المقالات

يقولون خطأ

1- سيعود إلي حقي سواء أطال الزمن أو قصر .

الصواب : سيعود إلي حقي سواء أطال الزمن أم قصر ، ومنها في القرآن " سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " ، " سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص " .

الأقسام الرئيسية:

من العقيدة الواسطية

قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله فى عقيدته المباركة "العقيدة الواسطية" التى كتبها سنة 698 هـ اجابة لطلب أحد قضاة واسط : " و من أصول أهل السنة و الجماعة سلامة قلوبهم و ألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عل

قصة سعد بن معاذ مع بني قريظة

 

من مواقف الصحابة

 

قصة سعد بن معاذ مع بنى قريظة

عن عاشة (رضى الله عنها) قالت: "خرجت يوم الخندق أقفو­(1) آثار الناس"

قالت: "فسمعتُ وئيد الأرض ورائى؛ يعنى : حسًّ الأرض"

قالت: "فالتفتُّ، فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مِجَنَّة(2)".

قالت: "فجلستُ إلى الأرض، فمرَّ سعدُ وعليه درعٌ من حديد قد خرَجَتْ منها أطرافه، فأنا أتخوَّف على أطراف سعد".

قالت: "فمرَّ وهو يرتجز ويقول:

لَبَّثْ قَليلاً يُدْرِكِ الهَيْجَا حَمَلْ

                                            مَا أحْسَنَ المَوْتَ إذا حَانَ الأجَلْ"

قالت: "فقمتُ، فاقتحمتُ حديقة، فإذا فيها نفر من المسلمين، وإذا فيهم عمر بن الخطاب، وفيهم رجل عليه سبغة له؛ يعنى مغفراً(3)، فقال عمر: ما جاء بك؟ لعمرى والله إنك لجريئة! وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحَّوز؟".

قالت: "فما زال يلومنى حتى تمنَّيت أنَّ الأرض أنشقَّت لى ساعتئذ فدخَلْتُ فيها"!

قالت: "فرفع الرجل السبغةَ عن وجهه، فإذا طلحة ابن عبيد الله، فقال: يا عمر! إنك قد أكثرت منذ اليوم، وأين التحوُّز أو الفرار إلا إلى الله (عزَّ وجلَّ)؟".

قالت: "ويرمى سعداً رجل من المشركين من قريش يقال له: ابن العرقة-بسهم له، فقال له: خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكْحَلَه(4)، فقَطَعه، فدعا الله (عزَّ وجلَّ) سعدُ، فقال: الهمَّ لا تُمِتنى حتى تُقرَّ عينى من قريظة".

قالت: "وكانوا حلفاء موالية فى الجاهلية".

قالت: "فَرقَأ كَلْمُه-أى: جُرْحة-،وبعث الله (عزَّ وجلَّ) الريح على المشركين، فكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قوياً عزيزاً، فلحق أبو سفيان ومَن معه بتهامة، ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد، ورجعت بنو قريظة، فتحصَّنوا فى صياصيهم(5)، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فوضع السلاح، وأمر بقبَّة من أدم(6)، فضربت على سعد فى المسجد".

قالت: "فجاء جبريل (عيله السلام) وأنَّ على ثناياه لنقع الغبار، فقال: أوَ قد وضعتَ السلاح؟! والله ما وضَعَت الملائكة بعدُ السلاح، اخرج إلى بنى قريظة فقاتلهم".

قالت: "فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمَتَه(7)، وأذَّن فى الناس بالرحيل؛ أن يخروجوا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمرَّ على بنى غنم-وهم جيران المسجد حوله-، فقال: مَن مرَّ بكم؟ مرَّ بنا دحيةُ الكبىُّ- وكان دِحْية الكلبى تشبه لحيته وسنه ووجهه جبريل عليه السلام-".

قالت: "فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة، فلما اشتدَّ حصرهم، واشتد البلاء؛ قيل لهم: انزلوا على حُكْم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستشاروا أبا لُبابة بن عبد المنذز، فأشار إليهم أنه الذَّبح؛ قالوا: ننْزِلُ على حُكْم سعد بن معاذ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انْزِلوا على حُكْم سعد بن معاذ. فنزلوا".

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ، فأُتى به على حمار عليه أكاف(8) من ليف، وقد حُمِل عليه، وحفَّ به قومه، فقالوا: يا أبا عمرو! حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ومَن قد علِمْت! فلم يرجع إليهم شيئاً، ولا يلتفت إليهم، حتى إذا دنا من دورهم؛ التفت إلى قومه، فقال قد أنى(9) لى أن لا أُبالىَ فى الله لومة لائم".

قال: قال أبو سعيد: "فلمَّا طَلَعَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: قومو إلى سيَّدكم فأنزلوه. فقال عمر: سيَّدنا الله (عزَّ وجلَّ). قال: أنزِلوه. فأنزَلوه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احكُمْ فيهم. قال سعد: فإنى أحكم أن تُقتلَ مقاتِلهم، وتُسبى ذراريهم، وتُقسم أموالهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكْمتَ بحُكْم الله (عزَّ وجلَّ) وحُكم رسوله".

قالت: "ثم دعا سعد؛ قال: الهم إنْ كنت أبقيت على نبيك صلى الله عليه وسلم من حرب قريش شيئاً؛ فأبْقِنى لها، وإنْ كْنت قطعْتَ الحرب بينه وبينهم؛ فاقبضْنى إليك".

قالت: "فانْفَجَر كَلْمُه، وكان قد برىء حتى ما يُرى منه إلا مثل الخُرْص(10)، ورجع إلى قبَّتِه التى ضَرَبَ عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم".

قالت عاشئة: "فحَضَرَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر".

قالت: "فوالذى نفس محمد بيده؛ إنى لأعرف بكاء عمر من بكاء أبى بكر وأنا فى حجرتى، وكانوا كما قال الله عز وجل : (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)(11)".

قال علقمة: قالت: أى أمَّه! فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعُ؟

قالت: "كان عينُه لا تدمع على احد، ولكنَّ كان إذا وجد؛ فإنما هو آخذٌ بلحيته"(12).

***

تقول عائشة (رضى الله عنها): "فالتفتُّ، فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مِجَنَّة".

إنه الإستعداد للقتال. . .

أنه جيل الرجال. . .

إنه جيل البطولات والفتوحات.

***

ثم تقول عائشة (رضى الله عنها): "فمرَّ سعدُ وعليه درعٌ من حديد قد خرَجَتْ منها أطرافه، فأنا أتخوَّف على أطراف سعد".

هكزا كان شعور المؤمنة مع المؤمن، والمسلمة مع المسلم، والأخت مع أخيها.

هكزا كانت الأخُوَّة تقتضى التخوُّف على حال الإخوة والأخوات؛ من كل مؤلم أو محزن.

***

"فمرَّ وهو يرتجز ويقول:

لَبَّثْ قَليلاً يُدْرِكِ الهَيْجَا حَمَلْ

                                            مَا أحْسَنَ المَوْتَ إذا حَانَ الأجَلْ"

". . . فمرَّ وهو يرتجز".

فلماذا لا نرتضى لأنفسنا أن نفعل ما فعل ذلك الجيل الفاضل؟

ولمَ نسمح لأنفسنا التوسُّع فى الأمر، فنقول: أناشيد إسلامَّية! وحفلة على الطريقة الإسلامية! وأغنية إسلامية!

        ومن أين جاءت إسلامَّية؟!

أمن كتاب الله (تعالى)؟! فأين الآيات التى تنصُّ على صحة هذه الأناشيد؟!

أم قُلتُم عنها (إسلاميَّة) اقتباساً من سنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم؟! فأين هذه الأناشيد فى "صحيح البخارى" و "صحيح مسلم" وكتب السنن والمسانيد وغيرها؟!

أم قُلتُم عنها (إسلاميَّة) لأن الصحابة (رضى الله عنهم) فعَلوها؟! فهاتوا من كتب الآثار ما يدلُّ على أنهم فعّلوا ذلك؟!

لعلَّه قد بقى لكم أن تقولو: إنَّه الجتهاد والقياس والإستنباط!!

سبحان الله! كيف تقولون بسدَّ باب الإجتهاد وتأمرون الناس بالتقليد، ثم تقولون: نفعله بالإجتهاد؟!

أوَ ما كان المقتضى لإنشاء مثل هذه الحفلات وارداً فى عهد الصحابة الكرام (رضى الله عنهم) فى القرون الخيريَّة أم لا؟ فلم تَرَكَه الصحابة الكرام (رضى الله عنهم) وكان زواجهم أكثر من زواجنا(13)؟!

فلما تركَهُ خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كان الأولى لنا أن نَذَرَه وندعَه.

لقد علمنا قياسكم، فعلامَ قِسْتُم؟! وأين المقيس عليه؟!

قولو بكل صراحة: إننا لا يمكِنْ أن نُشْبِعَ أذواقَ الناس برجز الصحابة (رضى الله عنهم) وأشعارهم.

قولوا ما فى قلوبكم، ولا تخفوا ذلك: إننا نريد أن نغلب الإذاعة الجاهليَّة والتفاز غير المسلم والإعلام المستمدّ من الكفر والشرك.

أو تريدونَ هذا بالوسائل الصحيحة أم بالوسائل الهالكة؟!

لقد وقعنا-بهذه الأمانى المخدوعة-بالتشبُّه بمَن أرَدْنا أنْ نغلبهم من حيث لا نشعر.

إنَّه لا ينبغى أن يقودنا التفكير بالبدائل إلى أقتراف الآثام والذنوب.

إنَّه لا ينبغى أن نُتْعِبَ أنفسنا لإرضاء أصحاب الأهواء، الذين عاشوا سنواتٍ مع أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، وقضَوْا حياتهم مع الطبل والمزمار وآلات العزف!

آنه مما يجدر بنا أن نُخْضِعَ رغباتها للدَّين، لا الدين لرغباتنا وأهوائنا.

وينبغى كذلك أن نترك الناس يتمرَّنون على جهاد أنفسهم، والتحاكم إلى شريعة الله (تعالى) فى كل أمر، لا أنْ نتأوَّل النصوص، ونلوى أعناقها-كما يقولون-، ونُحمَّلها ما لا تحمتمل(14).

هذا لمن يحبُّ الصحابة الكرام (رضى الله عنهم) ويسير على منهاجهم.

هذا هو الحبُّ الحقيقىُّ: أن نستقىَ سلوكياتنا من نبع هذا الجيل الفريد.

أنَّ المسلم الحقيقى لا يملك من الوقت ما يقضيه مع مثل هذه الأناشيد التى لم يعرفها أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم.

***

رأى عمر (رضى الله عنه) عائشة (رضى الله عنها) فخاف عليها خوفَ المؤمن كما خافت على سعد (رضى الله عنه)، فقال لها: "ما جاء بك؟ لعمرى والله إنك لجريئة! وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحّوز؟!".

قالت: "فما زال يلومنى حتى تمنَّيت أنَّ الأرض أنشقَّت لى ساعتئذ فدخَلْتُ فيها"!

خشى عمر (رضى الله عنه) وقوع بلاء يمسُّ أمَّ المؤمنين (رضى الله عنها)، فأخذ يعنَّفُها على وجودِها فى ذلك الموقع.

إنها مظاهر الرحمة على شخصيَّة المسلم والمسلمة تتجلى فى أجمل صورة بشكل عتابٍ أو تعنيفٍ محبَّب.

***

ثم يتصدىَّ طلحةُ بنُ عبيد الله (رضى الله عنه) لمناقشة عمر (رضى الله عنه) فى الأمر؛ غير متهيَّب من شخصيَّة عمر، ذلك لأن الإسلام علَّمه أن يقول الحق الذى يعتقده؛ دون مجاملة أو مداهنة.

قال (رضى الله عنه) : "إنك قد أكثرت منذ اليوم، وأين التحوُّز أو الفرار إلا إلى الله (عزَّ وجلَّ)؟!".

خالَفَ عمرَ(15) فى مقولتِه من باب حُسن التوكُّل على الله، وأن ماقدَّره الله كائن لا محالة، والفرار لا يكون إلا لله (سبحانه)، والله (تعالى) لا يضيَّع عباده المتَّقين.

***

قالت: "ويرمى سعداً رجل من المشركين من قريش يقال له: ابن العرقة-بسهم له، فقال له: خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكْحَلَه(4)، فقَطَعه".

". . . خذها وأنا ابن العرقة".

هذا هو شأن المشكين؛ افتخار بالآباء والقبائل
 والعروق. . .

(ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ العِلْمِ)(16).

***

"فدعا الله (عزَّ وجلَّ) سعدُ، فقال: الهمَّ لا تُمِتنى حتى تُقرَّ عينى من قريظة".

التجاءٌ إلى الله (تعالى) أن يُبقيَهُ على قيد الحياة وأن لا يميتَه.

تُرى؛ لماذا هذا الدُّعاء؟

أمِنْ أجْل أن يتمتَّعَ بالطعام والشراب والنساء والمال
لا. . . ولكن من أجل أمرٍ عظيم هو أجلُّ من ذلك وأسمى.

ما أكثر الذين يتمنَّوْنَ طول الحياة لتقرَّ أعينهم من اللَّذاءذ والرَّغبات. . .

(ذَرْهُمْ يَأكُلُوا ويَتَمَتَّعُوا ويُلهِهِمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمونَ)(17).

***

"الهمَّ لا تُمِتنى حتى تُقرَّ عينى من قريظة".

أجْمِلْ بها مِن أعين تلك التى لا تَقَرُّ إلا بالإيمان. . .

أنعِمْ بها من اعين تلك التى لا تَقَرُّ إلا بمقتل الإعداء والمشركين والكفَّار. . .

ألا نِعْمَتِ الأعينُ ونِعْمَ ما تَقَرُّ به.

رضى الله عنه من جيل؛ راحتُه مرضاةُ الله (تعالى) وتحقيق طاعته.

لقد أقبل عليه الموت، ولكنَّه تضرَّع إلى الله (تعالى) أن يُدْبِر عنه؛ ليحَّقق هدفاً عظيماً نبيلاً.

إنَّه خشى أن يموت ولا ينتقم من أعداء الله الذين عاثوا فى الأرض فساداً. . .

كان يتضرعُ لله (سبحانه)، وكأنَّه لا يوجد على ظهر الأرض غيره؛ ليقتَّل الكفار وينتقمَ منهم

أنه السَّباق للخير، والمسارعة فى البِرَّ، والمنافسةُ لتقتيل أعداء الله (سبحانه).

إنَّه إلغاءٌ لكلَّ معانى الاتَّكاليَّة والتواكل، وتحقيقٌ للتوكُّل على الله (سبحانه وتعالى).

***

قالت: "فَرقَأ كَلْمُه (أى: جُرْحة)،وبعث الله (عزَّ وجلَّ) الريح على المشركين، فكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قوياً عزيزاً".

تحقَّقت الأمنية بفضل الله (تعالى)، وزال خطر الموت عن سعد (رضى الله عنه)، وسخَّر الله (تعالى) الريح لطاعته، وبَعَثَها على المشركين، فكفى الله المؤمنين القتال، فم يحتاجوا فى إجلائهم إلى منازلة ولا إلى مبارزة.

قال (تعالى): (وَرَدَّ اللهُ الذينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وكَفَى اللهُ الموُمِنينَ القِتالَ وكانَ اللهُ قَوِيّاً عَزيزاً)
الأحزاب 25.

وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول: "الهمَّ! مُنزلَ الكتابَ، ومُجْرى السحاب، وهازمَ الأحزاب؛ اهزمهُم وانصُرنا عليهم(18)"

لحق أبو سفيان ومن معه بتهامة، ولحق عيينة بن بدر وَمن معه بنجد، ورجعت بنو قريظة فتحضَّنوا فى صياصيهم.

"ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فوضع السلاح، وأمر بقبَّة من أدم، فضربت على سعد فى المسجد".

قالت: "فجاء جبريل (عيله السلام) وأنَّ على ثناياه لنقع الغبار، فقال: أوَ قد وضعتَ السلاح؟! والله ما وضَعَت الملائكة بعدُ السلاح، اخرج إلى بنى قريظة فقاتلهم".

"أوَ قد وضعتَ السلاح؟! والله ما وضَعَت الملائكة بعدُ السلاح".

إنَّ جبريل (عليه السلام) يستغرب أنْ يكون الصحابة قد وَضَعوا أسلحتهم.

"والله ما وضَعَت الملائكة بعدُ السلاح"

وما أدرى! فلعلَّ الملائكة قد استنفرتْ فى السماء لدُعاء سعد: "الهمَّ لا تُمِتنى حتى تُقرَّ عينى من قريظة".

ها هو الدُّعاء الذى انبثق من قلبه (رضى الله عنه)؛ قد فتحَ اللهُ (سبحانه) له باب الإستجابة، ومنَّ عليه بذلك.

هذه حقائق ينبغى ألا يغفِلَها المسلمون.

(يَا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا إنْ تَنْصُرُا اللهَ يَنْصُرْكُمْ ويُثَبَّتْ أقْدامَكُمْ) محمد (7).

فحذار إذن أن ننتظر نصراً من زيد ومن عمرو إذا لم نَرَ منه نصراً للإسلام.

لا يكفى أن نرى من فلانٍ وعلانٍ مواقف مضيئة، ننسى فيها المواقف المظلمة الهالكة الكثيرة، ولا سيما إن كان حاكماً؛ لأن منهاج الحاكم ينعكس على الأمَّة، أما خطأ الفرد؛ فينعكس على نفسه، ومهما تعاظم ذنبه؛ فلا يبلغ ما بلغه عوج الحاكم.

والعجبُ أنَّ الأمَّة تتأمَّلُ النصر وهى نائمة؛ دون أن تجاهد نفسها وتسعى لإرضاء ربَّها (سبحانه).

فإذا أردنا النصر؛ فعلينا أن نبذل الإسباب المؤدَّية إليه؛ من تقوى، وإيمان، وتغيير ما فى الأنفس والسلوك، وإعداد لما نستطيعه من القوَّة والرَّباط.

أمَّا أن يُسخَّر المذياع فى الإنحراق، والتلفاز فى الفساد، والإعلام فى المعاصى؛ فا نأملُ بنصر أو فوز.

لقد دعا سعدٌ ربَّه دعاءً خالصاً من قبله، فاستجاب الله (سبحانه) له. . . وها نحن ندعو وندعو بالنصر على
الأعداء.  .  . ولا إجابة!

تُرى ما السرُّ فى الأمر؟!

لقد قال ربٌّنا (سبحانَه): (وقالَ رَبُكُمُ ادْعُونْى أسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر (60).

فلِمَ لم يستَجِبْ لنا؟!

 أفى الله شكُّ فاطر السماوات والأرض؟!

حاشا وكلا. . . لا يُخْلِفُ اللهُ الميعاد.

إذنْ؛ ما الأمر؟

أننا ما دعوناه فيستجيب لنا.

دعوناه بألسنة خاطئة.

دعوناه بألسنة مغتابة.

دعوناه بألسنة كاذبة.

دعوناه بألسنة منافقة.

دعوناه بألسنة زانية.

رفعنا له أيدىَ زانية.

رفعنا له أيدىَ عاصية.

رفعنا له أيدىَ مرابية.

رفعنا له أيدىَ سارقة.

رفعنا له أيدىَ ظالمة باطشة.

رفعنا له أيدىَ تعين على الإثم والعدوان.

دعوناه ونفوسنا مقيمة على المعاصى، ونسينا قولَه (سبحانه): (إنَّ اللهَ لا يُغَيَّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيَّرُوا مَا بِأنْفُسِهِمْ) الرعد (11).

لم ندعهُ (سبحانَه) بقلوب صادقة وأفئدة مخلصة. قد نقنت له فى بعض الصلوات ثم نذهب لننام، ولكنَّ الصحابة الكرام (رضى الله عنهم) كانوا يقنتون بالنوازل ويذهبون للقتال فى سبيل الله (سبحانه).

إننا لا نبذل الأسباب للقتال.

إنَّ أسمى أمانينا أن ننتصر على الأعداء، ولكن. . . هل دعونا الله (تعالى) صادقين من قلوبنا أن نموت شهداء؟!

إذا بَلَغْنا من الإخلاص حداً أن ندعو الله فيه أن يمنَّ علينا بالشهادة فى سبيله؛ فإنها الخطوة الأولى للنصر.

ثم إذا دعونا الله أن يغيَّر ما فى نفوسنا؛ فقد خطونا الخطوة الثانية للفوز.

أما الخطوة الثالثة؛ فهى أن نشرع بالعمل الجادَّ البنَّاء المستمر.

أما أن يسبَّ أبناء المسلمين الربَّ (سبحانه) ودين الإسلام فى الشوارع، ويتلفَّظون الألفاظ البذيئة؛ فالنصر عنَّا بعيد بعيد.

أمَّا أن نظلَّ غارقين فى الهوى والشهوات والمحرَّمات؛ فلا نحلم بالنصر، بل بيننا وبينه كما بين المشرق والمغرب.

***

"والله ما وضَعَت الملائكة بعدُ السلاح"

وما أدرى! فلعلَّ الملائكة قد استنفرتْ فى السماء والصحابة فى الأرض؛ تليبةً لدعوة سعد بن معذ (رضى الله عنه)؛ كى تَقَرَّ عينُه من قريظة.

قولوا هذا القول لمَن وضعَ السلاحَ عنه، ووضع اللهو والهوى فى قلبه ونفسه.

قولوه لمَن لا سلا عنده.

قولوه لمَن لا يُحْسِنُ استخدام السلاح.

قولوه لمَن لا يستطيع صناعة السلاح.

قولوه لمَن يوجَّهُ السلاح إلى غير محلَّه.

إنَّ الأمَّة التى لا تتعامل بالسلاح أمَّة هزيلة مهزومةٌ ضائعةٌ.

***

 

". . . اخرُجْ إلى بنى قريظة فقاتلهم. . . فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمَتَه".

جاء الأمر من السماء للنبىَّ صلى الله عليه وسلم بقتال بنى قُريظة، فلبِسَ الرسول صلى الله عليه وسلم لأمَتَه لأمر الله (سبحانه وتعالى).

هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسوة الحسنة لأمَّته.

هذا هو القائد العامل المجاهد يبدأ بنفسه أوَّلاً.

"وأذَّن فى الناس بالرحيل".

أصدر الرسول صلى الله عليه وسلم أوامره بالتوجُّه لقتال بنى قريظة، وكان ذلك؛ لأنهم مستعدُّون لمِثْل هذا، فأين استعدادُنا إذا طُلِب منَّ ذلك؟

لا بُدَّ من إعداد يتلوه إعداد؛ فى العقيدة، والإيمان، والقوة، والجهاد، والمجاهدة، والصبر، والمصابرة.

لابدَّ من تربية النفوس على هذا زمناً طويلاً، حتى إذا دعا داعى الجهاد؛ قمنا نلبَّى النداء.

أمَّا أن نظلَّ قاعدين ونردَّد شعارات الجهاد الزائفة؛ فهذه الإساليب لا تسمن ولا تُغنى من جوع.


***

"فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة".

حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كان الحصار فى عهد الإيمان والتقوى، ونحن الآن نُغْزَى ونُحتَلُّ ونُحاصر ونُهاجم.

ها هى الأممم قد تداعتْ علينا كما تتداعى الأكَلَة على قصعتها؛ لأننا تخلَّينا عن دين الله (تعالى)، وتركْنا الجهاد فى سبيل الله، واهتممْنا بالزَّرع والضَّرع والدَّرهم والدينار، ومع كلَّ هذه الإهتمامات؛ هُدَّدْنا فى زرعنا وأموالنا وبيوتنا وأراضينا، بل وفى أنفسنا.

خشينا الإحتلال من أعدائنا وسنظلُّ نخشاه حتى يأتى الله (سبحانه) بأمر من عنده، بل ووقع فى بعض بلادنا، بل وفى أغلاها.

"فلما اشتدَّ حصرهم، واشتد البلاء؛ قيل لهم: انزلوا على حُكْم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستشاروا أبا لُبابة بن عبد المنذز، فأشار إليهم أنه الذَّبح؛ قالوا: ننْزِلُ على حُكْم سعد بن معاذ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انْزِلوا على حُكْم سعد بن معاذ. فنزلوا".

يريد الله (تعالى) أن يحقَّق دعوة سعد (رضى الله عنه)؛ كى تَقَرَّ عينُه مِن قريظة، فكيق تمَّ ذلك؟

تمَّ ذلك بأن ينزلوا على حكمه (رضى الله عنه).

(مِنَ المُؤمِنينَ رجالٌ صَجَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاَّ) الأحزاب (23). (رَضِىَ اللهُ عَنْهُمْ ورَضُوا عَنْهُ) المائدة (119).

لا غرابة ولا عجب أن يقعَ هذا كلَّه؛ فإنه الرجل الذى قال فيه (عليه السلام): "اهتز عرشُ الرحمن لموت سعد ابن معاذ"(19).

***

"حتى إذا دنا من دورهم؛ التفت إلى قومه، فقال قد أنى لى أن لا أُبالىَ فى الله لومة لائم".

لقد آن الأوان الذى لا يبالى فى الله لومة لائم.

لقد حان الوقت الذى يحكم فيه بحُكم الله.

لقد أقبلت عليه السعادة مرفرفة بأجنحتها كى تَقَرَّ عينهُ (رضى الله عنه) من القوم الظالمين.

***

"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احكُمْ فيهم. قال سعد: فإنى أحكم أن تُقتلَ مقاتِلهم، وتُسبى ذراريهم، وتُقسم أموالهم".

كان حُكْمه (رضى الله عنه) بالقتل والسبى وتقسيم الأموال.

فماذا بقى لأولئك المجرمين؟!

وهل هناك من شىء بعد هذا تَقَرُّ به عينُهَّ (رضى الله عنه).

إنها الإستجابة للدُّعاء تتمثَّل فى صورة مشرقة مضيئة.

هذا هو الصدق مع الله (تعالى)، وهذا هو الإخلاص لله (سبحانه).

***

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكْمتَ بحُكْم الله (عزَّ وجلَّ) وحُكم رسوله".

إنَّه يمشى(رضى الله عنه) على نور من ربَّه (سبحانه).

(والَّذينَ جَاهَدُوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) العنكبوت (69).

توقيقٌ من الله (تعالى) له؛ ليحكم بالحقَّ والصواب... ليحكم بحُكْم الله (سبحانه) وحُكم رسوله صلى الله عليه وسلم. . . ذلك لأنه عاش حياته مع كتاب الله (تعالى) وتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم.

***

"ثم دعا سعد؛ قال: الهم إنْ كنت أبقيت على نبيك
صلى الله عليه وسلم   من   حرب   قريش   شيئاً؛   فأبْقِنى

لها، وإنْ كْنت قطعْتَ الحرب بينه وبينهم؛ فاقبضْنى إليك".

قالت: "فانْفَجَر كَلْمُه، وكان قد برىء حتى ما يُرى منه إلا مثل الخُرْص".

"الهم إنْ كنت أبقيت على نبيك صلى الله عليه وسلم من حرب قريش شيئاً؛ فأبْقِنى لها".

. . . سبحان الله!

ما أنقى قلوبَ هذا الجيل! ما أشدَّ ورعهم! ما أعظم تقواهم!

وكأنه لا يعيش إلا للجهاد فى سبيل الله (تعالى) ونُصرةِ دينه (سبحانه).

". . . فأبقينى لها".

أبْقِنى للحرب فى سبيلك.

أبقِنى لأقاتل الكفار والمشركين.

أبْقِنى لأعلِىَ كلمتَكَ.

أبْقِنى لتُعْبَدَ فى الأرض.

أبْقِنى لتَقْوى شوكة المسلمين.

هذا هو البقاء الذى ينبغى أن نفكر فيه وندعو له، وما سواه هو الفناء.


-------------------------------------------------------------------

(1) أتبع.                                                (2) الترس.

(3) زرد يُنسج على قدْر الرأس، يُلبس تحت القلنسوة.

(4) فى "لسان العرب": "عِرق فى اليد يُفْصَد، وقيل: الأكحل: عِرْق الحياة، يُدعى نهْر البََدن، وفى عضو منه شعبة، له اسم على حِدة، فإذا قُطع فى اليد؛ لم يرقأ الدم، وفى الحديث: أن سعداً رُمى فى أكحله. الأكحل: عِرق فى وسط الذُراع يكثر فصده"، والفصد: هو القطع.

(5) حصونهم.                                           (6) من الجلد.

(7) أداة الحرب كلّها؛ من: رمح، وبيضة، ومغفر، وسيف، ودرع. "الوسيط"

(8) هو البرذعة، وهو ما يوضع على الحمار أو البغل ليُركب عليه؛ كالسَّرج للفرس.

(9) كذا الأصل، وفى "المجمع": "أتى لى"، ولعله: "آن لى"، ويقال: أنى يأنى؛ بمعنى: دنا وقَرُب.

(10) الحلقة من الذهب والفضة.

(11) سورة الفتح: بعض الآية 29.

(12) قال الهيثمى فى "مجمع الزوائد": "رواه أحمد، وفيه محمد بن عمرو وبن علقمة، وهو حسن الحديث، وبقية رجال ثقات". وقال الحافظ فى "الفتح": "وسنده حسن".

وانظر" سلسلة الأحاديث الصحيحة" (رقم 67) لشيخنا الألبانى (حفظه الله تعالى)، حيث قال فيه: "وهذا إسناد حسن"، وأشار إلى رواية البخارى المختصرة وغيرها.

(13) لأننا اقتصرنا على الواحدة، وهم عدَّدوا؛ لتحقيق رغبة النبى صلى الله عليه وسلم فى مكاثرته الإمم بأمته يوم القيامة، ولإكثار النسل، وتقوية الأمة، والإعداد للجهاد، وكسْب الأجر والثواب، مع بذل الجهد فى التقوى والخشية لله (تعالى) فى تحقيق العدل الممكن بين نسائهم (رضى الله عنهم أجمعين).

(14) وبهذه المناسبة سرَّنى ما ذكره أحد الإخوة الأفاضل من قوله: "أن الشيطان لم يعمل بالنص، ولجأ إلى التأويل". فقال أخ حبيب آخر: "أخشى أن يَعذِره أقوام على تأويله"!.

(15) ولا يعنى هذا أن عمر (رضى الله عنه) على خطأ؛ لأنه كان يرى أن حسن التوكل لا يخالف الأخذ بالأسباب الصحيحة.

(16) سورة النجم: آيه 30.                              (17) سورة الحج: آية 3.

(18) البخارى ومسلم وأبو داود عن عبد الله بن أبى أوفى (رضى الله عنه).

(19) رواه البخارى ومسلم وغيرهما، وهو من "فتح البارى" كتاب مناقب الإنصار، باب مناقب سعد بن معاذ، المجلد السابع.

كتاب: من مواقف الصحابة

تأليف: حسين بن عُودة العوايشة

دار ابن القيم               دارُ ابن عفان

 

الأقسام الرئيسية:

الذب عن رسالة النبى صلى الله عليه و سلم ( الحلقة الثانية :حرية الرأى)

الذَّبِّ عن رسالة محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم

( الحلقة الثانية : حُرِ يَّةُ الرَّأي )

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله وصحبه ومن اتبع هداه ,أما بعد :

فقد كثر الكلام عن حوار الأديان وعن حرية التعبير وحرية التدين في الصحف والمواقع الفضائية وفى المجالس الخاصة والعامة.

وإذا بحث المسلم عن منشأ هذه الآراء فلا يجده إلا من أعداء الإسلام المتحللين من القيم والعقائد السماوية والأخلاق الرفيعة،ولا يجد له على الأوجه التي يريدونها أي سند من القرآن والسنة ؛إلا ما يُلَبِّسُ به بعض هواة هذه الحريات الذين لا يفرقون بين ما شرعه الله وما منعه من الأقوال والأعمال،ولا بين الحق والباطل ولا بين الهدى والضلال.

وأنا هنا لا أخاطب أعداء الإسلام ؛وإنما أخاطب من رضي بالله رباً ومشرعاً ورضي بالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً أو من يدعي ذلك.

- فأقول :

1 - إن الحرية الصحيحة إنما هي في الإسلام دين الله الحق الذي جاء لإخراج الناس من الظلمات إلى النور،من ظلمات الجهل والكفر والشرك والرذائل الأخلاقية إلى نور الإسلام الذي حوى التوحيد : إفراد الله الخالق الرازق المحيي المميت الذي له صفات الكمال ونعوت الجلال،إفراده وحده بالعبادة والتوجه إليه بالمطالب كلها واللجوء إليه وحده عند الشدائد والكروب.

والكفر بالطواغيت التي اتخذها ضُلال الناس آلهة وأنداداً لله ,يعبدونها ويخضعون ويخشعون لها من البشر ومن الأحجار والأشجار والحيوانات،وغيرها من المخلوقات سواء الأحياء منهم والأموات،فهذه هي الحرية الصحيحة وهذا هو التحرير الصحيح ؛أن يتحرر الإنسان الذي كرمه الله من العبودية لكل ما سوى الله.

فهل من شرع للناس هذه الحريات وينادون بها ارتفعوا بالناس إلى هذا المستوى الرفيع الذي يليق بكرامة الإنسان ؟.

- الجواب :

لا وكلا إنهم يريدون أن يبقى الناس يرسفون في أغلال هذه العبوديات المذلة يعبد كل

إنسان ما يريد ويتدين بما يهواه،من الأديان الباطلة التي بعث الرسل كلهم لإبطالها وهدمها وتطهير الأرض وتحرير العباد والعقول والعقائد والأخلاق منها.

ولن يتحرر الناس شعوباً وحكومات ؛إلا باتباع دين الله وتشريعاته العادلة الحكيمة التي تحفظ للناس دينهم الذي شرعه الله ,وتحفظ لهم عقولهم وكرامتهم وأعراضهم ودماءهم وأنسابهم وأموالهم وتضمن لهم الأمن الحقيقي والسلام الحقيقي،وتقضي على الفوضى في التشريعات والأخلاق الرذيلة المتحللة.

وتغرس في نفوس الناس العقائد الصحيحة والعبادات الصحيحة والسياسات العادلة.

وتغرس في نفوسهم الأخلاق الزكية،من الصدق والأمانة والعدل والحلم والكرم والرجولة والشجاعة،والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

وتكرِّه إلى النفوس الكفر والفسوق والعصيان والفواحش بالأقوال والأفعال.

فهل تجد في الدعوات إلى هذه الحريات شيئاً من هذه التشريعات الربانية التي فيها الزكاء والنقاء والبناء.

وفيها التحرر من الشرك بالله والعبودية لغير الله ممن لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ؟!

والتحرر فيها من الأخلاق الساقطة والأقوال الباطلة،والتحرر من الفوضى والهمجية في الدين والأخلاق.

الأمور التي تشرعها وتقرها الدعوات إلى حرية التدين وإلى حرية التعبير وإلى أخوة الأديان:

أيها المسلمون خذوا دينكم بجد وقوة وعزيمة صادقة وعضوا عليه بالنواجذ,وارفضوا هذه الدعوات الباطلة التي اخترعها أعداء الله من شياطين البشر،والتي لا هدف لها ولا غاية لها إلا هدم الإسلام،وما فيه من عقائد عظيمة وأخلاق وعبادات زكية وإخراج الناس من عبادة الله وتعظيم رسالاته ورسله إلى عبادة الشيطان والهوى والأشجار والأحجار وغيرها من المخلوقات والمنحوتات وإلى اتباع الشهوات والسقوط في حمأة الرذائل فاعتصموا بالله جميعاً،واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وكونوا عباد الله إخوانا وعلى الحق وضد الباطل أعوانا.

واجعلوا آيات التوحيد نصب أعينكم وغاية الغايات من حياتكم،ومن هذه الآيات قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ) ( الذاريات : 56-57).

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (البقرة : 21-22).

وقوله تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ ) ( البينة : 5).

والآيات في هذا الباب كثيرة فاحفظوها،وافقهوها وطبقوها في حياتكم واجعلوها دروعاً وسدوداً في وجه الدعوات الباطلة ؛بل ادعوهم ليؤمنوا ويعملوا بها وحرروهم وانتشلوهم من وهدة الضلال وظلماته ومخازيه ومن العبوديات لغير الله.

2 - يجب على جميع المسلمين أن يتذكروا وأن يعتقدوا في قرارة أنفسهم أن الله لم يخلقهم هملاً لا يأمرهم ولا ينهاهم فيختار كل إنسان ما يهواه.

قال تعالى : ( أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ) (القيامة : 36) ,

وقال تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ) ( المؤمنون : 115).

وقال تعالى : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) (ص: 27).

فلا يظن بالله هذا الظن السيء من أن الله خلقنا سدى وهملاً،وأن الله خلق السماء والأرض وما بينهما بغير حكمة ولا غاية،إلا الكفار الذين لا يتبعون رسله ولا يصدقون أخباره ووعده ووعيده ولا يحترمون تشريعاته،ولا ينقادون لأوامره ولا يجتنبون نواهيه ولا يحرِّمون ما حرمه،لا يظن هذا الظن السيء ولا يتمرد هذا التمرد إلا الكفار الذين أعد الله لهم النار خالدين فيها وبئس القرار،فهل يعتبر ويعقل وينظر في العواقب من يركض وراءهم ويدعو إلى سلوك مناهجهم بل ويزهو بها ؟

أولئك الدعاة على أبواب جهنم الذين حذَّر منهم رسولنا الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم،فيجب على علماء الإسلام التحذير منهم ومن دعواتهم وأن يكشفوا عوارها ويهتكوا أستارها بالحجج والبراهين.

3 -     يجب على الناس جميعاً أن يعتقدوا أنِّ حق التشريع لله وحده لا يملكه ولا شيئاً منه أحدٌ غيره

قال تعالى : ( إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) (يوسف : 40).

وقال تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) (الإسراء:23)

وقال تعالى ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) (الشورى:10)

وقال تعالى :( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) (الشورى:21)

وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )

 (الأعراف :33)

وقال تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) (لأعراف:157)

 والديمقراطية - وما ينشأ عنها من القول بحرية التدين وحرية الرأي وحرية التعبير- تبيح التشريع لغير الله وتبيح الشرك بالله والكفر به وتبيح الفواحش ما ظهر منها وما بطن وتبيح الإثم والبغي إلى أبعد الحدود وتبيح القول على الله بغير علم وتبيح الجدال بالباطل ليدحضوا به الحق،كما قال الله عن أسلافهم: ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ) (غافر:5).

ويجب على المسلمين أن يعتقدوا أن الله لم يشرع لهم إلا ما ينفعهم ويصلح قلوبهم وأحوالهم وحياتهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة،ولم يحرم عليهم من الأقوال والأعمال والأخلاق والمآكل والمشارب والمناكح إلا ما يضرهم ويفسد قلوبهم وأخلاقهم وحياتهم فما من خير وكمال إلا شرعه الله لهذه الأمة،وما من شرٍّ وضرر وضلال وظلم وبغي إلا حرمه ,قال تعالى : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) ( الأنعام : 38)

وقال تعالى : ( اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً ) ( المائدة : 3 ).

فماذا يريد من يدَّعي الإسلام ثم يركض وراء أعدائه مطالباً بالديمقراطية داعياً إلى حرية التعبير وحرية التدين ووحدة الأديان والمساواة بينها،ولسان حاله يقول : إنَّ الكمال كل الكمال في غير الإسلام وعند أعدائه فتلك هي الحضارة الراقية والمبادئ السامية التي يجب على أمة الإسلام أن تستضيء بها،وتدور في فلكها وتنسج على منوالها.

هذا مع العلم أن هؤلاء المغترون والغارون بها لا يأخذون من هذه الحضارة إلا الضار المهلك ؛الذي لا يزيدهم ومن يقلدهم إلا خساراً وبواراً وانحداراً.

فمن أكبر المهانات والصغار والذل والانحراف عن الإسلام وعقائده ومناهجه أن نقلد أعداء الله ورسله ودينه في تشريعاتهم وقوانينهم وقواعدهم وأخلاقهم،بدلاً عن التمسك بديننا والاعتزاز بما تضمنه من عقائد صحيحة وتشريعات حكيمة ومناهج وأخلاق عالية.

وبدل أن ندعوهم إلى الارتفاع إلى ما تسنمه الإسلام وأهله الذين فهموه والتزموه وطبقوه من قمم عالية ؛يهبط كثير من المسلمين إلى حضيض جهلهم وضلالهم ومستنقعاتهم،فيتعلق بالديمقراطية ويحاكم إليها وإلى ما انبثق عنها من قوانين وتشريعات جاهلية في أعظم قضايا الإسلام ويطلب مساواة الإسلام بالأديان الكافرة،ويطلب إنصاف الرسول الكريم انطلاقاً من هذه الديمقراطية التي شرعها اليهود والنصارى والملاحدة لإذلال المسلمين وللقضاء على تشريع رب العالمين.

يا معشر المسلمين المبهورين ( ما لكم كيف تحكمون ) وأين عقولكم ؟!

ولماذا لا تسمعون لصيحات علمائكم وعقلائكم وحكمائكم ؟!

إن الأمر والله لخطير إن لم يتدارك الله هذه الأمة،وإن لم يضاعف العلماء والحكماء والعقلاء جهودهم في صد هذه التيارات الجارفة التي تمتلك كل الوسائل الشريرة والمدمرة التي تهدف إلى اكتساح المجتمعات الإسلامية،والقضاء على الإسلام والرمي بأمة الإسلام بعيداً عن دينهم.

4 – يجب على المسلمين أن يعتزُّوا بدينهم العظيم الذي شرع لهم ضبط الأقوال والأفعال في جميع شؤونهم الدينية والدنيوية ليُجَنِّبَهُمْ المخازي والرذائل والمهالك والظلم والبغي والعدوان.

قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ) أي : في الأقوال والأفعال،فهل يوجد مثل هذا التشريع في حضارة الغرب وديمقراطيتها ؟ لا والله لا يوجد فيها العدل والإحسان والنزاهة وإنما الظلم والطغيان ولا يوجد فيها النهي عن الفحشاء والمنكر بل تشرع لهم ذلك وتحميه باسم حق الحريات.

وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ) الآية ( الحجرات:12).

انظر كيف يحمي الأعراض من السخرية والاستهزاء ومن التنابز بالألقاب وكيف يقبح هذه الأفعال ويذمُّها ,وكيف يحمي الأعراض من الغيبة ويشبه من يفعل ذلك بمن يأكل لحم البشر ميتاً تقبيحاً لها وتنفيراً منها.

فهل يوجد مثل هذا في حضارة الغرب وديمقراطيته وما نشأ عنها من تشريعات؟

لا والله لا يوجد،كيف يوجد مثل هذا في ديمقراطية تبيح في تشريعاتها كلَّ المحرمات بما فيها الزنا واللواط والخمر والربا والتحلل من الأخلاق العالية !

وما هو شرٌّ من ذلك ,وتحارب دين الله الحق بل تكفر به وتسعى جاهدة للإجهاز عليه في عقر داره.

وقال تعالى : ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لله غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِه وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ * ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ )

 ( الحج : 30-32)

فهل تجد في حضارة الغرب وديمقراطيتها تعظيماً لحرمات الله وتعظيماً لشعائره ؟

وهل فيها تشريعات صارمة باجتناب الرجس من الأوثان واجتناب قول الزور ؟!

وهل يوجد فيها أدنى تحذير من الشرك بالله وبيان خطورته ؟

كلا والله ما فيها إلا الدعوة إلى الكفر والشرك وحماية الرجس من الأوثان وإباحة قول الزور والكفر والفواحش باسم حرية التدين وقداسة الأديان وحرية التعبير !.

ومن عنده احترام للإسلام فليخجل من المناداة بالديمقراطية والتحاكم إليها باسم حرية الأديان وتقديس الأديان التي بعث الله الرسل بهدمها.

والشاهد أنَّ في الإسلام العدل في الأقوال والأعمال والمعتقدات وضبط أقوال العباد ومعتقداتهم وأعمالهم.

وفي حضارة الغرب وديمقراطيتها الفوضى الدينية والأخلاقية باسم الحريات والمساواة الكاذبة بين الحق والباطل،بل بترجيح الباطل على الحق ! والكفر والشرك على التوحيد والإيمان ؛بل بالسعي الجاد في القضاء على التوحيد والإيمان وما يتبعهما !

ومما جاء في الإسلام من ضبط الأقوال،قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) (الأحزاب70-71).

انظر إلى قوله تعالى : ( وقولوا قولاً سديداً ) وما فيه من الأمر بضبط الأقوال المناقض للفوضى الديمقراطية التي تبيح للإنسان أن يقول ويفعل ما يشاء باسم حرية التعبير ولو كان سبَّاً للأنبياء وسخرية بهم.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ". ( [1])

وقال صلى الله عليه وسلم : " إنَّ العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب " ([2])

قوله: "ما يتبين ما فيها " معناه : لا يتدبرها ويفكر في قبحها ولا يخاف ما يترتب عليها وهذا كالكلمة عند السلطان وغيره من الولاة وكالكلمة تقذف،أو معناه كالكلمة التي يترتب عليها إضرار بمسلم ونحو ذلك وهذا كله حث على حفظ اللسان " ([3])

 ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال وكثرة السؤال.

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ اللسان وكفه،فقال السائل وهو معاذ بن جبل - رضي الله عنه - : (وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم " ([4])

وعن أنس -رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما كان الفحش في شيء إلا شانه وما كان الحياء في شيء إلا زانه " ([5]).

 وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله يبغض الفاحش البذيء " ([6])

والآيات والأحاديث في هذه الأبواب كثيرة وفيها من الآداب الكريمة والتربية الراقية على الأخلاق العالية ما يزكي النفوس ويحفظ العقائد ويحمي الأعراض من الامتهان وما لا يعرف قدره إلا الشرفاء النبلاء أولو الألباب والنهي.

فهل يوجد مثل هذا الضبط لحماية الدين الحق والأخلاق الكريمة والأعراض الشريفة في حضارة الغرب وديمقراطيتها وتشريعاتها ؟؟!!.

أيها المسلمون: إنَّ الله أرسل الرسل بالآيات البينات للفرقان بين الإيمان والكفر والتوحيد والشرك والحق والباطل.

وسمى القرآن المنـزّل على خاتم الرسل فرقاناً،قال تعالى : ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ) ( الفرقان :1)

وفي الحديث : " ومحمد فرق بين الناس " وسمى الله معركة بدر فرقاناً.

قال تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الفُرْقَانِ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ ) (الأنفال : 41).

يعني يوم بدر الذي أعزَّ الله به الإسلام ونصره وأهله على الكفر والكافرين،وقال تعالى عن هذا اليوم وهذه المعركة الحاسمة الفارقة بين الحق والباطل : ( وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبْطِلَ البَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ ) (الأنفال: 7-8).

وإحقاق الحق وإبطال الباطل أمر شرعه الله وأراده شرعاً في كل زمان ومكان.

وأعداء الله يريدون غير ما يريد الله وأنبياؤه ورسله والمؤمنون الصادقون المخلصون أولو البصائر والنهى الذين لا تنطلي عليهم حيل ومكائد أعداء الإسلام المجرمون،والذين من أخطر مكايدهم الخلط بين الإسلام واليهودية والنصرانية والمجوسية بل والشيوعية ويحاربون هذا التفريق الذي شرعه الله لإحقاق الحق وإبطال الباطل ولو كره المجرمين.

فالثبات الثبات على هذا الحق وعلى هذا الفرقان

قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) (الأنفال:29)

وقال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) (الطلاق:2)

وقال أيضا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) (محمد 7)

 وقال سبحانه وتعالى :( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ) (النساء:27)

 وأشد منهم وأخطر الدعاة إلى وحدة الأديان وأخوة الأديان ومساواة الأديان !.

وتذكروا قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً. إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ) ( الإسراء : 74-75).

فماذا سيلقى من يركن إليهم ركوناً كثيراً ويميل إليهم ميلاً عظيماً والله يقول : ( قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (المائدة:100)

ومع كل ذلك فلن يحاوركم الغرب حوار الند للند بل يحاوركم حوار السيد المتعالي للعبد الذليل ,بل حوار من يفرض ما يريد.

وقد ضرب الله مثالين فارقين بين التوحيد والشرك فقال عز وجل: ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )

 ( إبراهيم 24-25)

الشجرة الطيبة هي: النخلة تؤتي ثمارها كل حين ضربها الله مثلاً للكلمة الطيبة ( لا إله إلا الله ) وما يقوم عليها من العقائد والأعمال الصالحة والأخلاق العالية.

ثم قال تعالى: ( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ) ( إبراهيم : 26).

قال المفسرون إن هذه الشجرة الخبيثة هي: الحنظل لا أصل لها ولا قرار ضربها الله مثلاً للشرك والكفر الذي شرعه الشيطان ؛فاستجاب له من خذله الله وأخزاه من أهل الملل الضالة فلو عملوا من الأعمال ما عملوا لا يقبلها الله منهم.

كما قال تعالى : ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً ) ( الفرقان 23) ومصيرهم إلى النار وبئس القرار.

بعد هذا التفريق الواضح الجلي من رب العالمين بين الإسلام والمسلمين وبين الكفر والكافرين ! يذهب أناس يدعون الإسلام يدعون إلى الخلط والمساواة بين الإسلام والنحل الكافرة ! ويطلبون من الأمم المتحدة والهيئات الدولية أن تصدر قرارات تسوي بين الأديان ولا مانع عندهم أن يكون الإسلام في ذيل الأديان ! عياذاً بالله من هذه المواقف الذليلة.

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (آل عمران : 100- 101).

 وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ. بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ )(آل عمران 149-150)

فعلى المخدوعين بقضايا الحوار وحرية الرأي وحرية التدين أن يدركوا أن الغرب الاستعماري إنما يريد فرض منهجه الفكري ويرفض الحوار إلا مع نفسه أو السائرين على نهجه اقرأ ما يقوله أحد فلاسفة الغرب وهو :

(( الكاتب الفرنسي ريجيس دوبريه في تعليقه على قضية الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول الله صلى الله عليه وسلم معتبرا أنَّ النهج الفكري الأوروبي ما زال استعماريا. وطلب دوبريه في لقاء مع أسبوعية " لو نوفيل أوبسرفاتور " الفرنسية من الأوروبيين التخلي عن محاولات فرض أفكارهم على عالم يلعب فيه الدِّين الدور الأكبر.

ويقول : " لقد خلعنا الخوذة،ولكن تفكيرنا بقي استعماريا " يقول دوبريه موضحا :

" نريد أن يكون العالم شبيها بنا وإلاَّ حكمنا عليه بالتخلّف والبربرية. ويضيف أن هذا العيب الحسّي التاريخي لدى الفوضويين والإباحيين في بلداننا يتحدَّر من ضمير محض استعماري ".

ويقول : " الغرب يفاخر بنظامه المتعدد النقدي ولكنه يرفض التحاور إلا مع نفسه أو مع شرقيين ذوي ثقافة غربية نُوكِّل إليهم مهمة إخبارنا بما نحب سماعه " )) اهـ. ([7])

وأكبر شاهد لما يقول وقد أدركه قبله ذووا العقول واليقظة أنه منذ نادى رؤساء النصرانية من حوالي ثلاثين عاماً بحوار الأديان وعقدت مؤتمرات لحوار الأديان فلم يتحرك هؤلاء إلى الإسلام خطوة واحدة،وإنما يتحرك إليهم وإلى مناهجهم من يحاورهم ويدعو إلى حوارهم ولو واجهوهم بحقائق الإسلام لتوقف الحوار ,ولفر الكنسيون فرار الأرانب من الأسود.

ويجب التنبه إلى ذوي الثقافة الغربية الحريصين على هذا الحوار ويجب أن تعرف أهدافهم كما انتبه لهم هذا الفيلسوف وبيَّن واقعهم.

 

وصلَّى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً

وكتب : ربيع بن هادي بن عُمير المدخلي

21/ صفر / 1427 هـ

 



 (1) أخرجه البخاري في كتاب: الرقاق باب :حفظ اللسان ( 6475 ) ومسلم في كتاب: الإيمان باب: الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير وكون ذلك كله من الإيمان ( 173 ).

(2) أخرجه البخاري في كتاب: الرقاق باب :حفظ اللسان (6477) ومسلم في كتاب :الزهد والرقائق : باب : التكلم بالكلمة يهوي بها في النار ( 7481).

(3) ( انظر شرح صحيح مسلم للنووي 18/ 117).

(4) " صحيح " أخرجه أحمد ( 6/305 رقم 21511 ) والترمذي في كتاب :الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 2616 ) وغيرهما، وقال الترمذي : حسن صحيح وانظر صحيح سنن الترمذي ( 590 )وإرواء الغليل ( 2/138 رقم413 ) للعلامة الألباني -رحمه الله-.

(5) " صحيح " أخرجه أحمد (3/644 رقم 12279) والترمذي في كتاب: البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب: ما جاء في الفحش والتفحش (1974) و ابن ماجه في كتاب: الزهد باب: الحياء (4185) وغيرهم وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي ( 449 ) و صحيح سنن ابن ماجه ( 695 ).

(6) " صحيح " أخرجه الترمذي في كتاب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب: ما جاء فيحسن الخلق ( 2002 ) وابن حبان في صحيحه في كتاب : البر والإحسان باب : ذكر البيان بأن الخلق الحسن من أثقل ما يجد المرء في ميزانه يوم القيامة ( 2/230 رقم 481 ) وقال الترمذي : "حسن صحيح ".

ولشطره الأخير شواهد من حديث عبد الله بن عمر وأسامة بن زيد وابن مسعود : راجع سلسلة الأحاديث الصحيحة للعلامة الألباني -رحمه الله - ( 2/536 – 537 رقم 876 ).

(7) جريدة الوطن - الاثنين 21/محرم 1427هـ الموافق 20 فبراير 2006م العدد 1970 السنة السادسة- ص/27 ).

 

 من موقع الشيخ على الشبكة  www.rabee.net

 

المشائخ والعلماء:

حكم الاحتفال بالمولد النبوى و غيره من الموالد

حكم الاحتفال بالمولد النبوي وغيره من المولد "لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله"
القسم : إملاءات > مراسلات
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الل

الأقسام الرئيسية:

المشائخ والعلماء:

علم آفات الدنيا للشيخ الإمام المحدث المفسر العلامة صديق بن حسن القنوجي رحمه الله

علم آفات الدنيا

و هي عبارة عن الأمور التي قبل الموت , كما أن الآخرة عبارة عن الأمور التي بعد الموت , و الدنيا ثلاثة أقسام :

أحدها : ما له لذة عاجلة فقط كالمعاصي و المباحات.

ثانيها : ما له لذة عاجلة و آجلة كالعلم و الطاعات لمن يتلذذ بها.

الأقسام الرئيسية:

حوار دار بين الشيخ الألبانى و بين رجل حول المولد النبوى

الشيخ الألباني :
الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هل هو خير أم شر ؟

الأقسام الرئيسية:

المشائخ والعلماء:

واقع المسلمين و سبيل النهوض

واقع المسلمين وسبيل النهوض

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ( ياأيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )

أما بعد : فإن أصدق الحديث كلام الله ،وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ،وشر الأمور محدثاتها ,وكل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضلالة ،وكل ضلالة في النار .

أما بعد : فإنّ أحوال المسلمين تقلق النّفس وتقطّع النفوس حسرات ؛ذلك أنّ الأمراض قد فتكت بهم ,العقديّة والمنهجية والسياسية وقل ما شئت من الأمراض ,والعلاج بين أيديهم ,لكنهم لا يريدون هذا العلاج إلاّ من شاء الله ,ويذهبون يبحثون عن العلاجات من هنا وهناك . والعلاج الصحيح الذي قدمه لهم ربّ العالمين قلّ من يلتفت إليه مع الأسف الشديد ,فالله وصف هذا القرآن بأنّ فيه شفاء (( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء )) ((وينزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين )) هو شفاء لهذه الأمراض - أي والله .

والله لا علاج لهم ولا مخرج لهم ممّا هم فيه من ذلٍّ وهوان وغثائية إلاّ أن يرجعوا إلى هذا الكتاب فيحكِّموه في عقائدهم وفي عباداتهم وفي مناهجهم وفي سياساتهم وفي كلّ شأن من شؤونهم ,لا علاج لهم إلاّ هذا ,ومع الأسف الأطباء الذين يقدّمون العلاج مساكين يحيدون عن هذا العلاج ويذهبون إلى العلاجات المسمومة الفتّاكة التي لا تزيدهم إلاّ بلاءً وذلاًّ وهواناً .

الرسول عليه الصلاة والسلام تحدّث عن هذه الأوضاع المترديّة المنحطّة التي ستنـزل بالأمّة وفي نفس الوقت قدّم لهم العلاج- عليه الصلاة والسلام - وقعوا في الأمراض والأدواء والغثائية - وقلّ من يريد العلاج - وإذا صاح بهم من يريد لهم الخروج ممّا هم فيه من ذلٍّ وهوانٍ وأمراض لا يسمعون له ولا يلتفتون إليه ,بل يحاربونه مع الأسف الشديد .

الذي يقول كلمة الحقّ ويدعو إلى كتاب الله وإلى سنّة رسول الله وإلى تخليص النّاس من هذه المشاكل والضلالات والبدع التي أوقعتهم في الذلّ والهوان والغثائية يُحَارب أشدّ الحرب ,يُحَارب ممن يلبسون لباس الإصلاح وهم يقودون الأمّة إلى الهلاك والدمار,وما نسمع استجابة لهذه الأصناف .

يا أمّة الإسلام أين التّوحيد الصحيح ؟ أين العقائد الصحيحة ؟ أين المنهج الصحيح ؟ الأمور التي تجمع المسلمين ,المسلمون جميعاً يجب أن يكونوا على عقيدة واحدة وعلى منهج واحد ,ولا يتوفر ذلك إلاّ في كتاب الله وفي سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما كان عليه سلفنا الصالح الذين آمنوا بالله عزّ وجلّ وبكتابه ورسله وبكلّ قضايا الإيمان والإسلام وطبّقوها في حياتهم ؛ عقائد وعبادات وأعمال وسلوك وجهاد وإلى آخر شؤون الحياة ( لا يَصلُح آخر هذه الأمّة إلاّ بما صلح به أولها ) مهما نشدت الإصلاح الإصلاح من هنا وهناك ؛الإصلاح الآن ديمقراطية ,الآن العلاج عندهم الديمقراطية ؛ الإصلاح والإصلاحيّون ,والإصلاح والإصلاحيّون ويجتمع الرّوافض والباطنيّة والعلمانيّون والكتابيون وإلى آخره على هذا الإصلاح ,يجتمعون على هذا !

ومتفقون عليه وما يريدون غيره أبداً ,لا يريدون غير هذا الذي يدعون إليه ,هذا هو الإصلاح الذي يأتي من أوربا ,ومن أمريكا يأتي من بوش ومن شارون ,هذا هو الإصلاح وهذا هو العلاج !! والصحف والمجلات والمواقع وإلى آخره لا تجد إلاّ النـزر القليل الذي يصدع بكلمة الحقّ ويدعو إلى العلاج الشافي ,( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت) نُزِعت المهابة من صدور الأعداء وقُذِف الوهن في قلوب المسلمين إلى أن وصلوا إلى حضيض الغثائية وما يريدون أن يخرجوا من هذا ,ومع الأسف كثيرٌ من علمائهم وأطبائهم يريدون الإصلاح ,الإصلاح ,حوار الأديان ,أخوّة الأديان ,تقديس الأديان ,قداسة الأديان وإلى آخره , يُهان الرسول صلى الله عليه وسلم ونحن نقول : هاتوا لنا العلاج ,هاتوا لنا الحماية ,يا هيئة الأمم احمينا ,خلّي ديننا ورسولنا مع الأديان الفاسدة ,خلّوه في ذيل هذه الأديان مع الأسف الشديد ,المسلمون الآن يُذَبَحون في العراق ولا صوت يرتفع ,أهل السنّة يُذَّبحون في العراق وما تسمع كلاما أبدا - بارك الله فيكم - وحُرِّقت المساجد وهُدِّمت على أيدي الباطنية والروافض - بارك الله فيكم - وديست المصاحف بارك الله فيكم ,ولا كلام ,كيف ؟ لأنّه غثاء ,غثاء والله .

لابد أن نعتصم بحبل الله ,لابدّ أن نتّبع كتاب الله ,لابدّ أن نطيع أوامر الله ولابدّ أن نستجيب لدعوة الله ,لابدّ أن نكون مسلمين ظاهراً وباطناً ,نطبِّق هذا الدّين الحقّ من ألفه إلى يائه ,أصحاب الرسول كانوا في ذلّةٍ وقلّة ,لكن بإخلاصهم وصدقهم وتمسكهم بكتاب ربِّهم وسنّة نبيِّهم نصرهم الله عزّ وجلّ على أقوى الدول وأعتاها في ذلك الوقت كانوا أقلّ الناس عدداً وأقلّهم عدّة وإلى آخره .. جمعهم الله تبارك وتعالى على كتاب الله وعلى سنّة رسول الله عليه الصلاة والسلام .

أنا كنت في المدينة في المسجد النّبوي وأذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم :

(( إنّ المدينة قرية تأكل القرى )) ,تأكل القرى ,كيف؟ المدينة قرية فتحت الدنيا كلّها وكان أهلها في مسجد لا يساوي جزءً من خمسين جزء من هذا المسجد الموجود الآن ,انظر المسجد النبوي الآن مليان من الساحات ,ومليان من الأمم وهم غثاء ,وفي ذلك الوقت مسجد الرسول وقرية الرسول عليه الصلاة والسلام ,مسجد الرسول صغير لا يأتي ولا جزء من خمسين جزء من مسجد اليوم ,فتح الله بهم الدنيا بصدق الإيمان والإخلاص والتّوكل على الله سبحانه وتعالى ؛ما فتحوا الدنيا بقوتهم وإنّما بنصر من الله وتأييد منه (( وما النّصر إلاّ من عند الله العزيز الحكيم )) .

يا أمّة الإسلام عليكم بالتّوحيد الذي حواه القرآن والذي جاء به جميع الأنبياء ,بلدان المسلمين تنتشر فيها القبور والخرافات والضلالات والبدع وإلى آخره ؛كيف يأتيهم النّصر ؟ وكيف تأتيهم العزّة وهم ما تركوا باباً من أبواب الذلّ إلاّ وطرقوه والعياذ بالله ولا باباً من أبواب العزّة والسعادة والسيادة والكرامة إلاّ وتحايده الكثير (( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا )) كلّكم اعتصموا بحبل الله ,ما هو حبل الله ؟ كتاب الله وسنّة رسول الله عليه الصلاة والسلام , هذا أمر لجميع الأمّة ,هل الأمّة استجابت الآن لهذا الأمر ؟

هل الأمّة الآن معتصمة بحبل الله في عقائدها وعباداتها ومناهجها ونشاطاتها ؟

كلاّ والله ,قليل ؛قليل جدّاً الذين يدعون إلى هذا المنهج وإلى الاعتصام بحبل الله عزّ وجلّ مع الأسف والباقون والله يحاربون هذا المنهج وهذه الدعوة .

أنا أعرف يا أولادي ؛وأنتم ما تعرفون ؛نحن كنّا في هذا البلد طلاّب علم يرحل طالب العلم من جنوب المملكة إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها ما نجد طلاّب العلم والعلماء إلاّ إخوة على منهج واحدٍِ , وكنت طالب علم في الجامعة الإسلامية ومدرِّساً وإلى آخره ونزلت مكّة لأكمِّل دراستي يلتقي السلفيّون أهل الحديث والسلفيون من هنا كلّهم على قلب رجلٍ واحدٍ لا خلاف بينهم في المناهج ولا في أيّ شيء من الأشياء طبعاً قد تكون أشياء جزئية خفيفة هذا ما يخلو حتى زمن الصحابة ,لكن المنهج والعقيدة وأمور الحياة كلّها حتّى السياسة تجدهم على منهج واحد لا خلاف بينهم ثم جاء الشيطان ينزغ بينهم وجاء أهل الفتن ونفثوا السموم والفرقة والتّمزيق فمزقوهم شرّ ممزق في مشارق الأرض ومغاربها ,كانوا جماعة واحدة على كتاب الله وعلى سنّة رسول الله عليه الصلاة والسلام تجدهم الآن متفرقين تجد الشباب في هذه البلاد متفرقين متنا كرين مع الأسف الشديد , ما فيه محبّة ,ما فيه مودّة ,ما فيه تآلف ما فيه تآخي ما فيه تحكيم لله كلّ واحد يحكِّم عاطفته ويشحنونه بأفكار ما يريد أن يغيرها ولا يعرف أنّه على خطأ أو على حق ,لا يا أخي .

أنا أقرأ في البخاري كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال : ( قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر ,وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا فقال عيينة لابن أخيه يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه قال سأستأذن لك عليه ,قال ابن عباس : فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر ,فلما دخل عليه قال: هيه يا ابن الخطاب فو الله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل ,فغضب عمر حتى هم به فقال له الحر : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وإن هذا من الجاهلين ,والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه ,وكان وقافا عند كتاب الله ) ,هدأ غضبه ,ذهبت عنه سورة الغضب وعفا عن هذا الإنسان كما أمره الله تبارك وتعالى .

الشاهد من هذا أنّ ابن عباس يشهد لعمر أنّه كان وقّافًا عند كتاب الله عزّ وجلّ .

عمر كان محدِّثاً ,كان فقيهاً إماماً ,لكن قد يجتهد فيخطئ ,وإذا نبهه أحد رجع ,وقّاف عند كتاب الله .

وله قصّة أخرى رضي الله عنه ,قال أبو وائل : جلست إلى شيبة ,يعني الحجبي كانت مفاتح الكعبة عنده ولا تزال عند بني شيبة في الجاهلية والإسلام ,الرسول أعطاهم مفاتيح الكعبة. قال أبو وائل : جلست إلى شيبة في هذا المسجد ,قال جلس إلي عمر في مجلسك هذا فقال: هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين ,قلت: ما أنت بفاعل قال:لم ؟ قلت:لم يفعله صاحباك . قال :هما المرآن يُقتدى بهما ) ,وقف . الأمثلة كثيرة في حياة عمر ,في وقوفه عند كتاب الله وعند سنّة رسول الله عليه الصلاة والسلام .

لكن الآن ,هل نحن وقّافون عند كتاب الله ؟ يا أخي : لا بدّ الواحد يحاسب نفسه ويقول: هل أنا على حقّ أو على خطأ في القضية الفلانية والقضية الفلانية ؟ هل أنا على حقّ أو على خطأ ؟

لا يصل إلى الحقّ إلاّ إذا استسلم لله وانقاد لله عز ّوجلّ وحكّم كتاب الله في نفسه وحكّم سنّة رسول الله في نفسه فحينئذ يمكن أن يكون وقّافا , يمكن أن يكون رجّاعا للحقّ ,لكن إذا أرسل لنفسه العنان فلا يقف في وجهه شيء لا كتاب ولا سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛فإن الباطل سيستولي عليه .

فأنا أنصح نفسي وأنصح أبنائي وأنصح إخواني وأنصح زملائي وأنصح من يخالفني أن نتقي الله في أنفسنا وفي هذه الأمّة وفي هذا الشباب ,فنحكِّم كتاب الله ونجمعهم على كتاب الله وعلى سنّة رسول الله ,ونربّي أبناءنا في مساجدنا ومدارسنا وبيوتنا على هذه الأمور وعلى هذا المنهج وأن نتقي الله في الأهواء والأغراض ,فإنّها والله شتتت الأمّة وشتّتت الشباب .

كان الصحابة كلّهم وقّافون عند كتاب الله وكان السلف الصّالح كلهم وقافون عند كتاب الله والذي يخطأ يرجع والذي يذنب يتوب ,كان الرجل يزني في عهد الرسول والمرأة تزني فلا يقرّ له قرار ولا يستريح أبداً إلاّ أن يذهب إلى رسول الله ويعترف ويقول أقم عليّ الحد ,ويقول رسول الله : لعلك كذا لعلك كذا , أبداً ,يعترف ؛لأنّه لا يرتاح أبدا ويكره الحياة ,لماذا ؟ لأنهم أناس استسلموا لله ,وليسوا بمعصومين ,نحن لسنا بمعصومين كلّنا نقع في الأخطاء لكن يجب على الإنسان أن يتوب (( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا )) .

وقعتَ في الخطأ ,في العقيدة ,في المنهج ,في السلوك ,في العبادة في شيء .

ارتكبتَ خطأً فباب التّوبة مفتوح وليس من العار ,بل الأنبياء يخطئون ويرجعون ,الأنبياء يخطئون ويرجعون ؛حكى الله عن آدم أنّه تاب من خطيئته ,وحكى الله عن داوود ,وحكى الله عن موسى .. يتوب ويتوب ويتوب ويستحي من هذا الذنب .

وحتى يأتي يوم القيامة هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتطلب منهم الشفاعة ,وهو لا يزال ضميره يؤنبه حتى آخر لحظة ,تاب ,تاب ,تاب لكن هذا الإحساس لا يمحى من ضميره ؛يطلبون من آدم الشفاعة فيقول : أنا أذنبت وأخطأت ,نفسي نفسي ,يستحي من ربّه ,يقول: إنّي أستحي من ربّي ,ثم يأتون إلى نوح فيقول : أنا أذنبت وأخطأت ,نوح ماذا أخطأ ؟ دعا على قومه ,اعتبرها خطيئة وهي حقّ ,فيستحي أن يشفع .

إبراهيم أخطأ في ذات الله عزّ وجلّ ويقول: أذنبت وموسى كذلك يقول أذنبت - بارك الله فيكم - أين نحن من هذا الحياء من الله عزّ وجلّ .

يا أخي تعيش عمرك على باطل,حياتك كلها ولا تعالج نفسك ,ولا ترجع إلى الله تبارك وتعالى ,ويمكن وراءك ألوف بل ملايين يتبعونك على هذا الخطأ ,فتحمل وزر نفسك وأوزار الآخرين ( من سنّ سنّة سيّئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) .

يا أخي ارحم نفسك ,ارحم نفسك ,سُنَّ للناس سنّة حسنة ,أنت لست تشرِّع الآن ,لكن أحيي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ,تكون كأنّك سننت للنّاس سنّة حسنة بارك الله فيكم ؛أشياء قصّر فيها الناس أو ماتت هذه السنّة فأحييتها ,الناس إذا أقبلوا عليها وعملوا بها ,فأنت تكسب أجرها ؛أجرك وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة .

وكذا إذا تعلّقت ببدعة وتبعك النّاس عليها ,فتحمل وزرك ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة .

الشاهد ؛ أننا يجب أن نرجع جميعاً إلى الله ,وأن نعتصم بكتاب الله ,وأن نتبع كتاب الله آيات كثيرة يأمر الله فيها بالاستقامة ,آيات كثيرة يأمر فيها الله بالاتّباع ,آيات كثيرة يأمر فيها الله رسوله بالاتّباع (( اتّبع ما أنزل إليك)) (( اتّبع ما أوحي إليك)) (( اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربكم )) ويقول تعالى : (( إنّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا )) أوامر كثيرة ونواهي كثيرة عن المعصية وعن المخالفات وعن وعن ...لماذا ؟ كتاب الله بين أيدينا وندرسه ونحفظه أولادنا ,وتحفيظ القرآن ,لكن أين الآداب ؟ نحفظ الألوف والألوف والحفظ مطلوب ,لكن أين العمل أين العمل ؟ القرآن ألا يدعونا إلى الاجتماع ؟! ألا يدعونا إلى الاعتصام بالكتاب والسنّة ؟ ألا يدعونا إلى ترك الباطل ؟ ألا يدعونا إلى ترك البدع ؟ ألا يدعونا إلى محاربة الشرك والضلال ؟ نتفقه في دين الله ويحاول كل واحد يعمل في نفسه ويحاول أن يعلم أسرته ويحاول أن يربّي الناس في مدرسته على هذا المنهج وعلى هذه العقيدة التي جاء بها جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ,ويحذرهم من الشرك دعاء غير له ,والذبح لغير الله ,والاستغاثة بغير الله إلى آخره ,تجد دعاة يملأون الدنيا ,لكن هذه ليست من المنكرات عندهم ,ماذا استفاد الناس منك وأنت تقرّهم على الباطل ؟

ما تزيدهم إلاّ ضلالاً ولا تزيدهم إلاّ غثائية ,ولهذا كثرت الدعوات في العالم الإسلامي من هنا وهناك وكَثُرَت الأحزاب ,والله لا يزداد الناس إلاّ بلاءً ,لماذا ؟ لأنّهم ما سلكوا طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الإصلاح ؛إصلاح الأنبياء يبدأ بماذا ؟ بالإصلاح العقائدي ؛يأتي النبي قومه وعندهم شرك ,عندهم ضلالات ,فساد طويل عريض في الحياة كلّها يبدؤون بماذا ؟ يبدؤون بإصلاح العقيدة ؛يأتي إلى قوم يدعون غير الله ,يذبحون لغير الله يتعلقون بالأصنام ,يعبدون الملائكة ,يعبدون الأشجار ,يعبدون الأنبياء إلى آخره ,فيبدأ بتصحيح العقيدة ,يصحح العقيدة .

انظر إلى العالم الإسلامي الآن ,اذهب إلى مصر ,اذهب إلى السودان ,اذهب إلى باكستان ترى العجائب ,في هذه البلاد مُحِيت القبور - ولله الحمد - ولكن دعوات الآن هيّأت الناس لهذه الأوضاع المردية ,وربما يستنكرون التركيز على الدعوة إلى التوحيد .

يا أخي الرسول عليه الصلاة والسلام كان بين الفينة والفينة يبايع أصحابه على ألاّ يشركوا بالله شيئاً ,يبايع أبا بكر وعمر وابن مسعود وعبادة ابن الصامت وغيرهم ,يبايعهم على ألاّ يشركوا بالله شيئا وأن يقيموا الصلاة وإلى آخره ,كيف يبايع أبا بكر وعمر؟! لأنّ العقيدة دائماً تحتاج إلى إذكاء ,إلى تجديد ,إلى تنبيه .

العقيدة هذه لابد أن نغرسها في أنفسنا وفي أوساطنا ونذكِّر بها.

كيف يبايع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه على ألاّ يشركوا بالله شيئا ؟

الآن لو قلت لواحد : تعالى أبايعك على ألاّ تشرك بالله شيئا كيف يفعلون ؟!!

لو وجد الآن داعية يحذرهم من الشرك ,يقولون : وهل نحن مشركون ؟ كيف أبو بكر وعمر يبايعون على ألاّ يشركوا بالله شيئا وأنتم لا تُحَذّرون من الشرك ؟!

إبراهيم عليه السلام يقول: (( واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام )) إبراهيم أبو الأنبياء وخليل الرحمن يقول : (( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ربّ إنّهنّ أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفور رحيم )) عليه الصلاة والسلام .

وهو يعلم أنّ أبناءه سيأتي فيهم الأنبياء الكثير ومع هذا يخاف ,كيف نأمن على أنفسنا

( يا مقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك ) رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول هذا ويعلّم أصحابه أن يقولوا هذا ,نحن الآن كأن عندنا ضماناً أننا لا نقع في الشرك ولا في النفاق .

كان الصحابة يخافون على أنفسهم النِّفاق يقول ابن أبي مليكة : أدركت ثلاثين من أصحاب محمد كلهم يخاف على نفسه النّفاق ,الإنسان لابد أن يخاف من النّفاق ,يخاف من الوقوع في الشرك ,يخاف أن يزيغ قلبه (( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنّك أنت الوهاب )) (( فلا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون )) ندعو الله عزّ وجلّ أن يحفظ قلوبنا ,ونبذل الأسباب التي ترسّخ الإيمان في نفوسنا ,نبذل الأسباب ؛من طاعة الله ,من الاستسلام لله عزّ وجلّ ,من الاستغفار لله عزّ وجلّ في الليل والنّهار وبالأسحار ونضرع إليه دائماً أن يثبتنا على الإسلام وأن يهدي الله على أيدينا من يريد هدايته سبحانه وتعالى .

ولابد يا إخوة من إحياء المحبّة والمودّة والأخوّة في أوساط المسلمين على أساس الكتاب والسنّة وليس على أساس النّفاق والمجاملات ,على أساس الحقّ ,إحيي الحقّ في نفسك وآخي عليه الناس وادع إليه ,ولابد من هذا التلاحم وهذا التآخي بين المسلمين (( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا )) وما الذي يفرّقنا ؟ الأهواء ؛الذي يفرق : الأهواء ,أنت لك رأي وأنا لي رأي ,وأنت تتبع فلانا وأنا أتبع فلانا ,ثمّ لا نحكّم كتاب الله جاءت حينئذٍ الفرقة وجاءت العداوة وجاءت البغضاء وجاء سفك الدماء وجاء التفرق والضياع إلى الحالة التي وصل إليها المسلمون .

فأسأل الله تبارك وتعالى أن يجمع المسلمين على الحقّ ,على كتاب الله وعلى سنّة رسول الله وأن يجمع شباب هذا البلد خاصّة على كتاب الله وعلى سنّة رسول الله عليه الصلاة والسلام ,وعليهم أن يتذكروا حال الجزيرة قبل أن تأتي الدعوة السلفية على يد الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب ,أن يتذكروا التفرق والتمزق والضياع بارك الله فيكم حتى إن بعضهم وصل به الجهل أنّه ينكر البعث ,دعْ عنك ترك الصلاة وترك الزكاة واللعب إلى آخره ,فجمعهم الله على كتاب الله وعلى سنة رسول الله وعلى هذه العقيدة الصحيحة .

فيجب يا إخوة أن نتذكر هذا الواقع المظلم الأول والواقع المضيء الثاني ,ونرجع إليه إذا حصل منا مجافاة أو نفرة عن هذا أو تنفير عنه ,أن نرجع إليه وأن نتآخى وأن ندرك أنّ أعداء الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها من الكفار واليهود والعلمانيون كلهم ما يتكالبون إلاّ على هذه دعوة ,الدعوة السلفية التي جددها الإمام محمد ابن عبد الوهاب لأنّهم يعرفوون أنّها هي الإسلام الحقّ ,لا تصدقوا أن بين الروافض وبين اليهود والنصارى عداوة أبدا ,كل هذا كذب وضحك على الناس ,لا تصدّقوا هذا التّهريج الكاذب ,كلّ هذا من ذرّ الرماد في العيون .

لا يُعادي اليهودُ والنصارى إلاّ هذا المنهج ,لأن فيهم فلاسفة ومفكرين ومستشرقين يدرسون الإسلام ويعرفون من هي الفرقة التي يمكن أن تكون ذنبا لنا وعونا لنا على الإسلام والمسلمين جميعا ويعرفون من هي الجماعة التي على الحق ولا يمكن أن تنقاد لهم ولا يجدون هذا إلاّ عند أتباع المنهج السلفي .

فاعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا .

نسأل الله أن يجمع قلوبنا جميعا على كتابه وعلى سنّة نبيه وأن يرينا عيانا ما نتمناه من عزّة الإسلام وعزّة المسلمين واجتماعهم في صعيد واحد على كتاب الله وعلى سنة رسول الله ,أسأل الله أن يحقق ذلك .وادعوا الله جميعا في خلواتكم وفي مساجدكم أن يحقق ذلك .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

 

قام بتفريغ هذه الكلمة وعرضها على الشيخ حفظه الله أخوكم فواز الجزائري

ليلة السبت 2/3/1427هـ

www.rabee.net

 

الأقسام الرئيسية:

المشائخ والعلماء:

Pages

Subscribe to المقالات