كشف الستر عما ورد فى السفر الى القبر "للعلامة حماد الأنصارى" من (رسائل فى العقيدة للشيخ رحمه الله )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و اله و صحبه و أجمعين.
و بعد : فقد ورد الى سؤال صورته : وقع بين شخصين نزاع , هل يجوز لشخص أن ينوى السفر لمجرد زيارة قبر النبى صلى الله عليه و سلم دون المسجد ؟ أفتونا و الله يحفظكم
و الجواب ان زيارة القبور كان منهيا عنها فى أول الاسلام لقرب الناس انذاك من عبادة الأصنام ثم نسخ ذلك بقوله (صلى الله عليه و سلم ) " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فانها تذكركم الاخرة" و أبيحت الزيارة للرجال دون النساء و بقيت فى حق النساء محرمة الى يوم القيامة لحديث ابن عباس عند أبى داود و الترمذى و غيرهما "لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم زائرات القبور" الحديث (فى الحاشية : قال الشيخ الوالد رحمه الله تعالى و غفر له (يعنى الشيخ حماد): "حديث صحيح من طريق أبى صالح عن ابن عباس و أبو صالح هذا قيل :باذام مولى أم هانىء و قيل ميزان البصرى فعلى كل من القولين الحديث صحيح لأن باذام اذا روى عنه محمد بن جحادة فحديثه صحيح بخلاف ما اذا روى عنه الكلبى و أمثاله , و أما على القول بأن أبا صالح هذا هو ميزان البصرى فلا خلاف فى صحة هذه الرواية لأنه ثقة و ليس فى سنده انقطاع و لا تدليس و لا ارسال")
كما أن شد الرحل الى قبر مخصوص محرم لحديث أبى هريرة فى الصحيحين " لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد...." الحديث
و فى هذا الحديث الأخير مشروعية شد الرحل الى أحد المساجد الثلاثة : المسجد الحرام و المسجد النبوى و المسجد الأقصى.
و أما ما سوى هذه المساجد الثلاثة فقد دل الحديث الصحيح على أنه لا يجوز شد الرحل اليه بمجرده , و ذلك اذا كان يقصد الزائر مجرد زيارة قبر النبى (صلى الله عليه و سلم) دون المسجد , و أما اذا قصد المسجد ثم زار القبر الشريف فهذا مشروع لما تقدم من مشروعية زيارة القبور للرجال .
و لم يرد عن النبى صلى الله عليه و سلم نص صحيح فى جواز شد الرحال الى قبر مخصوص , سواء كان قبر النبى صلى الله عليه و سلم أو قبر غيره , فمن ثم لم ينقل عن أحد من أصحابه رضى الله عنهم و لا عن أحد من التابعين لهم باحسان أنه شد رحلا لزيارة قبره و لا لمجرد زيارة قبر غيره.
و عن عائشة رضى الله عنها " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" فالخير فى اتباع السلف و الشر فى ابتداع الخلف.
هذا و قد استدل بعض المتأخرين ممن ينتمى الى العلم بأدلة اما موضوعة أو ضعيفة جدا لا تثبت بمثلها الأحكام الشرعية كما هو معلوم عند أهل التحقيق و المعرفة بالحديث أذكرها مع بيان بطلانها أو ضعفها بما قاله أهل الشأن , فأقول بعد الاستعانة بالله:
1- "من زار قبرى و جبت له شفاعتى" أخرجه أبو الشيخ و ابن أبى الدنيا عن ابن عمر و هو فى صحيح ابن خزيمة و أشار الى تضعيفه و قال "فى القلب من سنده شىء و أنا أبرأ الى الله من عهدته"
قلت : فيه مجهولان:
1-عبد الله بن عمر العمرى, قال أبو حاتم : مجهول , و قال غيره :ضعيف عابد.
2-موسى بن هلال البصرى العبدى , قال أبو حاتم : مجهول , و قال العقيلى : لا يصح حديثه و لا يتابع عليه - يعنى
هذا الحديث. و قال الذهبى " و أنكر ما عنده حديثه عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ....فذكر هذا الحديث.
وفى رواية "من زار قبرى حلت له شفاعتى".
2- "من حج فزار قبرى بعد وفاتى كان كمن زارنى فى حياتى" أخرجه الطبرانى و البيهقى عن ابن عمر و فيه حفص بن سليمان القارىء : قال الامام أحمد بن حنبل : متروك الحديث , و قال البخارى : تركوه . و قال ابن خراش : كذاب كان يضع الحديث. و ذكر الذهبى هذا الحديث من منكراته بما لفظه " و فى ترجمته فى كتاب الضعفاء للبخارى تعليقا : ابن أبى القاضى , حدثنا سعيد بن منصور , حدثنا حفص بن سليمان عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا:من حج و زارنى بعد مماتى ...." الحديث
3-
من زارنى بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة" أخرجه البيهقى عن أنس و فيه أبو المثنى سلمان بن يزيد الكعبى :
قال الذهبى : متروك.
و قال أبو حاتم : منكر الحديث .
و قال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به.
4-"من حج و لم يزرنى فقد جفانى" قال السخاوى فى المقاصد "لا يصح أخرجه ابن عدى فى الكامل و ابن حبان فى الضعفاء و الدارقطنى فى "العلل" و "غرائب مالك" عن ابن عمر مرفوعا.
و قال الذهبى فى الميزان : "بل هو موضوع."
5-"من زار قبرى - أو قال :-من زارنى- كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة , و من مات بأحد الحرمين بعثه الله من
الامنين يوم القيامة" أخرجه أبو داود الطياليسى فى مسنده عن عمر بن الخطاب. و فيه مجهول و سنده كما يلى : قال أبو داود:
حدثنا سوار بن ميمون أبو الجراح العبدى قال حدثنى رجل من ال عمر عن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول.....الحديث
6- "من زارنى بعد مماتى فكأنما زارنى فى حياتى و من مات بأحد الحرمين بعث من الامنين يوم القيامة" أخرجه الدارقطنى فى سننه و ابن عساكر عن حاطب .
و فيه هارون أبو قزعة أو ابن أبى قزعة : قال البخارى : لا يتابع على هذا الحديث.
و شيخ أبى قزعة أيضا مجهول.
وقد ذكر الذهبى فى الميزان حديث حاطب هذا و حديث عمر الذى قبله من منكرات هارون بن أبى قزعة.
7- " من زارنى و زار قبر أبى ابراهيم فى عام واحد دخل الجنة " قال النووى فى المجموع "حديث موضوع لا أصل له و لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث"
8- " من جاءنى زائرا لم تنزعه حاجة الا زيارتى كان حقا على أن أكون له شفيعا يوم القيامة"
أخرجه ابن النجار فى "الدرة الثمينة فى تاريخ المدينة" و الدارقطنى و فيه مسلمة بن سالم: قال الذهبى فى "ديوان الضعفاء "فيه تجهم."
وقال ابن عبد الهادى : "مجهول الحال لم يعرف بنقل العلم و لا يحل الاحتجاج بخبره و هو شبيه موسى بن هلال العبدى المتقدم."
9- " من لم يزر قبرى فقد جفانى " رواه ابن النجار فى "تاريخ المدينة" بلا سند بصيغة التمريض , و لفظه : و روى عن على , قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ....الحديث.
قال ابن عبد الهادى :هذا الحديث من الموضوعات المكذوبة على على بن أبى طالب.
قلت: و فى سنده النعمان بن شبل الباهلى كان متهما.
و قال ابن حبان : يأتى بالطامات.
و ذكره الذهبى فى" الميزان."
و فى سنده أيضا محمد بن الفضل بن عطية المدينى كذاب مشهور بالكذب و وضع الحديث.
قال الذهبى فى "الميزان": قال أحمد حديثه حديث أهل الكذب.
و قال ابن معين : الفضل بن عطية ثقة و ابنه محمد كذاب.
و قال الذهبى : مناكير هذا الرجل كثيرة لأنه صاحب حديث.
و قال أيضا : قال الفلاس : كذاب.
و قال البخارى : سكتوا عنه رماه ابن أبى شيبة بالكذب.
و قد روى هذا الحديث عن على مرفوعا بسند فيه عبد الملك بن هارون بن عنترة و هو متهم بالكذب و وضع الحديث.
قال يحيى : كذاب .
وقال أبو حاتم : متروك ذاهب الحديث.
و قال السعدى : كذاب.
و قال الذهبى " و اتهم بوضع حديث "من صام يوما من أيام البيض عدل عشرة الاف سنة"
و لهذا الكذاب - ـأعنى عبد الملك بن هارون- له بلايا كثيرة تراجع فى "الميزان للذهبى "
10- "من أتى زائرا وجبت له شفاعتى" أخرجه يحيى الحسينى عن بكير بن عبد الله مرفوعا.
و قال ابن عبد الهادى "هذا حديث باطل لا أصل له مع أنه ليس فيه دليل على محل النزاع و هو السفر الى القبر.
11-"من لم تمكنه زيارتى فليزر قبر أبى ابراهيم الخليل".
قال ابن عبد الهادى : "هذا من الأحاديث المكذوبة و الأخبار الموضوعة و أدنى من يعد من طلبة العلم يعلم أنه حديث موضوع و خبر مفتعل مصنوع و ان ذكر مثل هذا الكذب من غير بيان لحاله – لقبيح ممن ينتسب الى العلم".
12 – "من حج حجة الاسلام و زار قبرى و غزا غزوة و صلى على فى بيت المقدس لم يسأله الله فيما افترض عليه"
رواه أبو الفتح الأزدى فى الجزء الثانى من فوائده بسنده الى أبى سهل بدر بن عبد الله المصيصى عن الحسن بن عثمان الزيادى.
قال الذهبى :" حديث بدر عن الحسن بن عثمان الزيادى باطل – يعنى هذا الحديث- و قد رواه عنه النعمان بن هارون."
هذا مع أن أبا الفتح الأزدى ضعيف.
و قال ابن الجوزى :" كان حافظه و لكن فى حديثه مناكير و كانوا يضعفونه."
و قال الخطيب : "متهم بوضع الحديث"
ضعفه البرقانى و أهل الموصل لا يعدونه شيئا.
13- "من زارنى حتى ينتهى الى قبرى كنت له يوم القيامة شهيدا أو قال : شفيعا" أخرجه العقيلى فى الضعفاء عن ابن عباس مرفوعا و من طريقه أخرجه ابن عساكر.
هذا حديث موضوع على ابن جريج.
قال ابن عبد الهادى :"قد وقع تصحيف فى متنه و اسناده , أما التصحيف فى متنه , فقوله "من زارنى" من الزيارة , و انما هو "من رانى فى المنام كان كمن رانى فى حياتى" هكذا فى كتاب العقيلى فى نسخة ابن عساكر : " من رانى" من الرؤيا , فعلى هذا يكون معناه صحيحا لقوله (صلى الله عليه و سلم ) :" من رانى فى المنام فقد رانى لأن الشيطان لا يتمثل بى".
و أما التصحيف فى سنده فقوله "سعيد بن محمد الحضرمى" و الصواب " شعيب بن محمد" كما فى رواية ابن عساكر.
فعلى كل حال فهذا الحديث ليس بثابت , سواء كان بلفظ الزيارة أو الرؤيا لأن راويه فضالة بن سعيد بن زميل المزنى شيخ مجهول لا يعرف له ذكر الا فى هذا الخبر الذى تفرد به و لم يتابع عليه . "
و قال الذهبى : قال العقيلى : حديثه غير محفوظ . حدثناه سعيد بن محمد الحضرمى حدثنا فضالة حدثنا محمد بن يحيى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا " من زارنى فى مماتى كان كمن زارنى فى حياتى".
و قال الذهبى "هذا موضوع على ابن جريج".
14- " ما من أحد من أمتى له سعة ثم لم يزرنى فليس له عذر".
أخرجه ابن النجار فى تاريخ المدينة عن أنس ,
و فيه سمعان بن المهدى :
قال الذهبى : "سمعان بن المهدى عن أنس بن مالك- حيوان لا يعرف , له نسخة مكذوبة رأيتها قبح الله من وضعها".
و قال ابن حجر فى "اللسان" :" و هذه النسخة من رواية محمد بن مقاتل الرازى عن جعفر بن هارون الواسطى عن سمعان فذكر النسخة و هى أكثر من ثلاثمائة حديث" اه
-قلت : هذه أربعة عشر حديثا يستدل بها القائلون على جواز شد الرحل الى الفبر و هذه جملة ما احتج به من أجاز شد الرحل الى زيارة القبر الشريف بمفرده.
فقد تبين لك أن جميع هذه الأخبار ليس فيها حديث صحيح و لا حسن بل كلها ضعيفة جدا أو موضوعة لا أصل لها كما تقدم لك عن أئمة هذا الشأن مفصلا فلا تغتر بكثرة طرقها و تعددها فكم من حديث له طرق أضعاف هذه الطرق التى سردناها لك و مع ذلك فهو موضوع عند أهل هذا الباب , لأن الكثرة لا تفيد اذا كان مدارها على الكذابين أو المتهمين أو المتروكين أو المجهولين كما سمعت فى هذا الحديث فانها لا تخلو من كذاب أو متهم أو متروك أو مجهول لا يعرف أبدا و مثل هذا لا يصلح للتقوية كما هو معلوم عند أهل هذا الفن هذا اذا لم يكن من الصحيح ما يبطله فكيف و هو موجود و معلوم فى الصحيح كما تقدم من منع شد الرحل الى غير المساجد الثلاثة.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية فى "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" : " لم يثبت عن النبى صلى الله عليه و سلم حديث واحد فى زيارة قبر مخصوص و لا روى فى ذلك شيئا لا أهل الصحيح و لا السنن و لا الأئمة المصنفون فى المسانيد كالامام أحمد و غيره , و انما روى ذلك من جمع الموضوع و غيره.
و أجل حديث روى فى ذلك حديث رواه الدارقطنى و هو ضعيف باتفاق أهل العلم.
بل الأحاديث المروية فى زيارة قبره صلى الله عليه و سلم كقوله "من زارنى و زار أبى ابراهيم الخليل فى عام واحد ضمنت له على الله الجنة" و " من زارنى بعد مماتى فكأنما زارنى فى حياتى" (قال الشيخ حماد فى الحاشية :"روى هذا أيضا فى حديث طويل عن عثمان بن مظعون , و فى سنده ضعيف , و كذاب , و مجاهيل , فالكذاب القاسم العمرى , قال أحمد : كان يكذب و يضع. و مع الأسف ذكره ابن الجوزى فى "التلبيس" كعادته فى كتبه من ذكر الموضوعات دون بيان ") و "من حج و لم يزرنى فقد جفانى " و نحو هذه الأحاديث- مكذوبة موضوعة."
قلت: هذا هو الصواب الذى يجب أن يدان الله به و من كان عنده حديث صحيح فى هذا الموضوع – أعنى فى جواز شد الرحل الى قبر مخصوص – فعليه البيان.
و أما هذه الأحاديث فهى كما قدمت اما أحاديث موضوعة مكذوبة و اما أحاديث ليست فى شد الرحل بل هى فى الزيارة المشروعة المجمع عليها.
و فى هذه الزيارة نصوص صحيحة صريحة تغنى عن هذه البواطل التى لا يصح الاحتجاج بها فى ثبوت حكم من الأحكام الشرعية كائنا ما كان , بل و لا تجوز روايتها لا مع بيان أنها موضوعة أو ضعيفة لا تصلح للاحتجاج بها لئلا يدخل فى قوله صلى الله عليه و سلم :"من حدث عنى بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" عند مسلم و غيره عن المغيرة بن شعبة و سمرة بن جندب مرفوعا بألفاظ متعددة.
و الله أعلم و صلى الله على نبينا محمد و اله و سلم.