مذهب القدرية و المعتزلة و الخوارج (جواب للعلامة عبد الله أبا بطين من الدرر السنية من الأجوبة النجدية المجلد الأول - العقائد - ص. 356-365)
سئل الشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله تعالى، عن القدرية ؟ ومذهبهم ؟ والمعتزلة ؟ ومذهبهم ؟ والخوارج ؟ ومذهبهم ؟
فأجاب رحمه الله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، ولا عدوان إلا على الظالمين، كالمبتدعة، والمشركين، فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان في حديث جبرايئل : بالاعتقاد الباطن، فقال : " أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الأخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " والأحاديث في إثبات القدر كثيرة جداً والقدر الذي يجب الإيمان به، على درجتين :
الدرجة الأولى الإيمان بأن الله تعالى سبق في علمه ما يعلمه العباد، من خير وشر، وطاعة ومعصية، قبل خلقهم وإيجادهم، ومن هو منهم من أهل الجنة، ومن هو منهم من أهل النار، وأعد لهم الثواب والعقاب، جزاء لأعمالهم، قبل خلقهم وتكوينهم ؛ وأنه كتب ذلك عنده، وأحصاه ؛ وأن أعمال العباد تجري على ما سبق في علمه وكتابه .
والدرجة الثانية : الإيمان بأن الله خلق أفعال العباد كلها، من الكفر، والإيمان ،والطاعة والعصيان ؛ وشاءها منهم، فهذه الدرجة : يثبتها أهل السنة والجماعة، وينكرها جميع القدرية : يقولون : إن الله لم يخلق أفعال العباد، ولا
شاءها منهم، بل هم الذين يخلقون أفعال أنفسهم، من خير وشر، وطاعة ومعصية ؛ والدرجة الأولى : نفاها غلاة القدرية ؛ كمعبد الجهني، وعمرو بن عبيد، ونص أحمد، والشافعي : على كفر هؤلاء .
وأما من قال : إن الله لم يخلق أفعال العباد، ولم يشأها منهم، مع إقرارهم بالعلم، ففي تكفيرهم نزاع مشهور بين العلماء ؛ فحقيقة القدر، الذي فرض علينا الإيمان به : أن نعتقد أن الله سبحانه عالم ما العباد عاملون، قبل أن يوجدهم، وأنه كتب ذلك عنده، وأن أعمال العباد خيرها وشرها، مخلوقة لله، واقعة بمشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، قال الله تعالى : ( كذلك يضل الله من يشاء ويهدى من يشاء ) [المدثر:31]وقال تعالى : ( ولو شاء الله ما فعلوه ) [ الأنعام : 137] ( ولو شاء الله ما اقتتلوا ) [ البقرة: 253] ( ولو شاء الله ما أشركوا ) [ الأنعام : 107] فهذه الآيات، ونحوها : صريحة في أن أعمال العباد، خيرها وشرها، وضلالهم واهتدائهم، كل ذلك : صادر عن مشيئته .
وقال تعالى : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) [ الشمس :7-8]، وقال تعالى : ( إن الإنسان خلق هلوعاً، إذا مسه الشر جزوعاً، وإذا مسه الخير منوعاً ) [ المعارج : 19-21] فدل ذلك على أن الله سبحانه : هو الذي جعلها فاجرة، أو تقية، وأنه خلق الإنسان هلوعاً، خلقه متصفاً بالهلع، وقال : ( هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ) [ التغابن :2] ففي هذه الآية : بيان أن الله تعالى خلق المؤمن وإيمانه ،والكافر وكفره، وقد صنف البخاري - رحمه الله تعالى - كتاب خلق أفعال العباد، واستدل بهذه الآيات، أو بعضها على ذلك ؛ وفي الحديث : " أن الله خلق كل صانع وصنعته "
وأما الأدلة : على تقدم علم الله سبحانه، بجميع الكائنات قبل إيجادها، وكتابة ذلك ؛ ومنها : السعادة، والشقاوة ؛ وبيان أهل الجنة، وأهل النار قبل أن يوجدهم، فكثيرة جداً، كقوله سبحانه : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ) [ الحديد :22] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض، بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء " وفي حديث آخر : " إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة " والأحاديث في هذا كثيرة جداً فهؤلاء الذين وصفنا قولهم : بأن الله لم يخلق أفعال العباد، ولا شاءها منهم : هم القدرية، الذين هم مجوس هذه الأمة ؛ وقابلتهم طائفة أخرى، غلوا في إثبات القدر، وهم الذين يسمون : الجبرية ؛ فقالوا : إن العبد مجبور مقهور على ما يصدر منه، لا قدرة له فيه، ولا اختيار ؛ بل هو كغصن الشجرة، الذي تحركه الريح ؛ والذي عليه أهل السنة والجماعة : الإيمان بأن أفعال العباد مخلوقة لله، صادرة عن
مشيئته : وهي أفعال لهم، وكسب لهم باختيارهم، فلذا ترتب عليها الثواب، والعقاب . والسلف : يسمون الجبرية قدرية، لخوضهم في القدر، ولهذا ترجم الخلال في كتاب " السنة " فقال : الرد على القدرية، وقولهم إن الله جبر العباد على المعاصي، ثم روى عن بقية، قال : سألت الزبيدي، والأوزاعي عن الجبر ؟ فقال الزبيدي : أمر الله أعظم وقدرته أعظم من أن يجبر، أو يعضل ؛ ولكن يقضي ويقدر، ويخلق ويجبل عبده على ما أوجب، وقال الأوزاعي : ما أعرف للجبر أصلاً من القرآن، ولا السنة، فأهاب أن أقول ذلك ولكن القضاء والقدر والجبلة والخلق فهذا يعرف من القرآن والحديث .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله : فهذان الجوابان، اللذان ذكرهما هذان الإمامان، في عصر تابع التابعين : من أحسن الأجوبة، أما الزبيدي، فقال : ما تقدم ؛ وذلك لأن الجبر في اللغة إلزام الإنسان بغير رضاه، كما يقول الفقهاء، هل تجبر المرأة على النكاح أم لا ؟ وإذا عضلها الولي ماذا تصنع ؟ فقال : الله أعظم من أن يحبر أو يعضل، لأن الله قادر على أن يجعل العبد مختاراً، راضياً لما يفعله، مبغضاً تاركاً لما يتركه، فلا جبر على أفعاله الاختيارية، ولا عضل عما يتركه لكراهية، أو عدم إرادته.
وروي عن سفيان الثوري جبل العباد ؛ وقال الراوي عنه، وأظنه : أراد
قوله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس : " بل جبلت عليهما " فقال : الحمد لله الذي جبلنى على خلقين، يحبهما الله ؛ يعني : الحلم، والأناة، وقال المروذي للإمام أحمد إن رجلاً يقول : إن الله جبر العباد، فقال : لا نقول هكذا، وأنكر هذا وقال : ( يضل الله من يشاء ويهدى من يشاء ) [ المدثر : 31] وأما المعتزلة : فهم الذين يقولون بالمنزلتين بين المنزلتين ؛ يعنون : أن مرتكب الكبيرة يصير في منزلة بين الكفر والإسلام ، فليس هو بمسلم، ولا كافر ؛ ويقولون : أنه يخلد في النار، ومن دخل النار لم يخرج منها بشفاعة، ولا غيرها .
وأول من أشتهر عنه ذلك : عمرو بن عبيد، وكان هو وأصحابه : يجلسون معتزلون الجماعة ؛ فيقول قتادة، وغيره : أولئك المعتزلة وهم كانوا بالبصرة بعد موت الحسن البصري، وضم المعتزلة إلى ذلك : التكذيب بالقدر ؛ ثم ضموا إلى ذلك نفي الصفات، فيثبتون الاسم دون الصفة ؛ فيقولون : عليم بلا علم ؛ سميع بلا سمع ؛ بصير بلا بصر، وهكذا سائر الصفات ؛ فهم قدرية، جهمية، وامتازوا : بالمنزلة بين المنزلتين، وخلود عصاة الموحدين في النار .
وأما الخوارج : فهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه ؛ وقبل ذلك، قتلوا عثمان رضي الله عنه ؛ وكفّروا عثمان، وعلياً، وطلحة، والزبير ،ومعاوية، وطائفتي علي ومعاوية، واستحلوا دماءهم .
وأصل مذهبهم : الغلو الذي نهي عنه، وحذر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فكفروا من ارتكب كبيرة، وبعضهم يكفر بالصغائر ؛ وكفروا علياً وأصحابه بغير ذنب، فكفروهم بتحكيم الحكمين : عمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري ؛ وقالوا لا حكم إلا لله .
واستدلوا على قولهم : بالتكفير بالذنوب بعمومات أخطأوا فيها ؛ وذلك كقوله سبحانه : ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً ) [ الجن : 23] ( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها ) [ النساء : 14 ] وقوله : ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها ) الآية [ النساء : 93 ] وغير ذلك من الآيات . وأجمع أهل السنة والجماعة : أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار إذا ماتوا على التوحيد ؛ وأن من دخل النار منهم بذنبه يخرج منها، كما تواترت بذلك الأحاديث عن النبي صلي الله عليه وسلم .
وأيضاً : فلو كان الزاني، وشارب الخمر والقاذف، والسارق، ونحوهم : كفاراً مرتدين، لكان حكمهم في الدنيا القتل، الذي هو حكم الله في المرتدين ؛ فلما حكم الله على الزاني البكر الجلد، وعلى السارق بالقطع، وعلى الشارب والقاذف بالجلد، دلنا حكم الله فيهم بذلك : أنهم لم يكفروا بهذه الذنوب، كما تزعمه الخوارج .
فإذا عرفت مذهبهم، أن أصله التكفير بالذنوب وكفّروا أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم، واستحلوا قتلهم، متقربين بذلك إلى الله ! فإذا تبين لك ذلك، تبين لك : ضلال كثير من أهل هذه الأزمنة، في زعمهم : أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وأتباعه خوارج، ومذهبهم مخالف لمذهب الخوارج ؛ لأنههم يوالون جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعتقدون فضلهم على من بعدهم، ويوجبون إتباعهم، ويدعون لهم، ويضللون من قدح فيهم، أو تنقص أحداً منهم ولا يكفّرون بالذنوب، ولا يخرجون أصحابها من الإسلام ،إنما يكفّرون من أشرك بالله، أو حسّن الشرك ؛ والمشرك : كافر بالكتاب، والسنة ،والإجماع، فكيف يجعل هؤلاء مثلا أولئك ؟! .
وإنما يقول ذلك : معاند يقصد التنفير للعامة ؛ أو يقول ذلك : جاهل بمذهب الخوارج، ويقول تقليداً ؛ ولو قدرنا : أن إنساناً يقع منه جراءة، وجسرة على إطلاق الكفر، جهلا منه ؛ فلا يجوز : أن ينسب إلى جميع الطائفة، وإنما ينسب إليهم ما يقوله شيخهم، وعلماؤهم بعده، وهذا أمر ظاهر للمنصف وأما المعاند المتعصب، فلا حيلة فيه .
إذا عرفت مذاهب : الفرق المسؤول عنها، فاعلم : أن أكثر أهل الأمصار اليوم : أشعرية، ومذهبهم في صفات الرب سبحانه وتعالى : موافق لبعض ما عليه المعتزلة الجهمية ؛
فيهم : يثبتون بعض الصفات، دون بعض، فيثبتون الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة والسمع، والبصر، والكلام وينفون ما سوى هذه الصفات، بالتأويل الباطل .
مع أنهم : وإن أثبتوا صفة الكلام، موافقة لأهل السنة، فهم في الحقيقة : نافون لها ؛ لأن الكلام عندهم، هو : المعنى فقط، ويقولون : حروف القرآن مخلوقة، لم يتكلم الله بحرف، ولا صوت ؛ فقالت لهم الجهمية : هذا هو نفس قولنا : إن كلام الله مخلوق ؛ لان المراد : الحروف، لا المعنى ؛ ومذهب السلف قاطبة : أن كلام الله غير مخلوق، وأنه تكلم بالقرآن حروفه ومعانيه، وأنه سبحانه يتكلم بصوت يسمعه من شاء .
والأشعرية : لا يثبتون علو الرب فوق سماواته، واستوائه على عرشه، ويسمعون : من أثبت صفقة العلو، والاستواء على العرش : مجسماً، مشبهاً ؛ وهذا خلاف ما عليه أهل السنة، والجماعة فانهم يثبون صفة العلو الاستواء كما أخبر سبحانه بذلك عن نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تكيف، ولا تعطيل، وصرّح كثير من السلف بكفر من لم يثبت صفة العلو والاستواء، والأشاعرة وافقوا الجهمية في هذه الصفة لكن الجهمية يقولون : إنه سبحانه
في كل مكان ؛ والحلولية، والأشعرية، يقولون : كان ولا مكان، فهو على ما كان، قبل أن يخلق المكان
والأشعرية : يوافقون أهل السنة، في رؤية المؤمنين ربهم في الجنة، ثم يقولون، معنى الرؤية : إنما هو زيادة علم يخلقه الله، في قلب الناظر ببصره، لا رؤية بالبصر، حقيقة عياناً ؛ فهم بذلك : نافون للرؤية، التي دل عليها القرآن، وتواترت بها الأحاديث عن النبي . صلى الله عليه وسلم .
ومذهب الأشاعرة : أن الإيمان مجرد التصديق، ولا يدخلون فيه أعمال الجوارح ؛ قالوا : وإن سميت الأعمال في الأحاديث إيمانا فعلى المجاز، لا الحقيقة . ومذهب أهل السنة والجماعة : إن الإيمان تصديق بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، وقد كفر جماعة من العلماء : من أخرج العمل عن الإيمان .
فإذا تحققت : ما ذكرنا، من مذهب الأشاعرة، من نفي صفات الرب سبحانه، غير السبع التي ذكرنا، ويقولون : إن الله لم يتكلم بحرف ولا صوت، وإن حروف القرآن مخلوقة، ويزعمون : أن كلام الرب سبحانه معنى واحد، وأن نفس القرآن، هو نفس التوراة والإنجيل ؛ لكن : إن عبر عنه بالعربية، فهو قرآن وان عبر عنه بالعبرانية، فهو توراة، وإن عبر عنه بالسريانية، فهو إنجيل، ولا يثبتون رؤية أهل الجنة ربهم بأبصارهم . إذا عرفت ذلك : عرفت خطأ من جعل الأشعرية من أهل السنة، كما ذكره السفاريني في بعض كلامه، ويمكن أن
أدخلهم في أهل السنة : مداراة لهم، لأنهم اليوم أكثر الناس، والأمر لهم، مع أنه قد دخل بعض المتأخرين من الحنابلة، في بعض ما هم عليه ."
|