الإعلام بأن (لعمرى) ليست من الأيمان

لَعَمري

بقلم: فضيلة الشيخ حماد محمد الأنصاري

المدرس بالجامعة الإسلامية

 
 

الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:

فلقد جرى بيني وبين بعض الإخوان بحث مهم حول زعم النحويين إن كلمة "لعمري" نص في اليمين كما قال ابن مالك في ألفيته:

وفي نص يمين "ذا استقر"

وبعد لولا غالباً حذف الخبر حتم

وأثارت هذه الدعوى بيننا استشكالاً عميقاً لأنها لا تتلاءم مع نهي الشارع عن الحلف بغير الله على القول بأنها يمين شرعاً، لما ثبت في حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عند الشيخين.

قال البخاري حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يسير في ركب يحلف بأبيه، فقال: "ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" وعند ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق عكرمة قال: قال عمر: "حدثت قوماً حديثاً فقلت لا وأبي. فقال رجل من خلفي: لا تحلفوا بآبائكم فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أن أحدكم حلف بالمسيح هلك والمسيح خير من آبائكم". قال الحافظ وهذا مرسل يتقوى بشواهده. وعند الترمذي من وجه آخر عن ابن عمر: "أنه سمع رجلاً يقول: لا والكعبة فقال: لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك". قال الترمذي حسن وصححه الحاكم. وقال النووي: "قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لأن أحلف بالله مائة مرة فآثم خير من أن أحلف بغيره فأبر".

وروى عبد الرزاق عن الثوري عن أبي سلمة عن وبرة قال: "قال عبد الله لا أدري ابن مسعود أو ابن عمر: "لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقاً". اهـ ج8 ص469. من المنصف91.

قال الهيثمي: "ورواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح". ج4 ص177.

وقال العلماء: السر في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده وقال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز لأحد الحلف بها وجزم غيره بالتفصيل فقال فإن اعتقد في المحلوف به من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به وكان بذلك كافراً وعلى هذا يتنزل حديث الترمذي المذكور.

وأما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك ولا تنعقد يمينه. قال الماوردي لا يجوز لأحد أن يحلف  أحدا بغير الله لا بطلاق ولا عتاق ولا نذر وإذا حلف الحاكم أحداً بشيء من ذلك وجب عزله لجهله - انتهى.

وهذا هو سبب الاستشكال المذكور آنفاً حول كلمة "لعمري" وفي ضمن البحث قلت إن لفظ "لعمري" ليس يميناً شرعياً بل هو يمين لغوية لخلوه من حروف القسم المعروفة المحصورة في الواو والباء والتاء ولعدم الكفارة على من أقسم بها. هذا مع ثبوت الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم نطق بها وصح عن بعض أصحابه رضي الله عنهم التفوه بها منهم ابن عباس وعثمان ابن أبي العاص وعائشة أم المؤمنين وأسماء بنت أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة ابن الجراح وغيرهم رضي الله عنهم وكذلك صح عن التابعين لهم بإحسان استعمالها منهم عطاء وقتادة وغيرهما كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى. ولم يثبت عن أحد حسب الاستقراء مخالفتهم إلا ما حكي عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي.

قال عبد الرزاق اخبرنا معمر عن مغيرة عن إبراهيم أنه كان يكره "لعمرك" ولا يرى بـ"لعمري بأسا" قال معمر وكان الحسن يقول لا بأس بـ"وأيم الله"، ويقول قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأيم الذي نفسي بيده". انتهى ج8 ص469- 471. وهما محجوجان بالنصوص الواردة في جواز التكلم بها إن لم نحمل قولهما على عدم بلوغ النصوص إليهما وهذا هو الأظهر المظنون بمثلهما أو على أنهما منعا ذلك سداً للذريعة. وأما قياس إبراهيم النخعي هذه الكلمة "لعمري" على قول الإنسان "وحياتي" فقياس مع فارق وهو باطل كما هو معروف في فن الأصول لأن الأخيرة معها واحد من حروف القسم التي أجمع على أنها صريحة في اليمين بخلاف تلك أي "لعمري" فإن اللام فيه ليست من أدوات القسم لما تقدم. بل مثل هذه اللفظة تعتبر جرياً على رسم اللغة تذكر لتأكيد مضمون الكلام وترويجه فقط لأنه أقوى من سائر المؤكدات وأسلم من  التأكيد بالقسم بالله لوجوب البر به وليس الغرض فيه اليمين الشرعي فصورة القسم على هذا الوجه المذكور لا بأس به ولهذا شاع بين المسلمين استعمالها. وقد قال النووي في شرحه على حديث مسلم والدارمي وأبي داود أعني حديث إسماعيل بن جعفر قال مسلم النيسابوري القشيري في صحيحه حدثني يحيى بن جعفر قال مسلم النييسابوري القشيري في صحيحه حدثني يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد جميعاً عن إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عن أبيه واسم أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ونافع هذا عم مالك بن أنس الإمام وهو تابعي سمى أنس بن مالك عن طلحة بن عبيد الله: أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس صلوات في اليوم والليلة. فقال: هل عليّ غيرهن؟ قال: لا إلا أن تطوع، وصيام شهر رمضان. فقال: هل عليّ غيره؟ قال: لا إلا أن تطوع. وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة، فقال: هل عليّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع. فأدبر الرجل وهو يقول: لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح وأبيه أو دخل الجنة وأبيه إن صدق" وقال الحافظ محيى الدين النووي في شرحه: "هذا مما جرت عادتهم أن يسألوا عن الجواب عنه مع قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" وجوابه أن قوله صلى الله عليه وسلم: "أفلح وأبيه" ليس حلفاً إنما هو كلمة جرت عادة العرب أن تدخلها في كلامها غير قاصدة بها حقيقة الحلف والنهي إنما ورد فيمن قصد  حقيقة الحلف لما فيه من إعظام المحلوف به ومضاهاته به ومضاهاته به الله سبحانه وتعالى فهذا هو الجواب المرضي وقيل يحتمل أن يكون هذا قبل النهي عن الحلف بغير الله تعالى والله أعلم".

وقد نقل الحافظ ابن حجر كلام النووي هذا وزاد: "ولأبي داود مثل رواية مسلم لكن بحذف (أو) في قوله: "أفلح وأبيه إن صدق ودخل الجنة وأبيه إن صدق". ثم قال: "إن هذه كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف كما جرت على لسانهم ( عقري وحلقي) وما أشبه ذلك أو فيه إضمار اسم الرب. وكأنه قال ورب أبيه وقيل هو خاص به صلى الله عليه وسلم ويحتاج هذا القول إلى دليل وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنه قال هو تصحيف، وإنما كان والله فقصرت اللامان واستنكر القرطبي هذا وقال أنه يجزم الثقة بالرواية الصحيحة وغفل القرافي فادعى أن الرواية بلفظ "وأبيه" لم تصح لأنها ليست في الموطأ وكأنه لم يرتض الجواب فعدل إلى رد الخبر وهو صحيح لا مرية فيه".

قال البيهقي: "وأما الذي روينا في كتاب الصلاة عن طلحة بن عبيد الله في قصة الأعرابي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفلح وأبيه إن صدق". فيحتمل أن يكون هذا القول منه صلى الله عليه وسلم قبل النهي ويحتمل أن يكون جرى ذلك منه على عادة الكلام الجاري على الألسن وهو لا يقصد به القسم كلغو اليمين المعفو عنه. ويحتمل أن يكون النهي إنما وقع عنه إذا كان منه على وجه التوقير والتعظيم لحقه دون ما كان بخلافه ولم يكن ذلك منه على وجه التعظيم بل كان على وجه التوكيد.

ويحتمل أنه كان صلى الله عليه وسلم أضمر فيه اسم الله تعالى كأنه قال لا ورب أبيه وغيره لا يضمر بل يذهب فيه مذهب التعظيم لأبيه". قال السهيلي في روض الأنف ج6 ص548 غزوة خيبر حول شرح "فاغفر فداء لك ما أبقينا" بعنوان "استعمال الكلمة في غير موضعها" قال في ذلك: "فرب كلمة ترك أصلها واستعملت كالمثل في غير ما وضعت له أولا كما جاءوا بلفظ القسم في غير موضع القسم إذا أرادوا تعجباً واستعظاماً لأمر كقوله عليه الصلاة و السلام في حديث الأعرابي من رواية إسماعيل بن جعفر: "أفلح وأبيه إن صدق" ومحال أن يقصد صلى الله عليه وسلم القسم بغير الله تبارك وتعالى لا سيما برجل مات عليه الكفر وإنما هو تعجب من قول الأعرابي والمتعجب منه مستعظم ولفظ القسم في أصل وضعه لما يعظم فاتسع في اللفظ على هذا الوجه قال الشاعر:

فلا وأبي أعدائها لا أخونها

فإن تك ليلى استودعتني أمانة

لم يرد أن يقسم بأبي أعدائها ولكنه ضرب من التعجب وقد ذهب أكثر شراح الحديث إلى النسخ في قوله: "أفلح وأبيه" قالوا نسخه قوله: "لا تحلفوا بآبائكم" وهذا قول لا يصح لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحلف قبل النسخ بغير الله ويقسم بقوم كفار وما أبعد هذا من شيمته صلى الله عليه وسلم تالله ما فعل هذا قط ولا كان له بخلق، وقال قوم رواية إسماعيل بن جعفر مصفحة وإنما هو " أفلح والله إن صدق" وهذا أيضاً منكر من القول واعتراض على الاثبات العدول فيما حفظوا. وقد خرج مسلم في كتاب الزكاة قوله عليه الصلاة والسلام لرجل سأله أي الصدقة أفضل فقال: "وأبيك لأنبئنك أو قال لأخبرنك "وذكر الحديث. وخرج في كتاب البر والصلة قوله لرجل سأله: "من أحق الناس بأن أبره؟ أو قال: "أصله فقال وأبيك لأنبئك صل أمك" الحديث.

فقال: "في هذه الأحاديث كما ترى "وأبيك" فلم يأت إسماعيل بن جعفر إذا في روايته بشيء إمر ولا بقول بدع. وقد حمل عليه في روايته رجل من علماء بلادنا وعظماء محدثيها يعني الحافظ بن عبد البر وغفل عفا الله عنه عن الحديثين اللذين تقدم ذكرهما وقد خرجهما مسلم بن الحجاج وفي تراجم أبي داود في كتاب الإيمان في مصنفه ما يدل على أنه كان يذهب إلى قول من قال بالنسخ وأن القسم بالآباء كان جائزاً. والذي ذكرناه ليس في باب الحلف بالآباء كما قدمنا ولا قال في الحديث وأبي، وإنما قال وأبيه أو وأبيك بالإضافة إلى ضمير المخاطب أو الغائب وبهذا الشرط يخرج عن معنى الحلف إلى معنى التعجب الذي ذكرناه هكذا في الروض الآنف ج6 ص548 في غزوة خيبر الطبعة الأخيرة.

وقال الحافظ: "وأقوى الأجوبة الأولان وهما أن هذا كان قبل النهي أو أنها كلمة جارية على اللسان كما تقدم في كلام النووي. وكونه منسوخاً أصح لحديث عمر وابنه".

 

فصل

في ذكر بعض ما ورد في هذه الكلمة مرفوعاً وموقوفاً ومقطوعاً.

فهاك أيها القارئ الطالب للحق بعض ما ورد في هذه الكلمة مرفوعاً اسرده لك بعدما مهدت به على هذه المسألة ولقد فتشت وسألت عمن ألف في خصوصيتها فلم أجد من قرع بابها قبل قلمي هذا.

فأقول وبالله التوفيق (الأحاديث المرفوعة) في المسألة قولاً وتقريراً من الشارع صلى الله عليه وسلم قال أبو داود سليمان بن الأشعث في سننه حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي ثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن خارجة بن الصلت عن عمه بن صحار التميمي أنه مر بقوم فأتوه فقالوا إنك جئت من عند هذا الرجل بخير فارق لنا هذا الرجل فأتوه برجل معتوه في القيود فرقاه بأم القرآن ثلاثة أيام غدوة وعشية وكلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل فكأنما أنشط من عقال فأعطوه شيئاً فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق" وقال أبو داود أيضا في سننه حدثنا عبد الله بن مسلمة عبد مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال: "نزلت وأنا وأهلي ببقيع الغرقد فقال لي أهلي اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله لنا شيئاً نأكله فجعلوا يذكرون من حاجتهم فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده رجلاً يسأله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا أجد ما أعطيك" فتولى الرجل وهو مغضب وهو يقول: "لعمري إنك لتعطي من شئت" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغضب عليّ أن لا أجد ما أعطيه. من سأل منكم وله أوقية أو عد لها فقد سأل إلحافا". قال الأسدي فقلت للقحة لنا خير من أوقية والأوقية أربعون درهماً قال فرجعت ولم أسأله فقدم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك شعير أو زبيب فقسم لنا منه أو كما قال حتى أغنانا الله عز وجل"، قال أبو داود هكذا روى الثوري كما قال مالك . انتهى.

 

"فصل" في الآثار عن الصحابة

وقد تقدم أن سبعة من الصحابة نطقوا بهذه الكلمة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي روى حديث النهي عن الحلف بغير الله فقد ثبت عنه في كتابه إلى أبي عبيدة بن الجراح أنه قال:

"أما بعد فقد قدم عليّ أخو ثمالة بكتابك يخبرني فيه بنفر الروم إلى المسلمين براً وبحراً وبما جاشوا عليكم من أساقفتهم وقسيسهم ورهبانهم وإن ربنا المحمود عندنا والصانع لنا والعظيم ذا المن والنعمة الدائمة علينا قد رأى مكان هؤلاء الأساقفة والرهبان حيث بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأعزه بالنصرة ونصره بالرعب على عدوه وقال وهو لا يخلف الميعاد {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} فلا تهولنك كثرة ما جاءك منهم فإن الله منهم بريء من برئ الله منه كان قمنا أن لا تنفعه كثرة وإن يكله الله إلى نفسه ويخذله ولا توحشنك قلة المسلمين في المشركين فإن الله معك وليس قليلاً من كان الله معه فأقم بمكانك الذي أنت فيه حتى تلقى عدوك وتناجزهم وتستظهر بالله عليهم وكفى به ظهيراً وولياً ونصيراً. وقد فهمت مقالتك احتسب أنفس المسلمين إن هم أقاموا ودينهم إن هم تفرقوا فقد جاءهم ما لا قبل لهم به إلا أن يمدهم الله بملائكته ويأتيهم بغياث من قبله.

وأيم الله لولا استثناؤك بهذا لقد كنت أسأت ولعمري إن أقام لهم المسلمون وصبروا فأصيبوا لما عند الله خير الأبرار ولقد قال الله عز وجل {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} فطوبى للشهداء وإن لمن عقل عن الله ممن معك من المسلمين لأسوة بالمصرعين حول رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطنه فما عجز الذين قاتلوا في سبيل الله ولا هابوا الموت في جنب الله ولا وهن الذين بقوا من بعده ولا استكانوا لمصيبتهم ولكنهم تأسوا بها وجاهدوا في الله من خالفهم منهم وفارق دوينهم ولقد أثنى الله على قوم بصبرهم فقال: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فأما ثواب الدنيا فالغنيمة والفتح وأما ثواب الآخرة فالمغفرة والجنة واقرأ كتابي هذا على الناس ومرهم فليقاتلوا في سبيل الله وليصيروا كيما يؤتيهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة. فأما قولك أنهم قد جاءهم ما لا قبل لهم به فإن لا يكن لكم بهم قبل فإن لله بهم قبلا ولم يزل ربنا عليهم مقتدرا ولو كنا والله إنما نقاتل الناس بحولنا وقوتنا وكثرتنا لهيهات ما قد أبادونا وأهلكونا ولكن نتوكل على الله ربنا ونبرأ إليه من الحول والقوة ونسأله النصرة والرحمة وإنكم منصورون إن شاء الله على كل حال فأخلصوا لله نيتكم وارفعوا إليه رغبتكم واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم فتفلحون".

قال أحمد زكي صفوت في جمهرة رسائل العرب في العصور العربية الزاهرة ذكرها صاحب فتوح الشام ص 162.

قلت: قال أبو عبد الله الواقدي مؤلف فتوج الشام والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب و الشهادة ما اعتمدت في أخبار هذه الفتوح إلا الصدق وما نقلت أحاديثها إلا عن الثقات.

قال الخطيب البغدادي في كتابه الموضح: "أخبرنا السكري أخبرنا جعفر الواسطي أخبرنا ابن المتوكل أخبرنا المدائني قال: قال عبد الله بن فائد وغسان ابن عبد الحميد عن جعفر بن عبد الله بن مسور بن مخرمة عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال لمتمم بن نويرة أنشدني مرثيتك أخاك مالكاً فأنشده:

ولا جزعاً مني وإن كنت موجعا

لعمري وما عمري بتابين هالك

قال الإمام أحمد حدثنا يزيد أخبرنا محمد بن عمرو عن أبيه عن جده علقمة بن وقاص قال أخبرتني عائشة رضي الله عنها قالت خرجت يوم الخندق أقفو الناس فسمعت وئيد الأرض ورائي فإذا أنا بسعد بن معاذ رضي الله عنه ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنة قالت فجلست إلى الأرض فمر سعد رضي الله عنه وعليه درع من حديد قد خرجت منه أطرافه فأنا أتخوّف على أطراف سعد قالت وكان سعد رضي الله عنه من أعظم الناس وأطولهم فمر وهو يرتجز ويقول:

ما أحسن الموت إذا حان الأجل

ليث قليلاً يشهد الهيجا حمل

قالت فقمت فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين وإذا فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيهم رجل عليه تسبغة له تعني المغفر فقال عمر رضي الله عنه ما جاء بك" لعمري" والله إنك لجريئة وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تخور قالت فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت في ساعتئذ فدخلت فيها فرفع الرجل التسبغة عن وجهه فإذا هو طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فقال يا عمر ويحك إنك قد أكثرت منذ اليوم وأين التخور أو الفرار إلا إلى الله" الحديث ذكره ابن كثير بطوله جـ3 ص479.

ومنهم ابن عمر رضي الله عنهما فقد جاء عن جويرية بنت أسماء عن نافع بن شيبة قال: "لقي الحسين معاوية بمكة عند الردم فأخذ بخطام راحلته فأناخ به ثم ساره طويلاً وانصرف فزجر معاوية الراحلة فقال له ابنه يزيد لا يزال الرجل قد عرض لك فأناخ بك" قال: "دعه لعله يطلبها من غيري فلا يسوغه فيقتله" في كلام طويل إلى أن قال: "وقال ابن عمر للحسين: "لا تخرج فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة وإنك بضعة منه ولا تنالها ثم اعتنقه وبكى وودعه فكان ابن عمر يقول غلبنا بخروجه ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن يتحرك". انتهى من سير النبلاء جـ3ص199.

ومنهم ابن عباس قال الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري من بني قشير قبيلة من العرب معروفة النيسابوري في باب النساء الغازيات جـ12 ص190: "حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب حدثنا سليمان يعني ابن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن خمس خلال فقال ابن عباس لولا أن أكتم علماً ما كاتبت إليه كتب إليه نجدة[1] أما بعد فأخبرني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء وهل كان يضرب لهم بسهم وهل كان يقتل الصبيان ومتى يتقضى يتم اليتيم وعن الخمس لمن هو؟

فكتب إليه ابن عباس رضي الله عنهما كتبت تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء وقد كان يغزو بهن فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة وأما بسهم فلم يضرب لهن وان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتل الصبيان فلا تقتل الصبيان، وكتبت تسألني متى ينقضي يتم اليتيم"فلعمري" إن الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف الأخذ لنفسه ضعيف العطاء منها فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم وكتبت تسألني عن الخمس لمن هو، وإنا كنا نقول هو لنا فأبى علينا قومنا ذلك" وأخرج مسلم عن عروة ابن الزبير أن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال ان ناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل فناداه أنك لجلف جاف"فلعمري" لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن الزبير فجرب بنفسك فوالله لأن فعلتها لأرجمنك بأحجارك والمراد بالرجل ابن عباس انتهى من مسلم في باب نكاح المتعة جـ1 ص452.

وأما عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقد نطقت بـ"لعمري".

قال محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه في باب قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} قال قلت: "أكذبوا أم كذّبوا" قالت عائشة: "كذّبوا" قلت: "فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن" قالت: "أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك" فقلت لها: "وظنوا أنهم قد كذبوا" قالت: "معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها" قلت: "فما هذه الآية؟" قالت: "هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأسوا ممن كذبوهم من قومهم فظنت الرسل أن أتباعهم كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك".

وأخرج الحاكم في مستدركه بسنده إلى عبد الله بن وهب أخبرني عمرو ابن الحارث أن بكيراً حدثه أن أمه حدثته: أنها أرسلت إلى عائشة رضي الله عنها بأخيه مخرمة وكانت تداوي من قرحة تكون بالصبيان فلما داوته عائشة وفرغت منه رأت في رجليه خلخالين جديدين فقالت عائشة أظننتم أن هذين الخلخالين يدفعان عنه شيئاً كتبه الله عليه لو رأيتهما ما تداوى عندي وما مرّ عندي لعمري للخلخالين من فضة أطهر من هذين قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي في التلخيص سمعه ابن وهب منه.

وأما عثمان بن أبي العاص فقد أخرج إسحاق بن راهويه في مصنفه عن عبد الرحمن بن أبي بكرة  قال: "كانت يمين عثمان بن أبي العاص لعمري"[2] وقال الحافظ بن حجر في الإصابة في أسماء الصحابة: "ذكر المرزباني في معجم الشعراء أن عثمان بن بشر بن دهمان كان قد شد في الجاهلية على عمرو بن معد يكرب فهرب عمرو فقال عثمان:

حواسر يخمشن الوجوه على عمرو

لعمرك لولا الليل قامت مآتم

وأما أبو عبيدة بن الجراح: فإنه ثبت أنه تكلم بها في كتابه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ولفظه: بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله عمر أمير المؤمنين من  أبي عبيدة بن الجراح.

سلام عليكم فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو أما بعد:

فإن الروم قد أقبلت فنزلت فحل طائفة منهم مع أهلها وقد سارع إليهم أهل البلد ومن كان على دينهم من العرب وقد أرسلوا إلي أن أخرج من بلادنا التي تنبت الحنطة والشعير والفواكه والأعناب وأنكم لستم لها بأهل والحقوا ببلادكم بلاد الشقاء والبؤس فإن أنتم لم تفعلوا سرنا إليكم بما لا قبل لكم به ثم أعطينا لله عهداً أن لا ننصرف عنكم ومنكم عين تطرف فأرسلت إليهم: أما قولكم أخرجوا من بلادنا فلستم بأهله فلعمري ما كنا لنخرج منها وقد دخلناها وورّثناها الله منكم ونزعناها من أيديكم وإنما البلاد بلاد الله والعباد عباده وهو ملك الملوك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء وأما ما ذكرتم من بلادنا وزعمتم أنها بلاد البؤس والشقاء فقد صدقتم قد أبدلنا الله بها بلادكم بلاد العيش الرفيغ أي الواسع والسعر الرخيص والفواكه الكثيرة فلا تحسبونا بتاركيها ولا منصرفين عنها ولكن أقيموا لنا فوالله لا نجشمكم إتياننا ولتأتينكم إن أقمتم لنا فكتبت إليك حين نهضت إليهم متوكلاً على الله راضياً بقضاء الله واثقاً بنصر الله كفانا الله وإياكم والمؤمنين مكيدة كل كائد وحسد كل حاسد ونصر الله أهل دينه نصراً عزيزاً وفتح لهم فتحاً يسيراً وجعل لهم من لدنه سلطاناً نصيراً . انتهى . من جمهرة رسائل العرب وقد عزاها صاحبها إلى فتوح الشام ص109.

وروى البزار بسند فيه معلى بن عبد الرحمن الواسطي وهو ضعيف جداً وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به عن جابر قال دخل علي بن أبي طالب على فاطمة رضي الله عنها يوم أحد فقال-

فلست برعديـد ولا بـلئيم

أفاطمة هاك السيـف غير ذميـم

ومرضاة رب بالعـباد عليم

"لعمري" لقد أبليت في نصر أحمد

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنت أحسنت القتال فقد أحسنه سهل بن حنيف وابن الصمة وذكر آخر فنسيه علي فقال جبريل صلى الله عليه وسلم يا محمد هذا وأبيك المواساة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جبريل إنه مني فقال جبريل وأنا منكما انتهى من مجمع الزوائد جـ6 ص 122.

وأما أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما فقد ذكر الحافظ الذهبي في سير النبلاء انها فاهت بهذه الكلمة بما لفظه سفيان بن عيينة عن إسماعيل عن الشعبي قال قدمت أسماء من الحبشة فقال لها عمر يا حبشية سبقناكم بالهجرة فقالت "لعمري" لقد صدقت كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعلم جاهلكم وكنا البعداء الطرداء أما والله لأذكرنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته فقال للناس هجرة واحدة ولكم هجرتان.

وكذلك الصحابي الذي جاءه الأسدي يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أقره صلى الله عليه وسلم على النطق بها لما تولى وهو مغضب حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أجد ما أعطيك فقال "لعمري" إنك لتعطي من شئت الحديث تقدم عند أبي داود في باب الأحاديث المرفوعة ومنهم أبو هريرة.

 

(قال عبد الرزاق) باب الحلف بغير الله وأيم الله "ولعمري"

قال الراوي أخبرها عبد الرزاق قال أخبرها ابن جريج قال سمعت عطاء يقول كان خالد بن العاص وشيبة بن عثمان يقولان إذا أقسما "وأبي" فنهاهما أبو هريرة عن ذلك أن يحلفا بآبائهما قال فغير شيبة فقال"لعمري"وذلك أن إنساناً سأل عطاء عن "لعمري" وعن"لا" ها الله إذا أبهما بأس فقال لا ثم حدث هذا الحديث عن أبي هريرة وأقول ما لم يكن حلف بغير الله فلا بأس فليس"لعمري"بقسم.انتهى منه جـ8 ص469 إلى 471.

ورور عبد الرزاق أيضاً عن الثوري عن إبراهيم بن مسلم عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هذا الصلوات المكتوبة حيث ينادى بهن فإنهن من سنن الهدى وإن الله قد شرع لنبيكم سنن الهدى" ولعمري" ما أخال أحدكم إلا وقد اتخذ مسجداً في بيته ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ولو تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لضللتم ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم نفاقه أو معروف نفاقه ولقد رأيت الرجل يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف فما من رجل يتطهر فيحسن الطهور فيخطو خطوة يعمد بها إلى مسجد لله تعالى إلا كتب الله له بها حسنة ورفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى إن كنا لنقارب في الخطا جـ -1 ص 516[3] .

 

الأحاديث المقطوعة في المسألة.

وقد ذكرنا في أول التمهيد أن كلمة "لعمري" تكلم بها التابعون منهم عمر بن عبد العزيز فقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة وكان عاملاً على البصرة: أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر أن قبلك عمالاً قد ظهرت خيانتهم وتسألني أن آذن لك في عذابهم كأنك ترى أن لك جنة من دون الله فإذا جاءك كتابي هذا فإن قامت عليهم بينة فخذهم بذلك وإلا فاحلفهم دبر صلاة العصر بالله الذي لا إله إلا هو ما اختانوا من مال المسلمين شيئاً فإن حلفوا فخل سبيلهم فإنما هو مال المسلمين وليس للشحيح منهم إلا جهد إيمانهم "ولعمري" لأن يلقوا الله بخياناتهم أحبّ إليّ من أن ألقى الله بدمائهم  والسلام - انتهى سيرة عمر بن عبد العزيز للإمام مالك ص55.

وذكر ابن كثير أنه لما احتضر عمر بن عبد العزيز سمع غسالاً يغسل الثياب فقال ما هذا فقالوا غسالاً فقال يا ليتني كنت غسالاً أكسب ما أعيش به يوماً بيوم ولم آل الخلافة ثم تمثل فقال:

ودانت في الدنيا بوقع البواتر

لعمري لقد عمرت في الملك برهة

ولي سلّمت كل الملوك الجبابر

وأعطيت حمر المال والحكم والنهي

كحلم مضى في المزمنات الغوابر

وأضحى الذي قد كان مما برني

ولم أسع في لذات عيش نواضر

فيا ليتني لم أعن بالملك ليلة

وقد أنشد هذه الأبيات أيضاً معاوية بن أبي سفيان عند موته وقال عمر بن عبد العزيز لزوجته فاطمة بنت عبد الملك قد علمت حال هذا الجوهر كلها وما صنع فيه أبوك ومن أين أصابه فهل لك أن أجعله في تابوت ثم أطبع عليه وأجعله في أقصى بيت مال المسلمين وأنفق ما دونه فإن خلصت إليه أنفقته وإن مت قبل ذلك "فلعمري" ليردنه إليك قالت له افعل ما شئت ففعل ذلك فمات رحمه الله تعالى ولم يصل إليه فرد ذلك عليها أخوها يريد بن عبد الملك فامتنعت من أخذه وقالت ما كنت لأتركه ثم آخذه فقسمه يزيد بين نسائه ونساء بنيه. انتهى من سيرة عمر بن عبد العزيز برواية مالك بن أنس تأليف أبي محمد عبد الله بن عبد الحكم ص53.

وقال أيضاً كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وكان والي المدينة أما بعد فقد قرأت كتابك إلى سليمان تذكر فيه أنه كان يقطع لمن كان قبلك من أمراء المدينة من الشمع كذا وكذا يستضيئون به في مخرجهم فابتليت بجوابك فيه "ولعمري" لقد عهدتك يا ابن أم حزم وأنت تخرج من بيتك في الليلة الشاتية المظلمة بغير مصباح "ولعمري "لأنت يومتئذ خير منك اليوم ولقد كان في فتائل أهلك ما يغنيك والسلام- انتهى منه ص55.

وقال أيضاً دخل عمر بن عبد العزيز على الوليد بن عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين إن عندي نصيحة فإذا خلا لك عقلك واجتمع فهمك فسلني عنها قال ما يمنعك منها الآن قال أنت أعلم إذا اجتمع لك ما أقول فإنك أحق أن تفهم، فمكث أياماً ثم قال يا غلام من بالباب فقيل له ناس وفيهم عمر بن عبد العزيز فقال أدخله فدخل عليه فقال نصيحتك يا أبا حفص فقال عمر إنه ليس بعد الشرك إثم أعظم عند الله من الدم وإن عمالك يقتلون ويكتبون أن ذنب فلان المقتول كذا وكذا وأنت المسؤول عنه ومأخوذ به فاكتب إليهم أن لا يقتل أحد منهم أحدا حتى يكتب إليك بذنبه ثم يشهد عليه ثم تأمر بأمرك على أمر قد وضح لك قال بارك الله فيك يا أبا حفص ومنع فقدك عليّ بكتاب فكتب إلى أمراء الأمصار كلهم فلم يخرج من ذلك إلا الحجاج فإنه أمضه وشق عليه وأقلقه وظن أنه لم يكتب إلى أحد غيره، فبحث عن ذلك فقال من أين دهينا أو من أشار على أمير المؤمنين بهذا فأخبر أن عمر بن عبد العزيز هو الذي فعل ذلك فقال هيهات إن كان عمر فلا نقض لأمره ثم أن الحجاج أرسل إلى أعرابي حروري جاف من بكر بن وائل ثم قال له الحجاج ما تقول في معاوية فنال منه قال له ما تقول في يزيد فسبه قال فما تقول في عبد الملك فظلّمه قال فما تقول في الوليد فقال اجورهم حين ولاك وهو يعلم عداءك وظلمك قال فسكت عنه الحجاج واقترضها منه ثم بعث به إلى الوليد وكتب إليه أنا أحوط لديني وأرعى لما استرعيتني وأحفظ له من أن أقتل أحداً لم يستوجب ذلك وقد بعثت إليك ببعض من كنت أقتل على هذا الرأي فشأنك وإياه فدخل الحروري على الوليد وعنده أشراف أهل الشام وعمر فيهم فقال له الوليد ما تقول فيّ قال ظالم جائر جبار قال ما تقول في عبد الملك قال جبار عات قال فما تقول في معاوية قال ظالم قال الوليد لابن الريان اضرب عنقه فضرب عنقه ثم قام فدخل منزله وخرج الناس من عنده فقال يا غلام اردد عليّ عمر فرده عليه فقال يا أبا حفص ما تقول في هذا أصبنا فيه أم أخطأنا فقال عمر ما أصبت بقتله ولغير ذلك أرشد وأصوب كنت تسجنه حتى يراجع الله عز وجل أو تدركه منيته فقال الوليد شتمني وشتم عبد الملك وهو حروري أفتستحل ذلك قال "لعمري" ما أستحله لو كنت سجنته إن بدا لك أو تعفو عنه فقام الوليد مغضباً فقال ابن الريان لعمر يغفر الله لك يا أبا حفص لقد راددت أمير المؤمنين حتى ظننت أن يأمرني بضرب عنقك فقال عمر ولو أمرك كنت تفعل قال أي"لعمري" قال عمر أذهب إليك - انتهى ص115.

ومنهم قتادة،قال ابن جرير في تفسيره الجليل حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله تعالى{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} قال فما بال أقوام يتكلفون علم الناس فلان في الجنة وفلان في النار فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال لا أدري "لعمري" أنت بنفسك أعلم منك بأعمال الناس ولقد تكلفت شيئاً ما تكلفته الأنبياء قبلك قال نبي الله نوح عليه السلام: {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقال نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام {بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} وقال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام {لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ }.

ومنهم عطاء فقد أخرج الإمام محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه في باب طواف النساء مع الرجال قال وقال لي عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم قال ابن جريج أخبرنا قال أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام الطواف مع الرجال قال كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال قلت بعد الحجاب أو قبل قال إي "لعمري" لقد أدركته بعد الحجاب قلت كيف يخالطن الرجال قال لم يكن يخالطن. وروى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عن عطاء قال قلت له أيحق على النساء إذا سمعن الأذان أن يجبن كما هو حق على الرجال قال لا "لعمري" جـ3 ص 147.

 

فصل في أقوال أئمة التفسير واللغة في "لعمرك"

قال الإمام أبو الفتح ناصر بن عبد السيد بن علي المطرزي الفقيه الحنفي الخوارزمي المولود سنة 538 المتوفى سنة 616 في كتابه المغرب في ترتيب المعرب العمر بالضم والفتح البقاء إلا أن الفتح غلب في القسم حتى لا يجوز فيه إلا الفتح ويقال لعمرك ولعمر الله لأفعلن كذا وارتفاعه على الابتداء وخبره محذوف.

وقال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير في النهاية في غريب الحديث وفي الحديث أنه اشترى من أعرابي حمل خبط فلما وجب البيع قال له اختر فقال له الأعرابي عمرك الله بيّعا أي أسأل الله تعميرك وأن يطيل عمرك والعمر بالفتح العمر ولا يقال في القسم إلا بالفتح وبيعا منصوب على التمييز أي عمرك الله من بيّع ومنه حديث لعمر الهك هو قسم ببقاء الله ودوامه وهو رفع بالابتداء والخبر محذوف تقديره لعمر الله قسمي أو ما أقسم به واللام للتوكيد فإن لم تأت باللام نصبته نصب المصادر، فقلت عمر الله وعمرك الله أي بإقرارك لله وتعميرك له بالبقاء.

قال القرطبي في تفسيره والعمر بضم العين وفتحها لغتان ومعناهما واحد إلا أنه لا يستعمل في القسم إلا بالفتح لكثرة الاستعمال، وتقول عمرك الله أي أسأل الله تعميرك وكره كثير من العلماء أن يقول الإنسان لعمري لأن معناه وحياتي قال إبراهيم النخعي يكره للرجل أن يقول لعمري لأنه حلف بحياة نفسه وذلك من كلام ضعفة الرجال ونحو هذا قال مالك أن المستضعفين من الرجال والمؤنثين يقسمون بحياتك وعيشك وليس من كلام أهل الذكران وإن كان الله سبحانه أقسم به في قصة لوط عليه السلام فذلك بيان لشرف المنزلة والرفعة لمكانه فلا يحمل عليه سواه ولا يستعمل في غيره وقال ابن حبيب ينبغي أن يصرف"لعمرك" في الكلام لهذه الآية وقال قتادة هو من كلام العرب قال ابن العربي وبه أقول لكن الشرع قد قطعه في الاستعمال ورد القسم إليه وقال القرطبي القسم بلعمرك ولعمري في أشعار العرب وفصيح كلامهم كثير قال النابغة الذبياني:

لقد نطقت بطلا عليّ الاقارع

لعمري وما عمري عليّ بهين

أراد بالأقارع بني قريع بن عوف وكانوا قد وشوا به إلى النعمان.

وقال طرفة العبد:

لك الطول المرضى وثنياه باليد

لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى

والطول بكسر الطاء وفتح الواو الحبل قوله وثنياه أي ما ثنى منه ثم قال وقال بعض أهل المعاني لا يجوز هذا لأنه لا يقال لله عمر وإنما هو تعالى أزلي ذكره الزهراوي وقال أبو حيان في البحر المحيط وهذا الكلام يوهم أن العمر لا يقال إلا فيما له انقطاع وليس كذلك العمر والعمر البقاء.

وقال الجوهري في صحاحه قال ابن الأعرابي احتشمته أغضبته وأنشد:

بطئ النضج محشوم الاكيل

لعمرك إن قرص أبي خبيب

وقال في صحاحه أيضا:

عمر الرجل بالكسر يعمر عمراً وعمراً وعلى غير قياس مصدره التحريك أي عاش زمناً طويلاً ومنه قولهم أطال الله عمرك والعمر وهما وإن كانا مصدرين بمعنى واحد إلا أنه استعمل في القسم أحدهما وهو المفتوح فإذا أدخلت عليه اللام رفعته بالابتداء قلت لعمر الله واللام لتوكيد الابتداء والخبر محذوف والتقدير لعمر الله قسمي أو ما أقسم به، فإن لم تأت باللام نصبته نصب المصادر وقلت عمر الله ما فعلت كذا وعمرك الله ما فعلت ومعنى لعمر الله وعمر الله أحلف ببقاء الله ودوامه وإذا قلت عمرك الله فكأنك قلت بتعميرك الله أي بإقرارك له بالبقاء.

وقول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:

قمرك الله كيف يلتقيان

أيها المنكح الثريا سهيلاً

أي سألت الله أن يطيل عمرك لأنه لم يرد القسم بذلك.

قال أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم المعروف بابن المنظور الإفريقي المصري الأنصاري الخزرجي في كتابه لسان العرب العمر بالفتح والعمر بالضم والعمر بضم العين والميم الحياة يقال قد طال عمره وعمره لغتان فصيحتان فإذا أقسموا قال في القسم "لعمري ولعمرك" يرفعونه بالابتداء ويضمرون الخبر كأنه قال "لعمرك" قسمي أو يميني أو ما أحلف به.

قال ابن جني ومما يجيزه القياس غير أنه لم يرد به الاستعمال خبر العمر من قولهم لعمرك لأقومنّ فهذا مبتدأ محذوف الخبر وأصله لو أظهر خبره لعمرك ما أقسم به فصار طول الكلام بجواب القسم عوضاً من الخبر.

وقيل العمر هاهنا الدين وأياً كان فإنه لا يستعمل في القسم إلا مفتوحاً وفي التنزيل العزيز {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} لم يقرأ إلا بالفتح.

وقال أبو حيان قال أبو الهيثم النحوي"لعمرك" لدينك الذي تعمر وقال ابن الأعرابي عمرت ربي أي عبدته وفلان عامر لربه أي عابد قال ويقال تركت فلاناً يعمر ربه أي يعبده فعلى هذا لعمرك لعبادتك وقال الزجاج ألزموا الفتح القسم لأنه أخف عليهم وهم يكثرون القسم بلعمري ولعمري فلزموا الأخف وقد تقدم من كلام القرطبي أن قتادة قال لعمري ولعمرك من كلام العرب قال ابن العربي وبه أقول لكن الشرع قطعه في الاستعمال ورد القسم إليه وقال ابن منظور روى عن ابن عباس في قوله تعالى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ} الآية أي لحياتك قال وما حلف الله بحياة أحد إلا بحياة النبي صلى الله عليه وسلم وقال قال أبو الهيثم ويقولون معنى لعمرك لدينك الذي تعمر وأنشد بيت عمر بن أبي ربيعة المتقدم قال عمرك الله عبدتك الله فنصب وأنشد:

وذرينا من قول من يؤذينا

عمرك الله ساعة حدثينا

فأوقع الفعل على الله عز وجل في قوله "عمرك الله وقال الأخفش في قوله{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ} الآية وعيشك وإنما يريد العمر وقال أهل البصرة اضمر له ما رفعه لعمرك المحلوف به وقال الفراء الإيمان يرفعها جواباتها.

قال الأزهري وتدخل اللام في لعمرك فإذا أدخلتها رفعت بها بالابتداء فقلت لعمرك ولعمر أبيك فإذا قلت لعمر أبيك الخير نصبت الخير وخفضت فمن نصب أراد أن أباك عمر الخير يعمره عمراً وعمارة فنصب الخير بوقوع العمر عليه ومن خفض الخير جعله نعتاً لأبيك وقال المبرد في قوله عمرك الله إن شئت جعلت نصبه بفعل أضمرته وإن شئت نصبته بواو حذفته وعمرك الله وإن شئت كان على قولك عمّرتك الله تعميرا وأنشدتك الله نشيداً ثم وضعت عمرك في موضع التعمير وأنشد فيه:

هل كنت جارتنا أيام ذي سلم

عمرتك الله إلا ما ذكرت لنا

يريد ذكرتك الله وقال الأزهري عمرك الله مثل نشدتك الله قال أبو عبيد سألت الفراء لم أرتفع لعمرك فقال على إضمار قسم ثان كأنه قال وعمرك فلعمرك عظيم  وكذلك لحياتك مثله قال والدليل على ذلك قول الله عز وجل{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ} الآية.. كأنه أراد والله ليجمعنكم فأضمر القسم، قال المبرد وفي لغة وعملك يريدون لعمرك ومنه قول عمارة بن عقيل الحنظلي:

تعرض لي من طائر لصدوق

عملك ان الطائر الواقع الذي

وتقول إنك عمري لظريف وقال ابن منظور العرب تقول عمرك الله افعل كذا وإلا فعلت كذا بالنصب وهو من الأسماء الموضوعة في موضع المصادر المنصوبة على إضمار الفعل المتروك إظهاره وأصله من عمّرتك الله تعميرا فحذفت زيادته فجاء على الفعل وأعمرك الله أن تفعل كذا كأنك تحلّفه بالله وتسأله بطول عمرك قال الشاعر:

ألوي عليك لو أن لبك يهتدي

عمرتك الله الجليل فإنني

قال الكسائي عمرك الله لا أفعل ذاك نصب على معنى عمرتك الله أي سألت الله أن يعمّرك كأنه قال عمرت الله إياك قال ويقال أنه يمين بغير واو وقد يكون عمر الله وهو قبيح وعمر الله يعمر عمراً وعمارة وعمراً وعمر يعمر ويعمر الأخيرة عن سيبويه كلاهما عاش وبقي زمناً طويلاً .

قال لبيد:

لو كان للنفس اللجوج خلود

وعمرت حرسا قبل مجرى داحس

وأنشد محمد بن سلام كلمة جرير:

لقد حديت تيم حداء عصبصبا

لئن عمرت تيم زماناً بغرة

ومنه قولهم أطال الله عمرك قال الحافظ بن عبد البر في الاستيعاب قال عمرو بن الأهتم التميمي:

لصالح أخلاق الرجال سروق

ذريني فإن البخل يا أم هيتم

ولكن أخلاق الرجال تضيق

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها

وقال الحافظ بن حجر قال هشام بن الكلبي حدثني جعفر بن كلاب أن عمر بن الخطاب ولى علقمة بن علاثة العامري حوران فنزلها إلى أن مات وخرج إليه الحطيئة في جده قد مات وأوصى له بجائزة فرثاه بقصيدة منها:

وبين الغنى إلا ليال قلائل

فما كان بينني لولقيتك سالماً

بحور أن أمسى أدركته الحبائل

لعمري لنعم المرء من آل جعفر

وأقوال الشعراء في هذه الكلمة كثيرة.

فصل في بيان أقوال أئمة المذاهب في الكلمة المسؤول عن حكمها

أما الإمام مالك ففي المدونة الكبرى رواية الإمام سحنون بن سعيد التنوخي عن عبد الرحمن بن القاسم وغيره عن مالك رحمه الله قال سحنون قلت أرايت قوله "لعمري " أتكون هذه يميناً قال قال مالك لا تكون يميناً.

قال الحطاب في كتابه مواهب الجليل شرح مختصر خليل لأبي المودة الجندي التركي المالكي ما نصه وقوله" لعمري" أو هو زان أو سارق أو قال والصلاة والصيام والحج أو قال هو يأكل لحم الخنزير والميتة أو يشرب الدم أو  الخمر أو يترك الصلاة أو عليه لعنة الله أو غضبه أو أدخله الله النار وكل ما دعى به على نفسه لم يكن بشيء من هذا يميناً.

وأما الإمام امام أهل السنة أحمد بن حنبل الشيباني فقد قال الموفق بن قدامة في المغني قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وقد سئل عن الرفع إي "لعمري"ومن يشك في هذا كان ابن عمر إذا رأى من لا يرفع حصبه وأمره أن يرفع وقال في موضع آخر في نفس الكتاب وإن قال "لعمري"أو "لعمرك" أو"عمرك"فليس بيمين، في قول أكثرهم وقال الحسن في قوله "لعمري" عليه الكفارة ثم قال والدليل على أنه ليس بيمين أنه أقسم بحياة مخلوق فلم تلزمه كفارة كما لو قال وحياتي وذاك لأن هذا اللفظ يكون قسماً بحياة الذي أضيف إليه العمر فإن التقدير لعمرك قسمي أو أقسم به والعمر الحياة والبقاء وقال أبو عبد الله محمد  بن مفلح في كتابه الفروع وإن قال "لعمري" أو قطع الله يديه ورجليه أو أدخله الله النار إن فعل كذا فذلك لغو نص عليه الإمام أحمد ولا يلزمه إبرار القسم في الأصح.

وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في مختصر الإنصاف وإن قال لعمري أو لعمرك فليس بيمين في قول الأكثر وقال الحسن في قول"لعمري" كفارة وبمثل هذا أفتى حفيده الشيخ عبد اللطيف في منهاج التأسيس في الرد على ابن جرجيس العراقي حيث قال إن المذهب والأكثر لا يرى أن لعمري أو لعمرك يمين وانتفاء الكفارة لانتفاء اليمين . وأما قول الحسن فمرجوح كما تقدم وقد يكون يوجب الكفارة لمعصية القائل وفجوره مع أن اليمين غير مقصودة بها بل هذا يجري على ألسنتهم من غير قصد كقوله عقري وحلقي وقوله ثكلتك أمك بل هو غير معلوم وغير مفهوم من كلام أهل العلم والإيمان وأئمة هذا الشأن أنه يمين بل صريح كلامهم نفي هذا وأنه ليس بقسم ثم قال وليس الغرض اليمين الشرعية وتشبيه غير الله به وفي التعظيم حتى يرد عليه أن الحلف بغير اسمه تعالى وصفاته عز وجل مكروه كما صرح به النووي في شرحه على مسلم بل الظاهر من كلام الحنفية أنه كفر إن كان باعتقاد أنه حلف يجب البر به وحرام إن كان بدونه كما صرح به بعض الفضلاء.

3- الأحناف أما المذهب الحنفي فقد قال العيني في عمدة القاري شرح البخاري وإذا قال "لعمري" فقال الحسن البصري عليه الكفارة إذا حنث فيها وسائر الفقهاء لا يرون فيها كفارة لأنها ليست عندهم يمينا انتهى.

 

خاتمة المطاف

لقد تبين مما تقدم من النصوص الدالة على أن كلمة "لعمري" ليست يميناً شرعية تجب الكفارة به تبين من ذلك أن اليمين الشرعية هي اليمين التي تجب الكفارة على من حلف بها إذا حنث. وأما ما ذكره ابن القيم في كتابه ( التبيان في أقسام القرآن ص 428 من أن أكثر المفسرين من السلف والخلف بل لا يعرف من السلف فيه نزاع أن "لعمرك "في قوله تعلى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} قوله إن هذا قسم من الله بحياة رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا من أعظم فضائله أن يقسم الرب عز وجل بحياته وهذه مزية لا تعرف لغيره ولم يوافق الزمخشري على ذلك فصرف القسم إلى أنه بحياة لوط عليه الصلاة والسلام "لعمرك" إنهم لفي سكرتهم يعمهون "وليس في اللفظ ما يدل على واحد من الأمرين بل ظاهر اللفظ وسياقه إنما يدل على ما فهمه السلف لا أهل التعطيل والاعتزال . قال ابن عباس رضي الله عنهما والعمر بفتح العين المهملة والعمر بضمها واحد إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإثبات الأخف لكثرة دوران الحلف بها على ألسنتهم وأيضاً فإن العمر حياة مخصوصة فهو عمر شريف عظيم أهل أن يقسم به لمزيته على كل عمر من أعمار بني آدم ولا ريب أن عمره وحياته صلى الله عليه وسلم من أعظم النعم والآيات فهو أهل أن يقسم به أولى من القسم بغيره من المخلوقات - انتهى.

فهذا الكلام من الإمام ابن القيم يحمل على أنه إنما أراد أن هذه الكلمة قسم لغة وإلا فإن الأحاديث الصحيحة المتقدمة تمنع وتنهى عن الحلف بغير الله من المخلوقات فإن ذلك من أعظم المحرمات كما دلت عليه الأحاديث المتقدمة هذا كله في غير قسم الله تعالى بما شاء من مخلوقاته فإنه يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون وقد تقدم في النصوص التي سردناها عن الأئمة أن هذه الكلمة ليست من الإيمان الشرعية التي تجب الكفارة بها عند الحنث بل هي محمولة على أحد الوجوه المتقدمة.

أولاً : حمله على حذف مضاف وقد نقل ذلك عن بعض أهل العلم فيكون التقدير "لواهب عمري" كما في أمثالها مما أقسم فيه بغير الله على قول كقوله تعالى والشمس والليل، والقمر.

وثانياً: أن يكون المراد بها وبأمثالها ذكر صورة القسم لتأكيد مضمون الكلام وترويجه فقط لأنه أقوى من سائر المؤكدات وأسلم من التأكيد بالقسم بالله تعالى لوجوب البر به وليس الغرض اليمين الشرعية وتشبيه غير الله تعالى به في التعظيم بل الظاهر من كلام الأحناف أنها كفر إن كان يعتقد أنه حلف يجب البر به. وحرام إن كان بدون ذلك كما صرح به بعض الفضلاء فعلى هذا فذكر صورة القسم على أحد الوجوه المذكورة لا بأس به ولهذا شاع استعمال هذه الكلمة بين العلماء بإجماعهم. كما تقدمت عليه النصوص.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه هداة الأمم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


[1] هو نحدة بن عامر الحروري بن وؤس الخوارج زائغ عن الحق ذكر في الضعفاء الجرجاني وهو ابن عمير اليماني خرج باليمامة عقب موت يزيد بن معاوية وقدم مكة وله مقالات معروفة واتباع انقرضوا وقد ذكر له الحافظ ترجمة في تهذيب التهذيب قتل بعد ابن عباس بقليل في سنة 70 اللسان للحافظ.

[2] قال الإمام أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال كانت يمين عثمان بن أبي العاص"لعمري" انتهى من العلل للإمام أحمد ص406.

[3] أخرجه مسلم وأبو داود ففي مسلم ج1 ص232 وفي أبي داود ج1 ص81.

 

 

 

"نشر بمجلة الجامعة الاسلامية العدد السادس و العشرين شوال 1394 ه "

 

cheap shoes nike dunk sb silver box collection - Low shoes - GiftofvisionShops - nike jordans retro 1 camo shoes black friday deals , Sneakers - Women's shoes | G58022 - adidas leather football boots for sale in nigeria - Buy now Adidas ADIDAS TRX VINTAGE

الأقسام الرئيسية: