور في الترجمة خصوص ما يكون من ذوات الأرواح . انتهى .

    الحديث السابع : عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه سمع عائشة رضي الله عنها ، تقول : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد سترت سهوة لي بقرام ([2]) فيه ثماثيل فلما رآه هتكه وتلوَّن وجهه ، وقال : « يا عائشة أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله » . قالت ‏عائشة ‏: ‏فقطعناه فجعلنا منه وسادة‏ ‏أو وسادتين . رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم واللفظ له ، والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه .

وفي رواية لمسلم قالت : ( دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم عَلَيَّ وَقَدْ سَتَرْتُ نَمَطًا ([3]) فِيهِ تَصَاوِيرُ فَنَحَّاهُ فَاتَّخَذْتُ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ ) . وفي رواية لمسلم والنسائي وابن حبان عن عائشة ( أَنَّهَا نَصَبَتْ سِتْرًا فِيهِ تَصَاوِيرُ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم فَنَزَعَهُ ، قَالَتْ : فَقَطَعْتُهُ وِسَادَتَيْنِ ) .

    وفي رواية لأحمد ومسلم ( أَنَّهُ كَانَ لَهَا ثَوْبٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ مَمْدُودٌ إِلَى سَهْوَةٍ فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم يُصَلِّي إِلَيْهِ فَقَالَ : « أَخِّرِيهِ عَنِّي » . قَالَتْ : فَأَخَّرْتُهُ فَجَعَلْتُهُ وَسَائِدَ ) . ورواه النسائي بنحوه .

    وقد رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والنسائي أيضًا من حديث الزهري عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي البيت قرام فيه صور فتلوَّن وجهه ثم تناول الستر فهتكه . وقالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ » . هذا لفظ البخاري في كتاب الأدب من صحيحه . ولفظ مسلم قالت : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا متسترة بقرام فيه صورة فتلوَّن وجهه ثم تناول الستر فهتكه . ثم قال : « إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ » . ورواه الإِمام أحمد والنسائي بنحو رواية مسلم .

    ورواه مالك في الموطأ عن نافع عن القاسم بن محمد عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً ([4]) فِيهَا تَصَاوِيرُ فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ فَعَرَفَتْ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ ، وَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَمَاذَا أَذْنَبْتُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : « فَمَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ » ؟ قَالَتْ : اشْتَرَيْتُهَا لَكَ تَقْعُدُ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدُهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : « إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ : أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ » . وقَالَ : « إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لا تَدْخُلُهُ الْمَلائِكَةُ » .

    ورواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم من طريق مالك . ورواه البخاري أيضًا من طريق جويرية - وهو ابن أسماء الضبعي - ومن طريق إسماعيل بن أمية عن نافع عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها ، فذكره بنحوه .

    ورواه مسلم من عدة طرق عن نافع ، منها عن عبيد الله بن عمر عن نافع . وقد رواه البيهقي من هذا الطريق ولفظه عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : دخل النبي صلى الله عليه و سلم فإذا ستر فيه صور قالت : فعرفت في وجهه الغضب ثم جاء فهتكه قالت : فأخذته فجعلته مرفقتين قالت : فكان يرتفق بهما في البيت صلى الله عليه و سلم .

    ورواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم النسائي من حديث هشام بن عروة عن أبيه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ( قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَّرْتُ عَلَى بَابِي   دُرْنُوكًا ([5]) فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الأجْنِحَةِ فَأَمَرَنِي فَنَزَعْتُهُ ) . هذا لفظ مسلم ونحوه عند أحمد والنسائي ، ولفظ البخاري قَالَتْ : ( قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم مِنْ سَفَرٍ وَعَلَّقْتُ دُرْنُوكًا فِيهِ تَمَاثِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَنْزِعَهُ فَنَزَعْتُهُ ) . وفي رواية لأحمد قَالَتْ : ( قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ عَلَّقْتُ عَلَى بَابِي دُرْنُوكًا فِيهِ الْخَيْلُ أُولاتُ الأجْنِحَةِ قَالَتْ فَهَتَكَهُ ) .

    ورواه الإمام أحمد ومسلم والنسائي من حديث سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ : ( كَانَ لَنَا سِتْرٌ فِيهِ تِمْثَالُ طَائِرٍ وَكَانَ الدَّاخِلُ إِذَا دَخَلَ اسْتَقْبَلَهُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r : « حَوِّلِي هَذَا فَإِنِّي كُلَّمَا دَخَلْتُ فَرَأَيْتُهُ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا » .

    ورواه مسلم وأبو داود من حديث زيد بن خالد الجهني عن عائشة رضي الله عنها ، وستأتي هذه الرواية مع حديث أبي طلحة الأنصاري إن شاء الله تعالى .

    الحديث الثامن : عن أنس رضي الله عنه قال : كان قرام لعائشة رضي الله عنها قد سترت به جانب بيتها فقال النبي صلى الله عليه و سلم: « أَمِيطِي عَنَّي قِرَامَكِ هَذَا ؛ فَإِنَّهُ لا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لي فِي صَلاتِي » . رواه الإمام أحمد والبخاري .

    وهذا الحديث شبيه بالرواية الأخيرة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها وشبيه أيضًا برواية سعد بن هشام عنها رضي الله عنها .

    وظاهر هذه الروايات أن النبي صلى الله عليه و سلم كان قد أقر عائشة رضي الله عنها ، على نصب القرام في أول الأمر ثم هتكه بعد ذلك وأمرها بنزعه . فعلى هذا يكون هتكه للقرام وأمره بنزعه ناسخًا للإقرار على نصبه ، وقد قال النووي في الجواب عن إقرار عائشة على نصب القرام في أو الأمر : هذا محمول على أنه كان قبل تحريم اتخاذ ما فيه صورة فلهذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يدخل ويراه ولا ينكره قبل هذه المرة الأخيرة . انتهى .

    الحديث التاسع : عن علي رضي الله عنه قال : ( صَنَعْتُ طَعَامًا فَدَعَوْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم فَجَاءَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ تَصَاوِيرَ فَرَجَعَ ) . رواه ابن ماجة بإسناد صحيح ، وبوَّب عليه بقوله : « بَاب إِذَا رَأَى الضَّيْفُ مُنْكَرًا رَجَعَ » . ورواه النسائي بأبسط منه ولفظه قال : ( صَنَعْتُ طَعَامًا فَدَعَوْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم فَجَاءَ فَدَخَلَ فَرَأَى سِتْرًا فِيهِ تَصَاوِيرُ فَخَرَجَ . وَقَالَ : إِنَّ الْمَلائِكَةَ لا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ » .

إسناده حسن . ورواه أبو نعيم في الحلية بنحو رواية النسائي .

    الحديث العاشر : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ : إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ الْبَيْتَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ إِلا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ الْبَيْتِ تِمْثَالُ الرِّجَالِ وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي بِالْبَابِ فَلْيُقْطَعْ فَيصير كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ وَيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ يُوطَآَنِ ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجْ » . فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلْبُ جَرْذوًا لِلْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ ) . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي واللفظ له ، وابن حبان في صحيحه والبيهقي في سننه ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . قال : وفي الباب عن عائشة وأبي طلحة . ورواه النسائي مختصرًا ولفظه ، قَالَ : ( اسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام عَلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ : « ادْخُلْ » . فَقَالَ : « كَيْفَ أَدْخُلُ وَفِي بَيْتِكَ سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ فَإِمَّا أَنْ تُقْطَعَ رُؤوسُهَا أَوْ تُجْعَلَ بِسَاطًا يُوطَأُ فَإِنَّا مَعْشَرَ الْمَلائِكَةِ لا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ » . وقد رواه الإمام أحمد وابن حبان والبيهقي بنحوه .

    الحديث الحادي عشر : عن عائشة رضي الله عنها قالت : وَاعَدَ رَسُولَ اللَّهِ r جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ وَفِي يَدِهِ عَصًا فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ وَقَالَ : « مَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلا رُسُلُهُ » ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ ، فَقَالَ : « يَا عَائِشَةُ مَتَى دَخَلَ هَذَا الْكَلْبُ هَا هُنَا » ؟ فَقَالَتْ : وَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ . فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ فَجَاءَ جِبْرِيلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : « وَاعَدْتَنِي فَجَلَسْتُ لَكَ فَلَمْ تَأْتِ » ؟ فَقَالَ : « مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِكَ إِنَّا لا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ » . رواه مسلم بهذا اللفظ . ورواه الإمام أحمد وابن ماجة مختصرًا وإسناد كلٍ منهما صحيح على شرط الشيخين .

    الحديث الثاني عشر : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أخبرتني ميمونة رضي الله عنها : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم أَصْبَحَ يَوْمًا وَاجِمًا ([6]) فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ اسْتَنْكَرْتُ هَيْئَتَكَ مُنْذُ الْيَوْمِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : « إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِي اللَّيْلَةَ فَلَمْ  يَلْقَنِي ، أَمَ وَاللَّهِ مَا أَخْلَفَنِي » . قَالَ : فَظَلَّ رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَهُ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ فُسْطَاطٍ لَنَا فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَ مَكَانَهُ ، فَلَمَّا أَمْسَى لَقِيَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ : « قَدْ كُنْتَ وَعَدْتَنِي أَنْ تَلْقَانِي الْبَارِحَةَ » ؟ قَالَ : « أَجَلْ وَلَكِنَّا لا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ » . رواه الإمام أحمد ومسلم واللفظ له وأبو داود والنسائي وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والطبراني في الكبير .

    الحديث الثالث عشر : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( وَعَدَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم فَرَاثَ عَلَيْهِ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم فَلَقِيَهُ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا وَجَدَ . فَقَالَ لَهُ : « إِنَّا لا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلا كَلْبٌ » . رواه البخاري .

    الحديث الرابع عشر : عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : ( دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم وَعَلَيْهِ الْكَآبَةُ فَسَأَلْتُهُ مَا لَهُ فَقَالَ : « لَمْ يَأْتِنِي جِبْرِيلُ مُنْذُ ثَلاثٍ » . قَالَ : فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ بَيْنَ بُيُوتِهِ فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ فَبَدَا لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام فَبَهَشَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم حِينَ رَآهُ فَقَالَ : « لَمْ تَأْتِنِي » ؟ فَقَالَ : « إِنَّا لا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا تَصَاوِيرُ » . رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي وإسناد كل منهما حسن .

    الحديث الخامس عشر : عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : « سَمِعْتُ فِي الْحُجْرَةِ حَرَكَةً فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا فَقَالَ : « أَنَا جِبْرِيلُ » . قُلْتُ : « ادْخُلْ » . قَالَ : « لا اخْرُجْ إِلَيَّ » . فَلَمَّا خَرَجْتُ قَالَ : « إِنَّ فِي بَيْتِكَ شَيْئًا لا يَدْخُلُهُ مَلَكٌ مَا دَامَ فِيهِ » . قُلْتُ : « مَا أَعْلَمُهُ يَا جِبْرِيلُ » . قَالَ : « اذْهَبْ فَانْظُرْ » . فَفَتَحْتُ الْبَيْتَ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ شَيْئًا غَيْرَ جَرْوِ كَلْبٍ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ الْحَسَنُ . قُلْتُ : « مَا وَجَدْتُ إِلا جَرْوًا » قَالَ : « إِنَّهَا ثَلاثٌ لَنْ يَلِجَ مَلَكٌ مَا دَامَ فِيهَا أَبَدًا وَاحِدٌ مِنْهَا كَلْبٌ أَوْ جَنَابَةٌ أَوْ صُورَةُ رُوحٍ » . رواه الإمام أحمد وإسناده جيد . وقد أخرج به ابن حبان والحاكم حديث علي الذي سيأتي بعد حديث أبي هريرة وصححاه وصححه أيضًا الذهبي .

    الحديث السادس عشر : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « لا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاوِيرُ » . رواه مسلم .

    الحديث السابع عشر : عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : « لا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلا كَلْبٌ وَلا جُنُبٌ » . رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي وأهل السنن إلا الترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والبيهقي في سننه وصححه الحاكم والذهبي .

    الحديث الثامن عشر : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت أبا طلحة رضي الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : « لا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةُ » . رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والطيالسي وأهل السنن إلا أبا داود . وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، ورواه أيضًا ابن حبان في صحيحه ، والبيهقي في سننه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن أبي طلحة رضي الله عنه .

    ورواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن حبان من حديث الليث ابن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه عن أبي طلحة صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم رضي الله عنه أنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : « إِنَّ الْمَلائِكَةَ لا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ » . قَالَ بُسْرٌ : ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ بعد فَعُدْنَاهُ فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ . فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ الخولاني رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم : أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنْ الصُّوَرِ يَوْمَ الأوَّلِ ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ : « إِلا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ » .

    ورواه البخاري ومسلم أيضًا من حديث عمرو بن الحارث أن بكير بن الأشج حدثه أن بسر بن سعيد حدَّثه أن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه حدثه ومع بسر بن سيعد عبيد الله الخولاني الذي كان في حجر ميمونة زوج النبي صلى الله عليه و سلم رضي الله عنها حدثهما زيد بن  خالد أن أبا طلحة رضي الله عنه حدثه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : « لا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ » . قال بسر : فمرض زيد بن خالد فعدناه فإذا نحن في بيته بستر فيه تصاوير ، فقلت لعبيد الله الخولاني : ألم يحدثنا في التصاوير ، فقال : إنه قال إلا رقم في ثوب ألا سمعته ، قلت : لا ، قال : بلى قد ذكره .

    ورواه مسلم أيضًا وأبو داود من حديث سعيد بن يسار عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه عن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : « لا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا تِمْثَالٌ » وقال : انطلق بنا إلى أم المؤمنين عائشة نسألها عن ذلك فانطلقنا قلنا : يا أم المؤمنين إن أبا طلحة حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بكذا وكذا فهل سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يذكر ذلك ؟ قالت : لا ولكن سأحدثكم بما رأيته فعل . خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض مغازيه وكنت أتحيَّن قفوله ، فأخذت نمطًا كان لنا فسترته على العرض فلما جاء استقبلته فقلت : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي أعزكَّ وأكرمك ، فنظر إلى البيت فرأى النمط فلم يرد علي شيئًا ورأيت الكراهة في وجهه فأتى النمط حتى هتكه ، ثم قال : « إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا فِيمَا رَزَقَنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ وَاللَّبِنَ » . قالت : فقطعته وجعلته وسادتين وحشوتهما ليفًا فلم ينكر ذلك عليَّ . هذه رواية أبي داود وهي أتم من رواية مسلم . ورواه ابن حبان في صحيحه بنحو رواية أبي داود ورواه البيهقي بنحو رواية مسلم .

    الحديث التاسع عشر : عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه يَعُودُهُ قَالَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ رضي الله عنه فَدَعَا أَبُو طَلْحَةَ إِنْسَانًا يَنَزَع نَمَطًا تَحْتِهِ فَقَالَ لَهُ سَهْلُ : لِمَ تَنْزِعُهُ ؟ قَالَ : لأنَّ فِيهِ تَصَاوِيرَ ، وَقَالَ فِيهَا النبيُّ صلى الله عليه و سلم مَا قَدْ عَلِمْتَ . قَالَ سَهْلٌ : أَولَمْ يَقُلْ : « إِلا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ » . قَالَ : بَلَى ، وَلَكِنَّهُ أَطْيَبُ لِنَفْسِي . رواه مالك وأحمد والترمذي والنسائي وابن حبان والبيهقي ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .

الحديث العشرون : عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن رافع بن إسحاق ، مولى الشفا ، أخبره قال : دخلت أنا وعبد الله بن أبي طلحة على أبي سعيد الخدري نعوده فقال لنا أبو سعيد : أخبرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم : « أَنَّ الْمَلائِكَةَ لا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاوِيرُ » . شك إسحاق لا يدري أيتهما قال أبو سعيد . رواه مالك وأحمد والترمذي والنسائي وابن حبان وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .

    الحديث الحادي والعشرون : عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال : « إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلكَ الصُّوَرَ فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » . رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن حبان والبيهقي .

    الحديث الثاني والعشرون : عن أبي جحيفة ، رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه و سلم لعن المصورين ) . رواه الإمام أحمد والبخاري وأبو داود الطيالسي وابن حبان والبيهقي .

    الحديث الثالث والعشرون : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ تبْصِرُان وَأُذُنَانِ تسْمَعُان ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ  يَقُولُ : إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَبِكُلِّ مَنْ ادَّعَى مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَالْمُصَوِّرِينَ » . رواه الإمام أحمد والترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب .

    الحديث الرابع والعشرون : عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير قال : دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ دَار مروان بن الحكم فرأى فيها تصاوير وهي تبنى : فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ : « يقول الله عز وجل وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوَ لْيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوَ لْيَخْلُقُوا شعيرة » . رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم ، وهذا لفظ أحمد ونحوه عند مسلم ، ولفظ البخاري قال : « دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ فَرَأَى أَعْلاهَا مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً » . وروى أيضًا المرفوع منه في كتاب التوحيد من صحيحه بنحو رواية أحمد ومسلم . ورواه ابن حبان في صحيحه ثم قال قوله صلى الله عليه و سلم : « فليخلقوا حبة أو ليخلقوا ذرة » من ألفاظ الأوامر التي مرادها التعجيز . انتهى .

    ورواه الإمام أحمد أيضًا من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا بَعُوضَةً أَوْ لِيَخْلُقُوا ذَرَّةً » .

    الحديث الخامس والعشرون : عن أبي الضحى - واسمه مسلم بن صبيح  قال : كنا مع مسروق في دار يسار بن نمير فرأى في صفته تماثيل فقال : سمعت عبد الله قال : « قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم : يَقُولُ إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ » . رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وهذا لفظ البخاري . وفي رواية لأحمد ومسلم عن مسلم بن صبيح قال : ( كُنْتُ مَعَ مَسْرُوقٍ فِي بَيْتٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ مَرْيَمَ ، فَقَالَ مَسْرُوقٌ : هَذَا تَمَاثِيلُ كِسْرَى . فَقُلْتُ : لا هَذَه تَمَاثِيلُ مَرْيَمَ . فَقَالَ مَسْرُوقٌ : أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : « أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ » . وفي رواية لأحمد ومسلم أيضًا عن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : « إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ » .

الحديث السادس والعشرون : عن أبي وائل - واسمه شقيق بن سلمة - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : « أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ قَتَلَهُ نَبِيٌّ أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا وَإِمَامُ ضَلالَةٍ وَمُمَثِّلٌ مِنْ الْمُمَثِّلِينَ » . رواه الإمام أحمد وإسناده صحيح . قال ابن الأثير في النهاية وفيه : « أشد الناس عذابًا ممثل من الممثلين » ، أي : مصور يقال مَثـلتُ بالتثقيل والتخفيف إذا صورت مثالاً . والتمثال الاسم منه . وظلُّ كل شيء تمثاله ومثّل الشيء بالشيء سواه وشَبهه به وجعله مثله وعلى مثاله . انتهى .

    الحديث السابع والعشرون : عن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم  قَالَ : « إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ » . رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي .

    الحديث الثامن والعشرون : عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قال : « إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ) . رواه الإمام أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجة .

    الحديث التاسع والعشرون : عن أبي هريرة رضي الله عنه : قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : « مَنْ صَوَّرَ صُورَةً كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ » . رواه الإمام أحمد والنسائي  .

    الحديث الثلاثون : عن عبد الله بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : « مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ - وَفي لفظ - كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا وَلَيْسَ بِنَافِخٍ » . رواه الإمام أحمد .

    الحديث الحادي والثلاثون : عن ابن عباس رضي الله عنهما سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه و سلم يَقُولُ : « مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ » . رواه الإمام أحمد والبخاري والترمذي والنسائي ، وهذا لفظ البخاري في كتاب اللباس من صحيحه . ولفظ الترمذي : « مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عَذَّبَهُ اللَّهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا - يَعْنِي الرُّوحَ - وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا » . ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، قال : وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأبي هريرة وأبي جحيفة وعائشة وابن عمر .

    الحديث الثاني والثلاثون : عن النضر بن أنس بن مالك قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَهُوَ يُفْتِي النَّاسَ لا يُسْنِدُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم شَيْئًا مِنْ فُتْيَاهُ حَتَّى جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ : إِنِّي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَإِنِّي أُصَوِّرُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ادْنُهْ إِمَّا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا . فَدَنَا . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ : « مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا يُكَلَّفُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ » . رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وهذا لفظ أحمد .

ورواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم أيضًا من حديث سعيد بن أبي الحسن قال : « كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا أَبَا عَبَّاسٍ إِنِّي إِنْسَانٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما  : ألا أُحَدِّثُكَ إِلا مَا سَمِعْتُ منْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم ؟ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : « مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا » . فربا الرجل ربوة شديدة واصْفّرَّ وجهه فقالَ : ويْحَكَ إنْ أبيت إلا أنْ تصنع فعليك بهذا الشجر ، كل شيء ليس فيه الروح . هذا لفظ البخاري في كتاب البيوع من صحيحه .

    ولفظ أحمد قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : يَا أَبَا الْعَبَّاسِ إِنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ وَأَصْنَعُ هَذِهِ الصُّوَرَ فَأَفْتِنِي فِيهَا ؟ قَالَ : ادْنُ مِنِّي . فَدَنَا مِنْهُ حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ قَالَ : أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم ؟ قَالَ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ : « كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يُجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسٌ تُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ » . فَإِنْ كُنْتَ لا بُدَّ فَاعِلا فَاجْعَلْ الشَّجَرَ وَمَا لا نَفْسَ لَهُ ) . وقد رواه مسلم بنحو رواية أحمد .

    الحديث الثالث والثلاثون : عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها قَالَتْ : ( إنَّ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ الله في خَلْقِهِ ) . رواه النسائي موقوفًا وله حكم المرفوع لأن مثله لا يقال من قِبَلِ الرأي وإنما يقال عن توقيفٍ ، وقد تقدم مرفوعًا من حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها ، وتقدم أيضًا نحوه في رواية الزهري عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها .

    الحديث الرابع والثلاثون : عن أبي محمد الهذلي ، ويكنى أيضًا بأبي مورع ، عن علي رضي الله عنه قال : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم فِي جَنَازَةٍ فَقَالَ : أَيُّكُمْ يَنْطَلِقُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلا يَدَعُ بِهَا وَثَنًا إِلا كَسَرَهُ ، وَلا قَبْرًا إِلا سَوَّاهُ ، وَلا صُورَةً إِلا لَطَّخَهَا » . فَقَالَ رَجُلٌ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَانْطَلَقَ فَهَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرَجَعَ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَا أَنْطَلِقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : « فَانْطَلِقْ » . فَانْطَلَقَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَدَعْ بِهَا وَثَنًا إِلا كَسَرْتُهُ ، وَلا قَبْرًا إِلا سَوَّيْتُهُ ، وَلا صُورَةً إِلا لَطَّخْتُهَا . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم: « مَنْ عَادَ لِصَنْعَةِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و سلم » . رواه الإمام أحمد وابنه عبد الله في زوائد المسند من طرق عن شعبة عن الحكم - وهو ابن عتيبة - عن أبي محمد الهذلي عن علي رضي الله عنه قال المنذري في ( الترغيب والترهيب ) . إسناده جيد إن شاء الله وحسنه الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام أحمد .

    قلت : وشعبة من المتشددين في الرجال فروايته هذا الحديث تدل على قوة إسناده عنده .

    وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن الحكم عن أبي محمد الهذلي عن علي رضي الله عنه فذكره بنحو رواية أحمد إلا أنه قال في آخره : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :    « مَنْ عَادَ لصنعةِ شيء مِنْهَا » فقال فيه قولاً شديداً . ولبعض هذا الحديث شاهد من حديث أبي الهياج الأسدي عن علي رضي الله عنه وقد تقدم في أول الأحاديث .

    فليتأمل المبيحون للتصوير ما ذكرته من الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم في النهي عن التصوير والتشديد فيه حق التأمل ، وليتقوا الله في أنفسهم وفيمن يعمل بفتاويهم الباطلة من العوام وأشباه العوام من ذوي الجهل المركب الذين يسارعون إلى استحلال المحرمات بأدنى شبهة ، ولا يأمنوا أن يكون لهم نصيب وافر من أوزار الذين يعملون بفتاويهم في تحليل التصوير ، ولا يأمنوا أيضًا أن يكون لهم نصيب وافر من أذية الله تعالى وأذية رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد قال عكرمة في الكلام على قول الله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالإخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ﴾ : أنها نزلت في المصورين . رواه ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية . وذكره الماوردي والبغوي والزمخشري وابن الجوزي والقرطبي وابن كثير في تفاسيرهم . وعكرمة لا يقول هذا من قبل رأيه فلعله سمعه من ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أو من غيره من الصحابة الذين لهم علم بأسباب النزول والله أعلم .

    وينبغي لمن أخطأ في فتيا أو في غيرها من الأقوال أو الأعمال أن يبادر إلى التوبة مما أخطأ فيه ولا يُصِرّ على الخطأ فقد جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : « كُلُّ بني آدَمَ خَطَّاءٌ وخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ » رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة والدارمي والحاكم من حديث أنس رضي الله عنه ، وصححه الحاكم وقال الذهبي صحيح على لين .

     وليحذر المؤمن الناصح لنفسه من الإصرار على الخطأ ، فقد جاء الوعيد على ذلك في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم عَلَى مِنْبَرِهِ يَقُولُ : « وَيْلٌ لأقْمَاعِ الْقَوْلِ ، وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ » . رواه الإمام أحمد بأسانيد جيدة وصححه أحمد محمد شاكر في تعليقه على المسند .

    وحيث كانت فتاوى المفتين بحل التصوير مخالفة للأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم في تحريم التصوير والتشديد فيه فأنه يجب عليهم أن يبادر إلى التوبة والرجوع عن هذا الخطأ العظيم . ولا يصروا على مخالفة أقوال النبي صلى الله عليه و سلم فيستحقوا الويل على الإصرار ، ولا ينسوا قول الله تعالى : ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ .

والله المسؤول أن يرينا وإياهم الحق حقًا ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه . ولا يجعله متلبسًا علينا فنضل .

 

* * *

فصل

 

    وقد اشتملت الأحاديث التي تقدم ذكرها على فوائد كثيرة وأمور مهمة تتضمن تحريم التصوير لكل ما فيه روح ، وتتضمن الرد على المبيحين لتصوير ذوات الأرواح بمجرد الآراء المخالفة للأحاديث الصحيحة التي ليس لشيء منها ناسخ ولا مخصص .

    الأولى : النهي عن صناعة الصور وعن اتخاذها في البيوت . والنهي ها هنا للتحريم كما قد جاء ذلك منصوصًا عليه في رواية الإمام أحمد عن معاوية رضي الله عنه . وقد تقدم ذكرها في الحديث الثاني من الأحاديث التي تقدم ذكرها فلتراجع . ويدل على التحريم أيضًا أمر النبي صلى الله عليه و سلم بطمس الصور ومحوها وهتكه للستر الذي فيه الصور وتغيره وغضبه حين رأى الصور في الستر . وما جاء أيضًا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه لعن المصورين وأخبر أنهم في النار وأنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامة . فكل حديث من الأحاديث الواردة في هذا يدل بمفرده على تحريم التصوير وباجتماعها يزداد التحريم شدة .

    الثانية : النص على تحريم التصوير في رواية الإمام أحمد عن معاوية رضي الله عنه . وهذا النص يحب أن يقابل بالقبول والتسليم ، وتحريم معارضته والإفتاء بخلافه ، ومن أفتى بخلافه فهو متعرض للفتنة أو العذاب الأليم لأن الله تعالى يقول : ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ .

    الثالثة : أن التصوير من الكبائر ويدل على ذلك لعن المصورين والإخبار بأنهم في النار وأنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامة ، وكذلك وصفهم بالظلم . وقد قال النووي في ( شرح مسلم ) قال أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث . وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى . وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها . قال : ولا فرق في هذا كله بين ما له ظل ، وما لا ظل له .

    هذا تلخيص مذهبنا في المسألة وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، وهو مذهب الثوري ومالك وأبي حنيفة وغيرهم .

    وقال بعض السلف : إنما ينهى عما كان له ظل ولا بأس بالصورة التي ليس لها ظل ، وهذا مذهب باطل فإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه و سلم الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم وليس لصورته ظل مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة .

    وقال الزهري : النهي في الصورة على العموم وكذلك استعمال ما هي فيه ، ودخول البيت الذي هي فيه سواء كانت رقمًا في ثوب أو غير رقم وسواء كانت في حائط أو ثوب أو بساط ممتهن أو غير ممتهن عملاً بظاهر الأحاديث لاسيما حديث النمرقة . قال : وهذا مذهب قوي . انتهى .

    وقال الخطابي في ( معالم السنن ) : أما الصورة فهي ما تصور من الحيوان سواء في ذلك الصورة المنصوبة القائمة التي لها أشخاص وما لا شخص له من المنقوشة في الجدار ، والمصورة فيها وفي الفرش والأنماط . وقد رخص بعض العلماء فيما كان منها في الأنماط التي توطأ وتداس بالأرجل . انتهى .

    قلت : ما رخص بعض العلماء في اتخاذ الأنماط والفرش التي فيها الصور إذا كانت توطأ وتُداس بالأرجل لأن في ذلك إهانة لها . فأما صناعة التصاوير القائمة وغير القائمة ، وهي المصورة في الجدر والفرش والثياب فما علمت عن أحد من العلماء المعتبرين أنه رخص فيها . وإنما رخص فيها المتسرعون إلى الإِِفتاء بغير ثبت من أهل زماننا وقبله بزمان غير بعيد وما أكثرهم في زماننا ، هدانا الله وإياهم وحمانا جميعًا من معصيته ومعصية رسوله صلى الله عليه و سلم .  

وقال الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري ) في الكلام على حديث عائشة في النمرقة يستفاد منه أنه لا فرق في تحريم التصوير بين أن تكون الصورة لها ظل أو لا ، ولا بين أن تكون مدهونة أو منقوشة أو منقورة أو منسوجة خلافًا لمن استثنى النسج وادعى أنه ليس بتصوير . انتهى .

الرابعة : أن عموم النهي عن صناعة الصور وعن اتخاذها وما جاء من النص على تحريم ذلك في حديث معاوية رضي الله عنه يشمل تصوير الرأس وحده لقول ابن عباس رضي الله عنهما : ( الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فليس هي صورة ) . رواه أبو داود في ( كتاب المسائل ) بإسناد صحيح على شرط البخاري . وروى أبو داود أيضًا عن عكرمة نحوه وإسناده صحيح على شرط البخاري . قال أبو داود : وسمعت أحمد يقول : الصورة الرأس . والأصل في هذا قول جبريل للنبي صلى الله عليه و سلم : « مُرْ برأس التمثال فليقطع فيصير كهيئة الشجرة » . ففعل رسول الله صلى الله عليه و سلم . وقد تقدم هذا في الحديث العاشر فليراجع ففيه دليل على أن المحذور في تصوير الرأس وأنه هو الذي يجب محوه وإزالته .

    الخامسة : أن عموم النهي عن صناعة الصور وعن اتخاذها وما جاء من النص على تحريم ذلك في حديث معاوية رضي الله عنه يشمل تصوير الوجه وحده لإطلاق اسم الصورة عليه في كلام النبي صلى الله عليه و سلم وكلام الصحابة وكلام أهل اللغة وفي العرف الذي يعرفه خاصة الناس ، وعامتهم . فأما إطلاق ذلك عليه في كلام النبي صلى الله عليه و سلم فقد جاء في عدة أحاديث :

    الأول منها : عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تضرب الصورة ) يعني الوجه . رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم .

    وقال البخاري في صحيحه ( باب الوسم والعلم في الصورة ) : حدثنا عبيد الله بن موسى عن حنظلة عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كره أن تُعْلم الصورة ، وقال ابن عمر رضي الله عنهما : ( نهى النبي صلى الله عليه و سلم أن تضرب ) . تابعه قتيبة قال : حدثنا العنقزي عن حنظلة وقال : « تضرب الصورة » .

    قوله : أن تُعْلم الصورة أي يجعل في الوجه علامة من كي أو وسم . قال الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري ) : والمراد بالصورة الوجه . قال : وقد أخرج الإسماعيلي الحديث من طريق وكيع عن حنظلة بلفظ : ( أن تضرب وجوه البهائم ) ، ومن وجه آخر عنه ( أن تضرب الصورة ) . يعني الوجه . وأخرجه أيضًا من طريق محمد بن بكر البرساني وإسحاق بن سليمان الرازي كلاهما عن حنظلة قال : سمعت سالما يسأل عن العلم في الصورة فقال : كان ابن عمر رضي الله عنهما يكره أن تعلم الصورة وبلغنا ( أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى أن تضرب الصورة ) . يعني بالصورة الوجه . انتهى .  

    الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : « أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورهمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ » . رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه ، وقال الترمذي : هذا حديث صحيح .

    والمراد بالصور في هذا الحديث الوجوه خاصة لما في الصحيحين عن أبي حازم عن سهل ابن سعد رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : « لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَوْ سَبْعُ مِائَةِ أَلْفٍ لا يَدْرِي أَبُو حَازِمٍ أَيُّهُمَا قَالَ مُتَمَاسِكُونَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ » . وروى الإمام أحمد ومسلم عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال – فذكر الحديث وفيه - : « فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفًا لا يحاسبون » الحديث .

وروى الإمام أحمد أيضاً عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « أُعطيتُ سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر » .

    ففي هذه الأحاديث بيان المراد بالصور في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأنها الوجوه خاصة .

    الحديث الثالث وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : « إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُورَةُ وُجُوهِهِمْ عَلَى مِثْلِ صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ » . الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي  وقال : هذا حديث حسن صحيح . وهذا لفظ أحمد .

    وفي هذا الحديث ، والذي قبله ، تشبيه صورة الزمرة الأولى من أهل الجنة بصورة القمر . ومن المعلوم أن القمر ليس فيه إلاّ صورة الوجه وحده فدل هذا على أن الوجه وحده يسمى صورة فيحرم تصويره سواء كان مفردًا بالتصوير أو كان معه جسم أو بعض جسم .

    الحديث الرابع عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول وهو يصف يوسف حين رآه في السماء الثالثة ليلة الإسراء قال : « رأيت رجلاً صورته كصورة القمر ليلة البدر ، فقلت : يا جبريل من هذا ؟ قال : هو أخوك يوسف » . رواه الحاكم في مستدركه ، وفيه إطلاق اسم الصورة على الوجه لأنه هو الذي يشبه صورة القمر .

    الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ : « أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ أَوْ أَلا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ . رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأهل السنن ، وهذا لفظ البخاري .

    والمراد بالصورة في هذا الحديث الوجه لما في رواية لمسلم : « أن يجعل الله وجهه وجه حمار » . ففي هذه الرواية بيان المراد بالصورة في الرواية الأولى .

    الحديث السادس عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم كَانَ إِذَا سَجَدَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ » . رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني . وهذا لفظ النسائي .

    الحديث السابع عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أَنَّ نَاسًا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : « نَعَمْ » . الحديث بطوله وفيه : « حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ يَقُولُونَ رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ فَيُقَالُ لَهُمْ أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ » . الحديث متفق عليه وهذا لفظ مسلم .

    وقد رواه الإمام أحمد وابن ماجه وفي روايتهما قال : « فَيَقُولُ اذْهَبُوا فَأَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ فَيَأْتُونَهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِصُوَرِهِمْ لا تَأْكُلُ النَّارُ صُوَرَهُمْ . ورواه النسائي دون قوله : « لا تَأْكُلُ النَّارُ صُوَرَهُمْ » .

والمراد بالصورة في هذا الحديث الوجوه والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : « إِنَّ قَوْمًا يُخْرَجُونَ مِنْ النَّارِ يَحْتَرِقُونَ فِيهَا إِلا دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ .

 ويدل على ذلك أيضًا ما جاء في حديث الشفاعة الطويل ، ففيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَمَرَ الْمَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلامَةِ آثَارِ السُّجُودِ ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ » . الحديث رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ورواه النسائي وابن ماجه مختصرًا .

     وما ذكر في هذا الحديث من تحريم أثر السجود على النار معناه تحريم دارات الوجوه من العصاة المؤمنين على النار ، كما تقدم التصريح به في حديث جابر ، رضي الله عنه .

وَدَارَات الوجوه هي الصور المحرمة على النار كما تقدم ذلك في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .

    وفي هذه الأحاديث دليل على أن تصوير الوجوه داخل في عموم النهي عن صناعة الصور واتخاذها لإطلاق اسم الصورة على الوجه في حديث ابن عمر وما ذكر بعده من الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم .    

    وأما إطلاق اسم الصورة على الوجه في كلام الصحابة ، رضي عنهم ، فقد رواه الإمام أحمد من حديث سالم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، أنه كان يكره العلم في الصورة . وقال : « نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ضرب الوجه » . إسناده صحيح على شرط مسلم . وقد رواه البخاري في صحيحه والإسماعيلي بنحوه وتقدم ذكره قريبًا .

   وروى الإمام أحمد ومسلم والبخاري في الأدب المفرد من حديث هلال بن يساف ، قال : كنا نبيع البز في دار سويد بن مقرن ، فخرجت جارية فقالت لرجل شيئًا ، فلطمها ذلك الرجل ، فقال له سويد بن مقرن : ألطمت وجهها ؟ لقد رأيتني سابع سبعة وما لنا إلا خادم ، فلطمها بعضنا ، فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يعتقها . هذا لفظ البخاري . وفي رواية لمسلم أن سويد بن مقرن قال للذي لطم وجه الخادم : عجز عليك إلا حر ([7]) وجهها .

ورواه أبو داود بمثله . ورواه الإمام أحمد بنحوه . وفي رواية لمسلم عن سويد بن مقرن أن جارية له لطمها إنسان فقال له سويد : أما علمت أن الصورة محرمة . ورواه البخاري في الأدب المفرد بنحوه والمراد بالصورة الوجه ويدل على ذلك قوله في الرواية الأولى : عجز عليك إلا حُرّ وجهها . وأشار سويد بن مقرن رضي الله عنه بقوله : أما عملت أن الصورة محرمة . إلى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : « إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه » . رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والبخاري في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

    وأما إطلاق اسم الصورة على الوجه في كلام أهل اللغة فقال ابن الأثير في « النهاية » ، وتبعه ابن منظور في « لسان العرب » : وفي حديث ابن مقرن أما علمت أن الصورة محرمة : أراد بالصورة الوجه وتحريمها المنع من الضرب واللطم على الوجه ، ومنه الحديث : كره أن تعلم الصورة أي يجعل في الوجه كي أو سمة . وقال مرتضى الحسيني في « تاج العروس » : والصورة الوجه . ثم ذكر ما ذكره ابن الأثير وابن منظور .

    وأما إطلاق اسم الصورة على الوجه في عرف الناس فهو من المعلوم عند الخاصة والعامة فكل عاقل من الكبار والصغار إذا رأى صور وجوه الذين يعرفهم قال : هذه صورة فلان وهذه صورة فلان لا يشك في ذلك .

    ومما ذكرته من الأحاديث الصحيحة في إطلاق اسم الصورة على الوجه وحده ، وما قاله ابن عمر وسويد بن مقرن رضي الله عنهما ، في ذلك وما قاله أهل اللغة في ذلك وما هو شائع في العرف عند الناس من إطلاق اسم الصورة على الوجه وحده يعلم أن تصوير الوجه حرام وكبيرة من الكبائر وسواء كان مفردًا بالتصوير أو كان معه جسم أو بعض جسم ، وكذلك اتخاذ ما فيه صورة الوجه إلا فيما يداس ويمتهن كالبساط والوسادة ونحوهما .

    السادسة : مشروعية إزالة الصور بالمحو إن أمكن ذلك كما فعل عمر رضي الله عنه بالصور التي في الكعبة فإنه محاها كلها بأمر من النبي صلى الله عليه و سلم ، فإن لم يكن محوها فإنه يكتفي بطمسها وتلطيخها بما يزيل هيئتها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : « لا تدع صورة إلا طمستها » .

    السابعة : أنه يجب طمس كل ما يقدر على طمسه من صور ذوات الأرواح لقوله في حديث علي رضي الله عنه : « لا تدع صورة إلا طمستها » . قال النووي في الكلام على هذا الحديث : فيه الأمر بتغيير صور ذوات الأرواح . وقال ابن القيم : هذا يدل على طمس الصور في أي شيء كانت . قال المروذي : قلت لأحمد الرجل يكتري البيت فيرى فيه تصاوير ترى أن يحكها ؟ قال : نعم . قال ابن القيم : وحجته هذا الحديث الصحيح . انتهى .

    الثامنة : أن الأمر بطمس الصور عام فيدخل في ذلك كل صورة من صور ذوات الأرواح سواء كانت مجسدة أو كانت رسمًا ليست بمجسدة ، وسواء كانت تامة أو كانت ناقصة إذا كان فيها صورة رأس أو وجه لأن النكرة في قول النبي صلى الله عليه و سلم : « لا تدع صورة إلا طمستها » . تقتضي العموم فتشمل كل صورة .

    التاسعة : أن عموم الأمر بطمس الصور يشمل الرأس المصوّر وحده فيجب طمسه عملاً بقول النبي صلى الله عليه و سلم : « لا تدع صورة إلا طمستها » ، ولا شك أن الرأس هو أعظم مقصود من الصورة ويدل على ذلك قول جبريل للنبي صلى الله عليه و سلم : « مُرْ برأس التمثال فليقطع فيصير كهيئة الشجر  » . ففعل رسول الله صلى الله عليه و سلم.

    وقد قال بعض الفقهاء : إذا فرق بين الرأس والجسد فقد زال المحذور ، كذلك إذا قطع من الصورة ما لا تبقى الحياة بعد ذهابه كالصدر والبطن ، وكذلك إذا كانت رأسًا بلا بدن ، وهذا القول مردود بقول جبريل للنبي صلى الله عليه و سلم : « مُرْ برأس التمثال فليقطع فيصير كهيئة الشجر » ، ففعل رسول الله صلى الله عليه و سلم . ومردود أيضًا بعمومات كثير من الأحاديث التي تقدم ذكرها . وقد تقدم ما رواه أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ( الصورة الرأس ، فإذا قطع الرأس فليس هي صورة ) . وعن عكرمة نحوه . رواه أبو داود في كتاب المسائل بإسناد صحيح . قال أبو داود : وسمعت أحمد يقول : الصورة الرأس . وقال المروذي : قلت لأبي عبد الله : فإن دخلت حمامًا فرأيت فيه صورة ترى أن أحك الرأس . قال : نعم .

    ومما ذكرته من قول جبريل وفعل النبي صلى الله عليه و سلم وما بعده من قول ابن عباس وعكرمة وأحمد يعلم أن حكم الصورة متعلق بوجود الرأس فإذا وجد الرأس في الصورة وقع المحذور من التصوير ووجب قطع الرأس وإزالته إن أمكن ذلك وإن لم تمكن إزالته فإنه يجب طمسه  عملاً بما جاء في حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : « لا تدع صورة إلا طمستها » .

    العاشرة : أن عموم الأمر بطمس الصور يشمل الوجه المصوّر وحده لإطلاق اسم الصورة عليه شرعًا ولغة وعرفًا . وقد تقدم بيان ذلك في الفائدة الخامسة فليراجع .

    الحادية عشرة : أن طمس الصور من تغيير المنكر الذي يجب على كل مسلم بحسب قدرته ، فمن قدر على التغيير بيده فذلك هو الواجب عليه ، كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم حين هتك الستر الذي فيه الصور بيده الكريمة . وكما فعل ما أمره به جبريل من قطع رؤوس التصاوير التي كانت في ستر في بيته صلى الله عليه و سلم ، وكما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين محا الصور التي في الكعبة بأمر النبي صلى الله عليه و سلم ، ومن لم يقدر على التغيير بيده فإنه يجب عليه التغيير بلسانه فإن لم يستطع فبقلبه . والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه و سلم : « مَنْ رَأَى مِنْكُم مُنْكَرًا فلْيُغَيَّرَهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَانِ » .

رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي ومسلم وأهل السنن من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وصححه أيضًا ابن حبان .

    وفي رواية للنسائي « مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَغَيَّرَهُ بِيَدِهِ فَقَدْ بَرِئَ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَغَيَّرَهُ بِلِسَانِهِ فَقَدْ بَرِئَ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِلِسَانِهِ فَغَيَّرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ بَرِئَ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَانِ » .

وروى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : « مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ » . وقد رواه ابن حبان في صحيحه بنحوه مختصرًا وروى الإمام أحمد طرفًا من أوله .

    الثانية عشر : أن نهي النبي صلى الله عليه و سلم عن صناعة الصور واتخاذها في البيوت نهي تحريم ، كما تقدم التنبيه على ذلك في الفائدة الأولى ، وعلى هذا فإنه يجب اجتنابه لقول الله تعالى : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ . ولما رواه الإمام أحمد والبخاري ، ومسلم والنسائي ، وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r أنه قال : « إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه » .

    الثالثة عشرة : مشروعية نقض التصاليب من الثياب والفرش ونحوها ، ومحو ما ينقش في الجدران وغيرها وطمس ما يكون في الأوراق ونحوها ، وكسر ما يكون له جرْم منها . وما لم يكن نقضه ولا محوه ولا كسره فإنه يجب طمسه وتلطيخه بما يغير هيئته .

    الرابعة عشرة : الرد على من زعم أن المنع من التصوير خاص بالصور المجسدة . فإن القرام الذي غضب رسول الله صلى الله عليه و سلم  وتلوّن وجهه حين رأى ما فيه من الصور ثم هتكه بيده لم تكن الصور التي فيه مجسدة ، وإنما كانت نقوشًا ليس لها ظل ، وكذلك التمثال الذي أمر جبريل بقطع رأسه لم يكن مجسدًا وإنما كان نقشًا ليس له ظل ، وكذلك الصور التي أمر النبي  صلى الله عليه و سلم بمحوها من الكعبة لم تكن مجسدة ، وإنما كانت نقوشًا في الجدران ، وقد محاها عمر رضي الله عنه بالماء . فهذا يدل على أنه لا فرق بين الصور المجسدة وغير المجسدة في الحكم فكل من النوعين يحرم تصويره ويجب تغييره بحسب القدرة . وقد ذكر ابن الجوزي عن حسين بن وردان قال : مر عمر بن عبد العزيز بحمام عليه صورة فأمر بها فطمست وحكّّت ، ثم قال : لو علمت من عمل هذا لأوجعته ضربًا .

    وذكر المروذي في كتاب الورع عن عيسى بن المنذر الراسبي قال : سمعت الحسن وقال له عقبة الراسبي في مسجدنا ساجة فيها تصاوير ؟ فقال الحسن : أنجروها . وتقدم عن المروذي أنه قال لأبي عبد الله أحمد بن حنبل : فإن دخلت حمامًا فرأيت فيه صورة ترى أن أحك الرأس ؟ قال : نعم .

    الخامسة عشرة : امتناع الملائكة من دخول البيوت التي فيها صور من صور ذوات الأرواح ، ولا فرق في هذا بين أن تكون الصور مجسّمة أو غير مجسمة لأن جبريل امتنع من دخول بيت النبي  صلى الله عليه و سلم  من أجل الستر الذي فيه التصاوير . ومن المعلوم عند كل عاقل أن الصور التي في الستر ليست مجسمة .

    قال الخطابي : وأما الصورة فهي كل صورة من ذوات الأرواح كانت لها أشخاص منتصبة أو كانت منقوشة في سقف أو جدار أو مصنوعة في نمط أو منسوخة في ثوب أو ما كان فإن قضية العموم تأتي عليه فليجتنب .

    وقال الخطابي أيضًا : والصورة التي لا تدخل الملائكة البيت الذي هي فيه ما يحرم اقتناؤه وهو ما يكون من الصور التي فيها الروح مما لم يقطع رأسه أو لم يمتهن . انتهى .

    وقد ذكر القرطبي والنووي سبب امتناع الملائكة من دخول البيت الذي فيه الصور . فأما القرطبي فقال في ( المفهم ) : إنما لم تدخل الملائكة البيت الذي فيه الصورة لأن متخذها قد تشبّه بالكفار لأنهم يتخذون الصور في بيوتهم ويعظمونها فكرهت الملائكة ذلك فلم تدخل بيته هجرًا له لذلك . انتهى .

    وأما النووي فقال في (شرح مسلم ) : قال العلماء سبب امتناعهم من بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له وتبريكها عليه وفي بيته ودفعها أذى الشيطان . انتهى .

    السادسة عشرة : قال الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري ) ، في الكلام على قول النبي  صلى الله عليه و سلم  : « لا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا تَصَاوِيرُ » ، المراد بالبيت المكان الذي يستقر فيه الشخص سواء كان بناء أو خيمة أو غير ذلك . انتهى .

    السابعة عشرة : كراهة دخول البيت الذي فيه تصاوير : قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية : المنصوص عن أحمد والمذهب الذي نص عليه عامة الأصحاب كراهة دخول الكنيسة التي فيها التصاوير . انتهى .

    ويدل لهذا القول ما تقدم في الحديث التاسع عن علي رضي الله عنه أنه دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الطعام فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع . ويدل له أيضًا ما سيأتي عن عمر وابن مسعود وأبي مسعود رضي الله عنهم .

    الثامنة عشرة : ترك إجابة الدعوة إلى الطعام إذا كان في البيت تصاوير . والدليل على هذا ما تقدم عن علي : رضي الله عنه . أنه دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الطعام فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع . ويدل له أيضًا ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أسلم ، مولى عمر ، أن عمر رضي الله عنه حين قدم الشام صنع له رجل من النصارى طعامًا ، فقال لعمر : إني أحب أن تجيئني فتكرمني أنت وأصحابك – وهو رجل من عظماء أهل الشام – فقال له عمر رضي الله عنه : ( إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها ) يعني التماثيل .

 ورواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أسلم قال : لما قدم عمر الشام أتاه رجل من الدهاقين فقال : إني قد صنعت لك طعامًا فأحب أن تجيء فيرى أهل عملي كرامتي عليك ومنزلتي عندك - أو كما قال - قال فقال : ( إنا لا ندخل هذه الكنائس - أو قال - هذه البيع التي فيها الصور ) . ورواه البيهقي من طريق عبد الرزاق بمثل روايته . وذكره البخاري في صحيحه في ( باب الصلاة في البيعة ) تعليقًا بصيغة الجزم فقال : وقال عمر ، رضي الله عنه : « إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها الصور » . وقال البخاري في صحيحه ( باب هل يرجع إذا رأى منكرًا في الدعوة ) : ورأى ابن مسعود صورة في البيت فرجع . وروى ابن أبي شيبة عن خالد بن سعد قال : دعي أبو مسعود إلى طعام فرأى في البيت صورة فلم يدخل حتى كسرت . ورواه البيهقي بنحوه . قال الحافظ ابن حجر : وسنده صحيح .     

    وإذا علم هذا فليعلم أيضًا أنه إذا كان عند الداعي إلى الطعام مصوّر يصور حاضرين أو يصور بعضهم فإن ترك إجابته يكون أوْلى وآكد .

    التاسعة عشر : أن المدعو إذا لم يعلم بالصور أو بالمصور إلا بعد دخوله البيت فإن السنة في حقه أن يخرج . والدليل على هذا ما تقدم في رواية النسائي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج من بيته لما رأى الستر الذي فيه التصاوير . وقد نص الإمام أحمد على أنه يخرج لصورة على الجدار .

    وإن كان المدعو يقدر على تغيير الصور فالواجب عليه أن يغيرها كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم في هتك الستر الذي نصبته عائشة رضي الله عنها ولما تقدم في حديث علي رضي الله عنه : ( لا تدع صورة إلا طمستها ) . وكذلك إذا كان يقدر على منع المصور من التصوير فالواجب عليه أن يمنعه لأن التصوير من أعظم الظلم وقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالأخذ على يد الظالم وأطره على الحق . رواه أبو داود من حديث ابن مسعود رضي الله عنه . ورواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة بنحوه .

    العشرون : جواز الجلوس والاتكاء على ما فيه صورة إذا لم يمكن طمسها لأن في وطء الصورة والجلوس والاتكاء عليها ابتذالاً وامتهانًا لها .

    الحادية والعشرون : لعن المصورين : قال أهل اللغة : اللعن هو الطرد والإبعاد من الله ، وقال بعضهم : هو الطرد والإبعاد من الخير . ولا منافاة بين القولين لأن من طرده الله وأبعده فقد طُرد وأُبْعد من كل خير .

    الثانية والعشرون : أن اللعن للمصورين قد جاء بلفظ العموم الذي يشمل الصور المجسمة وغير المجسمة . ولم يأت عن النبي صلى الله عليه و سلم ما يدل على تخصيص اللعن ببعض المصورين دون بعض ، ولا إن اللعن خاص بمصوري الأصنام وناحيتها . ولا يجوز لأحد أن يخصص العام من أقوال النبي صلى الله عليه و سلم بمجرد رأيه وما تميل إليه نفسه لأن هذا في الحقيقة من التقوّل على رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن الإيمان ببعض ما جاء عنه صلى الله عليه و سلم وعدم الإيمان ببعضه ، وما أشد الخطر في هذا .

    الثالثة والعشرون : أن في عموم الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه و سلم : « أنه لعن المصورين » أبلغ رد على كل من أفتى بحل التصوير وخصوصًا من زعم أنه ليس كل المصورين ملعونين ومن زعم أن حديث اللعن يخص مصوري الأصنام وناحيتها .

    الرابعة والعشرون : النص على أن المصورين شرار الخلق عند الله يوم القيامة .

    الخامسة والعشرون : أن التصوير من سنن النصارى والمشركين ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : « من تشبه بقوم فهو منهم » .

    السادسة والعشرون : النص على أن التصوير من أظلم الظالمين لما جاء في الحديث القدسي أن الله تعالى قال : « ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي » .

    السابعة والعشرون : النص على أن كل مصور في النار .

    الثامنة والعشرون : أن المصورين يحشرون إلى النار مع كل جبار عنيد ومع من دعا مع الله إلهًا آخر ، يخرج إلى هؤلاء الثلاثة عنق من النار فيأخذهم من بين الجمع .

    التاسعة والعشرون : النص على أن المصورين أشد الناس عذابًا يوم القيامة .

    الثلاثون : به يجعل للمصور بكل صورة صورها نفس تعذبه في جهنم .

الحادي والثلاثون : أن المصور يكلف يوم القيامة أن ينفخ الروح فيما صوره وليس بنافخ .

    الثانية والثلاثون : النص على عجز المصور عن نفخ الروح فيما صوّره .

    الثالثة والثلاثون : تحدي المصورين بأن يخلفوا بعوضة أو ذرة أو حبة أو شعيرة ، وإذا كانوا عاجزين عن خلق واحدة من هذه الأشياء الحقيرة فهم عن خلق غيرها أعجز وأعجز .

    الرابعة والثلاثون : أن في قول الله تعالى في الحديث القدسي : « فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة » تبكيتًا للمصورين وإظهارًا لعجزهم . قال ابن حبان في صحيحه قوله : « فليخلقوا حبة أو ليخلقوا ذرة » من ألفاظ الأوامر التي مرادها التعجيز . وقال النووي : معناه فليخلقوا ذرة فيها روح تتصرف بنفسها كهذه الذرة التي هي خلق الله تعالى . وكذلك فليخلقوا حبة حنطة أو شعير أي ليخلقوا حبة فيها طعم تؤكل وتزرع وتنبت ويوجد فيها ما يوجد في حبة الحنطة والشعير ونحوهما من الحب الذي يخلقه الله   تعالى ، وهذا أمر تعجيز . انتهى .

    الخامسة والثلاثون : أن المصورين يعذّّبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم . قال النووي : وأما قوله صلى الله عليه و سلم : « ويقال لهم أحيوا ما خلقتم » فهو الذي يسميه الأصوليون أمر تعجيز كقوله تعالى : ﴿ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ ﴾ . انتهى .

   السادسة والثلاثون : قال الحافظ ابن حجر : إن في قوله صلى الله عليه و سلم : « إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة » اهتمامًا بالزجر عن اتخاذ الصور لأن الوعيد إذا حصل لصانعها فهو حاصل لمستعملها لأنها لا تصنع إلا لتستعمل ، فالصانع متسبب والمستعمل مباشر ، فيكون أولى بالوعيد . انتهى .

    قلت : ويستثنى من هذا ما يكون في الفرش التي توطأ وتداس بالأرجل ويجلس عليها وما يكون في الوسائد التي يتكأ عليها لأن في وطء الصور والجلوس والاتكاء عليها ابتذالاً وامتهانًا لها بخلاف ما إذا كانت مصورة في الجدران أو منصوبة عليها أو كانت في ستر منصوب أو غير ذلك مما يكون فيه احترام للصورة وتعظيم لها ، فإن متخذها ، والحالة هذه ، يكون شريكًا لصانعها في الإثم والوعيد الشديد ، ولأن احترام الصور وتعظيمها يدل على الرضا بصناعتها والراضي بالذنب كفاعله .

    السابعة والثلاثون : النص على العلة في تحريم التصوير بأنها المضاهاة بخلق الله ، أي التشبيه بخلقه كما قد جاء ذلك منصوصًا عليه في بعض الروايات عن عائشة ، رضي الله عنها .

    الثامنة والثلاثون : أن لتحريم التصوير علة أخرى وهي أن التصوير ذريعة إلى تعظيم الصور وعبادتها من دون الله ، كما قد وقع ذلك لقوم نوح وللنصارى وغيرهم من المشركين . والذرائع لها حكم الغايات كما هو مقرر عند الأصوليين ، والدليل على أن الصور كانت تعبد من دون الله ما رواه الإمام أحمد والترمذي وابن خزيمة في كتاب ( التوحيد ) من حديث العلاء بن عبد الرحمن مولى الحرقة عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال : « يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَيَقُولُ أَلا لِيَتْبَع كُلُّ أُنَاسٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَُ . فَيُمَثَّلُ لِصَاحِبِ الصَّلِيبِ صَلِيبُهُ وَلِصَاحِبِ التَّصَاوِيرِ تَصَاوِيرُهُ وَلِصَاحِبِ النَّارِ نَارُهُ فَيَتْبَعُونَ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ » . الحديث . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .

    التاسعة والثلاثون : أن لتحريم التصوير علة ثالثة وهي التشبه بالنصارى والمشركين وإتباع سننهم ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : « من تشبه بقوم فهو منهم » . وكل واحدة من العلل الثلاث المذكورة في هذه الفائدة والفائدتين قبلها تكفي وحدها في تحريم التصوير فكيف وقد اجتمعت العلل الثلاث فيه ، وهذا مما يزيد التحريم شدة .

    الأربعون : قال القرطبي في الكلام على قول الله تعالى في سورة النمل : ﴿ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ﴾ قد يستدل من هذا على منع تصوير شيء سواء كان له روح أو لم  يكن ، وهو قول مجاهد ويعضده قوله صلى الله عليه و سلم : ( قُالُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ ليَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً ) فعم بالذم والتهديد والتقبيح كل من تعاطى تصوير شيء مما خلقه الله وضاهاه في التشبيه في خلقه فيما انفرد به سبحانه من الخلق والاختراع . وهذا واضح .

    وذهب الجمهور إلى أن تصوير ما ليس فيه روح يجوز هو والاكتساب به . وقد قال ابن عباس للذي سأله أن يصنع الصور : إن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له . قال القرطبي : والمنع أولى لما ذكرنا . انتهى .

    وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عموم قوله : « الذين يضاهون بخلق الله » ، وقوله : « وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي » يتناول ما فيه روح وما لا روح له . انتهى .

    الحادية والأربعون : قد احتج من أجاز اتخاذ الثياب والستور التي فيها الصور باستثناء الرقم في الثوب وهو مروي عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال النووي : وهو مذهب القاسم بن محمد . وقد أجاب عن ذلك النووي وابن حجر العسقلاني . فأما النووي فقال في (شرح مسلم ) قوله ( إلا رقمًا في ثوب ) هذا يحتج به من يقول بإباحة ما كان رقمًا مطلقًا . وجوابنا وجواب الجمهور عنه أنه محمول على رقم على صورة الشجر وغيره مما ليس بحيوان . وقد قدمنا أن هذا جائز عندنا . وأما ابن حجر فإنه ذكر جواب النووي بمعناه ثم قال : ويحتمل أن يكون ذلك قبل النهي كما يدل عليه حديث أبي هريرة الذي أخرجه أصحاب السنن .

    قلت : هو الحديث العاشر من الأحاديث التي تقدم ذكرها وقد جاء فيه أن جبريل امتنع من دخول بيت النبي صلى الله عليه و سلم لأنه كان في باب البيت تمثال الرجال وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل . ثم قال جبريل للنبي صلى الله عليه و سلم : ( مر برأس التمثال الذي بالباب فليقطع فيصير كهيئة الشجرة ، ومُرْ بالستر فليقطع ويجعل منه وسادتين منتبذتين توطآن ) . ففعل رسول الله صلى الله عليه و سلم . وفي هذا الحديث أبلغ رد على من أجاز اتخاذ الثياب والستور التي فيها الصور ، ويرد عليهم أيضًا بما تقدم في الحديث التاسع عن علي رضي الله عنه أنه دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الطعام فجاء فدخل فرأى سترًا فيه تصاوير فخرج وقال : « إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه تصاوير » . ولعلّ زيد بن خالد والقاسم بن محمد لم يبلغهما حديث أبي هريرة وحديث علي رضي الله عنهما في إنكار تعليق الستور التي فيها الصور ولم تبلغهما الأحاديث التي تقتضي عموم النهي عن اتخاذ ما فيه صورة إلا ما كان في بساط ومخدة ونحوهما مما يداس ويمتهن .

    الثانية والأربعون : قال أبو بكر ابن العربي المالكي في كتابه ( تحفة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي ) في الكلام على الصور : وأما كيفية الحكم فيها فإنها محرمة إذا كانت أجسادًا بالإجماع . فإن كانت رقمًا ففيها أربعة أقوال الأول : أنها جائزة لقوله في الحديث « إلا ما كان رقمًا على ثوب » . الثاني : أنه ممنوع لحديث عائشة دخل النبي صلى الله عليه و سلم وأنا متسترة بقرام فيه صورة فتلون وجهه ثم تناول الستر فهتكه ثم قال : « إن أشد الناس عذابًا المصوِّرون » . الثالث : أنه إذا كانت صورة متصلة الهيئة قائمة الشكل منع ، فإن هتك وقطع وتفرقت أجزاؤه جاز للحديث المتقدم . قالت : ( فيه فجعل منه وسادتين كان يرتفق بهما ) . الرابع : أنه إذا كان ممتهنًا جاز وإن كان معلقًا لم يجز والثالث أصح . انتهى ..

    قلت : والرابع صحيح أيضًا للحديث المتقدم عن عائشة رضي الله عنها أنها قطعت الثوب الذي فيه تصاوير فجعلته وسائد ، وما ذكره ابن العربي في أحكام الصور إنما هو في اتخاذ الثياب والستور التي فيها الصور . وأما صناعة الصور فهي حرام مطلقًا لما تقدم في الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه لعن المصورين وأخبر أنهم في النار وأنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامة . ولم يأت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أجاز صناعة الصور ، وليس لأحد أن يشرع من الدين ما لم يأذن به الله ولا أن يفتي بخلاف ما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم ، ومن خالف في هذا فهو على خطر عظيم وقد تعرّض للفتنة أو العذاب الأليم .

    الثالثة والأربعون : تكفير المصورين . والمراد به والله أعلم كفر دون كفر إلاّ في ثلاث صور فإنه يكون كفرًا أكبر . الأولى : أن يصنع الصور ليعبدها أو يعبدها غيره ، ومن عبادتها رجاء جلب النفع أو دفع الضر منها . الثانية : أن يستحل صناعتها مع علمه بتحريم ذلك لأن من استحل محرمًا مجمعًا على تحريمه فقد كفر ، وليس في المنع من صناعة الصور خلاف بين السلف فكان كالإجماع على تحريم صناعتها . الثالثة : أن يصنع قاصدًا بذلك مضاهاة الرب تبارك وتعالى .

    الرابعة والأربعون : أن كل حديث من الأحاديث التي تقدم ذكرها يدل بمفردها على المنع من صناعة الصور وعلى خطأ من أفتى بجواز صناعتها فليتأملها المبيحون للتصوير حق التأمل لعلهم يرجعون عن فتاويهم المخالفة لأقوال رسول الله صلى الله عليه و سلم .

    الخامسة والأربعون : أن كثيرًا من الأحاديث التي تقدم ذكرها قد جاءت بلفظ العموم الذي يشمل الصور المجسّمة وغير المجسّمة . فكل حديث من هذا القسم يأتي على شبه المفتين بحل التصوير ويجتثها من أصلها . وبعض الأحاديث قد جاء في إنكار الصور التي ليست بمجسمة ، والأمر بمحو ما يمكن محوه منها وهتك الستور التي فيها الصور وقطع رؤوسها والغضب وتلون الوجه عند رؤيتها والخروج من البيت الذي هي فيه وترك إجابة الدعوة إلى الطعام من أجلها وترك رد السلام من أجلها . وهذا القسم وإن كانت الأحاديث فيه واردة في إنكار الصور التي ليست بمجسمة وتغيير ما أمكن تغييره منها فإنها تتناول الصور المجسمة بطريق الأولى . فكل حديث منها يأتي على شبه المفتين بحل التصوير ويبين أخطاءهم في مخالفة السنّة .

    فمن الأحاديث التي جاءت بلفظ العموم حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في النهي عن الصور في البيت والنهي عن صناعتها .  ومنها حديث معاوية رضي الله عنه فقد جاء فيه النهي عن التصاوير والنص على تحريمها . ومنها حديث علي رضي الله عنه في الأمر بطمس الصور على وجه العموم  . ومنها ما جاء في الأحاديث عن علي وأبي هريرة وابن عمر وأسامة بن زيد وأبي طلحة وأبي سعيد الخدري وعائشة وميمونة رضي الله عنهم أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة . ومنها حديث عائشة رضي الله عنها الذي جاء فيه النص على أن المصورين شرّار الخلق عند الله يوم القيامة . ومنها حديث أبي جحيفة رضي الله عنه في لعن المصورين ، ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي جاء فيه أن كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسًا تعذبه في جهنم . ومنها حديث عائشة رضي الله عنها الذي جاء فيه أن أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يصوّرون الصور . وفي رواية الذين يشبهون بخلق الله . وفي رواية الذين يضاهون بخلق الله . ومنها أحاديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهم ، فقد جاء فيها أن أصحاب الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم . ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي جاء فيه أن المصورين والجبارين والمشركين قد وكل بهم عنق من النار يخرج إليهم فيأخذهم . ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي جاء فيه أن الله يقول : « ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة » . ومنها حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي جاء فيه أن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون . ومنها أحاديث ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم فقد جاء فيها أن من صوَّر صورة في الدنيا عذَّبه الله حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ . ومنها حديث أبي محمد الهذلي عن علي رضي الله عنه فقد جاء فيه الأمر بلطخ الصور على وجه العموم . وفيه أيضًا النص على تكفير من عاد إلى صناعة الصور بعد النهي عنها والأمر بطمسها .

    وأما الأحاديث التي جاءت في إنكار الصور التي ليست بمجسَّمة والتشديد فيها ، فمنها حديث ابن عباس ، رضي الله عنهما ، وحديث جابر رضي الله عنه في الأمر بمحو الصور التي في الكعبة . وفي هذين الحديثين أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يدخل الكعبة حتى محيت الصور التي فيها . ومنها حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان ينفض التصاليب ، وفي بعض الروايات التصاوير . ومنها حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم هتك الستر الذي فيه التصاوير وغضب وتلون وجهه حين رأى ما في الستر من الصور . ومنها حديث علي رضي الله عنه في خروج النبي صلى الله عليه و سلم من بيته وتركه الأكل من طعامه حين رأى الستر الذي فيه الصور , ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي جاء فيه أن جبريل امتنع من دخول بيت النبي صلى الله عليه و سلم من أجل تمثال الرجال الذي بالباب ومن أجل الستر الذي فيه الصور . وفي هذا الحديث أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه و سلم : « مُرْ برأس التمثال فليقطع فيصير كهيئة الشجرة ومر بالستر فليقطع ويجعل منه وسادتين منتبذتين توطآن » . ففعل رسول الله صلى الله عليه و سلم .

    وهذه الأحاديث والأحاديث المذكورة قبلها فيها أبلغ رد على شبه المفتين بحل التصوير . ومن أنكر دلالتها على تحريم التصوير على وجه العموم فإنه لا يخلو من أحد أمرين إما الجهل وإما المكابرة في رد الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك .

 

* * *

فصل

 

    وقد رأيت لأحد المفتين بجواز التصوير فتوى غير ما تقدم ذكره في أول الكتاب ، وقد صرَّح في هذه الفتوى أن التصوير باليد حرام وأنه من كبائر الذنوب . ثم زعم أنه لو رسم أجزاء من البدن كاليد وحدها أو الرأس وحده فهذا لا بأس به . قال : وأما التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية الفورية التي لا يحتاج إلى عمل بيد فإن هذا لا بأس به لأنه لا يدخل في التصوير . قالوا : لكن يبقى النظر ما هو الغرض من هذا الالتقاط . إذا كان الغرض من هذا الالتقاط هو أن يقتنيها الإنسان ولو للذكرى صار ذلك الالتقاط حرامًا ، وذلك لأن الوسائل لها أحكام المقاصد . واقتناء الصور للذكرى محرم لأن النبي صلى الله عليه و سلم أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة . وهذا يدل على تحريم اقتناء الصور في البيوت . وأما تعليق الصور على الجدران فإنه محرم ولا يجوز والملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة .

    والكلام على هذه الفتوى من وجوه : أحدها : أن يقال إن بعض هذه الفتوى صحيح وبعضها باطل . فأما الصحيح  منها فهو القول بأن التصوير باليد حرام وأنه من الكبائر ، وأما الباطل منها فهو زعمه أن تصوير اليد وحدها والرأس وحده لا بأس به ، وأن التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية الفورية لا بأس به وأنه لا يدخل في التصوير .

    الوجه الثاني : أن يقال إن الفتيا بجواز تصوير اليد وحدها أو الرأس وحده والتقاط الصورة بالآلة فتيا بغير ثبت . وقد ورد التشديد في ذلك كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود بأسانيد جيدة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : « من أفتى بفتيا بغير علم كان إثم ذلك على من أفتاه » . ورواه الحاكم في مستدركه بنحوه وقال : صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه . ورواه الإمام أحمد أيضًا وابن ماجه والدارمي بأسانيد جيدة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : « مَنْ أُفْتِيَ بِفُتْيَا غَيْرَ ثَبَتٍ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ » . قال ابن الأثير في ( النهاية ) وابن منظور في ( لسان العرب ) : الثبت بالتحريك الحجة والبينة . انتهى .

    وإذا علم هذا فليعلم أيضًا أنه ليس في الكتاب ولا في السنة ما يدل على إباحة تصوير اليد وحدها ولا على إباحة تصوير الرأس وحده ولا على إباحة التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية ، بل كل ذلك من الفتيا بغير ثبت وعلى المفتي إثم من عمل بفتياه كما تقدم النص على ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

    الوجه الثالث : أن يقال إن الفتيا بجواز تصوير اليد وحدها أو الرأس وحده والتقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية زلة من الزلات التي تهدم الإسلام . وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يتخوف على أمته من زلات العلماء . رواه الطبراني في الصغير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « إني أخاف عليكم ثلاثًا ، وهن كائنات : زلة عالم ، وجدال منافق بالقرآن ، ودنيا تفتح عليكم » . وروى الطبراني أيضًا في الكبير عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : « أخاف على أمتي ثلاثًا » وذكر منها زلة العالم . وروى البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : « إن أشد ما أتخوف على أمتي ثلاث » . فذكرها ومنها زلة العالم . وروى أبو نعيم في الحلية وابن عبد البر في كتاب ( جامع بيان العلم وفضله ) عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : « إني أخاف على أمتي من بعدي ثلاث أعمال » . قالوا : وما هي يا رسول الله ؟ قال :  « زلة عالم ، وحكم جائر ، وهوى متبع » . وهذه الأحاديث الأربعة في أسانيدها مقال ولكن بعضها يشد بعضًا ، ويشهد لها ما رواه الدارمي بإسناد جيد عن زياد بن حدير قال : قال لي عمر رضي الله عنه :)  هل تعرف ما يهدم الإسلام ) ؟ قال : قلت : لا . قال : ( يهدمه زلة عالم ، وجدال المنافق بالكتاب ، وحكم الأئمة المضلين ) . وروى الإمام أحمد في الزهد عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال ( أخشى عليكم زلة عالم ، وجدال المنافق بالقرآن ) ، ورواه ابن عبد البر في كتاب ( جامع بيان العلم وفضله ) بنحوه . وروى أيضًا عن سلمان رضي الله عنه نحوه ، وروى أبو داود والحاكم عن يزيد بن عميرة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، أنه قال : ( أُحَذِّرُكُمْ زَيْغَةَ الْحَكِيمِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الضَّلالَةِ عَلَى لِسَانِ الْحَكِيمِ وَقَدْ يَقُولُ الْمُنَافِقُ كَلِمَةَ الْحَقِّ ) .  قَالَ : قُلْتُ لِمُعَاذٍ : مَا يُدْرِينِي رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ الْحَكِيمَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الضَّلالَةِ وَأَنَّ الْمُنَافِقَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الْحَقِّ . قَالَ : بَلَى ( اجْتَنِبْ مِنْ كَلامِ الْحَكِيمِ الْمُشْتَهِرَاتِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا مَا هَذِهِ وَلا يُثْنِيَنَّكَ ذَلِكَ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يُرَاجِعَ ، وَتَلَقَّ الْحَقَّ إِذَا سَمِعْتَهُ فَإِنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا ) . هذا لفظ أبي داود .

    وفي رواية الحاكم أنه قال : ( اتقوا زلة الحكيم ) ، وفيها أيضًا أنه قال : ( اجتنبوا من كلام الحكيم كل متشابه الذي إذا سمعته قلت ما هذا ) . وباقيه نحو رواية أبي داود . وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي في تلخيصه . وقد رواه ابن عبد البر في كتابه ( جامع بيان العلم وفضله ) . وفيه أنهم قالوا لمعاذ : كيف زيغة الحكيم ؟ قال : ( هي الكلمة تروعكم وتنكرونها وتقولون ما هذه فاحذروا زيغته ولا يصدنكم عنه فإنه يوشك أن يفيء وأن يراجع الحق ) . قال ابن عبد البر : ( وشبه الحكماء زلة العالم بانكسار السفينة لأنها إذا غرقت غرق معها خلق كثير ) . قال : ( وإذا صح وثبت أن العالم يزل ويخطئ لم يجز لأحد أن يفتي ويدين بقول لا يعرف وجهه ) . انتهى .

    الوجه الرابع : أن يقال : إن القول بجواز بعض أنواع التصوير دون بعض كتصوير اليد وحدها أو الرأس وحدها والتقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية قول محدث في الإسلام وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : « مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ » . رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث عائشة رضي الله عنها .

    قال النووي في ( شرح مسلم ) : قال أهل العربية الرد هنا بمعنى المردود ومعناه فهو باطل غير معتد به . قال : وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام وهو من جوامع كلمة  صلى الله عليه و سلم فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات . وقال أيضًا : وهذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به . انتهى .

    وقال الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري ) : هذا الحديث معدود من أصول الإسلام وقاعدة من قواعده ، فإن معناه من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه . ثم ذكر قول النووي إن هذا الحديث مما ينبغي أن يعتنى بحفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به كذلك . قال : وقال الطرقي : هذا الحديث يصلح أن يسمى نصف أدلة الشرع . قال الحافظ : وفيه رد المحدثات وأن النهي

يقتضي الفساد لأن المنهيات كلها ليست من أمر الدين فيجب ردها . انتهى .

    قلت : ومن المنهيات تصوير ذوات الأرواح بأي طريق كان عمل تصويرها إذ لا فرق بين إيجاد الصورة باليد وبين إيجادها بالآلة وعلى هذا فإنه يجب المنع منها على وجه العموم وردّ الفتيا بإباحة بعضها عملاً بأمر النبي صلى الله عليه و سلم برد المحدثات التي ليس عليها أمره .

    الوجه الخامس : أن يقال إن القول بجواز تصوير بعض أجزاء البدن كاليد وحدها أو الرأس وحده وجواز التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية مخالف للأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم في النهي عن التصوير والتشديد فيه على وجه العموم الذي يشمل جميع الصور لذوات الأرواح سواء كانت الصور لها كاملة أو ناقصة . وقد ذكرت منها أربعة وثلاثين حديثًا في أول الكتاب فلتراجع ففيها أبلغ رد على هذا القول الباطل . وقد جاء فيها النهي عن الصور في البيت وعن صناعة الصور على وجه العموم الذي يشمل التصوير باليد والتصوير بالآلة الفوتوغرافية ، ويشمل الصور التامة وغير التامة كتصوير بعض أجزاء البدن ويشمل الصور المجسَّمة وغير المجسَّمة ، وفيها أيضًا النص على تحريم التصوير على وجه العموم الذي يشمل جميع ما تقدم ذكره . وفيها أيضًا لعن المصورين على وجه العموم الذي يشمل جميع ما تقدم ذكره . وفيها أيضًا الإِخبار بأن كل مصوِّر في النار يجعل له بكل صورة صوَّرها نفس تعذبه في جهنم . وفيها النص على أن المصورين أشد الناس عذابًا يوم القيامة ، إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في تحريم التصوير والتشديد فيه ، وكلها قد جاءت بلفظ العموم الذي يشمل التصوير باليد والتصوير بالآلة الفوتوغرافية ويشمل الصور المجسَّمة وغير المجسَّمة ويشمل الصور التامة وغير التامة ، وقد خالفها المفتي بجواز التصوير بالآلة الفوتوغرافية وجواز تصوير اليد وحدها والرأس وحده ، وليس له على مخالفتها مستند شرعي تسوغ به المخالفة . وقد حذر الله تعالى من المخالفة عن أمر الرسول صلى الله عليه و سلم وشدد في ذلك فقال تعالى : ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ، وقال تعالى : ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ ، وقال تعالى : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ ، وقال تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً ﴾ . وفي هذه الآية دليل على أن مخالفة الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم في تحريم التصوير والتحذير منه معصية وضلال مبين فينبغي للمفتي بخلافها أن يتدارك نفسه بالتوبة وينشر الرجوع عن فتواه نشرًا يطلع عليه الخاصة والعامة وتنكشف به الشبهة عن الذين تعلقوا بفتواه وخالفوا من أجلها الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم في النهي عن التصوير وتحريمه على وجه العموم .

    الوجه السادس : أن يقال إذا علم ما في القول بجواز تصوير بعض أجزاء البدن وجواز التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية من المخالفة للأحاديث الدالة على المنع من التصوير على وجه العموم فليعلم أيضًا أن هذا القول الباطل داخل في عموم قول الله تعالى : ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ﴾ . وهذه الآية وإن كانت نازلة في توبيخ المشركين على العمل بالدين الذي لم يأذن به الله فهي تتناول بعمومها من تشبه بهم من المتسرعين إلى الفتيا بما لم يأذن به الله وما هو مخالف للكتاب أو السنة . وتتناول أيضًا العاملين بالفتاوى المخالفة للكتاب أو السّنة . فليحزر المتسرعون إلى الفتيا بغير ثبت من الدخول في عموم الآية الكريمة ، وليحذر من ذلك العاملون بفتاوى المتسرعين إلى الفتيا بغير ثبت . 

    الوجه السابع : أن يقال إن القول بجواز تصوير بعض أجزاء البدن والتقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية صريح في تحليل ما حرمه الله على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم من التصوير . وقد نهى الله عن التحليل والتحريم بمجرد الرأي فقال : ﴿ وَلا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلالٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ ﴾ . قال ابن كثير في الكلام على هذه الآية : ( ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي أو حلل شيئًا مما حرم الله أو حرم شيئًا مما أباح الله بمجرد رأيه وتشهيه ) . انتهى .

الوجه الثامن : أن يقال إن كثيرًا من العوام وأشباه العوام من ذوي الجهل المركب قد افتتنوا بالفتوى بجواز التصوير بالآلة الفوتوغرافية وعملوا بها . وعلى هذا فإنه يخشى على المفتي بذلك أن يكون داخلاً في عموم قول الله تعالى : ﴿ لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاء مَا يَزِرُونَ ﴾ . وفي عموم قول النبي صلى الله عليه و سلم : « ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا » . رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وصححه أيضًا ابن حبان . وقد تقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : « من أفتى بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه » . فليتأمل المفتي بجواز التصوير بالآلة الفوتوغرافية ما جاء في الآية والحديثين وليتق الله في نفسه وفيمن يعمل بفتياه ، وليحذر أن يكون له نصيب وافر مما جاء في الآية والحديثين .

    الوجه التاسع : أن يقال إن التفريق بين التصوير باليد والتصوير بالآلة الفوتوغرافية ، وجعل الأول حرمًا والثاني مباحًا ، تفريق بين متماثلين في الاسم والحكم لأن كلاً من النوعين يسمى تصويرًا ، وكل منهما داخل في عموم الأحاديث الدالة على تحريم التصوير والتشديد فيه . وليس على التفريق بينهما دليل شرعي البتة ، وإنما هو مبني على الرأي الناشئ عن فساد التصوير ، وما كان بهذه المثابة فإنه يجب إطراحه ورده على قائله .

الوجه العاشر : أن يقال إن العلة في تحريم التصوير هي المضاهاة بخلق الله - أي التشبيه بخلقه كما تقدم النص على ذلك في حديث عائشة ، رضي الله عنها ، ولا يخفى على عاقل أن التصوير بالآلة الفوتوغرافية أشد مضاهاة بخلق الله من التصوير باليد فيكون التصوير بالآلة الفوتوغرافية أشد تحريمًا من التصوير باليد لما فيه من مزيد المطابقة بين الصورة والمصور .

    الوجه الحادي عشر : أن يقال إذا علم أن العلة في تحريم التصوير هي المضاهاة بخلق الله فهل ينكر المردود عليه وجود المضاهاة في التصوير بالآلة الفوتوغرافية ، أم يعترف بوجودها فيه ، فإن أنكر وجودها فيه فتلك مكابرة لا تصدر من رجل يخاف الله ويتقيه ، ولا من رجل له أدنى مسكة من عقل . وإن اعترف بوجودها فيه فقد خصم نفسه بنفسه ، وعليه حينئذ أن يرجع عن قوله الباطل ويعترف بخطئه .

    الوجه الثاني عشر : أن يقال إن كلا من التصوير باليد والتصوير بالآلة الفوتوغرافية لا يتم إلا بعمل الإنسان فيه فأما التصوير باليد فإنه لا بد فيه من وجود أربعة أشياء وهي القلم والحبر والورق أو ما يقوم مقامه من الأشياء التي تقبل التصوير ، والرابع عمل المصور بيده فإذا عدم واحد من هذه الأشياء الأربعة لم يوجد التصوير باليد . وأما التصوير بالآلة الفوتوغرافية فإنه لا بد فيه من أربعة أشياء :

أحدها : وضع الفلم في الآلة .

والثاني : ما يجعل في الفلم من المواد الكيمائية .

والثالث : ضغط المصور بيده على الآلة حتى تعمل عملها .

والرابع : تحميض الصورة فإن كانت الآلة الفوتوغرافية فورية جعلت الأحماض في الفلم مع المواد الكيمائية فتخرج الصورة فورًا بدون تحميض آخر . وإن كانت الآلة في مكان مظلم ولو ظلمة يسيرة فلا بد لها حينئذ من التزويد بالكهرباء لتنير لها الأشياء التي تلتقطها - ويسمونه الفلاش - فإذا عدم واحد من هذه الأشياء التي تحتاج إليها الآلة لم يوجد التصوير .

    وبهذا يعلم أنه لا فرق بين التصوير باليد وبين التصوير بالآلة الفوتوغرافية ، ويعلم أيضًا أن كلاً من النوعين من أفعال بني آدم وصناعاتهم ، ويعلم أيضًا أن حكم النوعين واحد وهو التحريم لأن علة التحريم وهي المضاهاة بخلق الله موجودة في كل منهما ، ولأن الأحاديث الواردة في المنع من التصوير والتشديد فيه تشملهما على حد سواء . وعلى هذا فإنه لا وجهه للتفريق بينهما ، ومن فرّق بينهما فلا شك أن ذلك من تلبيس الشيطان عليه ليوقعه في معصية الله ومعصية رسوله صلى الله عليه و سلم وذلك بمخالفة الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم في المنع من التصوير والتشديد فيه ، وليوقع العاملين بفتياه فيما أوقعه فيه من المعصية والمخالفة . وقد حذر الله المؤمنين من إتباع خطوات الشيطان والعمل بما يأمر به فقال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ﴾ . والتصوير من المنكرات التي يأمر بها الشيطان ويدعو إلى صناعتها وتعظيمها والإفتاء بجواز صناعتها أو صناعة بعضها . فينبغي للمؤمن أن يحذر من مكايد عدو الله غاية الحذر لأنه عدو لبني آدم ولا يألو جهدًا في إضلالهم وصدهم عن سبيل الله وإيقاعهم في المعاصي  والمنكرات وقد قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ .

    الوجه الثالث عشر : أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : « أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله » . وقد تقدم هذا الحديث في أول الكتاب وهو يشمل بعمومه تصوير البدن كاملاً وتصوير بعض أجزاه لأن المضاهاة بخلق الله موجودة في تصوير البدن وتصوير بعض أجزائه ، وكذلك قد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : « يقول الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي » الحديث .

    وقد تقدم هذا الحديث في أول الكتاب وهو يشمل بعمومه تصوير البدن كاملاً وتصوير بعض أجزائه ، وفي الحديثين رد على من أجاز تصوير بعض أجزاء البدن . وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما ، لمن استفتاه عن صناعة الصور : ( إن أبيت إلاّ أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح ) ، وقد تقدم هذا الحديث في أول الكتاب . ولو كان تصوير بعض أجزاء البدن جائزًا لرخص له في تصويرها كما رخص له في تصوير الشجر وفي قوله : ( كل شيء ليس فيه روح ) دليل على أن تصوير ذوات الأرواح غير جاز . وقد جاء في المنع من تصويرها أحاديث كثيرة تقدم ذكرها في أول الكتاب . وظاهر قول ابن عباس رضي الله عنهما : ( كل شيء ليس فيه روح ) يعم الصورة الكاملة ، وتصوير بعض أجزاء البدن لأنها أجزاء مما فيه روح ، ولأن الروح تعم جميع أجزاء البدن ما دامت متصلة به .

    الوجه الرابع عشر : أن يقال قد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ( الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فليس هي صورة ) وعن عكرمة نحوه . وقد تقدم ذلك في أول الكتاب ، وقال أبو داود : سمعت أحمد يقول : الصورة الرأس ويدل لهذا القول ما تقدم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه و سلم : « مُرْ برأس التمثال الذي بالباب فليقطع فيصير كهيئة الشجرة ففعل رسول الله صلى الله عليه و سلم » . فهذا يدل على أن تصوير الرأس غير جائز ، وفيه رد على من أجاز تصويره .

    فإن قيل : إن جبريل إنما أمر بقطع الرأس وحده ولم يأمر بإتلاف بقية الصورة فدل ذلك على جواز تصوير أجزاء البدن سوى الرأس .

    فالجواب أن يقال : إنما يجوز ترك الصورة التي ليس فيها رأس إذا كانت فيما يوطأ ويداس أو يتكأ عليه . فأما تصوير ذلك ابتداء فليس على جوازه دليل وعموم الأحاديث في النهي عن التصوير والتشديد فيه تتناول تصوير بعض أجزاء البدن . وقد تقدم كلام العلماء في تحريم صناعة الصور فليراجع ذلك في الفائدة الثالثة من فوائد الأحاديث التي تقدم ذكرها في أول الكتاب .

    الوجه الخامس عشر : أنه لو طلب من المفتي أن يبرز دليلاً من الكتاب أو السنة ينص على جواز تصوير بعض أجزاء البدن كاليد أو الرأس أو ينص على جواز التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية لما وجد إلى الدليل سبيلاً .

    الوجه السادس عشر : أن يقال لو أن أحداً من الناس قال : إن الخمر التي قد عصرت باليد حرام وكبيرة من الكبائر وأن الخمر التي قد عصرت بالآلة المعدَّة لاعتصار الخمر لا بأس بها وإن كانت أشد إسكارًا من التي قد عصرت باليد لما كان هناك فرق بين قوله وبين قول المفتي إن التصوير باليد حرام وكبيرة من الكبائر وأن التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية لا بأس به . إذا كان من المعلوم  عند كل عاقل له أدنى علم وفهم أن العلة في تحريم الخمر هي الإسكار ، وأنه لا فرق بين الخمر التي قد عصرت باليد وبين الخمر التي قد عصرت بالآلة ، وأن ما كان منها أشد الإسكار كان أشد تحريمًا ، فكذلك من المعلوم  أيضًا أن العلة في تحريم التصوير هي المضاهاة بخلق الله أي التشبيه بخلقه - كما تقدم النص على ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها . وعلى هذا فإنه كلما كان التصوير أشد في المضاهاة بخلق الله كان أشد تحريمًا مما هو دونه في المضاهاة ، ولا يخفى على ذي عقل سليم أن التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية أشد في المضاهاة بخلق الله من التصوير باليد فيكون أشد تحريمًا من التصوير باليد . ومن خالف في هذا فإنما أتي من قلة علمه وقصور فهمه .

    وأما زعم المفتي أن التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافيه الفورية لا يحتاج إلى عمل بيد فجوابه من وجهين : أحدهما أن يقال هذا الكلام مبني على أحد أمرين : إما المغالطة في إنكار ما هو معلوم بالمشاهدة من عمل الأيدي في الآلة الفوتوغرافية الفورية لأجل التقاط الصورة بها ، وإما الجهل بما تحتاج إليه من الأعمال اليدوية . وقد ذكرت ما يحتاج إليه من الأعمال اليدوية في الوجه الثاني عشر فليراجع ليعلم أن المفتي قد خفي عليه ما تحتاج إليه الآلة الفوتوغرافية الفورية من الأعمال اليدوية .

    الوجه الثاني أن يقال لو أن إنسانًا أراد التصوير بالآلة الفوتوغرافية الفورية بدون أن يضع فيها فِلْمًا مزودًا بالمواد الكيمائية والأحماض ، وبدون أن يضغط على المواضع التي يحصل بالضغط عليها تشغيل الآلة حتى تعمل عملها فهل يقول عاقل إنها تلتقط الصور حينئذ .كلا لا يقول ذلك إنسان يعقل ما يقول .

    وأما زعمه أن التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية الفورية لا بأس به وأنه لا يدخل في التصوير ، فجوابه من وجوه أحدها أن يقال إن كلام المفتي في هذه الجملة غريب وعجيب لما فيه من التناقض وإنكار الحقيقة التي يعرفها كل عاقل . فأما التناقض ففي أمرين أحدهما : أنه زعم أن التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية الفورية لا بأس به ، ثم نقض ذلك فصرح أنه إذا كان الغرض من الالتقاط اقتناء الصورة ولو للذكرى صار ذلك الالتقاط حرامًا . وقال : واقتناء الصور للذكرى محرًم لأن النبي صلى الله عليه و سلم أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة . قال : وهذا يدل على تحريم اقتناء الصور في البيوت . قال : وأما تعليق الصور على الجدران فإنه محرم ولا يجوز والملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة .

    ويقال للمفتي إن حكم اقتناء الصور وتعليقها على الجدران تابع لحكم التقاطها فإذا كان لا يرى بالتقاطها بأسًا فإنه يلزمه أن يقول بمثل ذلك في اقتنائها وتعليقها على الجدران وإلا كان قوله متناقضًا . وكيف يبيح التقاطها ثم يحرم اقتناءها وتعليقها على الجدران . هذا قول غريب وتناقض عجيب .

 

    الأمر الثاني : من تناقضه أنه زعم أن التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية الفورية لا يدخل في التصوير . وقد نقض ذلك بتسميته الالتقاط صورة وقد كرر ذلك في ستة مواضع واحد منها في أول كلامه وخمسة منها في آخره ، وإنما وقع التناقض في كلامه لأن فتواه في التصوير لم تبنَ على أساس صحيح من الكتاب أو السنة ، وإنما هي مبنية على الرأي وفساد التصور .

 

    وأما إنكاره للحقيقة ففي زعمه أن التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية الفورية لا يدخل في التصوير ، فقد أنكر في هذه الجملة ما هو معلوم عند الصبيان المميزين فضلاً عن الرجال العقلاء ، فكل صبي مميز إذا رأى الصور المأخوذة بالآلة الفوتوغرافية الفورية وكان يعرف أصحابها فإنه لا يتوقف أن يقول هذه صورة فلان وهذه صورة فلان وهذه صورة النوع الفلاني من الحيوانات وهذه صورة نوع آخر منها ، وإذا كانت الصور المأخوذة بالآلة الفوتوغرافية الفورية من الحقائق التي يعرفها الصبيان الصغار ، فضلاً عن الرجال العقلاء ، فلا عبرة بمن خالف في هذا فآل به الخلاف والشذوذ إلى القول بتحليل التصوير الملعون فاعله .

    الوجه الثاني : أن يقال إذا كان التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية الفورية لا يدخل في التصوير عند المفتي ففي أي شيء يدخل وبأي اسم يسمى عنده ، ولقد أحسن نصر بن أحمد الخبزأرزي حيث يقول :

 

                إذا شئت أن تحيا سعيدًا مُسْلَّمًا                                        فدبّر ومَيّز ما تقول وتفعل

     وأحسن أيضًا أبو العتاهة حيث يقول :

                 إذا لم تحترس من كل طيش                                          أسأت إجابة وأسأت فهما

    الوجه الثالث : أن قول المفتي في التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية الفورية أنه لا يدخل في التصوير قول باطل لأنه يلزم عليه إلغاء العلة التي نص عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي المضاهاة بخلق الله كما تقدم ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :          « أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله » . وفي رواية : « إن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله » . وما لزم عليه إلغاء العلة التي علل بها رسول الله صلى الله عليه و سلم تحريم التصوير فهو قول سوء يجب اطراحه وردّه على قائله لأنه لا قول لأحد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم .

    الوجه الرابع : أن يقال إن الصور التي تلتقط بالآلة الفوتوغرافية أشد في المطابقة لما صورت عليه من الصور التي تنقش باليد ، وما كان أشد في المطابقة بين الصورة والمصَوَّر فهو أشد في المضاهاة بخلق الله ، وما كان أشد في المضاهاة بخلق الله فهو أشد تحريمًا من التصوير الذي هو دونه في المضاهاة ، وعلى هذا فإن التصوير بالآلة الفوتوغرافية الفورية يكون أشد تحريمًا من التصوير باليد .

 

* * *

فصل

 

    وقد رأيت للمردود عليه جوابين آخرين في تحليل التصوير بالآلة ، أحدهما بتاريخ 10/2/1399 هـ . والثاني بتاريخ 12/7/1400 هـ . وكلاهما عندي ، فالأول منهما منقول بالتصوير من خط المفتي ، والثاني بخطه . وقد صرح في كل منهما بتحليل التصوير بالآلة . وقال في الجواب الأخير ما نصه : ( وما نقل لكم من رأينا بحل التصوير الضوئي وما سمعتم منا في الندوة فالأمر كما سمعتم فإنه لم يتضح لنا دخولها في التحريم لأن حقيقة التصوير لا تنطبق عليها وهي تشبه تصوير الصكوك والوثائق التي إذا صورت نسبت إلى الكاتب الأول ، فهكذا إذا صور الآدمي أو غيره فإن ذلك الشكل المنطبع في الورقة من تصوير الله عزَّ وجلَّ ) . انتهى المقصود من كلام المفتي .

    والجواب : أن أقول إن الرد على فتواه بتحليل التصوير بالآلة - وهو ما سماه بالتصوير الضوئي - قد تقدم مبسوطًا في الرد على جوابه الثالث المذكور في الفصل الذي قبل هذا الفصل فليراجع ففيه كفاية في الرد على جوابيه الأخيرين إن شاء الله تعالى ، وقد وقع في جوابه الأخير زيادة أخطاء ينبغي التنبيه عليها لئلا يغتر بها من قَلَّ نصيبهم من العلم النافع .

    الخطأ الأول اعتماده على رأيه في تحليل التصوير بالآلة ، وقد صرح بذلك في قوله : ( وما نقل لكم من رأينا بحل التصوير الضوئي وما سمعتم منَّا في الندوة فالأمر كما سمعتم ) .

    والجواب عن هذا الخطأ الكبير من وجوه :

أحدهما : أن يقال إن التحليل والتحريم مردهما إلى الله تعالى ، فما أحله الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم فهو حلال وما حرمه فهو حرام ، وليس لأحد أن يحلل شيئًا أو يحرمه بمجرد رأيه ، ومن حلل شيئًا أو حرمه ، بمجرد رأيه فقد افترى على الله وقال عليه بغير علم ، وذلك من أعظم المحرمات وأكبر الكبائر . وقد ورد الوعيد الشديد على ذلك في آيات كثيرة من القرآن منها قول الله تعالى :﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ . قال القرطبي في تفسير هذه الآية : بَيَّن أنهم كذبوا إذ قالوا ما لم يقم عليه دليل . انتهى .     

    ومنها قوله تعالى : ﴿ وَلا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلالٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ . قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الكلام على هذه الآية في كتابه ( أعلام الموقعين ) : تقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه وقولهم لما لم يحرمه ، هذا حرام ، ولما لم يحله ، هذا حلال . وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا بما علم أن الله أحله وحرمه . قال بعض السلف : ( ليتق أحدكم أن يقول أحل الله كذا وحرم كذا فيقول الله له كذبت لم أحل كذا ولم أحرم كذا ) . فلا ينبغي أن يقول لما لا يعلم ورود الوحي المبين بتحليله أو تحريمه أحله الله أو حرمه لمجرد التقليد أو بالتأويل . انتهى .

    وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية : ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي أو حلل شيئًا مما حرم الله أو حرم شيئًا مما أباح الله بمجرد رأيه وتشهيه . انتهى .

    ومن الآيات في تحريم القول على الله بغير علم قوله تعالى : ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ . قال ابن القيم رحمه الله تعالى في ( أعلام الموقعين ) : قد حرم الله القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء وجعله من أعظم المحرمات ، بل جعله في المرتبة العليا منها ، ثم ذكر الآية التي تقدم ذكرها وقال في الكلام عليها : فرتب المحرمات أربع مراتب وبدأ بأسهلها وهو الفواحش ، ثم ثَنَّى بما هو أشد تحريمًا منه وهو الإِثم والظلم ، ثم ثّلَّث بما هو أعظم تحريمًا منهما وهو الشرك به سبحانه ، ثم رَبَّع بما هو أشد من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم ، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه . انتهى .

    وقال ابن الجوزي في تفسيره : قوله تعالى : ﴿ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ . عام في تحريم القول في الدين من غير يقين . انتهى . وذكر البغوي هذا القول عن بعض المفسرين .

    الوجه الثاني : أن يقال إن المفتي قد جنى على الشريعة الإسلامية حيث غَيَّر ما جاء فيها من الحكم بتحريم التصوير على وجه العموم الذي يشمل التصوير باليد والتصوير بالآلة على حَدٍّ سواء ، فقال في التصوير باليد إنه حرام وكبيرة من الكبائر ، وقال في التصوير بالآلة إنه لا بأس به ، وهذا من التفريق بين المتماثلين ، ومن الإيمان ببعض ما حرمه الله على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم من التصوير وعدم الإيمان ببعضه ، ومن الشرع في الدين بما لم يأذن به الله .   

    الوجه الثالث أن يقال إن التفريق بين المتماثلين لا يصدر إلا من فساد التصور ، وهذا ما وقع فيه المفتي بحل التصوير بالآلة حيث توهم أن التصوير بها من فعل الله تعالى وليس من أفعال بني آدم .

    الوجه الرابع أن يقال إن المفتي بحل التصوير الضوئي قد خالف الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم في النهي عن التصوير والنص على تحريمه ولعن المصورين والنص على أنهم من أهل النار وأنهم من أشد الناس عذابًا يوم القيامة . ومخالفة الأحاديث الثابتة عن النبي r ليس بالأمر الهين ، ومن خالف حديثًا واحدًا متعمدًا فهو على شفا هلكة ، فكيف بمن خالف أربعة وثلاثين حديثًا كل حديث منها يدل على تحريم التصوير على وجه العموم الذي يشمل التصوير باليد والتصوير بالآلة . وقد قال الإمام أحمد ، رحمه الله تعالى :  من رد حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو على شفا هلكة . وكلام العلماء في النهي عن مخالفة الأحاديث الصحيحة والتشديد في ردها كثير جدًا ، وقد ذكرت طرفًا من ذلك في أول كتابي المسمى بـ « الرد القويم على المجرم الأثيم » فليراجع هناك . وذكرت أيضًا في الكتاب المذكور آيات في التحذير من مخالفة الرسول صلى الله عليه و سلم فلتراجع أيضًا .

    الوجه الخامس أن يقال إنه لا يجوز العمل بالرأي مع وجود النص في المسألة ، وإنما يجوز اجتهاد الرأي فيما لم يوجد له حكم في الكتاب أو السنة ، ويدل على هذا ما جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أراد أن يبعثه إلى اليمن قال : « كيف تقضي إذا عرض لك قضاء » قال : أقضي بكتاب الله . قال : « فإن لم تجد في كتاب الله » قال : أقضي بسنة رسول الله قال : « فإن لم تجد في سنة رسول الله » قال : أجتهد رأيي ولا آلو ، قال فضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم صدره وقال : « الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله » . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والدارمي والدارقطني والبيهقي .

    وروى الدارمي أيضًا والنسائي والبيهقي أن عمر رضي الله عنه ، كتب إلى شريح بنحو ما جاء في حديث ، معاذ رضي الله عنه .

    وروى الدارمي والنسائي والبيهقي أيضًا عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه أنه قال : « إِذَا سُئِلْتُمْ عَنْ شَيءٍ فَانْظُرُوا فِي كِتَابِ اللَّهِ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوهُ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ فَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا اجْتمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَاجْتَهِدْ رَأْيَكَ » . وقد رواه الحاكم بنحوه وصححه ووافقه الذهبي على تصحيحه .

وروى البيهقي أيضًا عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال لمسلمة بن مُخَلّد : ( اقضِ بكتاب الله عزَّ وجلَّ فإن لم يكن في كتاب الله ففي سنة النبي صلى الله عليه و سلم فإن لم يكن في سنة النبي صلى الله عليه و سلم فادعٌ أهل الرأي ثم اجتهد ) .

وروى البيهقي أيضًا عن عبيد الله بن أبي يزيد قال : سمعت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ( إذا سئل عن شيء هو في كتاب الله قال به ، وإذا لم يكن في كتاب الله وقاله رسول الله صلى الله عليه و سلم قال به ، وإن لم يكن في كتاب الله ولم يقله رسول الله r وقاله أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قال به ، وإلا اجتهد رأيه ) .

    وروى الدارمي عن أبي الشعثاء أن ابن عمر ، رضي الله عنهما قال له : يا أبا الشعثاء إنك من فقهاء البصرة فلا تفت إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت .

    وروى الدارمي أيضًا أن أبا سلمة قال للحسن : إنه بلغني أنك تفتي برأيك فلا تفت برأيك إلا أن يكون سنة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أو كتاب منزل .

    وفي حديث معاذ بن جبل وما ذكر بعده من الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم ، دليل على أنه لا يسوغ الاجتهاد والعمل بالرأي مع وجود الدليل من الكتاب والسنة أو الإجماع ، وفي هذا أبلغ رد على من أفتى بتحليل التصوير الضوئي معتمدًا في هذا الفتيا الخاطئة على رأيه المخالف للنصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم في النهي عن التصوير والنص على تحريمه ولعن المصورين والنص على أنهم من أهل النار وأنهم من أشد الناس عذابًا يوم القيامة . وهذه الفتيا يجب ردها واطراحها والإنكار على من أفتى بها وعلى من عمل بها من الناس لأنه لا قول لأحد مع قول رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الله تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً    مُّبِيناً ﴾ .

    وقد دلَّ حديث معاذ بمفهومه على أن من أفتى برأيه مع وجود ما يخالف ذلك من الكتاب أو السنة  فقد عمل بما يسخط الرسول صلى الله عليه و سلم ومن عمل بما يسخط الرسول صلى الله عليه و سلم فلا شك أنه قد تعرض لسخط الله تعالى لأن الله تعالى يقول : ﴿ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ﴾ .

    وفي الصحيحين ومسند الإمام أحمد وسنني النسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قالَ : « مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ » . وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند وفي كتاب السنّة والطبراني والحاكم عن لقيط بن عامر العقيلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : « من عصى نبيه كان من الضالين ومن أطاع نبيه كان من المهتدين » .

    وإذا عُلم هذا فلُيعلم أيضًا أن المفتي بحل التصوير الضوئي قد تعرض لسخط الله تعالى لأنه قد خالف الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم . في النهي عن التصوير والنص على تحريمه على وجه العموم والتشديد فيه على وجه العموم . فيجب على المفتي أن يتدارك هذه الزلة الخطيرة بالرجوع إلى الصواب وأن ينشر رجوعه عن فتياه بالكتابة ، وبالكلام في الندوات والمحافل لعله أن يمحو السيئة بالحسنة .

    وأما قوله إنه لم يضح له دخول التصوير الضوئي في التحريم لأن حقيقة التصوير لا تنطبق عليه .

    فجوابه من وجوه أحدها أن يقال إن المفتي قد التبست عليه الحقيقة في التصوير الضوئي حيث صرح أنه لم يتضح له دخوله في التحريم ، ومع التباس الحقيقة عليه في التصوير الضوئي فإنه قد أقدم على الفتوى بحله ، وهذا من التسرع إلى الفتيا  بغير ثَبَت ، وفي ذلك خطر عظيم لما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : « مَنْ أُفْتِيَ بِفُتْيَا غَيْرَ ثَبَتٍ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ » . رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي والحاكم بأسانيد جيدة ، وبعضها على شرط مسلم وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه .

    الوجه الثاني أن يقال إن العلة في تحريم التصوير هي المضاهاة بخلق الله - أي التشبيه بخلقه - كما قد جاء ذلك منصوصًا عليه في حديث عائشة رضي الله عنها الذي تقدم ذكره في أول الكتاب . وهذه العلة موجودة في التصوير الضوئي أعظم من وجودها في التصوير باليد . وعلى هذا فإن حقيقة التصوير تنطبق على التصوير الضوئي أعظم من انطباقها على التصوير باليد ، ومن توقف في هذا فإنما أتي من سوء فهمه وفساد تصوره .

    الوجه الثالث أن يقال إن تخليط المفتي في حكم التصوير الضوئي في هذه الفتيا وزعمه أن حقيقة التصوير لا تنطبق عليه قد تقدم نحوه في كلامه المذكور في أول الفصل الذي قبل هذا الفصل ([8]) حيث قال : إن التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية لا يدخل في التصوير . وقد تقدم الرد على هذا التخليط قريبًا فليراجع ([9]) .

    وأما زعمه أن الصكوك والوثائق إذا صورت نسبت إلى الكاتب الأول فجوابه أن يقال هذا خطأ لأن الصكوك والوثائق إذا صورت تسمى صورًا ، ولا يقول عاقل إن هذا خط فلان وإنما يقول هذه صورة عن خط فلان ، ومثل ذلك الكتب والرسائل المصورة لا يقول عاقل إن هذه خط فلان أو هذه المخطوطة الفلانية أو الطبعة الفلانية ، وإنما يقول هذه صورة  عن خط فلان أو عن المخطوطة الفلانية أو الطبعة الفلانية ، والتفريق بين أصول الكتب والصكوك والوثائق وبين صورها  معروف عند العقلاء ولا عبرة بمن سواهم من المتسرعين إلى القول بما يخالف المعقول .

    وأما زعمه أن الآدمي أو غيره إذا صُوَّر فإن ذلك الشكل المنطبع في الورقة من تصوير الله عز وجل فجوابه من وجوه أحدها أن يقال من أبطل الباطل وأفحش الخطأ زعم المردود عليه أن التصوير الضوئي من فعل الله تعالى وليس من فعل بني آدم ، وهذا من القول على الله بغير علم ، ولا شك أنه ناشئ عن فساد التصور ، إذ ليس يخفى على عاقل أن التصوير الضوئي يعتمد على أفعال بني آدم إذ لا بد فيه من وجود خمسة أشياء ، أحدها صناعة آلة التصوير ، والثاني صناعة الأفلام ووضعها في آلة التصوير ، والثالث تحضير المواد الكيمائية ووضعها في الأفلام ، والرابع ضغط المصور بيده على آلة التصوير لتعمل عملها والخامس تحميض الصورة بعد إخراجها من آلة التصوير حتى تخرج الصورة واضحة مشابهة لمن أخذت صورته . فإذا عدم واحد من هذه الأشياء الخمسة لم يوجد التصوير الضوئي ، وقريب من هذا ما يحتاج إليه في التصوير باليد فإنه لا بد فيه من وجود أربعة أشياء ، وهي القلم والحبر والورق أو ما يقوم مقامه من الأشياء التي تقبل التصوير ، والرابع عمل المصور بيده ، فإذا عدم واحد من هذه الأشياء الأربعة لم يوجد التصوير باليد . وقد يحتاج في التصوير الضوئي إلى شيء سادس وهو تزويد الآلة بالكهرباء ، وهي من صناعات بني آدم ، وقد توضع الأحماض في الأفلام فلا تحتاج الصورة إلى التحميض بعد إخراجها من آلة التصوير . وبهذا يعلم أن كلا من نوعي التصوير من فعل بني آدم لا من فعل الله تعالى ، ويعلم أيضًا أن حكم النوعين واحد وهو التحريم لأن الأحاديث الواردة في النهي عن التصوير والنص على تحريمه تشمل النوعين على حد سواء ويعلم أيضًا أن علة التحريم - وهي المضاهاة بخلق الله تعالى - تشمل النوعين على حد سواء ، ويعلم أيضًا أن التفريق بين النوعين في الحكم تفريق بين متماثلين وذلك غير جائز .

    الوجه الثاني : أن يقال لو كان التصوير الضوئي من فعل الله تعالى لما كان يحتاج في إخراج الصورة إلى وجود الآلة ووضع الأفلام والمواد الكيمائية فيها وتزويدها بالكهرباء إن احتاجت إلى ذلك وضغط المصور عليها وتحميض الصورة ، بل كان يقول للصورة كن فتكون على الفور بدون واسطة بني آدم وأعمالهم لأن الله تعالى غني عن الخلق وعن أعمالهم فلا يحتاج إليهم ولا إلى أعمالهم .

    ومن زعم أن التصوير الضوئي من فعل الله تعالى وليس من فعل بني آدم فلازم قوله أن يكون الله محتاجًا في إخراج الصور الضوئية إلى الآلة وما تحتاج إليه من الأفلام والمواد الكيمائية وضغط المصور عليها وتحميض الصور ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا .

الوجه الثالث : أن يقال لا شك أن التصوير الضوئي من صناعات بني آدم وأفعاهم ، والله خالقهم وخالق صناعاتهم وأفعالهم كما قال تعالى مخبرًا عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال لأبيه وقومه : ﴿ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ .

    وروى البخاري في كتاب ( خلق أفعال العباد ) بإسناد صحيح عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : « إن الله يصنع كل صانع وصنعته » وتلا بعضهم عند ذلك : ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ .  ورواه أيضًا بإسناد صحيح عن حذيفة رضي الله عنه : « إن الله خلق كل صانع وصنعته » . قال البخاري رحمه الله تعالى : فأخبر أن الصناعات وأهلها مخلوقة . انتهى . وقد رواه البيهقي في كتاب ( الأسماء والصفات ) من طريق البخاري بمثل الرواية الأولى . ورواه اللالكائي في ( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ) بنحو الرواية الأولى عند البخاري ، ورواه البزار وابن أبي عاصم في كتاب ( السنة) والحاكم بنحو الرواية الثانية عند البخاري ، ولفظه عند الحاكم : قال رسول الله r « إن الله خالق كل صانع وصنعته » . ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي في تلخيصه .

    وفي النص على أن أفعال بني آدم وصناعاتهم مخلوقة دليل على تحريم تصوير ذوات الأرواح بالآلة لأن الآلة وما يعمل بها من الصور كله من صناعات بني آدم وأفعالهم ، ولأنه لا فرق بين التصوير باليد والتصوير بالآلة لأن اليد تعمل في كل من النوعين فتنقش الصور بالقلم وتجهز الآلة المصورة بما تحتاج إليه من أفلام ومواد كيميائية وضغط عليها وتحميض للصورة وتزويد الآلة بالكهرباء إن احتاجت إلى ذلك حتى يتم التصوير بها . ومن خالف في هذا فحرم التصوير باليد وأباحه بالآلة وزعم أن التصوير بها من فعل الله تعالى وليس من أفعال بني آدم فإنما هو  في الحقيقة ينادي على سوء فهمه وفساد تصوره .

    الوجه الرابع : أن يقال إنه ليس في قدرة بني آدم أن يفعلوا مثل فعل الله ولا أن يصنعوا مثل صنعه لأن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله . ومن المعلوم أن بني آدم يقدرون على أن يصوروا بأيديهم مثل الصور التي تصور بالآلة ويكتبوا بأيديهم مثل الكتابة التي تصور بالآلة . وفي هذا دليل على أن التصوير بالآلة من فعل بني آدم لا من فعل الله تعالى لأنه لو كان من فعل الله تعالى لما قدر أحد من بني آدم أن يصنع مثله . قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى : إن الله سبحانه لم يخلق شيئًا يقدر العباد أن يصنعوا مثل ما خلق وما يصنعونه فهو لم يخلق لهم مثله . انتهى ([10]) .

    الوجه الخامس : أن ما زعمه المردود عليه في قوله إن التصوير الضوئي من فعل الله تعالى يلزم عليه لوازم سيئة جدًا .

    أحدها أن يكون الله محتاجًا في إخراج الصورة الضوئية إلى أفعال بني آدم التي يحتاج إليها في إخراج الصورة بالآلة . مثل صناعة الآلة وتجهيزها بما تحتاج إليه من أفلام ومواد كيمائية وكهرباء وضغط عليها وتحميض ، والله تبارك وتعالى منزه عن الاحتياج إلى أحد من خلقه ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ .

    الثاني : وقوع التشابه بين الصور التي يصورها بنو آدم بأيديهم وبين الصور الضوئية التي هي من فعل الله تعالى على حد زعم المردود عليه ، ووقوع التشابه بين فعل الله تعالى وبين أفعال بني آدم ممتنع لأن أفعال الله تعالى لا يشبهها شيء من أفعال خلقه ، ولأن الله تعالى لم يخلق شيئًا يقدر العباد أن يصنعوا مثل ما خلق ، وما يصنعونه فهو لم يخلق لهم مثله ، وقد قال الله تعالى موبخًا للمشركين على اتخاذهم أولياء من دونه ﴿ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ﴾

    قال ابن الأنباري فيما نقله ابن الجوزي في تفسيره : معناه أجعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه خلق الله بخلق هؤلاء ، وهذا استفهام إنكار . والمعنى ليس الأمر على هذا ، بل إذا فكروا علموا أن الله هو المنفرد بالخلق وغيره لا يخلق شيئًا . انتهى .

    وقال البغوي في تفسيره : ﴿ أَمْ جَعَلُواْ ﴾ أي أجعلوا ﴿ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ﴾ ، أي : اشتبه ما خلقوه بما خلقه الله تعالى فلا يدرون ما خلق الله مما خلق آلهتهم . انتهى . وبنحو هذا قال غير واحد من المفسرين .

    قال القرطبي : والآية رد على المشركين والقدرية الذين زعموا أنهم خلقوا كما خلق الله .

    قلت : وفي الآية أيضًا رد على من زعم أن التصوير الضوئي من فعل الله تعالى لأنه لو كان الأمر كما زعمه هذا القائل لوقع التشابه بين فعل الله تعالى وبين أفعال بني آدم وذلك ممتنع .

    الثالث : معارضة الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه نهى عن التصوير ونص على تحريمه ولعن المصورين وأخبر أنهم في النار وأنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامة ، إلى غير ذلك من الأحاديث التي تقدم ذكرها في أول الكتاب ، وكلها قد جاءت على وجه العموم الذي يشمل التصوير الضوئي والتصوير باليد ، وقد ذكرت في الوجه التاسع من الوجوه التي تقدم ذكرها في الفصل الذي قبل هذا الفصل أن التفريق بين التصوير باليد والتصوير بالآلة تفريق بين متماثلين وذلك غير جاز .

    وفي الختام أسأل الله تعالى أن يمنّ على المردود عليه بالتثبُّّت في الفتيا ، وأن يرده إلى الصواب في مسألة التصوير الضوئي ، وفي غيرها من المسائل التي قد أفتى بخلاف الصواب ، وأسأله تعالى أن يريني وإياه وجميع المسلمين الحق حقًا ويرزقنا إتباعه ، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، ولا يجعله ملتبسًا علينا فنضل ، وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

    وقد وقع الفراغ من كتابة هذا الرد في يوم الأحد الموافق لليوم الثامن من شهر جمادي الثانية سنة 1409 هـ على يد الفقير إلى الله تعالى حمود بن عبد الله بن حمود التويجري غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

 

([1]) الكشميهني : بضم الكاف وسكون الشين وكسر الميم وسكون الياء وفتح الهاء ، هو أبو الهيثم محمد بن مكي الكشميهني روى صحيح البخاري عن محمد بن يوسف بن مطر الفربري عن البخاري .

([2]) قال ابن الأثير : السهوة بيت صغير منحدر في الأرض قليلاً شبيه بالمخدع والخزانة ، والقرام الستر الرقيق .

([3]) قال في لسان العرب : قال أبو منصور : النمط عند لعرب ضروب الثياب المصبغة . ولا يكادون يقولون نمط إلا لما كان ذا لون من حمرة أو خضرة أو صفرة ، فأما البياض فلا يقال نمط ، والنمط ضرب من البسط .

([4]) النمرقة بضم الميم والراء وبكسرهما الوسادة . وقيل : وسادة صغيرة .

([5]) الدُّرْنُوك : ستر له خمل ، وفي لسان العرب ، أنه ضرب من الثياب له خمل قصير كخمل المناديل .

([6]) الواجم هو الذي أسكته الهم ، وعلته الكآبة .

([7]) قال ابن الأثير في النهاية : حر الوجه ما أقبل عليك وبدا لك منه . قال الجوهري : حر الوجه ما بدا من الوحنة ، يقال لطمه على حر وجهه .

([8]) ص 57 .

([9]) ص 68 - 70 .

([10]) يراجع مجموع الفتاوى ص (368 - 369 /29)

nike-dunk-low-coast-uncl | nike air coos womens soccer league

الأقسام الرئيسية: