طريق الحوار الصحيح الهادف الموصل إلى الوحدة الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد :
فقد نشرت جريدة المدينة ضمن ملحقها ( الرسالة ) في يوم الجمعة 2/ 3 / 1427هـ الموافق 31 مارس 2006م /العدد (15682) : مقالاً لمحمد عطية تحت عنوان " كتب الشيعة الروائية جميعها قابلة للعرض الدقيق والتمحيص والمراجعة ".
أولاً - جاء في هذا المقال : ثناء على خادم الحرمين – حفظه الله – الذي تبنى الحوار الوطني ويشجعه لحرصه على جمع كلمة الأمة وحرصه على ما يصلحها ويدفع عنها الفتن , وأثنى على علماء السنة الذين يدعون إلى الحوار بين السنة والشيعة .
ونحن نؤيد الدعوة إلى الحوار النـزيه , وأطلب من أطراف الحوار أن يضعوا الأصول الصحيحة التي يقوم عليها الحوار والتي توصلنا إلى النتائج المحمودة التي ينشدها كل مصلح مخلص , مع رجائي أن يتوفر الصدق والإخلاص والحرص على الوصول إلى الحق والأخذ به .
وخير مثال أضربه للحوار الجاد النـزيه :
أ- حوار الصحابة المهاجرين والأنصار في السقيفة حيث انتهى بجلسة واحدة فقط بتسليم الأنصار لمهاجرين بأن الخلافة في قريش , وبناءً على ذلك تمت البيعة لأبي بكر .
ب - حوار عمر والصحابة لأبي بكر في قتال أهل الردة , حيث انتهى هذا الحوار في جلسة واحدة إذ اقتنعوا بحجة أبي بكر على وجوب قتال أهل الردة , فاجتمعت كلمتهم على قتال أهل الردة وحفظ الله الإسلام وأظهره باجتماع كلمتهم على الحق والتصميم على نصرة الإسلام .
ج- حوار ابن عباس مع الخوارج حين أرسله علي – رضي الله عنه لمحاورتهم وكانوا في أصح الروايات أربعة وعشرين ألفا عرضوا عليه شبههم على علي – رضي الله عنه – في قضية التحكيم ففندها ابن عباس شبهة شبهة في ضوء الكتاب والسنة .
ولما كان جلهم صادقاً في دينه مخلصاً في طلب الحق فسرعان ما تبددت عنهم تلك الشبه وتهاوت أمام حجج الكتاب والسنة التي أدلى بها حبر الأمة ابن عباس – رضي الله عنهما – في جولة واحدة فرجع منهم إلى الحق عشرون ألفاً من أربعة وعشرين ألفا .
هذه أمثلة قليلة من كثير يرجع فيها أهل الإنصاف وطلاب الحق إلى الصواب والحق
فهل يتخذ متحاورونا هذه ألأمثلة نبراساً يحسم كثرة الجدال والمراء المذمومين شرعاً وعقلا .
يجب أن يكون أطراف الحوار من الجادين في الوصول إلى الحق وحسم الخلاف وإنهائه على الوجه الذي يرضي الله ، ولا يجوز بحال أن يكون الحوار من أجل الحوار الأمر الذي لا يقف عند حد .
ثانياً - جاء ضمن مقاله ما نسبه إلى الشيخ عبد المحسن العبيكان – حفظه الله – من أنه " ميز بين الأقوال والأفعال , فأفعال الناس التي لا تستند إلى دليل وقول وحجة شرعية لا تحسب على المذاهب ، ولكن المعتبر هو قول أرباب المذاهب , وتفهمه أن الشيعة ليس لديهم قاعدة الصحيح في كتبهم , فإن كتب الشيعة الروائية جميعها قابلة للعرض والتدقيق والتمحيص والمراجعة , فما وافق كتاب الله وثبت صدوره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق معلوم سواء عن طريق أهل البيت عليهم السلام أو الصحابة المنتجبين رضوان الله عليهم قبل وما خالفه ضرب به عرض الجدار " .
أقول : إني أتفاءل بتسليم الشيخ محمد عطية بأن الشيعة ليس لديهم قاعدة الصحيح في كتبهم ، وكتب الشيعة الروائية جميعها قابلة للعرض والتدقيق والتمحيص والمراجعة " .
وأسأله :
1- هل علماء الشيعة كلهم على هذا الاعتقاد ؟ فإذا كانوا كلهم أو جلهم على هذا الاعتقاد فليثبت لنا ذلك بالأدلة .
2- أطلب منه بيان وسائل وطرق وموازين هذا التدقيق والتمحيص ...الخ .
3- جاء في كلامه قوله : " فما وافق كتاب الله وثبت صدوره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق معلوم سواء عن طريق أهل البيت عليهم السلام أو عن طريق الصحابة المنتجبين رضوان الله عليهم قبل وما خالفه ضرب به عرض الجدار " .
وهذا كلام جيد نتفاءل به في الجملة .
لكن هل الشيعة مستعدون للالتزام بالأصول الصحيحة المعتبرة في نقد الأخبار وبيان صحيحها من سقيمها من باطلها وكذبها .
فمن تلك الأصول أن رواية الكذابين والمتهمين بالكذب وأهل الفسق لا تقبل وروايات المجهولين والروايات المرسلة والمنقطعة والمعضلة لا تقبل وروايات الضعفاء في الحفظ وفاحشي الغلط لا تقبل , والروايات الشاذة والمنكرة لا تقبل .
ويعرف العلماء المعتبرون الحديث الصحيح بأنه رواية عدل تام الضبط متصل السند غير معل ولا شاذ وأدلتهم على ذلك الكتاب والسنة .
وهل الشيعة مستعدون للالتزام بالمنهج الصحيح في تفسير القرآن ومن ذلك تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنة وتفسير القرآن بأقوال الصحابة الذين نـزل القرآن بلغتهم وعرفوا أسباب النـزول وشاهدوا تطبيق الرسول وعاصروا نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهل هم مستعدون للسير على المنهج الصحيح في التفقه في النصوص القرآنية والنبوية بحمل المجمل على المبين وحمل المطلق على المقيد ، والعام على الخاص ومعرفة الناسخ من المنسوخ وتقديم الناسخ على المنسوخ .
فإن كان الشيعة مستعدون للأخذ بهذه الأصول في نقد كتبهم وكتبنا فقد اختصرنا طريق الحوار الطويل بل وصلنا إلى ما نريده .
ثالثاً - قال ابن عطية :
" إن أطروحة الشيخ العبيكان وكما قلتها في اتصال هاتفي مع الأستاذ عبد العزيز قاسم بعد المكاشفة بان لها أثراً ودوراً إيجابياً في وحدة المسلمين من جهة ودعم الوحدة الوطنية من جهة أخرى . ان بلاد التوحيد يتسع قلبها لكل موحد يؤمن بالله رباً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً وبالكعبة قبلة وبالقرآن الكريم الذي برأه الله وضمن سلامته وصيانته من التحريف حيث يقول سبحانه وتعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) والقائل بالتحريف يخالف شريعة السماء وقد اتفقت أقوال المذهب الشيعي المعتبرة على براءة القرآن وبراءتهم من ذلك القول وان قرآنهم قرآن سائر المسلمين ".
أقول : لو كانت الشيعة في كل زمان ومكان يقولون مثل ما قاله هنا محمد عطية لما وجدت هذه الفجوة الكبيرة والهوة السحيقة بين أهل السنة والشيعة , فالشيعة الإمامية يكفرون أصحاب محمد وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان ويكفرون أهل السنة .
وكتبهم في التفسير وفي الرواية والعقائد مشحونة بذلك .
وكتبهم في التفسير والرواية تصرح بأن القرآن قد حرفه الصحابة وزادوا فيه ونقصوا ولا سيما ما يتعلق في زعمهم بذم الصحابة وما يتعلق بالإمامة وأهل البيت .
وقد جمع النوري الطبرسي في إثبات تحريف القرآن كتاباً ضخم الحجم سماه ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ) جمع فيه أكثر من ألفي رواية تنص على التحريف وجمع فيه أقوال جميع الفقهاء وعلماء الشيعة التصريح بتحريف القرآن الموجود اليوم بأيدي المسلمين حيث أثبت أن جميع علماء الشيعة وفقهاءهم المتقدمين والمتأخرين يقولون : إن هذا القرآن الموجود اليوم بين أيدي المسلمين محرف , انظر " كشف الأسرار وتبرئة الأئمة الأطهار" للسيد حسين الموسوي " ص79 وانظر كتاب " الشيعة والقرآن " للشيخ إحسان إلهي ظهير وانظر الكافي للكليني (2/627-633) .
فإن أردت أن ينجح الحوار وتتحد الأمة فعليك بالشجاعة والصراحة والاعتراف بواقع الشيعة وهو ما اعتقدوه ودونوه في كتبهم وتداولته أجيالهم واطلع عليه أهل السنة من أن الصحابة قد حرفوا القرآن وزادوا فيه ونقصوا , يابن عطية أرجو الابتعاد في الحوار عن إنكار البدهيات .
رابعاً - قال ابن عطية : " إن الوحدة الإسلامية قادمة وما كلام هؤلاء الأعلام إلا نور على الدرب و دعم لحركة الحوار الوطني ليأخذ دوره الحقيقي وبعده العميق في توثيق الصلة والروابط بين أبناء المسلمين وأبناء الوطن الواحد "
أقول :
1- إن القاري لهذا الكلام يجد رغبة قوية من قائله في تحقيق الوحدة الإسلامية وثناء عاطراً على قيادة هذه البلاد الحكيمة وعلى العلماء الذي فتحوا صدورهم للحوار فينبغي شكرهم والتعامل معهم بكل صراحة ووضوح ولا يشك أحد في رغبة القيادة والعلماء الصادقة في إزالة أسباب الفرقة والاختلاف والفتن وهذا أمر يشاركهم فيه كل مسلم ناصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ولا سيما علماء هذا البلد فإنهم والحمد لله دعاة إلى جمع الكلمة واجتماع الأمة كلها على كتاب الله وسنة رسوله ، وما أجمل ذلك اليوم الذي تزول فيه كل أسباب الفرقة والخلاف وتقوم على أنقاضها الوحدة الصحيحة التي يتعطش لها ويرنو إليها كل من دان بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عقيدة ومنهجاً ودان بقول الله تعالى : " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً " وبقول الله تعالى : " وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله " وبقوله تعالى : " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " وقوله تعالى : " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء " وقوله صلى الله عليه وسلم : " تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك " وغير ذلك من النصوص القرآنية والسنة النبوية التي تحث الأمة على الوحدة وتحذرهم من الفرقة وتذم أهلها وتتوعدهم بالعذاب الشديد والهلاك المبيد .
2- إن ابن عطية ليصف القرآن بأنه قد برأه الله وضمن سلامته وصيانته من التحريف ويستشهد بقول الله تعالى : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " وهذا حق لا غبار عليه وهو واقع القرآن فلا يستطيع أحد أن يزيد في نصوصه وكلماته المعجزة حرفاً ولا يستطيع أن ينقص منه حرفاً ومن حاول ذلك فضحه الله وأخزاه .
ولكن التحريف لمدلولاته ومقاصده قد حصل من بعض الفرق ولا سيما الشيعة ولا سيما في كتب تفسيرهم وكتب رواياتهم !!!
ولكن الله الذي ضمن حفظ هذا القرآن بين هذا التحريف والتبديل من نصوص القرآن نفسه وعلى أيدي العلماء الربانيين .
ولا ينكر هذا إلا مكابر وأنا أتحمل المسئولية عن إثبات ما أقول .
3- وقول ابن عطية : " والقائل بالتحريف يخالف شريعة السماء ... الخ .
أقول : ثم ما حكم من يدعي أن الصحابة حرفوه ويلعنهم ويكفرهم ؟!
أرجو من ابن عطية الإجابة على هذا السؤال بل أرجو الإجابة من كل من يحرص من الشيعة على الحوار ووحدة الكلمة بين أهل السنة والشيعة وغيرهم .
4- قول ابن عطية : وقد اتفقت أقوال المذهب الشيعي المعتبرة على براءة القرآن وبراءتهم من ذلك القول وأن قرآنهم قرآن سائر المسلمين " .
أقول : لا يسلم لابن عطية دعوى اتفاق الشيعة فإن كتبهم المعتبرة ترد دعوى هذا الاتفاق وعلماء السنة المطلعون على ما في خبايا كتب الشيعة يردون هذه الدعوى الكبيرة .
وعلماء الشيعة ومنهم الطبرسي الذي فتش كتبهم وفلاها صرح بإجماع علماء الشيعة على دعوى تحريف القرآن .
ولا نسلم بدعوى ابن عطية ولعل مرد قوله إلى عدم إطلاعه ، ومن علم حجة على من لم يعلم .
إن خلاص الشيعة من هذه الفاقرة العظمى يكمن في اعترافهم بها وإدانة هؤلاء بما يستحقون من الأحكام العادلة .
هذا هو الموقف الصحيح الذي يجب على من يحرص على الحوار وعلى وحدة الأمة .
5- قول ابن عطية : " إن الوحدة الإسلامية قادمة وما كلام هؤلاء الأعلام إلا نور على الدرب ودعم لحركة الحوار الوطني ليأخذ دوره الحقيقي وبعده العميق في توثيق الصلة والروابط بين أبناء المسلمين وأبناء الوطن الواحد " .
أقول : يجب أن نجتهد جميعاً في تحقيق هذه الطموحات وندعمها بالصدق والصراحة في الأقوال والشجاعة في الأفعال وتحطيم العقبات التي تقف في وجه هذه الوحدة .
وتلك العقبات الكثيرة هي : العقائد والأقوال والأعمال المخالفة لصريح القرآن والسنة فمن توجد عنده هذه المخالفات يجب أن يعترف بها في ضوء الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة التي زكاها الله في كتابه وزكاها رسول الله في سنته وشهد لهم عدول الأمة بالتزام نصوص الكتاب والسنة ونشرها والجهاد في إعلائها وهداية البشرية إليها .
فإن فعلنا ذلك تحقق ما نصبو إليه من وحدة الأمة وتوثيق الروابط المتينة بين المسلمين وبين أبناء هذا الوطن ونكون أسوة حسنة لغيرنا في سائر العالم الإسلامي وغيره .
خامساً - قال ابن عطية : " وإذا كانت هذه الوحدة بين المسلمين سوف تدعم وحدتنا الوطنية وقد باركتها القيادة الحكيمة من جهة , ومن قبل العلماء الأفاضل وأهل العلم من جهة أخرى وتبنى الإعلام الهادف لدوره الحقيقي في إيصال هذا الصوت ونقل هذه الصورة من الانسجام الإسلامي الوطني إلى الناس فإن القارب الذي كان لا يتسع إلا لفئة واحدة سوف يتسع لغيرهم لأنه بدأ يعذر تلك الفئات الأخرى فيما أختلف معها من الفروع التي هي أصلاً موضع لاجتهاد المجتهدين وتأمل المحققين واختلافهم لم يكن في مصدر التشريع ( القران الكريم والسنة ) بل في موضع أعذر العلماء بعضهم بعضا في اختلافهم فيه وهو فهم الدليل وقراءته وسوف تجمع السفينة كل تلك الأطياف ولن تغرق لاختلافهم في الفروع التي لا ضير في الاختلاف فيها طالما استندت إلى دليل وحجة وبرهان مع احترام دليل الآخر وطالما كانت القوة الدافعة لهذه السفينة أقوى من الفروع ألا وهي تلك الأصول القطعية التي لا مجال للاجتهاد فيها وكل من آمن بها دخل في إطار الإسلام.وستصل السفينة إلى بر الأمان فالاختلاف بين ركابها من المسلمين في البسملة في الصلاة من حيث وجوب الجهر بها أو الإخفات، أو قولها أو عدمه من فروع الصلاة وأن الأصل الإقرار بالصلاة وما من مسلم سني أو شيعي لا يقر بها ولا يصلي إلا إلى الكعبة المشرفة قبلة المسلمين جميعا، والاختلاف في الصوم وإفطاره عند سقوط قرص الشمس أو غياب الحمرة المشرقية أو الاختلاف في الخمس من حيث وجوبه في الغنائم فحسب أو أوسع من ذلك كل ذلك لا يضر في وحدتنا الإسلامية بعد الإقرار بقطعية الأصول. إن الأصول القطعية التي تجمع بين مذاهب المسلمين كافية لأن نتحد فيها ونعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه بدليل وحجة شرعية فليس للفروع حكم الأصول " .
أقول :
1- كل مسلم صادق يتطلع بشوق إلى اليوم الذي تتحقق فيه الوحدة الصحيحة الحية القائمة على كتاب الله وسنة رسوله وعلى احترام سلف هذه الأمة ولاسيما الصحابة الكرام .
2- يجب احترام القيادة الحكيمة لهذه البلاد وشكرها بعد الله على حرصها على وحدة الأمة وبذلها كل ما تستطيعه لتحقيق هذه الغاية من عهد الملك عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله- الذي وحد الله أهل الجزيرة على يديه بعد شتات وتمزق وتناحر وتلاه أنجاله الكرام في الحفاظ على هذه الوحدة وتوسيع دائرتها لتحقيق الوحدة الشاملة للأمة الإسلامية وعقد المؤتمرات لتحقيق هذه الغاية النبيلة وبذل الأموال والنصح لأمة الإسلام والتعاطف معها في كل ما يواجهها من مشاكل فيجب على أطراف الحوار المبادرة بتحقيق ما تصبو إليه هذه القيادة وما يصبو إليه علماؤها الكرام ولا يتحقق ذلك إلا بحسن التجاوب والاستجابة للحق والخضوع لنصوص الكتاب والسنة وتحقيق قول الله تعالى : " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً " .
ويجب أن تسود هذه الروح كل الفئات والطوائف ولن تتحقق الوحدة المنشودة إلا إذا وجدت هذه الرغبة وهذه الروح السلسة المنقادة لحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم .
فليبادر أطراف الحوار الوطني وغيره إلى الاستجابة لله ولما يحييهم حتى تنتقل صورة وحدتهم الصحيحة إلى العالم الإسلامي فيتأسى بهم وينسج على منوالهم .
3- إنني أعتب على ابن عطية في قوله : " فإن القارب الذي كان لا يتسع إلا لفئة واحدة سوف يتسع لغيرهم لأنه بدأ يعذر تلك الفئات الأخرى ....الخ "
أقول :
كان ينبغي أن تتذكر المعاملة الحسنة والعناية الطيبة التي تقوم بها قيادة هذه البلاد نحو الشيعة في هذا البلد وأن تنقل هذه الصورة إلى القيادات الشيعية في إيران والعراق لتعامل أهل السنة بمثلها أو بقريب منها .
4- أ - حصرك الخلاف بين أهل السنة والشيعة في الفروع وأنها من مواضع الاجتهاد.
ب- تمثيلك بالاختلاف في البسملة وبالاختلاف في الصوم والإفطار عند سقوط قرص الشمس وبالاختلاف في الخمس من حيث وجوبه في الغنائم فحسب وقولك : أو أوسع من ذلك كل ذلك لا يضر في وحدتنا الإسلامية بعد الإقرار بقطعية الأصول .
فهذا الحصر وهذا التمثيل غير صحيح فإن هناك خلافات جسيمة لا يجوز لك إغفالها لأنها معروفة عند ألوف من علماء المسلمين وطلاب العلم والمثقفين وحتى اليهود والنصارى بأنها خلافات جسيمة واقعة بين أهل السنة والشيعة .
وأنا أسألك :
1- هل تجهل موقف الشيعة الإمامية والإسماعيلية من الصحابة ؟
2- وأسألك هل الإمامة عند الشيعة من الفروع أو من الأصول ؟ .
3- وهل إيجاب معرفة الأئمة عند الشيعة من الفروع أو من الأصول ؟ .
4- وهل اعتقاد عصمة الأئمة عند الشيعة من الفروع أو من الأصول ؟ .
5- وهل الوصية لعلي بالخلافة والقول بأن الصحابة اغتصبوها منه عند الشيعة من الفروع أو من الأصول ؟ .
6- وهل الإيمان بالمهدي المنتظر عند الشيعة من الفروع أو من الأصول ؟ .
7- وهل الإيمان بالرجعة وما يتبعها وما يترتب عليها عند الشيعة من الفروع أو من الأصول ؟ . ؟
8- وهل ادعاؤهم على الصحابة أنهم حرفوا القرآن من الفروع عند الشيعة وأهل السنة ؟
9- وهل اعتقادهم في الأئمة أنهم يعلمون الغيوب بل إن لهم سلطة تكوينية على كل ذرة من ذرات الكون من الفروع عند أهل السنة والشيعة .
10- وهل التقية عند الشيعة والسنة من الفروع ؟
كيف تكون التقية من الفروع وهي عندهم تسعة أعشار الدين ولا دين لمن لا تقية له وينسبون إلى أبي جعفر أنه قال :" أبى الله عز وجل لنا ولكم في دينه إلا التقية "
وينسبون إليه أنه قال : التقية من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له " انظر الكافي للكليني (2/217-218 ) .
هذه العقائد يكفر بها الشيعة من لا يدين بها بل يكفرون بكل واحدة منها ؟
11- وهل تشييد القبور والطواف حولها والاستعانة بأهلها وتقديم الأموال الطائلة والنذور والقرابين لعتباتها من الفروع عند الشيعة ؟
12- نكاح المتعة رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم عند الحاجة والضرورة ثم نسخها الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ومن رواة تحريم المتعة علي رضي الله عنه فاستباحها الشيعة ورووا في فضلها روايات يرفضها الشرع والعقل مثل قولهم :
" من تمتع بامرأة مؤمنة كأنما زار الكعبة سبعين مرة "
وقولهم روى الصدوق عن الصادق عليه السلام قال : " إن المتعة ديني ودين آبائي فمن عمل بها عمل بديننا ومن أنكرها أنكر ديننا واعتقد بغير ديننا " () والمتعة بهذه الصورة عندهم من أعظم الأصول التي يكفر تاركها .
وهناك بعض الروايات عندهم ومنها : " من تمتع مرة كانت كدرجة الحسين عليه السلام ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن عليه السلام ومن تمتع ثلاث مرات كانت درجته كدرجة علي بن أبي طالب عليه السلام ومن تمتع أربع فدرجته كدرجتي " .
فإذا تمتع المرأ عشرات المرات فكم يكون التفاوت بينه وبين أعظم الرسل صلى الله عليه وسلم ؟ .
هذه الفواقر تشكل كل واحدة منها عقبة كأداء أمام الوحدة , فإما أن يدينها الشيعة ويتبرأون منها باطناً وظاهراً ويحكمون على قائليها ومعتقديها بما يستحقون فتحصل الغاية المنشودة وهي الوحدة وإما أن يصروا عليها فيكونون هم المسئولين عن الفرقة وهم الذين وضعوا العقبات في وجه الوحدة والذين ينشدونها ويحرصون عليها .
إن الوحدة الإسلامية التي يعتقد أهل السنة وجوبها لابد أن تقوم على أصول صحيحة مستمدة من الكتاب والسنة .
سادساً _ قال ابن عطية : " ولقد حذر الله تعالى في كتابه الكريم من الاختلاف المذموم الذي يؤدي إلى التفرقة ووهن الأمة وتفرق كلمتها وهذا الاختلاف عبر عنه القرآن الكريم في عدد من آياته الكريمة , وأما الاختلاف المحمود فذلك الاختلاف الذي يكون في المواضيع التي يجوز الاختلاف فيها وبدلالة الأدلة الشرعية وليس استناداً للهوى والعواطف ولقد فطرنا على ذلك الاختلاف ( ولا يزالون مختلفين ) سورة هود آية 118" .
أقول :
1- ليس في الإسلام اختلاف محمود ولا مرغب فيه وإنما يعذر المجتهد الذي استفرغ جهده للوصول إلى الحق فلم يتبين له الحق ولم يبلغه الدليل فيعذر ويتجاوز الله عن خطئه ويثيبه على اجتهاده فقط ، ولا مدح ولا ثواب على الخطأ وليس لأحد أن يقلده في خطئه ومن قلده في خطئه بعد ظهور خطئه بالدليل فإنه آثم وقد يكفر إذا عاند النص من القرآن أو السنة .
2- هل ترى أن المسائل التي مرت في الفقرة السابقة والتي يكفر بها الشيعة أهل السنة مع أنه لا دليل عليها من الكتاب والسنة بل هي معاول تهدم الإسلام والمسلمين .
هل هذا الاختلاف في هذه المسائل من الاختلاف المحمود إن قلت نعم فقد أخرجت أهل السنة والصحابة من الإسلام كما هو دين الشيعة .
وإن قلت لا بل هو من الاختلاف المذموم المهلك فيجب أن تعلن براءتك من هذه الدواهي وأنه لا يمكن الاجتماع مادام الشيعة يؤمنون بهذه الأصول ويكفرون بها الصحابة وأهل السنة ويستحلون دماءهم وأموالهم ويحكمون عليهم بالخلود في النار.
كيف يجتمع الكفار والمسلمون وبأي عقل ومنطق ؟.
3- إن استشهادك بالآية ( ولا يزالون مختلفين ) وأن الاختلاف أمر فطري غير صحيح فالله فطر الناس على الإسلام كما جاء بذلك القرآن والسنة قال تعالى ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها ) وفي السنة " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " وقوله صلى الله عليه وسلم "خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم ... الحديث " .
وآخر الآية يرد قولك فإن الله استثنى المرحومين من المختلفين الهالكين .
فقال ( إلا من رحم ربك ) وهناك أقوال أخر هذا أرجحها .
سابعاً - قال ابن عطية : " ومع علم الله سبحانه وتعالى بذلك الاختلاف ولكن الله سبحانه وتعالى يأمرنا بأن نتحد في تلك المشتركات التي تمثل حبل الله فقال تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) فاختلافنا المحمود لا يمنع اعتصامنا بحبله تعالى بعد أن توفرت شروط الاعتصام عندنا فكلنا نعتصم بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد والخمس والتولي لأولياء الله والتبري من أعداء الله كلنا سنة نتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كنا شيعة نحب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كنا سنة " .
أقول :
1- إن هذه الأمور الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي هن المنكر ليست هي كل ما أمر الله بالاعتصام به وإنما هي من جملة ما أمر الله بالاعتصام به من أصول وفروع ومنها الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وهناك محرمات أمر الله باجتنابها وأوامر كلفنا باتباعها لا يتسع المقام لسردها .
2- إن هذه الأمور التي ذكرتها لا يؤديها الشيعة كما أمر الله ومنها شهادة أن لا إله إلا الله حيث يدعون غير الله ويستغيثون بهم ويتوكلون عليهم وغير ذلك من مخالفاتهم وذلك ينافي شهادة أن لا إله إلا الله بل تجاوزوا ذلك إلى اعتقاد أن الأئمة يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون بل لهم سلطة تكوينية على كل ذرة من ذرات الكون فهذا شرك عظيم في الربوبية .
وشهادة أن محمداً رسول الله قد أخلوا بها إذ أعطوا الأئمة حق التشريع وفضلوهم على الأنبياء والملائكة وهذه عقيدة باطنية كان أوائل الشيعة يكفرون بها الباطنية .
والجهاد عقيدة الشيعة فيه أنه لا جهاد إلى أن يقوم المهدي المزعوم .
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد قلب موضوعهما الشيعة فأصبح كثير من المعروف عندهم منكراً وعلى رأس ذلك التوحيد , والمنكر معروفاً وعلى رأس ذلك الشرك والخرافات والغلو في أهل البيت ...الخ .
والوحدة الإسلامية لا تقوم إلا على أسس صحيحة فإذا قامت على أسس خائرة متهاوية فسرعان ما تتهاوى وتسقط .
فمن كان ناصحا صادقا في نشدان الوحدة الإسلامية فليجتهد في إقامتها على الأسس المتينة الصحيحة التي قامت عليها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين – رضوان الله عليهم - والقرون المفضلة وليجتنب الغش والخلل .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من غشنا فليس منا " قالها في بائع الطعام فكيف بمن يريد أن يقيم صرح الإسلام .
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد .
كتبه
ربيع بن هادي المدخلي
7/3/1427هـ
) ) انظر من لا يحضره الفقيه ( 3/366 ) بواسطة كتاب لله ثم للتاريخ كشف الأسرار وتبرئة الأئمة الأطهار للسيد حسين الموسوي.