حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فلا يخفى ما ورد في الكتاب والسنة من الأمر باتباع ما شرعه الله ورسوله ، والنهي عن الابتداع في الدين ، قال - تعالى - :
وإن من جملة ما أحدثه الناس من البدع المنكرة الاحتفال بذكرى المولد النبوي في شهر ربيع الأول ، وهم في هذا الاحتفال على أنواع :
فمنهم من يجعله مجرد اجتماع نقرأ فيه قصة المولد ، أو تقدم فيه خطب وقصائد في هذا المناسبة .
ومنهم من يصنع الطعام والحلوى وغير ذلك ، ويقدمه لمن حضر .
ومنهم من يقيمه في المساجد ، ومنهم من يقيمه في البيوت .
ومنهم من لا يقتصر على ما ذكر ، فيجعل هذا الاجتماع مشتملا على محرمات ومنكرات من اختلاط الرجال بالنساء والرقص والغناء ، أو أعمال شركية ؛ كالاستغاثة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وندائه والاستنصار به على الأعداء ، وغير ذلك .
وهو بجميع أنواعه واختلاف أشكاله واختلاف مقاصد فاعليه ، لا شك ولا ريب أنه بدعة محرمة محدثة ، أحدثها الشيعة الفاطميون بعد القرون الثلاثة المفضلة ؛ لإفساد دين المسلمين ، وأول من أظهره بعدهم الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري ملك إربل في آخر القرن السادس أو أول القرن السابع الهجري ، كما ذكره المؤرخون كابن كثير وابن خلكان وغيرهما .
وقال أبو شامة : وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين ، وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيره .
قال الحافظ ابن كثير في " البداية " في ترجمة أبي سعيد كوكبوري : وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالًا هائلًا . . إلى أن قال : قال السبط : حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد أنه كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي ، وعشرة آلاف دجاجة ، ومائة ألف زبدية ، وثلاثين ألف صحن حلوى ... إلى أن قال : ويعمل للصوفية سماعًا من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم " .
وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان : فإذا كان أول صفر زينوا تلك القباب بأنواع الزينه الفاخرة المتجملة ، وقعد في كل قبه جوق من الأغاني ، وجوق من أرباب الخيال ومن أصحاب الملاهي ، ولم يتركوا طبقة من تلك الطبقات ( ( طبقات القباب ) ) حتى رتبوا فيها جوقًا .
وتبطل معايش الناس في تلك المدة ، وما يبقى لهم شغل إلا التفرج والدوران عليهم ... " إلى أن قال : فإذا كان قبل يوم المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئًا كثيرًا زائدًا عن الوصف ، وزفها بجميع ما عنده من الطبول والأغاني والملاهي ، حتى يأتي بها إلى الميدان ... . ، إلى أن قال : فإذا كانت ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلي المغرب في القلعة .
فهذا مبدأ حدوث الاحتفال وإحيائة بمناسبة ذكرى المولد ، حدث متأخرًا ومقترنًا باللهو والسرف وإضاعة الأموال والأوقات وراء بدعة ما أنزل الله بها من سلطان .
والذي يليق بالمسلم إنما هو إحياء السنن وإماتة البدع ، وألا يقدم على عمل حتى يعلم حكم الله فيه .
حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي الاحتفال بمناسبة مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ممنوع ومردود من عدة وجوه : |
|
ثانيًا : في الاحتفال بذكرى المولد تشبه بالنصارى ؛ لأنهم يحتفلون بذكرى مولد المسيح - عليه السلام - والتشبه بهم محرم أشد التحريم ، ففي الحديث النهي عن التشبة بالكفار ، والأمر بمخالفتهم ، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - :
ثالثًا : أن الاحتفال بذكرى مولد الرسول مع كونه بدعة وتشبهًا بالنصارى - وكل منهما محرم - ، فهو كذلك وسيلة إلى الغلو والمبالغة في تعظيمه حتى يفضي إلى دعائه والاستغاثة به من دون الله ، كما هو الواقع الآن من كثير ممن يحييون بدعة المولد ، من دعاء الرسول من دون الله ، وطلب المدد منه ، وإنشاد القصائد الشركية في مدحه كقصيدة البردة ، وغيرها ، وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن الغلو في مدحه ، فقال :
ونهانا نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن الغلو خشية أن يصيبنا ما أصابهم ، فقال :
رابعًا : إن إحياء بدعة المولد يفتح الباب للبدع الأخرى والاشتغال بها عن السنن ، ولهذا تجد المبتدعة ينشطون في إحياء البدع ويكسلون عن السنن .
ويبغضونها ويعادون أهلها ، حتى صار دينهم كله ذكريات بدعية وموالد ، وانقسموا إلى فرق كل فرقة تحيي ذكرا موالد أئمتها ، كمولد البدوي وابن عربي والدسوقي والشاذلي ، وهكذا لا يفرغون من مولد إلا وينشغلون بآخر ، ونتج عن ذلك الغلو بهؤلاء الموتى وبغيرهم دعاؤهم من دون الله ، واعتقاد أنهم ينفعون ويضرون حتى انسلخوا من دين الإسلام وعادوا إلى دين أهل الجاهلية الذين قال الله فيهم :
مناقشة شبه مقيمي المولد
هذا ، وقد يتعلق من يرى إحياء هذه البدعة بشبه أوهى من بيت العنكبوت ، ويمكن حصر هذه الشبه فيما يلى :
1 - دعواهم أن في ذلك تعظيمًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
والجواب عن ذلك أن نقول : إنما تعظيمه - صلى الله عليه وسلم - بطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه ومحبته - صلى الله عليه وسلم - ، وليس تعظيمه بالبدع والخرافات والمعاصي ، والاحتفال بذكرى المولد من هذا القبيل المذموم لأنه معصية . وأشد الناس تعظيمًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - هم الصحابة - رضى الله عنهم - ، كما قال عروة بن مسعود لقريش :
- الاحتجاج بأن هذا عمل كثير من الناس في كثير من البلدان
والجواب عن ذلك أن نقول : الحجة بما ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - . والثابت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - النهي عن البدع عمومًا ، وهذا منها ، وعمل الناس إذا خالف الدليل فليس بحجة وإن كثروا :
فممن أنكر الاحتفال بهذه المناسبة شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم ، والإمام الشاطبي في الاعتصام ، وابن الحاج في المدخل والشيخ تاج الدين على بن عمر اللخمي ألف في إنكاره كتابًا مستقلًا ، والشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه صيانة الإنسان ، والسيد محمد رشيد رضا ألف فيه رسالة مستقلة ، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ألف فيه رسالة مستقلة ، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ، وغير هؤلاء ممن لا يزالون يكتبون في إنكار هذه البدعة كل سنة في صفحات الجرائد والمجلات ، في الوقت الذي تقام فيه هذه البدعة .
- يقولون : إن في إقامة المولد إحياء لذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
والجواب عن ذلك أن نقوك : إن ذكرى الرسول - صلى الله عليه وسلم - تتجدد مع المسلم ، ويرتبط بها المسلم كلما ذكر اسمه - صلى الله عليه وسلم - في الأذان والإقامة والخطب ، وكلما ردد المسلم الشهادتين بعد الوضوء وفي الصلوات ، وكلما صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلواته وعند ذكره ، وكلما عمل المسلم عملًا صالحًا واجبًا أو مستحبًا مما شرعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه بذلك يتذكره ويصل إليه من الأجر مثل أجر العامل ... وهكذا المسلم دائمًا يحي ذكرى الرسول ، ويرتبط به في الليل والنهار طوال عمره بما شرعه الله ، لا في يوم مولده فقط وبما هو بدعة ومخالفة لسنته ؛ فإن ذلك يبعد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويتبرأ منه . والرسول - صلى الله عليه وسلم - غني من هذا الاحتفال البدعي بما شرعه الله له من تعظيمه وتوقيره كما في قوله - تعالى - :
والله - سبحانه وتعالى - لم ينوه في القرآن بولادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما نوه ببعثته ، فقال :
- قد يقولون : الاحتفال بذكرى المولد النبوي أحدثه ملك عادل عالم ، قصد به التقرب إلى الله !
والجواب عن ذلك أن نقول : البدعة لا تقبل من أي أحد كان ، وحسن القصد لا يسوغ العمل السيئ ، وكونه عالمًا وعادلا لا يقتضي عصمته .
- قولهم : إن إقامة المولد من قبيل البدعة الحسنة ؛ لأنه ينبئ عن الشكر لله على وجود النبي الكريم !
ويجاب عن ذلك بأن يقال : ليس في البدع شيء حسن ؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم - :
قال الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين : فقوله - صلى الله عليه وسلم -
وليس لهؤلاء حجة على أن هناك بدعة حسنة إلا قول عمر - رضى الله عنه - في صلاة التراويح : " نعمت البدعة هذه " [ صحيح البخاري : 2 / 252 ، رقم 2010 معلقًا ، الفتح : 4 / 294 ] .
وقالوا - أيضًا : إنها أحدثت أشياء لم يستنكرها السلف ؛ مثل : جمع القرآن في كتاب واحد ، وكتابة الحديث وتدوينه .
والجواب عن ذلك : أن هذه الأمور لها أصل في الشرع ؛ فليست محدثة .
وقول عمر : ( نعمت البدعة ) يريد : البدعة اللغوية لا الشرعية ؛ فما كان له أصل في الشرع يرجع إليه ، إذا قيل : إنه بدعة ؛ فهو بدعة لغة لا شرعًا ؛ لأن البدعة شرعًا ما ليس له أصل في الشرع يرجع إليه .
وجمع القرآن في كتاب واحد له أصل في الشرع ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بكتابة القرآن ، لكن كان مكتوبًا متفرقًا ، فجمعه الصحابة في كتاب واحد حفظًا له .
والتراويح قد صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه ليالي ، وتخلف عنهم في الأخير خشية أن تفرض عليهم ، واستمر الصحابة - رضى الله عنهم - يصلونها أوزاعًا متفرقين في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد وفاته ، إلى أن جمعهم عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - خلف إمام واحد كما كانوا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وليس هذا بدعة في الدين .
وكتابة الحديث أيضًا لها أصل في الشرع ؛ فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابة بعض الأحاديث لبعض أصحابه لما طلب منه ذلك ، وكان المحذور من كتابته بصفة عامة في عهده - صلى الله عليه وسلم - خشية أن يختلف بالقرآن ما ليس منه ، فلما توفي - صلى الله عليه وسلم - انتفى هذا المحذور ؛ لأن القرآن قد تكامل وضبط قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فدون المسلمون السنة بعد ذلك حفظًا لها من الضياع ، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا ؛ حيث حفظوا كتاب ربهم وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - من الضياع وعبث العابثين .
ويقال - أيضا - : لماذا تأخر القيام بهذا الشكر - على زعمكم - ، فلم يقم به أفضل القرون من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين ، وهم أشد محبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأحرص على فعل الخير والقيام بالشكر ؛ فهل كان من أحدث بدعة المولد أهدى منهم وأعظم شكرًا لله عز وجل ؟ حاشا وكلا .
- قد يقولون : إن الاحتفال بذكرى مولده - صلى الله عليه وسلم - ينبئ عن محبته ؛ فهو مظهر من مظاهرها : وإظهار محتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - مشروع !
والجواب أن نقول : لا شك أن محبته - صلى الله عليه وسلم - واجبه على كل مسلم ، أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين - بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه - ، ولكن ليس معنى ذلك أن نبتدع في ذلك شيئًا لم يشرعه لنا ، بل محبته تقتضي طاعته واتباعه ؛ فإن ذلك من أعظم مظاهر محبته ، كما قيل :
لو كان حبك صادقًا لأطعته المحـب لمـن يحـب مطيع |
فمحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - تقتضي إحياء سنته ، والعض عليها بالنواجذ ، ومجانبه ما خالفها من الأقوال والأفعال ، ولا شك أن كل ما خالف سنته فهو بدعة مذمومة ومعصية ظاهرة ، ومن ذلك الاحتفال بذكرى مولده وغيره من البدع . وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين ؛ فإن الدين مبني على أصلين : الإخلاص والمتابعة ، قال - تعالى - :
7 - ومن شبههم : أنهم يقولون : إن في إحياء ذكرى المولد وقراءة سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذه المناسبة حثًا على الاقتداء والتأسي به . |
|
وخلاصة القول :
أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي بأنواعه واختلاف أشكاله بدعة منكرة يجب على المسلمين منعها ومنع غيرها من البدع ، والاشتغال بإحياء السنن والتمسك بها ، ولا يغتر بمن يروج هذه البدعة ويدافع عنها ؛ فإن هذا الصنف يكون اهتمامهم بإحياء البدع أكثر من اهتمامهم بإحياء السنن ، بل ربما لا يهتمون بالسنن أصلا ، ومن كان هذا شأنه فلا يجوز تقليده والاقتداء به ، وإن كان هذا الصنف هم أكثر الناس ، وإنما يقتدى بمن سار على نهج السنة من السلف الصالح وأتباعهم ، وإن كانوا قليلًا ؛ فالحق لا يعرف بالرجال ، وإنما يعرف الرجال بالحق .
قال - صلى الله عليه وسلم - :
وإذا عرضنا الاحتفال بالمولد النبوي لم نجد له أصلًا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا في سنة خلفائه الراشدين ، إذن فهو من محدثات الأمور ومن البدع المضلة ، وهذا الأصل الذي تضمنه هذا الحديث قد دل عليه قوله - تعالى
والرد إلى الله هو الرجوع إلى كتابه الكريم ، والرد إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو إلى الرجوع إلى سنته بعد وفاته ؛ فالكتاب والسنة هما المرجع عند التنازع ، فأين في الكتاب والسنة ما يدل على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي ؟ ! فالواجب على من يفعل ذلك أو يستحسنه أن يتوب إلى الله - تعالى - منه ومن غيره من البدع ؛ فهذا هو شأن المؤمن الذي ينشد الحق ، وأما من عاند وكابر بعد قيام الحجة فإنما حسابة عند ربه .
هذا ، ونسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يرزقنا التمسك بكتابة وسنة رسوله إلى يوم نلقاه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
ملحوظة : ( رتبت هذه القائمة على حسب أسبقية ذكرها في الكتاب ) .
- القرآن الكريم
- صحيح البخاري .
- صحيح مسلم .
- البداية والنهاية .
- مسند أحمد .
- سنن الترمذي .
- سنن أبو داود .
- الجامع الصغير للسيوطي .
- سنن النسائي .
- السلسلة الصحيحة للألباني .
- فتح الباري لابن حجر .
- البداية والنهاية لابن كثير .
- وفيات الأعيان لابن خلكان .
- اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية .
- الجامع الصغير للسيوطي .
جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي
-المصدر : الموقع الرسمى للشيخ العلامة الفقيه صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله عضو هيئة كبار العلماء و عضو اللجنة الدائمة للافتاء بالمملكة العربية السعودية
تسوق ماست اند هاربر السعودية أونلاين مع تخفيضات 25 - charles barkley nike shoes for sale cheap jordan , نمشي - 75% | Discount Shoes, Clothing & Accessories , Giftofvision